موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

ثلاثة :

أحدها : ما ذكره الماتن وهو الصحيح من ضمان قيمة الثوب الذي أتلفه مخيطاً واستحقاق الأُجرة المسمّاة.

والوجه فيه : ما تقدّم من أنّ الأُجرة إنّما هي بإزاء نفس العمل الصادر من الأجير الذي تسليمه وإقباضه بمجرّد الفراغ عنه ، لا بإزاء الأثر المترتّب على عمله كوصف المخيطيّة ، إذ الأوصاف لا تقابل بجزء من المال ، ولا يكون العامل شريكاً مع المالك ، وليس لها أيّ شأن ما عدا أنّها تستوجب زيادة قيمة العين ، فصياغة الذهب مثلاً توجب زيادة قيمة المصوغ ، لا أنّ للصياغة ماليّة بإزاء العين.

وعليه ، فإذا عمل الأجير فقد أدّى ما عليه ، وبذلك استحقّ الأُجرة ، لأنّها كما عرفت بإزاء نفس العمل لا الوصف ليكون من التلف قبل القبض حتى يكون من مال المؤجر.

وعلى هذا ، فإذا تلفت العين فإن كان بغير ضمان فلا شي‌ء على العامل كما هو واضح ، وأمّا إذا كان مع الضمان بأن كان هو المتلف فطبعاً يضمن للمالك قيمة الثوب المتّصف بصفة المخيطيّة بعد أن كان ملكاً للمالك بهذا الوصف حسبما عرفت.

ثانيها : أن يكون ضامناً لقيمة الثوب غير مخيط ولا تكون له اجرة ، باعتبار أنّه من التلف قبل القبض. وقد عرفت فساده وأنّ الأُجرة إنّما هي بإزاء نفس العمل الذي إقباضه بإيجاده وإصداره خارجاً وقد صدر حسب الفرض.

ثالثها : ما احتمله (قدس سره) هنا من التخيير بين الأمرين ، أعني : تضمينه الثوب مخيطاً وإعطاء الأُجرة ، أو تضمينه غير مخيط وعدم إعطائها.

٢٤١

[٣٣٠٥] مسألة ٤ : إذا أفسد الأجير للخياطة أو القِصارة أو لتفصيل الثوب ضمن ، وكذا الحجّام إذا جنى في حجامته أو الختّان في ختانه ، وكذا الكحّال أو البيطار ، وكلّ من آجر نفسه (١) لعمل في مال المستأجر إذا أفسده يكون ضامناً إذا تجاوز عن الحدّ المأذون فيه وإن كان بغير قصده ، لعموم : «من أتلف» ، وللصحيح عن أبى عبد الله (عليه السلام) : في الرجل يعطى الثوب ليصبغه «فقال : كلّ عامل أعطيته أجراً على أن يصلح فأفسد فهو ضامن» ،

______________________________________________________

وهذا أيضاً لا وجه له كما ظهر ممّا مرّ ، إذ بعد أن لم يكن من التلف قبل القبض المستوجب للانفساخ فما هو الموجب لسقوط الأُجرة ، وما هو المقتضي للتخيير بعد أن كانت العين مملوكة للمالك مع وصف الخياطة؟! وقد عرفت أنّ الوصف تابع للعين وموجب لازدياد قيمته ولا يقابل بالمال ، ولا يكون الضمان إلّا بإزاء العين المتّصفة لا نفس الصفة.

ومن هذا القبيل ما ذكره في المتن من مثال حمل المتاع إلى مكان آخر ثمّ الإتلاف أو التلف مضموناً ، فإنّ الكلام فيه هو الكلام ، فإنّه يضمن قيمته في ذلك المكان ، للزوم مراعاة جميع الصفات المستوجبة لازدياد القيمة حتى صفة المكانيّة.

(١) يدلّنا على ما ذكره (قدس سره) من الكبرى الكلّيّة ، أعني : ضمان الأجير في كلّ مورد أفسد مع تجاوزه عن الحدّ المأذون فيه ما أشار (قدس سره) إليه من قاعدة الإتلاف أوّلاً ، حيث إنّ الإفساد مصداق بارز لإتلاف المال كلّاً أو بعضاً ولو بورود النقص عليه.

وصحيحة الحلبي ثانياً ، التي رواها في الوسائل (١) على النهج المذكور في المتن

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٤٧ / كتاب الإجارة ب ٢٩ ح ١٩.

٢٤٢

بل ظاهر المشهور ضمانه وإن لم يتجاوز عن الحدّ المأذون فيه (١) ، ولكنّه مشكل (*) ، فلو مات الولد بسبب الختان مع كون الختّان حاذقاً من غير أن يتعدّى عن محلّ القطع بأن كان أصل الختان مضرّاً به ، في ضمانه إشكال.

______________________________________________________

بإضافة كلمة : فيفسده ، بعد قوله : ليصبغه ، التي سقطت عن نسخ العروة لدى طبعها.

والمراد ب : حمّاد الراوي عن الحلبي : هو ابن عثمان لا ابن عيسى وإن كان هو ثقة أيضاً ، إذ لم ترو رواية لحمّاد بن عيسى عن الحلبي بعنوانه وإن كان قد روى عن عمران الحلبي ، وقد روى ابن عثمان عن الحلبي في غير مورد.

وكيفما كان فالرواية صحيحة على كلّ تقدير ، كما أنّها ظاهرة الدلالة على الكبرى الكلّيّة وإن كان السؤال عن مورد خاصّ فالحكم ثابت بلا إشكال.

(١) فكان ترتّب الفساد من باب الصدفة والاتّفاق ، نظراً إلى إطلاق القول بضمان الأجير في كلماتهم ، حيث لم يقيّدوه بالتجاوز عن الحدّ المأذون فيه.

ولكن توقّف فيه جماعة منهم الماتن ، بل صرّح بعضهم بعدم الضمان.

ورتّب عليه في المتن الاستشكال في الضمان فيما لو مات الولد بسبب الختان مع حذاقة الختّان وعدم التعدّي عن محلّ القطع ، وإنّما كان أصل الختان مضرّاً به.

هذا ، والظاهر عدم الضمان فيما إذا كان العمل صادراً بإجازة المالك نفسه بحيث استند الفساد إليه عرفاً ، كما لو أعطاه الثوب وقال له : فصّله كذا وكذا ،

__________________

(١) بل الأقوى عدم الضمان ، ومع ذلك الظاهر هو الضمان في مسألة الختان ، إلّا إذا كان المقتول به هو الذي سلّم نفسه له مع استجماعه شرائط التكليف.

٢٤٣

[٣٣٠٦] مسألة ٥ : الطبيب المباشر للعلاج إذا أفسد ضامن وإن كان حاذقاً (١) ، وأمّا إذا لم يكن مباشراً بل كان آمراً ففي ضمانه إشكال ، إلّا أن

______________________________________________________

فتبيّن أنّ هذا التفصيل عليل ، أو أنّه عريض أو طويل بحيث سقط الثوب عن صلاحيّة الانتفاع ، أو أعطى خشباً معيّناً للبناء لبنائه السقف وأمره بأن يضع عليه كذا مقداراً من الجصّ والآجر والقير ونحو ذلك فانهدم من أجل عدم تحمّل تلك الأخشاب لهذه الأثقال ، ونحو ذلك ممّا يستند الفساد إلى إجازة المالك وأمره وأنّه هو الذي ألغى احترام ماله. ففي مثل ذلك لا مقتضي لضمان الأجير الذي هو وقتئذٍ بمثابة الآلة المحضة كما هو واضح.

ومن الضروري أنّ صحيح الحلبي المتقدّم منصرف عن مثل هذا الفرض ، لظهوره فيمن لم يعمل ما كان مأذوناً فيه فكان أجيراً على أن يصلح فأفسد ، لا أنّه أتى ما أُمر به وترتّب عليه الفساد خارجاً.

نعم ، فيما إذا بلغ الفساد حدّ الدم كالموت المترتّب على الختان في المثال المذكور في المتن فالظاهر حينئذٍ هو الضمان ، لأنّ دم المسلم لا يذهب هدراً كما نطق به النصّ ، وهذا القتل بالآخرة يستند إلى الختان ، غايته أنّه كان مشتبهاً لا عامداً وإن كان اشتباهه في أصل الختان لا في كيفيّته ، فيجري عليه حكم القتل الخطئي من ترتّب الدية عليه ، بلا فرق بين أن يكون المختون صغيراً وإن أبرأ وليّه ، إذ ليس له حقّ البراءة بعد أن لم تثبت له هذه الولاية ، وبين أن يكون كبيراً لكن لم يسلّم نفسه لحدّ الموت ، وأمّا مع التسليم الراجع إلى براءة الختّان فلا ضمان كما ستعرفه في الطبيب المعالج.

(١) لقاعدة الإتلاف ، مضافاً إلى ما رواه النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : من تطبّب أو

٢٤٤

يكون سبباً وكان أقوى من المباشر ، وأشكل منه إذا كان واصفاً للدواء من دون أن يكون آمراً كأن يقول : إنّ دواءك كذا وكذا ، بل الأقوى فيه عدم الضمان ، وإن قال : الدواء الفلاني نافع للمرض الفلاني ، فلا ينبغي الإشكال في عدم ضمانه ، فلا وجه لما عن بعضهم من التأمّل فيه ، وكذا لو قال : لو كنت مريضاً بمثل هذا لمرض لشربت الدواء الفلاني.

______________________________________________________

تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه ، وإلّا فهو له ضامن» (١).

فإنّها معتبرة من حيث السند ، لوثاقة السكوني كما نصّ عليه الشيخ في العدّة (٢) ، وكذا النوفلي من أجل وقوعه في اسناد كامل الزيارات.

كما أنّها واضحة الدلالة على ضمان الطبيب المباشر ما لم يتبرّأ.

ونسب الخلاف إلى بعضهم بدعوى أنّ هذا كان بإذنٍ من المريض أو الوليّ فلا ضمان.

وهو واضح الفساد ، ضرورة أنّ الإذن كان في العلاج لا في الفساد ، فلا ينبغي الشكّ في الضمان.

هذا فيما إذا كان الطبيب مباشراً للعمل.

وأمّا إذا لم يباشره وإنّما كان آمراً إمّا لشخص المريض أو لممرّضه ومنه الآمر لثالث بالتزريق المتداول في هذا الزمان :

فإن كان السبب أقوى من المباشر بحيث يسند الفعل إليه عرفاً والمباشر بمثابة آلة محضة ، كما لو كان صبياً غير مميّز أو مجنوناً ، فهذا حاله حال الطبيب المباشر في ثبوت الضمان.

__________________

(١) الوسائل ٢٩ : ٢٦٠ / أبواب موجبات الضمان ب ٢٤ ح ١.

(٢) العدّة : ٥٦.

٢٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا كان المباشر مستقلا في تصرّفه بأن كان بالغاً عاقلاً مختاراً فقد يقال بالضمان أيضاً.

إمّا لأجل أنّه السبب في التلف والسبب هنا أيضاً أقوى من المباشر.

وفيه ما لا يخفى ، إذ لا شأن للأمر المزبور ما عدا كونه داعياً لصدور الفعل عن الفاعل المختار فهو يصدر عنه باختياره ، فكيف يستند إلى الآمر؟! ومن ثمّ ذكروا في محلّه أنّ الآمر بالقتل لا يقتصّ منه وإن كان يحبس لأمره ، وإنّما يختصّ القصاص أو الدية بالمباشر.

وإمّا لدعوى اندراجه في إطلاق موثّق السكوني المتقدّم.

ويندفع بوضوح انصرافه عن المقام ، فإنّ قوله : «تطبّب» كتكسّب من باب التفعّل يدلّ على مطاوعة الفعل وقبوله ، فهو مساوق لقوله : عالج ، الظاهر في مباشرة العلاج والطبابة خارجاً ، فلا يشمل الأمر المجرّد عن التصدّي ولا سيّما بقرينة اقترانه بقوله : «تبيطر» الظاهر في معالجة الحيوانات مباشرةً.

نعم ، للتطبّب معنى آخر كالتفقّه ، أي أخذ الطبّ شغلاً له مع عدم كونه طبيباً. ولكنّه أجنبي عن محلّ الكلام ، ولا يناسب إرادته في المقام كما لا يخفى.

وعلى أيّ حال ، فلا ينبغي التأمّل في عدم ضمان الآمر.

وأوضح حالاً توصيف الدواء من دون أمر ، كأن يقول : دواؤك كذا وكذا ، لعدم استناد الفعل إلى الواصف غير الآمر بوجه.

وأوضح منه ما إذا لم يعيّن الشخص ، بل قال على سبيل الكبرى الكلّيّة : إنّ مرض كذا دواؤه كذا ، فطبّقه المريض على نفسه باختياره واجتهاده.

وأوضح من الكلّ ما لو قال : لو كنت مريضاً بمثل هذا المرض لشربت الدواء الكذائي ، من غير تعرّض للحكم الكلّي أو لحكم شخص المريض.

والحاصل : أنّ الضمان إنّما يثبت في فرض خاصّ ، وهو ما إذا استند الفعل

٢٤٦

[٣٣٠٧] مسألة ٦ : إذا تبرّأ الطبيب من الضمان وقبل المريض أو وليّه ولم يقصّر في الاجتهاد والاحتياط برئ على الأقوى (١).

[٣٣٠٨] مسألة ٧ : إذا عثر الحمّال فسقط ما كان على رأسه أو ظهره مثلاً ضمن ، لقاعدة الإتلاف (*) (٢).

______________________________________________________

إلى الطبيب أو البيطار ، وهذا يتحقّق في أحد موردين : إمّا العلاج المباشري ، أو فيما إذا كان السبب أقوى. وأمّا إذا لم يكن استناد غايته أنّ قوله كان داعياً للعمل لم يكن عليه أيّ ضمان.

(١) لموثّق السكوني المتقدّم ، حيث علّق الضمان فيه على عدم البراءة من الولي ، أي ممّن بيده الأمر ، الذي يختلف مصداقه حسب اختلاف الموارد ، ففي البيطرة الولي هو مالك الدابّة ، وفي الطبابة هو المريض إن كان بالغاً عاقلاً ، وإلّا فوليّه. ففي جميع ذلك متى أخذ البراءة فلا ضمان.

ولا موقع للاستشكال بأنّه من قبيل إسقاط ما لم يجب ، حيث إنّ الضمان إنّما يكون بعد الإفساد فقبله لا موضوع للبراءة.

إذ فيه : أنّ هذا إنّما يتمّ لو كان الحكم مستنداً إلى القاعدة والموازين العامّة ، وأمّا مع الاستناد إلى الرواية الخاصّة الناطقة بذلك حسبما عرفت فلا وجه له.

(٢) يقع الكلام تارةً : فيما تقتضيه القواعد العامّة ، وأُخرى : بالنظر إلى النصّ الخاصّ الوارد في المقام ، فهنا جهتان :

أمّا الجهة الأُولى : فالتمسّك بقاعدة الإتلاف كما صنعه في المتن في غاية الإشكال ، بل الظاهر عدم صدق الإتلاف في أمثال هذه الموارد ، لتقوّم صدقه

__________________

(*) الظاهر أنّه لا يصدق الإتلاف إذا لم يفرّط في مشيه ، وعليه فلا ضمان عليه.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

باستناد الفعل إلى هذا الشخص عرفاً ، بحيث يعدّ فعله وإن لم يكن اختياريّاً كما لو أصابت يده حال النوم إناء زيد فكسره ، فإنّ هذا الكسر مستند إلى النائم ويعدّ من أفعاله ، غايته أنّ الفعل قد يكون اختياريّاً ، وأُخرى غير اختياري ، وعلى التقديرين فالاستناد والانتساب متحقّق في البين.

وأمّا إذا لم يصدق الاستناد بوجه ، بل كان الشخص المزبور كآلة محضة والفعل مستند إلى سبب آخر ، كما لو كان على سطح بيت فوقعت زلزلة أو هبّت ريح عاصف فسقط من الشاهق على إناء زيد فكسره ، بل على نفسه فقتله ، حيث لا يعدّ هذا فعله وعمله عرفاً حتى غير الاختياري منه ، ولا يرونه قاتلاً حتى خطأً. ففي مثله لا إتلاف ولا ضمان ، وإنّما يعدّ ذلك من التلف بآفة سماويّة أو أرضيّة.

وعليه ، فلو كنّا نحن ومقتضى القاعدة لحكمنا في المقام بعدم الضمان ، باعتبار أنّ الحمّال إذا عثر بغير اختياره فوقع ما على رأسه أو انهدمت بالوعة كانت في الطريق فوقع فيها وتلف ما على ظهره من المتاع بحيث لم يكن مقصّراً ولا مفرّطاً ولا متعدّياً ، فهذه العثرة تحسب عرفاً كآفة سماويّة ، ولا يسند التلف إليه بوجه ، فلا إتلاف أبداً حتى يستوجب الضمان.

ويؤكّده ما ورد في جملة من الصحاح فيما إذا سقط شخص على آخر فمات : أنّ الساقط لا يضمن شيئاً. والظاهر أنّ المسألة ممّا لا خلاف فيها ، فلا دية بمقتضى هذه النصوص كما لا قصاص كما هو واضح. فإذا كان هذا هو الحال في النفوس فعدم الضمان في تلف الأموال بطريق أولى كما لا يخفى.

وأمّا الجهة الثانية : فربّما يستدلّ للضمان بما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في رجل حمل متاعاً على رأسه فأصاب إنساناً فمات

٢٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أو انكسر منه شي‌ء فهو ضامن (١).

بدعوى أنّ العثرة مثل الإصابة فتشملها الرواية.

أقول : ينبغي التكلّم أوّلاً في نفس هذه المسألة التي هي مورد الرواية وأنّ من يحمل على رأسه مالاً فينكسر منه شي‌ء بغير تعدٍّ ولا تفريط ، أو أنّه يصيب إنساناً فيقتله فماذا حكمه؟ ثمّ الانتقال منه إلى محلّ الكلام وأنّه هل يشمل العثرة المبحوث عنها في المقام ، أو أنّ بينهما فرقاً؟

أمّا بالنسبة إلى مورد الرواية فقد رواها الصدوق في الفقيه (٢) ، وكذا الشيخ في التهذيب بسند فيه سهل بن زياد (٣) ، ولأجله ناقش الشهيد الثاني في المسالك وتبعه الأردبيلي في هذه الرواية سنداً ودلالةً (٤).

أمّا السند : فبما ذكر.

وأمّا الدلالة : فلأنّ الموت المستند إلى الإصابة المفروضة فيها يعد من القتل الخطئي جزماً ، لعدم قصد الحمّال له وإنّما كانت الإصابة اتّفاقيّة ، ومن الواضح أنّ الدية حينئذٍ على العاقلة لا الحمّال ، فكيف يحكم عليه بالضمان؟! ولكنّك خبير بضعف كلا الإشكالين :

أمّا الدلالة : فلأنّ ما ذكر من وجوب الدية على العاقلة في القتل الخطئي وإن كان صحيحاً إلّا أنّ ذلك تكليف محض ، وأمّا من حيث الوضع فالدية إنّما تثبت في عهدة القاتل وتشتغل به ذمّته بنفسه من غير فرق فيه بين العامد والخاطئ ،

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٥٢ / كتاب الإجارة ب ٣٠ ح ١١.

(٢) الفقيه ٣ : ١٦٣ / ٧١٩.

(٣) التهذيب ١٠ : ٢٣٠ / ٩٠٩.

(٤) المسالك ١٥ : ٣٣١ ، مجمع الفائدة والبرهان ١٤ : ٢٣٤.

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

غاية الأمر أنّ في مورد القتل الخطئي يجب على العاقلة تفريغ ذمّة القاتل من غير أن تشتغل ذمّتهم بالضمان ، ومن ثمّ لو عصوا لا تخرج عن تركتهم ، بل لا تزال ذمّة القاتل مشغولة بها.

فلا منافاة إذن بين وجوب الدّية على العاقلة وبين كون القاتل بنفسه ضامناً لها ، وتمام الكلام في محلّه من كتاب الدّيات (١).

وأمّا السند : فالمناقشة المزبورة ولا سيّما من مثل الشهيد والأردبيلي لعلّها تعدّ من الغرائب ، بداهة أنّها رويت في كلّ من الفقيه والتهذيب بطريقين في موضعين :

ذكر أحدهما صاحب الوسائل في الباب العاشر من أبواب موجبات الضمان (٢) ، وهو الطريق الضعيف المشتمل على سهل بن زياد ، كما نقلها حينئذٍ عن الكليني عنه أيضاً.

وذكر ثانيهما في أبواب أحكام الإجارة (٣) ، وهو طريق صحيح خالٍ عن أيّة شبهة ، لصحّة طريق كلّ منهما إلى ابن أبي نصر (٤) ، فهي مرويّة بطريق صحيح وإن رويت بطريق آخر ضعيف.

فلا سبيل للنقاش في السند بتاتاً ، كما لم يكن سبيل للنقاش في الدلالة إلّا بما ستعرف.

__________________

(١) مباني تكملة المنهاج ٢ : ٤٤٨ ـ ٤٥٠.

(٢) الوسائل ٢٩ : ٢٤٤ / أبواب موجبات الضمان ب ١٠ ح ١ ، الكافي ٧ : ٣٥٠ / ٥ ، التهذيب ١٠ : ٢٣٠ / ٩٠٩.

(٣) الوسائل ١٩ : ١٥٢ / كتاب الإجارة ب ٣٠ ح ١١ ، التهذيب ٧ : ٢٢٢ / ٩٧٣.

(٤) وقد أشار صاحب الوسائل إلى هذا الطريق في الموضع الأوّل أيضاً ، فلاحظ.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، هي معارضة برواية الصدوق لها عن داود بن سرحان أيضاً ، إلّا انّه قال : «مأمون» (١) بدل قوله : «ضامن» ، فتدلّ وقتئذٍ على عدم الضمان ، باعتبار أنّه ليس على الأمين ضمان ، فتسقط إذن عن الحجّيّة ، لمكان المعارضة ، ويكون المرجع بعدئذٍ إطلاق الروايات المتقدّمة الناطقة بنفي الضمان عن العامل الأمين من أجيرٍ أو غيره.

وعليه ، فلا ضمان في مورد الرواية فضلاً عن أن يتعدّى منه إلى محلّ الكلام ، أعني : عثرة الحمّال.

وممّا يؤكّد عدم الضمان صحيحة أبي بصير : ... في رجل استأجر حمّالاً فيكسر الذي يحمل أو يهريقه «فقال : على نحو من العامل إن كان مأموناً فليس عليه شي‌ء ، وإن كان غير مأمون فهو ضامن» (٢).

وقد ذكر فيها في موضعين من الوسائل : «جمّالاً» بالجيم المعجمة ، ولكنّه من غلط النسخة ، والصواب : «حمّالاً» بالحاء المهملة كما في الفقيه والتهذيب.

وكيفما كان ، فهي صريحة في عدم الضمان مع أمانة الحمّال التي هي محلّ الكلام ، بل ينبغي الاقتصار على هذه الصحيحة في مقام الاستدلال ، لكون صحيحة ابن سرحان المتقدّمة قاصرة الدلالة حتى مع الغضّ عن المعارضة ، لتوقّفها على عود الضمير في قوله : أو انكسر منه ، إلى المتاع ، كما نبّه عليه في الجواهر بعد أن استدلّ بها (٣).

__________________

(١) الفقيه ٤ : ٨٢ / ٢٦٣.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٤٤ / كتاب الإجارة ب ٢٩ ح ١١ ، الفقيه ٣ : ١٦٣ / ٧١٥ ، التهذيب ٧ : ٢١٨ / ٩٥١ ، وانظر الوسائل ١٩ : ١٥٠ / كتاب الإجارة ب ٣٠ ح ٧.

(٣) الجواهر ٢٧ : ٣٢٦.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكنّه غير واضح ، بل الظاهر عوده إلى الإنسان الذي هو أقرب ، ورجوع الضمير إليه أنسب ، نظراً إلى أنّ إصابة الإنسان كأنه مفروغ عنها ، غايته أنّ هذه الإصابة قد تؤدّي إلى موته ، وأُخرى إلى كسر عضوٍ منه ، وعليه ، فتكون الصحيحة أجنبيّة عن محلّ الكلام ، لكونها ناظرة إلى تلف الشخص أو كسره ، ولا نظر فيها إلى تلف المال بتاتاً. وهذا الاستظهار لو لم يكن متعيّناً فلا أقلّ من تطرّق احتماله الموجب للإجمال والمسقط لها عن صلاحيّة الاستدلال.

ويظهر من صاحب الوافي أيضاً استظهار هذا المعنى من الرواية ، حيث عقد باباً لضمان الأموال ، وباباً آخر لضمان الديات ، فذكر صحيحة أبي بصير المتقدّمة في الباب الأوّل ، وصحيحة ابن سرحان في الباب الثاني (١) ، فيعلم من ذلك أنّه استظهر منها كونها ناظرة إلى الكسر في نفس الإنسان لا في ماله.

وربّما يعضد هذا الاستظهار ويؤكّده عدم افتراض كون الحامل للمتاع حمّالاً ، إذ لا ذكر منه في الصحيحة ، ومن الجائز أن يكون حاملاً لمتاع نفسه قد ذكره السائل كسبب لما عرضه من الإصابة ، ومن الواضح عدم كون الإنسان ضامناً لمتاع نفسه.

إذن فتكون الصحيحة أجنبيّة عن محلّ البحث بالكلّيّة ، وإنّما هي ناظرة إلى الضمان في القتل أو الجرح أو الكسر الخطئي الذي عرفت عدم منافاته مع ثبوت الدية على العاقلة ، ولا نظر في جهة السؤال إلى الضمان بالنسبة إلى المتاع بتاتاً. فاحتمال عود الضمير إلى المتاع ليحكم عليه بالضمان أو بعدمه بعيدٌ غايته. وما صنعه الوافي من ذكرها في باب ضمان الديات هو المتعيّن.

نعم ، هي معارضة مع رواية الصدوق المشتملة على كلمة : «مأمون» بدل

__________________

(١) الوافي ١٨ : ٩١١ / ١٨٥٧٠ وج ١٦ : ٨٢٢ / ١٦١٩٥.

٢٥٢

[٣٣٠٩] مسألة ٨ : إذا قال للخيّاط مثلاً : إن كان هذا يكفيني قميصاً فاقطعه ، فقطعه فلم يكف ضمن في وجه (١). ومثله لو قال : هل يكفي قميصاً؟ فقال : نعم ، فقال : اقطعه ، فلم يكفه.

______________________________________________________

قوله : «ضامن» كما عرفت ، فلو تمّت هذه النسخة ولم تكن مغلوطة فلا جرم تقع بينهما المعارضة ، والمرجع بعد التساقط إطلاقات نصوص الدية السليمة عن المعارض ، الناطقة بأنّها في القتل والكسر الخطئي على العاقلة تكليفاً وعلى الفاعل وضعاً.

ثمّ إنّه على تقدير القول بالضمان في الحمّال في مورد الرواية فقد ظهر أنّه لا موقع للتعدّي منه إلى العثرة التي هي محلّ الكلام ، ضرورة صدور الفعل من القتل أو الكسر من نفس الحمّال في مورد الرواية ، لصحة إسناده إليه عرفاً ، غايته أنّه فعل غير اختياري له ، لحصول الإصابة منه اتّفاقاً ومن غير قصد لها. وأمّا في العثرة فلا يستند الفعل إلى العاثر بوجه ، بل هو كآلة محضة والتلف سماوي وليس من الإتلاف في شي‌ء.

فالصحيح أنّه لا ضمان في العثرة ، بل ولا في مسألة الحمّال حسبما عرفت.

(١) ملخّص ما ذكره (قدس سره) : أنّ الأقوال في مفروض المسألة ثلاثة :

الضمان مطلقاً ، وهو الذي اختاره (قدس سره) أوّلاً وإن ذكر في آخر كلامه أنّ الأولى تعليق الضمان على التقييد وعدمه أو على صدق الغرور وعدمه.

وعدم الضمان مطلقاً ، باعتبار أنّ صاحب المال قد أذن في قطع الثوب وفصّله في كلا الفرضين الآتيين.

وقولٌ بالتفصيل بين ما إذا قيّد القطع وعلّقه على الكفاية فقال : إن كان هذا

٢٥٣

وربّما يفرّق بينهما (*) فيحكم بالضمان في الأوّل دون الثاني ، بدعوى عدم الإذن في الأوّل دون الثاني.

وفيه : أنّ في الأوّل أيضاً الإذن حاصل.

وربّما يقال بعدم الضمان فيهما للإذن فيهما.

وفيه : أنّه مقيّد بالكفاية إلّا أن يقال : إنّه مقيّد باعتقاد الكفاية وهو حاصل.

والأولى الفرق بين الموارد والأشخاص بحسب صدق الغرور وعدمه ، أو تقيّد الإذن وعدمه ، والأحوط مراعاة الاحتياط.

______________________________________________________

يكفيني قميصاً فاقطعه ، ففيه الضمان ، لعدم صدور القطع عن الإذن في فرض عدم الكفاية. وبين ما إذا كان إخبار الخيّاط بالكفاية داعياً للأمر من غير تقييد وتعليق ، فلا ضمان لصدوره حينئذٍ عن الأمر والإذن.

وهذا التفصيل هو الأقوى ، إذ لا ينبغي الشكّ في أنّه في صورة الاشتراط وتعليق الإذن على الكفاية فقطعه الخياط باعتقاد الكفاية فضلاً عمّا إذا لم يكن معتقداً كان ضامناً ، لأنّه أتلف مال الغير أو أورد النقص عليه ، غايته أنّه لم يكن مقصّراً من أجل اعتقاد الكفاية. وعلى أيّ حال ، فلم يقع هذا القطع بإذن من المالك بعد أن كان مقيّداً بالكفاية وقد انكشف خلافها.

ودعوى الماتن (قدس سره) وجود الإذن ، عهدتها عليه ، إذ كيف يكون موجوداً وقد كان معلّقاً على الكفاية والمفروض عدمها؟!

__________________

(*) الظاهر أنّ الفرق هو الصحيح ، فإنّ الإذن في الأوّل مقيّد بالكفاية دون الثاني.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، تتّجه هذه الدعوى فيما لو كان المعلّق عليه اعتقاد الكفاية ، كما لو قال : اقطعه إن كنت واثقاً بالكفاية ، فقطع مبنيّاً على هذا الاعتقاد ، لحصول الإذن حينئذٍ بحصول شرطه ، لكن المفروض في كلامه (قدس سره) التعليق على نفس الكفاية لا على اعتقادها.

إذن فلا ينبغي التردّد في الضمان ، للاندراج في كبرى : إنّ من استؤجر للإصلاح فأفسد فهو ضامن.

وأمّا لو أذن في القطع مطلقاً ومن غير تقييد بالكفاية وإن كان هذا الإذن المطلق ناشئاً عن اعتقاد الكفاية الحاصل من إخبار الخيّاط بها بعد السؤال عنها ، فالظاهر حينئذٍ عدم الضمان ، لعدم كون الإذن معلّقاً ومشروطاً بشي‌ء لم يحصل ، غايته انكشاف الخطأ في الاعتقاد الباعث على الإذن والاشتباه في التطبيق من نفس الآذن. ومثله غير ضائر في حصول الإذن الفعلي المطلق ، كما هو الحال في سائر موارد التخلّف في الداعي وعدم مطابقته مع الواقع.

نعم ، فيما إذا كان الخيّاط عالماً بعدم الكفاية وهو جاهل بحيث صدق معه الغرور في إذنه المطلق ، يحتمل الضمان ، لقاعدة الغرور.

ولكن هذه القاعدة غير ثابتة على إطلاقها بحيث إنّ في كلّ مورد صدق الغرور تحقّق معه الضمان والرجوع إلى الغارّ لعدم الدليل عليه ، لا من بناء العقلاء ولا بحسب الروايات الخاصّة ، كما باحثنا حوله في مباحث المكاسب مشبعاً وبناطقٍ واسع (١).

وممّا يؤكّده في المقام : أنّا لو فرضنا أنّ صاحب الثوب بنفسه تصدّى للقطع

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٥ : ٢٥٦ وما بعدها.

٢٥٥

[٣٣١٠] مسألة ٩ : إذا آجر عبده لعملٍ فأفسد (١) ففي كون الضمان عليه أو على العبد يتبع به بعد عتقه أو في كسبه إذا

______________________________________________________

اعتماداً على إخبار الخيّاط بالكفاية لا أنّه أمر بالقطع أو أنّه أعطاه لخيّاط آخر فقطعه اعتماداً على إخبار الخيّاط الأوّل ، فإنّه لا يظنّ وقتئذٍ أن يلتزم فقيه بالضمان مع اشتراك هذه الفروض في صدق الغرور.

ونظيره ما لو أخبره بأنّ قيمة البضاعة الكذائيّة في البلد الفلاني راقية ، فحمل متاعه إلى ذلك البلد ليبيع ويستفيد فرأى أنّه على خلاف الواقع ، فهل يحتمل رجوعه إلى المخبر الغارّ وتضمينه مصارف الحمل؟ وعلى الجملة : فالضمان لا بدّ في تحقّقه من أحد أمرين : إمّا الإتلاف ، أو التلف الموجب للضمان من يد أو شرط ، وإلّا فالتغرير بمجرّده لا يستوجب الضمان ، وقاعدة الغرور ممّا لا أساس لها بقولٍ مطلق.

فتحصّل : أنّ الأظهر هو التفصيل في المسألة بين الصورتين لحصول الإذن في إحداهما دون الأُخرى ، غايته أنّ الإذن الحاصل كان ناشئاً عن اعتقاد مخالف للواقع حسبما عرفت.

(١) أو أنّه أبق العبد. والأقوال في المسألة من حيث الضمان وعدمه أربعة :

فذهب جماعة إلى عدم ضمان المولى بوجه ، وإنّما هو في عهدة العبد يتبع به بعد عتقه.

وهذا القول هو المطابق لمقتضى القاعدة بعد أن كان العبد هو المتلف وعدم كون المولى ملزماً بما يضمنه العبد ويتلفه.

٢٥٦

كان من غير تفريط وفي ذمّته يتبع به بعد العتق إذا كان بتفريط أو في كسبه مطلقاً ، وجوهٌ وأقوال ، أقواها الأخير (*) ، للنصّ الصحيح.

______________________________________________________

وقيل : يكون الضمان على المولى ، استناداً إلى رواية معتبرة كما ستعرف.

واختار صاحب المسالك التفصيل بين صورتي تفريط العبد فعلى ذمّته بمقتضى القاعدة ، وعدمه فعلى المولى ، لوقوع العمل بإذنه فيخرج من كسبه (١).

واختار الماتن كون الضمان في كسبه مطلقاً ، تبعاً لجماعة من الفقهاء ، واستناداً إلى النصّ الصحيح الوارد في المقام بعد حمل المعتبرة عليه وتقييدها به.

أقول : لو لم يرد نصّ في المسألة كان مقتضى القاعدة تعلّق الضمان بالعبد نفسه يتبع به بعد عتقه في جميع الفروض ، لكون المولى أجنبيّا عمّا يفعله العبد باختياره من إتلافٍ ونحوه ، وعدم كونه ملزماً بشي‌ء منها كما عرفت ، فلا مقتضي لضمانه ، بل هو في عهدة العبد كما ثبت ذلك في جملة من الموارد التي منها : ما لو اعترف بشي‌ء على نفسه فإنّه يتبع به بعد عتقه بلا كلام.

وأمّا بالنظر إلى النصّ الخاصّ الوارد في المقام فقد وردت في المسألة روايتان معتبرتان :

إحداهما : ما رواه زرارة وأبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل كان له غلام فاستأجره منه صائغ أو غيره ، قال : إن كان ضيّع شيئاً أو أبق منه فمواليه ضامنون» (٢) ، ورواها

__________________

(*) هذا فيما إذا استهلك العبد أموالاً أُخر غير مورد الإجارة ، وأمّا الإفساد في مورد الإجارة فالأقوى فيه القول الأوّل.

(١) المسالك ٥ : ٢٢٥.

(٢) الوسائل ٢٩ : ٢٥٤ / أبواب موجبات الضمان ب ١٢ ح ١.

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أيضاً في باب ١١ من أحكام الإجارة حديث ٢ ، ولكن بلفظ «صانع» حسبما هو موجود في الطبعة الحديثة من الوسائل (١) ، والصحيح هو الأوّل.

ثانيتهما : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) : في رجل استأجر مملوكاً فيستهلك مالاً كثيراً «فقال : ليس على مولاه شي‌ء ، وليس لهم أن يبيعوه ، ولكنّه يستسعى ، وإن عجز عنه فليس على مولاه شي‌ء ، ولا على العبد شي‌ء» (٢).

وقد اختار الماتن تبعاً لغيره العمل بهذه الصحيحة بعد حمل الرواية الأُولى عليها ، نظراً إلى أنّ الضمان المذكور فيها مطلق من حيث كونه في ذمّة المولى أو في ماله المعيّن ، أو في كسب عبده الذي هو أيضاً من أموال المولى ، ومقتضى صناعة الإطلاق والتقييد حمل الضمان على إرادة كونه في خصوص الكسب وأنّه لا ضمان مع العجز كما تضمّنه النصّ.

وهذا الاستدلال موقوف على حمل السؤال في الرواية الثانية على المثال لمطلق ما يتلفه العبد ولو كان هو العمل الذي استؤجر عليه ، كما لو أفسد العين التي هي محلّ العمل ، فالسؤال ناظر إلى الجهة العامّة وعن مطلق ما يفسد من غير خصوصيّة للمورد ، والاستهلاك من أحد مصاديقه ، فعليه يتّجه ما أُفيد من حمل المطلق على المقيّد ، لاتّحاد مورد الروايتين حينئذٍ ، فيكون الحكم المطلق الوارد في إحداهما منزّلاً على المقيّد الوارد في الأُخرى.

ولكنّه غير واضح ، فإنّ إثباته مشكل جدّاً ، ومن الجائز الفرق بين ما يتلفه العبد في عملٍ مأذون فيه من قبل المولى الذي هو مورد الرواية الأُولى ، وبين ما يتلفه ويستهلكه من أموال أُخر من غير استناد إلى المولى بوجه كما هو مورد

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١١٤.

(٢) الوسائل ١٩ : ١١٤ / كتاب الإجارة ب ١١ ح ٣.

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الرواية الثانية.

ففي الأوّل بما أنّ الإتلاف ومنه الإباق قيد وقع في العمل المستأجر عليه والمأذون فيه من قبل المولى فكأنه بالآخرة ينتهي إليه ، فلأجل هذه المناسبة صحّ تشريع الضمان عليه.

وهذا بخلاف الثاني ، إذ بعد فرض وقوع الإفساد فيما لا علاقة له ولا ارتباط بالمولى بتاتاً وإنّما هو تصرّف خارجي أجنبي عن مورد الإذن الصادر منه كما افترضه في الرواية من استهلاك أموال كثيرة ، فبهذه العناية كان الأنسب جعل الضمان في كسب العبد.

والحاصل : أنّه لا ملازمة بين الموردين بعد أن كان كلّ من الحكمين تعبّديّاً وعلى خلاف مقتضى القاعدة ، حيث عرفت أنّ مقتضاها عدم ضمان المولى حتى في كسب العبد فضلاً عن غيره ، لعدم كونه مسؤولاً عمّا يصدر من غيره ، ولكن الدليل التعبدي قد دلّ على ضمانه ، فلا محيص عن الالتزام به والخروج عن مقتضى القاعدة ، وعندئذٍ فلا مانع من الاقتصار على كلّ منهما في مورده من دون أيّ مقتضٍ لحمل أحدهما على الآخر ، بعد اختلاف الموردين في كون الإفساد في أحدهما في العمل المأذون فيه من قبل المولى ، وفي الآخر فيما لا يرتبط به ، المستتبع لصحّة التفصيل من كون الضمان على المولى تارةً ، وعلى العبد في كسبه اخرى حسبما تضمّنه النصّان.

ولعلّ التفصيل بهذا النحو هو الأصحّ والأقرب ، فيلتزم بالفرق بين الإفساد في مورد الإجارة فالضمان على المولى ، والإفساد في غيره فعلى العبد في كسبه حسبما عرفت مستوفى.

٢٥٩

هذا في غير الجناية على نفس أو طرف ، وإلّا فيتعلّق برقبته وللمولى فداؤه (*) بأقلّ الأمرين من الأرش والقيمة (١).

______________________________________________________

(١) ولا يلزمه الفداء بأكثر من قيمته لو كانت أقلّ من الأرش ، إذ لا يغرّم أهل العبد وراء نفسه شيئاً على ما في صحيحة محمّد بن قيس (١) ، كما ذكروا في باب العاقلة أيضاً مثل ذلك وأنّ العبد لا عاقلة له ولا يتحمّل أحد جنايته وإنّما جنايته في نفسه ، كما نطق به النصّ المزبور أيضاً من غير خلاف في المسألة.

إلّا أنّ عبارة المتن لا تستقيم على إطلاقها ، لاختصاص الحكم المزبور بالجناية الخطئيّة على النفس أو الطرف ، فلو قتل العبد خطأ أو قطع يداً مثلاً كذلك كان المولى مخيّراً بين الأمرين كما ذكر ، فله إعطاء الدّية ، أو تسليم العبد ، ليستوفي الحقّ منه حسبما عرفت.

وأمّا في الجناية العمديّة كما لعلّها الظاهر من سياق كلامه (قدس سره) باعتبار أنّ ما سبقه كان في إتلاف العبد وإفساده الذي لو لم يكن ظاهراً في العمد فلا أقلّ من الإطلاق ، ولم يكن مختصّاً بالخطإ قطعاً فلا اختيار حينئذٍ للمولى بوجه ، بل الاختيار إنّما هو بيد وليّ المقتول أو بيد المجنيّ عليه ، فلو قتل عبداً أو حرّا فللوليّ القصاص ابتداءً ، كما له الاسترقاق بلا حاجة إلى رضا المولى بذلك ، وإذا كانت الجناية على الطرف ساغ للمجنيّ عليه استرقاقه فيما إذا كانت الجناية مستوعبة للقيمة ، فكانت هي أي القيمة بمقدار الدّية أو أقلّ.

__________________

(*) هذا فيما إذا كان القتل أو الجناية خطأ ، وأمّا في فرض العمد فلا خيار للمولى بل لولي المقتول الخيار بين الاقتصاص والاسترقاق ، وكذلك المجني عليه إذا كانت الجناية تحيط برقبة العبد.

(١) الوسائل ٢٩ : ٢١٣ / أبواب ديات النفس ب ١٠ ح ٢.

٢٦٠