موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

وثالثاً : أن الروايات الدالة على تبدل الحج إلى العمرة المفردة إذا فاته الموقفان منصرفة عن المصدود بالعدو ، بل الظاهر من تلك الأدلّة أنّ من دخل مكة ولم يدرك الموقفين لضيق الوقت أو لمانع آخر من مرض ونحوه يعدل إلى المفردة ، وليس لها إطلاق يشمل المنع ظلماً وصدّاً من العدو الذي لم تكن وظيفته الوقوف من الأوّل بل كانت وظيفته شي‌ء آخر ، بل تشمل الروايات مَن كانت وظيفته الوقوف ففات.

وبعبارة اخرى : أن تلك الروايات موردها مَن ليس له محلل غير العمرة ، فلا تشمل من كان له محلل كالذبح في مكانه.

ورابعاً : أن أدلّة العدول قابلة للتقييد بالذبح والتحلل به في خصوص المصدود ومَن فاته الوقوف بسبب الصد.

ثم إن في المقام رواية ربما يقال بأنها تدل على التبدّل إلى العمرة ، المفردة وهي صحيحة الفضل بن يونس عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالماً له يوم عرفة قبل أن يعرف ، فبعث به إلى مكة فحبسه فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ فقال : يلحق فيقف بجمع ، ثم ينصرف إلى منى فيرمي ويذبح ويحلق ولا شي‌ء عليه ، قلت : فان خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال : هذا مصدود عن الحج إن كان متمتعاً بالعمرة إلى الحج فليطف بالبيت أُسبوعاً ثم يسعى أُسبوعاً ويحلق رأسه ويذبح شاة ، فإن كان مفرداً للحج فليس عليه ذبح ولا شي‌ء عليه» (١).

فإنه يدل على أنه من أُطلق يوم النحر يتمكن من درك الوقوف الاضطراري للمشعر ، ثم ينصرف إلى منى ويأتي بأعمالها ، قد تم حجّه ولا يجري عليه حكم المصدود ، وأمّا إذا أُطلق يوم النفر فهو مصدود عن الحج لفوات مطلق الوقوف الاختياري والاضطراري عنه ، فعليه الطواف والسعي والحلق ثم الذبح ، فربما يتوهّم دلالة ذلك على التبدّل إلى العمرة المفردة ، لأن ذلك من أعمال العمرة المفردة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٨٣ / أبواب الإحصار والصد ب ٣ ح ٢.

٤٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

والجواب : أنه لو قلنا بالتبدل إلى العمرة المفردة فلا يجب فيها الذبح ، مع أن الرواية صرحت بوجوب الذبح ، فما في الصحيحة لا قائل به ، وما ذكره لا ينطبق على ما في الصحيحة ، فإنه لو قيل بالانقلاب إلى المفردة فالتحلل منها بطواف النساء لا بالذبح ولم يقل أحد بقيام الذبح مكان طواف النساء.

ثم إن صاحب الجواهر (١) ذكر الفقرة الأخيرة من رواية الفضل ما يخالف عما ذكره الكليني (٢) ويوافق التهذيب (٣) «وإن كان دخل مكة مفرداً للحج فليس عليه ذبح ولا حلق» ولا يخفى أن بطلان ذلك واضح ، إذ لو انقلب حجّه إلى العمرة المفردة فكيف لم يكن فيها حلق ولا طواف النساء.

وبالجملة : الرواية على كلا الطريقين ، سواء على ما في الكافي وسواء على ما في التهذيب لا تنطبق على ما يجب في العمرة المفردة ، فالرواية من الشواذ التي لا بدّ من ردّ علمها إلى أهلها ، فلا يمكن أن تكون المستند في المقام.

وممّا يدل على أن الرواية من الروايات الشاذة المهجورة ، أن المذكور في الرواية ليس حكماً شرعياً مستقلا تأسيسياً ، بل المذكور فيها من باب تطبيق الكلي على مصداقه حيث قال (عليه السلام) : «هذا مصدود عن الحج» يعني ينطبق عنوان المصدود الكلي على مورد السؤال ، ومن الضروري أن حكم المصدود ليس ما ذكر من الطواف والسعي والحلق والذبح ، فكيف يمكن تطبيق كلي المصدود على المذكور في الرواية.

وقد استدلّ صاحب الجواهر بهذه الصحيحة على عدم وجوب ضم الحلق إلى الذبح ، وأن التحلل لا يحتاج إلى الحلق أو التقصير (٤).

وفيه : أن كلمة «ولا حلق» إنما وردت في نسخة التهذيب ، وأمّا الكافي فلم تذكر

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ١٢٠.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧١ / ٨.

(٣) التهذيب ٥ : ٤٦٥ / ١٦٢٣.

(٤) الجواهر ٢٠ : ١٢٠.

٤٢٢

وإن كان عن الطواف والسّعي بعد الموقفين قبل أعمال مني أو بعدها ، فعندئذ إن لم يكن متمكناً من الاستنابة فوظيفته ذبح الهدي في محل الصد ، وإن كان متمكناً منها فالأحوط الجمع بين الوظيفتين ذبح الهدي في محله والاستنابة (١)

______________________________________________________

فيه هذه الكلمة. على أن الرواية نفت الذبح أيضاً مع أن الذبح مفروغ عنه ، فالمذكور في الرواية خارج عن محل كلامنا ، لأن محل الكلام فيما يتحلل بالذبح ، وإنما وقع الكلام في أنه هل يضم إليه الحلق أم لا. هذا كله فيما إذا صد قبل الموقفين ، وأمّا إذا صد بعدهما فسيأتي حكمه.

(١) إذا صدّ بعد الموقفين عن الطواف والسعي وعن دخول مكة ، سواء صد قبل الإتيان بأعمال مني أو بعده ، فقد يفرض أنه لا يتمكن من الاستنابة فلا شك في دخوله في عنوان المصدود ويجرى عليه أحكامه.

وأمّا إذا تمكن من الاستنابة فهل يجري عليه أحكام المصدود أم تجب عليه الاستنابة؟ وجهان بل قولان.

ذهب جماعة إلى أنه مصدود كما يظهر من إطلاق عبارة المحقق لقوله (قدس سره) : يتحقق الصد بالمنع عن الموفقين وكذا بالمنع من الوصول إلى مكة (١) واختاره صاحب الجواهر (٢).

وذهب جماعة منهم شيخنا النائيني إلى أنه يستنيب ويتم حجّه لإطلاق أدلّة النيابة (٣).

أقول : إذا كان لدليل النيابة إطلاق يشمل المقام فلا كلام ، فإنه حينئذ لا يصدق عليه عنوان المصدود ، لأن المصدود هو الذي لا يتمكن من إتمام الحج أو العمرة ، وأمّا من تمكّن من الإتمام ولو بفعل النائب وبالتسبيب فلا يشمله دليل الصد ، ولكن الكلام

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٢٣.

(٢) الجواهر ٢٠ : ١٢٨.

(٣) دليل الناسك (المتن) : ٤٨٠.

٤٢٣

وإن كان الأظهر جواز الاكتفاء بالذبح إن كان الصد صداً عن دخول مكة ، وجواز الاكتفاء بالاستنابة إن كان الصد بعده.

______________________________________________________

في شمول أدلّة النيابة لمورد كلامنا ، والظاهر أنه لا إطلاق لأدلة النيابة بحيث تشمل المقام ، وذلك لأن دليل النيابة يختص بمن كان داخل مكة ولكن عجز عن الطواف أو السعي لمرض أو شيخوخة أو لصدّ من العدو ونحو ذلك من الأعذار ، لأن المذكور في أدلّة النيابة أنه يطاف به أو يطوف عنه ، ويظهر من ذلك أنه دخل مكة ولكن لا يتمكن من الطواف بنفسه فيطاف به إن تمكن من ذلك وإلّا فيطوف عنه كما ورد في المريض والكسير والمبطون ، وأمّا إذا كان خارج مكة وعجز عن الدخول أو منع عنه فلا تشمله أدلّة النيابة.

ومما يؤكد ما ذكرنا : أن دليل النيابة لو كان يشمل مَن عجز عن دخول مكة فلعله لا يبقى مورد لعنوان المصدود ، لأن كل أحد غالباً يتمكن من الاستنابة ، فما يظهر من كلام المحقق من إجراء أحكام المصدود حتى في فرض التمكن من الاستنابة هو الصحيح ، والأحوط استحباباً هو الجمع بين وظيفة المصدود والاستنابة ، هذا كله فيما إذا صد عن الوصول إلى مكة.

وأمّا إذا دخل مكّة المكرّمة فصدّ عن الطّواف والسّعي معاً أو عن أحدهما ، فهل يجري عليه أحكام الصد أم تجب عليه الاستنابة؟

ظاهر عبارة المحقق في الشرائع أنّ الصدّ منحصر بالمنع عن الوقوفين وبالمنع من الوصول إلى مكّة ، وأمّا إذا دخل مكّة فصدّ عن الأعمال فلا يصدق عليه عنوان المصدود بل اللّازم عليه الاستنابة (١).

ولكن صاحب الجواهر علّق على كلام المحقق وأجرى أحكام الصدّ حتّى بالنسبة إلى الدّاخل إلى مكّة إذا منع من الطّواف والسّعي ، وذكر بأنّ دليل الصّد غير مقيّد بما

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٢٣.

٤٢٤

وإن كان مصدوداً عن مناسك منى خاصة دون دخول مكة ، فوقتئذٍ إن كان متمكناً من الاستنابة فيستنيب للرمي والذبح ثم يحلق أو يقصر ويتحلل ثم يأتي ببقية المناسك ، وإن لم يكن متمكناً من الاستنابة فالظاهر أن وظيفته في هذه الصورة أن يودع ثمن الهدي عند من يذبح عنه ثم يحلق أو يقصر في مكانه ، فيرجع إلى مكة لأداء مناسكها فيتحلل بعد هذه كلها عن جميع ما يحرم عليه حتى النِّساء من دون حاجة إلى شي‌ء آخر ، وصح حجّه وعليه الرمي في السنة القادمة على الأحوط (١).

______________________________________________________

إذا كان الصّد خارج مكّة ، بل يشمل المنع من الدّخول في المسجد للطّواف أو في المسعى للسّعي (١).

ولكن الصحيح ما ذهب إليه المحقق ، لأنّ أدلّة النيابة غير قاصرة الشمول لمن دخل مكّة المكرّمة ومنع عن الطّواف أو السّعي كما في نصوص المريض والكسير والمغمى عليه الآمرة بالنيابة ، فإنّه متمكن من إتمام الحج بفعل الغير وبالتسبيب ، فمن كان ممنوعاً عن الطّواف أو السّعي بعد الوصول إلى مكّة لا يدخل في عنوان المصدود بل عليه أن يستنيب.

(١) لو صد بعد إدراك الموقفين عن نزول منى خاصة ، فإن أمكنه الاستنابة استناب للرمي والذبح ، ويحلق أو يقصّر في مكانه ، إذ الحلق في منى يختص بمن يتمكن من الحلق فيها وإلّا فيحلق في مكانه ، وأمّا الاستنابة للذبح فجائزة حتى اختياراً قطعاً وأمّا الرمي فلا قصور في أدلّة النيابة في شمولها له ، وكون المنوب عنه موجوداً في أرض مني أو في خارجها لا أثر له.

وإن لم يمكنه الاستنابة ذكر في الجواهر أن فيه وجهين :

أحدهما : أنه يتحلل بالهدي في مكانه لصدق الصد ، ولا تجب عليه بقية الأعمال.

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ١٢٨.

٤٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيهما : احتمال البقاء على إحرامه ، لأن أدلّة الصد لا تشمل المورد ، لاختصاصها بالصد عن أركان الحج ، نقل ذلك عن المسالك والمدارك وغيرهما (١) ولكن شيخنا النائيني (٢) حكى عنهم بأنه يبقى على إحرامه إلى أن يتحلل بمحلله وليس في كلامهم ما يدل على هذا التقييد ، بل مقتضى كلامهم أنه يبقى على إحرامه إلى الآخر وإلى متى شاء.

والظاهر أن كلا القولين ضعيف والوجه في ذلك : أن وجوب الرمي والذبح والحلق قد يفرض أن وجوبها وجوب مطلق ، بمعنى أن صحة الطواف والسعي مشروطة بوقوعهما بعد أعمال منى الثلاثة ، ولا يصح الطواف أو السعي بدون الإتيان بتلك الأعمال ، فحينئذ يكون الصد عن أعمال منى صداً عن الطواف أيضاً ، لعدم تمكنه من الطواف المأمور به الصحيح ، فان الصد عن المقدمة صدّ عن ذي المقدمة ، فإن الشرطية المطلقة تقتضي تحقق الصد بالنسبة إلى الطواف حقيقة فكيف يقال بأنه غير داخل في الصد مع أنه غير متمكن من الطواف فلا يحتمل بقاؤه على إحرامه.

وأمّا إذا فرضنا أن شرطية التقدم شرط اختياري ، بمعنى سقوط شرطية التقدم عند العجز وعدم التمكن كما هو المختار ، فلا يتحقق الصد ، بل يودع ثمن الهدي عند مَن يثق به ليشتري به الهدي ، وإن لم يتمكّن من ذلك فينتهي الأمر إلى الصوم ، فعدم القدرة لا يكون مانعاً من الطواف.

وأمّا الحلق فإنما يجب مع التمكن وإلّا فيسقط كما يستظهر ذلك من سقوطه في فرض النسيان أو الجهل ، فيصح الحلق خارج منى ، فيعلم أن وجوب الحلق في منى مقيد بالقدرة عليه في منى وإلّا فيسقط وجوبه.

وأمّا الرمي فإذا لم يرم نسياناً وتذكر في مكة وأمكنه الرجوع يرجع ويرمي ، وإن تذكر في طريقه إلى بلاده فليس عليه شي‌ء ، ولو كان متمكناً من الرجوع فعدم الرمي لا يكون مانعاً عن الطواف وكذا عدم الذبح ، بل يودع ثمنه عند من يشتري الهدي

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ١٢٦.

(٢) لاحظ دليل الناسك (المتن) : ٤٨١.

٤٢٦

مسألة ٤٤١ : المصدود لا يسقط عنه الحج بالهدي المزبور ، بل يجب عليه الإتيان به في القابل إذا بقيت الاستطاعة أو كان الحج مستقراً في ذمّته (١).

______________________________________________________

وإن لم يجد الهدي فيجب عليه الصيام ، والمذكور في الآية الكريمة (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) (١) والمراد به من لا يتمكّن من الهدي ولو من حيث عدم المال كما هو المراد في آية التيمم (٢) وآية الظهار (٣) وكيف كان لا تصل النوبة إلى إجراء أحكام المصدود عليه ولا موجب لبقائه على إحرامه ، فإن الرمي يسقط وثمن الهدي يودعه ، والحلق يأتي به في مكانه.

وبالجملة : الصد عن الحلق لا يوجب تبدل الحكم بل يحلق في مكانه ، وأمّا الذبح فاذا منع عنه يودع ثمنه عند من يشتري وإلّا يشمله قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ) وأمّا الرمي فوجوبه مشروط بالتمكّن منه كما يظهر ذلك من سقوطه في حال النسيان أو الجهل إذا تذكره في الطريق ، وعليه أن يقضيه في السنة القادمة بناء على الاحتياط.

ويزيد ذلك وضوحاً إطلاق السنة على الرمي في النص في مقابل إطلاق الفريضة على الطواف ، كما أُطلق السنة على غير الخمسة المذكورة في حديث لا تعاد وورد أن السنة لا تنقض الفريضة (٤) وهذه الكبرى تنطبق على المقام من أن الرمي سنة في قبال ما افترضه الله تعالى في الكتاب ولا تنقض الفريضة بذلك.

فتحصل : أن الصد لا يتحقق بالنسبة إلى الرمي والذبح والحلق خلافاً للجواهر (٥) وشيخنا النائيني (٦).

(١) المصدود بأقسامه لا يسقط عنه الحج بالمرة وإنما مقتضى الأدلّة تحليله بالهدي

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) النساء ٤ : ٤٣.

(٣) المجادلة ٥٨ : ٤.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٧٠ / أبواب أفعال الصلاة ب ١ ح ١٤.

(٥) الجواهر ٢٠ : ١٢٧.

(٦) دليل الناسك (المتن) : ٤٨٠.

٤٢٧

مسألة ٤٤٢ : إذا صد عن الرجوع إلى منى للمبيت ورمي الجمار ، فقد تمّ حجّه ويستنيب للرمي إن أمكنه في سنته وإلّا ففي القابل على الأحوط ، ولا يجري عليه حكم المصدود (١).

مسألة ٤٤٣ : من تعذر عليه المضي في حجّه لمانع من الموانع غير الصد والحصر فالأحوط أن يتحلّل في مكانه بالذبح (٢).

______________________________________________________

وعليه لو استطاع في هذه السنة وصد ولم تبق استطاعته إلى السنة القادمة يسقط عنه الحج ، لعدم استطاعته في هذه السنة للصد وعدم استطاعته في السنة اللّاحقة ، وأمّا لو استطاع بعد هذه السنة أو كان الحج مستقرّاً عليه يجب عليه الإتيان بالحج ، إذ لا موجب لسقوط الحج الثابت في ذمته أو الحج الذي يثبت عليه بشرائطه في السنة القادمة.

(١) لو منع من العود إلى منى لرمي الجمار الثلاث والمبيت بها فلا يتحقق الصد ، أمّا بالنسبة إلى المبيت فلأنه خارج عن أعمال الحج والعمرة ويسقط بالعجز عنه كسائر الواجبات الشرعية ، نعم يبقى الكلام في ثبوت الكفارة وعدمه بترك المبيت. وأمّا الرمي فواجب مستقل لا يفسد الحج بتركه عمداً واختياراً ويسقط بالعجز عنه ، ولكن الاحتياط الاستحبابي يقتضي قضاءه في السنة القادمة.

(٢) لا يخفى أن المذكور في روايات الإحصار والصد إنما هو أمران :

أحدهما : الصد بالعدو أو الصد بالمشركين أو عن السلطان كما في معتبرة الفضل بن يونس (١) والجامع أن يمنع من قِبَل شخص آخر ، سواء كان عدوا أو مشركاً أو كان سلطاناً ظالماً.

ثانيهما : المنع عن الحج أو العمرة بالمرض وسيأتي حكم ذلك إن شاء الله تعالى وأمّا لو فرض سبب المنع عن الحج أو العمرة غير المرض وغير الصد بالعدو ، كما إذا فرض انكسرت سيارته أو ماتت دابته أو سرقت أمواله ونفقته ، أو كان هناك مانع

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٨٣ / أبواب الإحصار والصد ب ٣ ح ٢ وتقدّمت في ص ٤٢١.

٤٢٨

مسألة ٤٤٤ : لا فرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة [١] ولو لم يتمكّن منه ينتقل الأمر إلى بدله وهو الصيام على الأحوط (١).

______________________________________________________

سماوي أو أرضى كالحر الشديد أو البرد القارص أو المطر الشديد أو وجود سبع في الطريق ونحو ذلك من الموانع غير الصد والإحصار المصطلحين ، فهل يشمل هذه الموارد حكم المصدود أم لا؟

لو كنّا نحن ولم تكن آية ولا رواية أصلاً لحكمنا بالبطلان وفساد إحرامه من الأول لأنه بالعجز اللّاحق ينكشف الفساد من أوّل الأمر ، لأنّ صحّة الأجزاء السابقة مشروطة بالشرط المتأخر بإتيان الأجزاء اللّاحقة كما هو الحال بالنسبة إلى أجزاء الصلاة ، وإلّا ينكشف فساد الأجزاء السابقة ولا يحتاج إلى محلل أبداً ، لأنه لم يكن بمحرم من الأول هذا ما تقتضيه القاعدة الأولية ، وخرجنا عن هذه القاعدة بحسب الآية والنصوص في خصوص الصد والإحصار المصطلحين ويكون المحلل فيهما هو الهدي ، وأمّا غيرهما من أقسام المنع فلا يحتاج إلى محلل ، هذا.

ولكن مقتضى إطلاق الآية المباركة ثبوت التحلل بالهدي لمطلق المنع ، أيّ مانع كان ، والنصوص وإن لم تتعرض لذكر غير المصدود والحصر ولكنها ليست في مقام التحديد والنفي عن غيرهما ، بل هي ساكتة عن غيرهما وعن ثبوت الأحكام الخاصّة له ، فالاحتياط كما ذكرنا في المتن يقتضي بأنه يتحلل في مكانه بالذبح.

وأمّا احتمال أن هذا النوع من الموانع لو كان في الحج يوجب تبدله وانقلابه إلى المفردة ، فساقط جدّاً ، لأن التبديل وظيفة من كان عليه الموقفان ولكن لا يدركهما لمرض ونحوه من الأعذار ، وأمّا الممنوع عن الموقفين من الأول بحيث لم يكن الوقوف وظيفة له من الأول فلا تشمله أدلّة التبديل ، ولكن لا بأس بالاحتياط وإجراء حكم الصد عليه فيتحلل بالذبح في مكانه.

(١) قد عرفت أن المصدود يذبح في مكانه ويتحلل بذلك ، فلو لم يتمكن من ذلك ولا من ثمنه فقد صرّح المحقق في الشرائع بأنه لا بدل لهدي التحلل بخلاف هدي

__________________

[١] «أو شاة» المناسك ط ١٢.

٤٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

التمتّع فلو عجز عنه وعن ثمنه بقي على إحرامه إلى أن يقدر عليه أو على إتمام النسك (١) ولو بعمرة مفردة كما في الجواهر (٢) بل نسب ذلك إلى المشهور ، ولكن لا يمكن مساعدتهم والوجه في ذلك ما ورد في صحيحة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط» (٣) وبمضمونها روايتان اخريتان : إحداهما عن حمزة بن حمران. ثانيتهما : عن حمران بن أعين (٤) ولكن في سندهما ضعف ، والعمدة صحيحة زرارة ، والمستفاد منها هو التحلل بمجرد الحبس من دون حاجة إلى الهدي فكيف يجتمع ذلك مع بقائه على إحرامه إلى الأبد. نعم يقيد صحيح زرارة بما إذا لم يتمكن من الهدي ، وأمّا إذا تمكن منه فتحلله به ، كما أن المستفاد من الآية هو لزوم الهدي إذا استيسر ، فالجمع بين الآية وصحيحة زرارة وبقية الروايات أن خروجه عن الإحرام مشروط بالذبح إذا كان متمكناً منه وإلّا فهو في حل ، فلا يتوقف تحلله حينئذ على العمرة المفردة ولا على الهدي فيما بعد.

وبتعبير آخر : مقتضى إطلاق صحيح زرارة هو التحلل بمجرّد الحبس من دون حاجة إلى الهدي ، ولكن يقيد بما دل على التحلّل بالهدي إذا تمكن.

وقد ذهب بعض الأصحاب إلى أنه يحل عند عدم الهدي ، لأنه لم يتيسّر له هدي وإنما أوجبه الله على المستيسر له.

نعم ، ورد التحلل بالهدي في الحصر في روايتين معتبرتين وإن لم يتمكن منه ، فينتقل الأمر إلى الصيام ، وهما صحيحتان لمعاوية بن عمار «في المحصور ولم يسق الهدي قال : ينسك ويرجع ، قيل : فان لم يجد هدياً؟ قال : يصوم» وبمضمونها صحيحته الأُخرى (٥) ويمكن التعدي من المحصور إلى المصدود لا للقياس ، ولا لأن المصدود أشدّ من

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٢٣.

(٢) الجواهر ٢٠ : ١٢٤.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٥٧ / أبواب الإحرام ب ٢٥ ح ١.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٥٧ / أبواب الإحرام ب ٢٥ ح ٢ وما بعده.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٨٧ / أبواب الإحصار والصد ب ٧ ح ١ ، ٢.

٤٣٠

مسألة ٤٤٥ : من أفسد حجّه ثم صد ، هل يجري عليه حكم الصد أم لا؟ وجهان : الظاهر هو الأوّل ولكن عليه كفّارة الإفساد زائداً على الهدي (١).

______________________________________________________

المحصور ، بل لأن المحصور ورد في كلام السائل ، ونظر السائل وغرضه ليس هو المحصور بخصوصه بل الظاهر أن نظره إلى عدم التمكن من الهدي فيتعدى إلى المصدود ، للقطع بعدم الفرق بين موارد عدم التمكن من الهدي ، فالحكم بتوقف التحلل على الهدي مبني على الاحتياط الوجوبي.

ولو تنزلنا عما ذكرنا والتزمنا ببقائه على إحرامه كما يقتضيه إطلاق كلام المحقق ، فان كان الصد في عمرة مفردة فتحلله إما بالذبح وإما بإتمامها في أيّ وقت تمكن من ذلك ، لعدم تقيد العمرة المفردة بوقت خاص ، فلا مانع من الالتزام ببقائه على إحرامه ولكن كلام المحقق غير ناظر إلى هذه الصورة ، وإنما كلامه (قدس سره) في مورد الصد عن الحج أو عمرة التمتّع فتحلله بالهدي لا غير ، وما ذكره المحقق من أنه لا بدل لهدي التحلل هو الصحيح ، فما في الجواهر من القلب إلى عمرة مفردة لا دليل عليه فان العدول من نسك إلى نسك آخر على خلاف القاعدة ويحتاج إلى الدليل وهو مفقود في المقام ، فان الانقلاب إنما ورد في موارد خاصة وليس المقام منها.

وأمّا احتمال أن يأتي بعمرة مفردة مستقلا ويرفع اليد عما في يده ويأتي بعمرة جديدة فلا دليل عليه أيضاً بل لا يمكن ، لأن المحرم لا يحرم ثانياً. إذن فالأمر يدور بين أن يحل بنفس الصد مع الذبح بناء على الاحتياط الوجوبي ، وبين أن يبقى على إحرامه إلى أن يتمكن من الذبح ، وأمّا القلب إلى العمرة المفردة أو إتيان العمرة المفردة مستقلا فلا دليل عليهما.

(١) لا يخفى أن مورد كلامهم فساد الحج بالجماع ، فان المتسالم عليه عند الأصحاب وجوب الإتمام ووجوب الحج عليه من قابل ، والمعروف بينهم إجراء أحكام الصد على من أفسد حجّه بالجماع ، وهذا هو الصحيح.

أمّا بناء على عدم فساد الحج بالجماع كما هو المختار وإن وجب عليه الحج من قابل

٤٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

كفارةً وعقوبةً كما في صحيح زرارة الدال على أن الحجة الأُولى التي جامع فيها هي حجته والثانية عقوبة عليه (١) فالأمر واضح ، إذ لا فساد حقيقة ، وإطلاق الفاسد على الحجة الأُولى مجازي باعتبار وجوب الحج عليه من قابل عقوبة ، فلا موجب لرفع اليد عن أحكام المصدود إذا صد عن بقية الأعمال بعد تحقق الجماع منه.

وأمّا بناء على الفساد كما هو المشهور ولعله في العمرة المفردة كذلك فالإتمام وإتيان الأجزاء اللّاحقة واجب تعبدي ، كما أن إتيان الأجزاء السابقة كان بأمر تعبدي وإن لم يجزئ عنه لو لم ينضم الأجزاء السابقة باللّاحقة ، ولكن كل من القسمين يجب الإتيان به ، نظير ما لو أفسد صومه بالإفطار ، فإنه يجب عليه الإمساك بقية النهار ولا يجوز له الأكل وإن كان صومه باطلاً.

وبعبارة اخرى : كل من الجزأين والعملين له أمر ، غاية الأمر أن الأمر الثاني غير الأمر الأول ، فعلى كل تقدير الإتمام واجب سواء بالأمر الأوّل أو بالأمر الثاني ، فحينئذ لا مانع من شمول قوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) (٢) للمقام ، فان هذا الشخص الذي أفسد حجّه بالجماع يجب عليه إتيان الأجزاء المتأخرة وقد صد عنها ، فيشمله أدلّة المصدود.

ودعوى انصرافها إلى الحج الصحيح لا شاهد لها ، بل مورد الروايات وجوب الإتمام سواء كان العمل المأتي به مبرئاً عن حجة الإسلام أم لا ، وسواء كان وجوب الإتمام بالأمر الأول أو بالأمر الثاني.

فالعبرة في جريان أحكام الصد بوجوب الإتمام ، سواء كان العمل المأتي به مبرئاً للذمة أم لا ، وأمّا الإفساد الحقيقي فيتصور في الحج أو في عمرة التمتّع كما إذا ترك طواف عمرة التمتّع عالماً عامداً حتى ضاق وقت الحج وترك الوقوفين عمداً ونحو ذلك مما يفسد حجّه حقيقة.

وأمّا العمرة المفردة فلا يتصوّر فيها الفساد للتمكن من إعمالها في أيّ وقت شاء ،

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٦.

٤٣٢

مسألة ٤٤٦ : من ساق هدياً معه ثم صد ، كفى ذبح ما ساقه ولا يجب عليه هدي آخر (١).

______________________________________________________

لأنها غير مؤقتة بوقت خاص ، فلو ترك الطواف أو السعي فيها فيأتي بذلك فيما بعد في أيّ وقت كان ، فالفساد إنما يتصور في الحج وعمرة التمتّع ، والظاهر عدم إجراء أحكام الصد عليه بعد الإفساد ، إذ لا أمر له بالإتمام لا في الكتاب ولا في السنة ، وإنما يجب إتمام الحج والعمرة ، وأمّا إذا كان العمل فاسداً فساداً حقيقياً فلا يصدق عليه الحج أو العمرة ، ومجرّد الإتيان ببعض الأعمال من دون سبقها أو لحوقها ببقية الأجزاء لا يوجب صدق عنوان العمل المأمور به عليه ، كما هو الحال في الصلاة التي مركبة من أجزاء وأعمال ، فإن صحة الجزء السابق مشروطة بإتيان الجزء اللّاحق بنحو الشرط المتأخر كما أن صحة الجزء اللّاحق مشروطة بإتيان الجزء السابق بنحو الشرط المتقدم كالركوع بالنسبة إلى القراءة ، فلو ترك القراءة عمداً لا يقع الركوع جزءاً للصلاة ، كما أنه لو ترك الركوع عمداً لا يقع السجود اللّاحق جزءاً للصلاة ، فكل من الأجزاء مشروط بالجزء الآخر على سبيل الشرط المتقدم أو المتأخر ، فإذا فقد جزء فلم يأت بالعمل المأمور به أصلاً.

وهكذا الحال في باب الحج ، فإنه إذا لم يأت بالعمل على وجهه وترك جزءاً من الأجزاء عمداً فاحرامه ساقط وكأنه لم يحرم ، ولا دليل على إتمام هذا الإحرام ، فهو غير مأمور بالإتمام ، فلا مجال لجريان أحكام الصد ، فإنه في الحقيقة لم يحرم ، فإن الإحرام الواجب إنما هو الذي لحقته بقيّة الأجزاء ، وإلّا فهو غير محرم حقيقة.

فتلخص : أن الصد يجري في الفساد بالجماع لوجوب الإتمام عليه. وأمّا في الفساد الحقيقي فلا أمر له بالإتمام ، فلا موضوع لجريان أحكام الصد.

(١) كما هو المشهور ، ونسب إلى الصدوق أنه يفتقر إلى هدي آخر وهو هدي التحلل (١) لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب ، والتداخل خلاف الأصل ، فإن كان

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٣٠٥ وحكى عن والده في المختلف ٤ : ٣٥٧.

٤٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

واجب معلقاً على شرط وواجب آخر مثله كان معلقاً على شرط آخر كقولنا : إن أفطرت عمداً فكفّر وإن ظاهرت فكفّر ، فالظاهر من ذلك هو تعدد الكفارة ، وقد ذكرنا في بحث الأُصول (١) أن الظاهر من تعليق الواجب على الشرط حدوث الوجوب بحدوث الشرط ، فكل من الشرطين سبب لوجود هذه الطبيعة ويقتضي وجودها غير ما يقتضيه الشرط للآخر.

ولكن هذا فيما إذا كان في البين وجوبان ، ولا دليل في المقام على تعدّد الوجوب وأمّا في من ضلّ هديه فقد ذكرنا (٢) أنه يجب عليه هدي آخر ، وإن وجده بعد ذبحه الثاني ذبح الأول أيضاً على الأحوط ولا يكتفي بالهدي الثاني ، إلّا أن ذلك في الحج والمفروض في مقامنا أنه مصدود وممنوع من إتيان أعمال الحج ، فلا موضوع لوجوب هدي الحج عليه ولا دليل على إرسال هدي آخر إلى المذبح. ولو تنزلنا عما ذكرنا وقلنا بوجوب بعث الهدي وإرساله ، ولكن قد تقدم منّا أنه ليس ذلك حكماً تكليفياً تعبّدياً ، بل هو أمر إرشادي إلى التحلل ، فله أن يبقى على إحرامه ولا يذبح ولا يرسل الهدي ، فليس الذبح كطواف النساء فإنه واجب مستقل تعبدي يوجب التحلل من النساء ، وأمّا الأمر بالذبح فلا يظهر من الرواية ولا من الآية أنه واجب تعبّدي وليس أمراً مولوياً وإنما أمر به للخروج من الإحرام والتحلل منه ، فلا مورد للتداخل حتى يقال بأن التداخل على خلاف الأصل ، فما ذكره المشهور من الاكتفاء بما ساقه هو الصحيح ، فله أن يذبحه في مكانه ويتحلل به ، وله أن يرسله إلى المذبح ويتحلل ببلوغ الهدي محله.

فرع : لو وجب عليه هدي كفارة أو نذراً فهل يكتفي بهدي التحلل أم لا؟

الظاهر هو التفصيل ، أمّا بالنسبة إلى الكفارة فالصحيح عدم التداخل وعدم الاكتفاء بهدي التحلل ، لأن الظاهر من الدليل هو وجوب الكفارة عليه وجوباً مستقلا غير هدي التحلل ، وكل منهما أمر يباين الآخر ، ولكل منهما حكم خاص مباين للآخر

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١١٨.

(٢) في ص ٢٥٩.

٤٣٤

أحكام المحصور

مسألة ٤٤٧ : المحصور هو الممنوع عن الحج أو العمرة بمرض ونحوه بعد تلبسه بالإحرام (١).

مسألة ٤٤٨ : المحصور إن كان محصوراً في عمرة مفردة فوظيفته أن يبعث هدياً ويواعد أصحابه أن يذبحوه أو ينحروه في وقت معين ، فاذا جاء الوقت تحلل في مكانه ، ويجوز له خاصة أن يذبح أو ينحر في مكانه ويتحلل (٢).

______________________________________________________

فإن الكفارة لا يجوز الأكل منها بخلاف الهدي فإنه يجوز للناسك أكله ، فإن ذلك كاشف عن أن كلا منهما يباين الآخر.

وأمّا النذر فتابع لقصده ، فان كان من قصد الناذر تحقق الذبح منه بأيّ نحو كان فيكتفي بهدي واحد ، نظير ما لو نذر صوم يوم الخميس بمعنى أنه يكون صائماً في يوم الخميس ، فلا فرق حينئذ بين صيامه قضاء عن نفسه أو عن غيره أو كفارة ، لأن المقصود أن يكون صائماً في هذا اليوم فحينئذ لا مانع للتداخل.

وإن كان من قصد الناذر ذبح شاة مستقلا في قبال ما وجب عليه بسبب آخر وكان قصده متمحضاً في النذر فلا بدّ من تعدّد الهدي.

(١) قد ذكرنا في أوّل بحث الصد (١) أن الفقهاء اصطلحوا على من منعه المرض عن الحج أو العمرة وإتمامهما بعد تلبسه بالإحرام بالمحصور في قبال من منعه العدو عن ذلك فاصطلحوا عليه بالمصدود تبعاً للروايات ، ولكل منهما أحكام خاصّة تقدّم ذكر أحكام الصد وفعلاً نذكر أحكام الحصر.

(٢) المحصور هو الذي لا يتمكن من دخول مكة المكرمة بسبب المرض بعد تلبسه

__________________

(١) في ص ٤١٣.

٤٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بالإحرام ، فإن كان ذلك في العمرة المفردة فالمشهور أن وظيفته بمقتضى صحيح معاوية ابن عمار (١) أن يبعث بالهدي ويواعد أصحابه ميعاداً فيذبحه في مكة ، فإذا جاء وقت الميعاد قصّر وأحل ، وعن بعضهم أنه مخيّر بين البعث بالهدي والذبح في مكانه.

والظاهر من صحيحة معاوية بن عمار الحاكية لعمرة الحسين (عليه السلام) وحصره في الطريق (٢) امتياز العمرة المفردة عن الحج بالذبح في مكانه وعدم لزوم البعث ، كما أنه يظهر من صحيحة رفاعة «أن الحسين (عليه السلام) خرج معتمراً وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه» (٣) وفعله (عليه السلام) حجة فمقتضى الجمع بين الصحاح هو التخيير.

ويظهر من الروايتين تعدد الواقعة وتعدد صدور العمرة من الحسين (عليه السلام) فمرة لم يسق الهدي ويخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) في طلبه ويدركه في السقيا وهو مريض بها ، ومرة اخرى ساق بدنة وينحرها في مكانه ويرجع بنفسه ، فعلى كل تقدير ما صدر منه (عليه السلام) هو النحر أو الذبح في مكانه من دون أن يبعث بالهدي.

وقد يناقش في الروايتين بمناقشتين :

الاولى : يظهر من الروايتين أن الحسين (عليه السلام) كان مضطراً إلى حلق الرأس فما صنعه (عليه السلام) قضية في واقعة فلا يستدل بها على جواز الحلق مطلقاً.

وترد أوّلاً بأن راوي هذه القضية لو كان من الرواة العاديين لاحتمل أن ما حكاه قضية شخصية في واقعة وتاريخية ، ولكن الراوي لهذه القضية ولفعل الحسين (عليه السلام) هو الصادق (عليه السلام) وهو يروي بعنوان الحكم ، ولو كان في البين اضطرار لبيّنه الصادق (عليه السلام) فالظاهر من حكايته (عليه السلام) لفعل الحسين (عليه السلام) أن الحلق جائز مطلقاً وليس مختصّاً بالمضطر ، وليس في الرواية إشعار بأن

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٨١ / أبواب الإحصار والصد ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٧٨ / أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٨٦ / أبواب الإحصار والصد ب ٦ ح ٢.

٤٣٦

وتحلّل المحصور في العمرة المفردة إنما هو من غير النِّساء ، وأمّا منها فلا تحلّل منها إلّا بعد إتيانه بعمرة مفردة بعد إفاقته (١).

______________________________________________________

الحسين (عليه السلام) كان مضطراً إلى حلق رأسه.

وثانياً : لو سلمنا كونه مضطراً ، فالاضطرار لا يوجب جواز تقديم الهدي وعدم البعث ، بل الاضطرار يوجب جواز الحلق ثم تثبت الكفارة للحلق.

المناقشة الثانية : أنه لم يعلم أن الحسين (عليه السلام) كان محرماً ، وأمّا الذبح أو النحر في مكانه فكان تطوعاً لا هدياً واجباً.

والجواب أوّلاً : أن المصرح به في الروايتين أن الحسين (عليه السلام) خرج معتمراً فمرض في الطريق ، فان ذلك ظاهر في خروجه (عليه السلام) محرماً بالعمرة ، لا أنه كان يقصد الاعتمار ، فان المشتق ظاهر في التلبس بالحال.

وثانياً : قوله «أحل له النساء؟ فقال : لا تحل له النساء فقال الراوي فما بال النبي (صلّى الله عليه وآله) حل له النساء؟ فقال : ليس هذا مثل هذا ، النبي (صلّى الله عليه وآله) كان مصدوداً والحسين (عليه السلام) محصوراً» كل ذلك صريح في أن الحسين (عليه السلام) كان محرماً ومنعه المرض من إتمام بقية الأعمال.

فالصحيح أن المحصور في العمرة المفردة يجوز له البعث ويجوز له الذبح في مكانه اقتداء بالحسين (عليه السلام) ويتحلل من كل شي‌ء إلّا من النساء.

(١) أمّا بالنسبة إلى النساء فلا يتحلل منها إلّا بإتيان عمرة مفردة بعد رفع الحصر وتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار الحاكية لحصر الحسين (عليه السلام) عن العمرة المفردة ، وأنه (عليه السلام) لما برئ من وجعه اعتمر ، فقلت : أرأيت حين برئ من وجعه أحل له النساء؟ فقال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، فقلت فما بال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) حين رجع إلى المدينة حل له النساء ولم يطف بالبيت؟ فقال : ليس هذا مثل هذا ، النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم)

٤٣٧

وإن كان المحصور محصوراً في عمرة التمتّع فحكمه ما تقدم إلّا أنه يتحلل حتى من النِّساء (١).

______________________________________________________

كان مصدوداً والحسين (عليه السلام) محصوراً (١) وكذلك يدل على عدم حلية النساء للمحصور إطلاق صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار «والمحصور لا تحل له النساء» (٢).

(١) الظاهر أن المشهور على أن حكمه كما تقدم فلا يتحلل من النساء إلّا بإتيان عمرة مفردة بعد رفع المنع عملاً بإطلاق قوله في صحيحة معاوية بن عمار «والمحصور لا تحل له النساء» (٣).

ولكن عن الشهيد في الدروس أنه لو أُحصر في عمرة التمتّع فتحل له النساء من دون أن يأتي بعمرة مفردة ، واستدل بأنه ليس في عمرة التمتّع طواف النساء فلا حاجة في تحلّل النساء إلى أمر آخر غير الهدي (٤) واستحسنه بعض من تأخر عنه واستدل له بصحيح البزنطي «عن محرم انكسرت ساقه أيّ شي‌ء يكون حاله؟ وأيّ شي‌ء عليه؟ قال : هو حلال من كل شي‌ء ، قلت : من النساء والثياب والطيب ، فقال : نعم من جميع ما يحرم على المحرم» الحديث (٥).

أقول : أمّا دليل الشهيد فضعيف ، إذ لم يدل دليل في المقام على أن حرمة النساء وحليتها لأجل طواف النساء وعدمه حتى يقال بأن عمرة التمتّع ليس فيها طواف النساء فالحرمة الثابتة ليست ناشئة من ترك طواف النساء ، بل الحرمة ناشئة ومسببة عن الإحرام ، والتحلل من النساء يختلف بحسب الموارد ، ففي بعضها يتحلل منها بطواف النساء ، وفي بعضها بالذبح في مكانه ، بل مقتضى إطلاق قوله : «والمحصور لا تحل له

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٧٨ / أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٧٨ / أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ / ١٧٧ / أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ١.

(٤) الدروس ١ : ٤٧٦.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٧٩ / أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٤.

٤٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

النساء» (١) عدم حلية النساء.

وأمّا الصحيحة التي استدل بها لحلية النساء من دون حاجة إلى أمر آخر فأورد عليه صاحب الجواهر بانعقاد الإجماع على الإحلال بالطواف من النساء ، ومعارضته بصحيح معاوية بن عمار الدالة على أن المحصور لا تحل له النساء ، فلا بد من حمل صحيحة البزنطي على التقية ، لعدم توقف الحلية عندهم على الطواف (٢).

والصحيح أن يقال : إنه لا معارضة بينهما حتى نحمل صحيح البزنطي على التقيّة وما ذكره في الجواهر من طرح صحيحة البزنطي لمخالفتها للإجماع على توقف الإحلال منهن على الطواف ، فيرد عليه : أن مخالفة الإجماع توجب رفع اليد عن الإطلاق لا طرح أصل الرواية بالمرّة.

فالتحقيق يقتضي أن يقال : إن صحيح البزنطي بإطلاقه يدل على حلية النساء بالحصر من دون توقف على شي‌ء ، سواء في العمرة المفردة أو عمرة التمتّع أو الحج لأن الموضوع في الخبر عن المحرم إذا انكسرت ساقه ، وذلك يشمل جميع الأقسام الثلاثة ، ولكن لا بد من رفع اليد عن إطلاقه لأجل صحيحة معاوية بن عمار الحاكية لعمرة الحسين (عليه السلام) فالعمرة المفردة خارجة عن إطلاق صحيح البزنطي ويقيد بغير العمرة المفردة لصحيحة معاوية بن عمار الحاكية لعمرة الحسين (عليه السلام) الدالة على توقف التحلل على إتيان عمرة مفردة بعد الإفاقة ورفع الحصر. إذن تنقلب النسبة بين صحيحة معاوية بن عمار «المحصور لا تحل له النساء» وبين صحيحة البزنطي الدالّة على التحلل من غير طواف النساء إلى العموم والخصوص بعد ما كانت النسبة بينهما بالتباين ، فالنتيجة أن الحصر في العمرة المفردة لا تحل له النساء إلّا بإتيان عمرة مفردة اخرى ، وأمّا عمرة التمتّع فتدخل في إطلاق صحيح البزنطي.

__________________

(١) كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة آنفاً.

(٢) الجواهر ٢٠ : ١٥٢.

٤٣٩

وإن كان المحصور محصوراً في الحج فحكمه ما تقدم ، والأحوط أنه لا يتحلل عن النِّساء حتى يطوف ويسعى ويأتي بطواف النِّساء بعد ذلك في حج أو عمرة (١).

______________________________________________________

(١) وأمّا المحصور في الحج فان تم إجماع على توقف التحلل فيه من النساء على إتيان العمرة المفردة فهو ، فيخرج الحصر في الحج من صحيح البزنطي ، وإن لم يتم الإجماع فيدخل الحج في صحيح البزنطي ، فيكون الباقي تحت إطلاق صحيح معاوية ابن عمار «المحصور لا تحل له النساء» العمرة المفردة فقط.

فالمتحصل مما ذكرنا : أن المحصور في العمرة المفردة لا يتحلل من النساء إلّا بإتيان عمرة مفردة ، لتخصيص صحيح البزنطي بصحيح معاوية بن عمار الحاكية لعمرة الحسين (عليه السلام) وأمّا عمرة التمتّع فيتحلل فيها بمجرّد الحصر والذبح في مكانه أو إرساله إلى المذبح من دون حاجة إلى عمرة مفردة اخرى ، وذلك لإطلاق صحيح البزنطي ، وأمّا الحج فان تم إجماع على توقف التحلل على المفردة المستقلّة فهو وإلّا فيكون داخلاً تحت إطلاق صحيح البزنطي ، ومع ذلك كله لا بأس بالاحتياط كما ذكر في المتن.

فظهر ممّا قلنا : أن المصدود يذبح في مكان الصد ويتحلل بذلك ، وأمّا المحصور فيتعيّن عليه إرسال الهدي إلى محله كما في الآية الكريمة (١) ويدلُّ عليه أيضاً صحيحة زرعة قال : «سألته عن رجل أُحصر في الحج ، قال : فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ومحله أن يبلغ الهدي محله ، ومحله منى يوم النحر إذا كان مع في الحج ، وإن كان في عمرة نحر بمكة» (٢).

وصحيحة معاوية بن عمار «عن رجل أُحصر فبعث بالهدي ، فقال : يواعد أصحابه ميعاداً ، فان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر ، وإن كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة» (٣).

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٨٢ / أبواب الإحصار والصد ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٨٢ / أبواب الإحصار والصد ب ٢ ح ١.

٤٤٠