موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

نعم إذا نسي فرمى جمرة بعد أن رمى سابقتها أربع حصيات أجزأ إكمالها سبعاً ، ولا يجب عليه إعادة رمي اللّاحقة (١).

______________________________________________________

وبعبارة أوضح : مقتضى حديث الرفع أن الناسي غير مأمور بهذا المركب أو بهذا المقيد ، وأمّا أنه مأمور بغيره فيحتاج إلى دليل آخر.

وأمّا النقض بالجهل ، فالجواب عنه بأن الفرق واضح ، لأن المفروض أن العلم بالبقية موجود وجداناً ، فانّا نعلم بأنّا مكلفون بالصلاة ولكن نشك في الإطلاق والتقييد ، وأمّا أصل الواجب فنعلم به ونشك في وجوب الزائد ، فإذا ارتفع الزائد المشكوك بحديث الرفع فالباقي معلوم على الفرض ، وإذا أردت توضيح ذلك زائداً على ما ذكرنا يطلب في المباحث الأُصولية (١) فراجع.

(١) لا ريب أن مقتضى القاعدة الفساد ، لأن الناقص في حكم العدم ، فاذا رمى الاولى أقل من سبع ورمى الثانية والثالثة عليه الإعادة من الأُولى ، فيرمي الأُولى سبع ، وكذا الثانية والثالثة ، وإذا رمى الثانية أقل ورمى الثالثة بعدها يرجع إلى الثانية والثالثة ، وأمّا إذا رمى الثالثة أقل ونسي ثم تذكر يتمّها وليس عليه الإعادة على الاولى والثانية ، هذا بحسب القاعدة.

وأمّا بحسب النص فقد ورد في الأُولى والثانية أنه إذا رماهما أقل من سبع ، فان رماهما بأربع حصيات فيتمها ، وإذا رماهما أقل من أربع فيستأنف الرمي ، وأمّا الثالثة فلا يحتاج إلى النص ، لأنه بالنقص لا ينقض الترتيب ، وأمّا النص فهو صحيح معاوية ابن عمار الآمر بالإعادة إذا رمى السابق أقل من أربع ، وأمّا إذا رمى السابق أربع حصيات فيجزي إكمالها سبعاً ولا يجب عليه إعادة رمي اللّاحقة ، بل يكتفي بما رماه ويحصل بذلك الترتيب ، فإذا رمى الاولى أربع ثم رمى الثانية والثالثة سبع يرجع إلى الأُولى فيتمّها سبعاً ويحصل بذلك الترتيب ، وكذلك إذا رمى الثانية أربع ورمى الثالثة يرجع إلى الثانية فيكملها سبعاً وليس عليه إعادة الثالثة ، فالمستفاد من النص أن

__________________

(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٨.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الرمي بأربع حصيات في حكم السبعة في حصول الترتيب ولكن يجب تتميمها ، وأمّا الرمي بأقل من أربع فهو محكوم بالفساد وفي حكم العدم ولا بد من الإعادة إليه وإلى ما بعده ، ففي صحيحة معاوية بن عمار «في رجل رمى الجمرة الأُولى بثلاث والثانية بسبع والثالثة بسبع ، قال : يعيد يرميهنّ جميعاً بسبع سبع ، قلت : فان رمى الاولى بأربع والثانية بثلاث والثالثة بسبع ، قال : يرمي الجمرة الأُولى بثلاث والثانية بسبع ويرمي جمرة العقبة بسبع ، قلت : فإنه رمى الجمرة الأُولى بأربع ، والثانية بأربع والثالثة بسبع قال : يعيد فيرمي الأُولى بثلاث والثانية بثلاث ولا يعيد على الثالثة» (١) ونحوها صحيحة أُخرى له أيضاً (٢) ويستفاد منهما فروض المسألة بأجمعها.

والمتحصل منهما : أن الرمي إذا كان بمقدار أربع فيحكم بصحته ويحصل به الترتيب وإنما الواجب عليه إكمال الأربع ، وأمّا إذا كان الرمي بأقل من أربع فيحكم بالفساد ولا يعبأ به فيرجع فيرمي السابقة واللّاحقة ، فما نسب إلى الحلي من الإتمام ولو رمى أقل من أربع (٣) لا يمكن مساعدته ومخالف للنص ، كما أن ما نسب إلى والد الصدوق من أنه إنما يحكم بالصحة للسابقة إذا أكمل اللّاحقة ورماها سبعاً وإلّا فمن أتى بالسابقة أربعاً وباللّاحقة أربعاً أيضاً يحكم عليه بالفساد (٤) لا شاهد له.

وربما يستدل له بمفهوم ذيل خبر ابن أسباط «وإذا رمى شيئاً منها أربعاً بنى عليها ولم يعد على ما بعدها إن كان قد أتم رميه» (٥) فان المستفاد من ذلك أنه إنما يبني على أربع ويتم ولا يستأنف فيما إذا أتم رمي اللّاحقة بأن رماها سبع ، وأمّا إذا لم يتم رمي اللّاحقة فيعيد السابقة وإن رماها أربع. ولكن الخبر ضعيف بمعروف وأخيه الواقعين في السند ، لأن معروف هذا مجهول وهو غير معروف بن زياد ومغاير أيضاً لمعروف بن

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٦٧ / أبواب العود إلى منى ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٦٧ / أبواب العود إلى منى ب ٦ ح ١.

(٣) نسبه إليه في الدروس ١ : ٤٣٠ ، وانظر السرائر ١ : ٦١٠.

(٤) حكى عنه في المختلف ٤ : ٣٢٠.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٦٨ / أبواب العود إلى منى ب ٦ ح ٣.

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

خرّبوذ ، وذلك لاختلاف الطبقة ، فان معروف بن خرّبوذ من أصحاب السجاد (عليه السلام) ولا يمكن روايته عن علي بن أسباط عن الكاظم (عليه السلام) وكذا معروف ابن زياد فهو من أصحاب الصادق (عليه السلام) ويحتمل كونه معروف الكرخي وهو ممن لم تثبت وثاقته ، وكذلك أخوه الذي يروي عنه معروف مجهول الحال.

ثم إن هنا أمرين ينبغي التنبيه عليهما

الأوّل : بعد ما عرفت من حصول الترتيب برمي أربع حصيات على السابقة وعدم لزوم الاستئناف وجواز الاكتفاء بإتمام الرمي بثلاث حصيات أُخر ، وقع الكلام في أن هذا الحكم هل يختص بالناسي والجاهل أو يعمهما والعامد؟

ظاهر عبارة الشرائع (١) وجماعة من الفقهاء عدم الفرق بين العامد والجاهل والناسي ومال إليه في الجواهر أيضاً (٢) وعن العلّامة الاختصاص بالناسي أو مع الجاهل (٣) بل في الحدائق نسبة الاختصاص إلى الأصحاب (٤) وأنكرها صاحب الجواهر.

وعلى كل حال استدلّ العلّامة باعتبار الترتيب بين الجمار وهو غير حاصل في مورد العمد ، وإنما يقوم الأربع مقام الكل في مورد النسيان خاصة ، وأورد عليه صاحب الجواهر بأنه مصادرة وإعادة للمدعى ، لأن الكلام في اعتبار الترتيب فيما إذا رمى أربع حصيات. وبعبارة أُخرى : الترتيب المعتبر أن يكون بين الرمي الصحيح وهو لا يتحقق إلّا برمي سبع حصيات ، وحصول الترتيب برمي الأربع إنما هو في مورد خاص وهو النسيان لأجل النص.

ولكن الصحيح ما ذهب إليه العلّامة ، لأن مقتضى صحيحة معاوية بن عمار (٥) هو

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣١٦.

(٢) الجواهر ٢٠ : ٢٢.

(٣) التذكرة ٨ : ٣٦٤.

(٤) الحدائق ١٧ : ٣١١.

(٥) الوسائل ١٤ : ٦٥ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٠ ح ٢ وتقدّمت في ص ٣٩٨.

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الترتيب بالبدأة برمي سبع حصيات على الجمرة الاولى ثم الثانية والثالثة ، وليس بإزائها ما يخالفها إلّا ما دل على الاكتفاء بحصول الترتيب بأربع حصيات ثم إتمامها وعدم لزوم الاستئناف ، ومن الواضح أن الصحاح الدالة على الاكتفاء تسأل عن حكم من فعل ذلك وصدر منه لا عن جواز هذا الفعل وعدمه ، فالسؤال عن الفعل الواقع وأنه بعد ما صدر منه هذا الفعل ما هو وظيفته ، وليس السؤال ناظراً إلى جواز ارتكاب هذا الفعل وعدمه نظير حديث لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة (١) فإنه يدل على أنه إذا صدر منه هذه الأُمور الخمسة لا تجب عليه الإعادة ، ولا يدل على جواز الاكتفاء بذلك ابتداء ولا على جواز ترك القراءة وترك التشهد اختياراً ، فلا يشمل من ترك القراءة متعمداً ، وإنما يختص بمن أتى بالفعل ناقصاً ، فالحكم بعدم وجوب الإعادة حكم وبيان لما بعد العمل ، لا أنه حكم لجواز العمل ، وهكذا المقام ، فان الروايات الدالة على الاكتفاء بالأربع تدل على أن من رمى أربع حصيات ثم رمى الثانية والثالثة لا تجب عليه الاستئناف ، ويكتفي بالإتمام سبعاً بأن يرمي ثلاث حصيات أُخر ، ولا تدل على جواز الرمي بأربع حصيات ابتداء ، ولا أقل من عدم ظهور هذه النصوص في العامد وجواز الارتكاب ابتداء ، فأدلة الترتيب محكّمة ومقتضاها تأخر رمي اللّاحقة عن الرمي بتمامه عن السابقة إلّا في صورة النسيان فيكتفى في حصول الترتيب برمي أربع على السابقة.

ويؤكد ذلك : أن معاوية بن عمار هو الذي روى وجوب الترتيب بين رمي الجمار فكيف يسأل مرة أُخرى عمن ترك الترتيب وهو يعلم بالترتيب ويعلم بأن الرمي لا بدّ أن يكون بسبع حصيات ، فإن السائل عن هذه الأُمور في هذه النصوص إنما هو شخص واحد وهو معاوية بن عمار. على أنه يبعد جدّاً وقوع الرمي بأربع حصيات متعمداً عن الذي يعلم باعتبار سبع حصيات. هذا كله بالنسبة إلى عدم شمول النص للعامد.

ثم إن في المقام قرينة أيضاً على عدم شموله للجاهل واختصاصه بالناسي وهي : أن

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧١ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

٤٠٤

مسألة ٤٣٢ : ما ذكرناه من واجبات رمي جمرة العقبة يجري في رمي الجمرات الثلاث كلها (١).

مسألة ٤٣٣ : يجب أن يكون رمي الجمرات في النهار (٢).

______________________________________________________

المكلف يمكن أن يكون جاهلاً بأصل وجوب الرمي أو بوجوب الترتيب أو بوجوب أصل العدد ، وأمّا الجهل بأن الرمي على الأول بسبع مع العلم بالسبع على الثاني نادر جدّاً ، بل قد لا يتحقق خارجاً ، ويبعد جدّاً أن تكون الرميات عنده مختلفة من حيث العدد ، فمن علم بالرمي وبالعدد يعلم بوجوب السبع غالباً ، فما ذكره جماعة من الأكابر من اختصاص هذا الحكم بالناسي هو الصحيح.

الثاني : مقتضى إطلاق النص هو الاكتفاء بالرمي أربع حصيات على السابقة وإتمامها بعد اللّاحقة وإن تحقق الفصل ، إذ لا دليل على لزوم الموالاة ، فلو رمى الاولى بأربع ورمى الثانية والثالثة كل واحد بسبع وتذكر نقصان الاولى لا يجب عليه الرجوع فوراً على الاولى ، بل يجوز له التأخير اختياراً وإتمامها في أواخر النهار ، ولو فرضنا أنه رمى الاولى أربعاً ورمى الثانية ثلاثاً ورمى الثالثة سبعاً فيرجع على الاولى بثلاث وعلى الثانية بسبع وعلى الثالثة بسبع كما في صحيح معاوية بن عمار ، مع أنه حصل الفصل بعد رمي الجمرة الأُولى أربعاً برمي الثانية ثلاثاً والثالثة سبعاً ، ولم يدل دليل على اعتبار الموالاة كما يظهر من الجواهر (١) ولم يتعرض الفقهاء إلى ذلك أيضاً.

(١) لاتحاد الدليل ولا فرق في الأحكام المترتبة بين الجمرات.

(٢) للنصوص المعتبرة المتكاثرة الدالة على أن وقت الرمي ما بين طلوع الشمس إلى غروبها (٢) وفي بعض الصحاح «ارم في كل يوم عند زوال الشمس» (٣) ولا بدّ من حمله على الاستحباب أو على التقية ، لذهاب بعض فقهاء العامّة إلى ذلك كما في صحيحة

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ٢٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٦٨ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ٦٨ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٢ ح ١.

٤٠٥

ويستثني من ذلك العبد والراعي والمديون الذي يخاف أن يقبض عليه ، وكل من يخاف على نفسه أو عِرضه أو ماله ، ويشمل ذلك الشيخ والنِّساء والصبيان والضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من كثرة الزحام فيجوز لهؤلاء الرمي ليلة ذلك النهار (١).

______________________________________________________

زرارة الحاكية لفتوى الحكم بن عتيبة (١).

ومن الغريب ما عن الغنية (٢) والاصباح (٣) وجواهر القاضي (٤) أن وقته بعد الزوال وكذا ما عن الشيخ في الخلاف من أنه لا يجوز الرمي إلّا بعد الزوال (٥) وأغرب من ذلك دعواه إجماع الفرقة ، مع أنه لا قائل به أصلاً ، بل قالوا إن كلامه مخالف للإجماع ولا دليل عليه أبداً ولا رواية ضعيفة. وأمّا الصحيحة المتقدمة فأمرت بالرمي عند الزوال لا بعده ، وقد عرفت لزوم حملها على الاستحباب أو على التقيّة.

وكذا لا دليل على ما حكي عن المقنع بأنه كل ما قرب إلى الزوال فهو أفضل (٦).

بل لو كانت رواية تدل أن وقته بعد الزوال فلا بدّ من رفع اليد عنها وطرحها لمخالفتها للسيرة القطعية بين المسلمين ، ولو كان وقته بعد الزوال لظهر وبان ، ولا ندري كيف صدر هذا الفتوى منهم خصوصاً من الشيخ (قدس سره) بعد وضوح المدرك وسيرة المسلمين.

(١) الظاهر اختصاص هذا الحكم بالمختار ، وأمّا المعذور فلا يتعيّن عليه ذلك ، وقد وردت روايات صحيحة في جواز الرمي بالليل لطوائف كالخائف والراعي والعبد (٧)

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٦٩ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣ ح ٥.

(٢) غنية النزوع : ١٨٨.

(٣) حكاه في الرياض ٧ : ١٢٨.

(٤) جواهر الفقه : ٤٣.

(٥) الخلاف ٢ : ٣٥١.

(٦) المقنع : ٢٨٨.

(٧) الوسائل ١٤ : ٧٠ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤.

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وجامعها المعذور ومن كان عليه المشقة ولو من كثرة الزحام ، فان المستفاد من مجموع هذه الروايات سقوط هذا الحكم عند المشقة والخوف ، فالحكم بالترخيص ثابت لمطلق المعذور.

وأمّا ما رواه الصدوق بإسناده عن وهيب بن حفص عن أبي بصير (١) فضعيف لضعف طريق الصدوق إلى وهب بن حفص.

إنما الكلام في أن المراد بالليل هو خصوص الليل السابق على يومه أو الأعم من الليل السابق واللّاحق؟ وجهان.

ذهب إلى الثاني كاشف اللثام (٢) وصاحب الجواهر (٣) لإطلاق الليل. وذهب إلى الأول صاحب المدارك (٤) وهذا هو الصحيح ، لأن الروايات المجوّزة للرمي في الليل ناظرة إلى أن تقديم الرمي على وقته إنما هو ممنوع في حق المختار ، وأمّا المعذور فالمنع مرتفع عنه ويجوز له التقديم ، ولا نظر في الروايات إلى مطلق الليل.

ويؤكد ذلك ما ورد في جواز إفاضة النساء ليلة المشعر إلى منى ورميهنّ جمرة العقبة بليل ، أي ليلة العيد (٥) فليس لكلمة الليل إطلاق يشمل الليل اللّاحق ، بل النصوص كما قلنا ناظرة إلى رفع المنع عن الرمي بالليل السابق وجواز التقديم على النهار.

ويشهد لما ذكرنا أيضاً ما في صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم «أنه قال في الخائف لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل ويضحي بالليل ويفيض بالليل» (٦) فإن الإفاضة بليل والخروج من منى وأنه يذهب إلى حيث شاء شاهد على أن المراد بالليل هو الليل السابق ، فليس للمريض والمعذور التأخير إلى الليل اللّاحق.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٨٦ / ١٤٠٣.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٨٠ السطر ٩.

(٣) الجواهر ٢٠ : ٢٠.

(٤) المدارك ٨ : ٢٣٣.

(٥) الوسائل ١٤ : ٥٣ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١ ح ١.

(٦) الوسائل ١٤ : ٧١ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤ ح ٤.

٤٠٧

ولكن لا يجوز لغير الخائف من المكث أن ينفر ليلة الثانية عشر بعد الرمي حتى تزول الشمس من يومه (١).

مسألة ٤٣٤ : من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضاؤه في الثاني عشر ، ومن نسيه في الثاني عشر قضاه في اليوم الثالث عشر (٢).

______________________________________________________

فرع : لو فرضنا أنه غير متمكن من البقاء في منى أيام التشريق فهل يجوز له رمي جميع الجمار في الليلة الأُولى ، أو أن رمي كل يوم يقدّم في ليلته؟ ذكر صاحب المدارك أنه لم يبعد جواز رمي الجميع في ليلة واحدة وقال : ربما كان في إطلاق بعض الروايات دلالة عليه (١).

ولكن الظاهر أن الروايات لا إطلاق لها من هذه الجهة ، نعم في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة جوّز الإفاضة بالليل ، والمتفاهم من ذلك أنه يفعل جميع أعمال منى ثم يفيض ويذهب إلى حيث شاء ، فلا بأس بما ذكره صاحب المدارك.

(١) لأن ذلك واجب آخر لا يرتبط بالتمكن من الرمي في وقته وعدمه ، والنصوص إنما تدل على تقديم الرمي في الليل ، وأمّا وظيفته الأُخرى وهي عدم جواز النفر قبل الزوال فباقية على حالها ، فان هذه الروايات تخصيص في الرمي لا في وجوب البقاء إلى الزوال.

(٢) ذكرنا في رمي الجمرة العقبة (٢) أنه إذا لم يرم يوم العيد نسياناً لزمه التدارك إلى اليوم الثالث عشر ، فيرمي الجمرة العقبة ثم يرمي الجمار ، وفي المقام رواية تدل على أنه لو نكس في رمي الجمار يعود وإن كان من الغد ، وهي صحيحة معاوية بن عمار في حديث قال : «قلت : الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى ، قال : يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة وإن كان من الغد» (٣).

__________________

(١) المدارك ٨ : ٢٣٣.

(٢) في ص ٢٢٨.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٦٦ / أبواب العود إلى منى ب ٥ ح ٤.

٤٠٨

والأحوط أن يفرّق بين الأداء والقضاء ، وأن يقدّم القضاء على الأداء ، وأن يكون القضاء أوّل النهار والأداء عند الزوال (١).

______________________________________________________

فان الظاهر من ذلك الإتيان بالرمي ثانياً أيضاً في اليوم اللّاحق إذا فاته الترتيب فيستفاد منه أنه لو فاته أصل الرمي يأتي به في اليوم اللّاحق أيضاً ، بل لو نسي الرمي في اليوم الثالث عشر إذا قلنا بوجوبه لمن بات ليلة الثالث عشر يأتي به في اليوم الرابع عشر لأجل كلمة «الغد».

(١) كما في النصوص الدالة على التفريق (١) ، وأمّا كون القضاء أول النهار والأداء عند الزوال فيدل عليه صحيح ابن سنان (٢).

أمّا تقديم القضاء على الأداء فالمشهور قد التزموا به بل ادعي الإجماع على ذلك ولكن ذكروا أن الإتيان بالقضاء بكرة وبالأداء عند الزوال مستحب ، واستدلوا بصحيح ابن سنان الذي يستفاد منه أحكام ثلاثة : تقديم القضاء على الأداء ، والتفريق بينهما والإتيان بالقضاء بكرة والأداء عند الزوال قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس قال : يرمي إذا أصبح مرتين : مرة لما فاته والأُخرى ليومه الذي يصبح فيه ، وليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة وهي للأمس والأُخرى عند الزوال» وهذه الرواية رواها المشايخ الثلاثة عن عبد الله بن سنان (٣) ولم يروها الشيخ ولا الصدوق عن معاوية بن عمار كما زعم صاحب الجواهر (٤).

ويرد على الاستدلال بصحيح ابن سنان لوجوب التقديم وأصل التفريق من وجهين :

أحدهما : ما عن صاحب المدارك حيث ناقش في دلالة الخبر بقوله : لإطلاق الخبر (٥)

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٦١ / أبواب العود إلى منى ب ٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ٧٢ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٥ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٦٢ / ٨٩٣ ، الكافي ٤ : ٤٨٤ / ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٤٠٢.

(٤) الجواهر ٢٠ : ٢٥.

(٥) المدارك ٨ : ٢٣٦.

٤٠٩

مسألة ٤٣٥ : من نسي الرمي فذكره في مكة وجب عليه أن يرجع إلى منى ويرمي فيها (١).

______________________________________________________

وتوضيح ما أفاده (قدس سره) أنه بعد الفراغ عن وجوب القضاء ولزوم الرميتين رمي لليوم السابق ورمي لليوم اللّاحق ، أن الحكم المذكور بالتفريق وبإتيان رمي الأمس بكرة وبالحاضر عند الزوال حكم واحد مستفاد من إنشاء واحد ومن جملة واحدة ولا ريب في عدم وجوب الرمي عند الزوال إجماعاً ، بل وقته ما بين الطلوعين (١) اتفاقاً ، فكيف يمكن القول بوجوب أصل التفريق واستحباب إيقاع رمي الأمس بكرة ورمي الحاضر عند الزوال ، مع أن منشأ الحكمين ومدركهما أمر واحد فلا يمكن القول بأن أصل التفريق واجب ، وخصوصية التفريق بالإتيان بكرة لرمي الأمس والإتيان بالرمي عند الزوال لرمي اليوم الحاضر مستحبة ، فلا دليل على التفريق ، بل مقتضى إطلاق الخبر مجرّد وجوب الرميتين ، فالحكم بالإتيان بكرة للأمس وبالحاضر عند الزوال استحبابي جزماً ، وقد تقدّمت (٢) روايات كثيرة أن وقت الرمي ما بين الطّلوعين.

ثانيهما : أن صحيحة ابن سنان واردة في من نسي رمي جمرة العقبة وهو من أعمال الحج بخلاف بقية رمي الجمار ، فطبعاً لا بد من تقديم رمي جمرة العقبة على بقية رمي الجمار ، لتقدّم أعمال الحج على ذلك ولزوم الإتيان برمي الجمار بعد أعمال الحج ، فتقديم المقضي الذي هو من أعمال الحج على طبق ما تقتضيه القاعدة ولا حاجة في تقديم ذلك إلى الرواية ، فلا يمكن التعدي من ذلك إلى رمي الجمار في اليوم الحادي عشر والثاني عشر ، فإنهما على حد سواء من حيث خروجهما من أعمال الحج ، فلا يجب تقديم السابق المقضي على اللّاحق.

(١) من نسي الرمي ونفر إلى مكة ففي الروايات أنه لو كان في مكة رجع إلى منى ورمى الجمار فيها ، وإن كان قد خرج من مكة فليس عليه شي‌ء (٣) ولكن صاحب

__________________

(١) أي ما بين طلوع الشمس وغروبها.

(٢) في ص ٤٠٥.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٦١ / أبواب العود إلى منى ب ٣.

٤١٠

وإذا كان يومين أو ثلاثة فالأحوط أن يفصل بين وظيفة يوم ويوم بعده بساعة ، وإذا ذكره بعد خروجه من مكة لم يجب عليه الرجوع بل يقضيه في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط (١).

______________________________________________________

الجواهر (١) قيّد كلام الشرائع (٢) بأيام التشريق التي هي زمان الرمي ، فاذا تذكر في مكة في غير أيام التشريق فلا يجب عليه العود إلى منى ، فحكمه حكم من تذكر في الطريق عند الخروج من مكة.

ولا نعرف لما ذكره وجهاً ، فان الروايات فصلت بين بقائه في مكة وعدمه من دون فرق بين أيام التشريق وغيرها. نعم ورد في رواية عمر بن يزيد هذا التفصيل قال : «من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل فان لم يحج رمى عنه وليه ، فان لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه فإنه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق» (٣) ولكن الرواية ضعيفة سنداً بمحمد بن عمر ، ولكن لا بأس بالعمل على طبق الرواية من باب الاحتياط.

ويؤكد ما ذكرنا صحيح معاوية بن عمار الوارد في من نكس في رمي الجمار ، قال : «يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة ، وإن كان من الغد» (٤) فان مقتضى قوله : «وإن كان من الغد» جواز الرجوع في اليوم الرابع عشر لمن نسي الرمي في اليوم الثالث عشر بناء على وجوبه على من بات ليلته ، مع أن اليوم الرابع عشر ليس من أيام التشريق قطعاً.

(١) لا ريب في أن من فاته الرمي في اليوم السابق يتداركه في اليوم اللّاحق ، ولكن ورد في صحيحتين لمعاوية بن عمار أن يفصل بين كل رميتين بساعة (٥) ومقتضاهما هو

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ٢٦.

(٢) الشرائع ١ : ٣١٦.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٦٢ / أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٦٦ / أبواب العود إلى منى ب ٥ ح ٤.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٦٢ / أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٢ ، ٣.

٤١١

مسألة ٤٣٦ : المريض الذي لا يرجى برؤه إلى المغرب يستنيب لرميه ، ولو اتفق برؤه قبل غروب الشمس رمى بنفسه أيضاً على الأحوط (١).

مسألة ٤٣٧ : لا يبطل الحج بترك الرمي ولو كان متعمداً ، ويجب قضاء الرمي بنفسه أو بنائبه في العام القابل على الأحوط (٢).

______________________________________________________

الوجوب ، وحيث إن المشهور لم يلتزموا بذلك ولذا كان الحكم به احتياطياً.

(١) لا إشكال في أن المريض إذا لم يتمكّن من الرمي بنفسه لا يسقط عنه الرمي بل تجب عليه الاستنابة كما في النصوص (١) إنما الكلام في أنه هل يستنيب مع احتمال البرء ورجائه أم لا؟

وأمّا إذا علم بالبرء في بعض أوقات النهار فلا تجوز له الاستنابة قطعاً ، لأن الاستنابة إنما تجوز له عند العجز عن الرمي في مجموع الوقت المحدد للرمي ولا عبرة بالعجز في ساعة واحدة ، لعدم كونه عاجزاً عن الرمي المأمور به.

نعم ، لو احتمل البرء وشكّ في زوال المرض وعدمه فالأظهر جواز البدار لاستصحاب بقاء العذر ، ولكن لو ارتفع العذر أثناء النهار ينكشف البطلان ، يعني يبتني الاجتزاء به على إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي وقد ثبت في محله عدم الاجزاء إلّا في بعض الموارد الخاصة المنصوصة كالإخلال ببعض أجزاء الصلاة لأجل حديث لا تعاد.

(٢) لما عرفت من خروج رمي الجمار عن أعمال الحج ، وإنما هو واجب مستقل فلو تركه عالماً عامداً يكون عاصياً ولكن لا يفسد حجّه.

نعم ، ورد في رواية أن من ترك رمي الجمار متعمداً لم تحل له النساء وعليه الحج من قابل (٢).

والرواية على مسلك المشهور ضعيفة بيحيى بن المبارك فإنه لم يوثق في الرجال

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٧٤ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٦٤ / أبواب العود إلى منى ب ٤ ح ٥.

٤١٢

أحكام المصدود

مسألة ٤٣٨ : المصدود هو الممنوع عن الحج أو العمرة بعد تلبسه باحرامهما (١).

مسألة ٤٣٩ : المصدود عن العمرة يذبح في مكانه ويتحلّل به ، والأحوط ضمّ التقصير أو الحلق إليه (٢) [١].

______________________________________________________

ولكن المختار عندنا وثاقته ، لأنه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي.

إلّا أن الرواية لشذوذها وهجرها عند الأصحاب لا يمكن العمل بها ، فلا بدّ من طرحها ورد علمها إلى أهلها ، ومخالفة للروايات الكثيرة الدالة على أنه من أتى طواف النساء حل له كل شي‌ء حتى النساء ، فلا معنى لإعادة الحج من قابل.

(١) المراد بالمصدود حسب الروايات الواردة في المقام واصطلاح الفقهاء هو الممنوع عن إتمام الحج أو العمرة بظلم ظالم ومنع عدو ونحو ذلك ، والمراد بالمحصور هو الممنوع عن إتمامهما بمرض ونحوه من الموانع الداخلية ، ويشتركان في كثير من الأحكام ويختصان ببعض الأحكام نذكرها في المسائل الآتية.

(٢) المعروف بين الفقهاء (رضوان الله عليهم) أن المصدود لا يتحلّل إلّا بعد ذبح الهدي في مكانه ، بل ادعي عليه الإجماع. وعن ابن بابويه (١) وابن إدريس (٢) سقوط الهدي والتحلل بمجرد العجز عن الإتمام ، وربما مال إليه بعض متأخري المتأخرين.

ولا ريب أن مقتضى القاعدة مع قطع النظر عن الآية المباركة والنصوص الواردة في المقام سقوط الحج أو العمرة لعدم التمكن من إتمامهما ، ويكشف ذلك عن فساد إحرامه من الأوّل ولا شي‌ء عليه أصلاً.

فيقع الكلام في ما تقتضيه القاعدة وفيما تدل عليه الآية الشريفة والنصوص.

__________________

[١] «بل الأحوط اختيار الحلق إذا كان ساق معه الهدي في العمرة المفردة» المناسك ط ١٢.

(١) حكاه في الجواهر ٢٠ : ١١٦.

(٢) السرائر ١ : ٦٤١.

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا مقتضى القاعدة فالحق مع ابني بابويه وإدريس لأصالة عدم وجوب الذبح وأورد على ذلك صاحب الجواهر بأن هذا الأصل مقطوع باستصحاب حكم الإحرام إلى أن يعلم حصول التحلل ، فالأصل يقتضي وجوب الذبح لأنه كان محرماً ، وما لم يذبح نشك في زوال الإحرام والأصل بقاء الإحرام وعدم تبدله إلى التحلل (١).

والجواب : أن هذا من الاستصحاب الكلي في الأحكام المجعولة وهو معارض باستصحاب عدم الجعل ، إذ نشك في سعة الجعل وضيقه وشمول الجعل لهذا المورد وعدمه والأصل عدمه ، وتحقيق ذلك في علم الأُصول (٢) فما ذكره ابن إدريس صحيح على ما تقتضيه القاعدة ، وعجزه عن الإتمام يكشف عن إحلاله من أوّل الأمر ، وأنه لم يكن مأموراً بالإحرام من الأوّل ، ولا يجب عليه شي‌ء فهو في الحقيقة لم يكن محرماً أصلاً ولا يترتب على إحرامه شي‌ء.

أمّا الآية (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (٣) فقد استدل للقائل بوجوب الذبح بها ، فان المستفاد منها وجوب إتمام الحج والعمرة ، وعدم جواز رفع اليد عنهما اختياراً ، حتى أنه إذا أُحصر ومنع من إتيان الحج والعمرة لا يتحلل من الإحرام إلّا بالهدي ، وكذا يستفاد من الآية عدم جواز الحلق إلّا بعد بلوغ الهدي محله أي منى ولكن الأخير حكم خاص بالمحصور المصطلح ، وأمّا المصدود الذي يصد بالعدو فمقتضى الروايات عدم لزوم بلوغ الهدي إلى منى ، بل يذبح حيث صدّ في مكانه كما سيأتي.

ثم إن إطلاق الآية مع قطع النظر عن الروايات المفسرة لها يقتضي شمول الحكم للمصدود أيضاً ، لأن الحصر لغة (٤) بمعنى المنع ولم يكن موضوعاً للحصر بالمرض خاصة بل معناه اللغوي مطلق المنع والحبس ، ومنه قوله تعالى (لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ١١٦.

(٢) مصباح الأُصول ٣ : ٣٨.

(٣) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٤) راجع مجمع البحرين ٣ : ٢٧١.

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

سَبِيلِ اللهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ) (١) فالآية بإطلاقها يشمل المصدود أيضاً ولا تختص بالمنع بسبب المرض.

ومما يؤكد ذلك : أن الآية وردت في صد المشركين لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الحديبية فإنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) نحر في مكانه ورجع ، فكيف يقال بأن الآية لا تشمل الصد ، فاختصاص الآية بالحصر بالمرض ونحوه لا وجه له ، بل يحتمل أن يكون المراد من الآية الأعم من المنع بسبب العدو أو بسبب المرض كما يساعده المعنى اللغوي للحصر.

ويؤكد ما ذكرنا : أن الأحكام المذكورة في الآية الشريفة (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) الآية (٢) مسترسلة ومرتبطة بعضها ببعض ، فان الله تعالى بيّن أوّلاً وجوب إتمام الحج والعمرة وعدم جواز رفع اليد عنهما بعد الشروع فيهما ، ثم قال تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) أي إن تعذر عليكم إتمام الحج والعمرة فعليكم الهدي بما استيسر ، ثم قال تعالى ولكن (لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) ، ثم استثنى من ذلك (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) محوجاً إلى الحلق أو به أذى من رأسه كالقمل ونحوه (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ) ... فقوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) أقوى شاهد على أن المراد بالحصر المذكور في صدر الآية ليس خصوص المرض ، بل المراد به مطلق المنع عن الحج كما يساعد عليه اللغة واستعماله في مورد آخر من الكتاب العزيز في المنع ، فكأنه تعالى قسّم الحصر إلى المريض وغيره ، فالموضوع أعم من المريض وغيره ومطلق المنع هو المقسم ، وإلّا لو كان الحصر في الآية بمعنى المرض فلا يلتئم مع قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) الذي هو من تتمّة الحكم المذكور في صدر الآية ، لرجوع

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٧٣.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٦.

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك إلى أنه إذا مرضتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم إلى قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) بل الظاهر من قوله (مِنْكُمْ) التبعيض ، فمعنى الآية ما يقتضيه سياقها ، وسوق الفقرات المذكورة فيها أن الممنوع من الحج لا يجوز له الحلق حتى يبلغ الهدي محله ، إلّا إذا كان سبب المنع المرض الذي لا يتمكّن من ترك الحلق ولا يتمكن من الصبر إلى أن يبلغ الهدي محله فيجوز له الحلق وعليه الفدية ، فالمقسم مطلق المنع لا خصوص المرض وإلّا فلا يناسب مع ذكر المريض في الفقرة الثانية في الآية ، فما حكي من بعض أهل اللغة أن الحصر بمعنى المرض لم يثبت ، بل الصحيح أن الحصر بمعنى مطلق المنع كما حكي عن جماعة آخرين من أهل اللغة ، وإلى ما ذكرنا ذهب أو مال إليه في الجواهر (١).

نعم يظهر من رواية حريز (٢) الحاكية لمرور النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) على كعب بن عجزة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم فأنزلت هذه الآية (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً) أن هذه الآية نزلت في مورد آخر ، ولم تكن من متممات آية الحصر ، فلا تكون هذه الفقرة قرينة على أن المراد بالحصر هو مطلق المنع ، ولكن الرواية لم تثبت صحتها ، لأن الشيخ رواها مسندة عن حريز (٣) والكليني رواها عن حريز عمن أخبره (٤) فلم يعلم أن الرواية مرسلة أو مسندة ، فلا يمكن الاعتماد عليها فالعبرة بظاهر الآية الكريمة.

وأمّا الروايات : ففي صحيح زرارة «المصدود يذبح حيث صد» (٥) ودعوى أن الجملة الفعلية لا تدل على الوجوب ، مدفوعة بما ذكر في علم الأُصول بأن الجملة الفعلية آكد وأظهر في الوجوب من الإنشاء (٦).

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ١١٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٦٥ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٨٠ / أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٥.

(٦) راجع محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣٢ وما بَعدها.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

واستدلّ أيضاً لوجوب الذبح بفعل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) (١) وأُشكل عليه بأن فعله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أعم من الوجوب. وفيه : أن الامام (عليه السلام) استشهد بفعله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وظاهره الوجوب وأنه (عليه السلام) في مقام تعيين الوظيفة.

والحاصل : أن المصدود يجب عليه الذبح ولا يتحلل إلّا به كما في الآية بناء على تعميمها للمصدود كما عرفت ويدلُّ عليه الروايات أيضاً.

وهل يجب عليه شي‌ء آخر غير الذبح كالحلق أو التقصير أم لا؟

نسب إلى بعضهم وجوب التقصير عليه متعيناً ، وأنه لا يجزئ الحلق كما اختاره صاحب الحدائق (٢) ونسب إلى العلّامة أيضاً (٣) وعن القاضي تعين الحلق (٤) والمحكي عن الشهيدين التخيير بينهما (٥) هذا بحسب الأقوال.

وأمّا بحسب الدليل فلا دليل على شي‌ء من ذلك إلّا رواية عامية دلت على حلقه (صلّى الله عليه وآله) (٦) وهي غير معتبرة فلا يمكن الاعتماد عليها ، ولذا صاحب الحدائق لم يجوّز الحلق. وأمّا التقصير فلم يدل عليه أيضاً دليل سوى مرسلة المفيد (٧) وهي ضعيفة بالإرسال ورواية حمران (٨) وهي ضعيفة بسهل بن زياد ، فلا دليل على لزوم الحلق أو التقصير. ولكن التخيير أحوط ، وأحوط منه الجمع بين التقصير والحلق. هذا ولكن علي بن إبراهيم القمي صاحب التفسير روى رواية صحيحة في كتابه (٩) في

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٩١ / أبواب الإحصار والصد ب ٩ ح ٥.

(٢) الحدائق ١٦ : ١٨.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٤٥٣.

(٤) لاحظ المهذب ١ : ٢٧٠.

(٥) الدروس ١ : ٤٧٩ ، المسالك ٢ : ٤٠١.

(٦) المغني لابن قدامة ٣ : ٣٨٠ ، سنن البيهقي ٥ : ٢١٤.

(٧) الوسائل ١٣ : ١٨٠ / أبواب الإحصار والصد ب ١ ح ٦ ، المقنعة : ٤٤٦.

(٨) الوسائل ١٣ : ١٨٦ / أبواب الإحصار والصد ب ٦ ح ١.

(٩) تفسير القمي ٢ : ٣٠٩.

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تفسير سورة الفتح وهي ما رواه عن أبيه عن ابن أبي عمير عن ابن سنان (ابن سيار) (ابن يسار) ، والموجود في المستدرك (١) وتفسير البرهان (٢) ابن سنان ، والرواية على كل تقدير صحيحة روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «كان سبب نزول هذه السورة وهذا الفتح العظيم أن الله عزّ وجلّ أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في النوم أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين ، إلى أن ذكر (عليه السلام) قصّة خروج النبي (صلّى الله عليه وآله) وأصحابه وإحرامهم بالعمرة وصد المشركين قال (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم ، فنحر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وحلق ونحر القوم فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) رحم الله المحلقين ، وقال قوم لم يسوقو البدن : يا رسول الله والمقصّرين؟ لان لم يسق هدياً لم يجب عليه الحلق ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثانياً : رحم الله المحلقين الذين لم يسوقو الهدي ، فقالوا يا رسول الله والمقصّرين؟ فقال : رحم الله المقصرين» الخبر.

ولا ريب أن الأمر بالذبح أو الحلق ليس أمراً واجباً شرعياً تكليفياً ، بل للمكلف أن يبقى على إحرامه ، بل هو إرشاد إلى ما يتحلل به وأن التحلل يحصل بالنحر والحلق أو التقصير ، فالرواية دالة على ضم الحلق إلى الذبح لمن أراد التحلل ، ولكن يختص بمن ساق الهدي ، وأمّا من لم يسق الهدي فهو مخير بين الحلق والتقصير ، ولا شك أن مقتضى الاحتياط هو ضم الحلق أو التقصير إلى الذبح ، فان المشهور لم يلتزموا بذلك والاحتياط في محله.

ثم لا يخفى أن مورد الرواية هو العمرة المفردة ، فالتعدي منها إلى الحج يحتاج إلى دليل ولا إطلاق لها يشمل الحج ، ولكن الاحتياط أيضاً يقتضي ضم الحلق إلى الذبح في الحج.

هذا كلّه فيما يجب على المصدود عن العمرة وقد عرفت أنه لا يجب عليه إلّا الهدي.

ثم وقع الكلام في مكان الهدي والذبح ، فقد ذكر أبو الصلاح أن يبعث بهديه إلى

__________________

(١) المستدرك ٩ : ٣١٢.

(٢) تفسير البرهان ٤ : ١٩١.

٤١٨

مسألة ٤٤٠ : المصدود عن الحج إن كان مصدوداً عن الموقفين أو عن الموقف بالمشعر خاصّة ، فوظيفته ذبح الهدي في محل الصد والتحلّل به عن إحرامه والأحوط ضم الحلق أو التقصير إليه ، بل الأحوط [١] اختيار الحلق إذا كان ساق معه الهدي في العمرة المفردة (١).

______________________________________________________

محله كما في الآية بناءً على عمومها للمصدود (١) والجواب عن ذلك : أن مقتضى فعل النبي (صلّى الله عليه وآله) وصحيح زرارة الذبح في مكان الصد ، والبعث يختص بالحصر بالمرض ونحوه.

وذهب بعضهم إلى التخيير بين الذبح في محل الصد وبين البعث والإنفاذ ، اختاره الشيخ النائيني (٢) ولم يستبعده الجواهر ونسبه إلى جماعة (٣).

ولكنه لا دليل عليه ، بل مقتضى صحيح زرارة تعين الذبح في محل الصد ، فإن المقابلة بينه وبين المحصور تقتضي وجوب الذبح في مكان الصد. ودعوى أن الأمر بالذبح في محل الصد وارد في مورد توهم الحظر ولا يستفاد منه الوجوب فاسدة ، لأن المقابلة بين الصد والحصر تدل على التعيين.

ولو قطعنا النظر عن ذلك والتزمنا بعدم دلالة الجملة الخبرية على الوجوب ، وقلنا بعدم وجوب الذبح في مكان الصد ، ولكن لا دليل على لزوم البعث ، فليذبح حيث شاء ولو في بلاده.

والحاصل : عدم وجوب الذبح في مكان الصد لا يقتضي الوجوب في خصوص مكان آخر ، بل له أن يذبح في أيّ مكان شاء. هذا تمام الكلام في المصدود عن العمرة المفردة أو المتمتّع بها.

(١) إذا صد عن الوقوفين أو عن الوقوف في المشعر الاختياري منه والاضطراري

__________________

[١] قوله «بل ...» هذه الجملة غير موجودة في المناسك ط ١٢.

(١) الكافي لأبي الصلاح : ٢١٨.

(٢) دليل الناسك (المتن) : ٤٧٦.

(٣) الجواهر ٢٠ : ١١٧.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

منه معاً فلا حج له ، لما عرفت أن الوقوف الاختياري والاضطراري للمشعر ركن للحج ويفسد الحج بتركهما فيشمله صحيح زرارة «المصدود يذبح حيث صد» (١) فان مقتضى إطلاقه أن المصدود سواء صد عن العمرة المفردة أو عمرة التمتّع أو الحج وظيفته الذبح في مكانه ، وهذا مما لا كلام فيه.

إنما الكلام في أن الإحلال بالذبح متعين عليه أم لا؟

ذكر صاحب الجواهر أن الأمر بالإحلال بالذبح في النص وإن أفاد الوجوب ولكن الظاهر إرادة الإباحة منه هنا ، لأنه في مقام توهم الحظر ، فله أن يتحلل بالذبح قبل الوقوفين ، وله أن يبقى على إحرامه حتى يفوت الموقفان ويتحلّل بعمرة مفردة ولا يسقط عنه الحج بذلك ، فالذبح وظيفة المصدود إذا أراد التحلّل قبل الوقوفين ، وأمّا إذا صبر المصدود ولم يتحلل ففات الموقفان لم يجز له التحلل بالهدي ، بل يتحلل بعمرة مفردة كغيره ممّن يفوته الحج (٢). وصرّح بذلك المحقق في الشرائع (٣) واختاره الشيخ النائيني (٤) وادعى صاحب الجواهر (قدس سره) اتفاق الأصحاب على ذلك.

أقول : إن تم الإجماع فهو ، وإلّا فإثبات ما ذكروه بدليل مشكل جدّاً ، لأنهم (قدس سرهم) ذكروا في وجهه أن الأمر بالذبح ورد في مقام توهم الحظر ، فله الترك حتى يفوت الحج عنه ، أي الموقفان ، فتشمله أدلّة تبديل الحج إلى العمرة المفردة.

ويرد على ذلك أوّلاً : أن الظاهر من قوله «يذبح حيث صد» هو وجوب الذبح في مكان الصد ، بقرينة المقابلة للمحصور الذي يجب عليه البعث والإرسال.

وثانياً : قد عرفت أن نفس الآية الشريفة تكفينا في وجوب الذبح ، لصحة إطلاق الحصر على المصدود لغة ، فإن وجوب الهدي عند الحصر والمنع عن الحج استثناء من وجوب إتمام الحج والعمرة المذكورة في صدر الآية.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٨٠ / أبواب الإحصار والصدّ ب ١ ح ٥.

(٢) الجواهر ٢٠ : ١٢٩ ، ١٣٣.

(٣) الشرائع ١ : ٣٢٣.

(٤) دليل الناسك (المتن) : ٤٧٩.

٤٢٠