موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

طواف الحج وصلاته والسّعي

الواجب السابع والثامن والتاسع من واجبات الحجّ : الطّواف وصلاته والسّعي وكيفيّتها وشرائطها هي نفس الكيفية والشرائط التي ذكرناها في طواف العمرة وصلاته وسعيها (١).

______________________________________________________

حيث إن المشهور ذهبوا إلى وجوب الإعادة بل في الجواهر (١) قال : لا أجد فيه خلافاً وحكاه عن المدارك (٢) وغيره أيضاً ، فالاحتياط بالإعادة في محله ، ويتأكّد الاحتياط ما دام كونه باقياً في مكة قبل خروجه منها.

(١) لأنّ الطّواف حقيقة واحدة في جميع الموارد ، فالأحكام والشرائط المذكورة لطواف عمرة التمتّع وسعيها جارية في طواف الحج وسعيه أيضاً ، وتستفاد الوحدة من الروايات الدالّة على أن حج التمتّع فيه ثلاثة أطواف ، وأن حج الافراد أو القرآن فيه طوافان ، والعمرة المفردة فيها طوافان ، فان المتفاهم من ذلك أن الطّواف حقيقة واحدة في جميع الموارد وإنما يختلف بعضها عن بعض بالعدد ، ففي مورد يجب اثنان وفي مورد تجب ثلاثة ، وكذلك تستفاد الوحدة من الروايات الواردة في كيفية الطّواف وبيان أحكام الشكوك ، فان ذلك لا يختص بطواف دون طواف.

مضافاً إلى أنه قد صرح في صحيحة معاوية بن عمار بالوحدة والاتحاد ، لأنه (عليه السلام) يبين له طواف الزيارة والحج فقال له في حديث : «ثم طف بالبيت سبعة أشواط كما وصفت لك يوم قدمت مكة إلى أن قال ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه واصنع كما صنعت يوم دخلت مكة» (٣) فان ذلك صريح في أن طواف الحج وسعيه بعينه مثل طواف العمرة وسعيها.

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ٢٤١.

(٢) المدارك ٨ : ٩٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٤٩ / أبواب زيارة البيت ب ٤ ح ١.

٣٤١

مسألة ٤١٠ : يجب تأخير الطّواف عن الحلق أو التقصير في حج التمتّع ، فلو قدّمه عالماً عامداً وجبت إعادته بعد الحلق أو التقصير ولزمته كفّارة شاة (١).

مسألة ٤١١ : الأحوط عدم تأخير طواف الحج عن اليوم الحادي عشر وإن كان جواز تأخيره إلى ما بعد أيام التشريق بل إلى آخر ذي الحجّة لا يخلو من قوّة (٢).

______________________________________________________

(١) تقدّم قريباً أنه لو قدّم الطّواف على الحلق أو التقصير جهلاً أو نسياناً لا إعادة عليه ، لصحيح جميل ومحمد بن حمران (١) وأمّا إذا كان عالماً عامداً يحكم ببطلان الطّواف ، واللازم إعادته بعد الحلق للقاعدة ، إذ لم يأت بالمأمور به على وجهه فلا موجب للاجزاء ، ولصحيح علي بن يقطين (٢) نعم عليه كفارة شاة كما في صحيح محمد ابن مسلم (٣) ففي الحقيقة يكون التقدم من جملة التروك التي يلزمه شاة إذا خالف.

(٢) الكلام في الحاج المتمتع ، فان الحاج إذا قضى مناسكه بمنى من الرمي والذبح والحلق والتقصير وجب عليه الرجوع إلى مكة لطواف الحج وصلاته والسعي ، فوقع الخلاف في أنه متى يجب عليه الرجوع لإتيان الطّواف والسعي؟

فعن المشهور عدم جواز تأخير ذلك عن اليوم الحادي عشر. وذهب جماعة إلى جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق أي إلى النفر الثاني وهو اليوم الثالث عشر كما نسب إلى المحقق (عليه الرحمة) (٤).

وعن جماعة آخرين منهم ابن إدريس (٥) والعلّامة في المختلف (٦) والسيد في المدارك (٧)

__________________

(١) المتقدمين في ص ٣٢١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢١٧ / أبواب الحلق ب ٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢١٥ / أبواب الحلق ب ٢ ح ١.

(٤) الشرائع ١ : ٢٦٧.

(٥) السرائر ١ : ٦٠٢.

(٦) المختلف ٤ : ٣٠٩.

(٧) المدارك ٨ : ١١١.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

جواز تأخيره طول ذي الحجة وإن كان التقديم والمضي إلى مكة يوم النحر أفضل ، ولو أخّره عن ذي الحجة فسد طوافه وحجّه لقوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (١) وذو الحجة من أشهر الحج فيجب إيقاع أفعاله فيه ، هذا بحسب الأقوال.

وأمّا بحسب الروايات الواردة في المقام فهي على أقسام :

منها : ما دلّ على أنه يطوف يوم النحر كصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن المتمتع متى يزور البيت قال : يوم النحر» (٢).

ومنها : ما دلّ على جواز تأخيره إلى ليلة الحادي عشر كما في صحيح منصور بن حازم «لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت» (٣) وكصحيحة عمران الحلبي (٤).

ومنها : ما دلّ على جواز التأخير إلى اليوم الحادي عشر كصحيحة معاوية بن عمار «عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال : يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر» (٥).

وفي صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار «في زيارة البيت يوم النحر ، قال : زره فان شغلت فلا يضرّك أن تزور البيت من الغد ولا تؤخر أن تزور من يومك فإنه يكره للمتمتع أن يؤخر» (٦) والمراد بالكراهة هو معناها اللغوي وهو النفرة والمبغوضية ، وقد استعملت في كثير من الروايات والآيات في المعنى اللغوي الذي يجتمع مع الحرمة الشرعية.

وفي قبال هذه الروايات صحيحتان دلّتا صريحاً على جواز التأخير إلى اليوم الثالث عشر وهو يوم النفر الثاني كما في صحيحة عبد الله بن سنان «لا بأس أن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر إنما يستحب تعجيل ذلك مخافة الأحداث والمعاريض» (٧) وفي

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٧.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٤٤ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ٥.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٤٥ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ٦.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٤٥ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ٧.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٤٥ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ٨.

(٦) الوسائل ١٤ : ٢٤٣ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ١.

(٧) الوسائل ١٤ : ٢٤٥ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ٩.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

صحيحة إسحاق بن عمار «عن زيارة البيت تؤخر إلى يوم الثالث ، قال : تعجيلها أحب إليَّ (ليس به بأس إن أخره)» (١). فتكون هاتان الروايتان قرينة على أن الأمر الواقع في تلك الروايات للاستحباب كما صرح بذلك في صحيحة عبد الله بن سنان ، فما ذهب إليه المشهور لا يمكن مساعدته.

وأمّا التأخير إلى طول ذي الحجة فقد استشكل فيه غير واحد من الأعلام منهم صاحب الحدائق ، بدعوى أن غاية ما يستفاد من الروايات جواز التأخير إلى آخر أيام التشريق وأمّا التأخير إلى آخر شهر ذي الحجة فلا (٢).

ولكن الظاهر جواز التأخير إلى آخر ذي الحجة ، لصحيح الحلبي «عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح؟ قال : لا بأس أنا ربما آخرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا تقرب النساء والطيب» (٣).

وصحيح هشام بن سالم «لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن يذهب أيام التشريق إلّا أنك لا تقرب النساء ولا الطيب» (٤) فإنهما وإن لم يصرحا بحج التمتّع ، ولكن ذيلهما شاهد على أن موردهما حج التمتّع ، وذلك لتحريم الطيب قبل الطّواف ، ومن المعلوم أن ذلك من مختصات حج التمتّع ، وأمّا حج الإفراد فيحل الطيب فيه بعد الحلق.

ثم إنه لو قلنا بإطلاقهما من حيث التأخير إلى آخر شهر ذي الحجة كما هو الظاهر فهو ، نعم لا يجوز التأخير إلى ما بعد شهر ذي الحجة ، للزوم إيقاع أفعال الحج في أشهر الحج لقوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) (٥) ومن المعلوم أن شهر ذي الحجة من أشهر الحج ، وإن لم نقل بالإطلاق فلا أقل من أصالة البراءة من التقييد بيوم أو يومين بعد أيام التشريق ، فمقتضى أصالة البراءة جواز التأخير إلى طول ذي الحجة ،

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٤٦ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ١٠.

(٢) الحدائق ١٧ : ٢٧٧.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٤٣ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٤٤ / أبواب زيارة البيت ب ١ ح ٣.

(٥) البقرة ٢ : ١٩٧.

٣٤٤

مسألة ٤١٢ : لا يجوز في حج التمتّع تقديم طواف الحج وصلاته والسّعي على الوقوفين ، ويستثني من ذلك الشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض والمريض (١) فيجوز لهم تقديم الطّواف وصلاته على الوقوفين (١)

______________________________________________________

فالقول بالامتداد إلى آخر شهر ذي الحجة هو الصحيح.

(١) المعروف والمشهور بين الفقهاء عدم جواز تقديم طواف الحج وسعيه على الوقوفين ومناسك يوم النحر للمتمتع اختياراً إلّا للعاجز ، بخلاف القارن والمفرد فيجوز لهما التقديم.

بل ذكر في الجواهر الإجماع بقسميه وأن المحكي منهما مستفيض أو متواتر (٢) وعن المحقق (٣) والعلّامة (٤) نسبته إلى

إجماع العلماء كافة ، واستقرب السيد في المدارك الجواز مطلقاً (٥) وتوقف فيه صاحب الحدائق (٦).

فلا بدّ من ملاحظة الروايات ، فقد ورد في عدة من الروايات جواز تقديمهما على الوقوفين وقبل أن يخرج من مكة إلى عرفات ومنى ، فمنها : صحيحة ابن بكير وجميل جميعاً ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنهما سألاه عن المتمتع يقدّم طوافه وسعيه في الحج ، فقال : هما سيان قدّمت أو أخّرت (٧).

ومنها : صحيحة حفص بن البختري «في تعجيل الطّواف قبل الخروج إلى منى فقال : هما سواء أخّر ذلك أو قدّمه ، يعني للمتمتع» (٨).

__________________

(١) حُذفت كلمة «المريض» من المناسك ط ١٢.

(٢) الجواهر ١٩ : ٣٩١.

(٣) المعتبر ٢ : ٧٩٤.

(٤) المنتهي ٢ : ٧٠٨ السطر ٢٦.

(٥) المدارك ٨ : ١٨٨.

(٦) الحدائق ١٧ : ٢٤٧.

(٧) الوسائل ١١ : ٢٨٠ / أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ١.

(٨) الوسائل ١٣ : ٤١٦ / أبواب الطّواف ب ٦٤ ح ٣.

٣٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما رواه صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج في الصحيح ، قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يتمتع ثم يهلّ بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى ، فقال : لا بأس» (١).

وروى صفوان أيضاً عن عبد الرحمن بن الحجاج عن علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) وذكر مثله (٢). والظاهر أنهما رواية واحدة ، إذ من المستبعد جدّاً أن عبد الرحمن يروي لصفوان تارة بلا واسطة عن موسى بن جعفر (عليه السلام) وأُخرى مع واسطة علي بن يقطين ، فذكر علي بن يقطين في إحدى الروايتين زائد أو ناقص في الخبر الآخر ، وكيف كان لا ريب في صحة السند ووضوح الدلالة.

وبإزاء هذه الروايات عدة من الروايات التي تدل على عدم جواز تقديم الطّواف على الوقوفين إلّا للخائف والمرأة التي تخاف أن يسبقها الحيض ونحو ذلك من ذوي الأعذار كالمريض والمعلول.

فمنها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا بأس بتعجيل الطّواف للشيخ الكبير والمرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج إلى منى» (٣) ونحوها معتبرة إسماعيل ابن عبد الخالق الواردة في الشيخ الكبير والمريض والمعلول (٤).

وربما يقال بعدم منافاة هذه الرواية للروايات المتقدمة المجوّزة ، لعدم المفهوم للوصف. ولكن قد ذكرنا غير مرة أن الوصف وإن لم يكن له مفهوم ولكن ينفي الحكم المطلق الساري ، وإن كان لا ينفي عن غيره ولا ينافي ثبوت الحكم في مورد آخر ولكن ينفي سريان الحكم وثبوته للمطلق وإلّا لكان التقييد وذكر الوصف لغواً فالمستفاد من الخبر أن الحكم بالجواز غير ثابت على الإطلاق.

ومنها : موثقة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٠ / أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٨٠ / أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٨١ / أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٨١ / أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٦.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا كان شيخاً كبيراً أو امرأة تخاف الحيض يعجّل طواف الحج قبل أن يأتي منى ، فقال : نعم من كان هكذا يعجّل» الحديث (١) فان قوله (عليه السلام) : «من كان هكذا» له مفهوم ينفي الجواز عمن لم يكن هكذا فيعارض الروايات المتقدمة المجوّزة.

ومنها : صحيح علي بن يقطين قال : «سمعت أبا الحسن الأول (عليه السلام) يقول : لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفاً» (٢) ولا ريب في ثبوت المفهوم لذلك ، لأن الجملة الشرطية مذكورة في كلام الإمام (عليه السلام) ومقتضى المفهوم عدم جواز التقديم على إطلاقه.

ثم إن هنا رواية ذكرها في الوسائل عن صفوان بن يحيى الأزرق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر أيصلح لها أن تعجّل طوافها طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال : إذا خافت أن تضطر إلى ذلك فعلت» (٣).

وكذا ورد السند في التهذيب كما في بعض النسخ (٤) والظاهر أن في العبارة سقطاً والصحيح صفوان بن يحيى عن يحيى الأزرق كما في النسخ الأُخرى. ويؤكد ذلك أن صفوان بن يحيى الأزرق لا وجود له في الرواة ، ويحيى الأزرق اسم لعدة أشخاص فيهم الثقة والضعيف ، فيكون يحيى الأزرق المذكور في السند مردداً بين الثقة والضعيف ولكنه ينصرف إلى الثقة وهو يحيى بن عبد الرحمن لاشتهاره ، وقد تقدّم تفصيل ذلك في المسألة ٣٩٤ فراجع.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨١ / أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٧.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤١٥ / أبواب الطّواف ب ٦٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤١٥ / أبواب الطّواف ب ٦٤ ح ٢.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٩٨ / ١٣٨٤.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ونحوها رواية علي بن أبي حمزة الواردة في المرأة التي تخاف الحيض (١) وهي أيضاً ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائني فتصلح للتأييد.

فالروايات متعارضة ، وقد حمل الشيخ الأخبار المجوّزة المطلقة على صورة الضرورة كالشيخ الكبير والخائف والمرأة التي تخاف الحيض وقال (قدس سره) : فأمّا مع زوال ذلك أجمع فلا يجوز على حال (٢) وكذا صاحب الجواهر فحمل المطلق على المقيد (٣) واستبعده صاحب المدارك ، فان تقييد قوله : «هما سيان قدّمت أو أخّرت» على صورة الضرورة والعجز بعيد جدّاً (٤).

وحمل بعضهم الأخبار المانعة على الكراهة للجمع العرفي بين النهي والتجويز بدعوى أن الروايات المانعة ظاهرة في الحرمة والروايات المجوّزة صريحة في الجواز ومقتضى الجمع رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة وحمله على الكراهة.

وهذا بعيد أيضاً ، لأن مفهوم قوله : «لا بأس بتعجيل الطّواف للشيخ الكبير» ثبوت البأس لغيره ، وفي الروايات المجوّزة نفي البأس ، والجمع بين لا بأس وفيه البأس من الجمع بين المتناقضين بحيث لو اجتمعا في كلام لكان مما اجتمع فيه المتناقضان.

فالصحيح تحقق التعارض بين الطائفتين فلا بد من العلاج وتقديم إحداهما على الأُخرى ، فاللازم تقديم الأخبار المانعة ، والوجه في ذلك : أنّا علمنا من كثير من الروايات البيانية لكيفية الحج حتى الروايات الحاكية لحج آدم (عليه السلام) (٥) تأخر الطّواف عن الوقوفين وأعمال منى.

وكذلك يستفاد التأخّر من صحيح سعيد الأعرج الوارد في إفاضة النساء ليلاً قال فيه «فان لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ ويقصرن من أظفارهنّ ثم يمضين

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤١٦ / أبواب الطّواف ب ٦٤ ح ٥.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٣٠ ، التهذيب ٥ : ١٣١.

(٣) الجواهر ١٩ : ٣٩٢.

(٤) المدارك ٨ : ١٨٨.

(٥) الوسائل ١١ : ٢١٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢.

٣٤٨

ولكن [١] عليهم أن يحرموا للحج ثم يطوفون (١).

______________________________________________________

إلى مكة في وجوههنّ ويطفن بالبيت ويسعين بين الصفا والمروة» الحديث (١).

وقد تقدّم قريباً أخبار كثيرة ذكر فيها أنه يزور البيت يوم النحر أو من غده أو يزور البيت إلى آخر يوم من أيام التشريق أو إلى طول ذي الحجّة (٢) وأيضاً ورد في النصوص عدم تقديم الطّواف على أعمال منى : الرمي والذبح والحلق كما ذكرنا كل ذلك في محله ، فمن جميع ذلك يعلم أن المرتكز هو تأخير الطّواف عن الوقوفين بل عن أعمال مني ، فيكون الترجيح للأخبار المانعة ، لكونها موافقة للسنة ، فلا بدّ من طرح الأخبار المجوّزة وردّ علمها إلى أهلها.

مضافاً إلى أنه لو كان التقديم جائزاً مع كون المسألة مما يبتلى به كثيراً لظهر الحكم بالجواز وبان وشاع ، مع أنه ادعي الإجماع على المنع ولم يذهب إلى الجواز إلّا بعض متأخري المتأخرين ، فالتقديم غير جائز اختياراً وإنما يجوز للعاجز ولذي الأعذار.

(١) وذلك لأنّ طواف الحج لا بدّ من صدوره بعد التلبية والإحرام للحج ، فقبل التلبية والإحرام للحج لا يصح منه طواف الحج.

ويظهر ذلك أيضاً من الروايات المجوّزة لتقديم الطّواف المحمولة على الجواز لذي الاعذار كصحيح عبد الرحمن «عن الرجل يتمتع ثم يهل بالحج فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه إلى منى ، فقال : لا بأس» (٣).

ونحوه صحيح علي بن يقطين (٤) ويؤيد بخبر علي بن أبي حمزة الصريحة في ذلك «فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهل بالحج من مكانها» (٥).

__________________

[١] قوله «ولكن ...» هذه الجملة غير موجودة في المناسك ط ١٢.

(١) الوسائل ١٤ : ٢٨ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧ ح ٢. وفي نسخة «ويمضين» بدل «ثم يمضين».

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٤٣ / أبواب زيارة البيت ب ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٨٠ / أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٢.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٨٠ / أبواب أقسام الحج ب ١٣ ح ٣.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤١٦ / أبواب الطّواف ب ٦٤ ح ٥.

٣٤٩

والإتيان بالسّعي في وقته ، والأحوط تقديم السّعي أيضاً وإعادته في وقته (١) والأولى إعادة الطّواف والصلاة أيضاً مع التمكّن في أيام التشريق أو بعدها إلى آخر ذي الحجة (٢).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنه لا يجوز تقديم الطّواف والسعي على الوقوفين للمختار ، وإنما يجوز تقديم الطّواف للعاجز كالشيخ الكبير والمريض والمرأة التي تخاف الحيض ، وهل يختص جواز التقديم بالطواف كما في النصوص أو يعم للسعي أيضاً؟ ظاهر المشهور جواز تقديمهما معاً للمريض والعاجز.

ولا يخفى أن ما ذكروه إنما يتم بناء على تقييد الأخبار المجوّزة المطلقة بصورة العجز وحملها عليها ، لأن تلك الأخبار المجوّزة جوزت تقديمهما معاً على الوقوفين ، فاذا حملناها على صورة العجز من باب حمل المطلق على المقيد فالنتيجة جواز تقديمهما في صورة العذر.

ولكن قد عرفت أن تلك الأخبار المطلقة المجوّزة مطروحة لمخالفتها للسنة ، فالمتبع حينئذ الأخبار المجوزة لذي الأعذار والمذكور فيها خصوص الطّواف ، فاللازم الاقتصار على جواز تقديم الطواف دون السعي فيقدم الطّواف ، وأمّا السعي فيؤتى به في وقته لعدم الزحام فيه ، بخلاف الطّواف فان فيه الزحام للإتيان به تطوعاً أيضاً بخلاف السعي فإنه لا تطوع فيه والقادم لا يسعى إلّا مرة واحدة ، وأمّا الطّواف فيستحب الإتيان به مكرراً والإكثار فيه. على أن السعي لا تعتبر فيه الطهارة ويمكن صدوره من الحائض بخلاف الطّواف الذي تعتبر فيه الطهارة.

وبالجملة فالحكم بجواز التقديم يختص بالطواف ، ولكن الأحوط تقديم السعي أيضاً خروجاً عن مخالفة المشهور وإعادته في وقته.

(٢) لو قدّم الخائف أو العاجز كالشيخ الكبير وتمكن بعد ذلك من الطّواف فهل تجب عليه الإعادة أو يجتزئ بما تقدم؟

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر هو الاجتزاء وعدم لزوم الإعادة ، لأن الحكم بجواز التقديم حكم واقعي لا ظاهري حتى لا يجتزئ به عند انكشاف الخلاف ، فان الموضوع للترخيص هو الخائف والشيخ الكبير العاجز والمفروض تحقق ذلك خارجاً فلا موجب للإعادة.

يبقى الكلام في الوقت الذي بخوف فوته يجوز التقديم ، هل هو يوم النحر أو إلى آخر أيام التشريق أو إلى آخر ذي الحجة؟ يعني مناط التعذر الموجب لجواز تقديم الطّواف هل كونه متعذراً من الطّواف في خصوص يوم النحر ، أو إلى آخر أيام التشريق ، أو إلى طول ذي الحجة؟

لم أر من تعرّض لذلك سوى شيخنا النائيني (قدس سره) فإنه ذكر في مناسكه أن مناط التعذر هو كونه متعذراً إلى آخر أيام التشريق ، لا خصوص يوم النحر ولا مطلقاً فلو علم بالتمكن من الطّواف في أواخر ذي الحجة وبعد أيام التشريق يجوز التقديم فلا خصوصية ليوم النحر ولا إطلاق له إلى آخر ذي الحجة ، فإذا علم بعدم التمكّن من الطّواف في أيام التشريق يجوز له تقديمه وإن علم بالتمكّن من الطّواف بعد أيام التشريق (١).

ولم يظهر لما ذكره وجه ، فإنه (عليه الرحمة) استشكل في امتداد وقت الطّواف اختياراً إلى طول ذي الحجة ، وهنا ذكر بنحو الجزم أن مناط التعذر الموجب لجواز التقديم كونه متعذراً في أيام التشريق ، مع أن ذلك يبتني على مسألة امتداد وقت الطّواف اختياراً ، فان قلنا بالامتداد إلى آخر ذي الحجة فتعذر وقوعه في آخر ذي الحجة يوجب جواز التقديم ، وإن قلنا بأن وقت الطّواف آخر أيام التشريق فعدم تمكنه من الإتيان به في تلك الأيام يجوّز التقديم ، فلا وجه للإشكال هناك أي في امتداد أصل وقت الطّواف والجزم هنا بأن مناط التعذر الموجب لجواز التقديم تعذره في أيام التشريق.

واحتمل بعضهم أن الوجه لما ذكره هنا ما يستفاد من رواية يحيى الأزرق المتقدمة (٢) لأن خبر الأزرق جوّز التقديم لخائفة الحيض قبل يوم النحر ، فاذا كان حيضها ثلاثة

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٤١٩.

(٢) في ص ٣٤٧.

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

أيام يصادف أيام حيضها أيام التشريق ، فيعلم أن العبرة بخوف فوت الطّواف في أيام التشريق.

وفيه : أنه لا دلالة فيها على ما ذكر بوجه ، فان المراد بقوله : «وخافت الطمث قبل يوم النحر» ليس المراد به حدوث الحيض من يوم النحر ليصادف حيضها أيام التشريق بل المراد أنها حائض في يوم النحر ولو بسبق حيضها قبل يوم النحر بيوم أو يومين فالمقصود أن المرأة حائض يوم النحر ، وإنما قيد بيوم النحر لأنها لو لم تكن حائضاً يوم النحر لكانت متمكنة من الطّواف يوم النحر وليس لها الطّواف قبل ذلك. ويؤكد ما ذكرنا جواب الإمام (عليه السلام) «إذا خافت أن تضطر إلى ذلك فعلت» إذ يعلم من ذلك أن الموضوع لجواز التقديم هو الاضطرار.

وبالجملة لا شاهد في الرواية أن ابتداء حيضها من يوم النحر ليصادف حيضها أيام التشريق ، بل الظاهر منها كون المرأة حائضاً يوم النحر ولو بسبق حيضها. فالمراد بعدم التمكن من الطّواف عدم التمكن منه في مجموع الوقت ولو بعد أيام التشريق ، فلو علم بالتمكن من الطّواف في أواخر ذي الحجة لا يجوز له التقديم. فالتحديد بأيام التشريق لا وجه له أصلاً.

هذا كله في طواف الحج وسعيه ، وأمّا طواف النساء فهل يجوز تقديمه أم لا؟

لم يدل دليل على جواز تقديمه ، والنصوص المتقدمة خالية عن ذلك ، فان وقته ممتد بل لا وقت له وإنما هو واجب مستقل يؤتى به في أيّ وقت شاء ولو بعد ذي الحجة ولو فرض عدم تمكنه منه أصلاً يستنيب. نعم يجوز تقديمه للخائف على نفسه من دخول مكة فيمضي بعد أعمال منى إلى بلده أو إلى حيث أراد ، ولا يجب عليه دخول مكة ، وذلك للنص وهو صحيح علي بن يقطين «لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك من خاف أمراً لا يتهيّأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودع البيت ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفاً» (١).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤١٥ / أبواب الطّواف ب ٦٤ ح ١.

٣٥٢

مسألة ٤١٣ : يجوز للخائف على نفسه من دخول مكة أن يقدّم الطّواف وصلاته والسّعي على الوقوفين ، بل لا بأس بتقديمه طواف النساء أيضاً فيمضي بعد أعمال منى إلى حيث أراد (١).

مسألة ٤١٤ : من طرأ عليه العذر فلم يتمكن من الطّواف كالمرأة التي رأت الحيض أو النفاس ولم يتيسر لها المكث في مكة لتطوف بعد طهرها ، لزمته الاستنابة للطواف ثم السّعي بنفسه بعد طواف النائب (٢).

مسألة ٤١٥ : إذا طاف المتمتع وصلى وسعى حل له الطيب وبقي عليه من المحرمات النساء بل الصيد أيضاً على الأحوط. والظاهر جواز العقد له بعد طوافه وسعيه ولكن لا يجوز له شي‌ء من الاستمتاعات المتقدمة على الأحوط وإن كان الأظهر اختصاص التحريم بالجماع (٣).

______________________________________________________

(١) قد قدّمنا حكم هذه المسألة فلا نعيد ، وقد عرفت من أن تقديم طواف النساء مختص بالخائف على نفسه من دخول مكة وأمّا غيره فلا يجوز له التقديم.

(٢) المستفاد من النصوص الواردة في الطّواف (١) أن الطّواف له مراتب ثلاث لا ينتقل الفرض إلى المرتبة اللّاحقة إلّا بعد العجز عن السابقة ، الاولى : أن يطوف المكلف بنفسه مباشرة. الثانية : أن يطاف به بأن يحمله الإنسان فيطاف به. الثالث : أن يستنيب شخصاً ليطوف عنه ، ومن مصاديق ذلك المرأة الحائض التي لم يتيسر لها الطّواف ، فان تمكنت من البقاء في مكة إلى آخر ذي الحجة وجب عليها البقاء لتطوف بنفسها ، وإن لم تتمكن من البقاء فاللازم عليها الاستنابة. وأمّا الطّواف بها فلا يمكن أيضاً لعدم جواز دخولها المسجد ، وأمّا السعي فحيث لا تعتبر فيه الطهارة فالواجب عليها السعي بنفسها بعد طواف النائب.

(٣) مواطن التحلّل ثلاثة :

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٨٩ / أبواب الطّواف ب ٤٧ ، ٤٩.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : عقيب الحلق وبه يتحلّل من أكثر المحرمات إلّا الطيب والنساء كما في الروايات (١).

الثاني : بعد طواف الحج وصلاته والسعي فإنه يحل له الطيب. وعن العلّامة في المنتهي حلية الطيب بالطواف وعدم توقف حل الطيب على السعي (٢) وعن كاشف اللثام أنه لا يتوقف على صلاة الطّواف وإنما يحل بالطواف والسعي وإن لم يصل صلاة الطّواف كما إذا تركها نسياناً فسعى فإنه يحل له الطيب حينئذ ، لإطلاق النص وعدم ذكر للصلاة في النصوص (٣).

ولكن الظاهر توقف حلية الطيب على الطّواف وصلاته والسعي الواقع بعد الطّواف أمّا توقفه على السعي فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار «فاذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلّا النساء» (٤).

وأمّا توقفه على صلاة الطّواف فيدل عليه ما دلّ على توقفه على الطّواف لاندارج صلاته فيه. وأمّا عدم التصريح بذكرها في النصوص فامّا لأجل تبعية الصلاة للطّواف وذكر الطّواف مغن عن ذكرها ، وإما لأن السعي متوقف على صلاة الطّواف ولا يجوز تقديمه على الصلاة ، ويكفينا في توقف حلية الطيب على الطّواف وصلاته والسعي صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار «ثم طف بالبيت سبعة أشواط ... ثم صل عند مقام إبراهيم ركعتين ... ثم اخرج إلى الصفا فاصعد عليه ... ثم ائت المروة فاصعد عليها وطف بينهما سبعة أشواط ... فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي‌ء أحرمت منه إلّا النساء» (٥) فلو كان في البين إطلاق فيقيد بهذه الصحيحة الدالة على توقف حلية الطيب على الأُمور الثلاثة.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٣٢ / أبواب الحلق ب ١٣ ح ١ وغيره.

(٢) المنتهي ٢ : ٧٦٦ السطر ١٥.

(٣) كشف اللثام ١ : ٣٧٦ السطر ٢٢.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٣٢ / أبواب الحلق ب ١٣ ح ١.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٤٩ / أبواب زيارة البيت ب ٤ ح ١ وغيره.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤكد ذلك معتبرة سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليه السلام) قال : «إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعاً فطاف وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) وسعى بين الصفا والمروة (وقصر) فقد حل له كل شي‌ء ما خلا النساء» (١) والرواية معتبرة ، فإن سليمان بن حفص وإن لم يرد فيه توثيق في كتب الرجال ولكنه من رجال كامل الزيارات.

إنما الكلام في متنه ، لأن الشيخ رواها في التهذيب مع كلمة «وقصر» (٢) وذلك شاهد على أن مورد الرواية هو العمرة ، لأن الحج ليس فيه تقصير بعد السعي ، فتكون الرواية أجنبية عما نحن بصدده. مضافاً إلى أنه غير معمول بها عند جميع الأصحاب لأن العمرة المتمتع بها ليس فيها طواف النساء ، ولكن الشيخ في التهذيب حملها على الحج ، لقوله : فان عليه لتحلة النساء طوافاً وصلاة ، لأن العمرة التي يتمتع بها إلى الحج لا يجب فيها طواف النساء. ورواها الشيخ في الاستبصار (٣) بدون قوله : «وقصر» فيكون موردها الحج.

والذي أظن أن كلمة «قصر» لم تكن ثابتة في الأصل ، وإنما أثبتها النسّاخ ولذا حملها الشيخ على الحج في التهذيب ، فلم يعلم أن الشيخ ذكر كلمة «قصر» وكيف كان تدل الرواية على توقف حلية الطيب على الطّواف وصلاته والسعي ، فتكون الرواية مؤكدة لما ذكرنا.

وأمّا الصيد الإحرامي فقد تقدم أنه لا يحل إلى الظهر من اليوم الثالث عشر وإن طاف وسعى لدلالة النص على ذلك (٤).

التحلّل الثالث : إذا طاف طواف النساء حل له النساء بلا إشكال ، وإنما وقع

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٤٤ / أبواب الطّواف ب ٨٢ ح ٧.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٢ / ٥٤٤.

(٣) الاستبصار ٢ : ٢٤٤ / ٨٥٣.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٧٩ / أبواب العود إلى منى ب ١١ ، ٢٣٩ / أبواب الحلق ب ١٦.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الكلام في المراد بتحريم النساء ، فهل هو جميع الاستمتاعات منها أو خصوص المقاربة؟

ففي القواعد وشرحها أن المراد بها الوطء وما في حكمه من التقبيل والنظر واللمس بشهوة ، دون العقد عليها وإن حرم بالإحرام (١) وعن الشهيد حرمة العقد عليهن أيضاً بل المفهوم منه حرمة الإشهاد (٢).

أقول : أمّا بالنسبة إلى العقد والإشهاد ، فلا ينبغي الريب في الجواز ، لأن المتفاهم من النساء هو الاستمتاعات منهن ، فالظاهر جواز العقد له بعد الحلق.

ودعوى أن مقتضى الاستصحاب حرمة العقد أيضاً ، لأنه قد حرم بالإحرام ونشك في زواله بعد طواف الحج وقبل طواف النساء ، والأصل بقاؤه.

مدفوعة : أوّلاً بأنه من الاستصحاب في الأحكام الكلية ولا نقول به كما حقق في محله (٣).

وثانياً : بأنه يكفي في رفع اليد عن ذلك صحيحة الفضلاء لقوله : «إلّا فراش زوجها» (٤) فإنه يدل على أنه لو طاف طواف الحج وسعى يحل له كل شي‌ء إلّا فراش زوجها المراد به الوطء خاصة ، ولا شك أن فراش زوجها لا يشمل العقد ولا الإشهاد عليه قطعاً ، وسيأتي أن حلية العقد بل الاستمتاعات لا تتوقف على طواف الحج وسعيه.

وأمّا بالنسبة إلى بقية الاستمتاعات كالتقبيل واللمس بشهوة فلا ريب في شمول النساء لذلك ، ولكن هذه الصحيحة كالصريحة في أن المحرم هو الجماع خاصة دون بقية الاستمتاعات ، فان المراد بفراش زوجها كناية عن المقاربة فإنها تحتاج إلى الفراش وأمّا بقية الاستمتاعات من التقبيل واللمس فلا تحتاج إلى الفراش.

ولا شك أن مجرّد النوم على فراش زوجها غير محرم عليها حتى في حال الإحرام

__________________

(١) لاحظ القواعد ٢ : ٤٢٢ ، جامع المقاصد ٣ : ١٧٧.

(٢) الدروس ١ : ٣٦٨.

(٣) مصباح الأُصول ٢ : ٢٣٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٤٨ / أبواب الطواف ب ٨٤ ح ١.

٣٥٦

مسألة ٤١٦ : من كان يجوز له تقديم الطّواف والسّعي إذا قدّمهما على الوقوفين لا يحل له الطيب حتى يأتي بمناسك منى من الرمي والذبح والحلق أو التقصير (١).

طواف النِّساء

الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج طواف النِّساء وصلاته (٢).

______________________________________________________

فالمراد بفراش زوجها هو الوطء خاصة.

وأمّا حلية بقية المحرمات حتى العقد والاستمتاع بهن بعد الحلق ، وعدم توقفها على طواف الحج وطواف النساء فيدل عليه صحيح الحلبي الآتي قريباً.

(١) إذا قدّم طواف الحج على الوقوفين أو طواف النساء لعذر من الأعذار فهل يجوز له الطيب أو النساء قبل إتيان أعمال مني أو يتحلل منهما بعد أعمال منى؟

الظاهر عدم التحلل منهما إلّا بعد مناسك منى ، لأن طواف الحج أو طواف النساء الذي يحل له الطيب أو النساء هو المترتب على أعمال منى لا مطلق الطّواف ولو تقدّم على الوقوفين.

(٢) لا ينبغي الريب في أصل وجوبه على جميع الحجاج إجماعاً بقسميه كما في الجواهر (١) ونصوصاً ، وهي كثيرة جدّاً.

منها : ما دل على أن حج التمتّع فيه ثلاثة أطواف أحدها طواف النساء ، وحج القران والإفراد فيهما طوافان كما في عدّة من النصوص المعتبرة أحدهما طواف النساء (٢).

ومنها : موثقة إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لولا ما منّ الله عزّ وجلّ على الناس من طواف النساء لرجع الرجل إلى أهله ليس يحل له أهله» (٣)

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ٤٠٥.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٢٩٨ / أبواب الطواف ب ٢ ح ٢.

٣٥٧

وهما وإن كانا من الواجبات إلّا أنهما ليسا من نسك الحج ، فتركهما ولو عمداً لا يوجب فساد الحج (١).

______________________________________________________

فإنها واضحة الدلالة على أن وجوبه لأجل تحلة النساء ، ولو كان جزءاً للحج وجب عليه الإتيان به حلت به النساء أم لا ، فيعلم أنه لا مانع من حيث الحكم الوضعي من الرجوع إلى البلد بدون طواف النساء إلّا من حيث حلية النساء ، فكأنه فرض لهم جواز الرجوع اختياراً ولكن لا تحل لهم النساء.

والحاصل : طواف النساء وإن كان يجب الإتيان به ولا يجوز له تركه بالمرة ، ولكن يظهر من الرواية أن وجوبه ليس بملاك وجوب الإتيان بأعمال الحج وأجزائه ، بل لأجل تحلة النساء.

(١) تدل على ذلك جملة من النصوص :

منها : صحيحة معاوية بن عمار «وعليه طواف بالبيت إلى أن قال وطواف بعد الحج وهو طواف النساء» (١).

ومنها : صحيحة أُخرى له «وطواف بعد الحج وهو طواف النساء» (٢).

ومنها : صحيحة الحلبي «وطواف بالبيت بعد الحج» (٣).

فان المستفاد من هذه النصوص أن هذا الطّواف ليس من الحج وإنما يؤتى به بعد أعمال الحج ، فهو واجب مستقل وعمل مرتبط بالحج ، وإنما اللازم إتيانه بعد أعمال الحج والفراغ منه ، ولو كان جزءاً من الحج فلا يقال «وطواف بعد الحج» فان هذا التعبير كالصريح في أنه ليس من الحج وإنما هو واجب في نفسه.

وممّن صرّح بذلك صاحب الجواهر (٤) قال (قدس سره) هو غير ركن فلا يبطل

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢١٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٢١ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٢.

(٣) الوسائل ١١ : ٢١٨ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٦.

(٤) الجواهر ١٩ : ٣٧٢.

٣٥٨

مسألة ٤١٧ : كما يجب طواف النِّساء على الرِّجال يجب على النِّساء ، فلو تركه الرّجل حرمت عليه النِّساء ، ولو تركته المرأة حرم عليها الرِّجال (١).

______________________________________________________

النسك بتركه حينئذ من غير خلاف كما عن السرائر ، لخروجه عن حقيقة الحج واستدلّ بصحيح الحلبي المتقدم وبصحيح الخزاز الوارد في الحائض التي لم تطف طواف النساء ولا ينتظرها جمالها فقال : «تمضي فقد تم حجها» (١) وفي السرائر : الثالث : طواف النساء فهو فرض وليس بركن ، فان تركه متعمداً لم تحل له النساء حتى يقضيه ولا يبطل حجته (٢).

(١) لإطلاق النصوص وخصوص بعض الروايات منها : صحيحة الفضلاء المتقدمة (٣) الواردة في المرأة المتمتعة. وفي صحيح علي بن يقطين «عن الخصيان والمرأة الكبيرة أعليهم طواف النساء؟ قال : نعم عليهم الطّواف كلّهم» (٤) فان المستفاد منه وجوبه على كل أحد حتى على القواعد من النساء أو الذي لا يرغب إلى النكاح وليس من شأنه الاستمتاع. وفي معتبرة إسحاق بن عمار «وذلك على الرجال والنساء واجب» (٥).

ويظهر من ذلك كلّه وجوبه على الخناثي ، لأنهم إما رجال أو نساء. مضافاً إلى ما دل على أن حج التمتّع فيه ثلاثة أطواف ، منها طواف النساء ، وذلك لا يفرق بين كون الحاج رجلاً وامرأة أو خناثي ، فان المستفاد من هذه النصوص أن طواف النساء من خواص الحج وآثاره من دون نظر إلى من يصدر منه الحج.

فتحصل : أن المستفاد من النصوص أنه لو لم يأت بطواف النساء حرم عليه من

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٢ / أبواب الطّواف ب ٨٤ ح ١٣.

(٢) السرائر ١ : ٦١٧.

(٣) في ص ٣٥٦.

(٤) الوسائل : ١٣ : ٢٩٨ / أبواب الطّواف ب ٢ ح ١.

(٥) الوسائل ١٣ : ٢٩٩ / أبواب الطّواف ب ٢ ح ٣.

٣٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

النساء خصوص الجماع ، وأمّا بقية الاستمتاعات فتحل له.

وأمّا بالنسبة إلى ما بعد الحلق أو التقصير فمقتضى إطلاق النساء حرمة بقية الاستمتاعات ، ولكن مقتضى صحيح الحلبي جواز الاستمتاعات بعد الحلق ، وبقاء حرمة الجماع خاصة ، فقد روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح ، فقال : ربما آخرته حتى تذهب أيام التشريق ، ولكن لا تقربوا النساء والطيب» (١) فان الظاهر من قرب النساء هو الجماع كما في قوله تعالى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ) (٢) فيعلم أن الممنوع بعد الحلق إنما هو الجماع والطيب وأمّا بقية المحرمات فتحل بعد الحلق حتى العقد عليهن والاستمتاعات بهنّ.

بقي هنا شي‌ء : وهو أنه ورد في صحيح معاوية بن عمار وجوب الكفارة على من قبّل امرأته قبل طواف النساء ، فيعلم من ذلك حرمة بقية الاستمتاعات قبل طواف النساء ، وإلّا لو كانت جائزة لم تثبت فيها الكفارة ، قال : «سألته عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء ولم تطف هي ، قال : عليه دم يهريقه من عنده» (٣).

والجواب عن ذلك : أنه لا عامل بهذه الرواية أصلاً ولم يقل أحد من الفقهاء بلزوم الكفارة على المُحل وإن كانت المرأة بعد لم تطف طواف النساء.

وقال الشيخ صاحب الجواهر في ذيل هذه الصحيحة : ولم يحضرني أحد عمل به على جهة الوجوب ، فلا بأس بحمله على ضرب من الندب ، لأن الفرض كونه قد أحل فلا شي‌ء عليه إلّا الإثم إن كان (٤).

وفي المختلف : قال المفيد وسلار : من قبّل امرأته وقد طاف طواف النساء وهي لم تطف وهو مكره لها فعليه دم ، فان كانت مطاوعة فالدم عليها دونه ، ولم يذكر الشيخ

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٣٣ / أبواب الحلق ب ١٣ ح ٦.

(٢) البقرة ٢ : ٢٢٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٣٩ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٢.

(٤) الجواهر ٢٠ : ٣٩١.

٣٦٠