موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

والبضاعة مؤتمنان. وقال : ليس على مستعير عارية ضمان ، وصاحب العارية والوديعة مؤتمن» (١).

دلّت على أنّ من ائتمن شخصاً فأعطاه ماله ليبقى عنده مدّة ثمّ يستردّه منه الشامل لمورد الإجارة فهو مؤتمن لا ضمان عليه لو تلف من غير تعدٍّ وتفريط.

هذا ، ولكن الاستدلال بهاتين الطائفتين من الروايات وإن صحّ كما عرفت إلّا أنّنا في غنى عنه ، لتوقّفه على أن يكون هناك مقتضٍ للضمان لكي يستدلّ للخروج عنه بهذه النصوص وتعتبر بمثابة التخصيص.

مع أنّه ليس في البين أيّ مقتضٍ له عدا ما يتوهّم من التمسّك بعموم ما ورد من أنّ : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (٢).

ولكنّه في غير محلّه ، لقصوره سنداً ، حيث إنّ الرواية نبويّة ولم تثبت من طرقنا.

ودلالةً ، لظهور لفظ «الأخذ» في القهر والغلبة ، كما يفصح عنه ملاحظة موارد استعمالاته مثل قوله تعالى (فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) (٣) ، وقوله تعالى (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (٤) ، ونحو ذلك (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٩٣ / كتاب العارية ب ١ ح ٦.

(٢) المستدرك ١٧ : ٨٨ / كتاب الغصب ب ١ ح ٤.

(٣) القمر ٥٤ : ٤٢.

(٤) البقرة ٢ : ٢٥٥.

(٥) لكنّه قد يظهر من بعض الآيات الشريفة خلافها ، نحو قوله تعالى «فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ» [البقرة ٢ : ٢٦٠] ، وقوله سبحانه «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ» [الأعراف ٧ : ١٩٩] ، وقوله عزّ من قائل «وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ» [النساء ٤ : ١٠٢] ، وغير ذلك.

٢٢١

ولو شرط المؤجر عليه ضمانها بدونهما فالمشهور عدم الصحّة (*) ، لكن الأقوى صحّته (١) ،

______________________________________________________

بل يكفينا مجرّد الاحتمال وإن لم يتمّ الاستظهار ، إذ غايته الإجمال المسقط له عن صلاحيّة الاستدلال ، فإنّ دعوى الظهور في مطلق الاستيلاء غير ثابتة وعهدتها على مدّعيها ، فهي إمّا ظاهرة في خصوص الغلبة ، أو لا أقلّ من أنّها مجملة.

والعمدة في مستند الضمان في غير مورد الائتمان إنّما هي السيرة العقلائيّة الممضاة بعدم الردع ، حيث إنّها قائمة على أنّ من أخذ مالاً من أحد بغير رضاه أو مع الرضا والالتزام بالضمان كما في موارد العقود الباطلة فإنّ يده ضامنة.

ومن الواضح عدم ثبوت السيرة في موارد الإجارة ، بل قد استقرّ بناؤهم على عدم تضمين المستأجر لو تلفت العين المستأجرة تحت يده من غير تفريط.

إذن فلا حاجة إلى الاستدلال بهذه الروايات ، لقصور المقتضي للضمان في حدّ نفسه.

(١) قد عرفت عدم ضمان المستأجر للعين المستأجرة.

وهل الحكم كذلك حتى فيما إذا اشترط الضمان فلا أثر للشرط ، أو أنّه ينفذ ومعه يحكم بالضمان؟

فيه كلام بين الأعلام :

فالمشهور بينهم شهرة عظيمة هو الأوّل وأنّه يحكم بفساد الشرط.

__________________

(*) وهو الصحيح. نعم ، لا بأس باشتراط التدارك من ماله ، كما أنّه لا بأس باشتراط أداء مقدار مخصوص من ماله على التقدير التلف أو التعقيب.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ونسب الخلاف إلى السيّد المرتضى والأردبيلي والسبزواري وصاحب الرياض ، فحكموا بصحّته (١) ، وتبعهم السيّد الماتن (قدس سره).

ويستدلّ للقول المشهور بوجوه :

أحدها : إطلاقات نصوص عدم الضمان ، حيث إنّها تشمل صورتي الاشتراط وعدمه ، فإنّ النسبة بينها وبين دليل نفوذ الشرط وإن كانت عموماً من وجه ، لشمول الأوّل لمورد الاشتراط وعدمه ، والثاني لشرط الضمان وغيره ، وبالنتيجة يتعارضان في مورد الاجتماع أعني : اشتراط الضمان في عقد الإيجار لكن الترجيح مع الأوّل ، لمطابقته مع فتوى المشهور.

وهذا الاستدلال في غاية الضعف والسقوط :

أمّا أوّلاً : فلما هو المقرّر في محلّه من أنّ مقتضى القاعدة في موارد تعارض الإطلاقين بالعموم من وجه هو التساقط والرجوع إلى أصل أو دليل آخر من عموم أو إطلاق ، ولا تصل النوبة إلى الترجيح بالشهرة الفتوائيّة ، فإنّها لا تصلح لترجيح أحد الإطلاقين. وتمام الكلام في محلّه.

وثانياً : إنّ دليل نفوذ الشرط كسائر الأدلّة المثبتة للأحكام بالعناوين الثانوية تتقدّم على الإطلاقات المتكفّلة لها بعناوينها الأوّلية ، لحكومتها عليها بعد كونها ناظرة إليها ، فلا تصل النوبة إلى المعارضة ليتصدّى للمعالجة.

ثانيها : إنّ الشرط المزبور مخالف لمقتضى العقد.

وهذا كما ترى لم يظهر له أيّ وجه قابل للذكر بعد وضوح عدم كون عدم الضمان ممّا يقتضيه حاقّ العقد وطبعه ، وإنّما تتحقّق المخالفة في مثل ما لو كان الشرط عدم ملكيّة المنفعة ، حيث إنّ مقتضى الإجارة ومدلولها هو

__________________

(١) الانتصار : ٤٦٧ ، مجمع الفائدة والبرهان ١٠ : ٦٩ ، كفاية الأحكام : ١٢٤ ، رياض المسائل ٩ : ٢٠٠.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ملكيّتها ، فلا جرم كان اشتراط العدم مخالفاً لمقتضى العقد. وأمّا شرط الضمان فلم يكن منافياً بل لم يكن مرتبطاً بمفاد عقد الإيجار ومقتضاه بتاتاً لكي يكون موافقاً أو مخالفاً كما هو أظهر من أن يخفى.

اللهُمَّ إلّا أن يريد هذا القائل من المخالفة المزبورة المخالفة للأحكام المترتّبة على العقد ، حيث إنّه محكوم شرعاً بعدم الضمان كما مرّ ، فيراد المخالفة للعقد ولو مع الواسطة الراجعة في الحقيقة إلى كون الشرط مخالفاً للسنّة وإن عبّر عنها بمخالفة مقتضى العقد مسامحةً ، فيفسد الشرط لهذه العلّة.

وهذا بظاهره لا بأس به ، إلّا أنّ تماميّة الاستدلال تتوقّف على دلالة النصوص على كون عدم الضمان من آثار العقد ، بحيث تكون الإجارة مقتضية لعدم الضمان ، إذ معه يصحّ القول بأنّ اشتراط الضمان مخالف ومنافٍ لهذا الاقتضاء بعد البناء على كون عدمه من آثار الأمانة والإجارة.

وأمّا لو أنكرنا هذه الدلالة وبنينا كما هو الأصحّ على أنّه لا يستفاد من هاتيك النصوص ما عدا أنّ عقد الإيجار لا يقتضي الضمان لا أنّه يقتضي العدم ، فالعقد المزبور بالإضافة إلى الضمان من قبيل عدم المقتضي لا المقتضي للعدم. فعليه ، لا يكون الشرط المذكور مخالفاً ومنافياً بوجهٍ كما لا يخفى.

ويرشدك إلى ذلك ما دلّ على صحّة شرط الضمان في العارية ، فإنّ فيه دلالة واضحة على عدم كون هذا الشرط مخالفاً للسنّة ، نظراً إلى عدم كون الأمانة المتحقّقة في مورد العارية كالإجارة مقتضية لعدم الضمان ، إذ لو كان مقتضياً فلا جرم كان الشرط المزبور مخالفاً ، ولازم البناء على نفوذه : ارتكاب التخصيص في دليل عدم نفوذ الشرط المخالف ، مع إباء لسانه عن التخصيص ، إذ كيف يمكن القول بأنّ الشرط المخالف لكتاب الله باطل إلّا في العارية؟! فيستكشف من ذلك كلّه أنّ اليد الأمينة لم تكن مقتضية للضمان لا أنّها مقتضية للعدم ، ومن ثمّ لا مانع من اشتراط الضمان في العارية ، ولا يكون مثله

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مخالفاً للكتاب والسنّة ، فلا مانع إذن من الالتزام بنفوذ هذا الشرط في المقام.

ولو تنازلنا عن ذلك ولم يتّضح لدينا أنّ الأمانة مقتضية للعدم ، أم أنّها غير مقتضية ، وأنّ عدم الضمان في مورد الإجارة هل هو لعدم المقتضي ، أو لمقتضى العدم؟ فبما أنّه يشكّ وقتئذٍ في مخالفة الشرط المزبور للكتاب والسنّة فلا مانع من التمسّك بأصالة عدم المخالفة ولو بنحو العدم الأزلي ، إذ الخارج عن عموم : «المؤمنون عند شروطهم» عنوان وجودي وهو الشرط المخالف ، كخروج عنوان القرشيّة عن عموم تحيّض المرأة إلى خمسين ، فالمستثنى هو الشرط المتّصف بالمخالفة ، وأمّا المستثنى منه فلم يؤخذ فيه أيّ عنوان إلّا عدم هذا العنوان ، فيتمسّك بعموم العام بعد نفي العنوان المخصّص بأصالة العدم الأزلي ، وتكون النتيجة نفوذ الشرط. فهذا الوجه يتلو سابقه في الضعف.

والعمدة إنّما هو :

الوجه الثالث : وهو المنع عن تحقّق مفهوم الشرط في المقام.

وتوضيحه : أنّ الشرط حسبما تكرّرت الإشارة إليه في مطاوي هذا الشرح يرجع إلى أحد أمرين : إمّا تعليق الالتزام بالعقد بتحقّق وصف أو أمر خارجي ككتابة العبد ، ومعلوم أنّ المقام ليس من هذا القبيل. أو تعليق أصل العقد على الالتزام بشي‌ء فيجب الوفاء به بمقتضى عموم المؤمنون. وعليه ، فيعتبر في مورد الشرط أن يكون شيئاً قابلاً لتعلّق الالتزام به بأن يكون داخلاً تحت قدرة المشروط عليه واختياره.

وأمّا الأحكام الشرعيّة أو العقلائيّة التي يكون أمر رفعها ووضعها بيد الشارع أو العقلاء فبما أنّها خارجة عن عهدة المتعاقدين فلا معنى لوقوعها مورداً للشرط في ضمن العقد.

ومن الواضح أنّ الضمان الذي معناه : كون التلف في عهدة الشخص وكون الذمّة مشغولة بمثل التالف أو قيمته حكم شرعي أو عقلائي مجعول بأسباب

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

خاصّة ، ولا يكاد يتحقّق بجعل الشارط ولا بالتزام المشروط عليه ، لخروجه عن اختيار المتعاقدين وقيام اعتباره بمعتبر آخر ، فلا معنى لالتزام المشروط عليه بكون ذمّته مشغولة شرعاً أو عقلائيّاً بالمثل أو القيمة.

وهكذا الحال في غير الضمان من سائر الأحكام الوضعيّة التي يكون اختيارها بيد الشارع ، كالإرث ، فإنّه لا ينبغي التأمّل في عدم صحّة اشتراطه في متن العقد في غير ما قام عليه الدليل كعقد الانقطاع فإنّه اعتبار شرعي مخصوص بطبقات خاصّة من الورّاث خارج عن عهدة المتعاقدين.

والذي يرشدك إلى ما ذكرناه أنّا لا نعرف متفقّهاً فضلاً عن فقيه يلتزم بنفوذ شرط الضمان في غير مورد العقد ، كان يبيع داره ويشترط عليه ضمان داره الأُخرى بحيث يثبت الضمان بنفس هذا الشرط ، فإنّ نفوذه بالإضافة إلى العين المستأجرة وإن ذهب إليه جمع منهم الماتن إلّا أنّه بالإضافة إلى غير مورد العقد لم يلتزم به أحد من الفقهاء ، والسرّ ما عرفت من أنّ الضمان حكم شرعي له أسباب معيّنة ، وليس الشرط من أحد أسبابه ، فلم يكن اختياره بيد المكلف بعد أن لم يكن الشرط مشرّعاً ، ومن ثمّ يحكم بفساده في المقام.

وملخّص الكلام : أنّ الشرط في ضمن العقد لا يترتّب عليه الأثر إلّا إذا كان أمره بيد المشروط عليه له أن يفعل وأن لا يفعل ، فيجب عليه بعد الشرط أن يفعل بمقتضى قوله (عليه السلام) : «المؤمنون عند شروطهم» الراجع إلى أنّ الإيمان ملازم للوفاء بالشرط ، وأنّ المؤمن لا يتخلّف عن شرطه ، وهذا معنى : «عند» ، أي بين المؤمن والعمل بشرطه ملازمة في اعتبار الشارع.

وعليه ، ففي كلّ مورد يكون أمر متعلّق الشرط بيد المؤمن مثل الكتابة والخياطة ونحوها من الأُمور الاختياريّة فهو طبعاً ملزم بالوفاء.

وأمّا ما هو خارج عن اختياره وراجع إلى الشارع والمقنّن كالمجعولات الشرعيّة التي منها الضمان فليس للشارط تغيير القانون وتبديله ، ولا يكاد

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

يشمله عموم المؤمنون بوجه ، لعدم كون الشرط مشرّعاً ولا موجداً لحكم لم يكن مشروعاً في حدّ نفسه.

ويجري هذا الكلام في غير باب الضمان من سائر الأحكام الوضعيّة المعبّر عنها في كلماتهم بشرط النتيجة ، إلّا فيما ثبت كون اختياره بيد المشروط عليه ولم يعتبر في تحقّقه سبب خاصّ كالملكيّة والوكالة ونحوهما ممّا يكفي إبرازه بأيّ مبرز كان. فلا مانع من أن يبيع داره مشروطاً بأن يكون أثاث البيت مثلاً أو المزرعة الفلانيّة أيضاً ملكاً للمشتري ، أو أن يكون وكيلاً عنه في المعاملة الكذائية بحيث تثبت الملكيّة أو الوكالة بنفس هذا الاشتراط ، فإنّ زمام هذا الاعتبار بيد المكلّف نفسه ، وله الإبراز بأيّ مبرز كان ، والشرط من أحد المبرزات.

فكلّما كانت الشرائط من هذا القبيل صحّ اشتراطها في متن العقد وشملها دليل نفوذ الشرط.

وأمّا ما اعتبر فيه سبب خاصّ كالنكاح والطلاق والظهار ونحوها ، أو لم يكن اختياره بيد المكلّف ولم يكن له إيجاده بالفعل حتى بغير الشرط كاعتبار الوراثة للأجنبي ، أو الملكيّة لشخص بعد شهر مثلاً المحكوم بالبطلان لمكان التعليق المبطل ، فلا يصحّ اشتراطه في العقد على سبيل شرط النتيجة ، فلا يسوغ البيع بشرط الإرث ، ولا بشرط أن يملك الشي‌ء الفلاني بعد شهر.

وعلى الجملة : فالعبرة في نفوذ الشرط في شرائط النتيجة بتحقّق أمرين :

أحدهما : كون تلك النتيجة تحت اختيار المشروط عليه ، بحيث يكون قادراً على إيجادها فعلاً ولو من غير اشتراط.

والثاني : عدم اعتبار لفظ خاصّ في تحقّقها ، وبما أنّ الضمان فاقد للشرط الأوّل فمن ثمّ لا يصحّ اشتراطه في الإجارة كما عليه المشهور.

وأمّا العارية فحالها حال الإجارة في مناط المنع وعدم الصحّة بمقتضى القاعدة حسبما عرفت ، إلّا أنّ النصّ الخاصّ قد دلّ على صحّة اشتراطه فيها ،

٢٢٧

وأولى بالصحّة إذا اشترط عليه أداء (١) مقدار مخصوص من ماله على تقدير التلف أو التعيّب لا بعنوان الضمان.

______________________________________________________

وأنّ الشارع الذي بيده أمر الرفع والوضع قد منح المكلّف اختيار هذا الحكم وجعل أمره بيده. وهذا هو الفارق بين البابين بعد وضوح كون الحكم قابلاً للتخصيص.

ونظير ذلك إرث المنقطعة ، فإنّ الأخبار وإن دلّت على اختصاص الإرث بالزواج الدائم وأمّا المنقطعات فهنّ مستأجرات ولا ميراث لهنّ ، إلّا أنّ الدليل الخاصّ قد دلّ على تحقّق الوراثة مع اشتراطها في متن العقد ، ولا ضير في الالتزام به بعد كون المنع المزبور قابلاً للتخصيص.

نعم ، لا يحكم بصحّة الشرط في غير موارد قيام الدليل ، ومن ثمّ لا يسوغ اشتراط الإرث في البيع ونحوه ، وإلّا فلو كان الدليل قائماً على أنّ للمالك تعيين وارثه وأنّ اختيار تمام المال بيده كما قام الدليل على أنّ اختيار الثلث بيده صحّ وقوعه مورداً للشرط ، وشملة عموم : «المؤمنون عند شروطهم» ، ولكنّه لم يقم عليه أيّ دليل ، بل قام الدليل على عدمه ، وأنّ الوارث ينحصر في طبقات معيّنة ، إلّا مع الاشتراط في خصوص المتعة فيكون ذلك تخصيصاً في دليل المنع لا محالة.

وقد تلخّص من جميع ما مرّ : عدم صحّة شرط الضمان في عقد الإجارة.

هذا كلّه فيما لو كان الشرط المزبور من قبيل شرط النتيجة ، بمعنى : أن يراد بالضمان اشتغال ذمّة المستأجر بقيمة العين أو مثلها حسب اختلاف الموارد ، كما هو الحال في غير المقام.

وأمّا لو كان من قبيل شرط الفعل فسيأتي.

(١) أي على سبيل شرط الفعل الراجع إلى اشتراط المؤجر على المستأجر

٢٢٨

والظاهر عدم الفرق في عدم الضمان مع عدم الأمرين بين أن يكون التلف في أثناء المدّة أو بعدها (١) إذا لم يحصل منه منع للمؤجّر عن عين ماله إذا طلبها ، بل خلّى بينه وبينها ولم يتصرّف بعد ذلك فيها. ثمّ هذا إذا كانت الإجارة صحيحة.

______________________________________________________

أن يدفع مقداراً معيّناً من المال على تقدير تلف العين من غير أن تشتغل ذمّته بشي‌ء ، بل على أن يكون هذا الدفع تكليفاً محضاً كسائر الأفعال الخارجيّة من اشتراط الخياطة ونحوها بحيث لو تلفت ومات المستأجر قبل الدفع لم تخرج القيمة عن تركته ، لعدم كونه مديناً ولا ذمّته مشغولة بضمان مالي. فإنّ مثل هذا الشرط بما أنّه عمل سائغ في نفسه وله التصدّي له تبرّعاً لكونه إرفاقاً وإحساناً في حقّ الغير ، فلا مانع إذن من أن يكون مشمولاً لعموم نفوذ الشرط ، فيكون الدفع المزبور السائغ في نفسه واجباً بعنوان الوفاء بالشرط ، كما هو الشأن في كلّ عمل سائغ واقع في حيّز الاشتراط من غير مانع.

ولا فرق في ذلك بين أن يكون المشروط دفع ما يساوي قيمة العين المستأجرة أو أقلّ منها أو أكثر ، لوحدة المناط بعد أن لم يكن المدفوع بعنوان الضمان لكي تراعى القيمة ، وإنّما هو شرط فعل خارجي سائغ ، والاختلاف والتساوي في هذه المرحلة شرع سواء.

وعلى الجملة : فهذا النوع من الاشتراط لا ينبغي الاستشكال في صحّته ، والذي هو محلّ الكلام إنّما هو اشتراط الضمان الاصطلاحي ، أي على سبيل شرط النتيجة ، وقد عرفت أنّ الأقوى هو المنع وعدم النفوذ كما عليه المشهور.

(١) لوحدة المناط في الموردين من كون العين أمانة تحت يد المستأجر بعد أن كان قد خلّى بينها وبين المؤجر لدى انقضاء مدّة الإجارة ولم يتسلّمها

٢٢٩

وأمّا إذا كانت باطلة ففي ضمانها وجهان ، أقواهما العدم (١) ، خصوصاً إذا كان المؤجر عالماً بالبطلان حين الإقباض دون المستأجر (٢).

______________________________________________________

بنفسه حتى تلفت. وقد عرفت أنّه لا ضمان في الأمانة ، إمّا لعدم المقتضي ، أو لوجود المانع.

(١) للكبرى الكلّيّة التي ذكرها الفقهاء من أنّ ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده ، وحيث لا ضمان في صحيح الإجارة كما سبق فكذا في فاسدها.

والوجه فيه ظاهر ، فإنّ دليل الضمان إمّا أنّه قاصر الشمول للمقام من أصله كما ذكرناه ، أو أنّه على تقدير الشمول فهو مخصّص بما دلّ على عدم ضمان الأمين بعد فرض تحقّق الأمانة في الإجارة الفاسدة كالصحيحة بمناط واحد ، ضرورة أنّ المؤجر لم يسلّم العين على أن تكون مضمونة ، كما أنّ المستأجر لم يقدم على أخذها كذلك ، فلم يقدم على الضمان بإزاء العين ، بل بإزاء المنافع خاصّة ، فلم يقدما إلّا على أن تكون العين باقية على ملك المؤجر أمانة بيد المستأجر يردّها بعد استيفاء المنفعة منها ، غايته أنّ ضمان المنافع بأُجرة المسمّى قد يمضيها الشارع فتكون الذمّة مشغولة بها ، وأُخرى لا ، فتكون مضمونة بأُجرة المثل ، ولا فرق بين الصحيحة والفاسدة إلّا من هذه الناحية. إذن فلا ضمان من ناحية وضع اليد على العين في كلا الموردين بعد كونها أمانة.

وأمّا الضمان من ناحية الشرط فغير خفي أنّ هذا الشرط لا أثر له حتى على القول بالضمان مع الشرط في الإجارة الصحيحة ، ضرورة أنّ الشرط إنّما يحكم بنفوذه في فرض صحّة العقد ، وأمّا مع فساده فهو في حكم العدم ، إذ الشرط في ضمن العقد الفاسد بمثابة الشرط الابتدائي في عدم الدليل على نفوذه بوجه.

(٢) لأنّ الدفع والإقباض مع هذا العلم يجعله كأنه هو المفوّت لمال نفسه.

٢٣٠

[٣٣٠٢] مسألة ١ : العين التي للمستأجر بيد المؤجر الذي آجر نفسه لعمل فيها (١) كالثوب آجر نفسه ليخيطه أمانة ، فلا يضمن تلفها أو نقصها إلّا بالتعدّي أو التفريط أو اشتراط ضمانها على حذو ما مرّ في العين (*) المستأجرة.

______________________________________________________

(١) قد يفرض أنّ العين للمؤجّر بيد المستأجر فتتلف ، وهو الذي تكلّمنا فيه لحدّ الآن. وأُخرى يفرض عكس ذلك وأنّها للمستأجر بيد المؤجر ، وهذا كما في إجارة الأعمال ، مثل ما لو أعطى الثوب للخيّاط ليخطئه ، أو للقصّار ليغسله ، أو للحمّال ليحمله فعرض التلف عند الأجير.

وهنا أيضاً يجري ما تقدّم من أنّ العين أمانة عند من بيده ، ولا يضمن الأمين لو تلفت عنده من غير تفريط.

نعم ، فيما إذا كان متّهماً فيه كلام من حيث الاستحلاف أو التضمين حتى يقيم البيّنة ، وذاك بحث آخر أجنبي عمّا نحن بصدده ، ففي محلّ الكلام أعني : ما لو تلفت العين من غير تفريط ولا اتّهام لا يكون ضمان جزماً ، لما عرفت من أنّ اليد يد أمانة ، وقد دلّت جملة من الأخبار على عدم ضمان المؤتمن ، مضافاً إلى ما عرفت من قصور المقتضي للضمان سنداً ودلالةً كما تقدّم (٢) ، وهذا واضح.

وإنّما الكلام فيما لو اشترط الضمان ، فهل يصحّ الشرط هنا ، أو أنّه لا يصحّ كما لم يصحّ في المسألة السابقة؟

مقتضى كلام المحقّق في الشرائع عدم الضمان إلّا مع التفريط ، سواء أشرط أم لا ، وأنّ المسألتين من وادٍ واحد ، ولم يتعرّض في الجواهر إلى خلافٍ في المقام

__________________

(١) الحال فيه كما تقدّم آنفاً.

(٢) في ص ٢٢١.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

غير الخلاف المتقدّم في العين المستأجرة التي هي للمؤجّر عند المستأجر (١).

فإنّ المحقّق قد تعرّض في أوائل كتاب الإجارة للمسألة الأُولى ، وبعد أن حكم بأنّ العين التي هي ملك للمؤجّر أمانة بيد المستأجر لا تضمن لو تلفت بغير تفريط ، تعرّض لصورة الاشتراط وذكر أنّ الأظهر عدم الضمان أيضاً كما عليه المشهور (٢).

ثمّ تعرّض (قدس سره) قريباً من أواخر الكتاب للمسألة الثانية التي هي عكس الاولى ، وحكم أيضاً بعدم الضمان إلّا مع التفريط (٣) ، من دون أن يتعرّض هنا لحكم الاشتراط ، بحيث يظهر منه (قدس سره) أنّ حال هذه المسألة حال المسألة السابقة ، ولكنّه قيل : إنّ المشهور هنا هو الضمان على خلاف المسألة السابقة ، حيث كان المشهور هناك عدمه ، ولم يتّضح لدينا مستند هذه الشهرة.

وكيفما كان ، فيظهر من صاحب الوسائل نفوذ شرط الضمان في المقام ، حيث أخذه في عنوان الباب الثلاثين من أحكام الإجارة ، الظاهر في التزامه به ، مستدلّاً عليه بما رواه في الكافي والتهذيب مسنداً عن موسى بن بكر ، عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل استأجر سفينة من ملّاح فحمّلها طعاماً واشترط عليه إن نقص الطعام فعليه «قال : جائز» قلت : إنّه ربّما زاد الطعام؟ قال : «فقال يدّعي الملّاح أنّه زاد فيه شيئاً؟» قلت : لا ، «قال : هو لصاحب الطعام الزيادة ، وعليه النقصان إذا كان قد اشترط ذلك» (٤).

__________________

(١) الجواهر ٢٧ : ٢١٥ ـ ٢١٧.

(٢) الشرائع ٢ : ٢١٠.

(٣) الشرائع ٢ : ٢٢٣.

(٤) الوسائل ١٩ : ١٥٠ / كتاب الإجارة ب ٣٠ ح ٥ ، الكافي ٥ : ٢٤٤ / ٤ ، التهذيب ٧ : ٢١٧ / ٩٤٩.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

نظراً إلى أنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «وعليه النقصان إذا كان قد اشترط» عدم الضمان من دون الاشتراط ، وإلّا لم يكن وجهٌ للتفصيل بين الشرط وعدمه ، فلا بدّ إذن من فرض الكلام في صورة عدم التعدّي ، لثبوت الضمان معه مطلقاً ، أي سواء اشترط أم لا.

أقول : يقع الكلام تارةً في سند الرواية ، وأُخرى في دلالتها.

أمّا السند : فالظاهر أنّه معتبر وإن عبّر عنها في الجواهر (١) وغيره بالخبر ، المشعر بالضعف ، فإنّ موسى بن بكر وإن لم يرد فيه توثيق في الكتب الرجاليّة ولكنّا تعرّضنا له في المعجم وذكرنا أنّ الأظهر وثاقته من جهات ، فلاحظ (٢).

وأمّا علي بن الحكم الواقع في السند فهو علي بن الحكم بن مسكين الذي لا إشكال في وثاقته ، فلا مجال للنقاش في السند.

وأمّا الدلالة : فهي قابلة للخدش ، نظراً إلى عدم ظهورها في إرادة الضمان بالمعنى المصطلح بحيث تكون ذمّة الملّاح مشغولة بما نقص حتى لو طرأ التلف بآفة سماويّة من غرق السفينة أو حرقها ، بل المنسبق إلى الذهن من اشتراط كون النقصان عليه في أمثال المقام بحسب الاستعمالات الخارجيّة المتعارفة أنّ المراد لزوم تدارك النقص وجبره وتكميل الناقص على سبيل شرط الفعل لا شرط النتيجة.

فالغاية من الاشتراط الاهتمام بحفظ كمّيّة الطعام ، والعناية بعدم النقص لدى الاستلام ، إذ لو حمّلها ألف كيس مثلاً وعند التسلّم كانت ألفاً إلّا خمسين فالناقص إمّا عند الملّاح أو عند أحد أعوانه بعد وضوح عدم نقصه من عند

__________________

(١) الجواهر ٢٧ : ٢١٧.

(٢) المعجم ٢٠ : ٣١ ـ ٣٤ / ١٢٧٦٧.

٢٣٣

ولو تلفت أو أتلفها المؤجر أو الأجنبي قبل العمل أو في الأثناء (١) بطلت الإجارة (*) ورجعت الأُجرة بتمامها أو بعضها إلى المستأجر ، بل لو أتلفها مالكها المستأجر كذلك أيضاً. نعم ، لو كانت الإجارة واقعة على منفعة

______________________________________________________

نفسه ، فالشرط لا محالة ناظر إلى الفعل الخارجي ، أعني : التكميل لدى التسلّم.

وإن شئت فقل : إنّ النقص وكذا النقصان مصدر فلا معنى لاشتراط كونه عليه ، فلا مناص من تقدير فعل ، أي عليه جبر النقص وتكميله.

وعليه ، فيكون ناظراً إلى شرط الفعل لا إلى شرط النتيجة ليدلّ على الضمان ، وإلّا لعبّر بقوله : عليه ما نقص ، بدلاً عن قوله : «عليه النقصان» ، على حذو قوله : «على اليد ما أخذت» ليدلّ على كون نفس المال في عهدته ويساوق الضمان.

إذن فيكون نفوذ الشرط المزبور مطابقاً لمقتضى القاعدة ، فلا تكون الرواية منافية لما ذكرناه من عدم نفوذ شرط الضمان بالمعنى الذي هو محلّ الكلام. فالمسألتان إذن من وادٍ واحد ، فيصحّ الشرط بمعنى ولا يصحّ بمعنى آخر من غير فرق بينهما بوجه.

(١) حكم (قدس سره) بانفساخ الإجارة ورجوع الأُجرة كلّاً أو بعضاً إلى المستأجر فيما إذا تلفت العين التي هي ملك للمستأجر قبل العمل أو في أثنائه ، بلا فرق بين ما إذا كان بآفة سماويّة ومن ذلك إتلاف الحيوانات وبين ما إذا

__________________

(*) مرّ التفصيل بين التلف السماوي وغيره في المسألة الثالثة عشرة من الفصل السابق ، وما ذكره (قدس سره) هنا يناقض ما تقدّم منه فيها ، وقد تقدّم أيضاً أنّ إتلاف المستأجر بمنزلة قبضه.

٢٣٤

المؤجر بأن يملك منفعته الخياطي في يوم كذا يكون إتلافه لمتعلّق العمل بمنزلة استيفائه ، لأنّه بإتلافه إيّاه فوّت على نفسه المنفعة ، ففرقٌ بين أن يكون العمل في ذمّته ، أو أن يكون منفعته الكذائيّة للمستأجر ، ففي الصورة الأُولى التلف قبل العمل موجب للبطلان ورجوع الأُجرة إلى المستأجر وإن كان هو المتلف ، وفي الصورة الثانية إتلافه بمنزلة الاستيفاء ، وحيث إنّه مالك لمنفعة المؤجر وقد فوّتها على نفسه فالأُجرة ثابتة عليه.

______________________________________________________

كان بإتلاف المؤجر أو الأجنبي بل المستأجر أيضاً.

نعم ، فصّل (قدس سره) في إتلاف المستأجر بين أن تكون الإجارة على العمل في الذمّة ، وبين ما إذا كانت على المنفعة الخاصّة كمنفعة الخياطة في هذا اليوم فأتلف العين التي هي محلّ العمل ، فخصّ الانفساخ حينئذٍ بالأوّل دون الثاني ، نظراً إلى أنّ الإتلاف في الصورة الثانية يعدّ بمثابة الاستيفاء للخياطة التي وقعت الأُجرة بإزائها.

أقول : تقدّم البحث حول هذا الفرع في المسألة الثالثة عشرة من الفصل السابق ، وتكلّمنا عنه ثمّة بنطاق واسع ، وما أفاده (قدس سره) في المقام مناقض صريحٌ لما ذكره هناك.

فإنّه (قدس سره) أفاد في تلك المسألة أنّ التلف إذا كان سماويّاً أوجب الانفساخ ، لكشفه عن عدم القدرة المستوجب لعدم ملكيّة العمل أو المنفعة من الأوّل حتى يملك.

وأمّا إذا كان بإتلاف المؤجر فهذا موجب لضمانه ، ومعه يتخيّر المستأجر بين تضمينه والمطالبة بالقيمة وبين فسخ العقد ، باعتبار أنّه هو الذي أتلف ما يملكه المستأجر وأعدمه.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإذا كان بإتلاف الأجنبي فهو موجب لضمانه أيضاً.

وأمّا إذا كان المتلف هو المستأجر فإتلافه بمنزلة استيفاء العمل أو المنفعة وقبضهما ، حيث إنّه بنفسه قد أتلف مال نفسه ، فلا انفساخ إلّا في صورة واحدة كما عرفت.

وعليه ، فحكمه (قدس سره) في المقام بالانفساخ في جميع هاتيك الصور ما عدا صورة واحدة مناقضٌ صريح لما سبق منه.

والصحيح ما أفاده (قدس سره) هناك كما باحثنا حوله مشبعاً مع بعض التعاليق ، فراجع إن شئت ، ولا حاجة إلى الإعادة (١).

وأمّا ما ذكره (قدس سره) في المقام من التفصيل فلم يتّضح له أيّ وجه ، بل الإتلاف بمثابة الاستيفاء في كلتا الصورتين ، ولا مناص من الحكم بالصحّة فيهما معاً.

والوجه فيه : أنّ المستأجر قد ملك العمل في ذمّة الأجير في الصورة الأُولى بسبب الإجارة ، كما ملك المنفعة الكذائيّة في الصورة الثانية ، والمفروض أنّ الأجير باذلٌ للعمل وأنّ الخيّاط مثلاً قد هيّأ نفسه للخياطة في المدّة المقرّرة من دون أيّ قصور منه أو تقصير ، والمستأجر هو الذي أعدم موضوع هذه المنفعة المملوكة له بإتلافه محلّ العمل ، فبالنتيجة ينتهي تعذّر تحقّقه خارجاً إلى اختياره وإرادته ، فهذا نظير ما ذكروه من أنّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، إذ هو باختياره فوّت المنفعة على نفسه بعد ما كان قادراً على التسليم والتسلّم خارجاً ، وأعدم المملوك وأسقطه عن قابليّة الوجود ، فكان ذلك بمثابة القبض والاستيفاء منه في كلتا الصورتين بمناطٍ واحد من غير فرق بينهما أصلاً ،

__________________

(١) في ص ١٩٠ ـ ١٩٣.

٢٣٦

[٣٣٠٣] مسألة ٢ : المدار في الضمان على قيمة يوم الأداء (*) في القيميّات (١) لا يوم التلف ولا أعلى القيم على الأقوى.

______________________________________________________

ومعه لا مقتضي للحكم بالانفساخ في شي‌ء منهما.

(١) على ما هو مقتضى القاعدة كما ستعرف. وهذا هو أحد الأقوال في المسألة.

وقيل : إنّ العبرة بقيمة يوم التلف ، وقيل : بالقيمة يوم الضمان ، وقيل : بأعلى القيم من يوم الضمان إلى يوم التلف ، أو إلى زمان الأداء.

أمّا القول بيوم التلف فمستنده : أنّ هذا هو اليوم الذي ينتقل فيه الضمان إلى القيمة بعد أن كان خاطباً بأداء نفس العين بمقتضى قوله : «على اليد ما أخذت» إلخ ، فكان الواجب قبل هذا اليوم أداء نفس العين الخارجيّة التي أخذتها اليد ، إذ لا وجه وقتئذٍ لملاحظة القيمة بعد أن كانت العين موجودة ، وإنّما تلاحظ بعد تلفها ، فلا جرم كانت العبرة بمراعاة القيمة في هذا اليوم الذي هو زمان انتقال الضمان من العين إليها.

ويندفع : بأنّ الانتقال إلى القيمة في اليوم المزبور وإن كان حقّا لا ارتياب فيه ولكنّه خاصّ بالحكم التكليفي فلا يخاطب بعدئذٍ بأداء العين ، لمكان التعذّر وقبح التكليف بغير المقدور. وأمّا بحسب الحكم الوضعي أعني : الضمان فغير واضح ، بمعنى : أنّه لا تكليف من الآن بأداء العين ، وأمّا أنّ الثابت في العهدة والذي تشغل به الذمّة هل هو نفس العين ، أو قيمة هذا اليوم ، أو يوم الضمان ،

__________________

(*) لا يبعد أن يكون المدار على قيمة يوم الضمان ، والأحوط الرجوع إلى المصالحة عند اختلاف القيمتين.

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أو أعلى القيم؟ فكلّ ذلك لا دليل عليه ، وإنّما الثابت هو أنّ هذا اليوم هو يوم الانتقال إلى القيمة ، تكليفاً بمناط التعذّر وامتناع تسليم العين ، فطبعاً ينتهي التكليف إلى أداء القيمة من غير أن يقتضي هذا تعيين الحكم الوضعي بوجه حسبما عرفت.

وأمّا القول باعتبار أعلى القيم فالوجه فيه : أنّ ضمان العين لا يختصّ بوقت معيّن بل كلّ يوم هو يوم الضمان ما لم تؤدّ العين أو بدلها ، ففي كلّ يوم ارتفعت القيمة كانت القيمة مضمونة لا محالة ، وإذا ارتفعت في اليوم الآخر فكذلك ، وهكذا ، ونتيجته اعتبار أعلى القيم من زمان حدوث الضمان إلى يوم التلف ، بل الأداء كما لا يخفى.

وفيه : أنّ التكليف متعلّق بأداء نفس العين إلى زمان التلف ، فلا وجه لملاحظة القيمة إلى هذا الوقت. نعم ، ينقلب التكليف بعده إلى أداء القيمة كما عرفت ، إلّا أنّ تعلّقه وقتئذٍ بأداء القيمة حتى حال وجود العين فلا دليل عليه بوجه ، بل أنّ الثابت في العهدة إنّما هو نفس العين المأخوذة بمقتضى قوله : «على اليد ما أخذت» ، ولا دليل على الانتقال إلى القيمة في الحكم الوضعي أي الضمان حتى حين التلف فضلاً عمّا قبله ، وإنّما الانتقال والانقلاب في الحكم التكليفي المحض حسبما عرفت. إذن فلحاظ أعلى القيم بالنسبة إلى العين لا نعرف له أيّ وجه.

وأمّا القول الثالث الذي اختاره الماتن من اعتبار قيمة يوم الأداء فهو حسن لولا قيام الدليل على خلافه ، فإنّه المطابق لمقتضى القاعدة. وقد ظهر وجهه ممّا ذكر ، حيث قد عرفت أنّ الذمّة مشغولة بنفس العين حتى بعد عروض التلف ، فهي المضمونة والثابتة في العهدة ما لم تفرغ الذمّة عنها بالتلبّس بالأداء الخارجي ، ولا تأثير للتلف إلّا في انقلاب الحكم التكليفي صرفاً بمناط

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

تعذّر التكليف بأداء العين في هذه الحالة ، فيقال : أدّ قيمة العين التي في عهدتك ، ففي كلّ حال تصدّي للأداء تراعى قيمة تلك الحالة بطبيعة الحال ، وأمّا الحكم الوضعي فهو باقٍ على حاله.

وهذا نظير ما لو باعه منّاً من الحنطة أو من غيرها من القيميّات أو استقرضه ، حيث إنّ الثابت في الذمّة إنّما هو نفس المبيع ، ولا يكاد ينتقل إلى القيمة في أيّ زمان ولو بقي في الذمّة ما بقي ، ولكنّه في مقام الأداء حيث إنّه لا يتمكّن من أداء نفس العين التي استقرضها وأتلفها فلا جرم ينتقل إلى القيمة. فالتبديل في المقام إنّما يكون يوم الأداء ، وأمّا قبله فلا تبديل لا في يوم التلف ، ولا قبله ، ولا بعده ، بل الثابت في الذمّة هي العين نفسها بمقتضى حديث : «على اليد ...» ، أو السيرة العقلائيّة ، فيكون ضامناً لنفس ما أخذ ، فإذا لم يمكن أداؤه والخروج عن عهدته فطبعاً ينتقل إلى البدل.

وعلى الجملة : فالقاعدة تقتضي أن تكون العبرة بقيمة يوم الأداء كما ذكره (قدس سره).

إلّا أنّ هذا إنّما يتمّ إذا لم يكن دليل على الخلاف ، والظاهر قيام الدليل عليه ، فإنّ صحيحة أبي ولّاد لا قصور في دلالتها ، على أنّ العبرة بقيمة يوم الضمان المعبّر عنه فيها بيوم المخالفة.

قال فيها : ... فقلت له : أرأيت لو عطب البغل ونفق أليس كان يلزمني؟ «قال : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته» إلخ (١).

فإنّ الظرف لا بدّ من تعلّقه إمّا بالفعل المقدّر أعني : يلزمك المدلول عليه في الكلام لتكون النتيجة أنّ الانتقال إلى القيمة إنّما هو في يوم المخالفة من غير تعرّض لأداء قيمة أيّ يوم ، أو بالقيمة المضافة إلى البغل ، وبما أنّ الثاني

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١١٩ / كتاب الإجارة ب ١٧ ح ١.

٢٣٩

[٣٣٠٤] مسألة ٣ : إذا أتلف الثوب بعد الخياطة ضمن قيمته مخيطاً (١) واستحقّ الأُجرة المسمّاة ، وكذا لو حمل متاعاً إلى مكان معيّن ثمّ تلف مضموناً أو أتلفه فإنّه يضمن قيمته في ذلك المكان ، لا أن يكون المالك مخيّراً بين تضمينه غير مخيط بلا اجرة أو مخيطاً مع الأُجرة ، وكذا لا أن يكون في المتاع مخيّراً بين قيمته غير محمول في مكانه الأوّل بلا اجرة أو في ذلك المكان مع الأُجرة كما قد يقال.

______________________________________________________

أقرب وهو يمنع عن الأبعد فهو أظهر ، ولا ريب أنّ الظرف قابل لتعلّقه بنفس القيمة ، لأنّ مفهومها قابل لأن يتقيّد بالزمان أو المكان ، فيقال : قيمة هذا الشي‌ء في هذا الزمان ، أو في هذا المكان كذا ، وفي زمان أو مكان آخر كذا.

فإذا كان قابلاً للتقييد وهو أقرب فلا جرم كان القيد راجعاً إليه ، فيكون المستفاد أنّه : يلزمك قيمة بغل ، لكن لا مطلقاً بل قيمة يوم المخالفة.

وهذا الاستعمال أي أن يكون المضاف إلى شي‌ء بقيد أنّه مضاف مقيّداً بشي‌ء آخر شائع متعارف كما يقال : زيارة الحسين (عليه السلام) يوم عرفة تعادل كذا وكذا حجّة ، أو أنّ ضربه علي (عليه السلام) يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين ، حيث إنّ الظرف قيد للزيارة أو للضربة لكن لا مطلقاً ، بل الزيارة المضافة إلى الحسين ، أو الضربة المضافة إلى علي (عليه السلام). ويكون المتحصّل : أنّ هذه الحصّة الخاصّة المستفادة من الإضافة مقيّدة بهذا القيد.

وعليه ، فيكون الاعتبار في ضمان القيميّات بقيمة يوم الضمان بمقتضى النصّ الخاصّ وإن كان على خلاف مقتضى القاعدة ، سواء أزادت القيمة بعد ذلك أم لا.

(١) هذه المسألة تكرار لما سبق التعرّض له في المسألة الخامسة عشر من الفصل السابق وتكلّمنا حوله بنطاق واسع ، وملخّصه : أنّ المحتملات في المسألة

٢٤٠