موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

أيّام أو ستّة ، فقد ذهب المشهور إلى البطلان في هذا القسم وأن عليها الاستئناف خلافاً للصدوق (قدس سره) (١) ، فإنّه ذهب إلى الصحّة وأنّها تعتد بالأشواط السابقة وعليها الإتمام بعد الطهر ، بل ذهب إلى الصحّة حتّى إذا طرأ الحيض قبل الشوط الرابع ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الروايات ، فقد استدلّ للمشهور بعدّة روايات :

منها : ما رواه الصدوق عن إبراهيم بن إسحاق عمّن سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثمّ طمثت ، قال : تتم طوافها إلى أن قال وإن هي لم تطف إلّا ثلاثة أشواط فلتستأنف الحج» (٢).

رواه الشيخ باختلاف يسير عن إبراهيم بن أبي إسحاق عن سعيد الأعرج كما في التهذيب (٣). وعن إبراهيم عن أبي إسحاق عمّن سأل أبا عبد الله (عليه السلام) كما في الاستبصار (٤) ، فإنّها تدل على فساد الأشواط الثلاثة وعدم جواز إتمامها بالأشواط الأربعة بعد الطهر ، كما أنّ التعليل بقوله : «لأنّها زادت على النصف» تدل على البطلان قبل التجاوز من النصف.

والرواية ضعيفة على كلا الطريقين بإبراهيم الواقع في السند ، فإنّه إن كان هو النهاوندي الأحمري فهو ضعيف ، وإن كان غيره فهو مجهول ، مضافاً إلى الإرسال في طريق الصدوق ، وإلى وقوع محمّد بن سنان في طريق الشيخ.

ومنها : ما رواه الشيخ عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ قال «حدثني من سمع أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثمّ حاضت فمتعتها تامّة وتقضي ما فاتها من الطّواف» (٥) ورواه الكليني بطريق آخر عن إسحاق بيّاع اللؤلؤ (٦).

__________________

(١) تقدّم مصدره في الصفحة السابقة.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٥٥ / أبواب الطّواف ب ٨٥ ح ٤ ، الفقيه ٢ : ٢٤١ / ١١٥٥.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٩٣ / ١٣٧١.

(٤) الاستبصار ٢ : ٣١٣ / ١١١٢.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٥٦ / أبواب الطّواف ب ٨٦ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٣٩٣ / ١٣٧٠.

(٦) الكافي ٤ : ٤٤٩ / ٤.

٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

والرواية بمفهومها تدل على فساد متعتها إذا كان الطّواف أقل من الأربعة. ولكنّها ضعيفة بالإرسال وبإسحاق أو بأبي إسحاق صاحب أو بيّاع اللؤلؤ.

على أن مورد الرواية ما إذا لم تتمكن الحائض من استئناف الطّواف قبل الحج وكلامنا في من تمكنت من الاستئناف.

ومنها : ما رواه الكليني عن أحمد بن محمّد عمن ذكره عن أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن امرأة طافت خمسة أشواط ثمّ اعتلت قال : إذا حاضت المرأة وهي في الطّواف بالبيت أو بالصفا والمروة وجاوزت النصف علمت ذلك الموضع الّذي بلغت ، فإذا هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطّواف من أوّله» (١).

ومنها : رواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا حاضت المرأة وهي في الطّواف بالبيت وبين الصفا والمروة فجاوزت النصف فعلمت ذلك الموضع ، فاذا طهرت رجعت فأتمت بقية طوافها من الموضع الّذي علمته ، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطّواف من أوّله» (٢).

وهما وإن كانتا واضحتي الدلالة على فساد الطّواف إذا طرأ الحيض قبل الأربعة أشواط وقبل التجاوز من النصف ، وليس موردها عدم التمكن من الاستئناف ، ولكنهما ضعيفتان سنداً ، أمّا الأُولى فبالإرسال والثانية بسلمة بن الخطاب. فاذن لا مدرك للمشهور.

وأمّا الصدوق فلم يذكر إلّا مرسلة إبراهيم بن إسحاق المتقدمة وصحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثمّ رأت دماً ، فقال : تحفظ مكانها ، فاذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى» (٣) ثمّ قال (قدس سره) : وبهذا الحديث افتي لأنّه رخصة ورحمة وإسناده

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٤ / أبواب الطّواف ب ٨٥ ح ٢ ، الكافي ٤ : ٤٤٩ / ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٥٣ / أبواب الطّواف ب ٨٥ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٥٤ / أبواب الطّواف ب ٨٥ ح ٣.

٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

متصل ، وأمّا الحديث الأوّل أي مرسل إبراهيم بن إسحاق فإسناده منقطع (١).

فمذهب الصدوق هو الصحّة سواء حاضت المرأة بعد النصف أو قبله اعتماداً على صحيح ابن مسلم.

وقد ذكر الشيخ هذه الصحيحة وقال إنّها محمولة على النافلة (٢) لما تقدّم منه (٣) ، أن طواف الفريضة متى نقص عن النصف يجب على صاحبه استئنافه من أوّله ويجوز له في النافلة البناء عليه.

وتوضيح ما ذكره الشيخ : انّه قد تقدّم (٤) انّه متى نقص طواف الفريضة عن النصف وأحدث الطائف وخرج ليتوضأ بطل طوافه.

وإذا كان بعد النصف اعتد بما مضى وبنى عليه والمسألة غير خلافية.

وذكرنا أنّ ذلك كثير الابتلاء والتحقق في الخارج فإذا بطل الطّواف بالحدث الأصغر يبطل بالحيض بالأولوية القطعية فإنّه لا يقصر عن النوم أو الريح ، على أنّ الفصل بالحيض لا يخلو من سائر الأحداث.

مضافاً إلى ذلك أنّه يكفي في البطلان عدم التوالي والفصل الكثير بين الأشواط لأنّ الحيض أقلّه ثلاثة أيّام ، فالروايات الدالّة على بطلان الطّواف بالحدث تكون قرينة على حمل هذه الصحيحة على طواف النافلة ، فما ذكره الشيخ من الحكم بالبطلان هو الصحيح.

المسألة الثانية : نفس المسألة السابقة مع عدم سعة الوقت لإتمام الطّواف أو استئنافه وهذه المسألة تدخل في المسألة الّتي تقدّمت وهي ما إذا حاضت المرأة قبل الإحرام ولا تتمكّن من الطّواف إلى أن يبلغ زمان الحج ، وظاهر كلام الصدوق هو الصحّة والاعتداد بما مضى حتّى في هذه الصورة ، فإنّ الظاهر من ذكره صحيح ابن

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٤١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٩٧ / ١٣٨٠.

(٣) في التهذيب ٥ : ١١٧ بَعد الحديث ٣٨٣.

(٤) في ص ٦.

٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

مسلم والإفتاء بمضمونه وعدم العمل بمرسلة إسحاق هو الحكم بالإتمام والاعتداد في كلتا الصورتين ، كانت متمكنة من الإتمام أم لا.

ولكن لا يخفى أنّه لا يمكن الالتزام بما ذكره أصلاً حتّى لو فرضنا ورود صحيح ابن مسلم في طواف الفريضة ، فإن غاية ما يستفاد من الصحيحة عدم مانعية الحيض وعدم اعتبار التوالي بين الأشواط ، وأمّا جواز الإتمام حتّى بعد أعمال الحج فلا يستفاد منها ، بل ذلك يحتاج إلى دليل آخر.

وبعبارة اخرى كلامنا في مقامين : أحدهما : في مانعية الحيض. ثانيهما : في جواز التبعيض وعدم التوالي ، ولا يستفاد الثاني من صحيح ابن مسلم ، بل تدخل المسألة في مسألة عدم تمكّن الحائض من الطّواف برأسه ، فلو وافقنا الصدوق في الصورة الأُولى وهي تمكن الحائض من الإتمام لا نوافقه في هذه الصورة وهي عدم تمكنها من الإتمام.

المسألة الثالثة : ما إذا طرأ الحيض بعد أربعة أشواط.

المعروف بينهم أن عمرتها تامّة ، لأنّ الحيض حدث بعد تجاوز النصف فتأتي بالبقيّة بعد الطّهر ، واستدلّوا بالروايات المتقدمة (١) كرواية إبراهيم بن إسحاق وأحمد بن عمر الحلال ، ولكن قد عرفت أنّ الروايات كلّها ضعيفة ، فإن قلنا بالانجبار فهو ، وإلّا فتدخل المسألة في المسألة المتقدمة ، وهي ما إذا حاضت المرأة قبل الطّواف ، فنقول : إنّ الوقت إذا كان واسعاً كما لو فرضنا أنّ المرأة حاضت في شهر ذي القعدة ، فالأحوط لها أن تجمع بين الاستئناف لحصول الفصل وعدم التوالي وبين الإتمام ، ولها أن تأتي بطواف كامل تنوي به الأعم من التمام والإتمام ، ولا تصل النوبة إلى العدول إلى الإفراد.

وأمّا إذا ضاق الوقت فالمشهور أيضاً الصحّة ، فتتم طوافها بعد أعمال الحج والرجوع إلى مكّة ، ولكنّ الأظهر هو البطلان وتدخل المسألة أيضاً في المسألة السابقة ، وهي ما إذا حاضت بعد الإحرام ولم تتمكّن من الإتيان بالعمرة قبل الحج.

والمختار عندنا فيها هو التخيير بين أن تعدل إلى الإفراد وبين أن تسعى وتقصّر

__________________

(١) في ص ٢١ ، ٢٢.

٢٤

مسألة ٢٩٢ : إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطّواف وقبل الإتيان بصلاة الطّواف صحّ طوافها وأتت بالصلاة بعد طهرها واغتسالها ، وإن ضاق الوقت سعت وقصّرت وقضت الصلاة قبل طواف الحج (١).

______________________________________________________

وتقضي الطّواف بعد أداء مناسك الحج ، والأحوط لها هو الإتمام والاستئناف على النحو الّذي مرّ.

(١) هذه هي الصورة الثالثة ، وهي طروء الحيض بعد الفراغ من الطّواف ، وقد حكم فيها بالصحّة ، إذ لا موجب لبطلانه بالحيض اللّاحق ، فإنّه بعد ما قيل بأن حدوث الحيض بعد أربعة أشواط لا يوجب البطلان وتكمل بقية الأشواط بعد أعمال الحج ، فجواز تأخيرها الصلاة أولى ، لأن كلّا منهما عمل مستقل ، وإن لم نقل بذلك كما هو الصحيح عندنا فمقتضى القاعدة أيضاً عدم البطلان ، إذ لا مقتضي لبطلانه بالحيض الطارئ بعده.

نعم ، يتحقق الفصل بين الطّواف والصلاة ، ولا مانع إذا كان بأمر غير اختياري ، كما إذا عجز من الصلاة كالمريض والكسير فتأتي بالصلاة بعد ارتفاع الحيض ، وإن لم يسع الوقت فتسعى وتقصّر وتأتي بالصلاة بعد أعمال الحج كما هو الحال في قضاء الطّواف.

وأمّا احتمال العدول إلى الإفراد فساقط جزماً ، لأنّ أدلّة العدول وردت في من لا يتمكّن من الطّواف لا الصلاة.

ويكفينا في الحكم المزبور صحيح زرارة قال : «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلِّي الركعتين ، فقال : ليس عليها إذا طهرت إلّا الركعتين وقد قضت الطّواف» (١).

ونحوها صحيح معاوية بن عمار (٢) فان مورده وإن كان حدوث الحيض قبل السعي ولكن إطلاقه يشمل قبل الصلاة وبعدها.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٨ / أبواب الطّواف ب ٨٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٥٩ / أبواب الطّواف ب ٨٩ ح ١.

٢٥

مسألة ٢٩٣ : إذا طافت المرأة وصلّت ثمّ شعرت بالحيض ولم تدر أنّه كان قبل الطّواف أو قبل الصلاة أو في أثنائها أو أنّه حدث بعد الصلاة ، بنت على صحّة الطّواف والصلاة (١) وإذا علمت أن حدوثه كان قبل الصلاة وضاق الوقت ، سعت وقصّرت وأخّرت الصلاة إلى أن تطهر وقد تمّت عمرتها.

______________________________________________________

ويؤيّدهما رواية أبي الصباح الكناني (١) والمستفاد منها أنّ الحيض غير ضائر بالاتصال ولا يوجب البطلان ، وقوله : «ليس عليها إلّا الركعتين» ظاهر في أنّ الطّواف طواف الفريضة.

بقي الكلام في أمرين :

أحدهما : أنّه لا فرق بين كون الحيض ظاهراً وبين كونه واقعياً مخفياً كأيّام الاستظهار ، فإنّ المرأة محكومة بالحيض في أيّام الاستظهار.

ثانيهما : ما ذكرناه للحائض من انقلاب حجتها إلى الإفراد أو تأخير الطّواف إلى ما بعد أعمال الحج وأداء المناسك مشروط بعدم تيقن المرأة ببقاء حيضها إلى زمان الخروج من مكّة ، وأمّا إذا علمت ببقاء حيضها إلى زمان الخروج من مكّة ، كما إذا حاضت في السابع من ذي الحجة وكانت عادتها عشرة أيّام وتعلم بأنّ القافلة لا تنتظرها هذا المقدار من الزمان ، فلا ريب في أنّها غير مشمولة للروايات الدالّة على تأخير الطّواف وقضائه بعد أعمال الحج أو على الانقلاب إلى الإفراد ، فإن موردها التمكن من قضاء الطّواف بعد الحج ، أو التمكن من إتيان العمرة المفردة والخروج إلى التنعيم ، فاذا علمت ببقاء الحيض إلى زمان لا يتمكّن من الطّواف ولا من الخروج إلى التنعيم للعمرة المفردة فاللّازم عليها الاستنابة ، وتدخل المرأة حينئذ في عنوان من لا يتمكّن من الطّواف برأسه كالمريض والكسير ونحوهما ، فتستنيب لجميع الطوافات الثلاثة.

(١) لقاعدة الفراغ ، لأنّها تشك في صحّة العمل السابق وعدمها ، ولو فرضنا أنّها

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٥٨ / أبواب الطّواف ب ٨٨ ح ٢.

٢٦

مسألة ٢٩٤ : إذا دخلت المرأة مكّة وكانت متمكنة من أعمال العمرة ولكنّها أخّرتها إلى أن حاضت حتّى ضاق الوقت مع العلم والعمد ، فالظاهر فساد عمرتها والأحوط أن تعدل إلى حجّ الافراد ولا بدّ لها من إعادة الحج في السنة القادمة (١).

مسألة ٢٩٥ : الطّواف المندوب لا تعتبر فيه الطهارة (٢) فيصح بغير طهارة ، ولكن صلاته لا تصح إلّا عن طهارة.

______________________________________________________

كانت غافلة حين العمل فالقاعدة لا تجري ، ولكن يجري استصحاب عدم الحيض.

وربّما يتوهّم معارضة استصحاب عدم الحيض باستصحاب عدم وقوع الطّواف أو الصلاة إلى زمان الحيض.

وفيه : أنّا قد ذكرنا في محله (١) أنّه لا مجال لهذا الاستصحاب ، لأن استصحاب عدم وقوع الطّواف إلى زمان الحيض لا يثبت وقوع الطّواف حال الحيض إلّا بالمثبت فلا أثر لهذا الاستصحاب ، فالاستصحاب الأوّل وهو استصحاب عدم الحيض جار بلا معارض ونحكم بالصحّة بضمّ الوجدان إلى الأصل ، فإنّ الطّواف متحقق في الخارج وجداناً والحيض مرتفع بالأصل.

(١) الظاهر فساد عمرتها في هذه الصورة ، وكذا كل من أخّر الطّواف عالماً عامداً حتّى ضاق الوقت ، وقد تقدّم (٢) أن أدلّة الانقلاب وأدلّة جواز تأخير الطّواف لا تشمل التأخير العمدي ، وإنّما تختص بالتأخير العذري ، فعليه الحج من قابل ، والأحوط العدول إلى الافراد وإعادة الحج في السنة القادمة كما في المتن.

(٢) للروايات المستفيضة منها : صحيحة محمّد بن مسلم «عن رجل طاف طواف الفريضة وهو على غير طهور ، قال : يتوضأ ويعيد طوافه ، وإن كان تطوّعاً توضأ

__________________

(١) راجع مصباح الأُصول ٣ : ١٥٠ التنبيه الثامن : الأصل المثبت.

(٢) في ص ٣.

٢٧

مسألة ٢٩٦ : المعذور يكتفي بطهارته العذرية كالمجبور والمسلوس ، أمّا المبطون فالأحوط أن يجمع مع التمكّن بين الطّواف بنفسه والاستنابة ، وأمّا المستحاضة فالأحوط لها أن تتوضأ لكل من الطّواف وصلاته إن كانت الاستحاضة قليلة وأن تغتسل غسلاً واحداً لهما وتتوضأ لكل منهما إن كانت الاستحاضة متوسطة وأمّا الكثيرة فتغتسل لكل منهما من دون حاجة إلى الوضوء إن لم تكن محدثة بالأصغر ، وإلّا فالأحوط ضمّ الوضوء إلى الغسل (١).

______________________________________________________

وصلّى ركعتين» (١) إذ لا صلاة إلّا بطهور ، ولم يرد في الطّواف ذلك ، بل يجوز للمجنب والحائض الطّواف فيما إذا كان دخولهما في المسجد أو اللبث فيه جائزاً لهما كموارد الضرورة والخوف من الخروج ، وإنّما لا يصح لهما الطّواف لحرمة الدخول عليهما ، ولو لم يكن الدخول أو اللبث محرماً لا دليل على مانعية الجنابة والحيض في الطّواف المندوب.

(١) الطهارة المعتبرة في الطّواف كالطهارة المعتبرة في الصلاة تشمل الطهارة الترابية والمائية بجميع مراتبها ، كالوضوء أو الغسل الاختياري منهما أو الجبيري مثل الكسير ونحوه.

نعم ، في خصوص المبطون كلام فقد ذكروا أنّه يستنيب في الطّواف وقال في الجواهر ولعل الفارق النص ، وإلّا فالقاعدة تقتضي جواز الاكتفاء بالطهارة الاضطرارية كسائر ذوي الأعذار (٢) ، ففي روايات عديدة عمدتها صحيحة معاوية بن عمار أنّ المبطون يرمي ويطاف عنه ، ويصلّى عنه (٣) ولا ريب أنّ الأحوط له أن يطوف بنفسه مع الطهارة الاضطرارية ، وأن يستنيب.

ولكن الظاهر كفاية طوافه بنفسه ، لأنّ الظاهر من النصوص هو المبطون غير

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٧٤ / أبواب الطّواف ب ٣٨ ح ٣.

(٢) الجواهر ٩٠ : ٢٧١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٩٤ / أبواب الطّواف ب ٤٩ ح ٦.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

القادر على الطّواف بنفسه كالمريض العاجز عن الطّواف بالمرة ، وذلك بقرينة عطف المبطون على الكسير في النص أوّلاً ، فإنّ المراد بالكسير هنا الّذي يطاف عنه ، من عجز عن الطّواف بالمرة ، ولا نحتمل أن يكون المراد به مطلق الكسير حتّى الّذي يتمكّن من الطّواف كمن كسرت يده ، وبقرينة عطف الرمي على الطّواف ثانياً مع أنّه لا يعتبر الطهارة في الرمي يعلم أنّ المراد بذلك من يعجز عن إتيان العمل ، بل ومن عطف الصلاة على الطّواف ثالثاً حيث يظهر أنّ المراد هو العاجز عن أداء الأعمال ، وإلّا فمطلق المبطون غير عاجز عن الصلاة.

ثمّ إن شيخنا الأُستاذ في مناسكه عطف المسلوس على المبطون (١) ، ولم يظهر لنا وجهه ، فانّ المذكور في الروايات هو المبطون ، فالواجب على المسلوس أن يعمل بوظيفته المقررة له وطهارته العذرية كافية.

وأمّا المستحاضة فلا شك في أنّه يجب عليها الطّواف ، إذ لا مانع لها من الدخول في المسجد بعد أن تعمل بوظيفتها المقرّرة لها ، وأمّا بالنسبة إلى اعتبار الطهارة في طوافها فقد ورد في صحيح عبد الرّحمن بن أبي عبد الله قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المستحاضة أيطؤها زوجها وهل تطوف بالبيت؟ إلى أن قال وكل شي‌ء استحلّت به الصلاة فليأتها زوجها ولتطف بالبيت» (٢) فانّ المستفاد منه أنّ الطهارة المعتبرة في الطّواف بعينها هي الطهارة المعتبرة في الصلاة ، وأن ما يستحل به الصلاة يستحل به الطّواف ، وأنّ الطّواف كالصلاة في الحاجة إلى الطهارة ، فلا يجوز لها الإتيان بالطواف بلا طهارة من الوضوء أو الغسل ، وحيث إنّ المستحاضة على أقسام وكيفية طهارتها مختلفة ، فاللّازم عليها إتيان ما عليها من الوظائف المقررة لها في كل قسم لأجل الطّواف وصلاته ، فان كانت قليلة فتتوضأ لكل من الطّواف والصلاة.

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٢٤٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٦٢ / أبواب الطّواف ب ٩١ ح ٣.

٢٩

الثالث من الأُمور المعتبرة في الطّواف : الطهارة من الخبث ، فلا يصح الطّواف مع نجاسة البدن أو اللباس ، والنجاسة المعفو عنها في الصلاة كالدم الأقل من الدرهم لا تكون معفواً عنها في الطّواف على الأحوط (١).

______________________________________________________

وأمّا المتوسطة فتغتسل غسلاً واحداً لهما وتتوضأ لكل منهما ، وإن كانت كثيرة فتغتسل لكل من الطّواف والصلاة ولا حاجة إلى الوضوء إن لم تكن محدثة بالأصغر وإلّا فتتوضأ أيضاً بناءً على المشهور ، ولكن على المختار عندنا فلا حاجة إلى الوضوء لإغناء كل غسل عن الوضوء ، وإن كان الأحوط ضمّ الوضوء إلى الغسل ، فحال الطّواف حال الصلاة ، بل لو فرضنا أن هذه الرواية الصحيحة لم تكن فالأمر كما بيّنا.

بيان ذلك : أن ابتلاء النِّساء بالاستحاضة كثير ، ولا ريب أنّ الاستحاضة حدث والطّواف غير ساقط عنها ويعتبر فيه الطهارة ، ولم يذكر كيفية طهارة المستحاضة وطوافها في نصوص المقام مع كثرة الابتلاء بها ، ولا يمكن إهمالها كما لم يهملوا كيفية طواف الحائض ، فيعلم من هذه الأُمور والقرائن بعد ضم بعضها إلى بعض ، أن حكم المستحاضة ما ذكرنا ، وأن حال الطّواف حال الصلاة فتدبّر في المقام.

(١) المعروف بين الفقهاء اعتبار الطهارة من الخبث في البدن واللباس ، وعن ابن الجنيد كراهة الطّواف في ثوب أصابه الدم (١) وعن ابن حمزة كراهته مع النجاسة في ثوبه أو بدنه (٢) ومال إليه في المدارك تضعيفاً للرواية الدالّة على ذلك (٣).

أقول : النصوص الواردة في المقام ثلاثة :

أحدها : ما رواه الشيخ عن يونس بن يعقوب قال : «سألت أبا عبد الله (عليه

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٤ : ٢١٣.

(٢) الوسيلة : ١٧٣.

(٣) المدارك ٨ : ١١٧.

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطّواف ، قال : ينظر الموضع الذي رأى فيه الدم فيعرفه ثمّ يخرج ويغسله ثمّ يعود فيتم طوافه» (١) والدلالة واضحة ولكن السند ضعيف بمحسن بن أحمد الواقع في السند ، فإنّه ممن لم يوثق.

ثانيها : ما رواه الصدوق بإسناده عن يونس بن يعقوب قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رأيت في ثوبي شيئاً من دم وأنا أطوف ، قال : فاعرف الموضع ثمّ اخرج فاغسله ، ثمّ عد فابن على طوافك» (٢) ودلالته تامّة ، وأمّا السند فمعتبر عندنا لأنّ الحكم ابن مسكين الواقع في طريق الصدوق إلى يونس وإن لم يوثق في الرجال ولكنّه من رجال كامل الزيارات فيكون ثقة فتكون الرواية معتبرة ، ولكن السيِّد صاحب المدارك حيث لا يرى وثاقته فيكون الخبر ضعيفاً عنده ، ولذا استشكل في الحكم المزبور (٣).

ثالثها : مرسل البزنطي عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قلت له : رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله ، فطاف في ثوبه ، فقال : أجزأه الطّواف ثمّ ينزعه ويصلّي في ثوب طاهر» (٤) وهو دال على عدم مانعية النجاسة وعدم اعتبار الطهارة ولكنّه غير قابل للمعارضة لضعفه بالإرسال ، فالمعتمد إنّما هو موثق يونس على طريق الصدوق.

وأمّا ما استدلّ للحكم المذكور بالنبوي المعروف «الطّواف بالبيت صلاة» (٥) ففيه أنّ النبوي لم يثبت من طرقنا.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٩٩ / أبواب الطّواف ب ٥٢ ح ٢ ، ١ ، التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٥ ، الفقيه ٢ : ٢٤٦ / ١١٨٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٩٩ / أبواب الطّواف ب ٥٢ ح ٢ ، ١ ، التهذيب ٥ : ١٢٦ / ٤١٥ ، الفقيه ٢ : ٢٤٦ / ١١٨٣.

(٣) المدارك ٨ : ١١٧.

(٤) الوسائل ١٣ : ٣٩٩ / أبواب الطّواف ب ٥٢ ح ٣.

(٥) سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، سنن النِّسائي ٥ : ٢٢٢.

٣١

مسألة ٢٩٧ : لا بأس بدم القروح والجروح فيما يشق الاجتناب عنه ، ولا تجب إزالته عن الثوب والبدن في الطّواف ، كما لا بأس بالمحمول المتنجس ، وكذلك نجاسة ما لا تتم الصلاة فيه (١).

مسألة ٢٩٨ : إذا لم يعلم بنجاسة بدنه أو ثيابه ثمّ علم بها بعد الفراغ من الطّواف صحّ طوافه ، فلا حاجة إلى إعادته ، وكذلك تصح صلاة الطّواف إذا لم يعلم بالنجاسة إلى أن فرغ منها (٢).

______________________________________________________

(١) هذه المسألة تشتمل على أمرين :

أحدهما : لا فرق في النجاسة بين النجاسة المعفو عنها في الصلاة كالدم الأقل من الدرهم وبين غير المعفو عنها ، إذ لا دليل على الاستثناء في الطّواف ، ومقتضى إطلاق الموثق عدم الفرق بين الأقل من الدرهم والأكثر منه ، كما أنّه لا دليل على استثناء دم القروح والجروح إلّا إذا كان بحيث يشق الاجتناب عنه ويشق على المكلف إزالته فإنّه يصحّ الطّواف معه لنفي الحرج ، وكذا لا مانع من المحمول المتنجس حتّى على القول بمنعه في الصلاة ، لأنّ الدليل منع عن الطّواف في الثوب النجس ولا يشمل الثوب المحمول فانّ الظاهر من قوله : رأيت في ثوبي ، الثوب الملبوس لا المحمول.

ثانيهما : هل يختص المنع بالثوب الّذي تتم فيه الصلاة كالقميص والجبّة والقباء ونحوها ، أم يعمّ الثوب الّذي لا تتم فيه الصلاة كالتكة والجورب والقلنسوة؟ وجهان.

الظاهر هو الأوّل ، وذلك لعدم صدق الثوب بصيغة المفرد المذكور في النص على مثل التكة والقلنسوة والجورب ونحوها وإن صدق عليها الثِّياب ، فانّ الثوب ينصرف إلى مثل القباء والجبّة والقميص ونحو ذلك ولا يصدق على الجورب والتكة والقلنسوة جزماً ، ولا أقلّ من الشك فيرجع إلى الأصل المقتضي لعدم الاعتبار.

(٢) لا يخفى أن اعتبار الطهارة مشروطة بالعلم ، وأمّا إذا طاف وصلّى ثمّ علم بالنجاسة صحّ طوافه وصلاته ، أمّا الصلاة فواضحة ، لأنّ النجاسة إنّما تكون مانعة في

٣٢

مسألة ٢٩٩ : إذا نسي نجاسة بدنه أو ثيابه ثمّ تذكرها بعد طوافه صحّ طوافه على الأظهر ، وإن كانت إعادته أحوط ، وإن تذكرها بعد صلاة الطّواف أعادها (١).

______________________________________________________

الصلاة مع العلم ، لحديث لا تعاد (١) ولروايات خاصّة فارقة بين الجهل والنسيان (٢).

وأمّا الطّواف فلأنّ المستفاد من موثق يونس (٣) أنّ النجاسة الواقعية غير ضائرة ولذا أمر بالبناء على طوافه والاعتداد بما مضى فيما إذا علم بالنجاسة في الأثناء ، ولا نحتمل الفرق بين الأشواط السابقة واللّاحقة.

على أنّه يكفينا عدم الدليل على الاعتبار على الإطلاق ، لأن مقتضى النص مانعية النجاسة بشرط العلم بها ، وأمّا لو لم يعلم بها فلا مانع.

(١) ومما ذكرنا في المسألة السابقة يظهر الحال في النسيان ، فانّ الظاهر من النص مانعية النجاسة في صورة العلم بها لا المانعية مطلقاً ، فما نسب إلى جماعة منهم الشهيد في الدروس من البطلان في صورة النسيان (٤) كالصلاة ضعيف ، وحمل الطّواف على الصلاة في النجاسة المنسية لا وجه له كما عرفت.

بل لا يبعد دعوى إطلاق الموثق باعتبار ترك الاستفصال للجهل والنسيان ، بخلاف الصلاة فإنّه إنّما نقول ببطلانها في النجاسة المنسية لأدلّة خاصّة في مورد النسيان.

فإذن لا فرق في الحكم بالصحّة بين الجهل والنسيان.

__________________

(١) الوسائل ٤ : ٣١٢ / أبواب القبلة ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٣ : ٤٧٤ / أبواب النجاسات ب ٤٠ ، وص ٤٧٩ ب ٤٢.

(٣) المتقدِّم في ص ٣٠.

(٤) الدروس ١ : ٤٠٤.

٣٣

مسألة ٣٠٠ : إذا لم يعلم بنجاسة بدنه أو ثيابه وعلم بها أثناء الطّواف ، أو طرأت النجاسة عليه قبل فراغه من الطّواف ، فان كان معه ثوب طاهر مكانه طرح الثوب النجس وأتم طوافه في ثوب طاهر ، وإن لم يكن معه ثوب طاهر فان كان ذلك بعد إتمام الشوط الرابع من الطّواف قطع طوافه ولزمه الإتيان بما بقي منه بعد إزالة النجاسة ، وإن كان العلم بالنجاسة أو طروئها عليه قبل إكمال الشوط الرابع ، قطع طوافه وأزال النجاسة ، ويأتي بطواف كامل بقصد الأعم من التمام والإتمام على الأحوط (١).

______________________________________________________

(١) لو تذكر بالنجاسة وهو في أثناء الطّواف ، فان تمكن من الإتمام في الطاهر طرح الثوب النجس وأتم طوافه في الثوب الطاهر ولا حاجة إلى الإعادة ، لما عرفت من أنّ النجاسة الواقعية غير ضائرة ، والطهارة إنّما هي شرط ذكرى ، والمانع إنّما هو النجاسة المعلومة حين الطّواف ، هذا مما لا إشكال فيه.

إنّما الإشكال فيما إذا لم يكن له ثوب آخر وأنّه لا يتمكن من التبديل ، فقد نسب إلى جماعة منهم الشهيد (١) وتبعهم الأُستاذ النائيني (٢) (قدس سره) التفصيل بين التجاوز عن النصف وعدمه ، ففي الأوّل يزيلها ويبني ، وفي الثاني يستأنف كما هو الحال في صدور الحدث في الأثناء ، إلّا أنّه لا دليل على هذا التفصيل في النجاسة الخبثية ، والروايات إنّما وردت في الحدث والحيض ، وفي بعضها ورد التعليل بأنّها زادت على النصف ، وقد عرفت فيما تقدم أن روايات الحيض المفصّلة ضعيفة ، وأمّا في الحدث فالتفصيل صحيح للنصوص ، ولكن قياس الخبث عليه بلا موجب.

بل موثق يونس المتقدم (٣) مطلق من حيث التجاوز عن النصف وعدمه ، ولكن مع ذلك الأحوط إعادة الطّواف قاصداً بها التمام والإتمام حتّى نخرج من الخلاف.

__________________

(١) الدروس ١ : ٤٠٥.

(٢) دليل الناسك (المتن) : ٢٤٦.

(٣) في ص ٣٠.

٣٤

الرابع : الختان للرجال ، والأحوط بل الأظهر اعتباره في الصبي المميز أيضاً إذا أحرم بنفسه ، وأمّا إذا كان الصبي غير مميز أو كان إحرامه من وليه فاعتبار الختان في طوافه غير ظاهر ، وإن كان الاعتبار أحوط (١).

______________________________________________________

(١) يشترط في صحّة الطّواف واجباً كان أو مندوباً أن يكون الرجل مختوناً بلا خلاف بين الأصحاب ، ويدلُّ عليه عدّة من الروايات ، وفي بعضها التفصيل بين الرّجل والنِّساء.

فمنها : معتبرة ابن سدير «عن نصراني أسلم وحضر الحج ولم يكن اختتن أيحج قبل أن يختتن؟ قال : لا ، ولكن يبدأ بالسنة» (١).

ومنها : معتبرة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «الأغلف لا يطوف بالبيت ، ولا بأس أن تطوف المرأة» (٢).

ومنها : صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا بأس أن تطوف المرأة غير المخفوضة ، فأمّا الرجل فلا يطوف إلّا وهو مختتن» (٣).

ومنها : رواية إبراهيم بن ميمون «في الرجل يسلم فيريد أن يحج وقد حضر الحج أيحج أم يختتن؟ قال : لا يحج حتّى يختتن» (٤).

وهل يعتبر الختان في الصبي أم لا؟ فيه كلام وخلاف ، والظاهر هو التفصيل بين الصبي المميز الّذي يطوف بنفسه وبين الصبي غير المميز الّذي يطاف به فيعتبر في الأوّل دون الثاني.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٧١ / أبواب مقدمات الطّواف ب ٣٣ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٧١ / أبواب مقدمات الطّواف ب ٣٣ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٢٧١ / أبواب مقدمات الطّواف ب ٣٣ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٢٧٠ / أبواب مقدمات الطّواف ب ٣٣ ح ٢.

٣٥

مسألة ٣٠١ : إذا طاف المحرم غير مختون بالغاً كان أو صبياً مميزاً فلا يجتزئ بطوافه (١) فان لم يعده مختوناً فهو كتارك الطّواف يجري فيه ماله من الأحكام الآتية.

مسألة ٣٠٢ : إذا استطاع المكلّف وهو غير مختون ، فإن أمكنه الختان والحج في سنة الاستطاعة وجب ذلك ، وإلّا أخّر الحج إلى السنة القادمة ، فان لم يمكنه الختان أصلاً لضرر أو حرج أو نحو ذلك فاللّازم عليه الحج ، لكن الأحوط أن يطوف بنفسه في عمرته وحجّه ويستنيب أيضاً من يطوف عنه ويصلّي هو صلاة الطّواف بعد طواف النائب (٢).

______________________________________________________

وذلك لأنّ الظاهر من المقابلة بين الرجل والمرأة المذكورة في الروايات وإن كان ثبوت الحكم لمطلق الذكر لا خصوص البالغين ، ويكفينا في ذلك صحيح معاوية بن عمار فانّ المذكور فيه الأغلف وهو أعم من البالغ والصبي ، ولكن مع ذلك لا يمكن الحكم بالتعميم والالتزام باعتباره في الصبي غير المميز ، لأن موضوع النهي في الروايات هو الشخص الّذي يطوف بنفسه ويكون مأموراً بالطواف بنفسه ، وأمّا الّذي يطاف به ولا يطوف بنفسه فلا أمر له بالطواف ، إذ المفروض أنّ التكليف بالطواف متوجه إلى الولي الّذي يطاف به ، فمقتضى الأصل عدم الاعتبار بالنسبة إلى الصبي غير المميز.

(١) لفساده ، لفقدان المشروط بفقدان الشرط فكأنه لم يطف.

(٢) إذا استطاع الأغلف يجب عليه الختان في نفس سنة الاستطاعة إن أمكن لوجوب مقدّمة الواجب عقلاً كسائر مقدمات الواجب ، وإن لم يتمكن من ذلك لضيق الوقت ونحوه يؤخّر الحج إلى السنة القادمة ، وذلك لعدم تمكنه من الحج في هذه السنة ، لأنّ الحج يجب فيه الطّواف والطّواف مشروط بالختان فهو غير متمكن منه ولا دليل على الاستنابة في خصوص هذا الفرض ، لأنّ الاستنابة إنّما تجب في فرض

٣٦

الخامس : ستر العورة حال الطّواف على الأحوط (١).

______________________________________________________

الاستطاعة ، والمفروض أن هذا الشخص غير مستطيع لعدم تمكنه من مباشرة الأعمال في هذه السنة.

ويستفاد ما ذكرناه من معتبرة حنان بن سدير المتقدمة (١) فانّ المتفاهم منها أنّ الأمر دائر بين الحج والخروج مع الرفقة وبين أن يختتن ، ولكن لو اختتن لا يتمكّن من الحج في هذه السنة ، فحكم (عليه السلام) بأنّه لا يحج ويبدأ بالسنّة أي بالختان المؤيدة برواية إبراهيم بن ميمون المتقدمة (٢).

هذا فيما إذا كان متمكناً من الختان ولو في السنين القادمة ، وأمّا إذا لم يكن متمكناً من الختان أصلاً للحرج والضرر ونحوهما ، فقد ذهب بعضهم إلى سقوط الحج عنه بالمرة لعدم كونه مستطيعاً.

وفيه : أنّه لا وجه لسقوط الحج ، فإنّ الاستطاعة المالية كافية في وجوب الاستنابة نظير المريض الّذي لا يرجو زوال مرضه ، فلا وجه لسقوط الحج عنه ، فيدور الأمر بين وجوب الحج عليه والطّواف بغير اختتان لسقوط الشرط حينئذ ، وبين أن يستنيب للطواف فيدخل هذا في المرتبة الثالثة للطواف من الطّواف بنفسه أو إطافته أو الطّواف عنه ، ومن المعلوم أنّ الإطافة به أيضاً طواف صادر منه فيتعين الثالث ، لأن مقتضى الإطلاق اعتبار الختان في الطّواف فهو غير مأمور بالطواف بنفسه ، فيدخل تحت عنوان من لا يستطيع الطّواف ، والأحوط أن يطوف بنفسه غير مختون ويطاف عنه أيضاً.

(١) المعروف وجوب ستر العورة في الطّواف ، وناقش فيه بعضهم وذهب إلى العدم.

واستدلّ للمشهور بالنبوي المعروف «الطّواف بالبيت صلاة» (٣) ولكنّه غير ثابت

__________________

(١) في ص ٣٥.

(٢) في ص ٣٥.

(٣) سنن الدارمي ٢ : ٤٤ ، سنن النِّسائي ٥ : ٢٢٢.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

من طرقنا ، ولم يعلم استناد المشهور إليه حتّى يقال بالانجبار.

والعمدة في المقام الروايات الناهية عن الطّواف عرياناً (١) وهي مروية بطرق كثيرة منّا ومن العامّة (٢) ، ولكنها جميعاً ضعيفة السند إلّا أنّها كثيرة متظافرة لا يمكن رد جميعها ، بل عن كشف اللِّثام أنّها تقرب من التواتر من طريقنا وطريق بقيّة المذاهب (٣).

ولكن لا يمكن الاستدلال بها لوجوب ستر العورة في الطّواف ، لأنّ النسبة بين العِراء وستر العورة عموم من وجه ، لأنّ المراد بالعريان من لم يكن لابساً للثوب ويمكن أن يكون الشخص غير عار ولابساً للثوب وعورته مكشوفة ، كما إذا كان في ثوبه ثقب تظهر عورته منه ، كما يمكن أن يكون الشخص مستور العورة وهو عار ، كما إذا ستر عورته بيده أو بحشيش أو طين ونحو ذلك ، وقد اعتبروا في الطّواف ستر العورة لا اللباس ، فيظهر الفرق بين الستر في باب الصلاة وفي الطّواف ، فانّ المعتبر في الصلاة هو الستر باللباس ولا يكفي مجرد ستر العورة ، والمعتبر في الطّواف هو ستر العورة بأيّ نحو كان ولو بيده أو بالحشيش ولا يعتبر اللباس قطعاً ، للإجماع على صحّة طواف الرجل عارياً مع ستر عورته ، وهذه الروايات لو فرض صحّة أسانيدها لا بدّ من حملها على الاستحباب.

وبالجملة : لا دليل على اعتبار ستر العورة في الطّواف ، وما دلّ عليه هذه الروايات الكثيرة وهو اللبس في الطّواف فهو غير واجب. وما ذهب إليه المشهور من وجوب ستر العورة لا تدل عليه هذه الروايات.

فما ذهب إليه بعضهم من عدم وجوب ستر العورة في الطّواف هو الصحيح ، وإن كان الأحوط الستر كما في المتن.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٠٠ / أبواب الطّواف ب ٥٣.

(٢) سنن الترمذي ٥ : ٢٧٦ ، مستدرك الحاكم ٢ : ٣٣١.

(٣) كشف اللّثام ٥ : ٤٠٨.

٣٨

ويعتبر في الساتر الإباحة ، والأحوط اعتبار جميع شرائط لباس المصلي فيه (١).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّه لا دليل على اعتبار ستر العورة في الطّواف ، ولكن بناءً على اعتباره لا بدّ أن يكون الساتر مباحاً وإلّا بطل طوافه ، لأنّ الستر المأمور به لا يمكن أن يكون بالمحرّم ، والحرام لا يكون مصداقاً للواجب ، فاذا كان الساتر محرّماً ومغصوباً يخرج عن كونه مأموراً به.

وأمّا إذا كان غير الساتر مغصوباً ومحرّماً أو لم نعتبر الستر فهل يبطل طوافه أم لا باعتبار تصرفه فيه؟

يبتني ذلك على ما ذكرنا في الأُصول في بحث اجتماع الأمر والنهي (١) وهو أن مورد الأمر والنهي إن كان متحداً في الوجود فلا يمكن التقرب به لعدم إمكان التقرب بالحرام ، وإن كان متعدداً وإن اقترنا في الوجود الخارجي فلا تسري حرمة أحدهما إلى الآخر ، كالصلاة وغصبية اللباس فإنّ الصلاة عبارة عن الأذكار وأفعال خاصّة ، وحرمة شي‌ء خارجي وإن كان مقارناً للصلاة لا تسري إلى الأذكار والأفعال ، لعدم اتحادهما وجوداً وإن اقترنا خارجاً ، ولذا لم نستشكل في صحّة الصلاة إذا كان غير الساتر مغصوباً.

وربما يقال بحرمة الطّواف ، لأنّه مقدمة للتصرف في الثوب المغصوب ، لأنّه يتحرك بتحرك الشخص وبطوافه حول البيت.

ولكن قد ذكرنا في المباحث الأُصولية أنّ الأفعال قد تكون توليدية كالقتل والتطهير والتنجيس ونحو ذلك ، فانّ الصادر من الشخص إنّما هو الذبح ونحوه أو الغسل بالماء وإلّا فنفس القتل وزهاق الروح لا يصدر من الفاعل ، وكذلك الطهارة لا تحصل من الفاعل وإنّما المقدمات تصدر منه ، والقتل يترتب على الذبح ويتولد منه ، فاذا نهينا عن القتل فبالمتفاهم العرفي يكون إيجاد المقدمات كالذبح محرماً.

__________________

(١) راجع محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ١٦٥ وبعدها.

٣٩

تعتبر في الطّواف أُمور سبعة :

الأوّل : الابتداء من الحجر الأسود ، والأحوط الأولى أن يمرّ بجميع بدنه على جميع الحجر ، ويكفي في الاحتياط أن يقف دون الحجر بقليل فينوي الطّواف من الموضع الّذي تتحقق فيه المحاذاة واقعاً على أن تكون الزيادة من باب المقدمة العلمية (١).

______________________________________________________

وأمّا إذا لم يكن الأفعال توليدياً ، بل كانت من باب العلة والمعلول كحركة الثوب بحركة البدن ، فإن كلّاً منهما يتحرك بالحركة الدورية حول الكعبة المعبّر عنها بالطواف فان جسم الإنسان يتحرك بدوران البدن حول البيت ، وكذلك الثوب يتحرك بحركة البدن والطّواف حوله ، فالعلة لحركة الثوب والتصرف فيه إنّما هي حركة البدن حول البيت والطّواف به ، والمحرّم إنّما هو حركة الثوب والتصرف فيه ، ولا مقتضي لحرمة حركة البدن والطّواف حول البيت ، لعدم حرمة المقدمة بحرمة ذي المقدمة كما حقق في الأُصول (١) ، فالحكم بالبطلان يختص بما إذا كان الساتر مغصوباً كما عرفت.

ثمّ إن بقية شرائط الصلاة وموانعها لا تكون معتبرة في الطّواف ، وذلك لأن بعضها لا يكون معتبراً قطعاً كالتكلم والضحك والطمأنينة ، والبعض الآخر لا دليل على اعتباره كلبس غير المأكول وحمل الميتة أو لبسها ولبس الذهب وهكذا ، إذ لا دليل على اعتبار ذلك سوى النبوي المعروف الّذي عرفت ضعفه (٢) ، وإن كان الأحوط رعاية مثل هذه الشروط.

(١) لا ريب في وجوب البدأة بالحجر الأسود والختم به ، ولم يقع فيه خلاف بين المسلمين قاطبة ، وجرت عليه السيرة القطعية المتصلة إلى زمان النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة المعصومين (عليهم السلام).

__________________

(١) في محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ٤٣٩.

(٢) في ص ٣٨.

٤٠