موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الأوصاف القائمة بالعين من كونها مخيطة أو منسوجة أو مصوغة وما أشبهها فهي غير قابلة للملكيّة أبداً ، ومن ثمّ ليس لأحد أن يملّك غيره بهبة ونحوها صفة من صفات العين ، فيهب لغيره مخيطيّة هذا الثوب مثلاً ضرورة أنّ شأن الصفات برمّتها إنّما هي زيادة قيمة العين أو نقصها من غير أن تقابل هي بأنفسها بالمال ، فالعبد الكاتب يسوي بقيمة ، والفاقد للكتابة يسوي بقيمة أقل ، فصفة الكتابة أوجبت زيادة الرغبة بالإضافة إلى العين المستتبعة لزيادة القيمة وبذل المال الأكثر بإزائها من دون أن تعتبر الملكيّة لها بوجه في اعتبار العقلاء.

والذي يكشف عمّا ذكرناه كشفاً قطعيّاً أنّه لو أُكره أحدٌ على عمل مستتبع لإيجاد صفة في العين كخياطة الثوب أو نسج الصوف أو بناء الجدار ، فلازم القول بمملوكيّة الصفة اشتراك المكرَه مع المكرِه في العين الموصوفة ، لبقاء الصفة على ملك المكرَه وعدم خروجها إلى ملك مالك العين بناقل شرعي ، فتكون الهيئة للمكرَه خاصّة والمادة للمكرِه خاصّة ويحكم باشتراكهما في العين.

وهذا كما ترى باطل جزماً ، بل العين للمكرِه خاصة ، وهو يضمن للمكرَه الأُجرة بالضرورة.

وعليه ، فالأجير إنّما يملك المستأجر عمله فقط ، وهو لا يملك عليه إلّا ذلك ، ولم تتعلّق الملكيّة بالصفة والأثر الحاصل من العمل لا استقلالاً ولا تبعاً حسبما عرفت.

الجهة الثانية : بعد ما عرفت من صحّة ما ذكره في المتن من وقوع الأُجرة بإزاء نفس العمل دون الصفة وأنّ المستأجر عليه هو الخياطة مثلاً لا المخيطيّة ، فهل للأجير مطالبة الأُجرة قبل تسليم العين كما اختاره في المتن باعتبار أنّه قد عمل بوظيفته وادّى ما عليه كما هو الحال في الإجارة على مثل الصلاة والصيام ، أو أنّه ليس له ذلك ما لم يسلّم؟

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر هو الثاني ، ولا تنافي بين الأمرين ، أعني : وقوع الأُجرة بإزاء نفس العمل ، وعدم جواز المطالبة قبل التسليم.

والوجه فيه : أنّ التسليم والتسلّم وإن لم يكن دخيلاً في الملكيّة في أكثر المعاوضات ما عدا اليسير منها كبيع الصرف والسلم والهبة والوقف الخاصّ ، إلّا أنّه مع ذلك لا يجب على أحدهما التسليم ما لم يسلّم الآخر ، لما تقدّم من الشرط الضمني الارتكازي الثابت ببناء العقلاء في كافّة المعاوضات ما لم تقم قرينة على الخلاف من اشتراطٍ ونحوه.

ولا ينبغي الشكّ في أنّ هذا الشرط الارتكازي موجود في المقام أيضاً ، فإنّه غير شاذّ عن تلك الضابطة ولا خارج عن تلك القاعدة السارية لدى العرف والعقلاء ، فإنّهم لا يشكّون في أنّ الخيّاط المزبور ليس له مطالبة الأُجرة بمجرّد الفراغ عن العمل بأن يقول للمستأجر : إنِّي قد فرغت عن خياطة ثوبك وهو موجود في الدكّان ولكنّي اطالبك بالأُجرة. فإنّ مثل هذه المطالبة تعدّ في نظر العقلاء في غير محلّها ، بل مضحكة للثكلى ، وإنّما تصحّ منه المطالبة بعد تسليم المخيط لصاحبه ، كما أنّ العكس أيضاً كذلك ، حيث لا يسوغ للمستأجر المطالبة أيضاً قبل دفع الأُجرة ، فيجوز للأجير حبس العين بعد إتمام العمل إلى أن يستوفيها ، وكلاهما بمناط واحد ، وهو الشرط الارتكازي المزبور القائم على عدم استحقاق المطالبة قبل تسليم ما للآخر عليه تسليماً لا يكون في مثل المقام بنظر العرف إلّا بتسليم مورد العمل.

فكما أنّه لو اشترط ذلك صريحاً في متن العقد فقال : لن أدفع الأُجرة ما لم تسلّم الثوب مخيطاً ، لم تكن له المطالبة حينئذٍ قبل التسليم بالضرورة ، فكذا في الشرط الارتكازي الذي هو بعد فرض نفوذه في قوّة التصريح به في متن العقد.

وعلى الجملة : فلا منافاة بين أن نلتزم بما التزم به الماتن من أنّ الأُجرة بإزاء العمل لا الصفة ، ومع ذلك يكون القول الثاني هو الأظهر بلحاظ الشرط

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الضمني الارتكازي ، وبذلك نجمع بين الأمرين حسبما عرفت.

الجهة الثالثة : في حكم إتلاف العين ، أو تلفها مع الضمان أو بدونه عند الأجير عند انتهائه عن العمل وقبل أن يسلّمها إلى المستأجر.

أمّا في التلف بلا ضمان كما في التلف السماوي فلا ينبغي التأمّل في استحقاق الأُجرة ، إذ بعد ما عرفت من أنّها واقعة بإزاء نفس العمل والمفروض أنّه قد تحقّق ولم تكن العين مضمونة عليه وإنّما هي أمانة عنده ، فلم يكن في العين ضمان ولا إتلاف ، فأيّ مانع بعد هذا عن استحقاق الأُجرة؟! ودعوى عدم الاستحقاق نظراً إلى أنّه من التلف قبل القبض الذي هو مضمون على من حصل التلف عنده وهو الأجير في المقام كما صرّح به شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في تعليقته المتقدّمة (١) ورتّبه الماتن على القول الآخر في المسألة.

لا تمكن المساعدة عليها ، إذ كيف يكون هذا من التلف قبل القبض بعد أن لم تكن العين وهو الثوب ولا صفتها وهي المخيطيّة مورداً للإجارة؟! وإنّما هي تعلّقت كما عرفت بذات العمل أعني : الخياطة وقد تحقّقت ، ولا معنى لقبض العمل نفسه إلّا الفراغ والانتهاء منه وهو حاصل حسب الفرض.

وعلى الجملة : الصفة الخارجية لم تكن متعلّقة للإجارة ليقال بأنّه ما لم يسلّمها بتسليم العين يكون التلف الوارد عليها من التلف قبل القبض ، وإنّما الأُجرة واقعة بإزاء نفس العمل وقد صدر وادّى الأجير ما كان عليه ووفى به ، ومعلوم أنّه لم يكن ملتزماً بعدم تلف العين.

نعم ، كان هو ملتزماً بمقتضى الشرط الضمني الارتكازي كما تقدّم بتسليم

__________________

(١) في ص ١٩٩.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

العين وما لم يسلّم لم يستحقّ المطالبة بالأُجرة ، ولكنّه منوط ومعلّق طبعاً على تقدير وجود العين ، ضرورة أنّه لم يكن ملتزماً بعدم عروض تلف سماوي خارج عن اختياره عليها ، فلا جرم يكون مورد الشرط الارتكازي مقيّداً بصورة بقاء العين ، فلا شرط أيضاً مع التلف ، فلا يكون ذلك من التلف قبل القبض بوجه.

وإن شئت قلت : إنّ ما ورد عليه التلف قبل إقباضه وهي العين الموصوفة بصفة المخيطيّة مثلاً لم يكن مورداً للإجارة ليحكم بانفساخها ، وما هو مورد لها أعني : ذات العمل قد تحقّق خارجاً وانصرم بنفسه ولا معنى لقبضه إلّا هذا ، فلم يكن تلفه من التلف قبل القبض. على أنّ حديث التلف قبل القبض خاصّ بالبيع ، لورود النصّ فيه ، ولا دليل على التعدّي منه إلى غيره.

إذن فلا محيص من الإذعان باستحقاق الأُجرة في هذه الصورة كما اختاره في المتن.

وأمّا في التلف مع الضمان أو في الإتلاف ، فبناءً على ما ذكرناه من أنّ الوصف بنفسه لا يقابل بالمال وإنّما شأنه زيادة قيمة العين ، والأُجرة إنّما تقع بإزاء العمل فقط ، كان التالف عن المالك وهو المستأجر حينئذٍ هي العين المتّصفة بصفة المخيطيّة مثلاً فلا جرم كانت هي مضمونة على المؤجر بوصفها العنواني ، فلا بدّ من الخروج عن عهدتها متّصفة بتلك الصفة ، إذ هي بهذا الوصف ملك للمستأجر كما عرفت ، وهذا واضح.

وإنّما الكلام في أنّ المؤجر هل له المطالبة حينئذٍ بالأُجرة؟

قد يقال بعدم الاستحقاق كما أشار إليه في المتن وذكر أنّ له وجهاً.

ولعلّ الوجه فيه : أنّ المؤجر لم يسلّم ما وقعت الأُجرة بإزائه ، فلأجله لم يستحقّ شيئاً.

٢٠٤

وكذا يتفرّع على ما ذكر (١) أنّه لا يجوز حبس العين بعد إتمام العمل إلى أن يستوفي الأُجرة ، فإنّها بيده أمانة ، إذ ليست هي ولا الصفة التي فيها مورداً للمعاوضة ، فلو حبسها ضمن ، بخلافه على القول الآخر.

______________________________________________________

ويندفع : بما عرفت من أنّ الأُجرة لم تقع إلّا بإزاء العمل خاصّة وقد وفى وأدّى ما عليه ، وتسليمه ليس إلّا بإتمامه وقد حصل. نعم ، كان ملتزماً بمقتضى الشرط الضمني الارتكازي بتسليم مورده أعني : العين المتّصفة وقد سلّمه أيضاً بدفع البدل وبذل قيمته الفعليّة ، فقد سلّم العمل وما أنتجه من الأثر المتعلّق بالعين كنفسها إمّا مِثلاً أو قيمةً ، فلم يفت عن المستأجر أيّ شي‌ء. ومعه كيف يقال بعدم الاستحقاق استناداً إلى عدم التسليم؟! وبعبارة اخرى : إن كان عدم التسليم باعتبار نفس العمل فالمفروض أنّه سلّم ، إذ لم يكن تسليمه بما هو إلّا بإيجاده خارجاً وقد أوجده كملاً.

وإن كان باعتبار مورده أعني : العين بصفتها الفعليّة التالفة فالمفروض تسليمه أيضاً ، لكن لا بعينه ، بل ببدله ، فلم يفت عن المستأجر إلّا شخصيّة ماله. ومن المعلوم أنّ الشخصيّة لا تضمن بشي‌ء ، فإنّ الضمان إنّما يتعلّق بالماليّة ولا يقتضي إلّا دفع المثل أو القيمة.

إذن فالصحيح استحقاقه الأُجرة مع ضمان العين متّصفة بوصف المخيطيّة حسبما ذكره في المتن.

(١) ظهر الحال في ذلك ممّا قدّمناه في الجهة الثانية ، فلاحظ.

٢٠٥

[٣٢٩٨] مسألة ١٦ : إذا تبيّن بطلان الإجارة رجعت الأُجرة إلى المستأجر (١) واستحقّ المؤجر أُجرة المثل بمقدار ما استوفاه المستأجر من المنفعة ، أو فاتت تحت يده إذا كان جاهلاً بالبطلان ،

______________________________________________________

(١) بلا إشكال فيه ، لكشف الفساد عن عدم الانتقال ، وبقاء الأُجرة على ملك مالكها الأوّل وهو المستأجر ، فإن لم يكن أدّاها فهو ، وإلّا استرجعها من المؤجر وهو معنى الفساد ، ولكنّه يضمن المنفعة للمؤجّر ويلزمه دفع اجرة المثل ، سواء استوفاها من العين أم فاتت تحت يده.

وهذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه أيضاً.

وإنّما الكلام في مستنده :

أمّا في صورة الاستيفاء : فدليله قاعدة الإتلاف ، المستفادة من الموارد المتفرّقة والملخّصة في العبارة المعروفة : من أتلف مال الغير فهو له ضامن. فإنّها وإن لم ترد بهذا اللفظ في أيّ رواية غير أنّ النصوص العديدة نطقت بأنّ إتلاف مال المسلم موجب للضمان ، وأنّه لا يحلّ ماله إلّا بطيبة نفسه.

بل لا خلاف في المسألة ظاهراً ، ولا إشكال فيما إذا كان المؤجر جاهلاً بالحال.

وأمّا في صورة التلف تحت يده وإن لم يستوفها فالمشهور هنا أيضاً هو الضمان وإن خالف فيه بعضهم.

والصحيح ما عليه المشهور ، لقاعدة اليد التي هي بنفسها مقتضية للضمان على ما ورد من أنّه : «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي» (١).

__________________

(١) المستدرك ١٧ : ٨٨ / كتاب الغصب ب ١ ح ٤.

٢٠٦

خصوصاً مع علم المستأجر (١) ،

______________________________________________________

نعم ، الرواية غير نقيّة السند ، لكن السيرة العقلائيّة قائمة على ذلك من غير حاجة إلى ورود نصّ خاصّ ، إذ لا ينبغي الشكّ في أنّ من أخذ مالاً من أحد ولم يكن له فيه حقّ فهو مسؤول عنه ومؤاخذ به ، فهي قاعدة عقلائيّة سارية لدى العرف من غير نكير ، وممضاة لدى الشرع ولو بعدم الردع.

مضافاً إلى ما يستفاد من بعض النصوص من أنّ حرمة مال المسلم كحرمة دمه.

وعلى الجملة : فمن راجع السيرة العقلائيّة لا يكاد يشكّ في استقرارها على مفاد قاعدة اليد ، وأنّ من استولى على مال أحد من عين أو منفعة بغير حقّ فهو مطالب به لو تلف ، سواء انتفع به أم لا.

فحال الإجارة الباطلة حال الغصب ، ولا فرق إلّا من جهة العذر الشرعي وعدمه فيما إذا كان جاهلاً بالبطلان.

وعلى هذا الأساس تبتني القاعدة المعروفة من أنّ : ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، كما لا يخفى.

(١) لا خصوصيّة لعلم المستأجر فيما هو (قدس سره) بصدد بيانه أعني : الضمان فإنّ المناط فيه إمّا الإتلاف أو قاعدة اليد ، والعلم والجهل في ذلك شرع سواء.

نعم ، يختلف الحال بالإضافة إلى الحكم التكليفي ، لحرمة التصرّف مع العلم دون الجهل عن عذرٍ وقصور ، فإنّه لا يكون حينئذٍ آثماً ، كما لا يكون تصرّفه مبغوضاً عليه ظاهراً.

وأمّا بلحاظ الحكم الوضعي أعني : الفساد والضمان فالملاك فيهما واحد حسبما عرفت.

٢٠٧

وأمّا إذا كان عالماً فيشكل ضمان المستأجر (١) ،

______________________________________________________

هذا كلّه مع جهل المؤجر ، وستعرف الحال مع علمه.

(١) وإن كان المشهور هو الضمان ، لقاعدة اليد ، ومن ثمّ حكموا بأنّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، فجعلوا هذه الكبرى مبنيّة على تلك القاعدة السارية في صورتي علم الدافع وجهله بمناط واحد.

والصحيح ما عليه المشهور ، لما عرفت من السيرة العقلائيّة القائمة على الضمان باليد ، ما خلا صورة واحدة ، وهي التي أقدم المالك فيها على المجّانيّة وعدم ضمان الآخذ ، التي هي الموضوع في كبرى : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده.

ومن الواضح جدّاً عدم اندراج المقام في تلك الصورة ، بداهة عدم إقدام المؤجر على التمليك المجّاني والتسليم بلا عوض ، كما أنّ القابض وهو المستأجر أيضاً لم يقبض كذلك ، بل كانت المعاملة مبنيّة على أن يكون التلف من كيسه أي كيس المستأجر وهو معنى الضمان ، ومن ثمّ ربّما تقع المداقّة في تعيين الأُجرة وتحديدها ، ولا يغضّ البصر عن النزر اليسير منها.

وبعد هذا فكيف يصحّ القول كما في المتن بأنّه أقدم على هتك حرمة ماله وإلغاء احترامه؟! نعم ، ربّما يعلم المؤجر بفساد المعاملة وعدم إمضائها شرعاً ، إلّا أنّ العلم بالفساد الشرعي شي‌ء والإقدام على المجّانيّة وهتك الحرمة شي‌ء آخر لا علاقة بينهما بوجه ، فإنّ المعاملات إنشاءات عرفيّة مطّردة بين جميع أهل الملل ممّن يعتنق الدين ومن لا يعتنق ، وهي عند الكلّ بمعنى واحد ، سواء أكان المتعاملان مسلمين ، أم كافرين ، أم مختلفين ، فهي اعتبارات عقلائيّة أجنبيّة عن عالم الشرع بالكلّيّة ، فيبرز المؤجر مثلاً اعتباره بما أنّه من العقلاء ، وهذا الاعتبار قد

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يقترن بالإمضاء الشرعي وأُخرى لا ، وذاك مطلب آخر لا مساس له بالعمليّة الصادرة من المتعاملين بما هما متعاملان.

وعليه ، فعلم المؤجر أحياناً بعدم كون اعتباره مورداً للإمضاء الشرعي لا ينافي تحفّظه على احترام ماله وعدم كون تسليط المستأجر عليه عارياً عن العوض وكونه مضموناً عليه ، فإنّ الذي يخرجه عن الضمان إنّما هو الإقدام على الإتلاف مجّاناً باعتبار اندراجه عندئذٍ تحت الكبرى الثانية أعني : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده فيصحّ حينئذٍ أن يقال : إنّ المالك هو الذي ألغى احترام ماله وهتك حرمته. وأمّا إذا أعطاه بعنوان الضمان ولم يقدم إلّا على أن يكون تلفه من القابض كما هو المفروض في المقام فأيّ هتك أو إلغاء بعد هذا؟! والعلم بالفساد الشرعي لا يستوجبه بوجه.

كيف؟! ولو صحّ ذلك لاقتضى عدم الضمان في شي‌ء من المعاملات الفاسدة ، فيسوغ لبائع الخمر أو الكلب التصرّف في الثمن مع علم المشتري بالفساد ، وهكذا الحال في أجر الزانية ، مع صراحة الروايات في أنّ ثمن الخمر وكذا الكلب سحت (١) ، وهكذا ما ورد من أنّ أجر الزانية (٢) أو أجر القضاة سحت (٣) ، إذ كيف يكون سحتاً مع أنّ المالك هو الذي أقدم على الإتلاف وألغى احترام المال كما ادّعي؟! وارتكاب التخصيص في هاتيك النصوص بالحمل على غير صورة العلم ، كما ترى.

وعلى الجملة : فالظاهر أنّه اختلط الأمر في المقام بين الاعتبار العقلائي وبين

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٩٣ / أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٧ : ٩٣ / أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ٦.

(٣) الوسائل ١٧ : ٩٥ / أبواب ما يكتسب به ب ٥ ح ١٢.

٢٠٩

خصوصاً إذا كان جاهلاً (*) (١) ، لأنّه بتسليمه العين إليه قد هتك حرمة ماله ، خصوصاً إذا كان البطلان من جهة جعل الأُجرة ما لا يتموّل شرعاً أو عرفاً أو إذا كان آجره [١] بلا عوض (٢).

ودعوى أنّ إقدامه وإذنه في الاستيفاء إنّما هو بعنوان الإجارة والمفروض عدم تحقّقها ، فإذنه مقيّد بما لم يتحقّق.

مدفوعة بأنّه إن كان المراد كونه مقيّداً بالتحقّق شرعاً فممنوع ، إذ مع فرض العلم بعدم الصحّة شرعاً لا يعقل قصد تحقّقه إلّا على وجه التشريع المعلوم عدمه ، وإن كان المراد تقييده بتحقّقها الإنشائي فهو حاصل.

______________________________________________________

الإمضاء الشرعي ، فإنّ الذي يعلم به المؤجر هو أنّ الشارع لم يمضه ، وهذا أجنبي عن تحقّق المعاملة في نفسها.

(١) لا خصوصيّة لجهل المستأجر بعد البناء على أنّ المؤجر هو الذي ألغى احترام ماله وأقدم على المجّانيّة ، لعدم الفرق حينئذٍ بين علم المستأجر بالفساد وجهله ، فلم يتّضح وجهٌ للخصوصيّة في كلّ من الموردين.

والصحيح ما عرفت من عدم الإقدام على إلغاء الاحترام ، فلا مخرج عن ضمان المنفعة التالفة تحت يد المستأجر في شي‌ء من الصورتين حسبما عرفت.

(٢) يصحّ ما ذكره (قدس سره) في خصوص الفرض الأخير ، أعني : ما لو

__________________

(*) الظاهر الضمان إلّا فيما إذا أقدم المؤجر أو الأجير على عدمه ، وكذا الحال في ضمان المؤجر أو الأجير الأُجرة ، ثمّ إنّه لم يظهر وجه للخصوصيّة في شي‌ء من الموردين.

[١] ضبط الكلمة : اجرة ، كما في كثير من النسخ غلط كما لا يخفى ، والصحيح هكذا : آجره. وفي بعض النسخ : إجارة ، بدل : اجرة.

٢١٠

ومن هنا يظهر حال الأُجرة أيضاً ، فإنّها لو تلفت في يد المؤجر يضمن عوضها ، إلّا إذا كان المستأجر عالماً ببطلان الإجارة ومع ذلك دفعها إليه.

نعم ، إذا كانت موجودة له أن يستردّها.

______________________________________________________

كان الفساد من أجل كون الإجارة بلا عوض إذ في الحقيقة لا إجارة ولا معاوضة وقتئذٍ ، بل من الأوّل أقدم على المجّانيّة وعلى إلغاء الاحترام كما ذكره ، فلا ضمان حينئذٍ حتى مع الإتلاف فضلاً عن التلف ، والسيرة العقلائيّة قائمة على ذلك حتى في الأعيان ، فلا ضمان فيما لو قال : ألق مالي في البحر. لأنّ المالك هو الذي سلّط القابض على إتلاف العين أو المنفعة مجّاناً.

فالفرض المزبور مصداق بارز لكبرى : ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفساده ، لأنّ هذه المعاملة لو كانت صحيحة لم يكن فيها ضمان لعدم الإقدام عليه لا من الدافع ولا من القابض فكذا في فاسدها. فليس للمؤجّر أن يطالبه بعد ذلك بالبدل ، وهذا ظاهر.

وأمّا في الفرض الأوّل أعني : ما لو كانت الأُجرة ما لا يتموّل شرعاً كالخمر أو الكلب غير الصيود أو الميتة ونحوها ممّا لا تصحّ المعاوضة عليها فيجري فيها الكلام المتقدّم من عدم الإقدام على المجّانيّة ، غايته جعل العوض شيئاً لم يمضه الشارع ، فيكون حاله حال غير الخمر في عدم جواز التصرّف في شي‌ء من الموردين ، ولا يقاس ذلك بالفرض السابق ، لما عرفت من كون الإقدام على الإتلاف هناك مجّانيّا دون المقام.

وإنّما الكلام في الفرض المتوسّط أعني : ما لو كانت الأُجرة ما لا يتموّل عرفاً كالخنفساء فهل هو يلحق بالفرض الأوّل أو الأخير؟

٢١١

.................................................................................................

______________________________________________________

اختار شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في تعليقته الأنيقة الثاني (١) ، نظراً إلى رجوعه في الحقيقة إلى التسليم بغير عوض بعد أن لم يصلح ما جعل عوضاً للعوضيّة عرفاً ، لعدم كونه مالاً ، فهو في قوّة التسليط على العين مجّاناً.

أقول : يقع الكلام :

تارةً : في صحّة هذه المعاملة في نفسها.

واخرى : في أنّه على تقدير الفساد ولو من بقيّة الجهات كجهالة المدّة مثلاً فهل يضمن المستأجر أُجرة المثل ، أو أنّها تلحق بالإجارة بلا اجرة في عدم الضمان؟

أمّا الجهة الأُولى : فقد ذهب جمع بل نسب إلى المشهور اعتبار الماليّة في العوضين من بيع أو غيره ، فما لا ماليّة له لا تصحّ المعاملة عليه.

ولكنّه غير ظاهر الوجه.

نعم ، عُرِّف البيع بمبادلة مالٍ بمال ، كما عن المصباح (٢) ، ولكنّه من الواضح أنّه تعريف لفظي كما هو شأن اللغوي ، فلا يستوجب التخصيص بعد أن كان المفهوم العرفي أوسع من ذلك ، لشموله لمطلق التمليك بعوض ، سواء أكان العوض مالاً عرفاً أم ملكاً بحتاً ، في مقابل التمليك بلا عوض المعبّر عنه بالهبة ، كما يعبّر عن الأوّل بالبيع ، بل ربّما يستعمل في أُمور أُخر مثل بيع الآخرة بالدنيا ، أو الضلالة بالهدي ، فإنّها ليست باستعمالات مجازيّة كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فلم يظهر اختصاص البيع بالمال ، لعدم نهوض دليل يعوّل عليه ، بل يعمّ غيره ويصدق البيع عليه بمناط واحد ، فكما يصحّ تمليك المملوك

__________________

(١) تعليقة النائيني على العروة الوثقى ٥ : ٥٧ (تحقيق جماعة المدرسين).

(٢) المصباح المنير ١ : ٦٩.

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الذي لا ماليّة له تمليكاً مجّانيّا وبلا عوض بلا تأمّل ولا إشكال ، فكذا يسوغ تمليكه مع العوض ، والأوّل يسمّى هبة والثاني بيعاً.

وهكذا الحال في الإجارة وغيرها من سائر المعاوضات ، فإنّ العبرة بمجرّد المملوكيّة ، ولا دليل على اعتبار الماليّة زائداً عليها.

وربّما يعلّل الفساد فيما لا ماليّة له بأنّها معاملة سفهيّة فيحكم بالبطلان لهذه الجهة وإن لم يكن البيع أو الإجارة بالمفهوم العرفي مقتضياً لاعتبار ماليّة العوض.

ويندفع : بعدم نهوض أيّ دليل على بطلان المعاملة السفهيّة ، كبيع ما يسوي عشرة آلاف بدينار واحد مثلاً أو إيجاره بدرهم سنويّاً ، وإنّما الثابت بطلان معاملة السفيه وأنّه محجور عن التصرّف إلّا بإذن الولي ، كما في المجنون والصبي ، لا بطلان المعاملة السفهائيّة وإن صدرت عن غير السفيه.

فإن قلت : أفلا يكشف صدور مثلها عن سفاهة فاعلها؟

قلت : كلّا ، فإنّ السفيه من لا يدرك الحسن والقبح ، ولا يميّز الأصلح ، لا من يدرك ويعقل كما هو المفروض في المقام ، وإلّا لحكم بالسفاهة على جميع الفسقة كما لا يخفى ، وهو كما ترى.

نعم ، لو تكرّر صدور مثل تلك المعاملة لا تصف فاعلها بالسفاهة ، أمّا المرّة أو المرّتان فلا يصحّ إطلاق السفيه عليه عرفاً بالضرورة. هذا أوّلاً.

وثانياً : سلّمنا بطلان المعاملة السفهائيّة ، إلّا أنّ ذلك لا يتمّ على الإطلاق ، إذ قد يكون هناك داعٍ عقلائي يخرج المعاملة عن السفاهة ، كما لو وجد ورقة عند أحد حاوية على خطّ والده وهو مشتاق إلى اقتنائه والمحافظة عليه ، وذلك الشخص لا يرضى ببيعها إلّا بأغلى الثمن ، مع أنّ الورقة ربّما لا تسوي فلساً واحداً ، أو احتاج في جوف الليل إلى عودة واحدة من الشخّاط لا سبيل إلى

٢١٣

هذا ، وكذا في الإجارة على الأعمال (١) إذا كانت باطلة يستحقّ العامل اجرة المثل لعمله دون المسمّاة إذا كان جاهلاً بالبطلان ، وأمّا إذا كان عالماً فيكون هو المتبرّع بعمله ، سواء كان بأمر من المستأجر أو لا ، فيجب عليه ردّ الأُجرة المسمّاة أو عوضها ولا يستحقّ اجرة المثل ، وإذا كان المستأجر أيضاً عالماً فليس له مطالبة الأُجرة مع تلفها ولو مع عدم العمل من المؤجر.

______________________________________________________

تحصيلها إلّا بالشراء من زيد بدينار مع أنّها لا مالية لها عند العرف ، فإنّه لا ينبغي التأمّل في صحّة المعاملة في أمثال هذه الموارد بعد أن كانت منبعثة عن غرضٍ عقلائي وداعٍ صحيح مخرج لها عن الاتّصاف بالسفاهة.

فتحصّل : أنّه لم يتّضح أيّ مدرك لاعتبار الماليّة العرفيّة في صحّة المعاملة.

وأمّا الجهة الثانية أعني : ما لو فرضنا فساد الإجارة المزبورة ، إمّا لهذه العلّة ، أو لجهة أُخرى كجهالة المدّة ونحوها ـ : فهل هي مضمونة بأُجرة المثل ، أو لا ضمان كما في الإجارة بلا اجرة؟

الظاهر هو الأوّل ، لما عرفت من عدم الإقدام على المجّانيّة بعد فرض جعل العوض أيّاً ما كان كما أنّ القابض أيضاً لم يقبضه كذلك ، بل المعاملة مبنيّة على التضمين ، فتندرج حينئذٍ تحت كبرى : ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، ضرورة أنّ هذه الإجارة لو كانت صحيحة لانتقل العوض وإن كان ممّا لا يتموّل إلى الطرف الآخر ، فإذا كان الإقدام مبنيّاً على الضمان ففاسدها أيضاً كذلك. وعليه ، فيجب على المستأجر الخروج عن عهدته بدفع اجرة المثل.

(١) فإنّه من جميع ما ذكرناه في إجارة الأعيان واستيفاء المنفعة أو تلفها يظهر الحال في الإجارة على الأعمال ، فإنّ الكلام هو الكلام ، فلو استؤجر على عملٍ بإجارة فاسدة فهو بعمله الصادر عن أمر الآمر يستحقّ الأُجرة ولو كانت

٢١٤

[٣٢٩٩] مسألة ١٧ : يجوز إجارة المشاع (١) كما يجوز بيعه وصلحه وهبته ، ولكن لا يجوز تسليمه إلّا بإذن الشريك إذا كان مشتركاً.

نعم ، إذا كان المستأجر جاهلاً بكونه مشتركاً كان له خيار الفسخ للشركة ، وذلك كما إذا آجره دار فتبيّن أنّ نصفها للغير ولم يجز ذلك الغير (٢) ، فإنّ له خيار الشركة ،

______________________________________________________

الإجارة فاسدة ، لعدم الإقدام عليه إلّا مع الضمان ، وعلمه بالفساد شرعاً لا يوجب اتّصاف الإقدام بالمجّانيّة بعد وقوع العمل عن أمر الغير واستيفائه خارجاً ، الذي لا يكون إلّا بإتمامه والفراغ عنه كما مرّ ، فإذا كانت فاسدة رجع إلى أُجرة المثل بعين المناط المتقدّم ، كما اتّضح الحال أيضاً في الأُجرة ، فلو سلّمها المستأجر ولو مع علمه بالفساد إلى المؤجر وجب عليه ردّها إلى مالكها ، ومع التلف أو الإتلاف ضمنها ، لعدم الإقدام على المجّانيّة وإن ادّعاه في المتن ، فإنّه لا يتمّ ما ذكره (قدس سره) لا في طرف المؤجر ولا في طرف المستأجر.

(١) بلا خلافٍ ولا إشكال ، لإطلاقات أدلّة الإجارة ، الشاملة لإجارة العين بتمامها ، أو الحصّة المشاعة منها من نصف أو ثلث وهكذا.

ولكن صحّة الإجارة لا تلازم جواز التسليم فيما إذا كانت العين المستأجرة مشتركة بين اثنين أو أكثر من دون استئذان من الشريك ، لعدم جواز التصرّف بدون إذنه ، كما أنّه لو سلّم نسياناً أو عصياناً لا يسوغ للمستأجر أيضاً التصرّف من دون الاستئذان المزبور ، لكونه وقتئذٍ بمثابة المؤجر قبل الإيجار في كون المنفعة مشتركة بينه وبين الشريك الأوّل ، المحكومة بعدم جواز التصرّف من أحد الشريكين من دون إذن الآخر كما هو واضح.

(٢) أمّا مع إجازته فلا إشكال في الصحّة ، وأمّا مع عدمها فطبعاً تفسد

٢١٥

بل وخيار التبعّض ، ولو آجره نصف الدار مشاعاً وكان المستأجر معتقداً أنّ تمام الدار له فيكون شريكاً معه في منفعتها فتبيّن أنّ النصف الآخر مال الغير ، فالشركة مع ذلك الغير ، ففي ثبوت الخيار له حينئذٍ وجهان ، لا يبعد ذلك (*) إذا كان في الشركة مع ذلك الغير منقصة له (١).

______________________________________________________

الإجارة في حصّة الغير ، وتصحّ في حصّة المؤجر ، وبما أنّ هذا التفكيك أوجب انثلام الوحدة بعد أن كان متعلّق العقد تمام المنفعة فلا جرم يثبت للمستأجر خيار التبعّض.

كما أنّه من أجل اقتضائه تخلّف وصف الاستقلال المبني عليه العقد لعدم كونه مقدماً على الشركة وقد أصبح ذا شريك في المنفعة يثبت له خيار الشركة أيضاً.

(١) عرفاً ، كما لو كان المستأجر شريفاً والشريك وضيعاً سافلاً.

ولكنّه غير واضح ، ضرورة أنّ هذه من قبيل الدواعي المتخلّفة والأُمور الخارجة عن حريم المعاملة ، بعد أن لم تكن مشترطة في متن العقد ولا العقد مبنيّاً عليها ، غايته أنّه كان يتخيّل أنّ شريكه زيد فبان أنّه عمرو بحيث لو علم به من الأوّل لما أقدم ، ومثله لا يوجب الخيار.

نعم ، قد تبلغ الشركة من المهانة حدّا تستوجب عيباً في نفس العين لا مجرّد منقصة للمستأجر كما افترضه (قدس سره) كما لو كان الشريك مقامراً ، أو فاحشةً ، أو خمّاراً ، أو صاحب مقهى أو فندق مورد لنزول المسافرين أو الزائرين ونحوهم ممّن لا يرغب في المشاركة معهم نوعاً ، لا خصوص هذا

__________________

(*) بل هو بعيد ، إلّا فيما إذا عدّت العين معيبة مع تلك الشركة.

٢١٦

[٣٣٠٠] مسألة ١٨ : لا بأس باستئجار اثنين داراً على الإشاعة (١) ثمّ يقتسمان مساكنها بالتراضي أو بالقرعة (٢) ، وكذا يجوز استئجار اثنين دابّة للركوب على التناوب ثمّ يتّفقان على قرار بينهما بالتعيين بفرسخٍ فرسخ أو غير ذلك ، وإذا اختلفا في المبتدئ يرجعان إلى القرعة ، وكذا يجوز استئجار

______________________________________________________

المستأجر بحيث يعدّ ذلك عرفاً منقصةً وعيباً في المال بالإضافة إلى عامّة الناس ، فإنّه لا يبعد حينئذٍ ثبوت الخيار من أجل تخلّف الشرط الضمني الارتكازي ، كما في سائر موارد خيار العيب الموجب للنقص النوعي. وقد تقدّم جريان خيار العيب في غير البيع أيضاً من الإجارة ونحوها بمناط واحد ، فلاحظ (١).

(١) لرجوعه في الحقيقة إلى إيجار كلّ منهما النصف المشاع من الدار ، وقد عرفت في المسألة السابقة جواز إجارة الحصّة المشاعة بمقتضى إطلاقات الأدلّة.

(٢) كما هو الحال فيما لو حصلت الشركة في المنفعة بسبب غير اختياري كالإرث.

هذا فيما إذا كانت المنفعة المشاعة قابلة لاستفادة الشريكين في عرض واحد كسكنى الدار.

وكذا الحال فيما إذا لم تقبل إلّا على سبيل التناوب ، كركوب الدابّة ، فتصحّ الإجارة كذلك ، ويوكل التعيين إلى ما يتّفقان عليه ، ومع الاختلاف في البادي يرجع إلى القرعة التي هي لكلّ أمر مشكل ، وذلك لإطلاق الأدلّة.

__________________

(١) في ص ١٤٣.

٢١٧

اثنين دابّة مثلاً لا على وجه الإشاعة ، بل نوباً معيّنة بالمدّة أو بالفراسخ (١) ، وكذا يجوز إجارة اثنين نفسهما على عمل معيّن على وجه الشركة كحمل شي‌ء معيّن لا يمكن إلّا بالمتعدّد.

[٣٣٠١] مسألة ١٩ : لا يشترط اتّصال مدّة الإجارة بالعقد على الأقوى ، فيجوز أن يؤاجره داره شهراً متأخّراً عن العقد (٢) بشهر أو سنة ، سواء كانت مستأجرة في ذلك الشهر الفاصل أو لا.

ودعوى البطلان من جهة عدم القدرة على التسليم (٣) كما ترى ، إذ التسليم لازم في زمان الاستحقاق لا قبله (٤).

هذا ، ولو آجره داره شهراً وأطلق انصرف إلى الاتّصال بالعقد (٥). نعم ، لو لم يكن انصراف بطل.

______________________________________________________

(١) لما عرفت من الإطلاق ، وكذا فيما بعده.

(٢) فإنّ التأخّر إنّما هو في ذات المنفعة لا في تمليكها المنشأ بالإجارة ، فهو من الآن يملك المنفعة المتأخّرة ، فلم يلزم تفكيك الإنشاء عن المنشأ ، بل هما معاً فعليّان ، والمتأخّر إنّما هو متعلّق المنشأ أعني : نفس المملوك ومن المعلوم أنّ المالك كما أنّه مالك للمنفعة الفعليّة كذلك هو مالك بالفعل للمنفعة المتأخّرة.

(٣) لامتناع تسليم المنفعة المتأخّرة حال الإجارة.

(٤) والمفروض قدرته آن ذاك فلا يضرّه العجز الفعلي.

(٥) إن كان هناك انصراف كما هو الظاهر ، لأنّه عندئذٍ بمثابة التعيين ، وإلّا فبما أنّ المنفعة مبهمة والمبهم لا واقع له حتى في علم الله فلا جرم يحكم بالبطلان.

٢١٨

فصل [الضمان في الإجارة] العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة ، فلا يضمن تلفها أو تعيّبها إلّا بالتعدّي أو التفريط (١).

______________________________________________________

(١) بلا خلافٍ فيه عند الفقهاء ، بل عليه الإجماع بقسميه كما في الجواهر (١).

ويستدلّ له بعد الإجماع بجملة من الروايات الواردة في ضمان المستأجر مع التعدّي والتفريط ، حيث قد دلّت بالمفهوم على عدم الضمان مع عدمه.

بل قد دلّت عليه صريحاً وبالدلالة المنطوقيّة صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حديث ـ : ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابّة ما لم يكرهها أو يبغها غائلة» (٢).

وأمّا ما دلّ عليه بالمفهوم فهي صحاح :

١ ـ أبي ولّاد الحنّاط المعروفة ، التي باحث حولها شيخنا الأنصاري في كتاب المكاسب مستقصًى (٣) ، قال فيها : ... فقلت له : أرأيت لو عطب البغل

__________________

(١) الجواهر ٢٧ : ٢١٥.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٥٥ / كتاب الإجارة ب ٣٢ ح ١.

(٣) المكاسب ٣ : ٢٤٥ وما يليها.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ونفق أليس كان يلزمني؟ «قال : نعم ، قيمة بغل يوم خالفته» إلخ (١) ، حيث دلّت على الضمان على تقدير التعدّي والمخالفة.

٢ ـ والحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تكارى دابّة إلى مكان معلوم فنفقت الدابّة «قال : إن كان جاز الشرط فهو ضامن ، وإن دخل وادياً لم يوثقها فهو ضامن ، وإن سقطت في بئر فهو ضامن ، لأنّه لم يستوثق منها» (٢).

٣ ـ وعلي بن جعفر في كتابه عن أخيه ، قال : سألته عن رجل اكترى دابّة إلى مكان فجاز ذلك المكان فنفقت ، ما عليه؟ «فقال : إذا كان جاز المكان الذي استأجر إليه فهو ضامن» (٣) ، ونحوها غيرها.

فقد دلّت هذه النصوص الصحيحة بمفهومها على عدم الضمان مع عدم التفريط والتعدّي.

وتدلّ عليه أيضاً الروايات الكثيرة الناطقة بعدم ضمان الأمين الواردة في الحمّال والجمّال والقصّار وصاحب السفينة التي تحمل الأموال ، ونحو ذلك ممّا يستفاد منه أنّ المؤتمن على الشي‌ء لا يضمن ، ومنه العين المستأجرة ، حيث إنّ المالك أودعها عند المستأجر ليستوفي منها المنفعة ويردّها بعدئذٍ إلى المالك ، فهو طبعاً أمين من قبل المالك ، اي مجاز في إبقاء المال عنده مجّاناً إذ الأُجرة إنّما هي بإزاء المنفعة لا ذات العين ولا نعني بالأمانة إلّا هذا.

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : صاحب الوديعة

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١١٩ / كتاب الإجارة ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١٩ : ١٢١ / كتاب الإجارة ب ١٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٩ : ١٢٢ / كتاب الإجارة ب ١٧ ح ٦.

٢٢٠