موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك ولم نقف في ذلك على حديث مروي (١).

والأمر كما ذكره العلّامة والجواهر ، لأن خبر معاوية بن عمار مطلق لم يذكر فيه الإكراه ، فلا يمكن أن يكون مستنداً للمفيد وسلار ، فالخبر لا عامل به أصلاً.

على أن دلالتها بالإطلاق ، لأنه لم يرد فيها أنها طافت طواف الحج أو قصّرت ، بل ورد فيها أنها لم تطف طواف النساء وذلك مطلق من حيث إنها قصّرت أم لا أو طافت طواف الحج أم لا.

ثم إنه هل تحرم النساء على المميز الصبي إذا لم يطف طواف النساء بناء على شرعية عبادته خصوصاً في الحج ، للنصوص الدالّة على مشروعية الحج للصبي (٢)؟

يظهر من الجواهر عدم الفرق بين المكلف والصبي المميز ، فإنه ذكر أن طوافه يصلح سبباً للحل ، فقبل الطّواف تحرم عليه النساء ، وحديث الرفع إنما يرفع الحكم التكليفي ، وأمّا الحكم الوضعي المترتب على فعل من الأفعال فلا يرفعه الحديث ، وحرمة النساء من الآثار الوضعية لترك طواف النساء (٣).

ولكن الظاهر أنه لا يترتّب على تركه للطواف حرمة النساء ، فإن الأحكام المترتبة على الإحرام قد يكون حكماً وضعياً كبطلان العقد الواقع حال الإحرام ، فإن من شرائط العقد إيقاعه في غير حال الإحرام ، ففي مثله لا يفرق بين صدور العقد من الصبي أو البالغ ، لأن الأحكام الوضعية لا تختص بالمكلف كسائر الشرائط المعتبرة في صحة العقد ، فاذا كان الصبي محرماً لا يصح منه عقد النكاح ، ولكن يرتفع ذلك بطواف الحج أو بالحلق وإن لم يطف طواف النساء ، لما عرفت قريباً من التحلّل عن جميع المحرمات بعد الحلق إلّا الطيب والنساء.

__________________

(١) المختلف ٤ : ١٨١ / ١٣٨.

(٢) الوسائل ١١ : ٥٤ / أبواب وجوب الحج ب ٢٠ ، وص ٣٣٦ / أبواب المواقيت ب ١٨.

(٣) الجواهر ١٩ : ٢٦٠.

٣٦١

والنائب في الحج عن الغير يأتي بطواف النساء عن المنوب عنه لا عن نفسه (١).

______________________________________________________

وأمّا بالنسبة إلى غير العقد كالتقبيل والملامسة بشهوة وغيرهما من التروك فهي أحكام تكليفية محضة ، وهي غير ثابتة على الصبي من أوّل الأمر حتى يقال بارتفاعها بالطواف أو عدمه ، لأن التكليف يعتبر فيه البلوغ فاذا كان المحرم غير مكلف لا تحرم عليه هذه المحرمات ويجوز له ارتكابها.

ودعوى أنه وإن لم تحرم عليه من الأول ولا بالفعل ولكن تحرم عليه بعد البلوغ لو ترك طواف النساء ، فاسدة لعدم الدليل على ذلك ، فان طواف النساء يرفع ما حرم عليه لا أن تركه يوجب الحرمة عليه بعد البلوغ ، فان ذلك مما لا دليل عليه ، فحرمة النساء بترك طواف النساء من الأحكام المختصة بالبالغين.

(١) لا ريب في وجوب طواف النساء على النائب ، لوجوب الإتيان به بعد الحج من دون خصوصية للموارد ، وهل يجب على النائب أن يأتي بطواف النساء عن نفسه أو عن المنوب عنه؟

الظاهر هو الثاني ، لأن النائب يأتي بأعمال الحج عنه ويأتي بالعمل الواجب على المنوب عنه سواء كان ميتاً أو حياً ، ولا إشكال أن ما وجب على المنوب عنه هو الحج وما يلحقه من طواف النساء ، والنائب ينوب عنه في جميع ما وجب على المنوب عنه ومنه طواف النساء ، فالعمل للمنوب عنه وهو الواجب عليه ، وإنما النائب يأتي بما وجب عليه.

وبعبارة اخرى : يلزم على النائب أن يأتي بعمل يوجب فراغ ذمة المنوب عنه عما وجب عليه ، ولا ريب أن طواف النساء قد وجب على المنوب عنه ، فلا بد من أن يأتي النائب به نيابة عن المنوب عنه كسائر الأعمال والأفعال للحج من الوقوفين والطّواف والسعي والرمي وغيرها من أجزاء الحج.

٣٦٢

مسألة ٤١٨ : طواف النِّساء وصلاته كطواف الحج وصلاته في الكيفية والشرائط (١).

مسألة ٤١٩ : من لم يتمكن من طواف النساء باستقلاله لمرض وغيره استعان بغيره ، فيطوف ولو بأن يحمل على متن حيوان أو إنسان ، وإذا لم يتمكّن منه أيضاً لزمته الاستنابة عنه ، ويجري هذا في صلاة الطّواف أيضاً (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى أنه لم يذكر كيفية طواف النساء وشرائطه في النص ، ولكن لا ريب في شمول كل ما يعتبر في الطّواف فيه ، لأن الظاهر مما يعتبر في الطّواف عدم اختصاصه بطواف دون طواف ، فجميع أقسام الطّواف وأفراده في جميع الأحكام مشتركة ، وهذا واضح جدّاً.

(٢) قد ذكرنا غير مرة أن النصوص تدل على أن الطّواف له مراتب ثلاث : الطّواف مباشرة ، ثم الإطافة به ، ثم الطّواف عنه ، ويظهر منها عدم اختصاص هذا الحكم بطواف الحج ، بل يعد ذلك من أحكام مطلق الطّواف من دون فرق بين أقسامه وأفراده.

فرع : لم يوقّت طواف النساء بوقت من الأوقات في الروايات كأيام التشريق أو شهر ذي الحجة وإنما اللّازم إتيانه بعد طواف الحج والسعي وعدم جواز تقديمه عليهما ، ولكن قد تقدم جواز تأخير طواف الحج والسعي إلى آخر ذي الحجة اختياراً فلازمه جواز تأخير طواف النساء أيضاً بلا إشكال.

وهل يجوز تأخيره من شهر ذي الحجة وإتيانه في شهر محرم مثلاً اختياراً أم لا؟

ذكر المحقق النائيني في مناسكه أنه لا يجوز له تأخيره عن شهر ذي الحجة ، فلو لم يأت به إلى أن خرج شهر ذي الحجة أثم وعصى ، ولكن لو أتى به في أيّ وقت كان أجزأه وحل له النساء ، ففصّل (قدس سره) بين الحكم التكليفي والوضعي (١).

ولا نعرف وجهاً لما ذكره (قدس سره) فان طواف النساء واجب وعمل مستقل وليس من أركان الحج وأجزائه فيؤتى به في أيّ وقت شاء ، غاية الأمر بعد الفراغ من

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٤٢١.

٣٦٣

مسألة ٤٢٠ : من ترك طواف النِّساء سواء كان متعمداً مع العلم بالحكم أو الجهل به ، أو كان نسياناً ، حرمت عليه النساء إلى أن يتداركه ، ومع تعذّر المباشرة أو تعسرها جاز له الاستنابة ، فإذا طاف النائب عنه حلّت له النساء (١).

______________________________________________________

أعمال الحج ، ولم يرد في رواية من الروايات تحديده بوقت من الأوقات. وأمّا قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (١) فهو خاص لإعمال الحج ، والمفروض أن طواف النساء عمل مستقل يؤتى به بعد الحج فلا تشمله الآية الكريمة.

فمقتضى إطلاق الروايات جواز الإتيان به بعد شهر ذي الحجة. نعم لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي ، وإنما يؤتى به بعد السعي ، ويدلُّ عليه صحيح معاوية بن عمار «ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت ، ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي‌ء أحرمت منه إلّا النساء ، ثم ارجع إلى البيت وطف به أُسبوعاً آخر ، ثم تصلي ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) ثم قد أحللت من كل شي‌ء وفرغت من حجك كله» (٢) وثم للترتيب.

ويدلُّ عليه أيضاً الروايات المتقدمة التي دلت على أنه يأتي بطواف النساء بعد الحج ، ومن المعلوم أن السعي من الحج وأركانه ، فالدليل غير منحصر بصحيحة معاوية ابن عمار كما يظهر من الجواهر (٣).

(١) إذا ترك طواف النساء حتى أتى أهله وبلده ، فتارة يتركه عالماً عامداً ، وأُخرى يتركه جاهلاً بالحكم ، وثالثة يتركه نسياناً ، فهل يجب عليه الرجوع والطّواف مباشرة أو يجوز له الاستنابة حتى مع التمكن من الرجوع؟

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٧.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٤٩ / أبواب زيارة البيت ب ٤ ح ١.

(٣) الجواهر ١٩ : ٣٩٧.

٣٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا في صورة النسيان ، فقد ذكره المحقق (قدس سره) أنه لو نسي طواف النساء جاز أن يستنيب (١) ومقتضى إطلاق عبارته جواز الاستنابة مطلقاً حتى مع التمكن من الطّواف مباشرة. ونسب جواز ذلك اختياراً إلى المشهور. وذكر صاحب الجواهر اختصاص إجزاء الاستنابة بما إذا لم يكن الترك عمداً ، أمّا معه فالأصل يقتضي وجوب الرجوع بنفسه (٢).

ولكن الظاهر اختصاص جواز الاستنابة بفرض العجز عن الرجوع بنفسه والعجز عن الطّواف بالمباشرة ، وذلك فإن الأخبار الواردة في المقام على طوائف ثلاث :

الاولى : ما دل على الاستنابة في مورد النسيان كصحيحة معاوية بن عمار «عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : يرسل فيطاف عنه» (٣).

الثانية : تدل على لزوم الرجوع والطّواف بنفسه كما في صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار «عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله ، قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت» (٤) فان ظاهره المباشرة وقيام نفسه بالطواف وزيارة البيت ، ولو كنّا نحن وهاتين الطائفتين لكان الواجب تخييرياً بين الاستنابة وبين المباشرة ، لأن كلا من الطائفتين ظاهر في الوجوب التعييني ، ونرفع اليد عن ظهور كل منهما في التعيين جمعاً بين الروايتين ، والنتيجة هي التخيير بين الأمرين ، فيتم ما ذكره المحقق من جواز الاستنابة اختياراً.

الطائفة الثالثة : ما دل على جواز الاستنابة في فرض العجز عن المباشرة كما في صحيحة ثالثة لمعاوية بن عمار «في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة ، قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت. قلت فان لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه» (٥).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣١٠.

(٢) الجواهر ١٩ : ٣٩٠.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٠٧ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٠٦ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ٢.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٠٧ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ٤.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الصحيحة شاهدة للجمع بين الطائفتين المذكورتين بحمل الاستنابة على صورة عدم التمكن من المباشرة بنفسه ، ولعل وجه الإطلاق في تلك الروايات حملها على الغالب لعدم التمكن من الرجوع غالباً.

وبالجملة : مقتضى الجمع بين الروايات وجوب الرجوع عليه بنفسه والطّواف مباشرة وإن لم يقدر على ذلك فتجوز له الاستنابة ، هذا كله في فرض النسيان.

وأمّا لو تركه عامداً ، سواء كان جاهلاً بالحكم أو عالماً به ، فهل تجب عليه المباشرة والطّواف بنفسه بدعوى أن أخبار الاستنابة موردها النسيان ولا تشمل العامد كما في الجواهر ، أم يستنيب في صورة العجز عن المباشرة كما هو الحال في مورد النسيان ، فالعامد أيضاً يجب عليه الرجوع لو تمكّن وإلّا فيستنيب كما اختاره شيخنا النائيني (قدس سره) (١)؟ والصحيح هو الثاني ، ويدلُّ عليه :

أوّلاً : أن النسيان لا خصوصية له ، فان طواف النساء له جهتان : الوجوب النفسي والوجوب الشرطي.

أمّا الوجوب النفسي فيسقط بالعجز وبعدم القدرة ، فإن من أتى بلده لا يتمكن من الرجوع بنفسه فيسقط الوجوب التكليفي لعدم القدرة ، من دون فرق بين تركه نسياناً أو عمداً.

أمّا الوجوب الشرطي وهو وجوبه لتحل له النساء كما ورد التعليل بذلك في غير واحد من الروايات ، وهذا التعليل كاشف عن عدم الاختصاص بصورة النسيان ، فان مقتضى التعليل الوارد في النصوص من أنّ الرجل يحتاج إلى الزوجة ولئلّا تبقى الزوجة بلا زوج ، مشروعية النيابة عند سقوط التكليف بالمباشرة وعدم القدرة على الامتثال.

وثانياً : يكفينا في جواز الاستنابة في فرض العجز عن المباشرة نفس الروايات المتقدمة (٢) من أن الطّواف له مراتب ثلاث ، فان تلك المطلقات غير قاصرة الشمول

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٤٢١.

(٢) في ص ٣٥٣.

٣٦٦

فاذا مات قبل تداركه فالأحوط أن يقضى من تركته (١).

______________________________________________________

للمقام.

(١) لو مات ولم يطف هو ولا نائبه يظهر من جماعة منهم المحقق (١) أنه يقضي عنه وليه كما في الصلاة والصوم ، وليس في كلامهم أنه يقضي من تركته. ولكن الشيخ النائيني صرّح بأنه يقضى من صلب ماله كالديون (٢) ولكن لم يذكر وظيفة الولي وأن عليه أن يقضي عنه.

والصحيح ما ذكره المحقق النائيني لكن على سبيل الاحتياط ، بيان ذلك : أن الروايات الواردة في المقام مختلفة ، فبعضها يدل على أنه يقضي عنه وليه كصحيحة معاوية بن عمار «فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه» (٣) ، ولو كنّا نحن وهذه الصحيحة لقلنا بمقالة المحقق من أنه لو مات قضاه وليه ، ولكن في صحيحتين لمعاوية ابن عمار أنه يقضي عنه وليه أو غيره (٤).

ولا نحتمل وجوبه على غير الولي وجوباً كفائياً على المسلمين. وبعبارة أوضح : ليس قضاء طواف النساء عن الميت من الواجبات الكفائية على الولي وغيره من أفراد المسلمين ، فيكون الأمر بالقضاء للولي وغيره إرشاداً إلى اشتغال ذمّة الميت ، وأن تفريغ ذمته أمر مرغوب فيه في الشريعة سواء بواسطة الولي أو غيره ، ولعلّ ذكر خصوص الولي في الروايات من باب الأولوية.

فالنتيجة : أنه لا دليل على وجوب القضاء على الولي ، فالولي وغيره من هذه الجهة سيان ، فانّ كل أحد له إفراغ ذمة الميت عما اشتغلت به.

وأمّا أنه يقضى من تركته ومن صلب ماله ، فيبتني على أمرين :

أحدهما : أن كل واجب مالي أو كل واجب يحتاج إلى صرف المال يؤخذ من صلب

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣١٠.

(٢) دليل الناسك (المتن) : ٤٢٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٠٧ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٠٧ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ٢ ، ٦.

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ماله ، لكونه ديناً ودين الله أحق أن يقضى كما في رواية الخثعمية (١).

والجواب عن ذلك : أن الثابت أخذ الدين الحقيقي المالي من صلب المال ، ولا دليل على أخذ الواجبات من صلب المال ، وإطلاق الدين على بعض الواجبات الشرعية ليس إطلاقاً حقيقياً ، وأمّا رواية الخثعمية فضعيفة سنداً ، وقد تقدم الكلام في ذلك مفصّلاً في شرحنا على كتاب العروة (٢).

ثانيهما : أنّ ما دلّ على قضاء الحج من صلب المال بل ورد في بعض النصوص تقدّمه على الدّين (٣) يشمل قضاء طواف النساء ، لأن الحج فيه طواف النساء ، بمعنى أنه لو استأجرنا للحج عن الميت فلا ريب في شمول الإجارة لطواف النساء أيضاً فاجرة طواف النساء من صلب مال الميت كاجرة الحج نفسه.

والجواب : أن طواف النساء إذا كان في ضمن استئجار الحج ، فلا ريب في خروج أُجرته من صلب المال ، بمعنى أن اجرة الحج تشمل طواف النساء أيضاً قطعاً ، لأنه في ضمن الحج ، وأمّا إذا كانت الإجارة واقعة على طواف النساء فقط ، والمفروض أنه واجب مستقل ، فلا دليل على خروج أُجرته من صلب المال.

والحاصل : لا دليل على وجوب القضاء على الولي كما لا دليل على خروج أُجرته من صلب المال ، فالحكم في كلا الموردين احتياطي.

ولا بأس بذكر الروايات الواردة في المقام ، فليعلم أن ما دل على وجوب القضاء على الولي خاصة روايات ثلاث كلها عن معاوية بن عمار :

منها : ما رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القاسم عن النخعي عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «عن رجل نسي طواف النساء إلى أن قال فان مات فليقض عنه وليه» (٤).

__________________

(١) المستدرك ٨ : ٢٦ / أبواب وجوب الحج ب ١٨ ح ٣.

(٢) شرح العروة ٢٦ : ٢٤٢.

(٣) كما في صحيحة بريد العجلي المرويّة في الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحج ب ٢٦ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٠٦ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ذيل ح ٢. التهذيب ٥ : ٢٥٣ / ٨٥٧.

٣٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما رواه عن حماد عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه» (١).

ومنها : ما رواه عن علي عن فضالة عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه» (٢).

والظاهر من كلام الشيخ أن علياً هذا هو علي بن جعفر ، لذكر علي بن جعفر في سند الخبر المتقدم على هذا الخبر بلا فصل ، ولكن صاحب الوسائل صرح بأنه علي ابن مهزيار ، ولعل وجهه لأجل عدم رواية علي بن جعفر عن فضالة ، وإن كان ممكناً بحسب الطبقة بخلاف علي بن مهزيار ، فان له روايات عن فضالة وله كتاب الحج ، فيترجح أن يكون علي هو ابن مهزيار ، وعلى كل الرواية صحيحة ، وهذه روايات صحاح كلها عن معاوية بن عمار تدل على القضاء على الولي.

وبإزائها صحيحتان عن معاوية بن عمار تدلان على أنه يقضي عنه وليه أو غيره.

الاولى : ما رواه الشيخ عن الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن رجل عن معاوية بن عمار «فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره» (٣).

وفي الكافي : ابن أبي عمير بدل رجل (٤) وصرح الوافي أن نسخ الكافي فيها ابن أبي عمير (٥) فما في التهذيب اشتباه.

الثانية : عن فضالة عن معاوية بن عمار «فان هو مات فليقض عنه وليه أو غيره» (٦).

فهذه خمس روايات كلها عن معاوية بن عمار بعضها بواسطة فضالة وبعضها بواسطة حماد ، وبعضها بواسطة ابن أبي عمير ، والراوي واحد وهو معاوية بن عمار ، فتارة

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٠٧ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ٣ ، التهذيب ٥ : ٢٥٥ / ٨٦٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٠٧ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٨٨ / ١٧٤٦.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٠٧ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ٦ ، التهذيب ٥ : ١٢٨ / ٤٢٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥١٣ / ٥.

(٥) الوافي ١٤ : ١٢٣٢ / ٩.

(٦) الوسائل ١٣ : ٤٠٦ / أبواب الطّواف ب ٨٥ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٥٥ / ٨٦٥.

٣٦٩

مسألة ٤٢١ : لا يجوز تقديم طواف النِّساء على السّعي ، فإن قدّمه فان كان عن علم وعمد لزمته إعادته بعد السّعي ، وكذلك إن كان عن جهل أو نسيان على الأحوط (١).

______________________________________________________

نقول بأن الرواية متعددة ، وقال (عليه السلام) لمعاوية بن عمار تارة يقضي عنه وليه ، وأُخرى قال (عليه السلام) يقضي عنه وليه أو غيره ، فحينئذ يجري ما ذكرنا من عدم الالتزام بالوجوب الكفائي ، فيكون الأمر إرشاداً إلى اشتغال ذمة الميت بهذا الواجب ، فاذن لا دليل على وجوب القضاء عن الميت.

وإن قلنا بأن الرواية واحدة فكان الأمر دائراً بين الزيادة والنقيصة ، ولم نعلم أن الصادر من الامام (عليه السلام) هو الزائد أي «يقضي عنه وليه أو غيره» ، أو أن الصادر النقيصة أي قوله : «يقضي عنه وليه» فيقع التعارض ، ويتساقطان فلا دليل على وجوب القضاء على الولي.

والظاهر أن ما في الكافي هو الصحيح فإنه أضبط ، وما فيه مشتمل على قوله : «أو غيره» فاذا قلنا باشتمال الرواية على هذه الزيادة فلا يمكن القول بالوجوب كما عرفت.

ثم إن هنا رواية أُخرى رواها ابن إدريس عن نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الحلبي «عن رجل نسي طواف النساء إلى أن قال وإن مات قبل أن يطاف عنه طاف عنه وليه» (١) ولو كانت هذه الرواية صحيحة سنداً لوجب القضاء على الولي لعدم المعارض لها ، ولكنها ضعيفة سنداً لجهالة طريق ابن إدريس إلى نوادر البزنطي.

(١) قد عرفت قريباً أنه لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي ، وإنما محله بعد الفراغ من السعي ، ولكن لو قدّمه على السعي ، فإن كان عن علم وعمد فلا ريب في البطلان وعدم الإجزاء ، لأنه أتى به على خلاف الترتيب ، فلم يأت بالمأمور به على

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٠٩ / أبواب الطّواف ب ٥٨ ح ١١ ، السرائر ٣ : ٥٦٢.

٣٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وجهه ، ولا دليل على الإجزاء فتجب عليه الإعادة بعد السعي.

وأمّا لو قدّمه نسياناً أو عن جهل فهل يجزي أم لا؟ نسب إلى جماعة من الأكابر الإجزاء ومنهم الشيخ النائيني في مناسكه (١) بل قيل إنه لا خلاف فيه.

أقول : إن تمّ إجماع في المقام فهو ، وإلّا كما هو الصحيح فيشكل الحكم بالصحة والإجزاء ، والوجه في ذلك : أن عمدة ما استدل به للإجزاء أمران :

أحدهما : استدلوا بصحيحتي جميل ومحمد بن حمران الواردتين في من قدّم ما حقه التأخير وأخر ما حقه التقديم (٢) فحكم (عليه السلام) بالصحة والإجزاء ، وقد جعل بعض العلماء ذلك أصلاً وقاعدة كلية متبعة في باب الحج إلّا إذا قام الدليل على الخلاف ، وإلّا فمقتضى القاعدة المستفادة من الخبرين هو الإجزاء في موارد النسيان في جميع موارد أعمال الحج.

والجواب عن ذلك : أن الأمر وإن كان كذلك ولكن إنما يتم في أجزاء الحج وأفعاله فان المسئول عنه في الخبرين هو أجزاء الحج وأعماله ، وطواف النساء ليس من أعمال الحج ، وإنما هو واجب مستقل وموضعه بعد الفراغ من أعمال الحج كما عرفت ، فلو أتى به في أثناء أعمال الحج أي قبل السعي فلم يأت بالواجب على وجهه ، والخبران لا يشملانه ولا دليل على الإجزاء ، فحال طواف النساء حال المبيت في منى والرمي في اليوم الحادي عشر والثانية عشر ، فإنه لا يجزئ لو أتى بذلك قبل العيد ، بل لا بدّ له من الرمي في اليوم الحادي عشر والثانية عشر ، وعليه المبيت ولا يفيده المبيت قبل ذلك ولو نسياناً.

ثانيهما : موثق سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة ، قال : لا يضرّه يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجّه» (٣) فان مقتضاه الإجزاء ولو تعمد

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٤٢٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٥٥ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٤ ، وص ٢١٥ / أبواب الحلق ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤١٨ / أبواب الطّواف ب ٥٦ ح ٢.

٣٧١

مسألة ٤٢٢ : من قدّم طواف النِّساء على الوقوفين لعذر لم تحلّ له النِّساء حتى يأتي بمناسك منى من الرّمي والذّبح والحلق (١)

______________________________________________________

التقديم وقد حمله الشيخ على الناسي لأنه مع العمد لم يجز قطعاً (١).

والجواب عن ذلك : أن الرواية إنما هي مطلقة ولم يذكر فيها النسيان ، وإنما حمله الشيخ على النسيان ، فظاهر الرواية جواز التقديم حتى عمداً وهذا مقطوع البطلان فلا بدّ من طرح الرواية وردّ علمها إلى أهلها ، أو حملها على صورة النسيان كما صنعه الشيخ.

فالنتيجة : أنه لا دليل على الإجزاء في صورة النسيان.

والذي يؤكد ما ذكرناه : أن الموثقة غير ناظرة إلى صحة طواف النساء وعدمها من حيث وقوعها قبل السعي وبعده ، وإنما نظرها إلى صحة طواف الحج باعتبار الفصل بينه وبين السعي بطواف النساء ، فكان السائل احتمل في صحة طواف الحج عدم الفصل بين طواف الحج والسعي بطواف النساء ، فأجاب (عليه السلام) بأنه لا يضر الفصل بطواف النساء ويأتي بالسعي بعده.

ويشهد لذلك قول السائل «عن رجل طاف طواف النساء» ولو كان نظره إلى تقديم طواف النساء على السعي لم يكن وجه لذكر طواف الحج ، فإن السؤال عن ذلك أجنبي عن تقديم طواف النساء على السعي ، فيعلم من ذكر طواف الحج قبل طواف النساء أن نظر السائل إلى الفصل بين طواف الحج والسعي بطواف النساء ، ولا أقل من إجمال الرواية ، ولا ريب أن الحكم بعدم الإجزاء إن لم يكن أقوى فهو أحوط.

(١) قد تقدّم جواز تقديم طواف الحج على الوقوفين للمعذور ، ولكن قد عرفت أنه لا يحل له الطيب بتقديم طواف الحج ، فإن الحلية تترتب على الطّواف المتأخر عن أعمال منى لا المتقدم عليها ، وكذلك الحال في تقديم طواف النساء للخائف ، فإن النساء

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٣٤.

٣٧٢

مسألة ٤٢٣ : إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة طهرها ، جاز لها ترك طواف النِّساء والخروج مع القافلة (١) والأحوط حينئذ أن تستنيب لطوافها ولصلاته. وإذا كان حيضها بعد تجاوز النصف من طواف النِّساء جاز لها ترك الباقي والخروج مع القافلة (٢) والأحوط الاستنابة لبقية الطّواف ولصلاته.

______________________________________________________

إنما تحل بعد أعمال منى ، ولا تحل له حتى إذا قدّم طواف النساء على أعمال منى ، فان هذه الأحكام مترتبة على الحاج ما دام كان محرماً ، فقبل الإحلال من الإحرام لا يحل له المحرّمات المعهودة وإن قدّم طواف الحج أو طواف النساء.

(١) لمعتبرة إبراهيم الخزاز قال : «كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل فقال : أصلحك الله إن معنا امرأة حائضاً ولم تطف طواف النساء فأبى الجمّال أن يقيم عليها ، قال : فأطرق وهو يقول : لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمّالها ، تمضي فقد تم حجها» (١) فإنها صريحة في جواز ترك طواف النساء لها فيما إذا لم تتمكن من البقاء في مكة ، ولكن صاحب الوسائل حملها على أن المراد بها أنها تستنيب ولا تدل على السقوط مطلقاً ، وما ذكره صحيح لكن على وجه الاحتياط لا الوجوب ، لأن الظاهر من الرواية أنه قد تم حجها ولا حاجة إلى الاستنابة ، لأن المراد بقوله : «فقد تم حجها» تمامية أفعال حجها وأجزائه ، فالمفروض أنه قد تم قبل الإتيان بطواف النساء ، فالمراد بذلك أنه قد تم أجزاء الحج ولواحقه ، فالظاهر أنه لا تجب عليها الاستنابة وإن تمكنت منها.

(٢) لصحيح فضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شاءت» (٢) والظاهر من ذلك الاكتفاء بذلك وليس عليها الاستنابة ولا البقاء في مكة لتدارك الطّواف وإن

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٢ / أبواب الطّواف ب ٨٥ ح ١٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٦١ / أبواب الطّواف ب ٩٠ ح ١.

٣٧٣

مسألة ٤٢٤ : نسيان الصلاة في طواف النِّساء كنسيان الصلاة في طواف الحج (١) وقد تقدم حكمه في المسألة ٣٢٩.

مسألة ٤٢٥ : إذا طاف المتمتع طواف النِّساء وصلى صلاته حلت له النِّساء ، وإذا طافت المرأة وصلت صلاته حل لها الرجال فتبقى حرمة الصيد إلى الظهر من اليوم الثالث عشر على الأحوط (٢)

______________________________________________________

تمكنت من البقاء ، وإنما يجب البقاء على الحائض فيما إذا حاضت قبل طواف النساء فإنه إن تمكنت من البقاء فعليها الطّواف ، وإن لم تتمكن من البقاء لعدم انتظار القافلة لها يسقط عنها طواف النساء وليس عليها الاستنابة. وأمّا إذا حاضت في الأثناء فإطلاق النص يقتضي الاكتفاء بما طافت وليس عليها الطّواف حتى إذا تمكنت من البقاء في مكة.

(١) لا ريب في أن حال صلاة طواف النساء حال صلاة طواف الحج ، والروايات الواردة في نسيان صلاة الطّواف على طوائف :

منها : ما ورد في طواف الحج كصحيحة معاوية بن عمار «في رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين» (١) ومنها : ما ورد في نسيان صلاة طواف النساء كصحيحة محمد بن مسلم «ثم طاف طواف النساء ولم يصل لذلك الطّواف حتى ذكر وهو بالأبطح» ومنها : ما ورد في نسيان صلاة مطلق الطّواف كما في معتبرة عمر بن يزيد (٢) والمستفاد من مجموعها أنه إذا تمكن من الرجوع فهو وإلّا فيصليها حيث ما ذكرت.

(٢) قد ذكرنا سابقاً (٣) أن الصيد الإحرامي تبقى حرمته إلى زوال يوم الثالث عشر وإن طافت طواف النساء وأتى بجميع الأعمال ، وذلك للنص ، وحيث إن المشهور لم

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٣٨ / أبواب الطّواف ب ٧٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٢٨ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ٥ ، ١.

(٣) في ص ٣٥٥.

٣٧٤

وأمّا قلع الشجر وما ينبت في الحرم وكذلك الصيد في الحرم فقد ذكرنا أن حرمتهما تعم المحرم والمحل (١).

المبيت في منى

الواجب الثاني عشر من واجبات الحج المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر ، ويعتبر فيه قصد القربة ، فإذا خرج الحاج من مكة يوم العيد لأداء فريضة الطّواف والسّعي وجب عليه الرجوع ليبيت في منى. ومن لم يجتنب الصيد في إحرامه فعليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً وكذلك من أتى النِّساء على الأحوط (٢).

______________________________________________________

يلتزموا بذلك ولم يتعرضوا إليه في كتبهم كما عرفت سابقاً ، لذا يكون الحكم مبنياً على الاحتياط اللزومي.

(١) قد عرفت أن الصيد في الحرم وكذلك قلع شجر الحرم ليس من آثار الإحرام ولا يرتبط به ، وإنما ذلك من أحكام الحرم سواء كان الشخص محلا أو محرماً.

(٢) قد عرفت أن مقتضى جملة من النصوص تمامية أعمال الحج وتكميلها بإتيان طواف الحج وسعيه وإن لم يطف طواف النساء ، كالروايات البيانية لكيفية الحج (١) كما أن مقتضى صحيحة معاوية بن عمار (٢) أنه لو طاف طواف النساء لم يبق عليه شي‌ء ، وقد تم حجّة إلّا الصيد الحرمي ، ومن ذلك يظهر أن أعمال منى خارجة عن أعمال الحج ولا يضر تركها بالحج وإن كان آثماً بالترك.

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنه إذا قضى الحاج مناسكه وأتى بطواف الحج وسعيه يجب عليه العود إلى منى ليبيت فيها ليلة الحادي عشر ، وليلة الثاني عشر والثالث عشر في بعض الفروض كما سيأتي ، إجماعاً من المسلمين والتسالم منهم بل والسيرة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢١٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١ وغيره.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٤٩ / أبواب زيارة البيت ب ٤ ح ١.

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

القطعية ، ولو كان غير واجب لظهر وبان ، مضافاً إلى دلالة الآية المباركة على ذلك (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) (١) المفسرة بأيام التشريق ، وأنه يجوز له النفر بعد زوال اليوم الثاني عشر إذا اتقى الصيد.

وأيضاً تدل على ذلك النصوص الكثيرة منها : صحيحة معاوية بن عمار «إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبيت إلّا بمنى» (٢) وصحيحة اخرى له «لا تبت ليالي التشريق إلّا بمنى» (٣) فلا ينبغي الشك في الوجوب ، فما عن الشيخ في التبيان من استحباب المبيت (٤) وكذا عن الطبرسي من القول باستحباب المبيت (٥) ، شاذ نادر لا تساعد عليه الأدلّة.

ثم لا ريب في أن المبيت عمل قربي عبادي يحتاج إلى قصد القربة لقوله تعالى (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُوداتٍ) ومعلوم أن ذكر الله من الأعمال العبادية القربية فلو بات بلا قصد القربة لم يمتثل الأمر ويكون عاصياً وإن أتى بذات المبيت.

وهل عليه الكفارة لترك المبيت على الوجه القربي أم لا؟

احتمل بعضهم ثبوت الفدية ، والظاهر عدمه ، فإن الكفارة ثابتة على من ترك المبيت بمنى ، والظاهر منه انصرافه بحكم التبادر إلى الترك الحقيقي لا الحكمي ، بل الروايات تدل على أن من بات في غير منى فعليه الكفارة ، ولا يصدق ذلك على من بات في منى بلا قصد القربة. هذا كله في ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر.

وأمّا ليلة الثالث عشر فيجب عليه المبيت أيضاً إذا لم يتق الصيد ، للنصوص منها : صحيحة حماد «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأوّل ، ومن نفر في

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٠٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٥١ / أبواب العود إلى منى ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٥٤ / أبواب العود إلى منى ب ١ ح ٨.

(٤) التبيان ٢ : ١٥٤.

(٥) مجمع البيان ٢ : ١٥١.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

النفر الأوّل فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس ، وهو قول الله عزّ وجلّ (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (... لِمَنِ اتَّقى) ، فقال : اتقى الصيد» (١) وليعلم أوّلاً أن قوله (لِمَنِ اتَّقى) لم يذكر في الآية في هذا الموضع ، وإنما ذكر بعد قوله تعالى (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) (٢) فذكره في هذا الموضع إما اشتباه من الراوي وإما أنه نقل بالمعنى لا نقل نفس الآية.

ثم إن الرواية صحيحة ، فإن محمد بن يحيى الراوي عن حماد وإن كان مردداً بين محمد بن يحيى الخزاز ، ومحمد بن يحيى الخثعمي وهما ثقتان ، وبين محمد بن يحيى الصيرفي وهو غير موثق ، ولكن الظاهر انصرافه إلى الخزاز ، لاشتهاره وممن له كتاب والخثعمي وإن كان له كتاب أيضاً ولكن لا ريب أن الخزاز هو الأشهر بحيث إن الشيخ ترجمه في الفهرست (٣) من دون أن يذكره مقيداً بالخزاز.

وبالجملة : لا ريب أن محمد بن يحيى في هذه الطبقة ينصرف إلى الخزاز كما هو كذلك في سائر الروايات التي ذكر محمد بن يحيى على الإطلاق.

وأمّا إذا لم يتق النساء أو مطلق المحرمات المعهودة في الإحرام أو مطلق الكبائر أو مطلق الصرورة ، فهل يجب عليه البيتوتة ليلة الثالث عشر أم لا؟

المشهور والمعروف بين الفقهاء وجوب المبيت ليلة الثالث عشر إذا لم يجتنب النساء أي الوطي ، بل ادعي عليه الإجماع ، فإن تم فهو وإلّا فلا دليل على إلحاق النساء بالصيد ، لعدم ما يدل عليه إلّا رواية محمد بن المستنير قال : «من أتى النساء في إحرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأوّل» (٤) والرواية ضعيفة جدّاً ، لأن محمد بن المستنير لا ذكر له في الروايات إلّا هذه الرواية كما لا ذكر له في الرجال ، حتى أن الشيخ (رحمه الله) مع اهتمامه في عدّ أصحاب الأئمة وذكرهم في كتاب الرجال حتى عد المنصور

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٧٩ / أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٣.

(٢) البقرة ٢ : ٢٠٣.

(٣) الفهرست : ١٥٤ / ٦٨٣.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٧٩ / أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ١.

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

العباسي من أصحاب الصادق (عليه السلام) ومع ذلك لم يذكر محمد بن المستنير فالرجل مجهول جدّاً لا يمكن الاعتماد على رواياته.

نعم ، ذكر صاحب الوسائل رواية أُخرى عن محمد بن المستنير في نفس الباب (١) وهذا سهو من قلمه أو من النساخ ، فان المذكور في الفقيه سلام بن المستنير (٢) لا محمد وسلام ثقة لأنه من رجال تفسير علي بن إبراهيم.

وذكر بعض العلماء أن الصرورة كغير المتقي فيجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر ولا نعرف له شاهداً ولا رواية واحدة ضعيفة.

وذكر الشيخ المحقق النائيني أن الأحوط الأولى المبيت ليلة الثالث عشر لمن اقترف كبيرة من الكبائر وإن لم تكن من محرمات الإحرام (٣) وهذا أيضاً مما لا نعرف له وجهاً ولا قائل به من الفقهاء.

ونسب إلى ابن سعيد (٤) أن من لم يتق مطلق تروك الإحرام وإن لم تكن فيه كفارة يجب عليه البيتوتة ليلة الثالث عشر ، ويستدل له بمعتبرة سلام بن المستنير عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال : «لمن اتقى الرفث والفسوق والجدال وما حرم الله عليه في إحرامه» (٥).

وصاحب الوسائل رواها عن محمد بن المستنير وهو اشتباه كما عرفت ، فان المذكور في من لا يحضره الفقيه سلام بن المستنير وهو ثقة ، لأنه من رجال تفسير القمي فالرواية معتبرة ، ولكن مع ذلك لا يمكن العمل بها لوجهين :

أحدهما : أن صريح روايات الصيد جواز ترك المبيت ليلة الثالث عشر إذا اتقى الصيد ، فتحمل هذه المعتبرة على الاستحباب.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٨٠ / أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٨٨ / ١٤١٦.

(٣) دليل الناسك (المتن) : ٤٣١.

(٤) الجامع للشرائع : ٢١٨.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٨٠ / أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٧.

٣٧٨

ويجوز لغيرهما النفر من منى بعد ظهر اليوم الثاني عشر (١)

______________________________________________________

ثانيهما : السيرة القطعية القائمة على جواز النفر يوم الثاني عشر ولو لم يتق محرمات الإحرام غير الصيد ، وحمل السيرة على خصوص من اتقى المحرمات حمل على الفرد النادر جدّاً ، إذ قلّ ما يوجد في الحجاج اجتنابهم عن جميع التروك حال الإحرام ، ولو كان المبيت واجباً لمن لم يتق المحرمات المعهودة لظهر وبان. مع أن المعروف بين الفقهاء عدم الوجوب ، بل لم ينقل القول بالوجوب إلّا من ابن سعيد.

ونقل عن ابن إدريس (١) وابن أبي المجد إلحاق المحرمات التي توجب الكفارة بالصيد وهذا أيضاً لم يظهر لنا وجهه أصلاً ، فالأمر يدور بين الاختصاص بالصيد أو التعميم لجميع ما حرّم الله عليه في إحرامه ، والثاني لا يمكن الالتزام به لما عرفت ، فيختص الحكم بالأول ، والأحوط إلحاق النساء أي الوطي بالصيد خروجاً عن شبهة دعوى الإجماع على إلحاقه بالصيد.

فتحصل : أنه من اتقى الصيد يجوز له النفر بعد ظهر اليوم الثاني عشر ، ولا يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر كما في الآية الشريفة (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى) (٢) يعني هذا التخيير ثابت للمتقي عن الصيد كما في النصوص (٣).

(١) من اتقى الصيد والنساء على الأحوط جاز له النفر بعد الزوال من اليوم الثاني عشر ولا يجوز قبله ، ويدلُّ عليه صحيح الحلبي «عن الرجل ينفر في النفر الأوّل قبل أن تزول الشمس ، فقال لا ، ولكن يخرج ثقله إن شاء ، ولا يخرج هو حتى تزول الشمس» (٤).

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٤٨.

(٢) البقرة ٢ : ٢٠٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٧٩ / أبواب العود إلى منى ب ١١.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٧٦ / أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ٦.

٣٧٩

ولكن إذا بقي في منى إلى أن دخل الليل وجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضاً (١).

مسألة ٤٢٦ : إذا تهيّأ للخروج وتحرّك من مكانه ولم يمكنه الخروج قبل الغروب للزحام ونحوه ، فإن أمكنه المبيت وجب ذلك ، وإن لم يمكنه أو كان المبيت حرجياً جاز له الخروج. وعليه دم شاة على الأحوط (٢).

______________________________________________________

وصحيح معاوية بن عمار «إذا أردت أن تنفر في يومين فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس» (١). وصحيح أبي أيوب «أمّا اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس» (٢).

وأمّا النفر الثاني وهو اليوم الثالث عشر فيجوز قبل الزوال قطعاً ، للنصوص المعتبرة المصرحة بذلك كصحيح أبي أيوب وصحيح معاوية بن عمار المتقدمتين وغيرهما ، فعدم جواز النفر قبل الزوال مختص بالنفر الأوّل.

(١) لصحيح الحلبي «فإن أدركه المساء بات ولم ينفر» وفي صحيح معاوية بن عمار «إذا جاء الليل بعد النفر الأول فبت بمنى فليس لك أن تخرج منها حتى تصبح» (٣).

(٢) من تأهب للخروج وغربت عليه الشمس قبل أن يخرج من منى فهل يجب عليه المبيت ، أو أنّ تأهّبه وتهيّأه للخروج في حكم الخروج والنفر؟

نسب إلى العلّامة في التذكرة جواز النفر استناداً إلى المشقة والحرج في البقاء فهو في حكم النفر (٤) وأورد عليه غير واحد بأنه مناف لإطلاق النص ، والتقييد يحتاج إلى دليل خاص ، لصدق إدراك المساء والغروب عليه بمنى ، وأمّا الحرج فإنه وإن كان يرفع الأحكام الأولية ولكنه خاص بالنسبة إلى من تحقق عنده الحرج لا أنه جائز في نفسه فحال المبيت حينئذ حال سائر الواجبات الإلهية من ارتفاع اللزوم عند الحرج.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٧٤ / أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٧٥ / أبواب العود إلى منى ب ٩ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٧٧ / أبواب العود إلى منى ب ١٠ ح ١ ، ٢.

(٤) التذكرة ٨ : ٣٧٤.

٣٨٠