موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٣٣١١] مسألة ١٠ : إذا آجر دابّة لحمل متاع فعثرت وتلف أو نقص لا ضمان على صاحبها (١) ، إلّا إذا كان هو السبب بنخس أو ضرب.

[٣٣١٢] مسألة ١١ : إذا استأجر سفينة أو دابّة لحمل متاع فنقص أو سرق لم يضمن صاحبها (٢). نعم ، لو اشترط عليه الضمان صحّ (*) ، لعموم دليل الشرط وللنصّ (٣).

______________________________________________________

نعم ، إذا كانت أكثر توقّف ذلك على التراضي مع المولى ، فإن أعطاه الدية فهو ، وإلّا فيسترقّه بمقدار ما يستحقّه ، فيكون العبد وقتئذٍ مشتركاً بينهما فيباع ويقسّم.

وعلى الجملة : فإطلاق كلام الماتن في غير محلّه ، بل الحكم خاصّ بالخطإ ، وأمّا في العمد فلا خيرة للمولى ، بل التخيير لوليّ المقتول أو المجنيّ عليه على تفصيلٍ مذكور في محلّه حسبما أشرنا إليه.

(١) لعدم استناده إليه بعد أن لم يكن هو السبب في العثرة ، فلا إتلاف في البين ليستوجب الضمان ، بل هو من التلف غير المضمون كآفة سماويّة ، بل قد عرفت في المسألة السابعة أنّ عثرة الحمّال أيضاً كذلك ، فلا يصدق الإتلاف عرفاً إذا لم يكن عن تعدٍّ وتفريط وإن ادّعى الماتن صدقه هناك ، فلاحظ.

(٢) لعدم المقتضي له بعد كونه أميناً.

(٣) تقدّم في أوّل الفصل عدم نفوذ هذا الشرط ، لقصور دليله عن الشمول له بعد أن كان الضمان وعدمه من أفعال المولى وخارجاً عن عهدة المشروط عليه ، فلم يكن تحت اختياره ، ولا يكاد يكون الشرط مشرّعاً. وأمّا النص

__________________

(*) على تفصيل تقدّم آنفاً.

٢٦١

[٣٣١٣] مسألة ١٢ : إذا حمل الدابّة لمستأجره أزيد من المشترط أو المقدار المتعارف مع الإطلاق ضمن تلفها أو عوارها (١) ، والظاهر ثبوت اجرة المثل لا المسمّى مع عدم التلف ، لأنّ العقد لم يقع على هذا المقدار من الحمل. نعم ، لو لم يكن ذلك على وجه التقييد (*) ثبت عليه المسمّاة وأُجرة المثل بالنسبة إلى الزيادة.

______________________________________________________

المشار إليه وهو موثق موسى بن بكر المتقدم في المسألة الأُولى ص ٢٣٢ فقد عرفت أنّه محمول على شرط الفعل لا شرط النتيجة الذي هو محلّ الكلام ، وهذه المسألة في الحقيقة تكرار لما سبق ، فلاحظ.

(١) لكونه متعدّياً بعد تجاوزه عن الحدّ المشترط عليه ، أو المنصرف إليه الإطلاق الذي هو أيضاً في قوّة الاشتراط ، فلا تكون اليد يد أمانة حينئذٍ ، بل يد عدوان وضمان ، فلا جرم كان تلفها أو عوارها عليه.

هذا بالنسبة إلى حكم التلف أو العوار من عيب أو نقص.

وأمّا بالنسبة إلى الأُجرة التي يستحقّها المؤجر فقد فصّل (قدس سره) حينئذٍ بين ما إذا كان التحديد المزبور ملحوظاً بنحو الاشتراط ، وبين ما كان على سبيل التقييد.

ففي الأوّل : يستحقّ الأُجرة المسمّاة تجاه المنفعة المقرّرة وأُجرة المثل بالنسبة إلى ما حصل من الزيادة.

وفي الثاني : يستحقّ اجرة المثل لمجموع ما استوفاه من المنفعة ، دون أن

__________________

(*) المرتكز العرفي هو الاشتراط دون التقييد ، ولو فرض التقييد بنصب القرينة عليه فالظاهر ثبوت الأُجرتين كما سيأتي.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يستحقّ شيئاً من الأُجرة المسمّاة ، لعدم حصول ما وقع بإزائها.

أقول : ما أفاده في الفرض الأوّل صحيح ومطابق للقاعدة في كلتا الأُجرتين ، أمّا المسمّاة فلفرض صحّة العقد واستيفاء المنفعة المقرّرة ، وأمّا المثل فلأجل أنّ الزائد لم يكن مورداً للإيجار ، فهو تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، ولا يذهب مال المسلم هدراً ، فلا جرم يضمن قيمته الواقعيّة ، ونتيجته استحقاق اجرة المثل ، وهذا واضح.

وأمّا الفرض الثاني : الذي هو على خلاف التفاهم العرفي ومرتكزاتهم ، لبعده عن أذهان عامّة الناس في أمثال المقام ، لجريان العادة على لحاظ التحديد المزبور على سبيل الاشتراط كما لا يخفى ، ولكن لو فرضنا حصول الفرض خارجاً بحيث لوحظ الحدّ بنحو التقييد وبشرط لا ، وليفرض التصريح به وأنّه آجره الدابّة في المنفعة الخاصّة وهي حمل عشرة أمنان مثلاً المقيّدة بعدم الزيادة وقد حمّلها المستأجر خمسة عشر منّاً مثلاً فاستوفى منفعة مغايرة لما وقعت الإجارة عليه ومباينة له ، لتضادّ الطبيعة بشرط لا مع الطبيعة بشرط شي‌ء.

فحينئذٍ لا نعرف وجهاً صحيحاً لما أفاده (قدس سره) من سقوط المسمّاة والانتقال إلى المثل ، إذ ما هو المسقط بعد فرض صحّة العقد ، وتمكين المستأجر من العين ليستوفى المنفعة منها؟! غاية الأمر أنّه باختياره فوّت المنفعة على نفسه وأبدلها بمنفعة أُخرى ، فالتفويت مستند إليه لا إلى المؤجر. بل الظاهر استحقاق كلتا الأُجرتين ، أمّا المسمّاة فلما عرفت ، وأمّا المثل فلتصرّفه في المنفعة الأُخرى من غير إذن المالك الذي حرمة ماله كحرمة دمه ولا يذهب هدراً.

وسيصرّح الماتن بذلك في المسألة السادسة من الفصل الآتي المنعقدة للعين المشتملة على المنفعتين المتضادّتين اللتين وقعت الإجارة على إحداهما فاستوفى المستأجر الأُخرى ، كما لو آجره العبد في مدّة معيّنة ليستعمله في الخياطة

٢٦٣

[٣٣١٤] مسألة ١٣ : إذا اكترى دابّة فسار عليها زيادةً عن المشترط ضمن (١) ، والظاهر ثبوت الأُجرة المسمّاة بالنسبة إلى المقدار المشترط ، وأُجرة المثل بالنسبة إلى الزائد.

[٣٣١٥] مسألة ١٤ : يجوز لمن استأجر دابّة للركوب أو الحمل أن يضربها إذا وقفت على المتعارف أو يكبحها باللجام أو نحو ذلك على المتعارف ، إلّا مع منع المالك عن ذلك (٢) ، أو كونه معها وكان المتعارف

______________________________________________________

فاستعمله في الكتابة مثلاً فإنّ لازم اختياره الأُجرتين هناك وهو الصحيح حسبما عرفت اختيارهما في المقام أيضاً بعد اندراجه في تلك الكبرى وكونه من مصاديق تلك المسألة.

فإنّه يستحقّ المسمّاة بمقتضى افتراض صحّة العقد وأُجرة المثل للمنفعة التي استوفاها. وستعرف إن شاء الله تفصيل البحث في تلك المسألة.

(١) كما لو استأجرها للسير إلى كربلاء فسار إلى بغداد ، وقد دلّت على الضمان جملة من الروايات التي منها صحيحة أبي ولّاد (١) وغيرها ممّا تضمّن أنّ كلّ من تصرّف في مال أحد من عين أو منفعة ضمن بدله ، فلدى استيفاء المنفعة الزائدة لا بدّ من دفع اجرة المثل زائداً على الأُجرة المسمّاة بإزاء المقدار المشترط كما هو ظاهر.

(٢) أي منعاً رافعاً للجواز ، كما لو كان مشروطاً في ضمن العقد ، لوضوح عدم حقّ له في المنع عمّا هو المتعارف بدون ذلك ، أو لقيام قرينة عرفيّة على عدم الجواز كمصاحبة المالك وقيام التعارف على كونه هو السابق. فكلّ ما لم

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١١٩ / كتاب الإجارة ب ١٧ ح ١.

٢٦٤

سوقه هو ، ولو تعدّى (١) عن المتعارف أو مع منعه ضمن نقصها أو تلفها ، أمّا في صورة الجواز ففي ضمانه مع عدم التعدّي إشكال ، بل الأقوى العدم ، لأنّه مأذون فيه.

[٣٣١٦] مسألة ١٥ : إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن إلّا مع التقصير في الحفظ ولو لغلبة النوم عليه (*) أو مع اشتراط الضمان (**) (٢)

______________________________________________________

يكن قرينة ولا شرط جاز الضرب بمقتضى الإطلاق المنزل على حسب المتعارف.

(١) وهل يضمن لو ترتّب عيب أو عوار على الضرب المزبور؟

فصّل (قدس سره) بين موارد الجواز وعدمه ، ففي الثاني يضمن ، لكونه تعدّياً وتفريطاً وتصرّفاً في مال الغير بغير إذنه ، دون الأوّل ، إذ بعد أن كان مأذوناً من قبل المالك بمقتضى التعارف الخارجي ولم يكن متعدّياً ولا مفرّطاً كما هو المفروض فما يترتّب عليه من الضرر بما أنّه ينتهي إلى المالك فهو صادر بالآخرة عن إذنه وإلغائه احترام ماله ، فلا يكون فيه ضمان. وما ذكره (قدس سره) هو الصحيح.

(٢) أمّا الضمان في مورد التقصير في الحفظ من تعدٍّ أو تفريط فممّا لا إشكال فيه ، إلّا أنّ عدّ غلبة النوم من مصاديق التقصير المزبور لا يستقيم على إطلاقه ، وإنّما يتّجه فيما لو نام بعد الغلبة اختياراً دون ما لو كان مدافعاً ومكافحاً فغلبه النوم قهراً من غير إرادة منه واختيار.

وأمّا استثناء شرط الضمان فوجيه لو كان على سبيل شرط الفعل لا شرط

__________________

(*) في كونها من التقصير في الحفظ مطلقاً إشكال بل منع.

(**) بمعنى التدارك كما تقدّم.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

النتيجة واشتغال الذمّة حسبما سبق مستوفى ، فلاحظ (١).

ثمّ إنّ الظاهر من كلام صاحب الجواهر الذاكر لهذه المسألة في ذيل المسألة الآتية أعني : مسألة الحمّامي عدم الخلاف فيها وأنّ الأجير على الحفظ من دون تعدٍّ ولا اشتراط لا يكون ضامناً (٢).

غير أنّه (قدس سره) ذكر أنّه يستفاد من بعض الأخبار الضمان ، وهو مضافاً إلى مخالفته لما دلّ من الروايات الكثيرة على عدم ضمان الأمين معارَض بصحيحة الحلبي الناطقة بعدم الضمان ، والمرجع بعد التساقط عمومات عدم ضمان الأمين.

أمّا ما دلّ على الضمان فهو موثّق إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه : «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثياب ، لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام ولم يأخذ على الثياب» (٣).

ونحوها رواية أبي البختري وهب بن وهب وإن كانت ضعيفة جدّاً ، بل قيل : إنّه أكذب البريّة (٤).

فذكر (قدس سره) أنّ التعليل الوارد في الموثّق يدلّ بالمفهوم على الضمان فيما إذا كان الجعل بإزاء الثياب بحيث كان الأجير مأموراً بحفظها.

وأمّا ما دلّ على عدمه فهو صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ... عن رجل استأجر أجيراً فأقعده على متاعه فسرق «قال : هو مؤتمن» (٥).

__________________

(١) في ص ٢٢٦ ـ ٢٣٤.

(٢) الجواهر ٢٧ : ٣٣١.

(٣) الوسائل ١٩ : ١٤٠ / كتاب الإجارة ب ٢٨ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٩ : ١٤٠ / كتاب الإجارة ب ٢٨ ح ٢.

(٥) الوسائل ١٩ : ١٤٢ / كتاب الإجارة ب ٢٩ ح ٣ ، التهذيب ٧ : ٢١٨ / ٩٥٢.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حيث إنّ ظاهرها أنّ الإجارة كانت بإزاء الحفظ والقعود ، بقرينة فاء التفريع الظاهر في كون القعود المزبور مترتّباً على الاستئجار رعايةً للحفظ المستأجر عليه.

هذا ، والمذكور في موضعين من الوسائل : فسرقه ، وهو من غلط النسخة جزماً وكذلك الطبعة القديمة من التهذيب ، وصحيحه : فسرق ، كما في التهذيب الطبعة الحديثة منه.

وكيفما كان ، فبعد تعارض النصّين يرجع إلى عمومات عدم ضمان الأمين كما عرفت.

أقول : ما ذكره (قدس سره) حسن لو فسّرنا الموثّقة بما عرفت من الضمان فيما إذا كانت الأُجرة بإزاء حفظ الثياب ، وعدمه لو كانت بإزاء دخول الحمّام ، مع كون السرقة من باب الصدفة من غير تعدٍّ من الحمّامي أو تفريط ، للزوم حملها على هذه الصورة بطبيعة الحال كما لا يخفى.

ولكن من المحتمل تفسيرها بوجهٍ آخر يجعلها أجنبيّة عن محلّ الكلام بالكلّيّة ، بأن تكون ناظرة إلى نوع من الحمّامات التي كانت متداولة في العهد القديم ولا سيّما في القرى وقد شاهدنا بعضها من عدم تعهد الحمّامي بحفظ الثياب رأساً ، بل قد لا يكون موجوداً أصلاً ، فيدخل من يدخل ويغتسل ويخرج من دون أن يدع ثيابه عند أحد اعتماداً على وثوقه بسلامتها.

فلعلّه (عليه السلام) يشير إلى قضيّة خارجية متعارفة من عدم كون صاحب الحمّام ملتزماً ولا مسؤولاً عن الثياب حتى لو كان تلفها مستنداً إلى تفريطه وعدم اهتمامه بالحفظ ، لعدم كونه مأموراً بذلك بوجه ، لكي يكون تلفها محسوباً عليه ، وإنّما يأخذ الأُجرة بإزاء محض الدخول فحسب. فغايته أن تدلّ بالمفهوم على الضمان فيما لو كان مأموراً بالحفظ وقد تعدّى وفرّط فيه لا حتى من غير تقصير الذي هو محلّ الكلام كما لا يخفى.

٢٦٧

وهل يستحقّ الأُجرة مع السرقة؟ الظاهر : لا ، لعدم حصول العمل المستأجر عليه (١) ، إلّا أن يكون متعلّق الإجارة الجلوس عنده وكان الغرض هو الحفظ لا أن يكون هو المستأجر عليه.

[٣٣١٧] مسألة ١٦ : صاحب الحمّام لا يضمن الثياب (٢) إلّا إذا أُودع وفرّط أو تعدّى ، وحينئذٍ يشكل صحّة اشتراط الضمان أيضاً لأنّه أمين

______________________________________________________

فإن تمّ ما ذكرناه ، وإلّا فهي معارضة بالصحيحة ، والمرجع عمومات عدم ضمان الأمين حسبما ذكره (قدس سره).

والمتحصّل ممّا تقدّم : أنّ من استؤجر على حفظ مال ولم يتعدّ ولم يفرّط ولم يشترط عليه الضمان بالمعنى الذي عرفت لا يكون ضامناً له لدى تلفه أو سرقته.

(١) إذ المفروض وقوع الإجارة بإزاء منفعة الحفظ بزعم القدرة عليه بالقدرة على مقدّمته ، فانكشف عدم تمكّنه منه بحسب الواقع ، فلم تكن له هذه المنفعة ليملكها وإن تخيّل أنّها له ، فلا جرم تنفسخ الإجارة فلا يستحقّ الأُجرة (١).

(٢) هذه المسألة يمكن تصويرها على وجوه كما تظهر من مطاوي المتن أيضاً :

أحدها : أن يكون صاحب الحمّام أجيراً على حفظ المتاع بحيث يقع الحفظ مورداً للإجارة ، فيدفع الأُجرة بإزاء الدخول والحفظ معاً ، وهذا داخل في المسألة السابقة ، بل هو من أحد مصاديقها ، وقد عرفت عدم ضمانه إلّا مع

__________________

(١) وبهذا البيان يتّضح الجواب عن تعليقة السيّد البروجردي (قدس سره) في المقام ، فلاحظ.

٢٦٨

محض (*) ، فإنّه إنّما أخذ الأُجرة على الحمّام ولم يأخذ على الثياب. نعم ، لو استؤجر مع ذلك للحفظ أيضاً ضمن مع التعدّي أو التفريط ومع اشتراط الضمان أيضاً ، لأنّه حينئذٍ يأخذ الأُجرة على الثياب أيضاً فلا يكون أميناً محضاً.

______________________________________________________

التفريط أو التعدّي كما عرفت حال اشتراط الضمان ، فإنّه عين تلك المسألة فلا نعيد.

ثانيها : أن تقع الأُجرة بإزاء الدخول فقط من غير أن تكون الثياب في عهدة الحمّامي بتاتاً حتى على سبيل الاستيداع ، فهو أجنبي عن الحفظ رأساً كما في جملة من الحمّامات الدارجة في القرى.

وقد عرفت في المسألة السابقة عدم الضمان في هذه الصورة حتى مع التقصير والتفريط في الحفظ ، لعدم كونه مأموراً به بعد فرض خروجه عن عهدته ، وهذا أيضاً واضح.

ثالثها : عين الثانية مع فرض كون الثياب وديعة عنده ، ولا إشكال حينئذٍ في الضمان مع التعدّي أو التقصير ، لكونه خيانة في الأمانة المأمور بحفظها بمقتضى الاستيداع.

وهل يضمن مع الاشتراط؟

استشكل فيه في المتن ، باعتبار أنّه أمين محض ، والأمين محسن ، ومثله لا يضمن حتى مع الشرط.

وفيه : أنّ الأمانة المحضة إنّما تنافي الضمان بمعنى اشتغال الذمّة لا مجرّد التدارك

__________________

(*) إذا كان الضمان بمعنى التدارك فاشتراطه لا ينافي كونه أميناً.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الخارجي ، فلا مانع من اشتراطه ووجوب الوفاء به بمقتضى عموم : «المؤمنون عند شروطهم» ، الشامل للشروط في كافّة العقود التي منها عقد الوديعة.

وبعبارة اخرى : مفهوم الائتمان وإن كان آبياً عن الضمان إلّا أنّه لا شبهة في جواز تصدّي الودعي للتدارك الخارجي من خالص ماله برضاه واختياره ، فإذا كان سائغاً في نفسه فلا مانع من اشتراطه ووجوب الوفاء به بمقتضى عموم دليله.

فالذي لا يمكن الالتزام به في المقام هو الضمان بمعنى الكون في العهدة واشتغال الذمّة ، إذ لا معنى لتضمين المحسن الأمين ، لا الضمان بمعنى التدارك الخارجي. فالظاهر جواز الاشتراط بهذا المعنى في المقام وفي كلّ وديعة.

٢٧٠

فصل

[في الإجارة الثانية]

يكفي في صحّة الإجارة كون المؤجر مالكاً للمنفعة أو وكيلاً عن المالك لها أو وليّاً عليه (١) وإن كانت العين للغير ، كما إذا كانت مملوكة بالوصيّة أو بالصلح أو بالإجارة فيجوز للمستأجر أن يؤجرها من المؤجر أو من غيره ، لكن في جواز تسليمه العين إلى المستأجر الثاني بدون إذن المؤجر إشكال (*). فلو استأجر دابّة للركوب أو لحمل المتاع مدّة معيّنة فآجرها في تلك المدّة أو في بعضها من آخر ، يجوز ، ولكن لا يسلّمها إليه ، بل يكون هو معها ، وإن ركبها ذلك الآخر أو حمّلها متاعه فجواز الإجارة لا يلازم تسليم العين بيده ، فإن سلّمها بدون إذن المالك ضمن. هذا إذا كانت الإجارة الأُولى مطلقة.

______________________________________________________

(١) والضابط أن يكون أمر المنفعة بيده ومالكاً للتصرّف فيها ، إمّا لملكيّتها أو لما في حكمها من الوكالة أو الولاية ، وإلّا كان تصرّفه فضوليّاً منوطاً بإجازة المالك.

__________________

(*) لا يبعد الجواز إذا كان المستأجر الثاني أميناً مع إطلاق العقد كما هو المفروض ، ومع ذلك للمالك مطالبة العين من المستأجر الأوّل بعد انقضاء المدّة ، وبذلك يظهر عدم ضمانه بالتسليم إلى المستأجر الثاني.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ملكيّة العين فغير معتبرة في صحّة الإجارة ، بل قد تكون لشخصٍ آخر ، ولا يكون المؤجر إلّا مالكاً للمنفعة فقط ، كما لو انتقلت إلى المؤجر بإرث ، أو وصيّة ، أو صلح ، أو مهر ، أو إجارة ، فله نقل هذه المنفعة إلى غيره بالإيجار وإن لم يكن مالكاً للعين ، لعدم دخل هذه الملكيّة في صحّة الإجارة بوجه.

وحينئذٍ فلو استأجر داراً للسكنى أو دابّة للركوب من غير تقييد بالمباشرة ساغ له إيجارها من شخص آخر.

غير أنّه (قدس سره) استشكل في جواز تسليم العين إلى المستأجر الثاني من دون إذن المؤجر ، بل حكم (قدس سره) بعدم جوازه باعتبار أنّ ملكيّة المنفعة لا تستلزم الاستيلاء على العين ، لجواز كون المستولي هو المستأجر الأوّل وإن كان الراكب غيره ، فلو سلّم من دون الإذن فتلفت عند المستأجر الثاني كان ضامناً ، حيث إنّه هو الذي سلّط الغير على العين من دون إجازة المالك. وعلى الجملة : فصحّة الإجارة الثانية لا تلازم تسليم العين.

وفيه : أنّ لازم الإجارة المتضمّنة لتمليك المنفعة مع توقّف استيفائها على الاستيلاء على العين عادةً هو جواز تسليمها.

والذي يرشدك إلى ذلك عدم التأمّل من أحد في أنّ المستأجر لو مات فانتقلت المنفعة إلى وارثه ساغ له الانتفاع من غير حاجة إلى الاستئذان من مالك العين ، والوجه فيه ظاهر ، فإنّ المنفعة تنتقل إلى الوارث على النحو الذي كانت للمورث ، فكما كان له استيفاؤها الملازم للاستيلاء على العين فكذلك الوارث الذي هو قائم مقامه ويتلقّاها منه على النحو الذي كانت له ، ومعه لا مقتضي للاستجازة من المالك.

فإذا كان الأمر في الوارث ذلك ففي الإجارة أيضاً كذلك بمناط واحد ، فينقل المستأجر الأوّل إلى الثاني نفس ما كان له من الحقّ ، أعني : استيفاء المنفعة من

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

العين مع كونها تحت يده.

وبعبارة أُخرى : ترخيص المالك في استيلاء المستأجر على العين إنّما هو بلحاظ وصفه العنواني ، فهو ثابت لمالك المنفعة بما هو مالك المنفعة مقدّمةً لاستيفائها لا لشخصه وذاته ، ومقتضى ذلك تعلّق هذه السلطة والسيطرة لكلّ من كان مالكاً للمنفعة ، فحيثما انتقلت انتقل الحقّ معها بطبيعة الحال ، سواء أكان الانتقال بسبب غير اختياري كالإرث أو اختياري من صلح أو إجارة ونحوهما. والظاهر استقرار بناء العقلاء أيضاً على ذلك.

نعم ، بما أنّ العين أمانة عند المستأجر الأوّل فلا بدّ له من المحافظة عليها ، ولا يسوغ تعريضها للخطر ، فلا يجوز له إجارتها من جائر خائن لا يؤمن منه على العين ، كما لا يجوز إعطاؤها له للانتفاع مجّاناً ومن غير إجارة.

وعلى الجملة : فالدفع إلى الغير تبرّعاً أو إجارة وإن كان سائغاً من غير حاجة إلى إجازة المالك حسبما عرفت ، إلّا أنّه لا بدّ من مراعاة الأمانة والسلامة عن المخاطرة.

ويترتّب على ذلك أنّ العين لو تلفت عند المستأجر الثاني بآفة سماويّة لم يضمن وإن سلّمها إليه بدون الإذن خلافاً للماتن (قدس سره) إذ التسليم بعد إن كان سائغاً وعن حقّ فليس هنا أيّ موجب للضمان ، إلّا إذا كان مفرّطاً في الحفظ ، وهو أمر آخر.

نعم ، بما أنّ المالك سلّم العين إلى المستأجر الأوّل فله مطالبتها منه بعد انقضاء المدّة ، وليس له الامتناع والإحالة إلى المستأجر الثاني ، لأنّ الحقّ المزبور كان محدوداً بزمان الإجارة ولا حقّ له في الزائد عليه ، بل لا بدّ بعد الانقضاء من ردّ الأمانة إلى أهلها.

وعلى الجملة : فالإجارة الثانية صحيحة ، ولا يكون المستأجر الأوّل ضامناً

٢٧٣

وأمّا إذا كانت مقيّدة ، كأن استأجر الدابّة لركوبه نفسه (١) ، فلا يجوز إجارتها من آخر (*) (٢)

______________________________________________________

ما لم يكن مفرّطاً ، ويجب عليه الردّ بنفسه إلى المالك بعد انقضاء المدّة.

هذا ما تقتضيه القاعدة ، بل عليه السيرة العقلائيّة ، وتؤكّده عدّة أخبار دلّت بإطلاقها على ما ذكرناه وردت في الدابّة المستأجرة ، كما في صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل استأجر دابّة فأعطاها غيره فنفقت ، ما عليه؟ «قال : إن كان شرط أن لا يركبها غيره فهو ضامن لها ، وإن لم يسمّ فليس عليه شي‌ء» (١) ، دلّت على الضمان مع التفريط ، فبدونه لا ضمان ، لكونه مالكاً للمنفعة ، فله إركاب أيّ شخص أراد ، فإذا كان الإركاب جائزاً فلا يفرق فيه مع الأُجرة أو بدونها بمقتضى الإطلاق.

ووردت أيضاً في إجارة الأرض للزراعة وأنّه يجوز للمستأجر أن يؤجرها لغيره ، فإنّ من الواضح أنّ إجارتها للزراعة لا تكون غالباً إلّا بتسليم العين ، وإلّا ففرض بقائها عند المؤجر لعلّه نادر جدّاً.

(١) بحيث كان مورد الإجارة هي المنفعة الخاصّة ، وهذه هي الصورة الاولى من الصور الأربع المشار إليها في المتن.

(٢) تكليفاً ، بل ولا وضعاً ، فتبطل كما صرّح به في ذيل كلامه ، معلّلاً بعدم كونه مالكاً إلّا ركوب نفسه ولا يملك غيره ليملّكه.

__________________

(*) التقييد لا ينافي جواز الإجارة من آخر ، وذلك كما إذا استأجرت المرأة داراً لسكناها مقيّدة ثمّ تزوّجت ، فإنّه يجوز لها أن تؤجرها من زوجها لسكناها ، وبذلك يظهر ما في الحكم بالبطلان على الإطلاق بُعَيد ذلك.

(١) الوسائل ١٩ : ١١٨ / كتاب الإجارة ب ١٦ ح ١.

٢٧٤

كما أنّه إذا اشترط المؤجر عدم إجارتها من غيره (١)

______________________________________________________

وهو وجيه فيما لو كان المتصدّي للانتفاع والمستوفى للمنفعة المستأجرة في الإجارة الثانية هو ذلك الغير ، أمّا لو كان هو المستأجر الأوّل بشخصه فلا ضير فيه لا تكليفاً ولا وضعاً ، فإنّ العبرة في ملاحظة التقييد المزبور بالاستيفاء الخارجي لا بالملكيّة ، فمتى كان المستوفي هو المستأجر المذكور فقد روعي التقييد وإن كان المالك للمنفعة غيره.

نعم ، ظاهر عبارة المتن إرادة الفرض الأوّل كما لا يخفى.

ويتصوّر هذا الفرض فيما لو استأجرت المرأة داراً على أن تسكنها بنفسها على سبيل التقييد فتزوّجت بعدئذٍ وأصبح سكناها على زوجها ، فآجرت الدار لزوجها على أن يسكنها فيها ، فإنّ الإجارة الثانية لا تنافي التقييد المزبور ، إذ المتصدّي للسكونة كان بالآخرة هي الزوجة ، غايته أنّ الملكيّة كانت لها أيضاً فصارت لغيرها ولا ضير فيه بوجه.

ونحوه ما لو استأجرت دابّة لركوبها أو حمل متاعها بشخصها إلى كربلاء ذهاباً وإياباً ، ثمّ تزوّجت في كربلاء وآجرت الدابّة لزوجها من أجل حملها أو حمل متاعها إلى النجف.

(١) فكانت المنفعة المطلقة مورداً للإجارة ولكن مشروطاً بعدم الإيجار من شخص آخر. وهذه هي الصورة الثانية.

وقد حكم (قدس سره) بعدم جواز الإيجار حينئذٍ من الغير تكليفاً ، وذكر في ذيل كلامه (قدس سره) أنّ في عدم الجواز وضعاً أعني : البطلان وعدمه وجهين مبنيّين على أنّ الشرط هل يوجب قصر سلطنة المشروط عليه ليحكم بالفساد ، أو لا؟

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : أمّا عدم الجواز تكليفاً فواضح بعد ملاحظة وجوب الوفاء بالشرط.

وأمّا عدمه وضعاً فيما لو خالف وآجر عامداً أو غافلاً وأنّ الإجارة الثانية هل تبطل أو أنّها محكومة بالصحّة وغايته الخيار للمشترط وهو المؤجر الأوّل باعتبار تخلّف الشرط ، ففيه كلام طويل الذيل مبنيّ على ما ذكره (قدس سره) من أنّ الشرط هل يستوجب قصر سلطنة المشروط عليه ، أو لا يترتّب عليه عدا وجوب الوفاء تكليفاً وتعلّق الخيار وضعاً؟

والمحقّق لدينا إنّما هو الثاني ، لما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح لدى تحليل مفهوم الشرط من أنّه إمّا أن يرجع إلى تعليق الالتزام بالعقد على تحقّق وصف خارج عن الاختيار ككتابة العبد ، أو إلى تعليق نفس العقد على الالتزام بشي‌ء كما لو كان الشرط فعلاً كالخياطة ونحوها ومنها عدم الإيجار في المقام ، ونتيجته أمّا الإلزام بالوفاء أو جعل الخيار على سبيل منع الخلوّ وإن كان هذا الخيار قابلاً للإسقاط أيضاً كما في سائر الخيارات.

ولم يظهر من شي‌ء ممّا دلّ على نفوذ الشرط عدا ما عرفت من الإلزام أو الخيار الذي هو من شؤون الوفاء بالعقد المشتمل عليه ، فللمشروط له إلزامه ، كما أنّ له إعمال الخيار أو إسقاطه ، وأمّا قصر سلطنته الوضعيّة بحيث لم ينفذ تصرّفه لو خالف فلا يكاد يظهر من شي‌ء من الأدلّة.

وهذا الكلام مطّرد في كافّة الموارد التي شرط فيها عدم إيقاع شي‌ء من المعاملات حتى في مثل النكاح أو الطلاق ، فإنّه لم يقم أيّ دليل على تحديد السلطنة وقصرها لدى تعلّق الشرط ونفوذه ، بحيث لم تكن تلك المعاملة نافذة لو أوقعها.

إذن فالظاهر هو الجواز وضعاً ، ولو كان ناسياً أو غافلاً فتكليفاً أيضاً ، إذ لا عصيان مع النسيان ، وغايته ثبوت خيار التخلّف للمؤجّر الأوّل ، فلو اختار

٢٧٦

أو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه لنفسه (١) كذلك أيضاً ، أي لا يجوز إجارتها من الغير ،

______________________________________________________

الفسخ له المطالبة بأُجرة المثل. ومن المعلوم أنّ حرمة الإيجار مع الالتفات لا تستوجب البطلان ، لعدم اقتضاء النهي للفساد في باب المعاملات.

(١) وهي الصورة الثالثة ، ولكن الظاهر رجوعها إلى الصورة الأُولى إمّا حقيقةً أو حكماً ، فإنّ هذا الاشتراط إذا بنينا على رجوعه إلى التقييد كما استظهرناه سابقاً (١) ، حيث عرفت أنّ القيود العائدة إلى الأعمال أو المنافع كأن يقول : آجرتك للخياطة بشرط أن تكون بالكيفيّة الكذائيّة ، أو في الزمان أو المكان الكذائي ، فهي في الحقيقة ترجع إلى التقييد في متعلّق الإجارة وإن أُبرزت بلسان شرط ، فكان من الأوّل مورد الإيجار ومصبّه هو المنفعة الخاصّة والأُجرة واقعة بإزاء تلك الخياطة المخصوصة مثلاً وفي المقام بإزاء تلك السكنى أو الركوب الخاصّ.

فعلى ذلك تكون هذه الصورة هي صورة التقييد المتقدّمة بعينها ويجري فيها ما ذكرناه من صحّة الإجارة الثانية فيما لو كان المستوفي للمنفعة والمباشر لها هو المؤجر بنفسه ، وبطلانها لو كان المتصدّي للانتفاع غيره حسبما مرّ ، فلاحظ.

وأمّا لو أنكرنا ذلك وبنينا على كونه من باب الشرط حقيقةً ، أي الالتزام في ضمن الالتزام من غير أن يرجع إلى التقييد بوجه ، فكان المملوك المنفعة المطلقة بشرط استيفائها بنفسه لنفسه ، فهذا يلحق أيضاً بالتقييد بحسب النتيجة وإن لم يكن منه حقيقةً ، فإنّ الإجارة الثانية لا تسوّغ تكليفاً من جهة الاشتراط كما هو واضح ولا وضعاً ، لمنافاته مع وجوب الوفاء بالشرط ، لامتناع الجمع بين

__________________

(١) في ص ٨٩ ـ ٩٤.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وجوب الوفاء بعقد الإجارة الثانية وبين وجوب الوفاء بالشرط الواقع في ضمن الإجارة الأُولى ، فإنّ مقتضى الثاني مباشرته بنفسه ، ومقتضى الأوّل مباشرة غيره ، وهما متضادّان ، والحكمان غير قابلين للامتثال معاً خارجاً.

وحيث إنّ المفروض صحّة الشرط فلا يبقى بعدئذٍ مجال للوفاء بالعقد ليتّصف بالصحّة ، فلا جرم يحكم بفساده.

ونظيره ما تقدّم في كتاب الحجّ من أنّ المستطيع لا يصحّ منه إيجار نفسه للنيابة في عام الاستطاعة ، لأنّ وجوب الحجّ لنفسه لا يجتمع مع وجوب الوفاء بعقد الإجارة في حجّ النيابة ، والترتّب لا يجري في أمثال المقام بأن يؤمر بالحجّ لنفسه أوّلاً وعلى تقدير المخالفة فبالوفاء بعقد الإجارة ، لاستلزامه التعليق في العقد المبطل له إجماعاً. نعم ، لا مانع من تصحيح نفس الحجّ النيابي بالترتّب والحكم بفراغ ذمّة المنوب عنه وإن كان النائب عاصياً مع الالتفات واستحقاق اجرة المثل. وأمّا صحّة الإجارة لكي يستحقّ الأُجرة المسمّاة فلا سبيل إليها حتى بنحو الترتّب. وتمام الكلام في محلّه (١).

وعلى الجملة : فهذه الصورة ترجع إلى الصورة الاولى إمّا موضوعاً أو لا أقلّ حكماً ، فلا تجوز الإجارة الثانية لا تكليفاً ولا وضعاً حسبما عرفت ، إلّا إذا كان المستوفي للمنفعة في الإجارة الثانية هو نفس المؤجر.

فإن قلت : مقتضى ما ذكرت هو الالتزام بالبطلان في الصورة الثانية أيضاً أعني : ما إذا كان الشرط عدم الإيجار من الغير إذ يجري فيها أيضاً ما سبق من التنافي بين الوفاء بكلّ من الشرط والعقد.

قلت : كلّا ، إذ الشرط هناك هو نفس عدم الإيجار ، فمتى آجر فقد خالف الشرط وارتكب الحرام ، ولا نظر للشرط إلى ما بعد الارتكاب والمخالفة ، فلا

__________________

(١) شرح العروة ٢٧ : ١٠.

٢٧٨

نعم ، لو اشترط استيفاء المنفعة بنفسه ولم يشترط كونها لنفسه جاز أيضاً إجارتها من الغير (١) بشرط أن يكون هو المباشرة للاستيفاء لذلك الغير ، ثمّ لو خالف وآجر في هذه الصور ففي الصورة الاولى وهي ما إذا استأجر الدابّة لركوبه نفسه بطلت ، لعدم كونه مالكاً إلّا ركوبه نفسه فيكون المستأجر الثاني ضامناً لُاجرة المثل للمالك إن استوفى المنفعة ، وفي الصورة الثانية والثالثة في بطلان الإجارة وعدمه وجهان (*) مبنيّان على أنّ التصرّف المخالف للشرط باطل ، لكونه مفوّتاً لحقّ الشرط ، أو لا بل حرام وموجب

______________________________________________________

مانع من الحكم بصحّة الإجارة الصادرة بعد افتراض وقوعها خارجاً. وهذا بخلاف المقام ، فإنّ الشرط هنا هو المباشرة ، وكيف يمكن الحكم بوجوبها وفي عين الحال يحكم بصحّة الإجارة الثانية ووجوب الوفاء بها المستلزم لعدم المباشرة؟! فلا مناص هنا من الحكم بالبطلان حسبما عرفت.

وهذا البيان مطّرد في كلّ مورد وجب شي‌ء وكان الوفاء بالعقد منافياً له ، فإنّ دليل وجوب الوفاء لا يكاد يشمل ذلك العقد ، لأنّ شموله له على سبيل الإطلاق منافٍ لذاك الواجب ولا يجتمعان معاً حسب الفرض ، وعلى سبيل الترتّب يستلزم التعليق المبطل للعقد ، فلا مجال لتصحيح العقود بالترتّب في أمثال المقام.

(١) هذه هي الصورة الرابعة في كلامه ، والوجه في الجواز هنا ظاهر ، لعدم التنافي بين الشرط المزبور وبين الوفاء بالإجارة الثانية ، بأن يكون هو المتصدّي والمباشر للاستيفاء لذلك الغير ، كما لو استأجر الدابّة أو السيّارة لحمل

__________________

(*) أظهرهما الثاني في الصورة الثانية ، وأمّا الصورة الثالثة فهي إن لم تكن الصورة الأُولى بعينها فمتّحدة معها حكماً غير أنّه لا يجوز فيها الإجارة من الغير مطلقاً.

٢٧٩

للخيار ، وكذا في الصورة الرابعة (*) إذا لم يستوف هو بل سلّمها إلى ذلك الغير.

______________________________________________________

المتاع مشروطاً بأن يكون هو السائق مباشرةً فآجرها من غيره لحمل متاعه وكان هو السائق نفسه. وهذا واضح.

وإنّما الكلام فيما لو خالف فلم يستوف هو ، بل سلّمها إلى ذلك الغير ، فقد احتمل البطلان في المتن.

ولم يتّضح له أيّ وجه صحيح ، إذ لا مقتضي له بعد ما عرفت من عدم التنافي بين العمل بكلّ من الشرط والوفاء بالعقد أي الإجارة الثانية غايته أنّه بسوء اختياره خالف الشرط وارتكب الحرام بتسليم العين للغير. وهذا كما ترى أجنبي عن صحّة العقد المزبور ولا يترتّب عليه عدا الإثم ، وخيار التخلّف للمؤجّر الأوّل من دون أن يستتبع البطلان في الإجارة الثانية بوجه.

نعم ، لو اشترط على المؤجر في الإجارة الثانية تسليم العين فبما أنّ هذا الشرط فاسد إذ لا حقّ له في هذا التسليم بعد منع المالك بمقتضى اشتراط المباشرة في الإجارة الأُولى فطبعاً يندرج المقام في كبرى أنّ الشرط الفاسد هل يفسد العقد أو لا؟ فتفسد الإجارة المزبورة بناءً على القول بالإفساد. ولكن الأظهر كما هو المحرّر في محلّه عدمه ، إذ الشرط التزام آخر في ضمن الالتزام ، ولم يكن العقد معلّقاً عليه لكي يسري فساده إليه ، فوجوده بعد عدم نفوذه في حكم العدم ، فلا جرم يحكم في المقام بصحّة الإجارة.

__________________

(١) الظاهر عدم بطلان الإجارة في هذه الصورة ، فإنّ حرمة التسليم لا تلازم بطلان الإجارة ، بل الظاهر عدم البطلان مع اشتراط التسليم أيضاً ، فإنّ بطلان الشرط لا يوجب بطلان العقد الواقع فيه الشرط على الأظهر.

٢٨٠