موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

.................................................................................................

______________________________________________________

بيت المال بلا إشكال ، كما لو هرب القاتل فإنّ الدية تؤخذ حينئذٍ من أقاربه كما في النصّ (١) ، وإن لم يمكن فمن بيت المال ، كيلا يذهب دم المسلم هدراً ، كما نطق به النصّ أيضاً. (٢) ، وكالسرقة في المرّة الثالثة بعد أن قطعت يده ورجله في المرّتين الأُوليين ، فإنّه يحبس ويصرف عليه من بيت المال ، وكما لو قطع الحاكم يد أحدٍ لسرقة أو قصاص فاحتاج إلى العلاج كي لا يموت فإنّ مصرف المعالجة على عاتق الحاكم يبذله من بيت المال.

وقد ورد فيمن استمنى بيده : أنّ علياً (عليه السلام) بعد أن ضربه وأدّبه زوّجه من بيت المال (٣) ، وهكذا غيره من الموارد المتفرّقة ممّا لا تخفى على المتتبّع ، التي يظهر منها بوضوح عدم اختصاص مصارف بيت مال المسلمين بالمصالح العامّة بل تعمّ غيرها ممّا عرفت. وضابطه كلّ مصرف مالي ضروري نوعي أو شخصي لم يمكن تداركه من محلّ آخر.

ومن البيّن أنّ المقام من أبرز مصاديق هذه الكبرى ، فإنّ العبد المعتق فقير مسلم لا بدّ من حفظ نفسه المحترمة من الهلكة ، فيعطى من بيت المال بطبيعة الحال.

وإن لم يمكن فيجب على المسلمين كفايةً بعين المناط. إذن فلا يتوقّف حفظ النفس على الكسب حتى يقال بوجوبه عليه.

نعم ، لو فرضنا عدم التمكّن من ذلك أيضاً ، كما لو كان في برّ أو كان في غير بلاد المسلمين بحيث لم يجد بدّاً من الكسب محافظةً للبقاء على نفسه فلا إشكال في وجوبه حينئذٍ وإن استلزم التصرّف في مال الغير ، كما في الأكل عند المخمصة.

__________________

(١) الوسائل ٢٩ : ٣٩٥ / أبواب العاقلة ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٩ : ٣٩٥ / أبواب العاقلة ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ٢٠ : ٣٥٢ / أبواب النكاح المحرم ب ٢٨ ح ٣.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أنّ الكلام في أنّه هل يضمن للمستأجر في ذمّته بمقدار ما يفوت منه من الخدمة ، كما هو الحال في المثال ، نظراً إلى أنّ غاية ما يترتّب على الاضطرار هو ارتفاع الحكم التكليفي وهو الإثم ، أمّا الوضعي كي يتّصف تصرّفه بالمجّانيّة ويلتزم بالتخصيص في دليل الضمان الناشئ من إتلاف مال الغير فهذا شي‌ء لا تقتضيه الضرورة المزبورة بوجه؟

أو لا يضمن ، لمكان الفرق بين ما نحن فيه وبين المثال المذكور ، أعني : الأكل عند المخمصة؟

لا يبعد المصير إلى الثاني ، وذلك لأجل أنّه إذا بلغ الأمر إلى هذا الحدّ بحيث حرمت عليه الخدمة ووجب الكسب مقدّمةً لحفظ النفس فلا جرم كشف ذلك عن بطلان الإجارة بالإضافة إلى هذه المنفعة غير القابلة للتسليم من الأوّل ، ضرورة عدم سلطنة المولى على تمليك منفعة لا يجب بل لا يجوز تسليمها إلى المستأجر لأدائه إلى تلفه وهلاكه. وقد تقدّم في شرائط الإجارة اعتبار تمكّن المستأجر من استيفاء المنفعة (١) ، والمنفعة في المقام بعد الاتّصاف بما عرفت غير قابلة للاستيفاء ، فلم يكن للمالك تمليكها من الأوّل ، فطبعاً تنفسخ الإجارة في خصوص هذه الخدمة ، فللمستأجر أن يراجع المؤجر وهو المالك ويطالبه باسترجاع ما يعادل هذه المنفعة من الأُجرة.

وبعبارة اخرى : بعد أن لم يكن للمالك تمليك هذه المنفعة الموقعة للعبد في الهلكة فهي لم تدخل في ملك المستأجر من الأوّل ، وحيث إنّها لا تتعلّق الآن بالمولى لفرض الانعتاق والخروج عن ملكه بجميع منافعه عدا ما ملّكه للمستأجر ، وليس هذا منه كما عرفت فلا جرم تكون مملوكة لنفس العبد المعتق يصرفها في إعاشة نفسه حفظاً عن الهلاك.

__________________

(١) في ص ٤٣ ـ ٤٥.

١٤٢

[٣٢٧٧] مسألة ٧ : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً سابقاً على العقد وكان جاهلاً به (١) : فإن كان ممّا تنقص به

______________________________________________________

(١) قسّم (قدس سره) العيب المفروض إلى قسمين :

فإنّ العيب في العين قد يسري إلى المنفعة ويستوجب نقصاً فيها ، كما لو استأجر داراً للسكنى فتبيّن أن غرفها مرطوبة تصعب فيها السكونة ، ولا تتيسّر المنفعة المرغوبة بكاملها.

واخرى لا يسري ، كما لو تبيّن كون الدابّة مقطوعة الإذن أو الذنب التي لا تؤثّر بوجه في النفع المطلوب من الحمل أو الركوب.

أمّا في القسم الأوّل : فلا شكّ في ثبوت الخيار بعين المناط الذي يثبت به في البيع ولو مع الغضّ عن النصّ الشرعي ، وهو تخلّف الشرط الارتكازي ، لاستقرار بناء العقلاء في مقام المعاوضات والمبادلات من غير فرق بين الأعيان والمنافع على كون العين قابلة للانتفاع منفعةً مطلوبة مرغوبة سليمة عن أيّ نقص وعيب ، وقد تخلّف هذا الشرط الضمني الارتكازي العقلائي حسب الفرض ، ونتيجته ثبوت الخيار بطبيعة الحال بين الفسخ والإمضاء من غير حاجة في هذا المقدار إلى نهوض أيّ دليل شرعي خاصّ لا في البيع ولا الإجارة ، فيتخيّر بين الإمضاء مجّاناً ، وبين فسخ العقد واسترداد الأُجرة المسمّاة في المقام.

وعلى الجملة : فالوجه في ثبوت الخيار مضافاً إلى عدم الخلاف أنّ وصف الصحّة في العين أو المنفعة شرط ضمني مبني عليه العقد في المعاملات العرفيّة ، فلا جرم يثبت الخيار بتخلّفه وظهور العيب المستوجب لاختلاف القيمة.

وأمّا التمسّك لذلك بحديث نفي الضرر فقد تعرّضنا له مستقصى في مباحث

١٤٣

المنفعة فلا إشكال في ثبوت الخيار له بين الفسخ والإبقاء ،

______________________________________________________

الخيار من كتاب المكاسب ولا سيّما في خيار الغبن (١).

وملخّصه : قصور الحديث عن إثبات الخيار في المقام ، إذ مفاده إنّما هو نفي أيّ جعل تشريعي ينشأ منه الضرر ، ومن المعلوم أنّ الضرر في المقام لم ينشأ من ناحية الشارع وإنّما حصل من نفس البيع الصادر من المتبايعين ، إذ الضرر إنّما هو النقص في المال ، وهذا قد يتحقّق بمجرّد البيع وما أقدما عليه من المعاوضة بين المالين ، ولا علاقة ولا ارتباط له بساحة الشرع المقدّسة.

نعم ، بعد أن أقدما على هذا الضرر حكم الشارع بلزوم العقد بمقتضى عمومات اللزوم ، إلّا أنّ من الواضح أنّ هذا اللزوم لم يسبّب ضرراً جديداً لكي يرتفع بالحديث ، وإنّما هو إلزام بما أقدم عليه المغبون من الضرر.

غاية ما هناك أنّ للشارع معالجة الضرر الحاصل بالبيع وتداركه بجعل الخيار ، وهذا أمر آخر يحتاج إلى دليل آخر ولا يكاد يتكفّله الحديث بوجه ، إذ هو ناظر إلى نفي جعل الضرر ، لا إلى جعل ما يتدارك به الضرر ، وهذا واضح.

ولأجله استندنا في ثبوت الخيار لدى ظهور الغبن إلى تخلّف الشرط الضمني الارتكازي المقرّر بين العقلاء على مساواة العوضين في الماليّة ، لا إلى حديث نفي الضرر ، وكذلك الحال في المقام بمناط واحد.

على أنّه قد لا يتحقّق ضرر مالي في المقام كي يتدارك بالخيار ، كما لو استأجر العين بأُجرة زهيدة بحيث تسوى بهذه القيمة حتى مع كونها معيبة ، بل بأكثر منها ، كما لو كانت الأُجرة السوقيّة للصحيح دينارين وللمعيب ديناراً

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٦ : ٢٩٥ ـ ٣٠٦.

١٤٤

والظاهر عدم جواز مطالبته الأرش (١) فله الفسخ أو الرضا بها مجّاناً.

______________________________________________________

فآجرها بنصف دينار ، فإنّه لم يتحقّق في هذه المعاملة أيّ ضرر مالي كي يندفع بحديث نفي الضرر. فالصغرى أيضاً غير مسلّمة ، أي لم تكن مطّردة.

وكيفما كان ، فالعمدة في وجه الخيار تخلّف الشرط الضمني حسبما عرفت.

(١) فإنّ ذلك حكم تعبّدي خاصّ بالبيع ولا يسرى إلى المقام.

والوجه فيه : أنّ صفة الصحّة كالأوصاف الكماليّة لا تقابل بالمال ، ولا يقع بإزائها جزء من الثمن أو الأُجرة ، وإنّما هي تستوجب زيادة بذل المال بإزاء العين فتؤثّر في ازدياد الرغبة إلى العين الباعث على دفع القيمة الزائدة بإزائها من دون أن تقابل بنفسها بشي‌ء. إذن فلا مقتضي للمطالبة بالتفاوت بين القيمتين.

ولو سلّمنا المقابلة كان لازمها تقسيط الأُجرة لا المطالبة بالأرش.

وتوضيحه : أنّ الأرش الثابت في باب خيار العيب ليس معناه استرداد جزء من الثمن الواقع بإزاء وصف الصحّة بحيث يبقى البائع مشغول الذمّة بسبب تخلّف هذا الوصف ، وإنّما يثبت الأرش ويضمن البائع بنفس مطالبة المشتري لا بفقد ذاك الوصف ، بحيث لو فرضنا أنّ المشتري لم يطالب ولو لأجل أنّه لم يعلم بالعيب إلى أن مات لم تكن ذمّة البائع مشغولة بشي‌ء ، لما عرفت من عدم مقابلة هذا الوصف بجزء من الثمن.

فضمان التفاوت بين الصحيح والمعيب المعبّر عنه بالأرش حكم جديد يثبت بنفس المطالبة ، وبها تشتغل الذمّة ، ومن ثمّ لم يختصّ بجزء من الثمن ، بل عليه الخروج عن عهدة هذا الضمان من أيّ مال كان ، فلو كان المناط في هذا الضمان المقابلة المزعومة المزبورة لزم استرداد جزء من نفس الثمن ، طالب المشتري أم

١٤٥

نعم ، لو كان العيب مثل خراب بعض بيوت الدار فالظاهر تقسيط الأُجرة (١) (١) لأنّه يكون حينئذٍ من قبيل تبعض الصفقة.

______________________________________________________

لا ، علم بالعيب أم لا ، لأنّ هذا المقدار من المال لم يملكه البائع من الأوّل. وهذا كما ترى لم يلتزم به أحد جزماً ، لتطابق النصّ والفتوى على إناطة الضمان بالمطالبة وجواز الدفع من أيّ مال كان ، فلا جرم كان هذا حكماً تعبّديّاً مختصّاً بمورده وهو البيع ولا ينسحب إلى غيره.

وبالجملة : فهذا الضمان نظير الضمان الثابت في باب اللقطة ، حيث إنّ الملتقط لو تصدّق بها بعد الفحص واليأس لم تكن ذمّته مشغولة بشي‌ء كي يخرج ما يعادلها من تركته إذا مات باعتبار أنّه أتلف مال الغير بالتصدّق ، فلا ضمان عندئذٍ بوجه ، وإنّما يضمن فيما لو وجد المالك وطالب ، فينشأ الضمان من نفس المطالبة لا أنّه كان ضامناً من الأوّل.

والمقام من هذا القبيل ، فيملك البائع تمام الثمن وإن كانت العين معيبة ، ولا تكون ذمّته مشغولة بجزء منه معادل لوصف الصحّة بحيث يخرج من تركته لو مات ، غايته ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والإمضاء مجّاناً أو مع مطالبة الأرش ، فيضمن التفاوت حينئذٍ بنفس هذه المطالبة لا أنّه كان ضامناً من الأوّل.

وهذا كما ترى حكم تعبّدي مخالف للقاعدة قد ثبت في خصوص البيع بالنصّ الخاصّ ، فاللازم الاقتصار عليه ولا موجب للتعدّي عن مورده بعد عدم الدليل عليه.

(١) فيستردّ من نفسها ما يقابل المنفعة الفائتة بنسبة الأُجرة. فلو كانت

__________________

(١) في إطلاقه إشكال.

١٤٦

ولو كان العيب ممّا لا تنقص معه المنفعة كما إذا تبيّن كون الدابّة مقطوعة الإذن أو الذنب (١) فربّما يستشكل في ثبوت الخيار معه ، لكن الأقوى ثبوته إذا كان ممّا يختلف به الرغبات وتتفاوت به الأُجرة.

______________________________________________________

البيوت خمسة والأُجرة خمسة وقد كانت واحدة منها خربة استردّ خمس الأُجرة ، لانكشاف بطلان الإجارة بالإضافة إلى هذه الحصّة. وهذا أمر آخر غير الأرش المصطلح في باب خيار العيب حسبما عرفت ، ونتيجته ثبوت الخيار للمستأجر في الباقي كما في سائر موارد تبعّض الصفقة.

وما ذكره (قدس سره) وإن كان وجيهاً إلّا أنّه لا يستقيم على إطلاقه ولعلّه (قدس سره) لا يريده أيضاً وإنّما يتّجه فيما إذا لوحظت البيوت على وجه الجزئيّة بحيث يقابل كلّ بيت بجزء من الأُجرة ، كما هو الحال في الدور المعدّة للإيجار بالإضافة إلى الزوّار ، فيصحّ التقسيط حينئذٍ لدى تخلّف البعض حسبما ذكر.

وأمّا إذا كان لحاظها على وجه الشرطيّة ، كما لعلّه الغالب في إجارة الدور المتعارفة بين الناس ، حيث تقع الإجارة بإزاء ما صدق عليه اسم الدار ، ويراعى بعنوان الاشتراط في متن العقد اتّصافها بالاشتمال على خمس غرف مثلاً كالاشتمال على السرداب أو سائر المرافق الصحّيّة ، فإنّ التخلّف في مثل ذلك لا يترتّب عليه إلّا الخيار بين الفسخ والإمضاء من أجل تخلّف الشرط ، ولا مجال حينئذٍ للتقسيط بوجه كما هو ظاهر جدّاً.

(١) وأمّا في القسم الثاني أعني : ما لا يستوجب العيب نقصاً في المنفعة ـ : فالمتعيّن حينئذٍ ما ذكره في المتن من التفصيل :

بين ما إذا كان العيب المزبور ممّا تختلف به الرغبات ، المستلزم بطبيعة الحال

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لتفاوت الأُجرة ، إذ كلّما كثرت الرغبة فلا جرم تزداد الأُجرة ، كالمثال المذكور في المتن ، حيث إنّ الدابّة السليمة أشدّ رغبة من المقطوعة المستتبع لكونها أكثر قيمة وإن كانت المنفعة المرغوبة مشتركة وعلى حدٍّ سواء. ففي مثله يثبت الخيار بعين المناط الذي يثبت في القسم السابق أعني : تخلف الشرط الضمني الارتكازي إذ لا مدخل لنقص المنفعة في هذا المناط ، فإنّ مبناه على وقوع الإجارة على العين السليمة الواجدة لجميع الصفات التي تؤثّر في الرغبة وفي القيمة عند العقلاء ، والمفروض أنّ العين فاقدة لهذا الوصف ، فقد تخلّف الشرط الارتكازي ، ونتيجته ثبوت الخيار ، من غير فرق في ذلك بين نقص المنفعة وعدمه ، إذ لم يكن المدرك لهذا الخيار دليل نفي الضرر حتى يقال باختصاصه بصورة النقص ، بل مستنده تخلّف الشرط المشترك بين الصورتين حسبما عرفت.

وبين ما إذا لم تختلف الرغبة ولم تتفاوت الأُجرة ، كما لو استأجر دابّة أو جارية للخدمة فبان أنّها عقيمة ، أو عبداً للكتابة فبان أنّه خصي ، فإنّ العقم أو الخصاء وإن كان عيباً في العين لدى الشراء ولذا تختلف الرغبة والقيمة في هذه المرحلة ، إلّا أنّ هذا العيب في مقام الإجارة غير ملتفت إليه بتاتاً ، إذ لا تأثير له بوجه في اختلاف الرغبة بالإضافة إلى المنفعة المقصودة من الإجارة أعني : الخدمة أو الكتابة فلم يتخلّف الشرط الارتكازي ، فمن ثمّ لم يثبت لأجله الخيار في الإيجار وإن ثبت في البيع بلا إشكال ، والسرّ أنّ المنتقل إليه في البيع إنّما هو العين وهي معيبة بالضرورة ، وفي الإجارة المنفعة ، والعين بلحاظ المنفعة المقصودة لا تعدّ معيبة حسبما عرفت.

وبالجملة : فالخيار يدور مدار تخلّف الشرط ، فكلّما تخلّف ثبت وإلّا فلا وإن كانت العين معيبة ، إذ لا دخل لذلك بالإجارة الواقعة على المنفعة ، كما لا مدخل لنقص المنفعة وعدمه في هذا المناط كما عرفت.

١٤٨

وكذا له الخيار إذا حدث فيها عيب بعد العقد وقبل القبض (١) ، بل بعد القبض أيضاً وإن كان استوفى بعض المنفعة ومضيّ بعض المدّة. هذا إذا كانت العين شخصيّة.

______________________________________________________

(١) لا إشكال في أنّ هذا العيب موجب للخيار في البيع ، لإطلاق الأخبار المتضمّنة لثبوته فيمن اشترى عيناً فوجد فيها عيباً ، فإنّها تشمل العيب الحادث قبل العقد وبعده. كما لا إشكال في أنّه لا يوجبه فيه فيما إذا حدث بعد القبض ، لخروج العين بالتسليم عن عهدة البائع ، وكون الغرامة حينئذٍ كالغنيمة في ملك المشتري.

فهل الإجارة أيضاً كذلك ، أو لا؟

اختار الثاني في المتن ، وأنّ الخيار يثبت بحدوث العيب مطلقاً ، سواء أكان قبل العقد أم بعده ، قبل القبض أم بعده ، حتى إذا استوفى بعض المنفعة ومضى بعض المدّة (١) ، كما لو استأجر الدار سنة فحدث فيها عيب بعد ستّة أشهر.

والظاهر أنّ ما أفاده (قدس سره) هو الصحيح. والوجه فيه : انّ العين في باب الإجارة باقية على ملك المؤجر ، والذي ينتقل إلى المستأجر إنّما هي المنافع خاصّة ، وقد عرفت أنّ متعلّق عقد الإجارة بمقتضى الشرط الضمني الارتكازي إنّما هي العين الصحيحة القابلة للانتفاع بها منفعةً مطلوبة مرغوبة ، إذ المنتقل إليه إنّما هي منفعة العين الصحيحة لا كيفما اتّفق ، وهذه المنافع وإن كان قبضها

__________________

(١) في تعليقة المحقّق النائيني (قدس سره) على المقام ما لفظه : هذه المسألة مشكلة غاية الإشكال [تعليقة النائيني على العروة الوثقى ٥ : ٣٤ (تحقيق جماعة المدرسين)]. ولم يتّضح وجهه ، بل على ما أفاده سيّدنا الأُستاذ دام ظلّه ينبغي أن يقال : إنّها واضحة غاية الوضوح.

١٤٩

وأمّا إذا كانت كلّيّة وكان الفرد المقبوض معيباً فليس له فسخ العقد (١) ، بل له مطالبة البدل. نعم ، لو تعذّر البدل كان له الخيار في أصل العقد.

______________________________________________________

بقبض نفس العين إلّا أنّها لمّا كانت تدريجيّة الحصول ولم تكن مجتمعة في الوجود فلا جرم كان وصف الصحّة ملحوظاً ومشروطاً في العين المستأجرة حدوثاً وبقاءً بمناط واحد ، فإنّ العلّة المقتضية لاعتباره حدوثاً بعينها تقتضي اعتباره بقاءً أيضاً وهي بناء العقلاء بمقتضى الشرط الارتكازي على صلاحيّة العين للانتفاع بها منفعةً صحيحة ، حيث إنّ لازمه اعتبار بقائها على صفة الصحّة إلى نهاية المدّة ، بحيث لو حدث العيب أثناءها أو بعد القبض قبل الاستيفاء فضلاً عمّا قبل القبض فقد تخلّف الشرط ، لسقوط العين عن الصلاحيّة لتلك المنفعة المطلوبة في بقيّة المدّة ، كما لو استأجر عبداً للكتابة يوماً فمرض أثناء النهار بحيث أصبحت كتابته بطيئة أو رديئة ، أو دابّة للركوب فحدث فيها عيب أثناء الطريق بحيث أوجب نقصاً في المنفعة.

وعلى الجملة : فلأجل تخلّف الشرط يثبت الخيار في جميع هذه الفروض ، ولا حاجة فيما إذا حدث قبل القبض إلى التمسّك بعموم قوله (صلّى الله عليه وآله) على ما نسب إليه : «كلّ مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه» (١) بدعوى إلحاق الإجارة بالبيع والتعدّي منه إليها ، فإنّا في غنى عن هذا التكلّف بعد تخلّف الشرط الارتكازي المزبور المستوجب للخيار حتى بعد القبض فضلاً عمّا قبله حسبما عرفت.

(١) إذ الفرد لا يصير بالتسليم متعلّقاً للعقد الواقع على الكلّي كي يجري فيه خيار العيب ، فما هو متعلّق العقد لا عيب فيه ، وما فيه العيب لم يكن متعلّقاً

__________________

(١) عوالي اللآلي ٣ : ٢١٢.

١٥٠

[٣٢٧٨] مسألة ٨ : إذا وجد المؤجر عيباً سابقاً في الأُجرة (١) ولم يكن عالماً به كان له فسخ العقد وله الرضا به ، وهل له مطالبة الأرش معه؟ لا يبعد ذلك (*) ، بل ربّما يدّعى عدم الخلاف فيه ، لكن هذا إذا لم تكن الأُجرة منفعة عين ، وإلّا فلا أرش فيه مثل ما مرّ في المسألة السابقة من كون العين المستأجرة معيبة. هذا إذا كانت الأُجرة عيناً شخصيّة. وأمّا إذا كانت كلّيّة فله مطالبة البدل لا فسخ أصل العقد ، إلّا مع تعذّر البدل على حذو ما مرّ في المسألة السابقة.

______________________________________________________

للعقد ، فلا مقتضي لثبوت الخيار بوجه ، بل غايته الامتناع عن القبول ومطالبة البدل ، أي الفرد الصحيح الذي وقع العقد عليه بمقتضى الشرط الارتكازي ، وإلّا فبمجرّد الدفع المزبور لم يتخلّف الشرط لكي يثبت الخيار. نعم ، لو تعذّر البدل يثبت الخيار من أجل تعذّر التسليم ، وذاك أمر آخر.

(١) قسّم (قدس سره) العيب السابق في الأُجرة أيضاً إلى صور :

إذ قد تكون الأُجرة منفعة ، وحكمه ما مرّ في وجدان العيب في العين المستأجرة من ثبوت الخيار فقط دون الأرش ، لوحدة المناط كما هو واضح.

واخرى : تكون عيناً كلّيّة وقد سلّمه الفرد المعيب ، ولا خيار هنا من أصله فضلاً عن الأرش ، إذ ما فيه العيب لم يتعلّق به العقد ، وما تعلّق به لا عيب فيه. نعم ، له المطالبة بالبدل ، فإن تعذّر ثبت الخيار من جهة تعذّر التسليم كما تقدّم.

وثالثة : تكون عيناً شخصيّة ، وقد اختار الماتن الخيار والأرش معاً كما لعلّه المشهور.

__________________

(*) فيه إشكال.

١٥١

[٣٢٧٩] مسألة ٩ : إذا أفلس المستأجر بالأُجرة كان للمؤجّر الخيار بين الفسخ واسترداد العين وبين الضرب مع الغرماء (١) ، نظير ما إذا أفلس المشتري بالثمن حيث إنّ للبائع الخيار إذا وجد عين ماله.

______________________________________________________

أمّا الخيار : ففي محلّه ، نظراً إلى تخلّف الشرط الارتكازي على ما سبق.

وأمّا الأرش : فقد عرفت أنّه يثبت بالمطالبة لا بنفس العقد ، فهو حكم مخالف للقاعدة ثبت بدليل خاصّ يقتصر على مورده وهو البيع المتضمّن لنقل العين ، ولا يعمّ نقل المنفعة ، ولأجله لا يتعدّى إلى الإجارة.

إنّما الكلام في أنّه هل يتعدّى إلى مطلق نقل الأعيان ولو في ضمن غير البيع كما في المقام ، حيث إنّ الأُجرة عين خارجيّة معيبة بدعوى إلغاء خصوصيّة المورد وأنّ موضوع الأرش كلّ عين معيبة منقولة بعوض ، كما لعلّ المشهور فهموا ذلك؟

أو أنّه يقتصر في الحكم المخالف للقاعدة على مورد النصّ وهو البيع كما اختاره بعضهم.

وحيث إنّه لا إجماع في البين على التعدّي كما لا دليل عليه تركن النفس إليه إذن فالتعدّي مشكل جدّاً.

(١) لا إشكال كما لا خلاف في ثبوت هذا الخيار فيما إذا كانت العين الموجودة عند المفلس منتقلة إليه ببيع أو صلح (١) ونحوهما ، وقد دلّت عليه جملة من الأخبار وبعضها نقيّ السند.

__________________

(١) ولا تلحق بهما الهبة المعوّضة ، لعدم اشتغال الذمّة بالعوض كي يكون مديناً للواهب فيضرب مع الغرماء ، ومن ثمّ لو مات قبل أن يهب العوض لا يخرج عن تركته وإنّما هو تكليف محض.

١٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وهل يجري هذا الحكم في العين المستأجرة التي أفلس المستأجر بالأُجرة واشتغلت ذمّته بها كسائر ديونه فيتخيّر المؤجر بين الفسخ والضرب مع الغرماء؟

الظاهر أنّه لم ينقل الخلاف في المسألة في الإلحاق وأنّه لا خصوصيّة للبيع وإن كان هو مورداً لجملة من الأخبار ، حيث لم يفهم الأصحاب خصوصيّة له ، بل العبرة بوجود عين المال عنده ، سواء أكان بعنوان البيع أم الإجارة أو غيرهما.

ولا يخفى أنّا لو كنّا نحن والروايات المختصّة بالبيع لأشكل التعدّي عن موردها بعد جهلنا بمناطات الأحكام الواقعيّة وملاكاتها النفس الأمريّة ، ومن الجائز وجود خصوصيّة في البيع غير منسحبة إلى غيره ، ولم ينهض دليل على التعدّي ما عدا دعوى عدم الخلاف في المسألة ، التي من المعلوم عدم بلوغها حدّ الإجماع التعبّدي بحيث يقطع معه بالحكم الشرعي.

ولكن يمكن أن يقال باستفادة الحكم من نفس الأخبار ، ولعلّ المشهور أيضاً استندوا إليها لا أنّهم عوّلوا على التعبّد المحض أو الدعوى المجرّدة ، وهي صحيحة عمر بن يزيد عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه «قال : لا يحاصه الغرماء» (١).

فإنّ دعوى شمولها للمقام غير بعيدة باعتبار أنّ وجدان المتاع عنده مطلق يشمل ما لو كان ذلك بعنوان البيع أو الإجارة ، وكونه مالكاً لمنافعه لا لعينه ، إذ لم يتقيّد ذلك بصورة البيع.

إذن فلا بأس بالتعدّي استناداً إلى هذه الصحيحة ، التي إطلاقها غير قاصر الشمول للمقام ، مضافاً إلى عدم الخلاف في المسألة كما عرفت.

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٤١٥ / كتاب الحجر ب ٥ ح ٢.

١٥٣

[٣٢٨٠] مسألة ١٠ : إذا تبيّن غبن المؤجر أو المستأجر فله الخيار إذا لم يكن عالماً به حال العقد (١) ، إلّا إذا اشترطا سقوطه في ضمن العقد.

[٣٢٨١] مسألة ١١ : ليس في الإجارة خيار المجلس ولا خيار الحيوان ، بل ولا خيار التأخير على الوجه المذكور في البيع (٢) ، ويجري فيها خيار

______________________________________________________

(١) لا لأجل الإجماع كي يعترض بأنّ كثيراً من الأصحاب أهملوا ذكره في المقام.

ولا لحديث نفي الضرر ، إذ لا يثبت به الخيار كما ذكرناه مبسوطاً في مبحث خيار الغبن (١) ، ومرّت الإشارة إليه قريباً (٢).

بل لأجل تخلّف الشرط الضمني الارتكازي ، نظراً إلى استقرار بناء العقلاء لدى التصدّي للمعاملات والمعاوضات من غير فرق بين الأعيان والمنافع على المبادلة في ذوات الأشخاص مع المحافظة على أُصول الأموال كشرط ارتكازي مبنيّ عليه العقد بحيث أغنى وضوحه عن التصريح به في متنه ، فلدى ظهور الغبن من أيّ من الطرفين فقد تخلّف الشرط طبعاً ، فلا جرم يتدارك بثبوت الخيار.

وبالجملة : فخيار الغبن مطابق لمقتضى القاعدة وحكم مطّرد في كافّة المعاملات بلا حاجة إلى التشبّث بذيل الإجماع أو أيّ دليل آخر.

(٢) توضيح المقام : أنّ الخيار الثابت في البيع قد يستند إلى التعبّد الشرعي من غير إناطة بجعل المتعاملين ، وأُخرى من أجل أنّه مقتضى الشرط الضمني

__________________

(١) مصباح الفقاهة ٦ : ٣٠٣ وما بعدها.

(٢) في ص ١٤٤.

١٥٤

الشرط حتى للأجنبي وخيار العيب والغبن كما ذكرنا ، بل يجري فيها سائر الخيارات ، كخيار الاشتراط وتبعض الصفقة وتعذّر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ،

______________________________________________________

الارتكازي المبنيّ عليه العقد الذي لا يختصّ مناطه بعقد دون عقد ، أو أنّه ثبت بدليل آخر يشمل مفاده البيع وغيره.

ففي القسم الأوّل : يختصّ الخيار بمورد التعبّد وهو البيع ، ولا مقتضي للتعدّي إلى غيره من إجارة ونحوها ، وهذا كما في خياري المجلس والحيوان ، حيث إنّ الدليل المتكفّل لإثباتهما خاصّ بالبيع ، بل وكذا خيار التأخير ، نظراً إلى أنّ التأخير في تسليم الثمن بل مطلق العوض عن الوقت المتعارف تسليمه فيه لمّا كان تخلّفاً عن الشرط الضمني الارتكازي المبني عليه العقد ، حيث إنّ بناء العقلاء في باب المعاوضات قائم على التمليك إلى الطرف الآخر مشروطاً بتسليم كلّ منهما ما انتقل عنه بإزاء تسلّم المنتقل إليه بمثابةٍ يعدّ ذلك كمتمّم للعقد في نظرهم ، فلا جرم يثبت به خيار تخلّف الشرط ، فالخيار بهذا المقدار ثابت في كافّة العقود بمقتضى القاعدة.

إلّا أنّ خيار التأخير الثابت في البيع الذي هو في الحقيقة قسم من هذا الخيار أضيق دائرةً من ذلك ، حيث إنّه محدود بثلاثة أيّام ، فلا خيار إلّا بعد انقضائها. وهذا كما ترى حكم على خلاف القاعدة يقتصر على مورد قيام النصّ وهو البيع ولا يتعدّى إلى غيره.

وبالجملة : ففي كلّ مورد ثبت الخيار بالتعبّد اختصّ بمورده ولا يتعدّى عنه.

وأمّا في القسم الثاني : فيجري في البيع وغيره ، للاشتراك في المناط الذي من أجله ثبت الخيار في البيع ، كما لو استندنا في ثبوت خيار الغبن إلى دليل نفي

١٥٥

وما يفسد ليومه (*) (١) وخيار شرط ردّ العوض نظير شرط ردّ الثمن في البيع.

______________________________________________________

الضرر ، فإنّ هذا وإن كان ممنوعاً لدينا كما سبق (١) إلّا أنّا لو فرضنا كون اللزوم ضرريّاً في مورد كما ستعرف ومن أجله ثبت الخيار ، فهذا الملاك عام يشمل البيع وغيره.

وكما في تخلّف الشرط الضمني الارتكازي الذي تبتني عليه جملة من الخيارات ، كخيار الغبن على الأصحّ والعيب وتبعّض الصفقة والشركة وغيرها ، أو تخلّف الشرط الصريح في متن العقد كخيار الاشتراط ، أي تخلّف الوصف المشروط ككون العبد كاتباً ، أو خيار الشرط ، أي جعل الخيار لأحدهما أو للأجنبي ، حيث إنّ الخيار في جميع ذلك مستند إلى عموم دليل نفوذ الشرط.

والضابط في المقام : أنّ في كلّ مورد ثبت الخيار بدليل عام كدليل نفي الضرر أو دليل نفوذ الشرط جرى في البيع وغيره ، وفي كلّ مورد ثبت بالتعبّد اقتصر على مورده حسبما عرفت.

(١) إن كان المستند في هذا الخيار هو النصّ الخاصّ الوارد فيه كان حاله حال ما تقدّم من خيار المجلس والحيوان في لزوم الاقتصار على مورده وعدم التعدّي إلى الإجارة ، فلا خيار فيما لو جعل الأُجرة عيناً شخصيّة تفسد ليومها كبطّيخة ونحوها من الخضروات وغيرها.

__________________

(*) في جريان الخيار فيه إشكال.

(١) في ص ١٤٤.

١٥٦

[٣٢٨٢] مسألة ١٢ : إذا آجر عبده أو داره مثلاً ثمّ باعه من المستأجر لم تبطل الإجارة (١) ، فيكون للمشتري منفعة العبد مثلاً من جهة الإجارة قبل انقضاء مدّتها لا من جهة تبعيّة العين ، ولو فسخت الإجارة رجعت إلى البائع ، ولو مات بعد القبض رجع المشتري المستأجر على البائع بما يقابل بقيّة المدّة من الأُجرة وإن كان تلف العين عليه ، والله العالم.

______________________________________________________

وأمّا إذا كان المستند دليل نفي الضرر كما ذكره الشيخ (قدس سره) في المكاسب (١) ، فحينئذٍ يجري في الإجارة أيضاً ، بناءً على القول بعدم اختصاص قاعدة التلف قبل القبض بالبيع ، بدعوى أنّ موردها وإن كان هو البيع إلّا أنّه لا خصوصيّة له ، بل تطّرد في كلّ ما يوجب انتقال المال ، فإنّ متمّم التمليك هو القبض والتسليم الخارجي ، فما لم يقبض يكون ضمانه على من عنده المال.

فإنّ هذا المبنى وإن كان محلّ كلام وإشكال إلّا أنّه بناءً عليه يثبت الخيار في المقام أيضاً ، نظراً إلى نشوء الضرر حينئذٍ من لزوم العقد لا من أصله كما في خيار الغبن ، فلو استأجر الدابّة ببطّيخة شخصيّة مثلاً وقد بقيت عنده إلى الليل ولم يجي‌ء المؤجر ليتسلّمها ، فبما أنّ تلفها عليه أي على المستأجر حسب الفرض ، وقد نشأ هذا الضرر من لزوم العقد فيرتفع بدليل نفي الضرر ، ونتيجته ثبوت الخيار كما في البيع بمناط واحد.

(١) بل يملك المشتري المنفعة بالإجارة كما أنّه يملك العين المجرّدة عنها بالبيع ، ويترتّب على ذلك أمران :

__________________

(١) المكاسب ٥ : ٢٤١.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : أنّ الإجارة لو انفسخت بسببٍ ما رجعت المنفعة إلى البائع ، ولا تكون وقتئذٍ تابعة للعين ، لأنّها كانت مملوكة له.

الثاني : أنّ العين المذكورة لو تلفت بعد القبض فبالنسبة إلى البيع لا انفساخ ، لكون التلف بعد القبض. وأمّا بالإضافة إلى الإجارة فهي لا محالة تنفسخ في بقيّة المدّة ، ولازمه أنّ المستأجر وهو المشتري يرجع إلى المؤجر في بقيّة المنفعة وله خيار التبعّض بالإضافة إلى ما مضى.

وقد تقدّم البحث حول هذه المسألة بنطاق واسع ومرّ منّا ما يناسب المقام ، فراجع ولاحظ (١).

__________________

(١) في ص ١١١ ـ ١٢٨.

١٥٨

فصل [في أحكام العوضين] يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان ، والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد (١) من غير توقّف على شي‌ء كما هو مقتضى سببيّة العقود ، كما أنّ المؤجر يملك الأُجرة ملكيّة متزلزلة (*) به كذلك ، ولكن لا يستحقّ المؤجر مطالبة الأُجرة إلّا بتسليم العين أو العمل ، كما لا يستحقّ المستأجر مطالبتهما إلّا بتسليم الأُجرة كما هو مقتضى المعاوضة ، وتستقر ملكيّة الأُجرة باستيفاء المنفعة أو العمل أو ما بحكمه ، فأصل الملكيّة للطرفين موقوف على تماميّة العقد ، وجواز المطالبة موقوف على التسليم ،

______________________________________________________

(١) تقدّم أنّ الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ بالفسخ من أيّ من الجانبين ما لم يكن هناك موجب للخيار.

ونتيجة ذلك : أنّ المستأجر يملك المنافع أو العمل المستأجر عليه ملكيّة فعليّة من غير توقّف على أيّ شي‌ء ، فإنّ العقد بنفسه سبب أي موضوع ـ

__________________

(*) لا فرق في ملكيّة الأُجرة وملكيّة المنفعة في أنّ كلتيهما مستقرّة من جهة العقد ومتزلزلة من جهة احتمال الانفساخ.

١٥٩

واستقرار ملكيّة الأُجرة موقوف على استيفاء المنفعة أو إتمام العمل أو ما بحكمهما ، فلو حصل مانع عن الاستيفاء أو عن العمل تنفسخ الإجارة كما سيأتي تفصيله.

______________________________________________________

للملكيّة بمقتضى قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، وكذا الأدلّة الخاصّة الواردة في الإجارة ، كما أنّ المؤجر أيضاً يملك الأُجرة بنفس العقد من غير إناطة بأيّ شي‌ء.

هذا ، وقد ذكر الماتن (قدس سره) هاهنا أمرين :

أحدهما : أنّ الملكيّة وإن كانت قد تحقّقت لكلّ من الطرفين بنفس العقد كما عرفت ، إلّا أنّه لا يجب على أيّ منهما التسليم إلّا في ظرف تسليم الآخر ، كما أنّه ما لم يسلّم ما عليه ليس له مطالبة الآخر بالعوض. وهذا واضح ، لاعتبار التسليم من الجانبين في كافّة العقود المعاوضيّة ومنها الإجارة بمقتضى الشرط الضمني الارتكازي ، بل أنّ مفهوم المعاوضة المعبّر عنها بالفارسيّة ب : (داد وستد) أي الأخذ والإعطاء متقوّم بذلك ، أي بالاقتران بالتسليم والتسلّم الخارجي ، ولا يكفي فيها مجرّد التمليك والتملّك العاريّين عن القبض والإقباض. إذن فليس لأحدهما مع امتناعه عن التسليم مطالبة الآخر. وهذا ظاهر لا غبار عليه.

ثانيهما : أنّ الملكيّة في طرف الأُجرة ملكيّة متزلزلة يتوقّف استقرارها على استيفاء المنفعة ، أو مضيّ زمان يمكن فيه الاستيفاء. ثمّ ذكر (قدس سره) في توجيه ذلك : أنّه إذا وجد بعدئذٍ مانع عن استيفاء المنفعة أو عن العمل خارجاً

__________________

(١) المائدة ٥ : ١.

١٦٠