موسوعة الإمام الخوئي

الشيخ مرتضى البروجردي

ولو قال : إن لم توصلني فلا اجرة لك (١) : فإن كان على وجه

______________________________________________________

من الرجوع إلى ما تقتضيه القواعد.

وحينئذٍ فبناءً على ما تقدّم من الماتن من أنّ الإيجار لو كان واقعاً على العنوان وهو الإيصال ولم يأت به خارجاً لا يستحقّ شيئاً من الأُجرة (١) ، المساوق للقول بانفساخ الإجارة وبطلانها ، فلا موقع حينئذٍ لهذا الاشتراط ، إذ لا أثر للشرط مع فساد العقد ، فإنّه لا يستحق شيئاً من الأُجرة حسب الفرض ، فما معنى اشتراط النقص؟! فإنّه سالبة بانتفاء الموضوع.

وأمّا على ما ذكرناه من صحّة المعاملة وقتئذٍ وعدم انفساخها ، غاية الأمر ثبوت الخيار للمستأجر من جهة عدم التسليم فله أن يفسخ ، كما أنّ له أن يطالب بقيمة العمل وهي اجرة المثل ويدفع للأجير الأُجرة المسمّاة. فعلى هذا المبنى وهو التحقيق كما سبق (٢) صحّ الشرط المزبور بمقتضى القاعدة وإن لم يكن مشمولاً للنصّ ، نظراً إلى أنّ مرجع هذا الاشتراط إلى عدم إعمال الفسخ ولا مطالبة القيمة ، بل القناعة بدلاً عن ذلك بنقص شي‌ء معيّن من الأُجرة من ثلث أو نصف ونحو ذلك. وهذا كما ترى شرط سائغ تشمله عمومات النفوذ ، فلا مانع من البناء على صحّته بعد فرض صحّة العقد.

وعلى الجملة : فاستشهاد الماتن في مفروض عبارته بالنصّ لا موقع له ، كما أنّ تمسّكه بالقاعدة أيضاً لا يتمّ على مبناه وإنّما يتمّ على مسلكنا فحسب.

(١) تقدّم الكلام حول ما إذا كان الشرط نقص الأُجرة لو لم يوصل (٣).

__________________

(١) في ص ٩٥.

(٢) في ص ٩٧ ـ ٩٨.

(٣) في ص ٩٨ ـ ٩٩.

١٠١

الشرطيّة بأن يكون متعلّق الإجارة هو الإيصال الكذائي فقط واشترط عليه عدم الأُجرة على تقدير المخالفة صحّ ويكون الشرط المذكور مؤكّداً لمقتضى العقد (*) ،

______________________________________________________

وأمّا لو اشترط سقوطها حينئذٍ بكاملها فقد ذكر الماتن (قدس سره) أنّ هذا صحيح ومؤكّد لمقتضى العقد.

أقول : هنا أيضاً يقع الكلام :

تارةً : فيما إذا لوحظ الإيصال شرطاً.

وأُخرى : فيما إذا كان بنفسه مورداً ومتعلّقاً للإجارة.

أمّا في المورد الأوّل بأن آجر دابّته للركوب إلى كربلاء بكذا ، واشترط عليه الإيصال في وقت كذا ، وأنّه إن لم يوصله فلا اجرة بتاتاً ، فمن الواضح أنّ تخلّف هذا الشرط وعدم تحقّق الإيصال خارجاً لا يستوجب إلّا الخيار ، وإلّا فالعقد في نفسه صحيح ، عمل بمقتضاه خارجاً أم لا ، لعدم إناطة الصحّة بالوفاء الخارجي الذي هو حكم مترتّب عليها ، فافتراض صحّة العقد مساوق لافتراض استحقاق الأُجرة على التقديرين.

وعليه ، فاشتراط عدم الاستحقاق لو لم يوصل شرط مخالف لمقتضى العقد ، ضرورة منافاة السالبة الجزئيّة مع الموجبة الكلّيّة ، فهو إذن منافٍ لمقتضى العقد فيكون فاسداً بل ومفسداً للعقد ، للزوم التهافت والتناقض في الإنشاء ، فلا يبتني على كون الشرط الفاسد مفسداً ، لسراية الفساد هنا إلى العقد من غير خلاف ولا إشكال.

__________________

(*) بل هو مخالف لمقتضاه ، فإن مقتضاه انتقال المنفعة إلى المستأجر والعوض إلى المؤجر سواء أتى الأجير بالعمل أم لا ، وعليه يحمل ما في ذيل الصحيحة.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والمظنون أنّ المشهور الذين نسب إليهم البطلان في فرض اشتراط عدم الأُجرة يريدون به هذه الصورة ، لما عرفت من أنّ مقتضى العقد ملكيّة الأُجرة على كلّ تقدير ، أي سواء عمل بالشرط أم لا ، فاشتراط عدم الأُجرة لو لم يعمل منافٍ لمقتضاه ، فيكون باطلاً لا محالة ومبطلاً للعقد.

ويمكن الاستدلال لذلك بمفهوم صحيحة الحلبي المتقدّمة (١) ، حيث تضمّنت إناطة الجواز بعدم إحاطة الكراء بتمامها ، فلا يجوز الشرط مع الاستيعاب لتمام الأُجرة.

وعليه ، فكلام المشهور صحيح بمقتضى النصّ والقاعدة بعد استظهار كونهم ناظرين إلى هذه الصورة خاصّة حسبما عرفت.

وأمّا في المورد الثاني : فعلى مسلكه (قدس سره) من عدم الاستحقاق لو لم يتحقّق الإيصال الواقع مورداً ومتعلّقاً للإيجار ، يتّجه ما أفاده (قدس سره) من كون الشرط حينئذٍ مؤكّداً لمقتضى العقد ، لكون الحكم كذلك سواء صرّح بالشرط أم لا.

وأمّا على ما ذكرناه من ثبوت الاستحقاق على التقديرين وعدم إناطة صحّة العقد بالعمل بمقتضاه ، فالشرط المزبور منافٍ لمقتضى العقد أيضاً كما في المورد السابق ، فإنّ اشتراط عدم استحقاق الأُجرة لو لم يعمل منافٍ لما يقتضيه العقد من استحقاقها عمل أو لم يعمل ، فيكون فاسداً بل ومفسداً أيضاً حسبما عرفت.

وتظهر الثمرة بين المسلكين فيما لو وفى بالعقد وأتى بمتعلّق الإيجار وهو الإيصال خارجاً ، فإنّه يستحق الأُجرة المسمّاة على مسلكه ، لفرض صحّة العقد وكون الشرط مؤكّداً لمقتضاه. وأمّا على المسلك المختار فلا يستحقّها ،

__________________

(١) في ص ٩٩.

١٠٣

وإن كان على وجه القيديّة بأن جعل كلتا الصورتين مورداً للإجارة إلّا أنّ في الصورة الثانية بلا اجرة (١) يكون باطلاً ، ولعلّ هذه الصورة مراد المشهور القائلين بالبطلان دون الاولى ، حيث قالوا : ولو شرط سقوط الأُجرة إن لم يوصله لم يجز.

______________________________________________________

لفرض فساد العقد بفساد شرطه ، بل ينتهي الأمر حينئذٍ إلى استحقاق اجرة المثل ، بناءً على ما هو الصحيح من الانتهاء إليه في الإجارة الفاسدة ، بل في مطلق العقود الضمانيّة لدى الحكم بفسادها.

وأمّا لو لم يف بالعقد ولم يعمل بمقتضاه فلا يستحقّ المسمّاة على التقديرين ، ولا ثمرة حينئذٍ بين القولين كما لا يخفى.

(١) ففي الحقيقة تعدّدت الإجارة وانحلّت إلى إجارتين عرضيّتين : إحداهما على العمل الموصل بأُجرة كذا ، والأُخرى على العمل غير الموصل بلا اجرة ، وقد حكم (قدس سره) حينئذٍ بالبطلان كما في سائر موارد الجهالة والترديد مثل الخياطة الفارسيّة والروميّة حسبما تقدّم (١) ، وحمل كلام المشهور القائلين بالبطلان على هذه الصورة.

أقول : حمل كلام المشهور على فرض الإجارتين بعيدٌ غايته ، فإنّ كلامهم في الاشتراط وأنّه لو آجر واشترط نقص الأُجرة لو خالف لا بأس به ، ولو اشترط عدمها أصلاً بطل ، فمحطّ كلامهم الإجارة المشروطة لا المقرونة بإجارة أُخرى.

وقد عرفت توجيه كلامهم وأنّ نظرهم في البطلان إلى منافاة الشرط

__________________

(١) في ص ٧٧.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

لمقتضى العقد المستوجبة للفساد والإفساد ، وأنّ هذا الحكم منهم صحيح وفي محلّه حسبما تقدّم (١).

وأمّا حكم هذه الصورة نفسها فقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ الإجارة :

تارةً : تقع على أحدهما المردّد المبهم الذي لا تعيّن له حتى في صقع الواقع ونفس الأمر ، فيؤجّره على أحد الأمرين من الخياطة : إمّا جبّةً بدرهمين ، أو قباءً بدرهم واحد ، ولم يعلم به لا المؤجر ولا المستأجر ولا غيرهما ، إذ لا وجود ولا واقع له وإنّما هو مجرّد مفهوم محض ، ولا شكّ في البطلان حينئذٍ ، لا لأجل الجهالة ، إذ مقتضاها أنّ هناك واقعاً محفوظاً لا يدريان به ، وقد عرفت منعه ، بل لأجل أنّ ما لا واقع له لا يعقل أن يكون مورداً للتمليك والتملّك كما هو واضح.

وأُخرى : يفرض أنّ هناك إجارة منضمّة إلى إجارة ، لا أنّها إجارة واحدة واردة على العنوان المبهم ، بل إجارتان في عرض واحد ، غايته امتناع الجمع ، لما بينهما من التضاد والتزاحم ، فيستأجره لخياطة هذا القماش جبّة بدرهمين ، ولخياطته قباءً بدرهم ، فإنّه ليست في البين أيّة جهالة أو ترديد ، لمعلوميّة الأُجرتين كالعملين ، فلا يستند البطلان إلى ذلك ، بل إلى عدم القدرة على الجمع بعد فرض المزاحمة ، فلا يمكن الحكم بصحّتهما معاً ، وأحدهما معيّناً ترجيح بلا مرجّح ، ولا بعينه لا واقع له حسبما عرفت ، فلا مناص إذن من الحكم بالبطلان كما يطّرد هذا البرهان في كافّة موارد امتناع الجمع بين عقدين من أجل المزاحمة ، كما لو باع داره من زيد وباعها وكيله في نفس الوقت من عمرو ، أو زوّجت نفسها من شخص وزوّجها وكيلها في الوقت نفسه من شخص آخر ، وهكذا ، فإنّه يحكم بالبطلان في الجميع بمناط واحد.

__________________

(١) في ص ١٠٢.

١٠٥

[٣٢٧٠] مسألة ١٣ : إذا استأجر منه دابّة لزيارة النصف من شعبان مثلاً ولكن لم يشترط على المؤجر ذلك ولم يكن على وجه العنوانيّة أيضاً واتّفق أنّه لم يوصله لم يكن له خيار الفسخ وعليه تمام المسمّى من الأُجرة (١) ، وإن لم يوصله إلى كربلاء أصلاً سقط من المسمّى بحساب ما بقي (*) واستحقّ بمقدار ما مضى (٢). والفرق بين هذه المسألة وما مرّ في المسألة السابقة : أنّ الإيصال هنا غرض وداعٍ ، وفيما مرّ قيد أو شرط.

______________________________________________________

ولكن هذا البيان يختصّ بما إذا كان كلّ من العقدين جامعاً لشرائط الصحّة لولا المزاحمة فكان كلّ واحد صحيحاً في نفسه ، وإلّا فمع الاختلاف ، كما لو زوّجها الوكيل في المثال بمن يحرم عليه نكاحها وهو لا يدري ، تعيّن الآخر في الصحّة ، لارتفاع المزاحمة حينئذٍ وكون الترجيح مع المرجّح.

ومقامنا من هذا القبيل ، لبطلان إحدى الإجارتين وهي الإجارة على العمل غير الموصل بلا اجرة في نفسها ، لفساد الإجارة بلا اجرة كالبيع بلا ثمن ، فإذن تكون الإجارة الأُخرى محكومة بالصحّة بعد سلامتها عن المزاحم.

(١) إذ لا أثر لتخلّف الدواعي والأغراض في صحّة المعاملة بعد أن لم يكن الإيصال ملحوظاً لا على وجه الشرطيّة ولا القيديّة ، وإنّما كان داعياً وغاية محضة كما هو ظاهر.

(٢) فتقسط الأُجرة على المسافة وتستردّ منها ما يقع بإزاء الباقي ، فلو كانت

__________________

(*) هذا إذا كان عدم الوصول لعدم إمكانه بموت الدابة ونحوه ، ومع ذلك فللمستأجر الخيار ، فإن فسخ استحقّ المؤجر أُجرة المثل لما مضى ، وأما إذا كان عدم الوصول من قبل المؤجر فللمستأجر أن يفسخ ويعطي اجرة المثل لما مضى ، وله أن يطالب بأُجرة المثل لما بقي ويعطي تمام الأُجرة المسمّاة.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأُجرة عشرة والمسافة عشرة فراسخ وقد مضى منها تسعة استردّ درهماً واحداً.

وهذا إنّما يتّجه فيما إذا لم يستند عدم الوصول إلى المؤجر نفسه ، بل كان لأمر خارجي وعائق غير اختياري من قضاء وقدر ، كموت الدابّة مثلاً فيما إذا كان مورد الإجارة دابّة شخصيّة ، إذ الإجارة عندئذٍ تنحلّ بطبيعة الحال ، وينكشف أنّ الباقي لم يكن يستحقّه المستأجر من الأوّل ، إذ لم يكن المؤجر مالكاً له ليملّكه ، فيستكشف بطلانها في المقدار الباقي ، ولكن الإجارة بما أنّها كانت واقعة على مجموع المسافة المرتبطة أجزاؤها بعضها ببعض وقد تبعّضت فلا جرم يثبت للمستأجر خيار الفسخ ، نظير خيار تبعّض الصفقة في البيع ، فله أن يفسخ العقد من أصله ويضمن اجرة المثل لما مضى ، لأنّه عمل محترم قد وقع بأمره ، كما له الإمضاء والإسقاط من الأُجرة المسمّاة بحساب ما بقي. فهو إذن مخيّر بين الأمرين ولم يكن ملزماً بخصوص الثاني.

وأمّا إذا استند إلى اختيار المؤجر نفسه فالإجارة عندئذٍ محكومة بالصحّة في تمام الأُجرة ، لما تقدّم من عدم إناطة الصحّة بالوفاء بالعقد والعمل بمقتضاه (١). وعليه ، فلا مقتضي للتقسيط ، لتفرّعه على البطلان في بعض الأُجرة ، والمفروض عدمه ، بل المستأجر مخيّر حينئذٍ بين الفسخ وإعطاء اجرة المثل لما مضى كما في الفرض السابق ، وبين الإمضاء وإعطاء تمام الأُجرة المسمّاة ومطالبة الأجير بأُجرة المثل لما بقي ، إذ هو مال الغير قد أتلفه الأجير فيضمن لمالكه وهو المستأجر بالقيمة.

وعلى الجملة : فما ذكره في المتن من التقسيط لا يستقيم على إطلاقه.

__________________

(١) في ص ٩٦.

١٠٧

فصل

[في أحكام عقد الإجارة]

الإجارة من العقود اللازمة (١) ، لا تنفسخ إلّا بالتقايل أو شرط الخيار لأحدهما أو كليهما (٢) إذا اختار الفسخ. نعم ، الإجارة المعاطاتيّة جائزة (*) (٣) يجوز لكلّ منهما الفسخ ما لم تلزم بتصرّفهما أو تصرّف أحدهما فيما انتقل إليه.

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وتقتضيه العمومات والنصوص الخاصّة.

(٢) أو لثالث ، أو بحصول سبب الخيار من الغبن ، أو تخلّف الشرط ونحوهما ، حيث إنّ اللزوم في مثل الإجارة لزوم حقّي لا حكمي.

(٣) وفاقاً لما هو المشهور بين الفقهاء ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات بعضهم كما هو الحال في البيع من اختصاص اللزوم بما إذا كان الإيجاب باللفظ ، أمّا بغيره فهو محكوم بالجواز ما لم يطرأ عليه اللزوم.

والمشهور أنّ الملزم إمّا التلف أو التصرّف المغيّر للعين لا مطلقاً كما يقتضيه إطلاق عبارة المتن ، بحيث لو سكن في الدار المستأجرة يوماً أو يومين من غير حدوث تغيير في العين لم يكن له الفسخ ، إلّا أن يقال : إنّ ذلك يستوجب إتلاف

__________________

(*) الأظهر أنّها أيضاً لازمة.

١٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مقدار من المنفعة بطبيعة الحال ، وقد عرفت أنّ الإتلاف بنفسه موجب للّزوم.

ولكنّه لا يطّرد فيما لو حصل التصرّف المزبور في جانب الأُجرة ، كما لو كانت ثوباً مثلاً فلبسه يوماً من غير أن يحدث في العين شيئاً ، فإنّ مثل هذا التصرّف لأجل عدم كونه مغيّراً لا يستوجب اللزوم عند المشهور ، مع أنّ مقتضى إطلاق كلام الماتن حصوله به.

وكيفما كان ، فما عليه القوم من جواز المعاطاة لا تمكن المساعدة عليه ، بل مقتضى الصناعة لزومها وأنّ كلّ عقد لفظي أو فعلي متى ما تحقّق وترتّب عليه الملك وحصل به النقل كما هو المفروض فالردّ بالفسخ يحتاج إلى الدليل ، وإلّا فمقتضى القاعدة اللزوم :

أمّا أوّلاً : فللسيرة العقلائيّة القائمة على نفوذ المعاملة بعد تحقّق العقد العرفي بأيّ سبب كان ، وأنّه ليس لأحد المتعاملين الرجوع بعد تماميّة العقد بفسخه ، ولا شكّ أنّ السيرة المزبورة متّبعة ما لم يردع عنها الشارع ، ولم يرد هنا أيّ رادع ومانع.

وثانياً : مع الغضّ عنها يدلّ عليه الأمر بالوفاء في قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، إذ الوفاء هو الإنهاء والإتمام والبقاء على الالتزام وعدم رفع اليد عنه بالفسخ وهو معنى اللزوم ، ومن المعلوم أنّ العقد بمفهومه العرفي يعمّ القولي والفعلي.

وثالثاً : ما ورد في عدّة من الأخبار من أنّ : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما» (١) ، حيث دلّت بوضوح على أنّ مبنى البيع على اللزوم بعد الافتراق ، ولا ينبغي الشكّ في صدق البيع على المعاطاة ،

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٦ / أبواب الخيار ب ١ ح ٣.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فيقال من غير أيّة عناية : إنّه باع داره مثلاً إذ لا يعتبر اللفظ في صدق هذا العنوان بمفهومه العرفي قطعاً ، فتدلّ هذه الأخبار على اللزوم بالافتراق وإن لم يكن ثمّة لفظ بمقتضى الإطلاق.

وعليه ، فإذا ثبت اللزوم في البيع المعاطاتي ففي الإجارة المعاطاتيّة أيضاً كذلك ، إمّا للأولويّة نظراً إلى أنّ البيع يتضمّن نقل الأعيان التي هي أولى بالاهتمام من الإجارة التي ليس في موردها ما عدا نقل المنافع فحسب ، ولذلك ترى أنّ بعضهم يرى قدح الغرر في البيع ، وتأمّل في الإجارة ممّا يكشف عن المداقّة ومزيد العناية بالبيع. أو للقطع بعدم القول بالفصل بينهما في ذلك.

وكيفما كان ، فمقتضى هذه الأدلّة الالتزام باللزوم في مطلق العقود وإن كان الإنشاء بالمعاطاة لا باللفظ.

وليس شي‌ء بإزائها ما عدا الإجماع المدّعى في كلمات غير واحد على عدم اللزوم ، وأنّ في مورد المعاطاة لم يكن إلّا الملك المتزلزل ، فإن تحقّق ذلك لم يكن بدّ من رفع اليد عن مقتضى القاعدة بالمقدار المتيقّن خروجه منها ، وإلّا فالمتّبع هي تلك الأدلّة.

والظاهر عدم التحقّق.

والوجه فيه : أنّ المنقول من كلمات المتقدّمين من الفقهاء وجملة من المتأخّرين وإن كان هو عدم اللزوم إلّا أنّ ذلك مبني على ما يرتؤونه من أنّ المعاطاة لا تفيد إلّا الإباحة ، فلا ملكيّة حتى يقال : إنّها لازمة أو جائزة ، فعدم اللزوم من باب السالبة بانتفاء الموضوع.

نعم ، حاول المحقّق الكركي حمل الإباحة في كلماتهم على إرادة الملك المتزلزل ، وأقام بعض الشواهد (١).

__________________

(١) جامع المقاصد ٤ : ٥٨.

١١٠

[٣٢٧١] مسألة ١ : يجوز بيع العين المستأجرة قبل تمام مدّة الإجارة (١) ، ولا تنفسخ الإجارة به فتنتقل إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة.

______________________________________________________

ولكنّه في غاية البعد ، بل كاد أن يكون مخالفاً لصريح بعض الكلمات كما أشار إليه الشيخ (قدس سره) (١).

فلا شهرة في كلمات الفقهاء على الجواز أي الملك المتزلزل فضلاً عن الإجماع.

نعم ، المشهور من بعد المحقّق الكركي هو ذلك. إذن فلا يمكن دعوى الإجماع على عدم اللزوم ممّن يلتزم بالملكيّة في مورد المعاطاة لكي يرفع اليد بها عن مقتضى القاعدة.

فالظاهر أنّ الإجارة المعاطاتيّة لازمة كالبيع وإن كان الاحتياط بترتيب كلّ منهما الأثر على فسخ الآخر حذراً عن مخالفة المشهور أولى وأحسن.

(١) فلا تمنع الإجارة عن صحّة البيع كما لا يستوجب البيع انفساخ الإجارة ، وكلّ ذلك بمقتضى القاعدة ، لما تقدّم سابقاً من أنّ ملكيّة العين وملكيّة المنفعة ملكيّتان مستقلّتان عرضيّتان (٢) لا ملازمة بينهما في الثبوت والسقوط ، ومن ثمّ تنفك إحداهما عن الأُخرى ، كما في الإيجار ، حيث إنّ المؤجر يبقي ملكيّة العين لنفسه وينقل إلى المستأجر ملكيّة المنفعة ، فهذه الملكيّة التي أبقاها لنفسه يمكن نقلها أيضاً إلى المشتري من غير أيّ تنافٍ بين التمليكين ، غايته أنّ العين تنتقل

__________________

(١) المكاسب ٣ : ٢٥ ، ٢٦.

(٢) في ص ٤.

١١١

نعم ، للمشتري مع جهله بالإجارة خيار فسخ البيع (١) ، لأنّ نقص المنفعة عيب ، ولكن ليس كسائر العيوب ممّا يكون المشتري معه مخيّراً بين الردّ والأرش ، فليس له أن لا يفسخ ويطالب بالأرش ، فإنّ العيب الموجب للأرش ما كان نقصاً في الشي‌ء في حدّ نفسه مثل العمى والعرج وكونه مقطوع اليد أو نحو ذلك ، لا مثل المقام الذي العين في حدّ نفسها لا عيب فيها.

وأمّا لو علم المشتري أنّها مستأجرة ومع ذلك أقدم على الشراء فليس له الفسخ أيضاً.

______________________________________________________

إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدّة الإجارة ، كما تنتقل كذلك بسبب آخر غير البيع كالنواقل غير الاختياريّة مثل الإرث ، حيث إنّ المالك لو مات أثناء مدّة الإجارة انتقلت العين مسلوبة المنفعة إلى الوارث بلا خلاف فيه ولا إشكال ، ولا يتوقّف الإرث على انقضاء مدّة الإيجار ، فكما تنتقل هناك بسبب غير اختياري فكذا في البيع بسبب اختياري. فالحكم مطابق لمقتضى القاعدة.

مضافاً إلى جملة من النصوص قد دلّت على ذلك صريحاً وإن كان أكثرها ضعيفة السند ، فلاحظ الباب الرابع والعشرين من أبواب أحكام الإجارة.

(١) بعد الفراغ عن جواز بيع العين المستأجرة وأنّ غايته أنّها تكون مسلوبة المنفعة ، فقد يكون المشتري عالماً بالحال ، وأُخرى جاهلاً.

أمّا مع العلم فلم يثبت له أيّ شي‌ء ، لأنّه بنفسه أقدم على شرائها كذلك.

وأمّا مع الجهل فلا إشكال في ثبوت الخيار له ، وإنّما الكلام في نوعيّته ، فقد وصفه الماتن بأنّه خيار العيب لكن لا كسائر العيوب ، نظراً إلى عدم كون نقص المنفعة وصفاً مخالفاً للخلقة الأصليّة كالعمى والعرج ونحوهما لتثبت له المطالبة

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بالأرش. فمن ثمّ لم يكن له إلّا الخيار بين الفسخ أو الإمضاء من دون أرش ، ولكنّه كما ترى ، فإنّ عدم المنفعة إن كان عيباً ونقصاً في الخلقة فلا بدّ وأن يثبت معه الأرش ، وإلّا فما هو الموجب للخيار من أصله؟!

وبعبارة اخرى : العيب بوصفه العنواني قد ثبت فيه الخيار بين الردّ والأرش ، وبمعنى آخر المعبّر عنه في بعض الكلمات بالعيب الحكمي أي غير النقص في العين لم يقع موضوعاً لأيّ حكم في شي‌ء من الأدلّة ، فتعليل الخيار بالعيب في غير محلّه.

فالأولى : تعليله بتخلّف الشرط الارتكازي ، نظراً إلى استقرار بناء العقلاء في مقام البيع على اتّصاف المبيع بكونه مرسلاً ومطلقاً بحيث يتمكّن المشتري من التصرّف فيه والانتفاع منه كيفما شاء وأيّ وقت شاء من دون أيّ مانع ورادع. وهذا يعدّ لديهم من الشرط الضمني المبني عليه العقد الذي أغنى وضوحه عن التصريح به في متنه. ومن ثمّ استوجب تخلّفه الخيار ، كما كان هذا هو المناط في ثبوته لدى تخلّف وصف الصحّة ، وظهور كون المبيع معيباً ، من غير حاجة إلى قيام نصّ خاصّ ، فإنّ نفس السيرة العقلائيّة الراجعة إلى البناء على الشرط الارتكازي كافٍ في ثبوت خيار العيب. نعم ، المطالبة بالأرش أمر زائد على البناء المزبور قد أثبته الدليل.

كما أنّ هذا هو الأساس أيضاً في ثبوت خيار الغبن ، لاستقرار بنائهم بمقتضى الارتكاز على المساواة بين العوضين في الماليّة ، فكان كشرط مبني عليه العقد ، ولأجله اقتضى تخلّفه الخيار من دون أرش ، لعدم كونه من مقتضيات الخيار المزبور الناشئ من تخلّف الشرط ، ولم يقم عليه دليل خاصّ كما قام في خيار العيب على ثبوته زائداً على أصل الخيار حسبما عرفت.

١١٣

نعم ، لو اعتقد كون مدّة الإجارة كذا مقداراً فبان أنّها أزيد (١) له الخيار أيضاً ، ولو فسخ المستأجر الإجارة رجعت المنفعة في بقيّة المدّة إلى البائع لا إلى المشتري (٢).

______________________________________________________

وعلى الجملة : أساس المعاوضات والمبادلات لدى العقلاء مبنيّ على أن يكون لكلّ من الطرفين تمام التصرّف فيما انتقل إليه كما كان له تمام التصرّف فيما انتقل عنه ، بحيث يكون مطلق العنان فيما يتلقّاه من الطرف الآخر يتصرّف فيه تصرّف الملّاك في أملاكهم حيثما شاءوا ، فإذا تخلّف ذلك ولم يتمكّن من التصرّف كذلك باعتبار كونه مسلوب المنفعة مدّة معيّنة لكونه متعلّقاً لإجارة صحيحة حسب الفرض فلا جرم قد تخلّف الشرط الارتكازي المستتبع لثبوت الخيار بين الفسخ والإمضاء.

(١) فإن كان التفاوت يسيراً كساعة أو ساعتين ، أو يوم أو يومين ، ونحو ذلك ممّا لا يعتدّ به عند العقلاء ، فلا أثر له ، لعدم تخلّف الشرط وقتئذٍ ، كما هو الحال في مورد خيار الغبن.

وأمّا إذا كان كثيراً بحيث يعتنى به ، كما لو اعتقد كون المدّة شهراً فبان أنّها شهران ، ثبت الخيار هنا أيضاً بعين المناط المتقدّم ، إذ حاله بالإضافة إلى هذه الزيادة كحاله في الجهل بأصل الإجارة في تخلّف الشرط الارتكازي من غير إقدام منه ، المستوجب لتعلّق الخيار.

(٢) قد يستشكل بعدم المقتضي لرجوعها إلى البائع ، بل مقتضى قانون تبعيّة المنافع للعين رجوعها إلى المشتري ، لأنّه الذي يملك العين فعلاً ، ومن الواضح عدم كون الفسخ بنفسه مملّكاً ، بل هو حلّ للعقد وفرضه كأن لم يكن ، فترجع

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

المنفعة وقتئذٍ إلى مالك العين ، وحيث إنّ البائع بعد صدور البيع أجنبي عن العين بالكلّيّة فبطبيعة الحال تعود المنافع إلى المشتري الذي هو المالك الفعلي.

ويندفع : بأنّ الأمر وإن كان كما ذكر من عدم كون الفسخ مملّكاً وإنّما هو حل للعقد ورجوع كلّ عوض إلى ما كان عليه ، وأنّ المنفعة تعود بمقتضى التبعيّة إلى مالك العين ، إلّا أنّ مقتضى ذلك أن تعود إلى المالك حال الفسخ ، أي المالك حال الإجارة وقبل تحقّق البيع ، لا المالك الفعلي لينطبق على المشتري ، لعدم أيّ موجب لذلك كما لا يخفى ، فلا يرجع إلى مطلق المالك أيّاً من كان.

وبعبارة اخرى : المالك قبل أن يؤاجر وقبل أن يبيع كان مالكاً للعين وللمنفعة على ما تقدّم من ثبوت ملكيّتين مستقلّتين عرضيّتين وإن كانت إحداهما تابعة للأُخرى (١) ، وأنّهما قابلتان للتفكيك ، فقد يخرج العين عن ملكه ويبقى المنفعة لنفسه ، وقد ينعكس كما هو المفروض في المقام ، حيث إنّ البائع آجر العين أوّلاً فنقل المنفعة وأبقى العين مسلوبة المنفعة عنده ، ثمّ بعد ذلك نقل العين على الحالة التي هو مالك لها أعني : كونها مسلوبة المنفعة إلى شخص آخر بالبيع ، فإذا انفسخ العقد الأوّل فبما أنّ معناه الانحلال وإرجاع كلّ شي‌ء إلى موضعه السابق فبطبيعة الحال ترجع المنفعة إلى مكانها الأوّل ، وبما أنّها خرجت عن ملك البائع فلا جرم تعود إليه ، فإنّه هو الذي كان مالكاً لها حال الإيجار وقبل البيع ، ولا مقتضي لرجوعها إلى مالك العين بعد الإيجار. ولعلّ هذا ظاهر جدّاً.

ولا ينبغي الشكّ في أنّ بناء العقلاء أيضاً على ذلك ، فليس للمشتري أن يطالب بالمنفعة بعد ما كان عالماً لدى التصدّي للشراء بأنّها مسلوبة المنفعة ، أو لو كان جاهلاً فقد رضي وأمضى العقد ولم يفسخ كما هو المفروض.

__________________

(١) في ص ٤.

١١٥

نعم ، لو اعتقد البائع والمشتري بقاء مدّة الإجارة وأنّ العين مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا وتبيّن أنّ المدّة منقضية (١) ، فهل منفعة تلك المدّة للبائع حيث إنّه كأنه شرط كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا ، أو للمشتري لأنّها تابعة للعين ما لم تفرز بالنقل إلى الغير أو بالاستثناء والمفروض عدمها؟ وجهان ،

______________________________________________________

(١) أو أنّها لم تكن مستأجرة من أصلها وأنّ اعتقاد الإجارة كان خيالاً محضاً ، فتوافقا على بيعها مسلوبة المنفعة باعتقاد كونها مستأجرة ، اعتقاداً مخالفاً للواقع.

فهل تعود منفعة تلك المدّة إلى البائع ، نظراً إلى أنّ الاعتقاد المزبور بمنزلة الاستثناء وكأنّه باعها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا؟

أو إلى المشتري ، باعتبار أنّ المدار على الواقع ومجرّد الاعتقاد لا أثر له ، فبعد ما انكشف أنّ المنفعة لم تكن ملكاً للغير فهي بطبيعة الحال تتبع العين ، وبما أنّها منتقلة إلى المشتري فلا جرم كانت المنفعة أيضاً كذلك ولو لم يكن يعلم به المشتري ولا البائع؟

فيه وجهان ، وقد اختار الماتن (قدس سره) الوجه الثاني ، بدعوى أنّ الخروج عن قانون التبعيّة لا يكون إلّا في موردين : إمّا الإفراز وتعيين كونها لشخص خاصّ كما لو كانت العين مستأجرة قبل بيعها ، أو الاستثناء والإبقاء لنفسه. وشي‌ء منهما غير متحقّق في المقام ، لانكشاف عدم الإجارة ، والمفروض عدم الاستثناء لنفسه ، ومعه لم يكن بدّ من انتقالها إلى المشتري بتبع العين.

هذا ، وللمناقشة فيه مجال واسع ، ضرورة أنّ هذه الكبرى الكلّيّة وهي دعوى تبعيّة المنافع للعين في الملكيّة لم تثبت بآية ولا رواية ، وإنّما الوجه فيها

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّ السبب المقتضي لملكيّة العين بنفسه يستوجب ملكيّة المنفعة المستتبعة لها بمناط واحد.

والسبب في بادئ الأمر هو الاستيلاء والحيازة ، أو الاستخراج من المعدن الذي هو أيضاً نوع من الاستيلاء ، أو التولّد في الملك ، ونحو ذلك من الأسباب المملّكة ، فلو صاد حيواناً أو أخرج معدناً أو أحرز مكاناً فأحياه فكما أنّه وضع يده على نفس العين فكذلك قد وضع يده على منافعها بتبع وضع اليد على العين ، فحصلت ملكيّة المنفعة بنفس السبب المملّك للعين وهو الاستيلاء ، الذي تنتهي الأسباب بالآخرة كلّها إليه ، وهو السبب الأوّل المحقّق لملكّية العين وبتبعها ملكيّة المنفعة ، وبعد ذلك فينتقل إلى غيره ، إمّا بسبب غير اختياري كالإرث ، أو بسبب اختياري كالبيع والهبة ونحوهما.

وعلى الجملة : فتبعيّة المنافع في الملك إنّما يكون بسببٍ لا محالة ، ولا تكون جزافاً ، وهو السبب الذي أوجد الملكيّة للعين حسبما عرفت ، أعني : الاستيلاء وما يلحق به من البيع ونحوه.

هذا فيما إذا كان السبب مقتضياً للتعميم.

وأمّا إذا فرضنا اختصاصه بالعين وعدم شموله للمنفعة كما هو المفروض في المقام ، حيث إنّ البائع ولو لأجل اعتقاده غلطاً كون المنفعة للغير لم ينشئ الملكيّة والنقل من الأوّل إلّا بالإضافة إلى العين خاصّة ، ولم يعتبرها ولو تبعاً بالنسبة إلى المنفعة بوجه. فبأيّ ميزان يحكم وقتئذٍ بانتقال المنفعة إلى المشتري مع عدم تحقّق أيّ سبب للنقل بالإضافة إليها لا أصالةً ولا تبعاً؟! وقد عرفت افتقار الملكيّة في تحقّقها إلى سببٍ ما ولو بالتبع ، إذ لا دليل على الملكيّة بلا سبب.

اللهمّ إلّا إذا ثبت بدليل خاصّ وتعبّد شرعي : أنّ من ملك عيناً ملك

١١٧

والأقوى الثاني. (*) نعم ، لو شرطا كونها مسلوبة المنفعة إلى زمان كذا بعد اعتقاد بقاء المدّة كان لما ذكر وجه (١).

______________________________________________________

منفعتها بالتبع ، حتى يقال بشمول عموم دليل التبعيّة للمقام ، وقد عرفت عدم ثبوته بوجه ، بل أنّ المقتضي لملكيّة العين إن كان مقتضياً لملكيّة المنافع فهي أيضاً مملوكة بتبع العين كما في الأمثلة المذكورة ، وأمّا إذا كان المقتضي مختصّاً بالعين ومنحصراً فيها لاختصاص اعتبار الملكيّة وإبرازها المعبّر عنه بالإنشاء بالعين فقط وعدم التعلّق بالمنفعة حتى تبعاً فلا مقتضي حينئذٍ لانتقالها إلى المشتري ، بل هي باقية على ملك البائع.

وعلى الجملة : فالمقتضي في المقام لنقل المنفعة قاصر في حدّ نفسه ، ولا دليل على التبعيّة بقولٍ مطلق بنحوٍ يشمل ما نحن فيه.

إذن فالأوجه أنّ المنافع ترجع إلى البائع دون المشتري ، فإنّه وإن لم يكن هنا استثناء بذاك المعنى أي الإبقاء لنفسه صريحاً إلّا أنّ نفس عدم المقتضي للانتقال إلى المشتري كافٍ في البقاء على ملكيّة المالك بعد انكشاف أنّ العين لم تكن متعلّقة للإجارة أو كانت المدّة منقضية.

(١) في تعليقة شيخنا الأُستاذ (قدس سره) ما لفظه : لكنّه غير موجّه ، إذ الشرط في المقام بمنزلة التوصيف لا الاستثناء ، فلا أثر له (١).

وتوضيحه : أنّ الاستثناء إمّا أن يراد به الإبقاء في الملك ، أو يراد به كون المنفعة مفروزة وأنّها من شخص آخر لإجارة ونحوها ، وشي‌ء منهما لا يتمّ في المقام.

__________________

(*) لا يبعد أن يكون الأوّل هو الأقوى.

(١) تعليقة النائيني على العروة الوثقى ٥ : ٢٧ (تحقيق جماعة المدرسين).

١١٨

ثمّ بناءً على ما هو الأقوى من رجوع المنفعة في الصورة السابقة إلى المشتري فهل للبائع الخيار أو لا؟ وجهان ، لا يخلو أوّلهما من قوّة (*) ، خصوصاً إذا أوجب ذلك له الغبن (١) ،

______________________________________________________

أمّا الأوّل : فظاهر ، إذ كيف يستثني لنفسه ويبقى المنفعة في ملكه مع اعتقاد كونها للغير وتخيّل أنّ العين مستأجرة كما هو المفروض؟! وكذا الثاني ، إذ لا إفراز بعد انكشاف عدم الإجارة أو كون المدّة منقضية.

وعليه ، فليس الاشتراط في المقام من قبيل الاستثناء في شي‌ء ، فلا أثر له ، وبمقتضى تبعيّة المنفعة للعين ترجع إلى المشتري في هذه الصورة أيضاً.

ويندفع : برجوع الاشتراط المزبور إلى التصريح بعدم التمليك وأنّه باع العين بشرط كونها مسلوبة المنفعة ، وإن كان الداعي على هذا التصريح والاشتراط اعتقاد كونها مستأجرة وأنّ المنفعة للغير ، فغايته أنّ الداعي قد تخلّف ولم يكن الأمر كما تخيّل ، ومن الضروري أنّ تخلّفه لا يقدح ، إذ هو بالآخرة قد شرط وصرّح وخصّ النقل بالعين المجرّدة ، ولم يملّك المنفعة صريحاً ، فعلى فرض تسليم التبعيّة لن نسلّمها لدى التصريح بخلافها في متن العقد كما هو المفروض ، ولا مجال لقاعدة التبعيّة في هذه الحالة بوجه.

فما ذكره في المتن من رجوع المنفعة حينئذٍ إلى البائع هو الموجّه ، بل قد عرفت البقاء على ملكه وعدم الانتقال إلى المشتري حتى بدون الاشتراط فضلاً عن صورة الاشتراط ، لأنّه قد باع العين المجرّدة عن المنفعة حسبما تقدّم.

(١) أمّا مع فرض الغبن فلا إشكال في ثبوت خيار الغبن كما هو واضح.

__________________

(*) بل الأقوى هو الثاني إلّا إذا كان ذلك موجباً للغبن.

١١٩

أمّا لو بيعت عليه ففي انفساخ الإجارة وجهان ، أقواهما العدم (١). ويتفرّع على ذلك أُمور :

______________________________________________________

وأمّا مع فرض عدمه فالظاهر ثبوت الخيار أيضاً كما قوّاه في المتن بناءً على مبناه من رجوع المنفعة إلى المشتري والوجه فيه : أنّ المتبايعين بعد أن كانا معتقدين بقاء مدّة الإجارة وأنّ العين مسلوبة المنفعة كما هو المفروض فهما بطبيعة الحال قد أوقعا العقد (١) مبنيّاً على هذا الوصف ، فكان ذلك في قوّة الاشتراط من ناحية البائع بكون المنتقل إلى المشتري هي العين المجرّدة الموصوفة بكونها مسلوبة المنفعة ، وقد تخلّف هذا الشرط وانكشف أنّها ذات منفعة فعليّة ، فلا جرم يثبت للبائع خيار تخلّف الوصف بعين المناط الذي كان يثبت للمشتري فيما لو كان الشرط من ناحيته ، فكما أنّ المشتري لو اشترى العبد المقيّد بكونه كاتباً يثبت له الخيار لو تخلّف الشرط ، فكذا لو باع مقيّداً بعدم كونه كاتباً فإنّه يثبت له أيضاً خيار تخلّف الشرط لو انكشف كونه كاتباً ، لوحدة المناط من الجانبين وكونهما بملاك واحد ، فعين ما كان يوجب الخيار للمشتري عند تخلف الوصف يجرى من ناحية البائع أيضاً.

وبالجملة : فما ذكره الماتن (قدس سره) من ثبوت الخيار على التقديرين وجيه على مبناه من رجوع المنفعة إلى المشتري ، لكن المبنى غير تامّ حسبما عرفت.

(١) لعدم ثبوت أيّ موجب للانفساخ ، غايته أنّ المبيع يكون عيناً مسلوبة المنفعة ، فلا تجري هنا قاعدة تبعيّة المنفعة للعين ، إذ المشتري قد تملّكها أوّلاً

__________________

(١) كون المقام من قبيل العقد المبني على الوصف بمجرّد الاعتقاد المزبور لا يخلو عن نوع من الغموض ، ولعلّه لأجله خصّ المحقّق النائيني وجملة من أعلام المحشّين الخيار بصورة الغبن خاصّة ، فلاحظ.

١٢٠