موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

وأمّا إذا كان تذكره بعد فوات الموالاة أو بعد خروجه من المطاف فان كان المنسي شوطاً واحداً أتى به وصحّ طوافه أيضاً ، وإن لم يتمكّن من الإتيان به بنفسه ولو لأجل أن تذكره كان بعد إيابه إلى بلده ، استناب غيره ، وإن كان المنسي أكثر من شوط واحد وأقل من أربعة رجع وأتم ما نقص ، والأولى إعادة الطّواف بعد الإتمام ، وإن كان المنسي أربعة أو أكثر فالأحوط الإتمام ثمّ الإعادة.

______________________________________________________

الموالاة ، للأولوية عن النقصان العمدي الّذي قد عرفت عدم البطلان بذلك في هذه الصورة.

وأمّا إذا خرج عن المطاف أو فاتت الموالاة فتذكر النقص ، فان كان الفائت شوطاً واحداً يأتي به إذا تمكن وإن لم يتمكن يستنيب.

ويدلُّ على كلا الحكمين أي الإتيان بنفسه إن تمكن وإلّا فيستنيب مضافاً إلى التسالم ، معتبرة حسن بن عطية قال : «سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستّة أشواط ، قال أبو عبد الله (عليه السلام) وكيف طاف ستّة أشواط ، قال : استقبل الحِجر وقال : الله أكبر وعقد واحداً ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) يطوف شوطاً ، فقال سليمان : فإنّه فاته ذلك حتّى أتى أهله أي رجع إلى أهله وبلاده قال : يأمر من يطوف عنه» (١).

وإن كان الفائت أكثر من شوط واحد ، فتارة يفرض أن ما أتى به أكثر من المنسي وأُخرى بالعكس.

أمّا الأوّل كما إذا طاف خمسة أشواط ونسي اثنين مثلاً ، فيرجع وأتم ما نقص وإن خرج عن المطاف أو فاتت الموالاة ، لمعتبرة إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل طاف بالبيت ثمّ خرج إلى الصفا فطاف بين الصفا والمروة فبينما هو يطوف إذ ذكر أنّه قد ترك بعض طوافه بالبيت ، قال : يرجع إلى البيت فيتم

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٨٥ / أبواب الطّواف ب ٣٢ ح ١.

٦١

الزّيادة في الطّواف

للزّيادة في الطّواف خمس صور :

الاولى : أن لا يقصد الطائف جزئية الزائد للطواف الّذي بيده أو لطواف آخر ففي هذه الصورة لا يبطل الطّواف بالزيادة (١).

______________________________________________________

طوافه ثمّ يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي» (١) فإنّها تدل على أنّ الخروج من المطاف بعد التجاوز من النصف أو فوات الموالاة خصوصاً بالنظر إلى جواز تأخير السعي إلى الليل المستلزم للفصل الطويل غير ضائر في الحكم بالصحّة وبانضمام الباقي إلى الأشواط السابقة.

نعم ، استشكل صاحب المدارك في الحكم بالصحّة ، وخصّ ذلك بما إذا كان المنسي شوطاً واحداً (٢) ولأجل خلافه كان الأولى إعادة الطّواف واستئنافه بعد.

وأمّا الثاني : وهو ما إذا كان المنسي أكثر مما أتى به فتذكر قبل التجاوز من النصف كما إذا طاف ثلاثة أشواط وسعى وتذكر أنّه فات منه أربعة أشواط ، مقتضى إطلاق معتبرة إسحاق بن عمار هو الحكم بالصحّة في هذا الفرض أيضاً ، ولكن المشهور ذهبوا إلى البطلان في جملة من موارد قبل التجاوز من النصف ، فكأنهم استفادوا كبرى كلية من موارد مختلفة : بطلان الطّواف على الإطلاق إذا خرج عن المطاف قبل التجاوز من النصف حتّى نسياناً ، ولكن الأدلّة لا تساعدهم ولا دليل لهم على مختارهم ، ولذا كان الأولى والأحوط إتيان الطّواف الكامل بقصد الأعم من الإتمام والتمام.

(١) لا ريب في أنّ الزيادة إنّما تتحقق بإتيان الشوط بعنوان الطّواف ، وأمّا إذا استمر في مشيه من دون أن يقصد الزيادة كما إذا وجد شخصاً وأراد الاجتماع به فقصده والتقى به فيحصل له هذه الزيادة من دون قصد ونحو ذلك ، فإنّه لا يصدق عليه عنوان

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٥٨ / أبواب الطّواف ب ٣٢ ح ٢.

(٢) المدارك ٨ : ١٤٨.

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الزيادة جزماً ، فان حال الطائف حينئذ حاله قبل الطّواف من إتيان الشوط مقدّمة للابتداء من الحِجر الأسود ، ومعرفة كيفية الطّواف ومعرفة الأركان وحجر إسماعيل فانّ الطائف قد يمشي حول البيت قبل الوصول إلى الحِجر الأسود وقبل الشروع في الطّواف مقدمة لمعرفة الحِجر وكيفية الابتداء به ، فان ذلك لا يحسب من الطّواف قطعاً وكذلك المشي بعد الطّواف لغرض من الأغراض.

وأمّا الزيادة بعنوان الطّواف فالمعروف والمشهور بطلان الطّواف بها ولو ببعض الشوط كبطلان الصلاة بالزيادة ، واستدلّ على ذلك بروايتين :

الاولى : معتبرة أبي بصير «عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض ، قال : يعيد حتّى يثبته» ورواه الشيخ أيضاً إلّا أنّه قال «حتّى يستتمه» (١).

وناقش السيِّد في المدارك في سندها لاشتراك أبي بصير بين الثقة والضعيف (٢) ووافقه صاحب الحدائق في ذلك (٣) ولكن لم يوافقه في أصل الحكم ، ولكنا ذكرنا في كتاب الرجال أن أبا بصير متى أُطلق يراد به يحيى بن القاسم وهو ثقة (٤) ، ومع الإغماض عن ذلك فهو مردّد بينه وبين ليث المرادي فإنّه أيضاً مكنّى بهذه الكنية وكل منهما ثقة فالترديد غير ضائر ، وأمّا غيرهما وإن كان يكنى بأبي بصير ولكنّه غير معروف بها ، بل لم يوجد مورد يراد بأبي بصير غيرهما.

ثمّ أشكل السيِّد في المدارك ثانياً بأنّ الدليل أخص من المدعى ، لأنّ الخبر يدل على البطلان بالشوط الواحد الكامل فلو أتى ببعض الشوط فلا يشمله الخبر.

واستدلّ للمشهور أيضاً (٥) بمعتبرة عبد الله بن محمّد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «الطّواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٣ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ١ ، التهذيب ٥ : ١١١ / ٣٦١.

(٢) المدارك ٨ : ١٣٩.

(٣) الحدائق ١٦ : ١٩٠.

(٤) راجع معجم الرجال ٢١ : ٨١.

(٥) وهذه هي الرواية الثانية.

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الإعادة وكذلك السعي» (١).

وناقش السيِّد في المدارك (٢) أيضاً في هذه الرواية من حيث السند ، لاشتراك عبد الله ابن محمّد بين الثقة وغيره ، وصاحب الحدائق أيضاً وافقه على ما ذكره من اشتراك عبد الله بن محمّد بين الثقة وغيره ولم يقبل مناقشته في التحريم والبطلان (٣).

ولكن إشكال السيِّد من حيث السند غير وارد ، لأن عبد الله بن محمّد الموجود في هذه الطبقة الّذي يروي عن أبي الحسن (عليه السلام) الظاهر هو الرضا (عليه السلام) مردّد بين رجلين مشهورين كل منهما ثقة ، أحدهما : عبد الله بن محمّد بن حصين الحضيني الأهوازي. ثانيهما : عبد الله بن محمّد الحجال المزخرف ، فإنّهما من أصحاب الرضا (عليه السلام) المشهورين ولهما كتاب.

نعم ، في طبقتهما عبد الله بن محمّد الأهوازي الّذي له مسائل من موسى بن جعفر (عليهما السلام) وكذلك عبد الله بن محمّد بن علي بن العباس الّذي له نسخة عن الرضا (عليه السلام) وهما ممن لم يوثقا ، ولكنهما غير مشهورين ولا ينصرف عبد الله بن محمّد إليهما ، بل لم توجد لهما رواية واحدة في الكتب الأربعة فكيف ينصرف عبد الله بن محمّد إليهما بلا قرينة ، فالرواية معتبرة سنداً ويتم ما ذكره المشهور من الحكم بالبطلان بمطلق الزيادة.

ثمّ إن صاحب الحدائق أيّد القول بالبطلان بالأخبار الدالّة على وجوب الإعادة بالشك في عدد الطّواف المفروض ، فلو لم تكن الزيادة مبطلة لكان المناسب البناء على الأقل دون الإعادة من رأس (٤).

وبعبارة اخرى : لا وجه للبطلان في مورد الشك في عدد الطّواف ، لأنّه عند ما يأتي بالشوط ، فهو إمّا جزء أو زائد يلغى ، لأنّه إمّا شوط سابع أو شوط ثامن زائد فيكشف الحكم بالبطلان في مورد الأخير (٥) الشك عن البطلان بالزيادة نظير الزيادة

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٦ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ١١.

(٢) تقدّم مصدره في الصفحة السابقة.

(٣) الحدائق ١٦ : ١٨٧ وما بعدها.

(٤) الحدائق ١٦ : ١٨٧ وما بعدها.

(٥) الظاهر زيادة كلمة «الأخير».

٦٤

الثانية : أن يقصد حين شروعه في الطّواف أو في أثنائه الإتيان بالزائد على أن يكون جزءاً من طوافه الّذي بيده ، ولا إشكال في بطلان طوافه حينئذ ولزوم إعادته (١).

الثالثة : أن يأتي بالزائد على أن يكون جزءاً من طوافه الّذي فرغ منه ، بمعنى أن يكون قصد الجزئية بعد فراغه من الطّواف ، والأظهر في هذه الصورة أيضاً البطلان (٢).

______________________________________________________

في الصلاة ، وإنّما جعل ذلك مؤيّداً لا دليلاً لاحتمال أنّ المضي مع الشك غير جائز ، كما هو الحال في الصلاة فإنّه لو أتى بالمشكوك يحصل له العلم بإتيان سبعة أشواط جزماً ولكن مضى فيه مع الشك ، ولعله غير جائز كما لا يجوز ذلك في الصلاة. وكيف كان ففي الروايتين غنى وكفاية.

وأمّا ما أشكله السيِّد في المدارك من حيث الدلالة في رواية أبي بصير بأنّها أخص من المدعى ، لأنّها تدل على البطلان بإتيان شوط كامل ولا تشمل الزيادة ببعض الشوط الّذي هو محل الكلام ، فإنّما يتم بالنسبة إلى رواية أبي بصير ، وأمّا معتبرة عبد الله بن محمّد مطلقة من حيث الشوط الكامل والناقص ، لأنّ الموضوع فيها عنوان الزيادة وهو صادق على الشوط الكامل وبعضه.

(١) هذه الصورة هي القدر المتيقن من الحكم بالبطلان بالزيادة ، وهذا مما لا كلام فيه.

(٢) قد يقال بعدم البطلان ، لأنّ الزيادة بعد الأشواط السبعة نظير إتيان ركعة زائدة بعد السلام ، فإنّ الصلاة لا تبطل بذلك جزماً لعدم صدق الزيادة في الصلاة بذلك.

ولكن لا يقاس الطّواف بالصلاة ، بل يقاس الزائد في الطّواف بزيادة الركعة قبل السلام فان ذلك مبطل قطعاً ، لأنّ الصلاة لها مخرج شرعي وهو السلام ، والزيادة بعده نظير إتيان المنافيات والمبطلات بعده ، فان ذلك جائز قطعاً.

وأمّا الطّواف فليس له مخرج وإنّما مخرجه هو الفراغ منه ، وبما أنّ الطّواف أُخذ فيه

٦٥

الرابعة : أن يقصد جزئية الزائد لطواف آخر ويتم الطّواف الثاني ، والزيادة في هذه الصورة وإن لم تكن متحققة حقيقة إلّا أنّ الأحوط بل الأظهر فيها البطلان ، وذلك من جهة القرآن بين الطوافين في الفريضة (١).

______________________________________________________

بشرط لا عن الزائد ، إذ ليس الواجب هو إتيان سبعة أشواط على النحو اللّابدية بشرط أي ليس المأمور به هو إتيان طبيعي السبعة ولو في ضمن أعداد كثيرة ، بل أُخذ في الطّواف أن لا يزيد على أشواطه السبعة شوطاً واحداً ، فاذا زاد على السبعة شوطاً واحداً يشمله النص الدال على الإعادة كصحيحة أبي بصير ومعتبرة عبد الله بن محمّد المتقدمتين (١).

ومع الإغماض عما ذكرنا يكفينا في الحكم بالبطلان إطلاق صحيح أبي بصير المتقدم (٢) ، إذ لم يسأل الإمام (عليه السلام) عن أن قصد الزيادة متى حصل ، فيشمل حكمه (عليه السلام) بالبطلان صورتي ما إذا قصد الزيادة بعد الطّواف أو قبله.

(١) إذا أتى بالزائد بعد إكمال الطّواف الأوّل من دون أن يقصد جزئيته للطواف السابق ، بل أتى به بعنوان جزئيته للطواف الثاني ويتمه ، فإنّه لا يبطل الطّواف الأوّل من جهة الزيادة لعدم تحقق عنوان الزيادة حقيقة ، وإنّما يحكم عليه بالبطلان من جهة القرآن بين الطوافين في الفريضة ، فإنّ الطّواف مشروط بأن لا يسبقه طواف آخر ولا يلحقه طواف آخر إلّا بعد الفصل بالصلاة كما عليه المشهور ، وذهب بعضهم إلى الكراهة ، وتفصيل الكلام أنّ الروايات الواردة في المقام على طوائف :

الأُولى : ما دلّ على عدم جواز القِران مطلقاً سواء في الفريضة أو في النافلة والعمدة إنّما هي روايتان لابن أبي نصر :

إحداهما : عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال : «سأل رجل أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يطوف الأسباع جميعاً فيقرن؟ فقال : لا ، إلّا الأسبوع وركعتان وإنّما قرن أبو الحسن (عليه السلام) لأنّه كان يطوف مع محمّد بن إبراهيم لحال

__________________

(١) في ص ٦٣.

(٢) في ص ٦٣.

٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التقيّة» (١) وصاحب الحدائق رواها عن صفوان عن أحمد بن محمّد ابن أبي نصر (٢) ، وهو اشتباه منه إذ ليس في السند صفوان.

ثانيتهما : ما عن صفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر قالا : «سألناه عن قران الطّواف السبوعين والثلاثة ، قال : لا ، إنّما هو سبوع وركعتان ، وقال : كان أبي يطوف مع محمّد بن إبراهيم فيقرن ، وإنّما كان ذلك منه لحال التقية» (٣) وفي السند علي ابن أحمد بن أشيم وهو ممن لم يوثق في الرجال ، ولكنّه من رجال كامل الزيارات فالرواية معتبرة.

ويؤيّدهما ما رواه ابن إدريس من كتاب حريز عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : «ولا قران بين أسبوعين في فريضة ونافلة» (٤) ولكنّها ضعيفة سنداً ، لجهالة طريق ابن إدريس إلى كتاب حريز.

وذكر صاحب الحدائق أنّ المراد من رواية السرائر : أنّه لا يجوز أن يقرن طواف النافلة بطواف الفريضة بل يجب أن يصلّي ركعتي طواف الفريضة ثمّ يطوف النافلة وليس المراد منها عدم جواز القرآن بين الفريضتين أو النافلتين (٥).

وفيه : ما لا يخفى ، إذ لو كان المراد ما ذكره لكان المناسب أن يقول : لا قران بين الفريضة والنافلة ، لا ما قاله «في فريضة ونافلة».

الطائفة الثانية : وهي بإزاء الاولى ، فمنها : صحيحة زرارة قال : «ربما طفت مع أبي جعفر (عليه السلام) وهو ممسك بيدي الطوافين والثلاثة ثمّ ينصرف ويصلّي الركعات ستّاً» (٦) وكلمة «ربما» ظاهرة في أنّه قد يتفق القرآن ، فتكون الطائفة الأُولى محمولة على المرجوحية ، ولكن الإمام (عليه السلام) ربما يأتي بالأمر المرجوح لحال

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧١ / أبواب الطّواف ب ٣٦ ح ٧.

(٢) الحدائق ١٦ : ١٩٤.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٧١ / أبواب الطّواف ب ٣٦ ح ٦.

(٤) السرائر (المستطرفات) ٣ : ٥٨٧ ، الوسائل ١٣ : ٣٧٣ / أبواب الطّواف ب ٣٦ ح ١٤.

(٥) الحدائق ١٦ : ١٩٦.

(٦) الوسائل ١٣ : ٣٧٠ ، ٣٧١ / أبواب الطّواف ب ٣٦ ح ٢.

٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التقية أو لغرض آخر لا علم لنا به. وكيف كان تحمل هذه الرواية على النافلة.

ومنها : صحيحة أُخرى لزرارة قال : «طفت مع أبي جعفر (عليه السلام) ثلاثة عشر أسبوعاً قرنها جميعاً وهو آخذ بيدي ثمّ خرج فتنحى ناحية فصلّى ستّاً وعشرين ركعة وصلّيت معه» (١).

والنتيجة أنّ القِران بين الطوافين في الفريضة غير مشروع إلّا لعارض كالتقية أو لأمر آخر.

الطائفة الثالثة : الروايات المفصِّلة بين الفريضة والنافلة كصحيحة زرارة قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنّما يكره أن يجمع الرجل بين الأُسبوعين والطوافين في الفريضة وأمّا في النافلة فلا بأس» (٢).

والكراهة محمولة على المبغوضية ، وليس المراد منها الكراهة المصطلحة ، وقد شاع استعمال لفظ الكراهة في الأخبار على المبغوضية ، ومع الإغماض أن قوله : «لا بأس» في مورد النافلة يدل على مجرّد الترخيص لا الإباحة المطلقة الّتي لا مرجوحية فيها أصلاً ، فيكون قرينة على أنّ المراد بالكراهة هو المبغوضية.

فالمتحصل من الرواية : أنّ القِران في الفريضة مبغوض ولكن في النافلة غير مبغوض وإن كان مرجوحاً.

وممّا يدل على حرمة القِران ومبغوضيته : صحيحة عمر بن يزيد قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : إنّما يكره القرآن في الفريضة فأمّا النافلة فلا والله ما به بأس» (٣) وقد عبّر عنها صاحب الحدائق بالرواية (٤) ولم يعبّر عنها بالمعتبرة ، وذلك مشعر بضعف الرواية سنداً إلّا أنّها لا خدشة في سندها ، فان محمّد بن أحمد النهدي الواقع في السند ثقة كما صرّح الكشي بذلك ونقل عن أبي النضر محمّد بن مسعود أنّه

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧٠ ، ٣٧١ / أبواب الطّواف ب ٣٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٦٩ / أبواب الطّواف ب ٣٦ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٦٩ / أبواب الطّواف ب ٣٦ ح ٤.

(٤) الحدائق ١٦ : ١٩٣.

٦٨

الخامسة : أن يقصد جزئية الزائد لطواف آخر ولا يتم الطّواف الثاني من باب الاتفاق ، فلا زيادة ولا قران إلّا أنّه قد يبطل الطّواف فيها لعدم تأتي قصد القربة ، وذلك فيما إذا قصد المكلف للزيادة عند ابتدائه بالطواف أو في أثنائه مع علمه بحرمة القرآن وبطلان الطّواف به ، فإنّه لا يتحقق قصد القربة حينئذ وإن لم يتحقق القرآن خارجاً من باب الاتفاق (١).

______________________________________________________

فقيه ثقة خير (١) ومن رجال كامل الزيارات.

وأمّا قول النجاشي في حقّه أنّه مضطرب (٢) ، فلا يدل على ضعفه بشخصه ، وإنّما يدل على أنّه كان متساهلاً في نقل الروايات ونقل عن كل أحد.

وأمّا محمّد بن الوليد شباب الضعيف (٣) فهو الخزاز البجلي وليس هو الشباب الصيرفي ، فالرواية معتبرة وفي صحيحة زرارة المتقدمة غنى وكفاية.

فالمتحصل من الروايات : أنّ القِران في طواف الفريضة غير جائز وأمّا في النافلة فمرجوح.

ثمّ إنّه يلزم التنبيه على أمر وهو : أنّ التقية الواردة في الروايات إنّما تجري في طواف النافلة ، وأمّا في الفريضة فلا تتحقق التقية ، لأنّ الطائف غير ملزم بطوافين حتّى يضم أحدهما بالآخر ويقرن بينهما ، بل له تأخير الطّواف الآخر إلى وقت آخر ، وأمّا في النافلة فربما يرغب المكلف بإتيان الطّواف فيصح له التقية ، وأمّا في الفريضة فلا اضطرار إلى التعجيل بل له التأخير ، ولو فرض تحقق الاضطرار فغير ملزم بقصد الطّواف ، بل يمكن له التمشي حول البيت ولا يقصد الطّواف فيزعم المخالف أنّه يطوف ويتحقق بذلك دفع شرّه.

(١) إذا أتى بالزائد بعد الفراغ من السبعة ولم يأت بطواف آخر من باب الاتفاق

__________________

(١) رجال الكشي : ٥٣٠ / ١٠١٤.

(٢) رجال النجاشي : ٣٤١ [٩١٤].

(٣) الظاهر زيادة قوله «شباب الضعيف» فإنه وصفٌ لمحمّد بن الوليد الصيرفي ، راجع تنقيح المقال ٣ : ١٩٧.

٦٩

مسألة ٣١٤ : إذا زاد في طوافه سهواً ، فان كان الزائد أقل من شوط قطعه وصحّ طوافه ، وإن كان شوطاً واحداً أو أكثر فالأحوط أن يتم الزائد ويجعله طوافاً كاملاً بقصد القربة المطلقة (١).

______________________________________________________

فحينئذ لا موجب للبطلان ، لعدم تحقق القرآن وعدم صدق عنوان الزيادة على ما أتى به ، لأنّه نظير ما لو مشى حول البيت بعد الطّواف ، لأنّ المفروض أنّه قصد الزيادة بعد الفراغ من السبعة.

نعم ، لو كان قاصداً للزيادة من الأوّل أو قصد الزيادة في أثناء الطّواف ، ففي مثل ذلك يحكم بالبطلان وإن لم يتم الطّواف الثاني من باب الاتفاق لا للزيادة ولا للقران ، بل للإخلال بقصد القربة ، فإنّ المفروض أنّ القِران بين الأُسبوعين غير مشروع ، فاذا قصد القِران من الأوّل أو في أثنائه فقد قصد أمراً غير مشروع فيبطل من هذه الناحية ، نظير ما لو قصد في الصلاة خمس ركعات ، فإنّ الصلاة تبطل بذلك وإن لم يأت بالركعة الخامسة من باب الاتفاق ، فان مجرد عدم الإتيان بتمام الطّواف لا يجدي في الحكم بالصحّة بعد الحكم ببطلانه لأجل الإخلال في النيّة.

(١) من زاد في طوافه سهواً ، فقد يفرض أن ما أتى به أقل من شوط ، وقد يكون شوطاً أو أكثر.

أمّا الثاني فستعرف الحال فيه قريباً إن شاء الله تعالى.

وأمّا الأوّل فيقطع ما بيده ويلغيه ويصح طوافه ، لأنّ الأصل في مثل هذه الصورة يقتضي الصحّة وعدم كونه مضرّاً ، إذ لا دليل على البطلان بهذا المقدار إذا كان عن سهو.

نعم ، في صحيح ابن سنان ما يظهر منه أنّه لا فرق في البطلان بين كونه شوطاً واحداً أو أقل منه ، لأنّ الموضوع فيه الدخول في الشوط الثامن وهو يصدق على نصف الشوط أو ثلثه أو ربعه ، قال : «سمعته يقول : من طاف بالبيت فوهم حتّى يدخل

٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

في الثامن فليتم أربعة عشر شوطاً ، ثمّ ليصل ركعتين» (١).

ولكنّه معارض بروايات أُخر دلّت بمفهومها على إتمام الطّواف الثاني فيما إذا أتى بشوط كامل ، فلا عبرة ببعض الشوط ، والشرطية إنّما ذكرت في كلام الإمام (عليه السلام) لا في كلام السائل ، وقوله «إذا طاف» وإن كان لا مفهوم له ، لأن مفهومه على نحو السالبة بانتفاء الموضوع ، وهو من لم يطف ومن لم يسهو ، لكن إذا ذكر مع القيود فيتحقق له المفهوم ، فمفهوم قوله : «إذا طاف الرجل بالبيت ثمانية أشواط الفريضة فاستيقن ثمانية ، أضاف إليها ستّاً» (٢) من لم يطف ثمانية أشواط ومن لم يكمل الشوط الثامن ، فالحكم بالتتميم وإتيان الستّة الباقية يختص بمن أتى ثمانية أشواط كاملة ، ولا يشمل من أتى ببعض الشوط كنصف الشوط أو ربعه ونحوهما.

على أنّ التقييد بالثمانية في كلام الإمام (عليه السلام) لا بدّ وأن يكون له خصوصية ودخل في الحكم ، وإلّا لو كان الحكم سارياً في جميع الأفراد حتّى بعض الشوط لكان التقييد بالثمانية لغواً ، فيحمل الدخول في الثامن على الدخول الكامل فيتحقق الاتفاق بين الخبرين.

ولو تنزّلنا والتزمنا بالتعارض فالمرجع بعده هو الأصل المقتضي للصحّة.

ويؤيّد برواية أبي كهمس ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي فطاف ثمانية أشواط ، قال : إن ذكر قبل أن يبلغ الركن فليقطعه» (٣) فإنّه صريح في المطلوب.

وأمّا الزيادة بشوط كامل أو أكثر فالروايات فيها مختلفة ، والمشهور ذهبوا إلى أنّه يتمّ الطّواف الثاني ، يعني يأتي بأشواط ستّة إذا أتى ثمانية أشواط كاملة.

وعن الصدوق البطلان وعليه الإعادة ، قال : «وروى أنّه يتمّه ويأتي بالست» (٤)

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٤ ، ٣٦٦ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٦٤ ، ٣٦٦ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٦٤ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ٣.

(٤) المقنع : ٢٦٦.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

فمقتضى كلامه (قدس سره) هو التخيير بين الأمرين لأنّه يعمل بجميع رواياته.

وإذن فلا بدّ من ذكر الروايات الواردة في المقام وهي على طوائف :

الطائفة الأُولى : ما دلّ على البطلان بمقتضى الإطلاق كصحيحة أبي بصير المتقدمة (١) «عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط المفروض ، قال : يعيد حتّى يثبته» فإنّ الأمر بالإعادة يشمل صورتي الزيادة العمدية والسهوية.

الطائفة الثانية : وهي بإزاء الاولى وهي صحاح :

منها : صحيحة رفاعة قال : «كان علي (عليه السلام) يقول : إذا طاف ثمانية فليتم أربعة عشر» (٢).

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم «عن رجل طاف طواف الفريضة ثمانية أشواط قال : يضيف إليها ستّة» (٣).

ومنها : صحيحة أبي أيّوب «رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة قال : فليضم إليها ستّاً» (٤).

والتعارض بين الطائفتين بالتباين ، لأن كلّا منهما بإطلاقهما يشمل الزيادة العمدية والسهوية ، وفي الطائفة الأُولى حكم بالفساد ولزوم الإعادة ، وفي الثانية حكم بالصحّة وتتميمها بستّة.

الطائفة الثالثة : ما دلّ على البطلان في صورة العمد كمعتبرة عبد الله بن محمّد المتقدمة (٥) «الطّواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة المفروضة إذا زدت عليها ، فعليك الإعادة» (٦) فانّ الظاهر منها الزيادة العمدية ، لتشبيه الزيادة في الطّواف بالزيادة

__________________

(١) في ص ٦٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٦٥ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ٩.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٦٥ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ٨.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٦٥ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ١٣.

(٥) في ص ٦٣.

(٦) الوسائل ١٣ : ٣٦٦ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ١١.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

في الصلاة ، ومن المعلوم أنّ الزيادة العمدية في الصلاة توجب البطلان غالباً ، ونسبة هذه المعتبرة إلى الطائفة الثانية الدالّة على الصحّة نسبة الخاص والعام ، فيخرج العامد من الطائفة الثانية فتكون الطائفة الثانية بعد ورود التخصيص عليها مقيدة للطائفة الأُولى الدالّة على البطلان على الإطلاق ، لانقلاب النسبة بعد ورود التخصيص على أحدهما ، فتنقلب النسبة من التباين إلى الخاص والعام ، فالعام المخصص المستفاد من الطائفة الثانية يخصص العام الأوّل ، فتكون النتيجة أنّ الزيادة العمدية بشوط كامل مبطلة ، وأمّا إذا كانت عن سهو فلا توجب البطلان ، نعم ، لا بدّ من تكميلها وتتميمها بست.

هذا ، ولكن في رواية واحدة ورد الأمر بالإعادة وحكم بالبطلان إذا زاد شوطاً واحداً سهواً ، وهي معتبرة أبي بصير في حديث قال : «قلت له : فإنّه طاف وهو متطوع ثماني مرّات وهو ناس ، قال : فليتمه طوافين ثمّ يصلّي أربع ركعات ، فأمّا الفريضة فليعد حتّى يتم سبعة أشواط» (١) وهي صريحة في الإعادة في صورة النسيان فاذن يقع التعارض بينها وبين الروايات الآمرة بالتتميم ستّاً.

إنّما الكلام في سند هذه الرواية لوقوع إسماعيل بن مرار في سندها فإنّه لم يوثق في الرجال ، فالرواية ضعيفة على مسلك المشهور ، ولكن لوقوعه في إسناد تفسير علي ابن إبراهيم يكون ثقة ، فالرواية معتبرة والدلالة واضحة ، فمقتضى الصحاح المتقدمة كصحيحة رفاعة وأبي أيّوب هو التكميل بالست ، وذكرنا في محله أنّ الواجب إذا كان أمراً واحداً وورد عليه أمران مختلفان تقتضي القاعدة التخيير بين الأمرين ، فحينئذ ما ذكره الصدوق من التخيير هو الصحيح.

هذا ما تقتضيه الصناعة ، ولكن حيث إنّ الأمر يدور بين التعيين والتخيير فالاحتياط يقتضي أن يتمّ الزائد ويجعله طوافاً كاملاً بقصد القربة المطلقة كما في المتن.

فتحصل : أن مقتضى الجمع بين الروايات هو التخيير بين أن يقطع الطّواف ويعيده

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٤ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ٢.

٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

من رأس ، وبين أن يكمله بستّة أشواط ويجعله طوافين.

ثمّ إنّه على تقدير الإتيان بالتمام وإتيان أربعة عشر شوطاً فلا شك في أنّ الطوافين معاً غير واجبين ، فهل الواجب هو السبعة الأُولى أو الثانية؟.

نسب إلى العلّامة في المنتهي أنّ الطّواف الأوّل هو فريضة (١) ، ونقل عن ابن الجنيد (٢) وابن بابويه (٣) أنّ الفريضة هو الثاني ، وصرّح في الفقيه بأنّ الفريضة هي الطّواف الثاني (٤).

والّذي ينبغي أن يقال : إنّه لا ريب في أنّ الأمر بالتتميم والتكميل بإتيان ستّة أشواط ليس أمراً تكليفياً وجوبياً جزماً ، والوجه في ذلك : أنّ الطّواف ليس كالصلاة في وجوب المضي والإتمام وحرمة القطع كما ادعي عليه الإجماع في خصوص الصلاة ، ولا كنفس أصل الحج والعمرة في وجوب الإتمام ، بل الطّواف واجب كسائر الواجبات يجوز قطعه اختياراً والإتيان به في أيّ وقت شاء ، فيجوز لكل أحد رفع اليد عن طوافه ويذهب حيث شاء ثمّ يستأنف الطّواف برأسه سواء قطعه قبل الثلاثة أو بعدها ، فقوله : «يضيف إليها ستّاً» أو «فليتم أربعة عشر» ليس أمراً وجوبياً ، بل ذلك من الأمر في مقام توهم الحظر ، والمراد به أنّه يصح له ويجوز له التتميم بإتيان البقيّة ويجوز له أن يعامل مع ما مضى من الأشواط معاملة الصحّة ، فيظهر من الروايات صحّة الطوافين ، والشوط الثامن الّذي أتى به سهواً غير ضائر في صحّة الطوافين ويعتد بالشوط الثامن ويجعله أوّل السبعة من الطّواف الثاني.

ولا سيما أنّ الروايات الآمرة بإتيان أربع ركعات بعد تمام الأشواط ظاهرة جدّاً في الاعتداد بالطوافين وصحّتهما ، فلو كان أحدهما باطلاً لا وجه للأمر بأربع ركعات ولكن لا يستفاد من شي‌ء من الروايات أنّ الأوّل واجب والثاني مستحب كما عن

__________________

(١) لم نعثر عليه في المنتهي ولكنّه موجود في المختلف ٤ : ٢٠٧.

(٢) حكاه عنهما في المختلف ٤ : ٢٠٧.

(٣) حكاه عنهما في المختلف ٤ : ٢٠٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٤٨ / ١١٩٢.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

العلّامة ولا العكس كما عن الصدوق ووالده ، والمرجع هو أصالة عدم اشتراط صحّة الطّواف الأوّل بإتمام الطّواف الثاني ، كما أنّ الأصل عدم انقلاب الطّواف الأوّل من الوجوب إلى الندب ، بل الأصل يقتضي بقاءه على الوجوب.

فالنتيجة مع العلّامة في كون الأوّل هو الواجب للأصل ، كما أنّ الزيادة السّهويّة في غير الأركان في الصلاة غير ضائرة.

هذا ، ولكن في صحيح زرارة «أن علياً (عليه السلام) طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف إليه ستّاً ، ثمّ صلّى ركعتين» (١) فهو كالصريح في أنّ الطّواف الثاني هو الواجب وهو الّذي يعتد به ، وأمّا السبعة الأُولى فقد تركها أي رفع اليد عنها وألغاها ، ولو كان الأوّل هو الواجب لا معنى لقوله : «فيترك سبعة». ويؤيّد بأنّ الأوّل لو كان واجباً لاستلزم القرآن بين الفريضة والنافلة ، وهذا بخلاف ما إذا كان الثاني واجباً فإن إتيان الفريضة بعد النافلة غير ممنوع وليس من القِران الممنوع.

نعم ، هنا إشكال آخر وهو منافاة الإتيان بالشوط الثامن سهواً لعصمة الإمام (عليه السلام) حتّى في الأُمور الخارجية وذلك مناف لمذهب الشيعة ، فيمكن إخراج هذه الرواية مخرج التقية في إسناد السهو إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ومثل ذلك غير عزيز في الأخبار فلا ينافي ثبوت أصل الحكم.

ومما يؤكّد أنّ الثاني هو الواجب : أمره بالركعتين بعده وبركعتين أخيرتين بعد الفراغ من السعي كما في عدّة من الروايات (٢) فإنّه على تقدير كون الأوّل فريضة يلزم الفصل بين الطّواف وصلاته ، بخلاف ما إذا كان الثاني فريضة فلا فصل بينهما.

وأمّا الصلاة للطوافين ففي بعض الروايات أنّه يصلّي أربع ركعات ، وفي بعضها أنّه يصلّي ركعتين بعد الطوافين وركعتين أُخريين بعد الفراغ من السعي ، وفي خبر جميل

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٥ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ٧.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٦٥ ، ٣٦٦ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ٧ ، ١٥ ، ١٦.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الأمر بتأخير الركعتين الأخيرتين بعد الفراغ من السعي (١).

ولكن الظاهر أنّه لا موجب للتفصيل والتفريق ، وأمّا فعله (عليه السلام) فلا يدل على لزوم التفريق والتأخير ، وغاية ذلك أنّه يدل على الرجحان والفضيلة ، وأمّا خبر جميل ضعيف السند للجهل بطريق ابن إدريس إلى نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر فهو غير قابل لتقييد ما دلّ على إتيان أربع ركعات على الإطلاق ، ولو أغمضنا عن ضعفه ففي المستحبات لا نلتزم بالتقييد ونحمل المقيد على الأفضلية ، إلّا إذا كان المقيد ينهى عن إتيان العمل المستحب إلّا في ضمن الخاص فحينئذ نلتزم بالتقييد ، وإلّا في غيره فلا نلتزم بالتقييد.

نعم ، لا ريب في كون التأخير والتفريق هو الأفضل لفعل علي (عليه السلام) ولرواية علي بن أبي حمزة ورواية جميل (٢).

ثمّ إنّه ورد في بعض الروايات : أنّ الصلاة إنّما هي ركعتان كما في صحيحة رفاعة (٣) وصحيحة ابن سنان (٤) ولكن لا بدّ من حملها على أداء الوظيفة الواجبة ، فليس الأمر بأربع ركعات كما في جملة من النصوص أمراً وجوبياً بقرينة هذه الرواية.

إلى هنا انتهى الجزء الرابع

ويليه الجزء الخامس وأوّله الشك في عدد الأشواط.

والحمد لله ربّ العالمين

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٤ ، ٣٦٥ ، ٣٦٧ / أبواب الطّواف ب ٣٤ ح ٤ ، ٦ ، ١٥ ، ١٦.

(٢) المصدر المتقدم ح ١٥ ، ١٦.

(٣ و ٤) الوسائل ١٣ : ٣٦٥ و ٣٦٦ / أبواب الطواف ب ٣٤ ح ٩ ، ٥.

٧٦

الشكّ في عدد الأشواط

مسألة ٣١٥ : إذا شكّ في عدد الأشواط بعد الفراغ من الطّواف والتجاوز من محلِّه لم يعتن بالشك ، كما إذا كان شكه بعد دخوله في صلاة الطّواف (١).

مسألة ٣١٦ : إذا تيقن بالسبعة وشك في الزائد ، كما إذا احتمل أن يكون الشوط الأخير هو الثامن لم يعتن بالشك وصحّ طوافه (٢)

______________________________________________________

(١) الشك في الطّواف قد يكون شكاً في صحته ، وقد يكون شكاً في عدد أشواطه.

والشك في الأعداد تارة يكون متمحضاً في الزيادة وأُخرى في النقيصة وثالثة فيهما معاً.

أمّا الشك في الصحة فلا ريب في جريان أصالة الصحة لما وقع في الخارج ، سواء حصل الشك في الأثناء أو بعد الفراغ ، فان الشك في كل ما مضى يحكم بصحته.

وأمّا الشك في الأعداد فتارة يشك بعد الفراغ والانصراف منه ، وبعد الدخول في الغير كالدخول في صلاة الطّواف أو السعي ، فيحكم بصحة الطّواف لقاعدة الفراغ.

(٢) إذا فرغ من الطّواف ولم يدخل في الغير ، كما إذا شك في أن شوطه هذا الذي بيده سابع أو ثامن ، ففي مثله أيضاً يحكم عليه بالصحة للأصل ، إذ لم يحرز الزيادة على السبعة ، ومقتضى الأصل عدم الإتيان بالشوط الثامن ، ويدلُّ عليه النص أيضاً وهو صحيح الحلبي «رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية ، فقال : أمّا السبعة فقد استيقن وإنما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين» (١).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٨ / أبواب الطّواف ب ٣٥ ح ١.

٧٧

إلّا أن يكون شكه هذا قبل تمام الشوط الأخير ، فإن الأظهر حينئذ بطلان الطّواف ، والأحوط إتمامه رجاء وإعادته (١).

______________________________________________________

(١) إنما الإشكال فيما لو شك قبل تمام الشوط الأخير ، كما لو فرض أنه شك عند الركن اليماني أو قبله في أنه هل طاف ستة وما بيده السابع أم طاف سبعة وما بيده الثامن ، فالشك بين ستة ونصف أو سبعة ونصف ، ففي مثله ذهب الشهيد في المسالك إلى البطلان ، لدوران الأمر بين المحذورين ، إذ لو اكتفى بهذا المقدار وقطع الطّواف من هذا المكان ، فلعله الناقص أي ستة ونصف ، كما أنه يحتمل أنه الزائد أي سبعة ونصف (١).

وأشكل عليه صاحب المدارك بأنه لا مانع بالزيادة بأقل من الشوط الكامل (٢).

وما ذكره (قدس سره) مبني على ما اختاره من عدم البطلان بأقل من الشوط الواحد الكامل ، وقد استحسن صاحب الجواهر ما في المسالك (٣).

والصحيح ما ذكره الشهيد الثاني وغيره ، لا لما ذكره من دوران الأمر بين المحذورين ، لأن الأصل عدم الزيادة وعدم الإتيان بالزائد فلا أثر لهذا الدوران ، فان النقص مطابق للأصل كما أن عدم الزيادة موافق للأصل ، بل لوجوه أُخرى :

الأول : ما يستفاد من صحيح الحلبي : أن العبرة بالتيقن بالسبع لقوله (عليه السلام) : «أمّا السبعة فقد استيقن وإنما وقع وهمه على الثامن» (٤) ويظهر من ذلك أن السبع لا بد من القطع به ، ومن المفروض أن السبع غير مقطوع به في المقام لاحتمال كونه ستة ونصف.

وبعبارة اخرى : يستفاد من صحيح الحلبي أن استصحاب عدم الزائد غير حجة في

__________________

(١) المسالك ٢ : ٣٤٩.

(٢) المدارك ٨ : ١٧٨.

(٣) الجواهر ١٩ : ٣٧٩.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٦٨ / أبواب الطّواف ب ٣٥ ح ١.

٧٨

مسألة ٣١٧ : إذا شك في عدد الأشواط ، كما إذا شك بين السادس والسابع أو بين الخامس والسادس وكذلك الأعداد السابقة حكم ببطلان طوافه ، وكذلك إذا شك في الزيادة والنقصان معاً ، كما إذا شك في أنّ شوطه الأخير هو السادس أو الثامن (١)

______________________________________________________

باب الطّواف ، كما أنه غير حجة في باب أعداد الصلاة.

الثاني : معتبرة أبي بصير التي في إسنادها إسماعيل بن مرار «رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر ستة طاف أم سبعة أم ثمانية ، قال : يعيد طوافه حتى يحفظ» (١) فان المستفاد منها اعتبار كون الطائف حافظاً للسبع ومحرِزاً له ، وفي المقام غير محرِز وغير حافظ له ، نظير اعتبار الحفظ في الركعتين الأُوليين.

الثالث : الروايات الواردة في الشك بين الست والسبع الدالة على بطلان الطّواف (٢) فإن إطلاقها يشمل بعد الفراغ من الشوط ووصوله إلى الحجر الأسود ، كما أنه يشمل الأثناء وقبل الوصول إليه ، فلو تجاوز عنه بمقدار خطوات وشك أن ما في يده سادس أو سابع فلم يحرز ولم يحفظ الطّواف ، فان الطّواف اسم للمجموع ويصدق أنه طاف ولم يدر ستة طاف أو طاف سبعة وإن لم يصل إلى الحجر ولم يتم الشوط. بل تخصيص حصول الشك بين الستة والسبعة بحين الوصول إلى الحجر تخصيص بالفرد النادر ، إذ إنما الشك غالباً يحصل في الأثناء وقبل الوصول إلى الحجر.

وهذه الوجوه أحسن ما يستدل به لمذهب المشهور ولم أر من استدل بها.

(١) المذكور في المسألة ثلاث صور :

الاولى : ما إذا شك في النقيصة فقط.

الثانية : في النقيصة والزيادة.

الثالثة : الشك بين الخامس والرابع ، أو بين الثالث والرابع ، وكذلك الأعداد السابقة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٢ / أبواب الطواف ب ٣٣ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٥٩ / أبواب الطواف ب ٣٣.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الأُولى : فالمعروف بين الأصحاب هو الحكم بالبطلان ، وخالف صاحب المدارك وبنى على الأقل ونسب إلى بعض القدماء كالمفيد (١).

واستدل للمشهور بعدة من الروايات :

منها : صحيحة منصور «إني طفت فلم أدر أستة طفت أم سبعة ، فطفت طوافاً آخر ، فقال : هلا استأنفت» (٢).

ومنها : صحيحة الحلبي «في رجل لم يدر ستة طاف أو سبعة ، قال : يستقبل» (٣).

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار «في رجل لم يدر أستة طاف أو سبعة؟ قال : يستقبل» (٤).

وناقش صاحب المدارك في هذه الرواية لوقوع النخعي في السند وهو مشترك بين الثقة وغيره ، والظاهر أنه لقب لأبي أيوب الدراج (٥) وهو ثقة ، وموسى بن القاسم روى عنه في غير هذا المورد. على أنه رواها الكليني وليس في السند النخعي (٦).

منها : ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم «عن رجل طاف بالبيت ولم يدر أستة طاف أو سبعة طواف فريضة ، قال : فليعد طوافه» (٧).

وقد طعن صاحب المدارك في هذه الرواية أيضاً بأن في طريقها عبد الرحمن بن سيابة وهو مجهول ، ولكن الوسائل والحدائق (٨) ذكرا تبعاً لصاحب المنتقى (٩) أن عبد الرحمن هذا الذي يروي عنه موسى بن القاسم هو ابن أبي نجران وتفسيره بابن

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٨٠.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٥٩ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٦١ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٩.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٥٩ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٢.

(٥) بل هو لقب لأبي الحسين النخعي وهو أيّوب بن نوح بن درّاج ، راجع معجم الرجال ٤ : ١٦٩ / ١٦٢١.

(٦) الكافي ٤ : ٤١٧ / ٣.

(٧) الوسائل ١٣ : ٣٥٩ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ١ ، التهذيب ٥ : ١١٠ / ٣٥٦.

(٨) الحدائق ١٦ : ٢٣٥.

(٩) منتقى الجمان ٣ : ٢٨٣.

٨٠