موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

[٣٢٩١] مسألة ٩ : إذا آجره داراً فانهدمت (١) فإن خرجت عن الانتفاع بالمرّة بطلت ، فإن كان قبل القبض أو بعده قبل أن يسكن فيها أصلاً رجعت الأُجرة بتمامها ، وإلّا فبالنسبة ، ويحتمل تمامها في هذه الصورة أيضاً ويضمن اجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ، لكنّه بعيد (*) ، وإن أمكن الانتفاع بها مع ذلك كان للمستأجر الخيار بين الإبقاء والفسخ ، وإذا فسخ كان حكم الأُجرة ما ذكرنا. ويقوى هنا رجوع تمام المسمّى مطلقاً ودفع اجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى ، لأنّ هذا هو مقتضى فسخ العقد كما مرّ سابقاً. وإن انهدم بعض بيوتها بقيت الإجارة بالنسبة إلى البقيّة وكان للمستأجر خيار تبعّض الصفقة.

______________________________________________________

عليه لم يتلف ، وما تلف خارجاً لم تقع الإجارة عليه ، وإنّما كان أداؤه بعنوان الوفاء بتخيّل كونه مصداقاً للكلّي فبان خلافه ، فطبعاً يلزم المؤجر بالتطبيق على فرد آخر وفاءً بعقده بعد أن لم يكن الفرد التالف صالحاً لانطباق الكلّي عليه ، من دون أن يكون في البين أيّ مقتضٍ للبطلان أو الانفساخ أو الخيار كما هو ظاهر.

(١) تعرّض (قدس سره) في هذه المسألة لأحد مصاديق كبرى تلف العين المستأجرة التي تقدّم حكمها ، وإنّما عنونه مستقلا لمزيّة لم تسبق الإشارة إليها وستعرفها.

فذكر (قدس سره) أنّه إذا آجره داراً فانهدمت بحيث خرجت عن قابليّة

__________________

(*) نعم ، إلّا أنّ للمستأجر حينئذٍ خيار تبعّض الصفقة وعلى تقدير الفسخ يرجع بتمام الأُجرة ويضمن اجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

١٨١

ولو بادر المؤجر إلى تعميرها بحيث لم يفت الانتفاع أصلاً ليس للمستأجر الفسخ حينئذٍ على الأقوى ، خلافاً للثانيين.

______________________________________________________

الانتفاع بتاتاً فإنّه تجري حينئذٍ الأحكام المتقدّمة من أنّ الانهدام إن كان قبل القبض أو بعده بلا فصل يحكم بالبطلان ، لانكشاف عدم المنفعة ، وإن كان في أثناء المدّة بطلت الإجارة في المدّة الباقية ، لما ذكر ، وصحّت فيما بقي مع خيار التبعّض ، فيرجع مع الفسخ إلى تمام الأُجرة المسمّاة ويدفع اجرة المثل.

وأمّا إذا لم يستوجب الانهدام السقوط عن القابليّة بالمرّة ، غايته أنّ الدار قد تعيّبت فلم تمكن الاستفادة المرغوبة منها بكاملها ، سواء أكان ذلك قبل القبض أم بعده أو أثناء المدّة ، فحينئذٍ لا موجب للانفساخ ، بل يثبت للمستأجر خيار العيب ، لتخلّف صفة الصحّة المشروطة ارتكازاً في تمام العين حدوثاً وبقاءً ، فله الفسخ على النهج الذي عرفت.

وأمّا إذا اختصّ الانهدام ببعض بيوت الدار اختصّ البطلان به ، لكشف انتفاء المنفعة بالإضافة إليه ، وصحّت الإجارة فيما عداه مع خيار التبعّض كما سبق كل ذلك.

والمزيّة التي ذكرها في المقام هي ما أشار إليه بقوله : ولو بادر المؤجر ، إلخ ، أي فتدارك الخراب على نحوٍ لم يتضرّر المستأجر بوجه ، لعدم فوات شي‌ء من الانتفاع أصلاً ، كما لو خربت جدران السطح أو قسم من السرداب في وقتٍ لا ينتفع عادةً بشي‌ء منهما كفصل الشتاء ، فبادر إلى التعمير بصورةٍ لا يشغل الفضاء إشغالاً يزاحم المستأجر في سائر انتفاعاته من الدار. ففي مثله لا يبعد عدم ثبوت الخيار أيضاً ، إذ الخراب أو الانهدام لم يكن بعنوانه موضوعاً للحكم ،

١٨٢

[٣٢٩٢] مسألة ١٠ : إذا امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة يجبر عليه (١) ، وإن لم يمكن إجباره للمستأجر فسخ الإجارة (*) والرجوع بالأُجرة ، وله الإبقاء ومطالبة عوض المنفعة الفائتة ،

______________________________________________________

وإنّما الاعتبار بعدم إمكان انتفاع المستأجر بتلك المنفعة المرغوبة بكاملها ، فمع إمكان الانتفاع وعدم ورود أيّ نقص فيه كما هو المفروض لم يكن ثمّة أيّ مقتضٍ لثبوت الخيار.

وعلى الجملة : فالعبرة بالكبرى الكلّيّة ، وهي أنّ الخراب إن أوجب نقصاً لم يتيسّر معه الانتفاع المرغوب ثبت الخيار ، وإلّا فلا.

(١) إذ المنفعة ملك للمستأجر قد ملكها بالعقد ، فلا بدّ للمؤجّر من تسليمها بتسليم العين ، وليس له الامتناع عن تسليم ملك الغير لصاحبه ، بل لذلك الغير حقّ الإجبار ، ومع الامتناع يثبت له الخيار ، فله الفسخ واسترداد الأُجرة كما له الإمضاء ومطالبة المؤجر بعوض المنفعة الفائتة تحت يده. وهذا كلّه ظاهر لا غبار عليه.

إلّا أنّ الذي ينبغي الإيعاز إليه أنّ ثبوت الخيار غير منوط بالعجز عن الإجبار ، وإن كان هذا هو ظاهر كلام الشيخ (قدس سره) ، بل صريحه في كتاب الخيارات (١).

فإنّ الخيار المزبور قد تعرّض له القوم في البيع أيضاً وأنّه إذا امتنع البائع عن

__________________

(*) لا يبعد ثبوت الخيار مع التمكّن من الإجبار أيضاً.

(١) المكاسب ٦ : ٢٦١ ـ ٢٦٥.

١٨٣

وكذا إن أخذها منه بعد التسليم بلا فصل أو في أثناء المدّة (١) ،

______________________________________________________

التسليم أجبره المشتري إن أمكن ، وإلّا ثبت له الخيار. وقد ذكره الشيخ في باب تخلّف الشرط وأنّ الشارط يجبر المشروط عليه لدى التخلّف على العمل بالشرط ، فإن لم يمكن ثبت له الخيار ، حيث إنّ المقام أيضاً من مصاديق تلك الكبرى باعتبار أنّ التسليم شرط ضمني ارتكازي قد بنيت عليه كافّة العقود المعاوضيّة ، وقد تخلّف حسب الفرض (١).

ولكن الظاهر عدم اعتبار العجز المزبور في ثبوت هذا الخيار ، فيثبت في كلا الموردين أي البيع والإجارة حتى مع التمكّن من الإجبار ، وبمجرّد الامتناع عن التسليم.

والوجه فيه : أنّ مرجع الاشتراط إلى أنّ التزام الشارط بالعقد منوط ومتوقّف على العمل بالشرط ، وإلّا فهو غير ملتزم به من الأوّل.

وعليه ، فمع امتناع البائع أو المؤجر عن التسليم قد تخلّف الشرط ولم يعمل به خارجاً ، فلا جرم يكشف عن عدم الالتزام بالعقد من أوّل الأمر المساوق لثبوت الخيار ، فهو حكم مطابق للقاعدة ، سواء أكان متمكّناً من الإجبار أم لا ، إذ لا علاقة لذلك في ثبوت الخيار وعدمه بوجه ، لوضوح تحقّق التخلّف الذي هو المناط في تعلّق الخيار حتى مع التمكّن من الإجبار ، فلا موجب لإناطة الحكم بالعجز عنه أبداً.

(١) لوضوح أنّ الشرط الضمني المزبور لم يكن هو التسليم آناً ما ، بل مقتضى المعاوضة بقاء العين تحت يد المستأجر إلى نهاية المدّة بأن يخلّي المؤجر

__________________

(١) الخلاف ٣ : ١٥١ / ٢٣٩ و ٢٤٠.

١٨٤

ومع الفسخ في الأثناء يرجع بما يقابل المتخلّف من الأُجرة ، ويحتمل قويّاً (*) رجوع تمام الأُجرة ودفع اجرة المثل لما مضى كما مرّ نظيره سابقاً ، لأنّ مقتضى فسخ العقد عود تمام كلّ من العوضين إلى مالكهما الأوّل ، لكن هذا الاحتمال خلاف فتوى المشهور.

______________________________________________________

بين المستأجر وبين العين في تمام الأجل المضروب ، لكي يتمكّن من استيفاء تمام المنفعة التي وقعت الإجارة عليها ، فمع الأخذ منه بعد القبض أو في الأثناء فقد تخلّف الشرط ، ولأجله يثبت الخيار حسبما عرفت.

إلّا أنّ الكلام في أنّه إذا استردّ العين أثناء المدّة وفسخ المستأجر ، فهل يسترجع من الأُجرة المسمّاة بمقدار ما بقي وتصحّ الإجارة فيما مضى ، أو أنّ العقد ينفسخ من أصله فيستردّ تمام المسمّاة ويدفع اجرة المثل لما مضى؟

المنسوب إلى المشهور هو الأوّل. ولكن الماتن قوّى الثاني ، وهو الأظهر ، لما تقدّم من أنّ المنفعة في تمام المدّة مورد لعقد وحداني قد اشترط الالتزام به بالتسليم الخارجي في تمام تلك المدّة ، وإلّا فلا التزام. ومعناه : أنّ له حلّ هذا العقد على النهج الذي وقع وأنّه لم يكن ملتزماً به من الأوّل. ومقتضاه رجوع كلّ من العوضين إلى ملك صاحبه كأن لم يكن بينهما عقد أصلاً ، وحيث إنّه قد تصرّف في ملك الغير ولم يذهب ماله هدراً فلا جرم يتداركه بأُجرة المثل لما استوفاه من المدّة ، وهذا هو مقتضى القاعدة.

وعليه ، فاحتمال اختصاص الانفساخ بالمدّة الباقية لا بتمام العقد خلاف ظاهر الاشتراط ، ومخالف لمقتضى القاعدة كما لا يخفى.

__________________

(*) مرّ أنّ هذا الاحتمال هو الأظهر.

١٨٥

[٣٢٩٣] مسألة ١١ : إذا منعه ظالم عن الانتفاع بالعين قبل القبض (١) تخيّر بين الفسخ والرجوع بالأُجرة وبين الرجوع على الظالم بعوض ما فات ، ويحتمل قويّاً تعيّن الثاني (*) ،

______________________________________________________

(١) فلم يكن منع من قبل المؤجر ، بل خلّى هو بين العين وبين المستأجر ، ولكن الظالم كان حائلاً ومانعاً عن الانتفاع.

وقد حكم (قدس سره) حينئذٍ بالتخيير بين الرجوع إلى المؤجر واسترداد الأُجرة المسمّاة فتنفسخ الإجارة ، وبين الرجوع إلى الظالم ومطالبته مع التمكّن بعوض ما فات من المنفعة التي كان هو السبب في تفويتها.

ثمّ احتمل (قدس سره) تعيّن الثاني وأنّه ليس له إلّا مراجعة الظالم فقط دون المؤجر.

أقول : لا يبعد التفصيل (١) بين ما إذا كان منع الظالم متوجّهاً إلى خصوص المستأجر ، أو إلى الأعمّ منه ومن غيره ، كما إذا آجره دابّة للسفر إلى كربلاء فمنع الظالم ركوب أيّ شخص عليها والخروج إلى كربلاء.

ففي الثاني لا يبعد صحّة ما ذكره الماتن أوّلاً ، باعتبار أنّ المستأجر مالك للمنفعة وبما أنّه لا يتمكّن من الانتفاع فله أن يرجع إلى الظالم لأنّه المانع ، فلو فرضنا أنّ للظالم عنده مالاً وهو لا يعلم به يجوز له أن يأخذه تقاصّاً من دون أن يفسخ العقد ، كما أنّ له أن لا يرضى بالعقد ويفسخ ، نظراً إلى أنّه مع فرض

__________________

(*) هذا الاحتمال هو المتعيّن فيما إذا كان منع الظالم متوجّهاً إلى المستأجر في انتفاعه ، لا إلى المؤجر في تسليمه.

(١) وهو المراد ممّا في تعليقته الأنيقة دام ظلّه من التفصيل بين توجّه الظلم إلى المستأجر في انتفاعه أو إلى المؤجر في تسليمه.

١٨٦

وإن كان منع الظالم أو غصبه بعد القبض يتعيّن الوجه الثاني (١) ، فليس له الفسخ حينئذٍ ، سواء كان بعد القبض في ابتداء المدّة أو في أثنائها ، ثمّ لو أعاد الظالم العين المستأجرة في أثناء المدّة إلى المستأجر فالخيار باقٍ (٢) ، لكن ليس له الفسخ إلّا في الجميع ، وربّما يحتمل جواز الفسخ بالنسبة إلى ما مضى

______________________________________________________

ظلم الظالم لم يتحقّق التسليم والتسلّم ، ومن المعلوم أنّ تعذّر التسليم ولو لمنع الظالم موجب للخيار.

وأمّا في الفرض الأوّل فحيث إنّه لم يكن أيّ مانع من المؤجر في تسليمه وإنّما المنع متوجّه إلى خصوص المستأجر في تسلّمه ، فلا موجب حينئذٍ للخيار ، لعدم التخلّف في الشرط بوجه ، إذ لم يكن الشرط الارتكازي إلّا هذا المقدار ـ ، أعني : تمكين المؤجر من التسليم ، لا تسلّم المستأجر وقد فعل فكانت العين قابلة للانتفاع لأيّ شخص كان ، وإنّما الممنوع خصوص هذا الشخص ، فيتعيّن حينئذٍ الاحتمال الثاني.

ولعلّ هذه الصورة هي مفروض كلامه (قدس سره) ، لأنّه أخذ في عنوانه منع الظالم عن الانتفاع ، فمنع الظالم متوجّه إلى هذا الشخص ، وفي مثله لا موجب لثبوت الخيار.

(١) إذ الخيار إنّما ثبت من أجل تخلّف الشرط كما مرّ ، وهنا لم يتخلّف ، ضرورة أنّ الشرط لم يكن إلّا تسليم العين وجعلها تحت قبض المستأجر ، وقد تحقّق حسب الفرض. وأمّا الزائد على ذلك بأن يتعهّد المؤجر بدفع ظلم الظالم عن المستأجر بعد قبضه أو أثناء مدّة الإجارة ، فليس هو ممّا يقتضيه الارتكاز ، ولا ملحوظاً في الشرط الضمني بوجه.

(٢) لا لأجل الاستصحاب ، بل لأجل أنّ العلّة المقتضية لثبوت الخيار

١٨٧

من المدّة في يد الغاصب والرجوع بقسطه من المسمّى واستيفاء باقي المنفعة ، وهو ضعيف ، للزوم التبعيض في العقد ، وإن كان يشكل الفرق بينه وبين ما ذكر من مذهب المشهور من إبقاء العقد فيما مضى وفسخه فيما بقي ، إذ إشكال تبعيض العقد مشترك بينهما.

[٣٢٩٤] مسألة ١٢ : لو حدث للمستأجر عذر (١) في الاستيفاء ،

______________________________________________________

وهو تخلّف الشرط لم ترتفع بإعادة العين في الأثناء ليزول الخيار ، فإنّ الشرط كان هو التسليم في تمام المدّة ولم يتحقّق ولو للتعذّر في النصف الأوّل من المدّة مثلاً فلا جرم يثبت الخيار ، فإنّ التعذّر كما يوجب الخيار فيما إذا كان في تمام المدّة كذلك يوجبه في بعضها.

وبالجملة : قد تحقّق موجب الخيار وهو التعذّر في بعض المدّة ، والإعادة في البعض الآخر لا تنفع في زواله ، فإذا فسخ فحينئذٍ يعود الكلام السابق وأنّ الفسخ هل يؤثّر بالنسبة إلى ما مضى ويبقى فيما بقي صحيحاً ، أو أنّه يوجب الانفساخ من الأصل فيطالب بتمام الأُجرة وليس له حقّ التصرّف بعد ذلك؟

وقد عرفت أنّ الأظهر هو الثاني ، إذ الالتزام بالعقد من الأوّل كان مشروطاً بالتسليم الخارجي ولم يتحقّق حسب الفرض ، فإذا فسخ كان العقد في حكم العدم فيرجع بتمام الأُجرة ، ويكون التصرّف في الباقي منوطاً بالتراضي أو بإجارة جديدة ، فلاحظ.

(١) قد يفرض أنّ العذر عامّ لا يختصّ بالمستأجر ، كما لو اتّفق حادث في الطريق لا يتمكّن معه أحد من المسير من سيلٍ أو نحوه من الآفات السماويّة ، فهذا يكشف لا محالة عن بطلان الإجارة ، إذ مثل هذه المنفعة بعد أن لم تكن قابلة للتحقّق خارجاً فهي من الأوّل لم تكن مملوكة للمؤجّر ليملّكها المستأجر ،

١٨٨

كما لو استأجر دابّة لتحمله إلى بلد فمرض المستأجر ولم يقدر ، فالظاهر البطلان إن اشترط المباشرة على وجه القيديّة ، وكذا لو حصل له عذر آخر ، ويحتمل عدم البطلان (*). نعم ، لو كان هناك عذر عام بطلت قطعاً ، لعدم قابليّة العين للاستيفاء حينئذٍ.

______________________________________________________

وهذا ظاهر.

واخرى : يفرض عذراً خاصّاً بالمستأجر من مرضٍ ونحوه ، وحينئذٍ فإن كانت المباشرة ملحوظة على وجه الشرطيّة بأن كانت الإجارة واقعة على جامع المنفعة كمطلق الركوب أو السكنى مشروطاً بكون المتصدّي لها خصوص المستأجر على سبيل الالتزام في ضمن الالتزام ، فحيث إنّ الشرط المزبور متعذّر الحصول حسب الفرض فلا جرم يدخل المقام تحت كبرى الشرط الفاسد ، والصحيح في مثله بطلان الشرط وصحّة العقد وإن قيل بالإفساد أيضاً. وعلى أيّ حال ، فيجري عليه حكم تلك المسألة.

وإن كانت ملحوظة على وجه القيديّة بأن كان مصبّ الإجارة هذه المنفعة الخاصّة على نحو وحدة المطلوب ، فقد حكم الماتن (قدس سره) حينئذٍ بالبطلان ، ولعلّه لتعذّر المنفعة المانع عن صحّة الإجارة كما في العذر العام.

ولكنّه محلّ تأمّل ، بل منع يظهر وجهه ممّا سبق ، حيث عرفت فيما مرّ أنّ المصحّح للإجارة إنّما هي الحيثيّة القائمة بالعين كمسكونيّة الدار ومركوبيّة الدابّة ونحوهما ، فإنّها التي يملكها المؤجر وتكون تحت تصرّفه وسلطانه. وأمّا الحيثيّة القائمة بالمستأجر والمنتزعة من فعله الخارجي كالساكنيّة والراكبيّة فلا مساس

__________________

(*) هذا الاحتمال هو الأظهر.

١٨٩

[٣٢٩٥] مسألة ١٣ : التلف السماوي للعين المستأجرة أو لمحلّ العمل موجب للبطلان (١) ، ومنه إتلاف الحيوانات ، وإتلاف المستأجر (٢) بمنزلة القبض ،

______________________________________________________

لها بالمؤجر ، فلا تصلح لأن تقع مورداً للأُجرة ، والمتعذّر في المقام إنّما هي الحيثيّة الثانية دون الاولى ، فما هو مورد للإجارة أعني : القابليّة للسكنى لا تعذّر فيه ، وما فيه التعذّر لم يقع مورداً للإجارة ، ولا يقاس المقام بالعذر العام ، ضرورة أنّ عموميّة العذر تستوجب سقوط العين عن قابليّة الانتفاع كما عرفت ، وليس العذر الخاصّ كذلك بالضرورة.

فما احتمله في المتن من عدم البطلان هنا هو الأظهر ، فإنّ المناط في الصحّة كون المنفعة في نفسها قابلة للتملّك وهو متحقّق في المقام ، فلا يستوجب العذر المزبور عدم الصحّة ، كما لا يستوجب ثبوت الخيار كما لا يخفى.

(١) كما لو تلفت الدابّة أو انهدمت الدار الواقعتان مورداً للإيجار ، أو احترق الثوب مثلاً الذي هو محلّ عمل الأجير أعني : الخيّاط وقد ذكر (قدس سره) للتلف المزبور شقوقاً :

إذ تارةً : يكون سماويّاً ولو بإتلاف الحيوانات ، ولا ريب في بطلان الإجارة حينئذٍ ، لانكشاف انتفاء موضوعها وأنّ الأجير أو مالك العين لم يكن مالكاً لهذه المنفعة لكي يتمكّن من تمليكها ، وهذا واضح.

وأُخرى : يستند إلى فعل أحد ، وهذا الشخص المتلف قد يكون هو المستأجر ، وأُخرى المؤجر ، وثالثة الأجنبي.

(٢) فإن كان الأوّل فالظاهر الصحّة واستحقاق المؤجر للأُجرة ، فإنّ الإتلاف من المستأجر يعدّ في اعتبار العقلاء بمثابة القبض وتسلّم المنفعة ، فلا يقيسونه

١٩٠

وإتلاف المؤجر (١) موجب للتخيير بين ضمانه والفسخ ، وإتلاف الأجنبي (٢) موجب لضمانه (*)

______________________________________________________

بالتلف السماوي الكاشف عن عدم وجود المنفعة بعد كونها تابعة لوجود العين ، إذ بعد أن كان هو السبب في التلف فكأنه استوفاها بفعله الاختياري. ومراجعة العرف والعقلاء بعد إمعان النظر أقوى شاهد على صدق هذه التفرقة كما لا يخفى ، فإنّهم لا يرون المؤجر مالكاً للمنفعة من الأوّل في التلف دون الإتلاف ، ومن ثمّ يكون المستأجر ضامناً للعين مسلوبة المنفعة ، إذ المنفعة قد تملّكها بالعقد وقد أتلف بفعله الاختياري ملك نفسه ، كما أتلف ملك الغير أعني : ذات العين فيكون ضامناً للمؤجّر قيمة العين مسلوبة المنفعة ، كما يضمن له الأُجرة المسمّاة الواقعة بإزاء تلك المنفعة.

(١) وإن كان الثاني تخيّر المستأجر بين الفسخ والرجوع إلى الأُجرة المسمّاة وبين الإمضاء ومطالبة بدل المنفعة الفائتة ، ويظهر وجهه ممّا مرّ ، حيث إنّ إتلاف المؤجر العين التي هي ملك له والمنفعة التي هي ملك المستأجر لا يلحق عند العقلاء بالتلف السماوي ، بل يرونه قد أتلف مال نفسه ومال غيره.

إذن فللمستأجر أن يفسخ ، نظراً إلى أنّ تسليم العين وإبقاءها عند المستأجر شرطٌ ارتكازي في ضمن العقد وقد تخلّف بالإتلاف المزبور فيستتبع الخيار لا محالة ، كما أنّ له المطالبة ببدل المنفعة التي ملكها بالعقد ، إذ قد أتلفها المؤجر ، والإتلاف موجب للضمان ، وربّما تختلف قيمته عن الأُجرة المسمّاة.

(٢) وإن كان الثالث فقد حكم في المتن بضمان الأجنبي للمنفعة من دون أن

__________________

(*) لكنّه إذا كان قبل القبض جاز للمستأجر الفسخ ، هذا بالإضافة إلى العين المستأجرة ، وأمّا بالإضافة إلى إتلاف محلّ العمل فالظاهر هو البطلان.

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون في البين أيّ موجب للخيار بعد عدم استناد الإتلاف إلى المؤجر.

ولكن هذا إنّما يستقيم في الإجارة الواقعة على الأعيان ، وفيما إذا كان الإتلاف حاصلاً بعد القبض ، حيث إنّ الإتلاف حينئذٍ لا يستوجب الخيار قطعاً ، ضرورة وفاء المؤجر بما كان ملتزماً به من التسليم وخروجه عن مسؤوليّته ، وإتلاف الأجنبي بعدئذٍ خارج عن عهدته ولا يرتبط به بوجه ، فلم يكن ثمّة أيّ موجب للخيار ، وإنّما الأجنبي ضامن لبدل العين للمؤجّر ولبدل المنفعة للمستأجر.

وأمّا إذا كان الإتلاف المزبور قبل القبض فلا ينحصر الأمر حينئذٍ بالضمان ، بل يجري هنا أيضاً التخيير بينه وبين الفسخ كما في الصورة السابقة.

والوجه فيه ظاهر ، أمّا الضمان فلما عرفت ، وأمّا الفسخ فلأجل عدم تحقّق التسليم المشروط به العقد ولو كان تعذّره من أجل إتلاف الأجنبي ، إذ بالآخرة لم يتحقّق التسليم المزبور ، وقد عرفت أنّ تخلّفه موجب للخيار.

وعلى الجملة : فالحكم هنا بخصوص الضمان على ما يقتضيه إطلاق عبارة المتن غير ظاهر ، بل يجري فيه التخيير المزبور.

نعم ، إنّ الأجنبي ضامن لكلّ من العين والمنفعة على أيّ تقدير ، سواء أكان إتلافه قبل القبض أم بعده ، إلّا أنّه فيما بعد القبض وكذا ما قبله إذا لم يقع الفسخ يضمن العين مسلوبة المنفعة للمؤجّر والمنفعة للمستأجر ، وأمّا مع الفسخ فيضمن لخصوص المؤجر العين ذات المنفعة.

وكيفما كان ، فمحلّ الكلام ما إذا وقعت الإجارة على العين الشخصيّة.

وأمّا في الأعيان الكلّيّة فلو هيّأ المؤجر فرداً ليدفعه وفاءً عن الكلّي فأتلفه الأجنبي قبل الإقباض ، فبما أنّ التلف لم يقع حينئذٍ على ما تعلّقت به الإجارة فللمستأجر المطالبة بفرد آخر ، وهو خارج عن محلّ الكلام كما هو واضح.

١٩٢

والعذر العامّ بمنزلة التلف (١) ،

______________________________________________________

هذا كلّه في الإجارة الواقعة على الأعيان.

أمّا الواقعة على الأعمال ، كما لو أعطاه ثوباً ليخيطه فأتلفه الأجنبي قبل أن يخيطه ، فلا مقتضي عندئذٍ للضمان وإن كان مقتضى إطلاق عبارة المتن ثبوته في هذه الصورة أيضاً ، وذلك لعدم صدق أيّ إتلاف بالإضافة إلى العمل ، غايته أنّ الأجنبي بإتلاف العين أعدم موضوع العمل وجعله متعذّر الحصول خارجاً ، لا أنّه أتلف نفس العمل ليضمنه ، ضرورة عدم كونه من منافع العين ليكون قد أتلفه بإتلاف العين ، وإنّما هو من منافع الأجير وهو الخيّاط.

وعليه ، فإذا تلف محلّ العمل كشف لا محالة عن أنّ الأجير لم يكن متمكّناً في علم الله من تسليمه باعتبار لزوم وقوعه في هذا الثوب المعيّن والخياطة فيه متعذّرة حسب الفرض ، فلم يكن الأجير مالكاً لهذه المنفعة ليملّكها للغير ، فطبعاً يحكم ببطلان الإجارة كما في التلف السماوي الوارد على العين المستأجرة بمناط واحد.

إذن فالظاهر انفساخ الإجارة في هذه الصورة ، ويكون المتلف ضامناً لقيمة العين خالية عن العمل.

والمتحصّل ممّا ذكرناه : أنّ الأظهر هو التفصيل بين الإجارة الواقعة على الأعيان الشخصيّة فيضمن الأجنبي للمستأجر لو أتلف بعد القبض كما يتخيّر المستأجر لو كان الإتلاف قبله ، وبين الواقعة على الأعمال فلا ضمان للعمل بإتلاف المحلّ وإن كان ظاهر المتن هو الضمان حسبما عرفت.

(١) كما سبق ، حيث إنّ المنفعة بعد أن لم تكن قابلة للاستيفاء لأيّ أحد فلا تعدّ هي من منافع العين المملوكة للمؤجّر ليملّكها للمستأجر ، فتبطل الإجارة لا محالة كما في التلف السماوي.

١٩٣

وأمّا العذر الخاصّ بالمستأجر كما إذا استأجر دابّة لركوبه بنفسه فمرض ولم يقدر على المسافرة (*) أو رجلاً لقلع سنّه فزال ألمه أو نحو ذلك ففيه إشكال (١) ، ولا يبعد أن يقال : إنّه يوجب البطلان إذا كان بحيث لو كان قبل العقد لم يصحّ معه العقد (**).

______________________________________________________

(١) وقد تقدّم منه (قدس سره) في المسألة السابقة استظهار البطلان.

وكيفما كان ، فقد عرفت أنّ حدوث المرض أو زوال الألم ونحوهما من الأعذار الخاصّة لا تستوجب البطلان ، ولا سيّما إذا كان عود الألم متوقّعاً كما هو الغالب في المبتلين بوجع الضرس.

نعم ، الكبرى التي ذكرها في المتن من إناطة البطلان بكلّ ما لو كان قبل العقد لأبطل وجيهة (١) ، لكنّها غير منطبقة على المورد ، لجواز الاستئجار لقلع الضرس وإن لم يكن الألم موجوداً من الأوّل ، وإنّما كان في مظانّ عروضه لحركة الضرس عن مقرّه ونحو ذلك ، إذ لا مانع من صحّة هذه الإجارة الناشئة عن داعٍ من الدواعي بعد أن كان العمل في نفسه سائغاً ومحترماً.

__________________

(*) تقدّم أنّ الأظهر في أمثاله عدم البطلان.

(**) إنّ الأمر وإن كان كذلك إلّا أن بطلان الإجارة على قلع الضرس والزائل عنه الألم لا يخلو عن إشكال بل منع كما مرّ.

(١) أورد عليها بعض أعلام العصر في تعليقته بالنقض بما لو كان مريضاً قبل العقد واستأجر الدابّة لركوبه بنفسه ، فإنّ الإجارة غير صحيحة ، لكونها سفهيّة. وهذا المعنى غير موجود في المرض المتأخّر.

ويندفع بالالتزام بصحّة العقد في الفرض المزبور ، فإنّ الباطل إنّما هو معاملة السفيه لا المعاملة السفهائيّة على ما حقّقه سيّدنا الأُستاذ (دام ظلّه) في محلّه.

١٩٤

[٣٢٩٦] مسألة ١٤ : إذا آجرت الزوجة نفسها بدون إذن الزوج (١) فيما ينافي حقّ الاستمتاع وقفت على إجازة الزوج ، بخلاف ما إذا لم يكن منافياً فإنّها صحيحة ، وإذا اتّفق إرادة الزوج للاستمتاع كشف عن فسادها.

______________________________________________________

(١) قسّم (قدس سره) مفروض المسألة إلى قسمين :

إذ تارةً : تتعلّق الإجارة بما ينافي حقّ استمتاع الزوج ، وهذا لا ينبغي الشكّ في عدم صحّته ما لم يجز الزوج ، لعدم جواز صدور مثله منها ، ويعتبر في صحّة الإجارة تعلّقها بعمل سائغ يجوز فعله شرعاً دون ما لا يجوز. أمّا مع الإجازة فلا مانع من الصحّة ، نظير تزويج العبد نفسه المتعقّب بإجازة المولى ، حيث علّل الإمام (عليه السلام) صحّته بأنّه لم يعص الله وإنّما عصى سيّده فإذا أجاز جاز (١) ، فإنّه يعلم من ذلك كبرى كلّيّة ، وهي أنّ في كلّ مورد كان المنع الشرعي مبنيّاً على مراعاة حقّ الغير فإنّه يرتفع المنع بإجازة ذلك الغير ، فالإجارة في المقام لا تكون مشمولة لعموم دليل وجوب الوفاء بالعقد ما لم يجز الزوج ، أمّا مع الإجازة فلا مانع من الشمول.

وتارةً أُخرى : تتعلّق بعملٍ لم يكن منافياً لحقّ الزوج ، كما لو آجرت نفسها لأن تصوم نيابةً عن الغير ولكن من باب الاتّفاق طالبها زوجها بحقّه أثناء النهار. وقد حكم (قدس سره) بالبطلان هنا أيضاً ، وهو الصحيح ، لكشف المطالبة المتأخّرة عن عدم الصحّة من الأوّل ، لكون المتعلّق منافياً للحقّ وإن كانت هي جاهلة بذلك ومتخيّلة عدم المنافاة ، فإنّ الاعتبار بالواقع ونفس الأمر لا بما تخيّله الأجير.

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ١١٤ / أبواب نكاح العبيد والإماء ب ٢٤ ح ١.

١٩٥

[٣٢٩٧] مسألة ١٥ : قد ذكر سابقاً أنّ كلّاً من المؤجر والمستأجر يملك ما انتقل إليه بالإجارة بنفس العقد ، ولكن لا يجب تسليم أحدهما إلّا بتسليم الآخر (١) ، وتسليم المنفعة بتسليم العين ، وتسليم الأُجرة بإقباضها ، إلّا إذا كانت منفعة أيضاً فبتسليم العين التي تستوفى منها ، ولا يجب على واحد منهما الابتداء بالتسليم ، ولو تعاسرا أجبرهما الحاكم ، ولو كان أحدهما باذلاً دون الآخر ولم يمكن جبره كان للأوّل الحبس إلى أن يسلّم الآخر.

هذا كلّه إذا لم يشترط في العقد تأجيل التسليم في أحدهما ، وإلّا كان هو المتّبع.

______________________________________________________

(١) لأنّ باب المعاوضات برمّتها من بيع أو إجارة ونحوهما مبني عند العقلاء على التسليم والتسلّم من الطرفين ، فليس لأحدهما أن يحبس مال الآخر عنده ويطالبه بماله عنده معتذراً بأنّ لي محذوراً في التسليم أو يقول : إنِّي امتنع عنه عصياناً ، أمّا أنت فورع تقي لا عذر لك فادفع مالي عندك. فإنّ مثل هذه المقالة غير مسموعة منه بوجه ، فلا يكاد يجبر أحدهما على التسليم ابتداءً إلّا مع شرط خارجي ، أو عادة متّبعة في التقديم ، بل يجب التسليم على كلّ منهما على تقدير تسليم الآخر ، كما له الامتناع على تقدير امتناع الآخر ، ولو امتنعا وتعاسرا أجبرهما الحاكم.

وهذه الكبرى ممّا لا ينبغي الشكّ فيها في كافّة المعاوضات ، لاستقرار بناء العقلاء عليها من غير نكير.

١٩٦

هذا ، وأمّا تسليم العمل (١) فإن كان مثل الصلاة والصوم والحجّ والزيارة ونحوها فبإتمامه ، فقبله لا يستحقّ المؤجر المطالبة ، وبعده لا يجوز للمستأجر المماطلة ، إلّا أن يكون هناك شرط أو عادة في تقديم الأُجرة فيتّبع ، وإلّا فلا يستحقّ حتى لو لم يمكن له العمل إلّا بعد أخذ الأُجرة كما في الحجّ الاستئجاري إذا كان المؤجر معسراً ، وكذا في مثل بناء جدار داره أو حفر بئر في داره أو نحو ذلك (٢) ، فإنّ إتمام العمل تسليم ولا يحتاج إلى شي‌ء آخر.

______________________________________________________

(١) وإنّما الكلام فيما به يتحقّق التسليم في باب الأعمال بعد وضوح ذلك بالإضافة إلى المنافع وأنّها بتسليم الأعيان كنفسها.

وقد فرّق في المتن بين الإجارة الواقعة على العمل المجرّد من دون أن يكون له تعلّق بشي‌ء خارجي ، وبين ما له تعلّق والمتعلّق موجود عند المستأجر أو موجود عند الأجير ، فهناك فروض ثلاثة :

فإن كان الأوّل ، كما لو استؤجر للصلاة أو الصيام أو الزيارة ونحوها من العبادات ، فالتسليم فيها إنّما يتحقّق بمجرّد الفراغ من العمل ، إذ لا يتصوّر فيه شي‌ء آخر زائداً على ذلك ، أي على نفس تحقّق العمل خارجاً ، حيث إنّه لم يكن ملتزماً بأكثر من ذلك وقد فعل ، فله المطالبة بالأُجرة بعد ذلك.

(٢) وإن كان الثاني فكذلك ، فلو كان متعلّق العمل موجوداً عند المستأجر ، كما لو استأجره لحفر بئر في داره ، أو بنيان جدار في بيته الذي يسكن فيه ، فإنّ التسليم يتحقّق بمجرّد الفراغ من العمل ، لعين ما مرّ من عدم تصوّر تسليم زائد على الانتهاء من العمل والفراغ عنه خارجاً.

١٩٧

وأمّا في مثل الثوب الذي أعطاه ليخيطه أو الكتاب الذي يكتبه أو نحو ذلك ممّا كان العمل في شي‌ء بيد المؤجر (١) ، فهل يكفي إتمامه في التسليم ، فبمجرّد الإتمام يستحقّ المطالبة أو لا؟ إلّا بعد تسليم مورد العمل فقبل أن يسلّم الثوب مثلاً لا يستحقّ مطالبة الأُجرة؟ قولان ، أقواهما الأوّل (*) ، لأنّ المستأجر عليه نفس العمل والمفروض أنّه قد حصل ، لا الصفة الحادثة في الثوب مثلاً وهي المخيطيّة حتى يقال : إنّها في الثوب وتسليمها بتسليمه.

وعلى ما ذكرنا فلو تلف الثوب مثلاً بعد تمام الخياطة في يد المؤجر بلا ضمان يستحقّ اجرة العمل ، بخلافه على القول الآخر ، ولو تلف مع ضمانه أو تلفه وجب عليه قيمته مع وصف المخيطيّة لا قيمته قبلها وله الأُجرة المسمّاة ، بخلافه على القول الآخر فإنّه لا يستحقّ الأُجرة وعليه قيمته غير مخيط. وأمّا احتمال عدم استحقاقه الأُجرة مع ضمانه القيمة مع الوصف فبعيد وإن كان له وجه ،

______________________________________________________

(١) وإنّما الكلام في القسم الثالث أعني : ما كان المتعلّق موجوداً عند الأجير كما لو أعطى الخيّاط ثوباً ليخيطه ، أو الصائغ فضّة ليصوغها خاتماً ، ونحو ذلك من الإجارة الواقعة على الأعمال المتعلّقة بالأعيان الموجودة عند المؤجر ، ففي مثل ذلك هل يتحقّق التسليم بمجرّد الفراغ عن العمل أيضاً فله

__________________

(*) بل أقواهما الثاني ، ولكنّه مع ذلك إذا تلف الثوب بعد تمام الخياطة مثلاً في يد المؤجر بلا ضمان استحقّ اجرة العمل ، لأنّه ليس من التلف قبل القبض ، ولو تلف مع ضمانه وجبت عليه قيمته مخيطاً واستحقّ الأُجرة المسمّاة ، لأنّ العين ملك للمستأجر ولا يشاركه المؤجر فيها.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

حقّ المطالبة حينئذٍ وإن لم يكن قد ردّ العين إلى المستأجر ، أو أنّ الحق إنّما يتحقّق بعد الردّ وتسليم العين المخيطة أو المصوغة مثلاً إليه فليس له المطالبة قبل ذلك؟ ذكر (قدس سره) أنّ فيه وجهين ، بل قولين.

وقد اختار هو (قدس سره) القول الأوّل ، معلّلاً بما في المتن من أنّ المستأجر عليه إنّما هو نفس العمل وقد حصل حسب الفرض دون الوصف الحاصل بالعمل ، فمتعلّق الإجارة إنّما هو نفس الخياطة التي هي توجد وتنعدم كسائر الأعمال ، لا المخيطيّة التي هي صفة حادثة في الثوب كي يكون تسليمها بتسليمه. إذن فاستحقاق الأُجرة يثبت بنفس الخياطة من دون توقّف على شي‌ء.

ولكن شيخنا الأُستاذ (قدس سره) قوّى القول الثاني فذكر في تعليقته الأنيقة ما لفظه :

بل الثاني ، وضابط ذلك هو أنّه لو كانت ماليّة العمل باعتبار نفس صدوره من العامل كالعبادات مثلاً وحفر البئر وبناء الجدار وحمل المتاع ونحوه من مكان إلى آخر فالفراغ عن العمل تسليمه وإن كان الأثر المتولّد منه هو مناط ماليّته كالخياطة والقصارة والصياغة ونحو ذلك ، فذلك الأثر يملك تبعاً لتملّك العمل ، ويتوقّف تسليم ما آجر نفسه له على تسليمه بتسليم مورده على الأقوى ، ولو تلف قبل ذلك بعد الفراغ عن العمل المستأجر له كالخياطة مثلاً كان بالنسبة إلى متعلّق الإجارة من التلف قبل القبض الموجب لانفساخها ، ولو أتلفه المؤجر أو الأجنبي يتخيّر المالك في فسخ الإجارة ، إلخ (١).

وحاصله : إنّ ماليّة العمل قد تكون بلحاظ نفسه وبما هو عمل كالصلاة أو الصيام ونحوهما ممّا يكون المطلوب نفس حصول العمل خارجاً ، ففي مثله يستحقّ المطالبة بمجرّد الفراغ عن العمل.

__________________

(١) تعليقة النائيني على العروة الوثقى ٥ : ٥٤ (تحقيق جماعة المدرسين).

١٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى : يكون المطلوب الأثر الحاصل من العمل ، وماليّته إنّما هي باعتبار هذا الأثر ، كخياطة الثوب ونسج الصوف واستنساخ الكتاب وما أشبه ذلك ممّا يكون مناط ماليّة العمل هو الأثر المترتّب عليه ، ككون الثوب مخيطاً والصوف منسوجاً والكتابة مستنسخة وهكذا غيرها من الآثار المترتّبة على الأعمال ، فإنّ مملوكيّة العمل بالإجارة في أمثال هذه الموارد تستتبع مملوكيّة ذاك الأثر والوصف ، فالمستأجر كما يملك على الأجير العمل كذلك يملك بتبعه الأثر المترتّب عليه ، نظراً إلى أنّ هذا الأثر هو مناط اعتبار الماليّة حسبما عرفت.

وعليه ، فلا محيص من تسليم هذا الأثر المملوك لصاحبه في استحقاق المطالبة بعوضه بتسليم مورده وهو العين ، وإلّا فهو لم يسلّم ما ملكه فلا تسعه مطالبة الأُجرة ، ولو تلف كان من التلف قبل القبض ، إذ لم يقبضه ما ملكه ، ونتيجته الانفساخ فيما إذا كان التلف بغير ضمان.

أقول : ينبغي التكلّم في جهات :

الاولى : في أنّ المملوك في باب الإجارة في مثل هذه الأعمال التي تكون ماليّتها بلحاظ الأثر المترتّب عليها هل هو العمل فقط ، أو مع ذاك الأثر المترتّب عليه؟

وبعبارة أُخرى : هل الوصف الذي يكون في العين بعد العمل يكون مملوكاً للمستأجر بتبع ملكيّته للعمل المستأجر عليه كما اختاره شيخنا الأُستاذ (قدس سره) ، أو أنّ المملوك إنّما هو نفس العمل لا غير؟

الظاهر أنّ الأوصاف مطلقاً في المقام وغيره غير قابلة للملكيّة ، فإنّها إنّما تتعلّق بالأعيان أو بمنافعها التي منها الأعمال حيث إنّ المنفعة تارةً تكون من قبيل سكنى الدار وركوب الدابّة ، وأُخرى عمل شخص من حرّ أو عبد فالملكيّة إنّما تتحقّق في أحد هذين الموردين.

٢٠٠