موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

منها : اجتماع الثمن والأُجرة عليه حينئذٍ (١).

ومنها : بقاء ملكه للمنفعة في مدّة تلك الإجارة لو فسخ البيع (٢) بأحد أسبابه ، بخلاف ما لو قيل بانفساخ الإجارة.

ومنها : إرث الزوجة من المنفعة في تلك المدّة (٣) لو مات الزوج المستأجر بعد شرائه لتلك العين وإن كانت ممّا لا ترث الزوجة منه ، بخلاف ما لو قيل بالانفساخ بمجرّد البيع.

______________________________________________________

بسبب سابق على البيع وهو الإجارة ، فلا جرم يكون المنتقل إليه بسبب البيع العين المجرّدة ، فلا تتبدّل الملكيّة بملكيّة اخرى ، وإنّما هي ملكيّة واحدة متعلّقة بالمنفعة على النهج الذي عرفت. إذن لا موجب لبطلان الإجارة ، بل تبقى على حالها.

(١) فيلزمه دفع الثمن بإزاء العين والأُجرة بإزاء المنفعة إلى البائع الذي هو المؤجر أيضاً ، بخلاف ما لو قلنا بالانفساخ ، فإنّه ليس عليه إلّا دفع الثمن ، أمّا الأُجرة فهو يرجع بها على المؤجر ويستردّها منه من زمن الانفساخ وهو زمان وقوع البيع.

(٢) لأنّ كلّاً من الإجارة والبيع عقد مستقلّ ، فانفساخ أحدهما لا يسري إلى الآخر بوجه ، ولكلٍّ حكمه كما هو واضح أيضاً كسابقه.

(٣) إذ عدم إرثها من الأراضي لا يمنع من إرث المنفعة لو كانت مملوكة بالأصالة بسبب الإجارة بعد أن كانت هي بنفسها مالاً مستقلا قد تركه الميّت ، وإنّما هي تمنع عن إرث المنفعة التي كانت مملوكة للمورث بالتبعيّة للعين ، فإنّها بعد أن لم ترث العين فبطبيعة الحال لا ترث المنفعة التي هي تابعة لها ، فعلى الانفساخ لا ترث المنفعة ، وعلى عدمه ترث حسبما عرفت.

١٢١

ومنها : رجوع المشتري بالأُجرة لو تلفت العين بعد قبضها وقبل انقضاء مدّة الإجارة (١) ، فإنّ تعذّر استيفاء المنفعة يكشف عن بطلان الإجارة ويوجب الرجوع بالعوض وإن كان تلف العين عليه.

[٣٢٧٢] مسألة ٢ : لو وقع البيع والإجارة في زمان واحد (٢) ، كما لو باع العين مالكها على شخص وآجرها وكيله على شخص آخر واتّفق وقوعهما في زمان واحد ، فهل يصحّان معاً ويملكها المشتري مسلوبة المنفعة كما لو سبقت الإجارة ، أو يبطلان معاً للتزاحم في ملكيّة المنفعة ، أو يبطلان معاً بالنسبة إلى تمليك المنفعة فيصحّ البيع على أنّها مسلوبة المنفعة تلك المدّة فتبقى المنفعة على ملك البائع؟ وجوه ، أقواها الأوّل ، لعدم التزاحم ،

______________________________________________________

(١) أمّا العين فلأجل كونها تالفة بعد القبض فهي مضمونة على المشتري.

وأمّا المنفعة فالإجارة بالإضافة إلى منافع ما بعد التلف منفسخة ، لكشفه عن عدم كون المؤجر مالكاً لها ليملكها وإن كانت صحيحة بالإضافة إلى ما مضى. إذن يثبت للمستأجر خيار التبعيض فله الإمضاء والتقسيط ، فيستردّ من الأُجرة ما بإزاء الباقي وله الفسخ واسترداد تمام الأُجرة ، ويضمن للمؤجّر اجرة المثل لما مضى.

وأمّا على القول بالانفساخ فالإجارة منفسخة من حين البيع ، ويستردّ الأُجرة من المؤجر كما علم ذلك من الثمرة الاولى.

ومن المعلوم أنّ تلف المنافع التابعة للعين مضمونة على المشتري كنفس العين فلا يرجع بشي‌ء منها إلى البائع كما هو واضح.

(٢) مفروض الكلام بيع العين على ما هي عليه ، أي بمنافعها ، أمّا بيعها

١٢٢

فإنّ البائع لا يملك المنفعة ، وإنّما يملك العين ، وملكيّة العين توجب ملكيّة المنفعة ، للتبعيّة ، وهي متأخّرة عن الإجارة.

______________________________________________________

مسلوبة المنفعة فلا إشكال فيه وهو خارج عن محلّ الكلام.

والمحتملات في المسألة ثلاثة حسبما أشار إليها في المتن :

صحّتهما معاً ، فينتقل المبيع إلى المشتري مسلوب المنفعة ، غايته ثبوت الخيار للمشتري ، لمكان تخلّف الوصف ، كما إذا كانت الإجارة سابقة.

وبطلانهما معاً ، نظراً إلى التزاحم المانع عن صحّتهما معاً ، وترجيح أحدهما بلا مرجّح ، كما هو الحال فيما لو باعه من شخص وباعه وكيله من شخص آخر في نفس الوقت.

وبطلانهما في خصوص تمليك المنفعة ، باعتبار أنّ هذا هو مورد المزاحمة فتعود المنفعة إلى البائع ويصحّ البيع مسلوب المنفعة في تلك المدّة.

أقول : أمّا القول ببطلانهما معاً فهو المتعيّن لو لم يتمّ أحد القولين الآخرين بحيث استقرّت المزاحمة بين العقدين ، وإلّا فلا تصل النوبة إلى التزاحم ليلتزم بالبطلان فيهما.

وأمّا القول الأوّل الذي اختاره الماتن فقد ذكر في وجهه : أنّ شأن البيع تمليك العين ، كما أنّ شأن الإجارة تمليك المنفعة ، فهما في عرض واحد ولا تزاحم بينهما بما هما كذلك ، وإنّما تنشأ المزاحمة من تمليك المنفعة المتحقّق في مورد البيع أيضاً ، وحيث إنّه بمناط التبعيّة فلا جرم كان في مرتبة متأخّرة من تمليك العين ، فإذا كان كذلك فبطبيعة الحال تؤثّر الإجارة الواقعة في مرتبة تمليك العين وفي عرض البيع أثرها ، ولا تبقي مجالاً للملكيّة التبعيّة الواقعة في مرتبة متأخّرة ، فإنّها إنّما تؤثّر فيها إذا كان البائع مالكاً للمنفعة ، والمفروض خروجها بالإجارة الواقعة في مرتبة سابقة ، المعدمة لموضوع التبعيّة.

١٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة اخرى : المنافع إنّما تكون تابعة للعين فيما إذا لم تكن منتقلة إلى الغير قبل ذلك ، وقد انتقلت في رتبة سابقة بسبب سليم وقتئذٍ عن المزاحم ، وهو الإجارة ، فلا يبقى بعد هذا مجال للانتقال إلى المشتري ، لانتفاء الموضوع وانعدامه.

هذا محصّل كلامه وتوضيح مرامه زيد في علوّ مقامه. ولكنّه لا يمكن المساعدة عليه بوجه :

أمّا أوّلاً : فلما هو المحقّق في محلّه من أنّ التقدّم والتأخّر بأقسامهما من الزماني والرتبي ونحوهما لا بدّ وأن يكون بملاك ، ولا يكون جزافاً ، فأحد البديلين إذا كان مقدّماً على ثالث بمناطٍ كالعلّيّة مثلاً لا يلزمه تقدّم البديل الآخر أيضاً عليه بعد كونه فاقداً لذاك المناط.

نعم ، في التقدّم الزماني يشترك البديلان في المناط بطبيعة الحال ، فكما أنّ الجدّ مقدّم على الولد بحسب عمود الزمان ، فكذا كلّ من قارن الجدّ في الزمان كأخيه مثلاً فإنّه أيضاً مقدّم على الولد زماناً ، للاشتراك مع الجدّ في ملاك التقدّم كما هو واضح.

وأمّا إذا لم يكونا مشتركين في الملاك فمجرّد كونهما بديلين وفي عرض واحد لأجل عدم وجود سبب لتقدّم أحدهما على الآخر فكانا طبعاً في مرتبة واحدة لا يستوجب الاشتراك في التقدّم على ثالث فيما إذا كان أحدهما واجداً لملاك التقدّم دون الآخر ، فتقدّم النار مثلاً على الحرارة في المرتبة بمناط العلّيّة لا يستدعي تقدّم ما في مرتبة العلّة كالتراب حيث إنّ التراب والنار في عرض واحد ومرتبة واحدة بعد أن لم يكن مقتضٍ لتقدّم أحدهما على الآخر على الحرارة أيضاً بعد أن كان فاقداً لمناط التقدّم ، بل التراب كما أنّه في عرض النار كذلك هو في عرض الحرارة وفي مرتبة واحدة.

وعلى الجملة : يحتاج الحكم بالتقدّم والتأخّر إلى مناط وملاك ، فليس كلّ

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

شيئين قد تقدّم أحدهما على ثالث لجهةٍ من الجهات يحكم بتقدّم الآخر عليه أيضاً بعد أن كان فاقداً لتلك الجهة والعلّة كما هو ظاهر إجمالاً وموضح في محلّه تفصيلاً. إذن فدعوى أنّ تأخر تمليك المنفعة عن تمليك العين لأجل التبعيّة يستلزم تأخّره عن الإجارة الواقعة في مرتبة البيع ساقطة ، بل هما في مرتبة واحدة بعد وضوح اختصاص مناط التأخّر بالأوّل وعدم سريانه في الثاني.

وأمّا ثانياً : فلأنا لو سلّمنا تأخّره عن الإجارة في المرتبة فلا يكاد ينفع في دفع المزاحمة ، حيث إنّها منوطة بتقارن العقدين زماناً واجتماعهما خارجاً في آن واحد ، سواء أكان بينهما سبق ولحوق رتبي أم لا ، فإنّ ذلك إنّما ينفع ويترتّب عليه الأثر في الفلسفة والأُمور العقليّة ، وأمّا الأحكام الشرعيّة فهي متوقّفة على وجود موضوعاتها خارجاً ، والمفروض وقوع البيع والإجارة في آنٍ واحد ، ففي الزمان الذي يحكم فيه بملكيّة المنفعة للمستأجر بمقتضى الإجارة يحكم فيه أيضاً بملكيّتها للمشتري بتبع ملكيّته للعين بمقتضى البيع ، وحيث يمتنع الجمع فلا جرم يتزاحمان ، وحديث التقدّم الرتبي لا يكاد يجدي في حلّ هذه المشكلة ورفع المعضلة شيئاً.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر لك : أنّ المتعيّن إنّما هو اختيار الوجه الثالث ، لتزاحم العقدين في تمليك المنفعة ، فيتساقطان بالإضافة إلى هذا الأثر بعد امتناع الجمع وبطلان الترجيح من غير مرجّح ، فبطبيعة الحال تكون المنفعة في مدّة الإجارة باقية في ملك البائع ، لعدم المخرج بعد الابتلاء بالمزاحم ، وأمّا تمليك العين المجرّدة عن المنفعة فلا مزاحم له ، ومن ثمّ يحكم بصحّة بيعها وانتقالها إلى المشتري مسلوبة المنفعة ، غايته ثبوت الخيار للمشتري لأجل هذا النقص ، فلا تصل النوبة إلى مزاحمة الإجارة للبيع كي يحكم بفسادهما ، وإنّما التزاحم في تمليك المنفعة دون العين ، ونتيجته ما عرفت من صحّة البيع بالنسبة إلى العين فقط وبطلان الإجارة.

١٢٥

[٣٢٧٣] مسألة ٣ : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر على الأقوى (١).

______________________________________________________

(١) نسب إلى المشهور بين القدماء بطلان الإجارة بالموت مطلقاً ، ونسب إلى جماعة بطلانها بموت المستأجر دون المؤجر.

ولم يعرف مستند لشي‌ء من هذين القولين سيّما الثاني منهما ، فإنّ مقتضى القاعدة مع الغضّ عن النصّ : ملكيّة كلّ من المؤجر والمستأجر لما انتقل إليه إزاء ما انتقل عنه ملكيّة مطلقة غير مقيّدة بحياته ، فإذا مات انتقل إلى وارثه ، فالحكم بالبطلان بالموت يحتاج إلى الدليل ، ولا دليل ، بل مقتضى الإطلاق في أدلّة صحّة العقود ولزومها الاستمرار إلى ما بعد الموت.

وأمّا بحسب النصّ فبالنسبة إلى موت المستأجر لم يرد أيّ نصّ ولو ضعيفاً يدلّ عليه ، فتفصيل بعضهم بالبطلان بموته دون موت المؤجر لم يتّضح وجهه ، وهو أعرف بما قال.

وأمّا بالنسبة إلى موت المؤجر فقد وردت رواية واحدة بطرق عديدة قد يقال بدلالتها على البطلان بموته ، وإن ذكر بعضهم أيضاً أنّها صريحة الدلالة على الصحّة.

وهي ما رواه الكليني بطريقيه عن إبراهيم بن محمّد الهمداني ، قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تعطي الإجارة (الأُجرة خ ل) في كلّ سنة عند انقضائها ، لا يقدّم لها شي‌ء من الإجارة (الأُجرة خ ل) ما لم يمض الوقت ، فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها ، هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت ، أم تكون الإجارة

١٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

منقضية بموت المرأة؟ فكتب : «إن كان لها وقت مسمّى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة ، فإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئاً منه فتعطي ورثتها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله» (١).

ورواها الشيخ عنه أيضاً تارةً ، وعن الأبهري أُخرى.

والكلام فيها يقع من حيث السند تارةً ، ومن ناحية الدلالة اخرى :

أمّا من حيث السند : فالظاهر أنّها ضعيفة بشتّى طرقها :

أمّا طريق الشيخ : فالمذكور في الوسائل في كلا طريقيه محمّد بن علي بن محبوب وهو سهو من قلمه الشريف ، وصحيحه محمّد بن أحمد بن يحيى كما في التهذيب.

والطريق صحيح إلى أحمد بن إسحاق الأبهري ، أمّا هو فمجهول لم يرد فيه مدح ولا قدح ، وله روايتان في مجموع الكتب الأربعة : هذه إحداهما ، والأُخرى رواية مضمرة.

نعم ، من الجائز أن تكون النسخ كلّها مغلوطة وصحيحها : أحمد بن إسحاق الأشعري ، بدل : أحمد بن إسحاق الأبهري ، فإن كان الأمر كذلك فالرواية لا بأس بها حينئذٍ ، لكنّه مجرّد احتمال غير مصحوب بدليل أو قرينة تشهد عليه.

وأمّا الطريق الآخر للشيخ وكذا طريق الكليني فهو أيضاً ضعيف بإبراهيم ابن محمّد الهمداني ، حيث لم يرد فيه مدح ولا توثيق.

فهي إذن ضعيفة بطرقها لا يعوّل عليها ، سواء أدلّت على الفساد أم لا.

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٣٦ / كتاب الإجارة ب ٢٥ ح ١ ، الكافي ٥ : ٢٧٠ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٢٠٧ / ٩١٢ و ٢٠٨ / ٩١٣.

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الدلالة : فمبنيّة على تفسير المراد من قوله : «فلورثتها تلك الإجارة» وأنّ الظاهر من هذه العبارة هل هو الانفساخ من حين الموت وأنّ زمام أمر الإجارة بعدئذٍ بيد الورثة فلهم أن يؤاجروا أو لا يؤاجروا؟

وأمّا الدلالة : فمبنيّة على تفسير المراد من قوله : «فلورثتها تلك الإجارة» وأنّ الظاهر من هذه العبارة هل هو الانفساخ من حين الموت وأنّ زمام أمر الإجارة بعدئذٍ بيد الورثة فلهم أن يؤاجروا أو لا يؤاجروا؟

أو أنّ المراد انتقال الأمر من المرأة إلى ورثتها وقيامهم مقامها في استحقاق الأُجرة المسمّاة وتسلّمها من المستأجر ، فتدلّ حينئذٍ على صحّة الإجارة وعدم بطلانها بموت المؤجر كما ادّعاه جماعة؟

وكيفما كان ، فلا يهمّنا البحث حول ذلك ، فإنّه قليل الجدوى بعد ضعف السند المانع عن التعويل عليها ، على أنّ الدلالة غير خالية عن المناقشة كما لا يخفى.

فالصحيح أنّ الإجارة لا تبطل لا بموت المؤجر ولا المستأجر ، بل هي محكومة بالصحّة بمقتضى القاعدة حسبما عرفت.

هذا كلّه فيما إذا كان المؤجر مالكاً للمنفعة ملكيّة مرسلة مطلقة شاملة لما بعد الموت أيضاً ، حيث إنّ من ملك شيئاً فقد ملك منافعه مؤبّداً كنفس العين من غير توقيت بزمان خاصّ ، فإذا استوفى المنفعة بتمليكها إلى الغير فلا جرم تنتقل إليه مؤبّداً أيضاً.

وأمّا إذا كانت الملكيّة محدودة ومؤقّتة بزمان الحياة ، كما في العين الموقوفة على البطون ، فهذا ما تعرّض له الماتن (قدس سره) بقوله : نعم ، في إجارة العين الموقوفة ، إلخ.

١٢٨

نعم ، في إجارة العين الموقوفة إذا آجر البطن السابق تبطل بموته بعد الانتقال إلى البطن اللاحق ، لأنّ الملكيّة محدودة (١) ، ومثله ما لو كانت المنفعة موصى بها للمؤجّر ما دام حيّاً (٢) ، بخلاف ما إذا كان المؤجر هو المتولّي للوقف وآجر لمصلحة البطون إلى مدّة ، فإنّها لا تبطل بموته ولا بموت البطن الموجود حال الإجارة (٣) ،

______________________________________________________

(١) فإنّ ملكيّة كلّ بطن للعين المذكورة محدودة بحياته كملكيّة منافعها ، فالإجارة في مثلها تبطل بالموت لا محالة ، لانتهاء أمد الملكيّة ، فلو آجر البطن السابق بطلت الإجارة بموته والانتقال إلى البطن اللاحق ، بمعنى : أنّ الإجارة تعدّ بقاءً من الإجارة الفضوليّة ، فيتوقّف نفوذها على إجازة البطن اللاحق ، فالمراد من البطلان هنا هو المراد من بطلان البيع الفضولي ، أي التوقّف على الإجازة.

(٢) حيث إنّه ينكشف بالموت عدم كونه بعدئذٍ مالكاً للمنفعة ، فلا جرم تبطل الإجارة بقاءً ، أي تتوقّف على إجازة من بيده الإجازة كما عرفت.

(٣) أمّا عدم البطلان بموت البطن الموجود فظاهر ، لوقوع الإجارة بين المؤجر وهو المتولّي وبين المستأجر ، والبطن الموقوف عليه أجنبي عن هذا العقد القائم بين ذينك الطرفين ، فلا موجب لبطلان العقد بموت من هو أجنبي عنه.

وأمّا عدمه بموت المتولّي فكذلك ، نظراً إلى أنّ ولايته وإن كانت محدودة بزمان حياته ، وتنتقل بموته إلى شخص آخر لا محالة ، إلّا أنّ متعلّق هذه الولاية غير متقيّد بزمان خاصّ ، فكما يسوغ له بيع العين الموقوفة إذا اقتضته المصلحة وتبديلها بعين أُخرى ، أو الصرف على الموقوف عليهم ، فكذا له الإجارة مدّة طويلة ، فكلّما تحقّقت المصلحة ثبتت الولاية من غير فرق بين نقل العين

١٢٩

وكذا تبطل إذا آجر نفسه (*) للعمل بنفسه (١) من خدمة أو غيرها ، فإنّه إذا مات لا يبقى محلّ للإجارة ، وكذا إذا مات المستأجر الذي هو محلّ العمل من خدمة أو عمل آخر متعلّق به بنفسه ، ولو جعل العمل في ذمّته لا تبطل الإجارة بموته ، بل يستوفي من تركته ، وكذا بالنسبة إلى المستأجر إذا لم يكن محلّاً للعمل ، بل كان مالكاً له على المؤجر ، كما إذا آجره للخدمة من غير تقييد بكونها له ، فإنّه إذا مات تنتقل إلى وارثه ، فهم يملكون عليه ذلك العمل ،

______________________________________________________

أو المنفعة في مدّة قصيرة أو طويلة. فإذا كان تصرّفه سائغاً ونافذاً لم يكن أيّ موجب للبطلان بموته كما هو واضح.

(١) فكان المستأجر عليه العمل القائم بشخص الأجير بالمباشرة أو العمل الذي محلّه شخص المستأجر ، كما لو آجره لحلق الرأس الصادر من خصوص الأجير أو الواقع على خصوص المستأجر فمات الأوّل في الأوّل أو الثاني في الفرض الثاني ، فإنّ طروّ الموت المانع عن تحقّق العمل في الخارج كاشف عن عدم القدرة وعدم بقاء محلّ للإجارة ، الملازم لبطلانها وانفساخها بطبيعة الحال.

وما أفاده (قدس سره) وإن كان وجيهاً في الجملة إلّا أنّه لا يتمّ على إطلاقه.

وتحقيق المقام : أنّه قد يفرض تقييد متعلّق الإجارة بمدّة معيّنة ووقت محدود فاتّفق موت المؤجر أو المستأجر قبل حلول تلك المدّة أو في أثنائها ، أو يفرض وقوعها مطلقة من غير تقييد بزمان خاصّ إلّا أنّه اتّفق الموت بعد الإجارة

__________________

(*) البطلان في هذه الصورة وفي الصورة الثانية إنّما هو فيما إذا كان متعلّق الإجارة مقيّداً بزمانٍ قد تحقّق الموت قبله أو في أثنائه أو كان الموت واقعاً قبل مضي زمان يسع متعلّق الإجارة.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

بلا فصل ، أو مع فصل زمان لا يسع متعلّق الإجارة ولا يمكن وقوع العمل فيه بحيث انكشف عدم قدرته على إيجاد العمل في الخارج بتاتاً ، ففي مثله لا مناص من الالتزام بالبطلان ، لكشف الموت عن عدم كون المؤجر مالكاً لهذه المنفعة كي يملّكها للمستأجر ، فبطبيعة الحال يحكم بالفساد والانفساخ.

وأمّا إذا فرضنا أنّ الإجارة كانت مطلقة أو كانت مقيّدة بزمان بعيد الأمد طويل الأجل ، فطرأ الموت بعد مضيّ زمانٍ كان يمكنه الإتيان بالعمل المستأجر عليه خارجاً إلّا أنّه أخّره باختياره اعتماداً على سعة الوقت ، كما لو استؤجر للصلاة أو الصيام شهراً في خلال سنة فاتّفق موته في الشهر الثالث مثلاً. ففي مثله لا مقتضي للالتزام بالبطلان ، لعدم كشف هذا النوع من العجز عن أيّ خلل في أركان الإجارة لدى انعقادها كما كان كاشفاً في الفرض السابق ، فإنّ المفروض هنا قدرته على إيجاد العمل غير أنّه بنفسه سوّف وأخّر ، فهذا من العجز الطارئ غير المانع عن صحّة الإجارة بوجه بعد استجماعها لشرائط الصحّة في ظرفها ، وقد ملك بموجبها كلّ من المؤجر والمستأجر ما انتقل إليه من الآخر ، فملك الأجير الأُجرة ، كما ملك المستأجر العمل في الذمّة ، فكانت ذمّة الأجير مشغولة طبعاً ومديناً له بهذا العمل ، وحيث تعذّر الأداء بعروض الموت فلا جرم ينتقل إلى البدل فتخرج قيمته ، أعني أُجرة المثل من تركته.

كما أنّ هذا هو الحال في البيع فيما لو كان قادراً على التسليم فلم يسلّم إلى أن طرأ العجز ، فإنّ ذلك يستوجب الانتقال إلى البدل ، ولا يستلزم البطلان بوجه بعد عدم كون البيع فاقداً لأيّ شرط من شرائط الصحّة.

نعم ، بما أنّ عدم التسليم من موجبات الخيار فللمستأجر أو المشتري فسخ العقد واسترجاع الأُجرة المسمّاة ، إذ قد تكون اجرة المثل أقلّ منها ، وهذا مطلب آخر.

١٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

فالصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان الموت كاشفاً عن عدم القدرة من الأوّل فيحكم حينئذٍ بالبطلان ، وبين ما لم يكشف لكون العجز طارئاً وعارضاً بعد العقد فيحكم بالصحّة مع ثبوت الخيار للمستأجر ، فإن لم يفسخ طالب الأجير بأُجرة المثل للعمل المتعذّر الذي تملّكه عليه.

ثمّ إنّ في تعليقة شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في المقام ما لفظه : يختصّ البطلان بما إذا كان متعلّق الإجارة هو منفعة نفسه ، ولو كان المتعلّق هو الخدمة ونحوها كلّيّاً وشرط المباشرة بنفسه فللمستأجر الخيار ، إلخ (١).

ففصّل (قدس سره) بين لحاظ المباشرة على وجه القيديّة ، وبين اعتبارها شرطاً في المتعلّق الكلّي ، فإنّه لدى الموت يحكم بالبطلان في الأوّل وبالخيار في الثاني.

أقول : ما أفاده (قدس سره) في الشقّ الثاني وإن أمكن فرضه على وجه الندرة والشذوذ ، إلّا أنّه على خلاف الارتكاز العرفي ، لما أشرنا إليه سابقاً (٢) وقد صرّح هو (قدس سره) أيضاً بأنّ الشروط في باب الأعمال والكلّيّات راجعة إلى التقييد وإن كانت بلسان الشرط ، فلو آجر نفسه لخدمة واشترط المباشرة رجع في الحقيقة إلى جعل متعلّق الإجارة هو خدمة نفسه ، وهذا هو موضوع الكلام في المقام ، وأمّا الإيجار على الخدمة الكلّيّة سواء أكانت منه أم من غيره ، واشتراط المباشرة على سبيل الالتزام في الالتزام ، فهو أمر ممكن وقابل للتصوّر لكنّه خارج عن المرتكز العرفي.

فالصحيح في موضوع الكلام هو التفصيل على النحو الذي عرفت.

__________________

(١) تعليقة النائيني على العروة الوثقى ٥ : ٣٠ (تحقيق جماعة المدرسين).

(٢) في ص ٩٢ ـ ٩٣.

١٣٢

وإذا آجر الدار واشترط على المستأجر سكناه بنفسه (١) لا تبطل بموته ويكون للمؤجّر خيار الفسخ (*). نعم ، إذا اعتبر سكناه على وجه القيديّة تبطل بموته (**).

______________________________________________________

(١) قد يفرض لحاظ المباشرة على الوجه القيديّة بأن يكون المستأجر عليه خصوص السكنى الصادرة من شخص المستأجر ، ولا ريب في البطلان حينئذٍ بالموت ، لكشفه عن عدم كون هذه المنفعة مملوكة من الأوّل بعد كونها غير مقدورة وممنوعة التحقّق خارجاً. وهذا واضح.

وأُخرى : يفرض لحاظها على وجه الشرطيّة ، بأن كان معقد الإجارة ومصبّها هي الدار لا المنفعة الخاصّة ولكن مشروطاً بأن يسكنها بنفسه ، وهذا على نحوين :

إذ تارةً يفرض تعلّق الغرض بسكونة شخص المستأجر بحيث لا يرضى المؤجر ببقاء الدار فارغة وخليّة عن الساكن ، كما لا يرضى بسكونة غير هذا الشخص ، وحينئذٍ فعروض مانع عن سكونته بنفسه من موت أو حبس أو سفر قهري ونحوها يكشف عن عدم مقدوريّة الشرط من الأوّل الملازم لبطلانه وعدم انعقاده ، فلا تشمله أدلّة نفوذ الشرط وإن تخيّل المؤجر صحّته ، فيصحّ العقد ويلغى الشرط بناءً على ما هو الصحيح من عدم كون الشرط الفاسد مفسداً لا أنّه يثبت له الخيار.

واخرى : يراد بالاشتراط المزبور ما هو المتعارف المرتكز من تعلّق الغرض بالعقد السلبي لا الإيجابي ، فيكون المقصود أن لا يسكنها غيره ، سواء أسكنها

__________________

(١) هذا إذا تخلّفت الورثة عن العمل بالشرط.

(٢) فيه إشكال بل منع.

١٣٣

[٣٢٧٤] مسألة ٤ : إذا آجر الوليّ أو الوصيّ الصبي المولّى عليه مدّة تزيد على زمان بلوغه ورشده (١) بطلت في المتيقّن بلوغه فيه ، بمعنى : أنّها موقوفة على إجازته ، وصحّت واقعاً وظاهراً بالنسبة إلى المتيقّن صغره ، وظاهراً بالنسبة إلى المحتمل ، فإذا بلغ له أن يفسخ على الأقوى ، أي لا يجيز ، خلافاً لبعضهم فحكم بلزومها عليه ، لوقوعها من أهلها في محلّها في وقتٍ لم يعلم لها مناف. وهو كما ترى.

نعم ، لو اقتضت المصلحة اللازمة المراعاة إجارته مدّة زائدة على زمان البلوغ بحيث تكون إجارته أقلّ من تلك المدّة خلاف مصلحته تكون لازمة (*) ليس له فسخها بعد بلوغه ، وكذا الكلام في إجارة أملاكه.

______________________________________________________

هو أم تركها خالية ، أم جعلها محرزاً ومخزناً. وهذا الشرط كما ترى أمر مقدور التحقّق حتى بعد الموت بأن يسكن الدار عائلته كما كانوا يسكنون في زمان حياته ، أو أن تجعل محرزاً أو تترك فارغة تحت يد الورثة ، فهو إذن شرط نافذ قبل الموت وبعده ، فلا مقتضي لبطلانه ولا لثبوت الخيار للمؤجّر بمجرّد موت المستأجر كما هو ظاهر عبارة المتن ، وإنّما يثبت له الخيار في خصوص ما لو سكنها شخص أجنبي ، لصدق تخلّف الشرط حينئذٍ ، الموجب لتعلّق الخيار في هذه الصورة خاصّة دون ما عداها. فعبارته (قدس سره) لا تستقيم على إطلاقها.

(١) إذا آجر الوليّ أو الوصيّ أموال الصبي أو نفسه مدّة تستوعب البلوغ مع مراعاة المصلحة والغبطة ، فهل تكون الإجارة نافذة بالإضافة إلى ما بعد زمان

__________________

(*) فيه إشكال ، نعم هي كذلك في إجارة الأملاك.

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

البلوغ ، أو لا ، أو أنّ فيه تفصيلاً؟

أمّا بالنسبة إلى الأموال : فلا ينبغي الإشكال في النفوذ وأنّه ليس للصبي الفسخ عند ما بلغ ، وذلك للإطلاق في أدلّة الولاية ، فإنّها وإن كانت مقيّدة بحال الصغر ، فلا ولاية للولي بعد ما بلغ الصبي ، إلّا أنّ متعلّق هذه الولاية مطلق يشمل حال ما بعد البلوغ كما قبله بمناط واحد ، وهو رعاية الغبطة وملاحظة المصلحة ، والولي إنّما جُعِلَ وليّاً لذلك ، فكما أنّ له البيع وإخراج المال عيناً ومنفعةً عن ملكه إلى الأبد إذا اقتضته المصلحة ، فكذلك له أن يبقي العين ويخرج المنفعة خاصّة لمدّة قصيرة أو طويلة حسبما يجده من المصلحة وإن عمّت ما بعد البلوغ.

فإذا اقتضت الغبطة والمصلحة اللازمة المراعاة إيجارها عشرين سنة مثلاً صحّت الإجارة ، عملاً بإطلاق أدلّة الولاية ، ولا تبطل بموت المؤجر أعني : الولي كما تقدّم نظيره في إجارة الوقف الخاصّ (١) ، فتصحّ الإجارة المتعلّقة بالملفّق من عهدي البلوغ والصبا ، بل تصحّ المتعلّقة بعهد البلوغ خاصّة إذا اقتضتها المصلحة ، باعتبار أنّ الصبي كما أنّه مالكٌ للعين مالكٌ فعلاً لمنافعها الأبديّة أيضاً ، فللولي أن يملك شيئاً من هذه المنافع بإجارة أو صلح ونحوهما إمّا مستقلا أو منضمّاً بشي‌ء من منافع عهد الصبا حسبما يراه من المصلحة ، عملاً بإطلاق أدلّة الولاية.

وأمّا بالنسبة إلى الصبي نفسه : فلم يدلّ أيّ دليل على ولاية الولي حتى بالإضافة إلى ما بعد البلوغ.

نعم ، في خصوص النكاح قام الدليل على الولاية على تزويج الصبي أو الصبيّة ولو كان الزواج دائماً ، وأمّا في غيره فلم تثبت له هذه الولاية بحيث

__________________

(١) في ص ٧ ـ ٨.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يتمكّن من إيجاره للخدمة عشرين سنة مثلاً ولو تضمّن الغبطة والمصلحة. فلو آجره كذلك كانت الإجارة فيما زاد على البلوغ فضوليّة منوطة بإجازته بعد ما بلغ ، فإنّ مجرّد عدم الدليل على الولاية كافٍ في عدم النفوذ والافتقار إلى الإجازة.

وقد استثنى الماتن عن ذلك صورة واحدة ، وهي ما إذا كان ذلك هو مقتضى المصلحة اللازمة المراعاة بحيث كانت إجارته مقتصرة على عهد الصغر خالية عن المصلحة ، بل ومتضمّنة للمفسدة ، وأمّا مع ضمّ شي‌ء من زمان البلوغ ففيه المصلحة الملزمة ، فحينئذٍ تكون الإجارة نافذة ولازمة ليس له فسخها بعد البلوغ.

ولكنّه غير واضح ، نظراً إلى أنّ مجرّد وجود المصلحة ولو كانت بالغة حدّ اللزوم غير كافية في ثبوت الولاية ما لم يقم عليها دليل من الخارج ، والمفروض قصور الدليل وعدم شموله لما بعد انقضاء عهد الصبا.

وبالجملة : مجرّد اقتضاء المصلحة اللازمة لو كان مسوّغاً لضمّ شي‌ء من زمان البلوغ ومرخّصاً للتصرّف في ملك الغير وسلطنته بدون إذنه لكان مسوّغاً لضمّ بالغ آخر ، فيؤجر الصغير منضمّاً إلى الكبير لو اقتضته المصلحة الملزمة ، لوحدة المناط وهو الاشتمال على المصلحة وعدم الولاية على الكبير في الموردين وهو كما ترى. فيظهر من ذلك أنّ المصلحة بمجرّدها لا تجوّز التصرّف في سلطان الغير ما لم تثبت الولاية عليه بدليل ، والمفروض انتفاؤه.

نعم ، لو بلغت المصلحة الملزمة حدّ الوجوب كما هو المفروض في المتن ، مثل ما لو توقّف حفظ حياة الصبي على إجارته مدّة تزيد على زمان بلوغه بحيث لولاه لكان معرّضاً للهلاك ، اندرج ذلك في أُمور الحسبيّة ، ورجعت الولاية حينئذٍ إلى الحاكم الشرعي لا إلى الوليّ أو الوصيّ ، من غير فرق في ذلك بين الصغير والكبير.

١٣٦

[٣٢٧٥] مسألة ٥ : إذا آجرت امرأة نفسها للخدمة مدّة معيّنة فتزوّجت قبل انقضائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لاستمتاع الزوج (١).

[٣٢٧٦] مسألة ٦ : إذا آجر عبده أو أمته للخدمة ثمّ أعتقه (٢) لا تبطل الإجارة بالعتق ، وليس له الرجوع على مولاه بعوض تلك الخدمة في بقيّة

______________________________________________________

فلو فرضنا أنّ كبيراً توقّف حفظ نفسه على إجارته مدّة من أحدٍ وهو ممتنع من ذلك أجبره الحاكم الشرعي الذي هو وليّ الممتنع على ذلك وقايةً لنفسه المحترمة عن الهلاك ، فلا تثبت بذلك الولاية لوليّ الصغير كما أخذه (قدس سره) في عنوان كلامه ، فإنّها تحتاج إلى الدليل حتى في موارد الضرورة واقتضاء المصلحة اللازمة المراعاة حسبما عرفت.

(١) لأنّ المرأة حينما آجرت نفسها كانت مالكة لمنافعها آن ذاك ، وقد ملّكتها من شخص آخر في وقتٍ كانت لها السلطنة على التمليك ، فأصبحت المنافع ملكاً للمستأجر في مدّة معيّنة بإجارة جامعة لشرائط الصحّة حسب الفرض ، والزوج قد عقد عليها فاقدة لتلك الخدمة ومسلوبة المنفعة من هذه الجهة ، فلا سبيل له إلى تفويت حقّ الغير المنتقل إليه بسبب سابق ، وإنّما يتمتّع بما يرجع أمره إلى الزوجة نفسها ويكون تحت استيلائها ، فيشبه المقام بيع العين مسلوبة المنفعة كما لا يخفى.

وعليه ، فالمقتضي للاستمتاع قاصر من الأوّل ، لاختصاصه بغير ما هو متعلّق لحقّ الغير ، ولأجله تتقدّم الإجارة ولا يزاحمها استمتاع الزوج وإن كانت منافية له.

(٢) لا إشكال في صحّة كلّ من العتق والإجارة بعد عدم المزاحمة ، كما

١٣٧

المدّة ، لأنّه كان مالكاً لمنافعه أبداً وقد استوفاها بالنسبة إلى تلك المدّة ، فدعوى أنّه فوّت على العبد ما كان له حال حرّيّته كما ترى.

نعم ، يبقى الكلام في نفقته في بقيّة المدّة إن لم يكن شرط كونها على المستأجر ، وفي المسألة وجوه :

أحدها : كونها على المولى ، لأنّه حيث استوفى بالإجارة منافعه فكأنّه باقٍ على ملكه.

الثاني : أنّه في كسبه إن أمكن له الاكتساب لنفسه في غير زمان الخدمة ، وإن لم يمكن فمن بيت المال ، وإن لم يكن فعلى المسلمين كفاية.

الثالث : أنّه إن لم يمكن اكتسابه في غير زمان الخدمة ففي كسبه وإن كان منافياً للخدمة.

الرابع : أنّه من كسبه ، ويتعلّق مقدار ما يفوت منه من الخدمة بذمّته.

الخامس : أنّه من بيت المال من الأوّل.

ولا يبعد قوّة الوجه الأوّل (*).

______________________________________________________

لا إشكال في أنّ العبد لم تكن له المطالبة بعوض المنافع التي استوفاها المولى بالإيجار ، وإن نُسب ذلك إلى بعض الشافعيّة (١) ، إذ هو إنّما استوفى ملكه ، فإنّ منافع العبد مملوكة لمولاه كنفس العين وقد تسلّمها بأخذ الأُجرة بإزائها فأعتقه مسلوب المنفعة ، فليس في البين أيّ موجب للرجوع والمطالبة بعوض تلك المنافع. وهذا ظاهر.

__________________

(*) بل الأقوى هو الوجه الثاني.

(١) مغني المحتاج ٢ : ٣٥٩.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وإنّما الكلام في نفقته خلال الفترة المتخلّلة ما بين العتق وبين انقضاء مدّة الإجارة وأنّه مَن المسئول عنها والقائم بها؟

ولا بدّ من فرض الكلام فيما إذا لم يشترط كونها على المستأجر كما صرّح به في المتن ، وإلّا فالحكم ظاهر. كما لا بدّ أيضاً من فرض الكلام فيما إذا كانت الإجارة مستوعبة لتمام الوقت بحيث لم يبق مجال يتمكّن العبد فيه من الكسب لنفسه وتأمين معيشته. أمّا لو لم تكن مستغرقة ، كما لو استؤجر كلّ يوم ساعة أو ساعتين وأمكنه صرف الباقي في سبيل تحصيل المعاش ، فينبغي أن يكون هذا خارجاً عن محلّ الكلام ، فإنّه حرّ كسائر الأحرار يتمكّن من الكسب لنفسه ، ولا موجب لتحميل نفقته على غيره. فلا وجه لأخذه قيّداً في القول الثاني كما صنعه في المتن كما لا يخفى.

فهاتان الصورتان خارجتان عن محلّ الكلام ، وقد ذكر (قدس سره) حينئذٍ في المسألة وجوهاً :

أحدها : ما اختاره من كون نفقته على مولاه ، نظراً إلى أنّه حيث استوفى منافع زمان الحرّيّة بالإجارة فكأنه بعدُ مملوك له ، فكان المعتق هنا بمنزلة المالك فتجب طبعاً نفقته عليه.

الثاني : أنّه لمّا كان فقيراً عاجزاً عن التكسّب فنفقته على بيت المال المتكفّل لأُمور المسلمين ، كما هو شأن كل عاجز عن الكسب فإنّ نفقته على الإمام الذي هو وليّ المسلمين ينفق عليه من بيت المال ، وعلى تقدير عدمه فحاله حال بقيّة الفقراء في أنّه يجب على كافّة المسلمين كفاية الإنفاق عليهم حفظاً للنفس المحترمة عن الهلكة.

الثالث : أنّه لمّا كان حفظ النفس المحترمة مقدّماً على كلّ واجب وهو متوقّف على الكسب فإذن يكسب لنفسه بمقدار الضرورة ويستثنى ذلك عن الخدمة الواجبة من غير أيّ ضمان عليه.

١٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الرابع : عين هذا الوجه لكن مع الضمان كما في الأكل عند المخمصة من مال الغير ، حيث إنّه يجوز ومع ذلك يضمن باعتبار أنّ الضرورة إنّما ترفع الحكم التكليفي أعني : الحرمة أمّا الوضعي وهو الضمان فلا مقتضي لارتفاعه بعد تحقّق سببه وهو الإتلاف. إذن فمقدار ما يفوت من الخدمة من المستأجر يثبت في ذمّة الأجير لا بدّ من أدائه والخروج عن عهدته متى ما استطاع.

وأمّا الوجه الخامس المذكور في المتن : فقد عرفت رجوعه إلى الوجه الثاني ، باعتبار أنّ التمكّن من الكسب خارج عن محلّ الكلام حسبما عرفت. وسيتّضح لك أنّ الأقوى إنّما هو الوجه الثاني.

أمّا القول الأوّل الذي اختاره الماتن تبعاً للعلّامة (١) : فلا يبعد أن يعدّ من الغرائب ، فإنّه أشبه باستدلالات العامّة المبنيّة على الاستحسانات العقليّة ، ضرورة أنّه بعد أن خرج عن الملك بالعتق فما هو الدليل على تنزيله منزلة المملوك لكي تجب نفقته على المعتق؟! ومجرّد استيفاء المنافع حال الرقّيّة وعروض العتق عليه وهو مسلوب المنفعة لا يصحّح التنزيل المزبور ، ولا يكون حجّة شرعيّة عليه بوجه. فهذا القول ساقط جزماً.

وأمّا القول بكونها في كسبه إمّا مع الضمان أو بدونه : فهو وإن كان وجيهاً باعتبار أنّ حفظ النفس مقدّم على كلّ شي‌ء ، إلّا أنّه يختصّ بما إذا توقّف الحفظ عليه ولم يتيسّر من طريق آخر ، بحيث استأصل المسكين واضطرّ إلى التصرّف في متعلّق حقّ الغير ، وإلّا فمع وجود الإمام والتمكّن من القيام بمصارفه والإنفاق عليه من بيت المال فلا توقّف ولا اضطرار. ومن المعلوم أنّ بيت المال معدّ لإدارة شؤون المسلمين إمّا المصالح العامّة أو الموارد الشخصيّة التي لا يوجد مصرف لما يجب فيه الصرف ولا يمكن تداركه من محلّ آخر ، فإنّه يؤخذ من

__________________

(١) انظر إرشاد الأذهان ١ : ٤٢٥.

١٤٠