موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

سيابة غلط ، لأن ابن سيابة من رجال الصادق (عليه السلام) ولم يعلم بقاؤه إلى ما بعد الصادق (عليه السلام) وموسى بن القاسم من أصحاب الرضا (عليه السلام) والجواد (عليه السلام) فكيف يتصور روايته عنه.

نعم ، قد يروي موسى بن القاسم عن أصحاب الصادق (عليه السلام) لكن عن الأصحاب الذين بقوا إلى بعد الصادق (عليه السلام) ، وأمّا عبد الرحمن بن سيابة فلم يعلم بقاؤه إلى ما بعد الصادق (عليه السلام).

وأمّا عبد الرحمن بن أبي نجران فهو من رجال الرضا والجواد (عليهما السلام) وموسى بن القاسم روى عنه كثيراً ، وابن أبي نجران يروي عن حماد فذلك قرينة على أن عبد الرحمن هذا هو ابن أبي نجران.

أقول : إن رواية موسى بن القاسم عن عبد الرحمن بن سيابة وهو عن حماد وإن كانت منحصرة بهذه الرواية ولكن لا موجب للجزم بالغلط ، فان البرقي روى عن عبد الرحمن بن سيابة ، والبرقي من طبقة موسى بن القاسم ، فيمكن أن يروي موسى ابن القاسم عنه كما روى عنه البرقي. على أنه لو فرضنا أن ذكر سيابة غلط فلم يعلم أن عبد الرحمن هذا هو ابن أبي نجران ولعله شخص آخر مسمى بعبد الرحمن ، فلا يمكن الحكم بصحة الرواية.

ويمكن أن يقال : إنه كان على الشيخ حسن صاحب المنتقى أن يحتمل احتمالاً آخر أقرب مما احتمله ، وهو أن يكون ذكر عبد الرحمن بن سيابة بين موسى بن القاسم وحماد زائداً ، لأن موسى بن القاسم يروي كثيراً عن حماد بلا واسطة ، فمن المحتمل أن يكون ذكر عبد الرحمن في هذا الموضع من غلط النسّاخ والكتّاب ، فلا حاجة إلى احتمال كون المذكور عبد الرحمن بن أبي نجران.

ولكن الرواية معتبرة على المختار ، لأن عبد الرحمن بن سيابة من رجال كامل الزيارات ، وإن كان ذكر عبد الرحمن بين موسى بن القاسم وبين حماد زائداً ، فالأمر أوضح وتكون الرواية معتبرة حتى على المشهور.

ومن جملة الروايات الدالة على البطلان : صحيحة صفوان قال : «سألته عن ثلاثة

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

دخلوا في الطّواف فقال واحد منهم : احفظوا الطّواف ، فلما ظنوا أنهم قد فرغوا ، قال واحد منهم : معي ستة أشواط كما في الكافي (١) ورواه الشيخ قال واحد : معي سبعة أشواط ، وقال الآخر : معي ستة أشواط ، وقال الثالث : معي خمسة أشواط قال : إن شكوا كلّهم فليستأنفوا ، وإن لم يشكوا وعلم كل واحد منهم ما في يديه فليبنوا» (٢) فإنها ظاهرة في أن الشك بين الخمسة والستة والسبعة موجب للبطلان.

ولكن السيد صاحب المدارك (٣) اختار القول بالصحة وبالبناء على اليقين وهو البناء على الأقل ، وحمل الروايات الآمرة بالاستئناف والإعادة على الاستحباب واستشهد بعدة من الروايات.

منها : صحيحة رفاعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال «في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة ، قال : يبني على يقينه» (٤) والبناء على اليقين هو معنى البناء على الأقل.

وفيه : إن أُريد من قوله «يبني على يقينه» هو البناء على اليقين وإحراز العمل الصحيح لا البناء على إتيان الأقل ، فالمعنى أنه يجب عليه إحراز العمل الصحيح ، كما هو المراد في باب الشك في أعداد الصلاة ، يعني يأتي عملاً لا يحتمل فيه زيادة ولا نقيصة ، ويمضي في صلاته على يقين ، غاية الأمر أن الأئمة (عليهم السلام) علّموا كيفية تحصيل اليقين في باب الصلاة ، وفي باب الطّواف أيضاً ، وأنه يجب على المكلف أن يعمل عملاً يحرز به الصحة ، ومقتضاه هنا الإعادة ، إذ لا يمكن الإحراز وتحصيل اليقين بعدم الزيادة وبعدم النقيصة إلّا بهدم الطّواف الذي بيده ، وإعادة الطّواف الذي بيده (٥) وإعادة الطّواف برأسه ، فالمراد باليقين المذكور في الصحيحة نفس اليقين لا البناء على الأقل.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٢٩ / ١٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤١٩ / أبواب الطواف ب ٦٦ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٤٦٩ / ١٦٤٥.

(٣) المدارك ٨ : ١٨١.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٦٠ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٥.

(٥) المناسب حذف هذه العبارة : «وإعادة الطّواف الذي بيده».

٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن أريد به المتيقن كما ذكره المدارك ، فالرواية مطلقة من حيث النافلة والفريضة وتقيد بالبطلان في الفريضة للروايات الدالّة على البطلان بالشك في النقيصة في الفريضة.

ومنها : صحيحة منصور بن حازم «عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة ، قال : فليعد طوافه ، قلت : ففاته ، قال : ما أرى عليه شيئاً والإعادة أحب إليَّ وأفضل» (١) وبمضمونها صحيحة معاوية بن عمار (٢).

والجواب : أنه لم يذكر في هاتين الصحيحتين أنه أتى بالسبع ، بل المذكور فيها أنه شك بين الستة والسبعة وذهب ولم يأت بشوط آخر ، وهذا باطل قطعاً حتى عند صاحب المدارك ، لأنه لم يحرز إتيان السبعة.

وبالجملة : لا ريب في أن الاقتصار بالسبع المحتمل مقطوع البطلان ، فلا بد من حمل الصحيحتين على الشك بعد الفراغ من العمل والانصراف منه والدخول في صلاة الطّواف ، فإنه لم يعتن بالشك حينئذ وإن كانت الإعادة أفضل ، أو حملها على الطّواف المستحب.

ولو فرضنا رفع اليد عن إطلاقها من حيث حصول الشك بعد الفراغ أو في الأثناء وحملناها على حصول الشك في الأثناء ، فتكون حال هاتين الروايتين حال رواية أُخرى لمنصور بن حازم قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) إن طفت فلم أدر أستة طفت أم سبعة ، فطفت طوافاً آخر ، فقال : هلّا استأنفت؟ قلت : طفت وذهبت ، قال : ليس عليك شي‌ء» (٣) فإنها واضحة الدلالة على حصول الشك في الأثناء وغير قابلة للحمل على ما بعد الطّواف ، كما أنها غير قابلة للحمل على المندوب لعدم الاستئناف في المندوب ، ولكنها ظاهرة الدلالة على الصحة لقوله : في الصحيحة «ليس عليك شي‌ء».

فيرد عليه حينئذ : أن الاستدلال بهذه الصحيحة خلط بين المسألتين إذ في المقام

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦١ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٨.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٦١ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٥٩ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٣.

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مسألتان :

الاولى : أن من شك بين الأقل والسبعة يبطل طوافه ، والصحيحة تدل على ذلك صريحاً لقوله معترضاً على السائل «هلّا استأنفت».

الثانية : من ترك الطّواف عامداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به ثم ذهب إلى أهله وفات زمان التدارك كما ذهب شهر ذي الحجة فإن الحج محكوم بالبطلان ، وكذا لو كان جاهلاً بالحكم.

وأمّا الناسي فقد استثني من الحكم بالبطلان على تفصيل سيأتي إن شاء الله تعالى.

ثم إن الجاهل الذي ذكرنا أنه يحكم ببطلان طوافه وحجه فهل الجاهل على إطلاقه كذلك ، أو يستثني منه هذه الصورة ، وهي ما لو شك بين السادس والسابع وفاته زمان التدارك وذهب إلى بلاده وأهله؟ فان صاحب الحدائق ادعى عدم النزاع والخلاف على الصحة في خصوص هذه الصورة ، قال : ومحل الخلاف إنما هو مع الحضور ، وأمّا مع الذهاب إلى الأهل والرجوع إلى بلاده فلا نزاع في الحكم بالصحة لأجل هذه الروايات (١) وقد صرح بهذا التفصيل المجلسي (رحمه الله) (٢) ولكن صاحب الجواهر ذهب إلى البطلان حتى في هذه الصورة وادعى عليه الإجماع ، ولا فرق عنده بين ترك الطّواف برأسه ، أو شك بين السادس والسابع ، سواء كان حاضراً في مكة وتمكن من العود والاستئناف أو خرج من مكة وذهب إلى أهله وشق عليه العود إلى مكة (٣).

فان تم ما ذكره الجواهر من الإجماع على البطلان مطلقاً حتى في صورة الخروج من مكة والذهاب إلى الأهل ، فلا بد من طرح الصحيحة من حيث الذيل الدال على أنه ليس عليه شي‌ء وإيكال علمه إليهم (عليهم السلام) وإن لم يتم الإجماع كما لا يتم جزماً ، خصوصاً في هذه المسألة التي قل التعرض إليها ، فلا مانع من العمل بالصحيحة

__________________

(١) الحدائق ١٦ : ٢٣٤.

(٢) مرآة العقول ١٨ : ٣٨.

(٣) الجواهر ١٩ : ٣٨٣.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا استبعاد في ذلك ، فنلتزم بأن خصوص هذا الجاهل ملحق بالناسي من حيث الحكم بالصحة ، وقد أفتى بمضمونها المدارك والمجلسي والحدائق ، بل ادعى صاحب الحدائق الإجماع على الصحة ، ولذا نذكر في المسألة الآتية أنه لم تبعد صحة طوافه في هذه الصورة ، هذا تمام الكلام في الصورة الأُولى.

الصورة الثانية : الشك في الزيادة والنقيصة ، كما إذا شك في أن شوطه هذا هو السادس أو السابع أو الثامن ، ففيها أيضاً يحكم بالبطلان ، ويدلُّ عليه بالخصوص معتبرة أبي بصير قال : «قلت له : رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية ، قال : يعيد طوافه حتى يحفظ» (١) فان المستفاد منها لزوم كون السبعة محفوظة.

وصحيحة الحلبي «عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية ، فقال : أمّا السبعة فقد استيقن وإنما وقع وهمه على الثامن ، فليصل ركعتين» (٢) فان المستفاد منها لزوم إحراز السبعة ، فاذا أُحرزت فلا يضر الوهم بالزائد ، وأمّا إذا لم تحرز السبعة وكان الإتيان بها مشكوكاً يحكم بالبطلان ، بل يمكن الاستدلال للبطلان بكل ما دلّ على البطلان بين السابع والسادس ، لأنه مطلق من حيث اقتران الشك بين السادس والسابع بالشك في الثامن أم لا ، ويؤيد برواية المرهبي (٣) وبخبر أبي بصير (٤).

الصورة الثالثة : الشك في الأقل من الست والسبع ، كما لو شك بين الثالث والرابع أو الرابع والخامس وهكذا ، ففي مثله أيضاً يحكم بالبطلان ، لمعتبرة حنان بن سدير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما تقول في رجل طاف فأوهم قال : طفت أربعة أو طفت ثلاثة؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : أيّ الطوافين كان ، طواف نافلة

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٢ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٦٨ / أبواب الطواف ب ٣٥ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٦٠ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٦٢ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ١٢.

٨٥

مسألة ٣١٨ : إذا شكّ بين السادس والسابع وبنى على السادس جهلاً منه بالحكم وأتم طوافه لزمه الاستئناف ، وإن استمر جهله إلى أن فاته زمان التدارك لم تبعد صحة طوافه (١).

مسألة ٣١٩ : يجوز للطائف أن يتّكل على إحصاء صاحبه في حفظ عدد أشواطه إذا كان صاحبه على يقين من عددها (٢).

______________________________________________________

أم طواف فريضة؟ قال : إن كان طواف فريضة فليلق ما في يديه وليستأنف» (١) ومحمد ابن إسماعيل الواقع في السند هو محمد بن إسماعيل بن بزيع بقرينة رواية أحمد بن محمد البرقي عنه ، وروايته أيضاً عن حنان بن سدير.

ويدل على البطلان كل ما دل على البطلان في الشك بين الست والسبع ، لأن الشك بين الرابع والخامس مثلاً (٢) ، فأضاف إليه شوطاً آخر يؤول إلى الشك بين الرابع والخامس مثلاً والسابع فيدخل في الروايات الدالّة على البطلان لو شك بين السادس والسابع. ويؤيد أيضاً بخبر المرهبي (٣) والبطائني (٤).

(١) تقدّم شرح هذه المسألة (٥) فانتبه.

(٢) لا ريب في أن مقتضى القاعدة الأولية عدم جواز الاتكال على الغير في إحصاء عدد أشواطه ، فان كل مكلف يجب عليه تحصيل اليقين في إتيان الواجب وامتثاله ، ولكن ورد في صحيح سعيد الأعرج جواز الاتكال قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الطّواف أيكتفي الرجل بإحصاء صاحبه؟ فقال : نعم» (٦).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٠ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٧.

(٢) الصحيح أن يُقال : لأنّه لو شكّ بين الرابع والخامس ، فأضاف إليه شوطين يؤول إلى الشك بين السادس والسابع.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٦٠ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٦٢ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ١٢.

(٥) في ص ٨٤.

(٦) الوسائل ١٣ : ٤١٩ / أبواب الطّواف ب ٦٦ ح ١.

٨٦

مسألة ٣٢٠ : إذا شك في الطّواف المندوب يبني على الأقل وصح طوافه (١).

مسألة ٣٢١ : إذا ترك الطّواف في عمرة التمتّع عمداً مع العلم بالحكم أو مع الجهل به ولم يتمكن من التدارك قبل الوقوف بعرفات بطلت عمرته وعليه إعادة الحج من قابل ، وقد مرّ أن الأظهر بطلان إحرامه أيضاً ، لكن الأحوط أن يعدل إلى حج الافراد ويتمه بقصد الأعم من الحج والعمرة المفردة. وإذا ترك الطّواف في الحج متعمداً ولم يمكنه التدارك بطل حجه ولزمته الإعادة من قابل ، وإذا كان ذلك من جهة الجهل بالحكم لزمته كفارة بدنه أيضاً (٢).

______________________________________________________

ويؤيد برواية الهذيل في الرجل يتكل على عدد صاحبته في الطّواف أيجزيه عنها وعن الصبي؟ فقال : نعم ، ألا ترى أنك تأتم بالإمام إذا صلّيت خلفه ، فهو مثله (١) ورواه أيضاً في الوسائل في باب ٢٤ من الخلل عن أبي الهذيل (٢) ، والصحيح ما ذكره هنا كما في الفقيه (٣) وكيف كان الرواية ضعيفة ، وفي صحيح سعيد الأعرج غنى وكفاية.

(١) كما في عدة من النصوص المعتبرة (٤) فلا مانع من الزيادة في النافلة.

(٢) ذكرنا في أوّل البحث عن الطّواف (٥) أن الطّواف من أركان الحج والعمرة ويفسدان بتركه عمداً ، سواء كان عالماً بوجوبه أو جاهلاً به ، وكذا يبطل إحرامه ، فإن الإحرام إنما يكون جزءاً للحج إذا لحقته بقية الأجزاء وإلّا ينكشف بطلان الإحرام من الأوّل وعليه الحج من قابل ، وقد تقدم جميع ذلك مفصلاً فلا موجب للإعادة.

نعم ، لو تركه من جهة الجهل بالحكم يجب عليه كفارة بدنة ، لصحيح علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٢٠ / أبواب الطواف ب ٦٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ٨ : ٢٤٢ / أبواب الخلل في الصلاة ب ٢٤ ح ٩.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٤ / ١٢٣٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٦٠ ـ ٣٦٢ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٤ ، ٧ ، ١٢.

(٥) في ص ١.

٨٧

مسألة ٣٢٢ : إذا ترك الطّواف نسياناً وجب تداركه بعد التذكّر ، فان تذكّره بعد فوات محلّه قضاه وصحّ حجّه ، والأحوط إعادة السعي بعد قضاء الطّواف وإذا تذكره في وقت لا يتمكّن من القضاء أيضاً كما إذا تذكره بعد رجوعه إلى بلده وجبت عليه الاستنابة ، والأحوط أن يأتي النائب بالسعي أيضاً بعد الطّواف (١).

______________________________________________________

الفريضة ، قال : إن كان على وجه الجهالة في الحج أعاد وعليه بدنة» (١) ويؤيد بخبر علي بن أبي حمزة (٢).

(١) من ترك الطّواف نسياناً وغفلة ، فتارة يفرض بقاء المحل وإمكان التدارك كما إذا تركه في عمرة التمتّع ، أو تركه في الحج وتذكّره في شهر ذي الحجة ويمكنه الرجوع وأُخرى لا يمكنه التدارك.

أمّا الأول : فلا ريب في لزوم التدارك والإتيان به ، لتمكنه منه والمفروض بقاء الوقت وإمكان التدارك ، وتدل عليه روايات عديدة :

منها : معتبرة إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة. فبينما هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك من طوافه بالبيت ، قال : يرجع إلى البيت فيتم طوافه ، ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي. قلت : فإنه بدأ بالصفا والمروة قبل أن يبدأ بالبيت ، فقال : يأتي البيت فيطوف به ثم يستأنف طوافه بين الصفا والمروة. قلت : فما الفرق بين هذين؟ قال : لأن هذا قد دخل في شي‌ء من الطّواف ، وهذا لم يدخل في شي‌ء منه» (٣).

ومنها : خبر منصور بن حازم «عن رجل بدأ بالسعي بين الصفا والمروة ، قال : يرجع فيطوف بالبيت ثم يستأنف السعي» (٤) وهذا الخبر رواه الشيخ (٥) بإسناده عن موسى بن القاسم ، عن محمد عن سيف بن عميرة عن منصور ، وهذا السند بعينه

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٠٤ / أبواب الطّواف ب ٥٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٠٤ / أبواب الطّواف ب ٥٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤١٣ / أبواب الطّواف ب ٦٣ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤١٣ / أبواب الطّواف ب ٦٣ ح ١.

(٥) التهذيب ٥ : ١٢٩ / ٤٢٧.

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

مذكور في عدّة من الروايات ، وفي بعضها موسى بن القاسم عن محمد بن سيف بن عميرة (١) وهذا الاسم لا وجود له في الرجال ، والصحيح هو الأول أي محمد عن سيف.

والرواية ضعيفة ، لأن موسى بن القاسم يروي عن عدة أشخاص مسمّين بمحمد وهم يروون عن سيف بن عميرة بعضهم ثقات وبعضهم غير ثقة ، ولم يعلم أنّ محمد من هو.

ومنها : صحيحة منصور بن حازم «عن رجل طاف بين الصفا والمروة قبل أن يطوف بالبيت ، قال : يطوف بالبيت ، ثم يعود إلى الصفا والمروة فيطوف بينهما» (٢).

وهذه الرواية يرويها الكليني بلا واسطة عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان (٣) ومحمد بن إسماعيل هذا هو محمد بن إسماعيل البندقي النيسابوري ، واحتمل بعضهم أنه محمد بن إسماعيل بن بزيع ، وهذا بعيد جدّاً ، لأن ابن بزيع من أصحاب الرضا (عليه السلام) ولا يمكن أن يروي الكليني عنه بلا واسطة ، كما أن ما احتمله بعضهم بأنه محمد بن إسماعيل البرمكي صاحب الصومعة بعيد أيضاً ، فإن طبقته متقدمة على طبقة الكليني ، فالظاهر بل المتعين أنه النيسابوري الذي يروي عنه الكشي أيضاً بلا واسطة ، فإن الكشي والكليني في طبقة واحدة ، والرجل وإن لم يوثق في الرجال ولكنه من رجال كامل الزيارات ، مضافاً إلى أن كثرة رواية الكليني عنه التي تبلغ أكثر من سبعمائة مورداً توجب الاطمئنان بوثاقة الرجل ، هذا كله فيما إذا أمكن التدارك.

وأمّا الثاني : وهو ما إذا تذكّره في وقت لا يتمكّن من القضاء والتدارك فتكليفه بالأداء ساقط جزماً لفوات محل التدارك ، فهل يحكم ببطلان الحج ووجوب الحج عليه من قابل ، أو يحكم بصحة حجّه وقضاء الطّواف بنفسه ولو بعد انقضاء الوقت أو يستنيب إن تعذر العود؟ وجهان.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٤١ / ٤٦٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤١٣ / أبواب الطّواف ب ٦٣ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢١ / ٢.

٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اختار الثاني صاحب المدارك (١) والجواهر (٢) بل قال في الجواهر بلا خلاف معتدّ به ، وذلك يشعر بوجود المخالف ، ويظهر من الشيخ الحكم بالبطلان (٣) ، لأنه استدل للبطلان بنسيان الطّواف بروايتين موردهما الجهل لا النسيان الأُولى : رواية على ابن أبي حمزة قال : «سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله ، قال : إذا كان على جهة الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة» (٤).

الثانية : صحيحة علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال : إن كان على وجه الجهالة في الحج أعاد وعليه بدنة» (٥).

ثم روى صحيحة علي بن جعفر «عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال : يبعث بهدي ، إن كان تركه في حج بعث به في حج وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ووكّل من يطوف عنه ما ترك من طوافه» (٦).

والظاهر من صحيحة علي بن جعفر صحة الحج ، ولذا أمر (عليه السلام) بأن يوكّل شخصاً يطوف عنه ، ولو كان الحج باطلاً برأسه لا مجال لمثل هذا الأمر منه ، ولذا حملها على طواف النساء ، فالحكم بصحة الحج إنما هو في فرض ترك طواف النساء ، وأمّا طواف الحج فلم يرد فيه نص في نسيانه ، فيعلم أن النسيان حاله حال الجهل في وجوب الإعادة.

والحاصل : يظهر من استدلال الشيخ بالروايتين المتقدمتين أن النسيان كالجهل في الحكم بالإعادة وبطلان الحج ، لأنه استدل بهما لما حكاه من كلام المقنعة في حكم من نسي الطّواف وأن عليه بدنة وإعادة الحج.

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٧٥.

(٢) الجواهر ١٩ : ٣٧٤.

(٣) التهذيب ٥ : ١٢٧.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٠٤ / أبواب الطّواف ب ٥٦ ح ٢.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٠٤ / أبواب الطّواف ب ٥٦ ح ١.

(٦) الوسائل ١٣ : ٤٠٥ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ١.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور من الحكم بالصحة ، لا لحديث الرفع لأن حديث الرفع مقتضاه رفع الأحكام ولا نظر له إلى الإثبات والحكم بالصحة وأن ما أتى به مجزئ ومسقط للواجب كما حقق في محله (١).

ويكفينا في الحكم بالصحة صحيح علي بن جعفر المتقدم ، فان قوله : «ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه» ظاهر في الحكم بالصحة ، وحمله على طواف النساء كما صنعه الشيخ بعيد جدّاً ، لأن طواف النساء ليس من طواف الفريضة ، أي ما فرضه الله تعالى في الكتاب ، وإنما هو واجب مستقل سنّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) والظاهر من طواف الفريضة المسئول عنه في الرواية هو الطّواف الواجب في الحج لا الطّواف الواجب المستقل الذي يؤتى به بعد الحج ، والذي تركه عمداً لا يوجب البطلان ، مضافاً إلى أن تفصيل الإمام (عليه السلام) «إن كان تركه في حج بعث بهديه في حج ، وإن كان تركه في عمرة بعث في عمرة» كالصريح في طواف الحج وحمله على طواف النساء الواجب في الحج وحمل العمرة على العمرة المفردة بعيد جدّاً.

ويظهر من هذه الرواية الصحيحة وجوب الطّواف على الناسي نفسه إن تمكن من العود وإلّا فيستنيب ، إذ لا نحتمل وجوب الاستنابة مطلقاً حتى إذا تمكن بنفسه من الطّواف كما نسب إلى بعض المتأخرين.

والمتحصل : أنّ من نسي الطّواف له صور :

الاولى : ما إذا فات عنه الطّواف نسياناً وتذكره وقد بقي من الوقت ما يتمكّن تداركه.

الثانية : ما إذا نسيه وفات الوقت ولكن يتمكّن من التدارك بنفسه.

الثالثة : ما إذا فات الوقت ولا يتمكّن من التدارك بنفسه.

أمّا الاولى : فلا إشكال في وجوب التدارك بلا كلام. وأمّا في الصورتين فالحج صحيح ويجب عليه التدارك بنفسه أو الاستنابة. وعن الشيخ في الخلاف (٢) وعن الغنية (٣)

__________________

(١) أشار إلى ذلك في مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٧ ذيل الأمر الثالث.

(٢) لاحظ الخلاف ٢ : ٣٢٤ ، نسبه إليه في الرياض ٧ : ٥٥.

(٣) الغنية : ١٧١.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الإجماع على الصحة ، ولكن الشيخ ذهب إلى البطلان في كتابي التهذيب (١) والاستبصار (٢) واستدل بصحيحة علي بن يقطين وخبر علي بن أبي حمزة الواردين في الجاهل (٣) لا الناسي ، ثم ذكر صحيح علي بن جعفر الدال على الصحة (٤) ولكنه حمله على طواف النساء وأيّد ذلك برواية معاوية بن عمار الواردة في من ترك طواف النساء (٥).

وهذا من غرائب ما صدر منه (قدس سره) فإن المسألة إجماعية ، حتى أن الشيخ بنفسه ادعى الإجماع على الصحة في كتاب الخلاف (٦). على أن المراد بالطواف الوارد في صحيح علي بن جعفر ليس هو طواف النساء ، لأن المسئول هو طواف الفريضة وظاهره الطّواف الذي فرضه الله تعالى في كتابه العزيز ، وهو طواف الحج في قبال ما سنّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وطواف الفريضة وإن أُطلق على طواف النساء أحياناً في بعض الروايات ولكنه لا بدّ من حمله على نحو من المسامحة والعناية.

وبالجملة طواف النساء وإن كان واجباً ولكنه ليس ممّا فرضه الله في الكتاب ، بل هو عمل واجب مستقل سنّة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وتركه عمداً لا يضر بالحج فضلاً عن النسيان.

ثم إنّ كلمة الفريضة لم توجد في البحار الناقل عن قرب الاسناد (٧) وطريق المجلسي إلى قرب الاسناد نفس طريق الشيخ إليه ، وفي قرب الاسناد «رجل ترك طوافاً أو نسي من طواف الفريضة» (٨) وفي التهذيب ورد «طواف الفريضة».

ثم إنّ المقابلة بين الحج والعمرة المذكورة في صحيح علي بن جعفر قرينة قطعية

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٢٧.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٢٨.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٠٤ / أبواب الطواف ب ٥٦ ح ١ ، ٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٠٥ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ١.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٠٧ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ٦.

(٦) تقدّم مصدره في الصفحة السابقة.

(٧) البحار ٩٦ : ٢٠٦ / ٣ وفيه «عن رجل ترك طوافاً أو نسي من طواف الفريضة».

(٨) قرب الاسناد : ٢٤٤ / ٩٦٩.

٩٢

مسألة ٣٢٣ : إذا نسي الطّواف حتى رجع إلى بلده وواقع أهله ، لزمه بعث هدي إلى منى إن كان المنسي طواف الحج ، وإلى مكة إن كان المنسي طواف العمرة ، ويكفى في الهدي أن يكون شاة (١).

______________________________________________________

على أن المراد بطواف الفريضة هو طواف الحج ، فلا موجب لحملة على طواف النساء وحمل العمرة على المفردة.

ثم إن الظاهر من قوله «رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده» (١) عدم إمكان التدارك بنفسه ، ولذا أمر أن يوكل من يطوف عنه ، ولا نحتمل وجوب الاستنابة تعبّداً ، بل الاستنابة في فرض عدم تمكن المكلف من التدارك بنفسه كما تقتضيه القاعدة الأوّلية أيضاً.

وممّا يؤكد ما ذكرنا : صحيح هشام بن سالم «عمّن نسي زيارة البيت حتى رجع إلى أهله ، فقال : لا يضرّه إذا كان قد مضى مناسكه» (٢).

والشيخ في التهذيب حمل هذه الصحيحة على طواف الوداع ، لأنه (قدس سره) ذكرها في باب الوداع (٣) واحتمله صاحب الوسائل أيضاً ، ولا يخفى أنه لا موجب لذلك ، بل الظاهر منها هو طواف الحج ، فان المراد بزيارة البيت هو طواف الحج ولا وجه لحملة على خصوص طواف الوداع.

(١) نسب إلى أكثر الفقهاء وجوب بدنة. وذهب جماعة منهم المحقق (٤) وصاحب الجواهر (٥) إلى أنه لا كفارة عليه. واحتمل المحقق أن القائلين بالكفارة إنما أرادوا وجوب الكفارة إذا واقع أهله بعد التذكر ، وأمّا إذا واقع وهو في حال النسيان فلا شي‌ء عليه. فاذن يرتفع الخلاف.

__________________

(١) في صحيح علي بن جعفر المتقدِّم في ص ٩٠.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٩١ / أبواب العود إلى منى ب ١٩ ح ١ ، ٢٤٤ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٨٢ / ٩٦١.

(٤) الشرائع ١ : ٣١٠.

(٥) الجواهر ١٩ : ٣٨٦.

٩٣

مسألة ٣٢٤ : إذا نسي الطّواف وتذكّره في زمان يمكنه القضاء قضاه بإحرامه الأول من دون حاجة إلى تجديد الإحرام. نعم ، إذا كان قد خرج من مكة ومضى عليه شهر أو أكثر لزمه الإحرام لدخول مكة كما مر (١).

______________________________________________________

واستدل لوجوب الكفارة بروايات ثبوت الكفارة على من واقع قبل الطّواف وأجابوا عن ذلك بالروايات النافية للكفارة على الناسي وبحديث الرفع ، إلّا إذا أُريد ثبوت الكفارة بعد التذكر فلا خلاف.

ولكن الظاهر ثبوت الكفارة إلّا أنه ليست بدنة ، للروايات النافية وحديث الرفع إلّا أن صحيح علي بن جعفر صريح في وجوب بعث الهدي الوارد في النسيان (١) فيكون مخصصاً لما دل على عدم ثبوت الكفارة على الناسي ، فإن الظاهر من قوله : «نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده» استمرار النسيان إلى المواقعة وتحقق الوقاع حال النسيان.

ثم إن في النسخة اختلافاً ، فان نسخ الرواية الموجودة في التهذيب «يبعث بهدي» (٢) والموجود في قرب الاسناد «يبعث بهديه إن كان تركه إلخ» (٣) وفي البحار «ببدنة» (٤) وقد ذكرنا غير مرّة أن طريق الحميري إلى قرب الاسناد ضعيف بعبد الله بن الحسن ولكن طريق الشيخ إليه صحيح ، وطريق المجلسي نفس طريق الشيخ ، فاذن المعتمد كتاب التهذيب وليس فيه بدنة ، والهدي صادق على الشاة.

ولو تنزّلنا عن ذلك ، فالمورد من الشك بين الأقل والأكثر والمرجع البراءة عن الأكثر وهو بدنة.

(١) من نسي طوافه قد يلتفت ويتذكر في زمان يمكنه التدارك في الوقت ، بلا حرج

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٠٥ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٢٧ / ٤٢١.

(٣) قرب الاسناد : ٢٤٤ / ٩٦٩.

(٤) البحار ٩٦ : ٢٠٦ / ٣ ، ثم ان الموجود في البحار هو بعينه المنقول في قرب الاسناد فراجع.

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا مشقة من دون أن يفوته شي‌ء ، كما إذا كان الوقت باقياً للتدارك ، وكما لو تذكر فوات طواف عمرته قبل الوقوفين بأيام ، أو تذكر فوات طواف حجه في العشرة الثانية من شهر ذي الحجة ، ففي مثله يجب عليه الإتيان بالطواف بلا حاجة إلى إحرام جديد ، سواء كان في مكة أو في خارجها.

وقد يتذكّر الفوات في أواخر شهر ذي الحجّة بحيث لو أراد الرجوع إلى مكة ضايقه الوقت ولا يتمكّن من إتيان الطّواف مع مقدّماته من الوضوء وغيره قبل نهاية الشهر ، بل لا بد من إيقاعه في أول شهر محرم مثلاً ، ففي مثله أيضاً لا يحتاج إلى إحرام جديد ، بل يجب عليه أن يأتي بالطواف ولو قضاء.

وقد يفرض أنه يذكر الفوات وقد مضى على إحرامه الأوّل شهر واحد ، كما إذا تذكر في أواسط شهر محرم ، فهل يجب إحرام جديد لمضي شهر من إحرامه الأوّل لأن من يدخل مكة يجب عليه الإحرام لدخولها في كل شهر ، أو لا يجب عليه إحرام جديد فإنه محرم والمحرم ليس عليه إحرام جديد وإن أحل ودخل في الشهر الثاني؟ وجهان.

اختار الجواهر عدم الحاجة إلى الإحرام الجديد لبقائه على إحرامه الأوّل (١) وتمسك بعضهم باستصحاب بقائه على الإحرام الأول بعد أن شك في خروجه منه ، فيدخل مكة بغير إحرام ويأتي بالطواف المنسي.

إلّا أن الصحيح لزوم الإحرام ثانياً ، والوجه فيه : ما تقدم منّا في محله (٢) أن إحرام العمرة والحج عبارة عن نفس التلبية التي معناها القيام بالأعمال المفروضة من بداية الحج إلى نهايته ، وأمّا المحرّمات التي هي خمس وعشرون أمراً فهي أحكام ثابتة للمحرم لا ترتبط بحقيقة الإحرام ، فالإحرام يتحقق بالتلبية كما يتحقق بالاشعار والتقليد في حج القارن ، وقد ذكرنا أن التلبية نظير تكبيرة الإحرام للصلاة التي يدخل بها في الصلاة ويخرج منها بالتسليم ، فمعنى الإحرام القيام والالتزام بالواجبات المفروضة

__________________

(١) لاحظ الجواهر ١٩ : ٣٧٧.

(٢) في شرح العروة ٢٨ : ٢٥٤ ذيل المسألة ١٧٨ ، وص ٢٦٢ المسألة ١٨٤.

٩٥

مسألة ٣٢٥ : لا يحل لناسي الطّواف ما كان حله متوقفاً عليه حتى يقضيه بنفسه أو بنائبه (١).

______________________________________________________

عليه ، فلو فرغ من أعمال حجه وحكم بصحته ، أو ببطلانه لتركه الطّواف عمداً حتى خرج الشهر ، فلم يكن معنى لبقاء إحرامه ، لأن الإحرام كما عرفت مقدّمة للإتيان بتلك الأعمال ، فاذا أتى بها وخرج منها فلا معنى لبقاء الإحرام لانتفاء موضوعه ، كما إذا انتهى من الصلاة وحكم بصحتها أو ببطلانها لا معنى لبقائه على تكبيرة الإحرام والالتزام بإتيان واجبات الصلاة ، فكذا المقام فإذا أراد الدخول بعد شهر وجب عليه الإحرام الجديد لدخول مكة وخروجه من الإحرام ، ولا ينافي ذلك بقاء بعض الأحكام عليه كحرمة الطيب والنساء ، نظير ما إذا ترك طواف النساء فإنه تحرم عليه النساء حتى يطوف وإن كان حجه صحيحاً وخرج عن إحرامه بالمرّة.

وبالجملة : لو قلنا بصحة الحج عند نسيان الطّواف ، أو قلنا ببطلانه بسبب نسيان الطّواف ، ففي كلتا الحالتين لم يبق موضوع للإحرام ، ومعه لا مجال لجريان الاستصحاب ، أمّا أوّلاً : فلأنه من الشبهات الحكمية ، ولا نرى حجيته فيها.

وثانياً : لاختلاف الموضوع ، فان الطّواف الثاني قضاء وليس بأداء ، فإن أراد الدخول إلى مكة بعد شهر يجب عليه الإحرام الجديد لدخول مكة.

وبعبارة اخرى : المتيقن هو الإحرام للإتيان بالأعمال السابقة ، والمشكوك فيه هو الإحرام لقضاء الطّواف ، والإحرام الأول قد انتهى بمجرد الفراغ من الحج ، والإحرام لدخول مكة وقضاء الطّواف موضوع جديد يحتاج إلى إحرام جديد.

ويؤكِّد ما ذكرنا : صحيح علي بن جعفر (١) الذي حكم فيه بالكفارة وأنه يبعث بهدي إذا رجع إلى بلده وواقع أهله ، ولا تنافي بين الحكمين ، الحكم بالخروج من الإحرام ، والحكم بلزوم الإحرام عليه من جديد.

(١) لإطلاق ما دل على حرمة النساء والطيب قبل الطّواف ، وقد عرفت أنه لا

__________________

(١) المتقدِّم في ص ٩٤.

٩٦

مسألة ٣٢٦ : إذا لم يتمكن من الطّواف بنفسه لمرض أو كسر أو أشباه ذلك لزمته الاستعانة بالغير في طوافه ، ولو بأن يطوف راكباً على متن رجل آخر ، وإذا لم يتمكّن من ذلك أيضاً وجبت عليه الاستنابة فيطاف عنه ، وكذلك الحال بالنسبة إلى صلاة الطّواف فيأتي المكلف بها مع التمكّن ويستنيب لها مع عدمه ، وقد تقدّم حكم الحائض والنفساء في شرائط الطّواف (١).

______________________________________________________

منافاة بين الاحتياج إلى الإحرام لدخوله مكة إذا مضى عليه شهر ، وبين عدم حل النساء والطيب عليه إذا كان تاركاً للطواف.

ويؤكد ذلك صحيح علي بن جعفر المتقدم (١) الآمر ببعث الهدي إلى مكة أو إلى منى ، ويوكِّل من يطوف عنه ، إذ يظهر منه أن النساء لا تحل له قبل البعث والتوكيل.

(١) قد عرفت أن الطّواف واجب من واجبات الحج وركن يبطل الحج بتركه عمداً ، وهو لا يختلف عن سائر الواجبات الإلهية من قيام المكلف به مباشرة وصدوره عنه خارجاً عن إرادة واختيار ، كما هو ظاهر كل تكليف متوجه نحو المكلّف ، فيلزم أن يطوف بنفسه ، غاية الأمر لا يجب عليه المشي وإنما يجوز له الركوب والإطافة حول البيت بنحو يستند حركة الدوران حوله إلى إرادة نفس الشخص ليصدق عليه أنه طاف بنفسه.

وأمّا الإطافة به بنحو يقوم الفعل به لكن لا باختياره وإنما تستند الحركة والدوران إلى غيره ، أو الطّواف عنه بحيث يقوم الفعل بشخص أجنبي وتستند الحركة إلى ذلك الأجنبي ، فصحة ذلك تحتاج إلى الدليل ، هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية.

ولكن دلت الأخبار في المقام على أن المكلف إذا تعذر عليه الطّواف مباشرة بنفسه جاز لآخر حمله والإطافة به (٢) إلّا أنه لا يمكن العمل بإطلاق هذه الروايات ، وأن

__________________

(١) في ص ٩٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٨٩ / أبواب الطّواف ب ٤٧.

٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المريض والكبير يجوز حملهما في الطّواف وإن تمكنا المباشرة ، بل يجب تقييدها بصورة عدم استطاعتهما من المباشرة ، كما دلت عليه صحيحة صفوان وغيرها ، ففي صحيحة صفوان «عن الرجل المريض يقدم مكة فلا يستطيع أن يطوف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، قال : يطاف به محمولاً» (١).

فالنتيجة : أن الطائف إذا كان مستطيعاً من المباشرة وجب عليه أن يطوف بنفسه وأمّا لو كان مريضاً لا يستطيع من ذلك حَمَله آخر وطاف به ، فالميزان بالاستطاعة بنفسه وعدمها.

وإن لم يتمكن من ذلك أيضاً ، وجبت عليه الاستنابة ليطاف عنه ، فيكون ما أتى به النائب من الطّواف في مرتبة ثالثة للمريض الذي تعذّر عليه الطّواف مباشرة وتعذّر عليه أن يطاف به ، وذلك استناداً لأخبار صرّح في بعضها بالاطافة عنه ، وفي بعضها التخيير بين الإطافة به والطّواف عنه ، ولكن تلك الأخبار التي دلت على جواز الطّواف عنه يجب تقييدها بما إذا لم يتمكن من حمله والإطافة به ، فان الطّواف إذا كان قائماً به وإن كان لا باختياره مقدّم على الطّواف عنه القائم بالأجنبي كما في معتبرتي إسحاق بن عمار «المريض المغلوب يطاف عنه؟ قال : لا ، ولكن يطاف به» وفي الأُخرى «عن المريض يطاف عنه بالكعبة؟ قال : لا ، ولكن يطاف به» (٢) ودلالتهما واضحة على أن الطّواف به مقدّم على الطّواف عنه.

وأمّا سندهما ، فقد روى موسى بن القاسم عن عبد الله عن إسحاق ، والمسمى بعبد الله ثلاثة أشخاص الذين يمكن رواية موسى عنهم ، وروايته عن إسحاق ، هم عبد الله بن سنان ، وعبد الله بن جبلة ، وعبد الله الكناني.

أمّا الكناني فليس له رواية في الكتب الأربعة إلّا النزر اليسير ، وليس هو بمعروف لينصرف اللّفظ إليه ، فينحصر التردد بين ابن جبلة وابن سنان وكل منهما ثقة ، ولا يضر التردّد بينهما.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٨٩ / أبواب الطّواف ب ٤٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٩٠ / أبواب الطّواف ب ٤٧ ح ٥ ، ٧.

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر أن المراد بعبد الله هذا هو ابن جبلة ، فإن ابن سنان روى عن إسحاق في موارد قليلة ، ولكن ابن جبلة روى عن إسحاق في موارد كثيرة تبلغ أكثر من سبعين مورداً ، وذلك يوجب الظن القوي أو الاطمئنان أن عبد الله الذي روى عنه موسى بن القاسم وروى هو عن إسحاق هو ابن جبلة.

وليعلم أن ابن جبلة أيضاً لقّب بالكناني ، ولكن يحتمل أن عبد الله الكناني الذي ورد في موردين أو ثلاثة موارد من التهذيب هو شخص آخر ، والظاهر انصرافه في المقام إلى ابن جبلة كما عرفت.

فالمتحصِّل من الروايات أن مراتب الطّواف ثلاثة لا ينتقل من واحدة إلى الأُخرى إلّا بعد العجز عن المرتبة السابقة.

الأُولى : الطّواف بنفسه مباشرة.

الثانية : الطّواف به ، بأن يقوم العمل بنفس الطائف لكن بتحريك الغير ودورانه.

الثالثة : الطّواف عنه ، وهو قيام الفعل بشخص أجنبي.

ثم إن جميع ما تقدم يجري في صلاة الطّواف عدا المرتبة الثانية ، بمعنى أنه إن تمكن من الصلاة بنفسه تعين عليه ذلك وإلّا فيصلي عنه ، وأمّا الصلاة به فلا معنى لذلك. إذن فالصلاة ذات مرتبتين بخلاف الطّواف فإنه ذو مراتب ثلاث كما عرفت ، وقد ورد في روايتين معتبرتين أنه يرمى عنه ويصلّى عنه (١).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٩٤ / أبواب الطّواف ب ٤٩ ح ٦ ، ٧.

٩٩

صلاة الطّواف

وهي الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتّع (١) ، وهي ركعتان يؤتى بهما عقيب الطّواف ، وصورتها كصلاة الفجر ولكنه مخيّر في قراءتها بين الجهر والإخفات ويجب الإتيان بها قريباً من مقام إبراهيم (عليه السلام) والأحوط بل الأظهر لزوم الإتيان بها خلف المقام ، فان لم يتمكن فيصلي في أيّ مكان من المسجد مراعياً الأقرب فالأقرب إلى المقام على الأحوط ، هذا في طواف الفريضة ، أمّا في الطّواف المستحب فيجوز الإتيان بصلاته في أيّ موضع من المسجد اختياراً.

______________________________________________________

(١) وهي أيضاً مما لا إشكال ولا خلاف في وجوبها بين المسلمين ، ويدلُّ عليه أخبار مستفيضة.

منها : الأخبار البيانية (١).

ومنها : الأخبار الخاصة الآمرة بالصلاة والطّواف ، كصحيحة معاوية بن عمار تجعله أي المقام اماماً بفتح الألف أو كسره ـ (٢).

ومنها : ما ورد في نسيان صلاة الطّواف وأنه يعود ويصلّي (٣).

ومنها : ما ورد من أنه يصليها بعد رجوعه إلى محله وأهله (٤).

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في وجوبها وفي كونها ركعتين كما وقع التصريح بذلك في الروايات ، ولا يبعد تواترها ، فلا يعبأ بما قيل من أنها مستحبة ، ومقتضى إطلاقها التخيير بين الجهر والإخفات.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤ وغيره.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٢٣ / أبواب الطّواف ب ٧١ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٢٧ / أبواب الطّواف ب ٧٤.

(٤) نفس المصدر.

١٠٠