موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

الثاني : الانتهاء في كل شوط بالحجر الأسود ويحتاط في الشوط الأخير بتجاوزه عن الحجر بقليل ، على أن تكون الزيادة من باب المقدمة العلمية (١).

______________________________________________________

ولو كان البدأة أو الانتهاء بغيره جائزاً لظهر وبان ولنقل من الأئمة (عليهم السلام) فالحكم مقطوع به ولا نقاش فيه أبداً.

ويدلُّ عليه مضافاً إلى ما تقدم : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «من اختصر في الحجر الطّواف فليعد طوافه من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود» (١) فإنّه صريح الدلالة على اعتبار البدأة والختم بالحجر الأسود.

ثمّ إنّ المستفاد من النص والسيرة وطواف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) راكباً هو الابتداء والانتهاء به بمقدار الصدق العرفي ، ولا يعتبر مرور جميع أجزاء بدنه بالحجر ، بأن يحاذي أقدم عضو من أعضائه للحجر كما توهّم ، ولذا اختلفوا في تعيين أوّل جزء وأقدم عضو من البدن ، وأنّه هل هو الأنف أو البطن أو إبهام الرجل ، وربما اختلف الأشخاص بالنسبة إلى ذلك ولا حاجة إلى ذلك أصلاً ، بل المعتبر صدق المحاذاة والبدأة بالحجر والختم به عرفاً ، وأن يمرّ أوّل جزء من بدنه عليه في الطّواف فلو بدأ بالطواف من الحجر الأسود ولم يكن أوّل عضو من أعضائه من مقاديم بدنه محاذياً للحجر بحيث لم يمرّ جميع أجزائه وأعضاء بدنه بالحجر صحّ طوافه ، لصدق البدأة أو الختم بالحجر بذلك عرفاً.

نعم ، الأحوط الأولى أن يمرّ بجميع أعضاء بدنه على جميع الحجر ، بأن يقف دون الحجر بقليل من باب المقدّمة العلمية فينوي الطّواف من الموضع الّذي تتحقق المحاذاة واقعاً ويكون الزائد لغواً.

(١) قد ظهر حال هذا الشرط مما تقدم في بيان الشرط الأوّل فلا موجب للإعادة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٥٧ / أبواب الطّواف ب ٣١ ح ٣.

٤١

الثالث : جعل الكعبة على يساره في جميع أحوال الطّواف ، فاذا استقبل الطائف الكعبة لتقبيل الأركان أو لغيره ، أو ألجأه الزحام إلى استقبال الكعبة أو استدبارها ، أو جعلها على اليمين فذلك المقدار لا يعد من الطّواف ، والظاهر أنّ العبرة في جعل الكعبة على اليسار بالصدق العرفي كما يظهر ذلك من طواف النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) راكباً ، والأولى المداقّة في ذلك ولا سيما عند فتحي حجر إسماعيل وعند الأركان (١).

______________________________________________________

(١) هذا الاشتراط وإن لم يصرح به في الروايات ولكنّه لا خلاف فيه بين المسلمين كافّة ، وقد قامت عليه السيرة القطعية تأسياً بالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام) بحيث يكون خلافه أمراً منكراً عند المسلمين ، ولو كان جائزاً لظهر وشاع ، ولوقع من أحدهم ولو مرّة واحدة ، ويؤكّده عدّة من الروايات :

منها : صحيح معاوية بن عمار «إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخّر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل فابسط يدك على البيت إلى أن قال ثمّ ائت الحجر الأسود» (١).

وفي صحيحة أُخرى له «ثمّ تطوف بالبيت سبعة أشواط إلى أن قال فاذا انتهيت إلى مؤخّر الكعبة وهو المستجار دون الركن اليماني بقليل في الشوط السابع فابسط يديك على الأرض والصق خدك وبطنك بالبيت إلى أن قال ثمّ استقبل الركن اليماني والركن الّذي فيه الحجر الأسود واختتم به» (٢) وغيرهما من الروايات ، فانّ المفروض فيها جعل الكعبة على اليسار ، فانّ الترتيب المزبور في الروايات يستدعي أن يطوف على يساره دون يمينه كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٤٥ ، ٣٤٧ / أبواب الطّواف ب ٢٦ ح ٤ ، ٩.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٤٥ ، ٣٤٧ / أبواب الطّواف ب ٢٦ ح ٤ ، ٩.

٤٢

الرّابع : إدخال حجر إسماعيل في المطاف بمعنى أن يطوف حول الحجر من دون أن يدخل فيه (١).

الخامس : خروج الطائف عن الكعبة وعن الصفة الّتي في أطرافها المسماة بشاذَروان (٢).

______________________________________________________

(١) هذا أيضاً أمر متسالم عليه عند المسلمين والنصوص فيه مستفيضة (١).

نعم ، وقع الكلام في أمر آخر وهو بطلان أصل الطّواف أو شرطه لو اختصر في الطّواف ودخل في الحجر ، وذلك لاختلاف الروايات ، وسنتعرض إلى ذلك عن قريب إن شاء الله تعالى.

(٢) لا ريب ولا شك في لزوم كون الطّواف حول البيت ، فلا بدّ أن يكون البيت الشريف بتمامه مطافاً ، فاللّازم أن يجعل الشاذَروان (٢) داخلاً في المطاف ، لأنّ الشاذَروان أساس البيت وقاعدته ، فلا يصح الطّواف داخل الكعبة ، وكذا لو طاف من فوق الشاذَروان.

وبعبارة اخرى : لا بدّ أن يكون الطائف خارجاً من البيت ومن الشاذَروان ، فلو طاف داخل البيت أو من فوق الشاذَروان بطل طوافه برأسه ، والحكم بالنسبة إلى البيت واضح.

وأمّا بالنسبة إلى الشاذَروان فالمعروف أنّه من أساس البيت وقاعدته ومن نفس جدار الكعبة كما جاءت بذلك الآثار التاريخية ، وهو القدر الباقي من أساس الحائط بعد عمارته أخيرا.

ولو شكّ في دخول الشاذروان في البيت وعدمه فالأصل أيضاً يقتضي جعله مطافاً

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٥٣ ، ٣٥٦ / أبواب الطّواف ب ٣٠ ، ٣١.

(٢) الشاذَروان بفتح الذال من جدار البيت الحرام ، وهو الّذي ترك من عرض الأساس خارجاً ويسمّى تأزيراً لأنّه كازار للبيت. مجمع البحرين [٣ : ١٨٣] والكلمة فارسية ، شادروان بالدال المهملة زير كنگرهاى عمارتها را گويند. برهان قاطع [٣ : ١٢٢٣].

٤٣

السادس : أن يطوف بالبيت سبع مرات (١) متواليات عرفاً ولا يجزي الأقل من السبع ، ويبطل الطّواف بالزيادة على السبع عمداً كما سيأتي.

______________________________________________________

وإجراء حكم البيت عليه ، وذلك لأنّه لو أخرجه عن المطاف ولم يطف حوله لم يحرز كون الطّواف طوافاً بالبيت ، بعكس ما لو أدخله في المطاف. إذن فلا بدّ من إدخاله في البيت ليحرز كون الطّواف بالبيت من باب المقدمة العلمية لحصول الطّواف بالبيت ولذا لو فرضنا أنّ الكعبة الشريفة خربت بتمامها (لا سمح الله) يجب إدخال ما شك فيه من البيت في المطاف ، ولا بدّ من الطّواف في مكان يحرز كونه خارج البيت.

ودعوى كون الشاذروان من البيت وعدمه من قبيل الشك بين الأقل والأكثر والأصل يقتضي عدم دخوله في البيت ، ضعيفة بأن أصالة عدم دخول الشاذروان في البيت لا تحقق كون الطّواف طوافاً بالبيت ولا توجب إحراز ذلك.

نعم ، وقع الكلام في البطلان وعدمه فيما لو طاف من فوق الشاذروان ، وأمّا أصل الحكم وهو جعل الشاذروان مطافاً فمما لا خلاف فيه أصلا.

(١) بلا خلاف في ذلك بين المسلمين والحكم به مقطوع به عند الأصحاب ، ويمكن استفادته من عدّة من الروايات الموجودة في أبواب متفرقة والّتي لا يبعد دعوى تواترها.

منها : الأخبار البيانية لكيفية الحج (١).

ومنها : الروايات الواردة في من شكّ في عدد أشواط الطّواف بين السبعة والستّة (٢).

ومنها : الروايات الآمرة بالإعادة إذا زاد شوطاً على سبعة أشواط (٣).

ومنها : الروايات الواردة في القرآن بين أُسبوعين (٤) وغير ذلك من الروايات الكثيرة.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢١٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٥٩ / أبواب الطّواف ب ٣٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٦٣ / أبواب الطّواف ب ٣٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٦٩ / أبواب الطّواف ب ٣٦.

٤٤

مسألة ٣٠٣ : اعتبر المشهور في الطّواف أن يكون بين الكعبة ومقام إبراهيم (عليه السلام) ويقدّر هذا الفاصل بستّة وعشرين ذراعاً ونصف ذراع ، وبما أن حجر إسماعيل داخل في المطاف فمحل الطّواف من الحجر لا يتجاوز ستّة أذرع ونصف ذراع ، ولكن الظاهر كفاية الطّواف في الزائد على هذا المقدار أيضاً ، ولا سيما لمن لا يقدر على الطّواف في الحد المذكور ، أو أنّه حرج عليه ، ورعاية الاحتياط مع التمكّن أولى (١).

______________________________________________________

وأمّا اعتبار التوالي بين الأشواط ، فلأنّ الطّواف عمل واحد مركب من أشواط سبعة ، وليس كل شوط عملاً مستقلا ، فحاله حال سائر الأعمال ، والعمل الواحد المركب من أجزاء غير متماثلة كالصلاة ، أو المركب من أجزاء متماثلة كالطواف المركب من الأشواط إذا أُمر به يفهم العرف إتيانه متوالياً من دون فصل بين الأجزاء ، وإلّا فلا يصدق العمل الواحد المأمور به على ما أتى به ، كما إذا أتى بشوط من الطّواف ثمّ بعد عشر ساعات أتى بشوط آخر ، كما هو الحال في الصلاة والأذان والإقامة ، بل حتّى العقود وغير ذلك من الأعمال المركبة ، ومما ذكرنا ظهر اعتبار التوالي في نفس الشوط الواحد وإلّا فلا يصح الطّواف.

(١) المعروف والمشهور بين الأصحاب وجوب كون الطّواف بين الكعبة وبين المقام مراعياً ذلك القدر من البعد في جميع أطراف البيت حتّى جهة حجر إسماعيل ، ولذا يضيق المطاف حينئذ من تلك الجهة ويكون قريباً من ستّة أذرع ونصف ذراع ، ويقرب في سائر الجوانب بستّة وعشرين ذراعاً ونصف ذراع.

ويدلُّ على مذهب المشهور ما رواه الكليني عن محمّد بن مسلم قال : «سألته عن حدّ الطّواف بالبيت الّذي من خرج عنه لم يكن طائفاً بالبيت ، قال : كان الناس على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يطوفون بالبيت والمقام ، وأنتم اليوم تطوفون ما بين المقام وبين البيت ، فكان الحد موضع المقام ، فمن جازه فليس بطائف ، والحد قبل اليوم واليوم واحد قدر ما بين المقام وبين البيت من نواحي البيت كلّها ، فمن طاف

٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فتباعد من نواحيه أبعد من مقدار ذلك كان طائفاً بغير البيت بمنزلة من طاف بالمسجد لأنّه طاف في غير حد ولا طواف له» (١) والرواية صريحة في مذهب المشهور ولكنّها ضعيفة سنداً ، لأن في طريقها ياسين الضرير وهو غير موثق ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ الانجبار مما لا أساس له عندنا.

ونسب إلى ابن الجنيد أنّه جوّز الطّواف خارج المقام ومن خلفه عند الضرورة (٢) ، وعن الصدوق الجواز مطلقاً ولو اختيارا (٣).

ويظهر الميل إليه من المختلف (٤) والتذكرة (٥) والمنتهى (٦) كما يظهر الميل من صاحب المدارك (٧) ، وهو الصحيح.

ويدل عليه صحيحة الحلبي قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الطّواف خلف المقام ، قال : ما أُحب ذلك وما أرى به بأساً فلا تفعله إلّا أن لا تجد بدّاً» (٨) وصريح الرواية الجواز على المرجوحية الّتي ترتفع عند الاضطرار ، فلا بأس بالعمل بها كما عن الصدوق الإفتاء بمضمونها.

فالمتحصل : أنّ الطّواف بالنسبة إلى البُعْد والقُرْب إلى الكعبة غير محدّد بحد ، بل العبرة بصدق الطّواف حول البيت عرفاً وإن كان خلف المقام.

نعم ، لو طاف خارج المسجد كالشوارع المحيطة بالمسجد أو نفس المسجد ولكن في مكان بعيد جدّاً عن الكعبة بحيث لا يصدق عليه الطّواف حول البيت لا يجتزأ به قطعاً.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٥٠ / أبواب الطّواف ب ٢٨ ح ١ ، الكافي ٤ : ٤١٣ / ١.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٤ : ٢٠٠ [مسألة ١٥٤].

(٣) الفقيه ٢ : ٢٤٩ / ١٢٠٠.

(٤) المختلف ٤ : ٢٠٠ [مسألة ١٥٤].

(٥) التذكرة ٨ : ٩٣.

(٦) المنتهي ٢ : ٦٩١ السطر ١٢.

(٧) المدارك ٨ : ١٣١.

(٨) الوسائل ١٣ : ٣٥١ / أبواب الطواف ب ٢٨ ح ٢.

٤٦

الخروج عن المطاف إلى الداخل أو الخارج

مسألة ٣٠٤ : إذا خرج الطائف عن المطاف فدخل الكعبة بطل طوافه ولزمته الإعادة ، والأولى إتمام الطّواف ثمّ أعادته إذا كان الخروج بعد تجاوز النصف (١).

______________________________________________________

(١) إذا خرج الطائف عن المطاف فهل يصح طوافه أو يبطل أو فيه تفصيل؟

قد يفرض أنّ الطائف يخرج عن المطاف ويدخل في الكعبة ، وقد يفرض خروجه عن مدور المطاف إلى الخارج.

أمّا بالنسبة إلى الداخل فلا إشكال في البطلان في الجملة ويعيد ما أتى به من الأشواط ، وهل هذا حكم على الإطلاق أو يختص بما إذا لم يتجاوز النصف؟

المشهور هو التفصيل بين التجاوز عن النصف وعدمه ، فان دخل الكعبة قبل التجاوز من النصف بطل طوافه وعليه إعادته من أصله ، وإن دخل إلى الكعبة بعد التجاوز من النصف فيبني على طوافه ويعيد نفس الشوط الّذي أتى به داخل الكعبة.

ولكن هذا التفصيل لم يرد في شي‌ء من الروايات ، بل صحيحة ابن البختري تدل على البطلان على الإطلاق فعن أبي عبد الله (عليه السلام) «في من كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها ، قال : يستقبل طوافه» (١) فإنّها واضحة الدلالة على البطلان على الإطلاق ، سواء دخل الكعبة قبل التجاوز من النصف أو بعده.

ولكن في صحيح الحلبي حكم بالبطلان فيما إذا دخل البيت قبل التجاوز من النصف كما جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط ثمّ وجد من البيت خلوة فدخله كيف يصنع؟ قال : يعيد طوافه ، وخالف السنّة» (٢). وفي مرسلة ابن مسكان قال : «حدثني من سأله عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة ثلاثة أشواط ، ثمّ وجد خلوة من البيت فدخله قال : نقض (يقضي) طوافه وخالف السنة فليعد» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧٨ / أبواب الطّواف ب ٤١ ح ١.

(٢) ٣) الوسائل ١٣ : ٣٧٩ / أبواب الطّواف ب ٤١ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٧٩ / أبواب الطّواف ب ٤١ ح ٤.

٤٧

مسألة ٣٠٥ : إذا تجاوز عن مطافه إلى الشاذروان بطل طوافه بالنسبة إلى المقدار الخارج عن المطاف ، والأحوط إتمام الطّواف بعد تدارك ذلك المقدار ثمّ إعادته. والأحوط أن لا يمدّ يده حال طوافه من جانب الشاذروان إلى جدار الكعبة لاستلام الأركان أو غيره (١).

______________________________________________________

ولو كنّا نحن وهاتان الروايتان فمقتضاهما البطلان في خصوص صورة الدخول قبل التجاوز من النصف ، وأمّا إذا دخل إلى الكعبة بعد التجاوز من النصف فالروايتان ساكتتان عن حكمه ومقتضى الأصل هو الصحّة.

إلّا أن مقتضى صحيح ابن البختري هو البطلان مطلقاً ولا مقيّد لإطلاقه.

وأمّا الروايتان ، فقد عرفت أنّهما لا تدلّان على البطلان في فرض الدخول بعد التجاوز من النصف ، فلا تدل الروايتان على البطلان ولا على الصحّة ، فالمرجع حينئذ إطلاق صحيح ابن البختري.

فالظاهر هو البطلان بالنسبة إلى الدخول إلى البيت ، سواء كان قبل التجاوز من النصف أو بعده.

(١) لا ريب في أنّه لو تسلّق على الشاذروان وطاف من فوقه لا يحسب ذلك المقدار طوافاً للبيت ، فإنّه لو ثبت كون الشاذروان من جدار الكعبة ومن أساس البيت فالأمر واضح ، فإنّه محكوم بحكم البيت نفسه ، ولو شكّ في ذلك فالشك كافٍ في الحكم بالبطلان ، لعدم إحراز الطّواف بالبيت ، وأصالة عدم كونه من البيت لا تثبت أن طوافه بالبيت.

هذا بالنسبة لهذا المقدار الّذي طاف من فوق الشاذروان ، وأمّا بالنسبة إلى أصل الطّواف فهل يحكم ببطلانه أم لا؟.

الظاهر هو الثاني ، إذ لم يثبت كون الشاذروان من البيت ، ولو شكّ في ذلك فالدخول في الشاذَروان والتسلّق عليه لا يوجب البطلان ، لعدم صدق الطّواف من داخل البيت

٤٨

مسألة ٣٠٦ : إذا دخل الطائف حجر إسماعيل بطل الشوط الّذي وقع ذلك فيه فلا بدّ من إعادته والأولى إعادة الطّواف بعد إتمامه ، هذا مع بقاء الموالاة ، وأمّا مع عدمها فالطواف محكوم بالبطلان وإن كان ذلك عن جهل أو نسيان ، وفي حكم دخول الحِجر التسلّق على حائطه على الأحوط ، بل الأحوط أن لا يضع الطائف يده على حائط الحِجر أيضاً (١).

______________________________________________________

عليه ، وما دلّ على المنع من الدخول في البيت حال الطّواف منصرف عن التسلّق على الشاذروان ، فالظاهر بطلان المقدار الّذي تسلّق عليه لا بطلان بقيّة الأشواط الّتي لم يكن على الشاذَروان ، فعليه تدارك ذلك المقدار الّذي تسلّق على الشاذَروان ، والأحوط إتمام الطّواف بعد تدارك ذلك المقدار ثمّ إعادته من أصله.

وهل له أن يمدّ يده حال الطّواف على الحجر الأسود أو إلى جدار الكعبة لاستلام الأركان أو غيرها أم لا؟

اختلفت كلماتهم في ذلك ، بل حصل الاختلاف من عالم واحد كالعلّامة (١).

ووجه الاشكال : أنّ الطّواف هل يلزم أن يكون بتمام بدنه أو يكفي بمعظم بدنه؟ فان اعتبرنا تمام البدن فلا يجتزئ بطوافه هذا ، لأن يده خرجت عن المطاف ، وإن قلنا بكفاية الصدق العرفي والاكتفاء بمعظم البدن فمدّ اليد إلى جدار الكعبة أو الحجر غير ضائر في الصدق المذكور.

ولا ريب أن هذا الصدق غير قابل للإنكار كما في الطّواف في غير الكعبة ، ولكن الأحوط استحباباً هو الترك.

(١) لا ريب في عدم جواز الدخول في حجر إسماعيل حال الطّواف ، وهل يبطل طوافه برأسه أو يبطل ذلك الشوط الّذي وقع فيه؟ فيه كلام ، ففي صحيحة معاوية بن عمار «من اختصر في الحِجر الطّواف فليعد طوافه» (٢) وظاهرها بطلان الطّواف من

__________________

(١) قال بعدم الجواز في التذكرة ٨ : ٩٢ ، وبالجواز في القواعد ١ : ٤٢٨.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٥٧ / أبواب الطّواف ب ٣١ ح ٣.

٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أصله.

وفي غيرها من الروايات أنّه يعيد ذلك الشوط ، فتكون هذه الروايات قرينة على أنّ المراد بالطواف في صحيحة معاوية بن عمار هو الشوط ، حيث أُطلق الطّواف على الشوط في غير واحد من الروايات.

فالأظهر كفاية إعادة الشوط الّذي دخل فيه إلى الحِجر وإن كان الأحوط إعادة أصل الطّواف.

وأمّا التسلّق على حائط الحِجر فيظهر من الأصحاب أنّه محكوم بالحِجر وألحقوه به.

أقول : إن كان مضمون الروايات هو جعل الحِجر مطافاً فالإلحاق في محله ، لأنّه كالبيت في لزوم جعله مطافاً فلا يجوز التسلّق عليه ، ولكن المذكور في الروايات هو المنع عن الدخول في الحِجر ، وبالتسلق على حائطه لا يصدق الدخول في الحِجر فالإلحاق مشكل.

ولكن احتمال كون الحائط من الحِجر وأنّه مبني على الحِجر كما هو غير بعيد يمنع التسلّق عليه ، لوجوب إدخال حجر إسماعيل في المطاف ، فالاحتياط بترك التسلّق على حائط الحِجر في محله.

وأمّا وضع اليد على حائط الحِجر حال الطّواف فقد ذكروا أنّه لا يجوز ، لأن بعض بدنه يكون في الحِجر ، ولا يمكن إثباته بدليل ، ولا يقاس بوضع اليد على جدار الكعبة أو الشاذَروان ، لأنّ الطائف لا بدّ له أن يطوف بتمام بدنه حول البيت ، وإذا وضع يده على الكعبة لا يصدق عليه أنّه طاف بتمام بدنه ، ولكن الأمر في الحِجر ليس كذلك وليس المأمور به الطّواف حول الحِجر ، بل الممنوع دخول الطائف في الحِجر ، وبوضع اليد على حائط الحِجر لا يصدق عليه الدخول في الحِجر.

وأوضح من ذلك إشكالاً : ما ذكره بعضهم من أنّه لا يمس جدار الحِجر ، لما عرفت أنّ الممنوع شرعاً هو الدخول في ذلك وغير صادق على وضع اليد على الحائط أو مسّه ، حتّى لو فرضنا أنّ الطرف الأعلى من الحائط أقل عرضاً من الأسفل ، كما لو

٥٠

مسألة ٣٠٧ : إذا خرج الطائف من المطاف إلى الخارج قبل تجاوزه النصف من دون عذر ، فان فاتته الموالاة العرفية بطل طوافه ولزمته إعادته ، وإن لم تَفُت الموالاة أو كان خروجه بعد تجاوز النصف فالأحوط إتمام الطّواف ثمّ إعادته (١).

______________________________________________________

فرض بناء الحائط على نحو التسنيم ، وإن كان الغالب في عمارة الجدران والحيطان هو المساواة والمحاذاة ولو كان متفاوتاً فيسير جدّاً.

وأشدّ من ذلك إشكالاً ما ذكره الأُستاذ النائيني في مناسكه من أنّ الأولى أن لا يصل أصابع قدمه بأساس الحِجر (١) ، فإنّ الأصابع إنّما تمس ما هو خارج عن الحِجر لأنّ الطرف الظاهر الأسفل من الحائط خارج من الحِجر ، فلا مانع من ذلك أصلاً حتّى لو فرضنا أنّ الواجب جعل الحِجر مطافاً.

هذا كلّه بالنسبة إلى خروج الطائف عن المطاف ودخوله إلى الكعبة أو الشاذروان أو الحِجر ، وأمّا خروجه عن المطاف إلى الخارج فذكره في المسألة الآتية.

(١) المشهور بين الفقهاء أنّه لو خرج الطائف من المطاف إلى الخارج عن غير عذر ، فان كان قبل التجاوز من النصف يبطل طوافه ، وإن كان بعد التجاوز من النصف يبني على طوافه ويرجع ويأتي ببقية الأشواط.

وتفصيل الكلام يقع في مسائل ثلاث :

الاولى : الخروج قبل النصف مع فوات الموالاة العرفية ، ففي مثل ذلك لا ينبغي الشك في البطلان ، لأنّ الطّواف عمل واحد يعتبر فيه الموالاة بين أجزائه ، وإلّا فلا يلحق الجزء اللّاحق بالجزء السابق.

ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى ما ذكر : صحيح أبان بن تغلب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل طاف شوطاً أو شوطين ثمّ خرج مع رجل في حاجة ، قال : إن كان

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٢٥٢.

٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

طواف نافلة بنى عليه وإن كان طواف فريضة لم يبن» (١) فإنّه دال على البطلان بالخروج عن المطاف وقطع الطّواف ، ولا نحتمل دخل الشوط أو الشوطين في الحكم بالبطلان ، بل المستفاد منه أنّ العبرة في الحكم بالبطلان بقبل التجاوز من النصف فالحكم بالنسبة إلى ما قبل النصف واضح. وأمّا إذا تجاوز النصف فلا يمكن الجزم بشمول الدليل له.

الثانية : الخروج قبل التجاوز من النصف مع عدم فوات الموالاة ، كما إذا خرج وقطع طوافه ثمّ رجع سريعاً بحيث لا يخل بالموالاة ، نظير ما لو جلس أو وقف في أثناء الطّواف يسيراً ، ففي مثل هذا الفرض لا يمكن الحكم ببطلان الطّواف مع قطع النظر عن دليل خاص لصدق الطّواف الواحد على ذلك ، ومجرّد الفصل بهذا المقدار غير ضائر في صدق الطّواف الواحد عليه ولا يخل بالهيئة الاتصالية العرفية.

نعم ، إطلاق صحيح أبان المتقدم يشمل هذه الصورة أيضاً ، لأنّ المذكور فيه الخروج لحاجة ولم يذكر فيه مقدار الخروج وأنّه كان على حدّ ينافي الموالاة أم لا فمقتضى إطلاق النص فساد الطّواف وإن لم تفت الموالاة.

الثالثة : ما إذا خرج عن المطاف بعد التجاوز من النصف ، فقد يفرض أنّ الموالاة لا تفوت وتكون الهيئة الاتصالية محفوظة ، ففي هذه الصورة لا شك في الحكم بالصحّة ، إذ لم يرد دليل على البطلان بمجرد الخروج. وأمّا إذا فاتت الموالاة فالمشهور ذهبوا إلى الحكم بالصحّة وذكروا أن دليل لزوم الموالاة خصص في هذه الصورة ، فيقع الكلام في دليل الصحّة.

فقد يستدل بأدلّة الخروج للتطهير فيما إذا أحدث في أثناء الطّواف ، وكذلك استدلّ بأدلّة جواز الخروج للحائض إذا طرأ الحيض في الأثناء.

وفيه : أنّه قياس لا نقول به.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٨٠ / أبواب الطّواف ب ٤١ ح ٥.

٥٢

مسألة ٣٠٨ : إذا أحدث أثناء طوافه جاز له أن يخرج ويتطهّر ثمّ يرجع ويتم طوافه على ما تقدّم ، وكذلك الخروج لإزالة النجاسة من بدنه أو ثيابه ، ولو حاضت المرأة أثناء طوافها وجب عليها قطعه والخروج من المسجد الحرام فوراً

______________________________________________________

نعم ورد في بعض روايات الحائض تعليل الصحّة بأنّها زادت على النصف (١) فربما يستفاد منه عدم اختصاص الحكم بالصحّة بالحيض ، بل هذا الحكم حكم من تجاوز النصف ، ولكن موردها الخروج الاضطراري لا الاختياري الّذي هو محل الكلام. على أنّه قد تقدّم (٢) أن هذه الرواية ضعيفة السند.

نعم ، في صحيح صفوان قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يأتي أخاه وهو في الطّواف ، فقال : يخرج معه في حاجته ثمّ يرجع ويبني على طوافه» (٣) وهو مطلق من حيث طواف الفريضة وطواف النافلة ، وكذلك مطلق من حيث الخروج قبل التجاوز من النصف أو بعده ، ويخرج منه طواف الفريضة إذا خرج قبل التجاوز من النصف ، لصحيح أبان بن تغلب المتقدم (٤) الدال على البطلان في طواف الفريضة إذا خرج قبل التجاوز من النصف ، فيبقى تحت صحيحة صفوان طواف النافلة وطواف الفريضة إذا كان الخروج بعد التجاوز من النصف ، فيحكم بالصحّة في هذين الموردين وإن فاتت الموالاة.

ثمّ إن في المقام روايات كثيرة تدل على جواز الخروج أثناء الطّواف وقطعه اختياراً والبناء على ما قطعه ، ولكنّها بأجمعها ضعيفة سنداً للإرسال أو غيره ، والمعتبر منها إنّما هو صحيح صفوان وصحيح أبان بن تغلب وهما المعتمد وبهما الكفاية.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٥ / أبواب الطّواف ب ٨٦ ح ٤.

(٢) في ص ٢١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٨٢ / أبواب الطّواف ب ٤٢ ح ١.

(٤) في ص ٥١.

٥٣

وقد مرّ حكم طواف هؤلاء في شرائط الطّواف (١).

______________________________________________________

(١) الخروج عن المطاف قد يكون بمجرّد الاختيار من دون أيّ ضرورة تكوينية أو شرعيّة ، وقد يكون لضرورة شرعيّة ، وقد يكون لضرورة غير شرعيّة.

أمّا الخروج الاختياري فقد تقدّم أن مقتضى الجمع بين صحيح أبان وصحيح صفوان بطلان الطّواف إذا خرج قبل التجاوز من النصف ، وصحّته إذا كان الخروج بعد التجاوز من النصف.

ثمّ إن رواية صفوان المتقدمة صحيحة لصحّة طريق الصدوق إليه (١) ، وفي الطريق موسى بن عمر وهو ثقة على الأظهر لوقوعه في إسناد كامل الزيارات.

وربما يتوهم أن هذه الرواية مرسلة ، لأنّ الصدوق قال روي عن صفوان الجمال (٢) ، ولو قال روى فلان لكان مسنداً ، وصحّة الطريق إنّما تفيد في الروايات المسندة لا المرسلة.

ولكنّه توهم ضعيف جدّاً ، إذ لا فرق بين التعبيرين ، فانّ الصدوق ذكر في المشيخة أن كل ما كان في هذا الكتاب عن فلان فقد رويته عن فلان ، وهذا يصدق على كل من التعبيرين سواء قال روى فلان أو روي عن فلان.

ثمّ إنّ المراد بالحاجة المذكورة في الصحيحة لا يحتمل أن تكون حاجة خاصّة دخيلة في جواز الخروج ، بل المتفاهم منها للانصراف الخروج اختياراً لحاجة عرفية ولاشتهاء نفسه.

وأمّا الخروج لضرورة شرعية كخروج الطائف لأجل تحصيل الطهارة أو لحرمة بقائه ومكثه في المسجد الحرام للجنابة أو الحيض ، أو الخروج لنجاسة بدنه أو ثيابه فقد تقدّم حكم طواف هؤلاء في شرائط الطّواف في ضمن مسائل.

__________________

(١) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٢٤.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٤٨ / ١١٨٩.

٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا بالنسبة إلى الطهارة الخبثية فقد اعتمدنا على معتبرة يونس بن يعقوب المتقدمة (١) ، وفي المقام رواية توافق مضمون معتبرة يونس من حيث البناء على الطّواف من حيث ما قطع ، غاية الأمر رواية يونس في نجاسة الثوب وهذه الرواية في نجاسة البدن ولا نحتمل الفرق بين الأمرين.

ثمّ إن هذه الرواية رواها صاحب الوسائل عن حبيب [بن] مظاهر وزعم أنّ المسئول عنه فيها هو أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) بقرينة حبيب [بن] مظاهر فتكون الرواية على ذلك ضعيفة للفصل الكثير بين حماد وحبيب بن مظاهر ، ولا يمكن رواية حماد عن حبيب ، لأنّ حماد من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) فالرواية مرسلة ، وإن كان المراد بأبي عبد الله هو الصادق (عليه السلام) كما هو الشائع في الروايات ، وتفسير أبي عبد الله بالحسين من صاحب الوسائل ومن استظهاره من حبيب [بن] مظاهر زعماً منه أنّه حبيب بن مظاهر الشهيد في الطف ، وإلّا ففي الفقيه كلمة الحسين غير موجودة وإنّما اقتصر على ذكر أبي عبد الله (عليه السلام) فالرواية أيضاً ضعيفة ، لأن حبيب [بن] مظاهر غير حبيب بن مظاهر الشهيد المعروف ، فهو رجل مجهول وليس له رواية واحدة في الكتب الأربعة غير هذه ، فالرواية على كل تقدير ضعيفة ، إمّا بالإرسال أو بجهالة الراوي.

وأمّا الرواية ، فهي ما رواه الصدوق بإسناده عن حماد بن عثمان ، عن حبيب بن مظاهر قال : «ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطاً واحداً ، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه ، فخرجت فغسلته ، ثمّ جئت فابتدأت الطّواف ، فذكرت ذلك لأبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فقال : بئس ما صنعت ، كان ينبغي لك أن تبنى على ما طفت ثمّ قال : أما أنّه ليس عليك شي‌ء» (٢) وفي الفقيه كلمة الحسين غير موجودة.

__________________

(١) في ص ٣٠.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٧٩ / أبواب الطّواف ب ٤١ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٤٧ / ١١٨٨.

٥٥

مسألة ٣٠٩ : إذا التجأ الطائف إلى قطع طوافه وخروجه عن المطاف لصداع أو وجع في البطن أو نحو ذلك ، فان كان ذلك قبل إتمامه الشوط الرابع بطل طوافه ولزمته الإعادة ، وإن كان بعده فالأحوط أن يستنيب للمقدار الباقي ويحتاط بالإتمام والإعادة بعد زوال العذر (١).

______________________________________________________

(١) ما ذكر في هذه المسألة هو القسم الثالث من جواز قطع الطّواف ، وهو الخروج لضرورة خارجية كصداع أو وجع في البطن ونحو ذلك من العوارض الخارجية.

والمشهور فيه هو التفصيل المتقدم بين بطلان الطّواف إذا قطعه قبل إتمام الشوط الرابع وصحّته والبناء على ما قطعه إذا كان بعده.

أمّا البطلان قبل التجاوز من النصف فالأمر كما ذكروه ، ويدلُّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا طاف الرجل بالبيت ثلاثة أشواط ثمّ اشتكى أعاد الطّواف ، يعني الفريضة» (١).

وأمّا الصحّة والبناء على ما قطع إذا طرأ المانع الخارجي بعد مجاوزة النصف ، أي بعد إتمام الشوط الرابع ، فيمكن الاستدلال لذلك بنفس صحيح الحلبي المتقدم بناءً على وجود كلمة «ثلاثة» في الصحيحة كما في الوسائل ، لأن قوله (عليه السلام) : «إذا طاف الرجل» وإن لم يكن له مفهوم إلّا على نحو السالبة بانتفاء الموضوع ، ولكن ذكر الوصف والتقييد بالثلاثة في كلام الإمام (عليه السلام) يكشف عن عدم سراية الحكم إلى جميع أفراد الطبيعة وأن لذكر الوصف أو القيد خصوصية ودخلاً في الحكم ، وإلّا لكان ذكر الوصف أو القيد لغواً ، فالحكم بالإعادة وبطلان الطّواف يختص بما إذا طاف ثلاثة أشواط ونحوها ، ولا يسري الحكم بالبطلان في الأشواط الأخيرة ، إلّا أن لفظة «ثلاثة» غير مذكورة في الرواية ، بل المذكور في الرواية كما في الكافي «أشواطاً» (٢)

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٨٦ / أبواب الطّواف ب ٤٥ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٤١٤ / ٤.

٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فتدل الرواية على البطلان مطلقاً قبل التجاوز عن النصف أم بعده ، ولذا تردد في التفصيل المزبور صاحب المدارك ، ومال إلى البطلان على الإطلاق (١).

وقد يستدل للمشهور برواية إسحاق بن عمار «عن أبي الحسن (عليه السلام) في رجل طاف طواف الفريضة ثمّ اعتل علّة لا يقدر معها على إتمام الطّواف ، فقال : إن كان طاف أربعة أشواط أمر من يطوف عنه ثلاثة أشواط فقد تمّ طوافه» الحديث (٢).

ولكنّها ضعيفة بسهل بن زياد ، على أنّها أجنبية عن مذهب المشهور ، لأنّهم ذهبوا إلى جواز البناء على ما قطع وأنّه يرجع ويتم طوافه ويأتي بالبقية ، والرواية تدل على الأمر بالاستنابة ، وأنّه يطوف عنه الأشواط الثلاثة الباقية شخص آخر.

وقد يستدل لهم بصحيح صفوان المتقدم (٣) الدال على جواز القطع طوعاً ولحاجة عرفية ، فإنّه إذا جاز القطع اختياراً جاز قطعه في الضرورة الخارجية بالأولوية القطعية ، ولكن الاحتياط يقتضي أن يستنيب لبقية الأشواط كما في رواية إسحاق بن عمار المتقدمة ويتم الطّواف هو أيضاً بعد زوال عذره ، لصحيحة صفوان ويعيد الطّواف برأسه من الأوّل لصحيح الحلبي المتقدم (٤).

ثمّ إنّ المراد بالحاجة المذكورة في صحيح صفوان كما ذكرنا هو الحاجة العرفية على النحو المتعارف كالخروج بمقدار ساعة أو ساعتين ونحو ذلك ، وأمّا إذا استوعب الخروج زماناً طويلاً وفصلاً كثيراً كيوم أو يومين فلا يشمله النص ، فكذلك الخروج للضرورة الخارجية ، فالخروج للحاجة العرفية أو للضرورة التكوينية لا بدّ من أن يكون بمقدار المتعارف عادة ، وأمّا الزائد على ذلك فلا يشمله النص.

وبتعبير أوضح : أن مقتضى صحيح صفوان جواز الخروج عن المطاف للحاجة العرفية في مطلق الطّواف فريضة كان أو مندوباً ، وصحّة الطّواف والبناء على ما

__________________

(١) المدارك ٨ : ١٥٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٨٦ / أبواب الطّواف ب ٤٥ ح ٢.

(٣) في ص ٥٣.

(٤) في الصفحة السابقة.

٥٧

مسألة ٣١٠ : يجوز للطائف أن يخرج من المطاف لعيادة مريض أو لقضاء حاجة لنفسه أو لأحد إخوانه المؤمنين ، ولكن تلزمه الإعادة إذا كان الطّواف فريضة وكان ما أتى به شوطاً أو شوطين ، وأمّا إذا كان خروجه بعد ثلاثة أشواط فالأحوط أن يأتي بعد رجوعه بطواف كامل يقصد به الأعم من التمام والإتمام (١).

______________________________________________________

قطعه ، فاذا جاز ذلك للحاجة العرفية يجوز للضرورة بالأولوية ، ومقتضى صحيح الحلبي الوارد فيه خصوص طواف الفريضة ، بطلان الطّواف بالخروج عن المطاف للضرورة التكوينية الخارجية ، فيدل على البطلان بالخروج لأجل الحاجة العرفية بطريق أولى فيقع التعارض ، لأن مقتضى صحيح صفوان جواز الخروج للضرورة ومقتضى صحيح الحلبي عدم جواز الخروج للضرورة.

فيشكل الحكم بجواز الخروج للضرورة في طواف الفريضة فضلاً عن الحاجة العرفية ، ولكن ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح ، ولا بدّ من رفع اليد من إطلاق صحيح الحلبي ، لأن معتبرة يونس بن يعقوب المتقدمة (١) دلّت على جواز الخروج للضرورة الشرعية وهي التطهير وإزالة النجاسة ، فيجوز الخروج للضرورة التكوينية بالأولى ، فيبقى صحيح صفوان بلا معارض فيجوز الخروج في الضرورة الشرعية والتكوينية.

(١) قد ورد في جملة من الروايات جواز الخروج من المطاف لموارد ذكرت في المتن ، ولكنّها بأجمعها ضعيفة ، وهي على طوائف :

الطائفة الأُولى : ما دلّ على جواز الخروج من المطاف وقطع الطّواف بعد خمسة أشواط كما في خبر أبي الفرج قال : «طفت مع أبي عبد الله (عليه السلام) خمسة أشواط ثمّ قلت إنّي أُريد أن أعود مريضاً ، فقال : احفظ مكانك ثمّ اذهب فعده ، ثمّ ارجع فأتم طوافك» (٢) ونحوه خبر أبي غرة (٣).

__________________

(١) في ص ٣٠.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٨٠ ، ٣٨٢ / أبواب الطّواف ب ٤١ ح ٦.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٨٠ ، ٣٨٢ / أبواب الطّواف ب ٤١ ح ١٠.

٥٨

مسألة ٣١١ : يجوز الجلوس أثناء الطّواف للاستراحة ، ولكن لا بدّ أن يكون مقداره بحيث لا تفوت به الموالاة العرفيّة ، فإن زاد على ذلك بطل طوافه ولزمه الاستئناف (١).

______________________________________________________

الثانية : ما دلّ على مجرد جواز قطع الطّواف وعدم وجوب الاستمرار في الإتيان بالأشواط ، وأنّ الطّواف ليس كالصلاة في حرمة قطعها ، ولا يدل على جواز البناء والاعتداد بما مضى من الأشواط ، ويدلُّ على ذلك خبر سكين بن عمار عن رجل من أصحابنا يكنّى أبا أحمد ، ونحوه خبر أبي علي صاحب الكلل (١).

الثالثة : ما دلّ على جواز البناء نافلة كان أو فريضة كما في رواية محمّد بن سعيد ابن غزوان عن أبيه عن أبان بن تغلب قال : «يا أبان اقطع طوافك وانطلق معه في حاجته فاقضها له ، فقلت : إنّي لم أُتم طوافي ، قال : أحص ما طفت وانطلق معه في حاجته» (٢) وغير ذلك من الروايات الضعيفة.

والعمدة في المقام صحيحة صفوان وأبان (٣) والمتحصّل منهما جواز قطع النافلة والفريضة بعد التجاوز عن النصف ، وقبل التجاوز عن النصف فيبقى تحت صحيحة أبان الدالّة على البطلان.

(١) لا ريب في اعتبار الموالاة العرفية بين أشواط الطّواف ولزوم التحفظ على الهيئة الاتصالية بين الأشواط ، لأنّ الطّواف عمل واحد مركب من أجزاء متعددة ، ولا يصدق عنوان الطّواف على الأشواط السبعة إلّا إذا أتى بها متوالياً ، فلو أتى بشوط واحد ثمّ أتى بالشوط الآخر بعد فصل طويل لا يصدق الطّواف المأمور به على ما أتى به ، كما هو الحال في جميع الأعمال المركبة من أجزاء متعددة ، ولذا يجوز للطائف

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٨٣ / أبواب الطّواف ب ٤٢ ح ٣ ، ٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٨٠ / أبواب الطّواف ب ٤١ ح ٧.

(٣) المرويّتان في الوسائل ١٣ : ٣٨٢ / أبواب الطواف ب ٤٢ ح ١ ، وص ٣٨٠ / أبواب الطواف ب ٤١ ح ٥.

٥٩

النقصان في الطّواف

مسألة ٣١٢ : إذا نقص من طوافه عمداً ، فان فاتت الموالاة بطل طوافه ، وإلّا جاز له الإتمام ما لم يخرج من المطاف ، وقد تقدّم حكم الخروج من المطاف متعمداً (١).

مسألة ٣١٣ : إذا نقص من طوافه سهواً ، فان تذكره قبل فوات الموالاة ولم يخرج بعد من المطاف أتى بالباقي وصحّ طوافه (٢)

______________________________________________________

الجلوس أثناء الطّواف للاستراحة بمقدار لا تفوت به الموالاة ، فمقتضى القاعدة حينئذ هو الجواز ولا دليل على البطلان.

ويدلُّ على الصحّة مضافاً إلى ما تقدّم صحيحة علي بن رئاب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) الرجل يعيى في الطّواف إله أن يستريح؟ قال : نعم ، يستريح ثمّ يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها ، ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه» (١) ومن المعلوم أنّ الجلوس أثناء الطّواف للاستراحة محمول على الجلوس المتعارف اليسير الّذي لا تفوت به الموالاة ومنصرف إليه.

ونحوه خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنّه سئل عن الرجل يستريح في طوافه؟ فقال : نعم ، أنا قد كانت توضع لي مرفقة فأجلس عليها» (٢).

(١) لا ريب في بطلان الطّواف بالنقص العمدي ، ويتحقق ذلك بالخروج متعمداً عن المطاف قبل تكميل الأشواط السبعة ، أو بالفصل بين الأشواط بمقدار تفوت به الموالاة ، فلا تكون الأشواط السابقة قابلة لانضمام الأشواط اللّاحقة إليها ، ولا يصدق عنوان الطّواف على ما أتى به فلا بدّ من الاستئناف ، وأمّا إذا لم يخرج من المطاف ولم تفت الموالاة فلا موجب للبطلان ، فان مجرّد النقص متعمداً ومجرّد البناء على عدم الإتيان بالباقي آناً ما غير ضائر في صدق الطّواف.

(٢) لا ريب في صحّة الطّواف بالنقصان السهوي ما لم يخرج عن المطاف ولم تفت

__________________

(١) ٢) الوسائل ١٣ : ٣٨٨ / أبواب الطواف ب ٤٦ ح ١ ، ٣.

٦٠