موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

ولكن لو قدّمه عليهما أو على الذبح نسياناً أو جهلاً منه بالحكم أجزأه ولم يحتج إلى الإعادة (١).

______________________________________________________

وكيف ما كان فلا ريب في أن تأخير الحلق عن الذبح أحوط لو لم يكن أقوى.

(١) قد ظهر مما تقدم أن ترتيب هذه المناسك واجب في يوم النحر ، الرمي أوّلاً ثم الذبح ثم الحلق.

ويقع الكلام فعلاً فيما لو خالف وقدّم أو أخّر بعضها على بعض ، يقع البحث تارة في الناسي ، وأُخرى في الجاهل ، وثالثة في العالم العامد.

أمّا الناسي : فلا ريب ولا خلاف في الإجزاء وأن الترتيب المعتبر إنما هو شرط ذُكري معتبر في فرض العلم.

ويدلُّ على ذلك صحيحة معاوية بن عمار «في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت فاشترى بمكة ثم ذبح ، قال : لا بأس قد أجزأ عنه» (١) فان الظاهر منه أنه أتى بمناسك يوم النحر من الرمي والحلق ولذا ذهب إلى مكة وزار البيت وطاف به ، وإنما نسي الذبح فقط فأمر (عليه السلام) بأنه لا بأس بذلك ويجزئه ذلك ، وإنما عليه الذبح خاصة وليس عليه إعادة التقصير.

وصحيحة جميل الواردة في النسيان «عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال : لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً ، ثم قال : إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أتاه أُناس يوم النحر فقال بعضهم : يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح ، وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلّا قدّموه ، فقال : لا حرج» (٢).

ونحوها صحيحة محمد بن حمران (٣) ولكن فيها «وقال بعضهم : ذبحت قبل أن أحلق»

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥٦ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٥٦ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٦.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢١٥ / أبواب الحلق ب ٢ ح ٢.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

كما في الوسائل أو «ذبحت قبل أن يحلقوا» كما في التهذيب القديم وإلّا في التهذيب الجديد كما في الوسائل (١).

ولا ريب أن ذكر هذا من غلط النسّاخ واشتباههم ، لأن وقوع الذبح قبل الحلق صحيح وواقع في محله فلا حاجة إلى السؤال وأنه لا حرج في ذلك ، والثابت في الرواية إنما هو حلقت قبل أن أذبح.

وأمّا الجاهل : فحكمه كالناسي ، فإنه وإن لم يصرح به في النصوص ولكن المراد بالنسيان المذكور في النصوص هو الأعم منه ومن الجهل المصطلح ، لأن فرض النسيان في أُناس وطوائف من المسلمين قد لا يتحقق ولا يتفق في الخارج ، فان النسيان قليل الاتفاق ، بخلاف الجهل فإنه كثيراً ما هو واقع في الخارج ، فإن عامة الناس لا يعلمون الأحكام الشرعية ، فارادة المعنى المصطلح من النسيان بعيدة جدّاً بل المراد به الأعم منه ومن الجهل فإنه الفرد الغالب.

وأمّا العالم المتعمد : فالمعروف بينهم الإجزاء أيضاً ، بل ادعي عليه الإجماع ، وذكروا أن وجوب الترتيب واجب تكليفي محض غير دخيل في صحة الحج وفساده فلو قدّم أو أخّر بعضاً على بعض عالماً عامداً لا إعادة عليه ، وأجزأه ، وإنما يكون عاصياً فيكون الوجوب المزبور وجوباً مستقلا تعبدياً لا شرطياً.

وناقش في ذلك السيد في المدارك بأنه كيف يمكن القول بالصحة والإجزاء ، مع أن ظاهر الروايات كون الوجوب وجوباً شرطياً (٢) وتبعه صاحب الحدائق (٣).

واستدل للمشهور بروايات منها : خبر البزنطي الوارد في أن طوائفاً من المسلمين أتوا النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقد قدّموا وأخّروا مناسك يوم النحر ، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) : لا حرج ولا حرج (٤) ولم يذكر فيه النسيان ، ومقتضى

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٤٠ / ٨١٠.

(٢) المدارك ٨ : ١٠١.

(٣) الحدائق ١٧ : ٢٤٦.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٥٦ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٦.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إطلاقه هو الحكم بالإجزاء حتى في صورة العمد. وقد حمله الشيخ على النسيان بقرينة صحيحة جميل المتقدمة الواردة في مورد النسيان (١) وما صنعه الشيخ هو الصحيح ، لأن فرض التعمد بترك الوظيفة في طوائف من المسلمين بعيد جدّاً ، والقول بإطلاقه بعيد جدّاً أيضاً ، لأن ظاهر صحيح جميل أن النسيان له دخل في الحكم بالإجزاء. هذا مضافاً إلى أن الخبر ضعيف بسهل بن زياد.

واستدلّوا أيضاً بصحيح ابن سنان «عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي ، قال : لا بأس وليس عليه شي‌ء ولا يعودنّ» (٢).

ولكنه غير ظاهر في العالم المتعمد ، إذ كيف لم يكن عليه شي‌ء مع أنه آثم وعصى ولا أقل أن عليه التوبة ، فالظاهر أن مورده الناسي أو الجاهل فإنه ممن ليس عليه شي‌ء ، بل لعل قوله : «ولا يعودن» ظاهر في أنه لا يجوز له اختيار خلاف الترتيب والإخلال به عمداً وإنما الجاهل يجوز له ذلك.

مضافاً إلى أنه لو تنزلنا عن ذلك فدلالته بالإطلاق ونرفع اليد عنه بالروايات الدالة على لزوم الترتيب كصحيحة سعيد الأعرج الدالة على الترتيب في حال العلم والعمد «فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهنّ ويقصّرن من أظفارهنّ» (٣) فإنه صريح في أن من كان عليه الذبح يؤخر التقصير عنه.

وبعبارة أوضح لو كنّا نحن وتلك الروايات الدالة على الترتيب كصحيحة سعيد الأعرج لكان مقتضاها لزوم الترتيب مطلقاً حتى في صورة الجهل ، لكن خرجنا عن إطلاقها في صورة الجهل ، فتختص أدلّة الترتيب بالعالم العامد ، فتنقلب النسبة بينها وبين صحيحة ابن سنان إلى العموم والخصوص المطلق فنقيد إطلاق الصحيح بأدلّة الترتيب.

ومن هذا البيان يظهر الجواب عن موثقة عمار الساباطي «عن رجل حلق قبل أن

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٦.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٥٨ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١٤ : ٥٣ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١ ح ١.

٣٢٣

مسألة ٤٠٣ : لا يجوز الحلق للنساء بل يتعين عليهن التقصير (١).

______________________________________________________

يذبح ، قال : يذبح ويعيد الموسى» الحديث (١).

وأمّا السند فالمذكور في هذا الباب في الوسائل عمر بن سعيد عن مصدق بن صدقة ولكن الصحيح هو عمرو بالواو لا عمر بقرينة كثرة روايات عمرو عن مصدق بن صدقة لعلّها تبلغ حوالي ثلاثمائة رواية ، وفي التهذيب رواها عن عمرو (٢) بل في الوسائل رواها في موردين آخرين عن عمرو (٣) فالغلط من النسّاخ لا من الوسائل.

وأمّا الدلالة فيجري فيها ما يجري في دلالة صحيحة ابن سنان ، من أن دلالتها بالإطلاق ، فيقيد بما دل على الترتيب في العالم المتعمد. وكيف كان إن تم إجماع في المقام فهو وإلّا فلا بد من القول بالوجوب الشرطي.

(١) لا ريب في أنه ليس على النساء حلق لا تعييناً ولا تخييراً ، بل المتعين عليها التقصير مطلقاً ، سواء كانت صرورة أم لا لبّدت شعرها أم لا ، بل لو حلقت عليها كفارة إزالة الشعر.

ويدلُّ على ذلك أوّلاً : السيرة القطعية ولم يعهد الحلق لهنّ أبداً.

وثانياً : النصوص منها : صحيح سعيد الأعرج المتقدم (٤) «فان لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ ويقصرن من أظفارهنّ» فإن ظاهر الأمر بالتقصير هو التعيين وعدم إجزاء الحلق عن التقصير.

وذكر صاحب الوسائل رواية عن الشيخ بإسناده عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «ليس على النساء حلق ويجزيهنّ التقصير» (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥٨ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٨.

(٢) التهذيب ٥ : ٤٨٥ / ١٧٣٠.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٢٩ / أبواب الحلق ب ١١ ح ٢ ، وص ٢٢٢ / ب ٧ ح ٤.

(٤) في الصفحة السابقة.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٢٧ / أبواب الحلق ب ٨ ح ٣.

٣٢٤

مسألة ٤٠٤ : يتخير الرجل بين الحلق والتقصير والحلق أفضل ، ومن لبّد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمّل ، أو عقص شعر رأسه وعقده بعد جمعه ولفه ، فالأحوط له اختيار الحلق بل وجوبه هو الأظهر. ومن كان صرورة فالأحوط له أيضاً اختيار الحلق وإن كان تخييره بين الحلق والتقصير لا يخلو من قوّة (١).

______________________________________________________

وكذا رواها صاحب الجواهر (١) وهكذا رواها في الحدائق عن الكافي (٢) ، والوافي لم يذكر هذه الرواية في أبواب الحلق ، وذكر المعلّق على الوسائل أن الرواية لم نجدها وما ذكره المعلّق هو الصحيح ، لعدم وجود هذه الرواية بهذا المتن في التهذيب والكافي.

نعم ، روى الشيخ رواية أُخرى بسند صحيح عن الحلبي قال : «ليس على النساء حلق وعليهن التقصير» الحديث (٣).

وعلى كل حال فلا إشكال في عدم جواز الحلق لهنّ والمتعين في حقهن التقصير.

(١) قد عرفت حال النساء ، وأمّا الرجال فهو على ثلاثة أقسام : ١ الملبّد والمعقوص. ٢ الصرورة. ٣ غير القسمين.

أمّا القسم الثالث : فلا ريب ولا خلاف في تخييره بين الحلق والتقصير وإن كان الحلق له أفضل ، للروايات الحاكية عن أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) استغفر للمحلقين ثلاث مرات وللمقصرين مرة» (٤).

ويدلُّ على التخيير له مضافاً إلى تسالم الفقهاء وعدم خلافهم في ذلك إطلاق الآية المباركة (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) (٥). وعدّة من النصوص منها : صحيحة معاوية بن عمار «وإن كان قد حج فان شاء قصر

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ٢٣٦.

(٢) الحدائق ١٧ : ٢٢٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٩٧ / أبواب أقسام الحج ب ٢١ ح ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٩٠ / ١٣٦٤.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٢٣ / أبواب الحلق ب ٧.

(٥) الفتح ٤٨ : ٢٧.

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وإن شاء حلق» (١).

وفي صحيحة أُخرى له «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق» (٢) وغيرهما من الروايات.

وأمّا القسم الأوّل : وهو الملبد والمعقوص شعره فالمشهور أنه مخير بينهما أيضاً واختاره المحقق في الشرائع (٣).

ولكن لا مقتضي للقول بالجواز والتخيير بعد تظافر النصوص ، فإن الآية الكريمة وإن كانت مطلقة ولكن لا بد من رفع اليد عن إطلاقها للنصوص الدالة على لزوم الحلق وتعيينه عليه كالصحيحة المتقدمة ، ولا معارض لهذه الروايات ، فلا مناص إلّا من التقييد والأخذ بما في الروايات ، بل لم يرد التخيير له في رواية واحدة ، فلو قصّر قبل الحلق عليه كفارة إزالة الشعر.

وأمّا القسم الثاني : وهو الصرورة ففيه خلاف ، فالمشهور ذهبوا أيضاً إلى التخيير له ، ولكن يتأكد الاستحباب في حقه. وقال الشيخ في المبسوط (٤) وابن حمزة في الوسيلة (٥) أنه يتعين عليه الحلق كالملبّد والمعقوص.

ولا ريب أن إطلاق الآية الشريفة يقتضي التخيير ، والقول بلزوم الحلق يحتاج إلى دليل آخر ، فكلامنا يقع في مقامين.

الأوّل : في أن الروايات في نفسها هل تدل على وجوب الحلق أم لا.

الثاني : بعد الفراغ عن دلالة الروايات على الوجوب هل يتعين العمل بها أو تحمل على الاستحباب لقرينة اخرى ، وبعبارة اخرى : يقع الكلام تارة في وجود المقتضي

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٢١ / أبواب الحلق ب ٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٢٤ / أبواب الحلق ب ٧ ح ٨.

(٣) الشرائع ١ : ٣٠٢.

(٤) المبسوط ١ : ٣٧٦.

(٥) الوسيلة : ١٨٦.

٣٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

للوجوب ، وأُخرى في وجود المانع.

أمّا المقام الأوّل : فقد استدل على الوجوب بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (١) «قال : ينبغي للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حج فان شاء قصّر وإن شاء حلق» فان كلمة «ينبغي» في نفسها لا تدل على الوجوب ولكن مقابلتها لقوله : «وإن كان قد حج فان شاء قصّر وإن شاء حلق» تقتضي الوجوب ، وإلّا فلا معنى للمقابلة والتفصيل فيظهر من الجملة الثانية أن التخيير غير ثابت للصرورة وإلّا فلا معنى للتقابل ، وأمّا حمل وينبغي على الاستحباب فبعيد ، لأن غير الصرورة أيضاً يستحب له الحلق.

وهذا الوجه في نفسه جميل إلّا أن ذيل الصحيحة يوجب رفع اليد عن ظهور كلمة «ينبغي» في الوجوب ، لقوله في ذيل الصحيحة «فإذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق» فيعلم من ذلك أن غيره لا يجب عليه الحلق ولا يتعين عليه ، وإنما الذي يتعيّن عليه الحلق هو الملبّد خاصة ، وإلّا لو كان الحلق متعيناً على الصرورة أيضاً فلا معنى لهذا التقسيم والتفصيل المذكور في الرواية ، فيحمل «ينبغي» الوارد في الصرورة على شدة الاستحباب وتأكده.

فالمتحصل من الرواية : أن الصرورة يتأكد له استحباب الحلق وأمّا غيره فلا تأكد فيه وإن كان الحلق أفضل ، وأمّا الملبد فيتعيّن عليه الحلق.

ويؤكد ما ذكرنا صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار (٢) حيث دلّت على أن الملبّد يتعيّن عليه الحلق ، وأمّا غيره فمخيّر بين التقصير والحلق ، وإطلاقه يشمل الصرورة.

ومن جملة الروايات التي استدل بها على وجوب الحلق ما روي عن سويد القلاء عن أبي سعيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «يجب الحلق على ثلاثة نفر : رجل لبّد ، ورجل حج بدواً لم يحج قبلها ، ورجل عقص رأسه» (٣). ولكن السند مخدوش

__________________

(١) في ص ٣٢٥.

(٢) تقدمت في ص ٣٢٦.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٢٢ / أبواب الحلق ب ٧ ح ٣.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

بأبي سعد كما في التهذيب (١) فإنه مجهول ، وبأبي سعيد كما في الوسائل والوافي (٢) لتردّده بين الثقة وغيره ، لأنه مشترك بين أبي سعيد القماط الثقة وأبي سعيد المكاري ولا قرينة في البين أنه الثقة ، ولا يوجد رواية لسويد القلاء عن أبي سعد في الكتب الأربعة إلّا في هذا الموضع.

ومنها : موثقة عمار الساباطي «عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق ، قال : إن كان قد حج قبلها فليجز شعره ، وإن كان لم يحج فلا بدّ له من الحلق» الحديث (٣).

والجواب : أن مضمونها مما لا يمكن الالتزام به ولم يفت أحد بذلك ، لأن مفروض السؤال أن الحلق مما لا يقدر عليه ولا يتمكّن منه ولا أقل أن تكون فيه مشقة شديدة لفرض وجود القروح في رأسه ، فكيف يجب عليه الحلق ، ولو قلنا بوجوب الحلق فإنما نقول به في فرض الإمكان وعدم الحرج لا في صورة المشقة والحرج الشديد. على أن الحلق في مفروض السؤال مستلزم لخروج الدم فكيف يأمره بالحلق المستلزم للادماء.

ومنها : خبر بكر بن خالد «ليس للصرورة أن يقصّر وعليه أن يحلق» (٤) ولكنه ضعيف السند ببكر بن خالد فإنه مجهول الحال.

ومنها : خبر أبي بصير «على الصرورة أن يحلق رأسه ولا يقصّر ، إنما التقصير لمن قد حج حجّة الإسلام» (٥) وهو ضعيف أيضاً بعلي البطائني الواقع في السند. مضافاً إلى أن الدلالة مخدوشة ، لأن الحلق لو قيل بوجوبه فإنما يجب على الصرورة ، أي في أوّل حج أتى به سواء كان حج الإسلام أم لا ، ولا يجب في الحج الثاني وإن كان حج الإسلام ، فكون الحج حج الإسلام غير دخيل في الحلق والتقصير.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٤٨٥ / ١٧٢٩.

(٢) الوافي ١ : ١٢٠٣ / ١٤٠٨٩.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٢٢ / أبواب الحلق ب ٧ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٢٤ / أبواب الحلق ب ٧ ح ١٠.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٢٣ / أبواب الحلق ب ٧ ح ٥.

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : رواية سليمان بن مهران «كيف صار الحلق على الصرورة واجباً دون من قد حج؟ قال : ليصير بذلك موسماً بسمة الآمنين ، ألا تسمع قول الله عزّ وجلّ (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) (١) فان المفروض عندهم كان وجوب الحج وإنما يسأل عن العلة لذلك. وفيه : ضعف السند بعدة من المجاهيل الواقعين في السند.

فالمقتضي لوجوب الحلق قاصر ، لما عرفت من أن النصوص بين ما هي ضعيفة السند وضعيفة الدلالة. مضافا إلى أن التعليل بذكر المحلقين في الآية مما لا نفهمه ، فان التقصير مذكور في الآية أيضاً.

وعلى تقدير التنزل وتسليم تمامية المقتضي (٢) والالتزام بعدم قصور الأدلّة عن الوجوب فالمانع والقرينة الخارجية موجودة على عدم الوجوب ، فلا بدّ من رفع اليد عن الأدلّة المقتضية ، والمانع هو قوله تعالى (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) ... (٣) فان الله تعالى وعد المسلمين بأنهم يدخلون المسجد الحرام حال كونهم محلِّقين ومقصِّرين أي تدخلون المسجد الحرام وأنتم بين محلِّق ومقصِّر ، وهذا لا ينطبق إلّا على دخولهم المسجد الحرام بعد الفراغ من أعمال ومناسك منى ، وأمّا في دخولهم الأوّل إلى المسجد الحرام لأداء عمرة التمتّع أو العمرة المفردة أو لحج القران والإفراد فلم يكونوا محلِّقين ولا مقصِّرين حين الدخول ، والظاهر من الآية الكريمة أنهم يدخلون حال كونهم محلِّقين ومقصِّرين ، فقوله تعالى محلِّقين مقصِّرين حال للدخول ، وهذا ينطبق على إتيان أعمال الحج ومناسك منى ، فالآية الشريفة واردة مورد الحج.

إذا عرفت ذلك فلا ريب في أن حج المسلمين الذين حجّوا مع النبي (صلّى الله عليه

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٢٥ / أبواب الحلق ب ٧ ح ١٤.

(٢) من هنا شرع في المقام الثاني.

(٣) الفتح ٤٨ : ٢٧.

٣٢٩

مسألة ٤٠٥ : من أراد الحلق وعلم أن الحلاق يجرح رأسه فعليه أن يقصّر أوّلاً ثم يحلق (١).

______________________________________________________

وآله وسلم) في تلك السنة كان حج صرورة إذ لم يحجّوا قبل ذلك ، ومع ذلك خيّرهم الله تعالى بين الحلق والتقصير ، أي تدخلون المسجد الحرام بعد أعمال الحج ومناسك منى قد حلق بعضكم رأسه وقصّر بعضكم (١)

(١) لو علم بخروج الدم عند الحلق لا يجوز له اختيار الحلق ، بل لا بدّ له أن يختار الشق الآخر للواجب التخييري وهو التقصير ، لأن إخراج الدم محرّم فلا يجوز له الامتثال بالفرد المستلزم للحرام ، بل عليه أن يختار الفرد الذي لم يستلزم الحرام وهو التقصير.

__________________

(١) لا يخفى أنّ ما ذكره سيِّدنا الأُستاذ (دام ظله) في تفسير هذه الآية الشريفة وبيان المراد منها لم يسبق إليه أحد من المفسِّرين ولا من الفقهاء فيما نعلم ، فإنهم ذكروا في تفاسيرهم ما ينطبق هذه الآية الشريفة على العمرة المفردة ، فقد قالوا إن الله تعالى لما أرى نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلم) في المنام بالمدينة أن المسلمين دخلوا المسجد الحرام فأخبر بذلك أصحابه فانصرفوا إلى مكة لأداء العمرة المفردة في السنة السادسة من الهجرة ، فلما وصل (صلّى الله عليه وآله وسلم) هو وأصحابه إلى الحديبية التي تسمّى في زماننا هذا بـ (شميسي) قريب من مكة على طريق المدينة ، وقع صلح الحديبية المعروف فيها فرجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ولم يدخلوا مكة ، فقال المنافقون ما حلقنا ولا قصّرنا ولا دخلنا المسجد الحرام.

وروى أن بعض الأصحاب قال : ما شككت في الإسلام إلّا في ذلك الوقت ، فجاء إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) وقال : يا رسول الله أليس وعدتنا أن ندخل المسجد الحرام محلقين ومقصرين؟ فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قلت لكم إنّا ندخلها العام؟ فقال : لا فقال : (صلّى الله عليه وآله) فإنكم تدخلونها إن شاء الله ، فأنزل الله هذه الآية وأخبر سبحانه بأن ما أراه النبيّ (صلّى الله عليه وآله) هو الصدق والحق وليس بالباطل ، فلما كان ذو القعدة من السنة السابعة للهجرة اعتمروا ودخلوا المسجد الحرام كما وعدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) [تفسير التبيان ٩ : ٣٣٢] فبناء على ما ذكر المفسرون تكون الآية أجنبية عن الاستدلال بها للحلق والتقصير الواردين في الحج ، ولكن ما ذكره الأُستاذ (أطال الله بقاءه) وجيه وقد سبقه المحقق الأردبيلي في آيات الأحكام [زبدة البيان في أحكام القرآن : ٢٨٩].

٣٣٠

مسألة ٤٠٦ : الخنثى المشكل يجب عليه التقصير إذا لم يكن ملبداً أو معقوصاً وإلّا جمع بين التقصير والحلق ويقدّم التقصير على الحلق على الأحوط (١).

______________________________________________________

(١) الخنثى المشكل على قسمين : لأنه تارة لا يجب عليه الحلق بل يكون مخيراً بينه وبين التقصير لو كان رجلاً واقعاً كما إذا كان غير ملبد وغير معقوص وغير الصرورة ، واخرى : يجب عليه الحلق لو فرضنا كونه رجلاً واقعاً كما إذا كان ملبداً أو معقوصاً ، أو صرورة وقلنا بوجوب الحلق على الصرورة.

أمّا القسم الأوّل : فيجب عليه التقصير ، بيان ذلك :

أن الخنثى يعلم إجمالاً بتوجّه أحد التكليفين الالزاميين الثابتين للرجال والنساء فان كل جنس من الرجل والمرأة له أحكام إلزامية خاصة ، فإن الرجل لا يجوز له الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس ، ويحرم عليه ستر رأسه ، ويحرم عليه لبس الجورب والخف ولا يجوز له التظليل ونحو ذلك ، والمرأة يجب عليها ستر جميع بدنها عدا الوجه ، ويتعين عليها التقصير وغير ذلك من الأحكام الإلزامية ، فلا بد له من الجمع بين الحكمين الالزاميين بمقتضى العلم الإجمالي ، فحينئذ يتعين عليه التقصير الذي هو طرف للعلم الإجمالي ، لأنه لو كان امرأة حقيقة فالمتعين عليها التقصير ولا يجوز لها الحلق ، وإن كان رجلاً لم يجب عليه الحلق ويجوز له الاكتفاء بالتقصير ومقتضى العلم الإجمالي المذكور لزوم اختيار التقصير وعدم جواز ارتكاب الحلق ، فإنه لو حلق خالف العلم الإجمالي المقتضي للاحتياط ، لاحتمال كونه امرأة في واقع الأمر ، بخلاف ما لو قصّر فقد امتثل على كل تقدير.

وأمّا القسم الثاني : وهو ما لو وجب عليه الحلق على تقدير كونه رجلاً في نفس الأمر ، كما إذا كان ملبّداً أو معقوصاً ، أو صرورة وقلنا بوجوب الحلق على الصرورة فيجب عليه الجمع بين الحلق والتقصير ، توضيح ذلك :

أنّ العلم الإجمالي بتوجه التكاليف الإلزامية للرجال والنساء إليه موجود ومقتضاه

٣٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

هو الجمع بين الحكمين ، وله علم إجمالي آخر وهو العلم بحرمة الحلق عليه أو بحرمة التقصير ، لأنه لو كان رجلاً لم يجز له التقصير قبل الحلق ، ولو كان امرأة لا يجوز له الحلق قبل التقصير ، فالفرد الأول الذي يختاره الخنثى دائر أمره بين المحذورين ، فاذا اختار الحلق فهو إما محرم أو واجب ، وكذا لو اختار التقصير فإنه إما محرم أو واجب فالنتيجة هي التخيير بين الأمرين ، لأنه من دوران الأمر بين المحذورين ، فيجوز له اختيار أيّ الفردين بمقتضى هذا العلم الإجمالي ، ولكن إذا اختار أحدهما يكون الفرد الثاني غير محرم قطعاً ، لأنه إذا اختار التقصير فلا حرمة للحلق بعده ، لأنه لو كان امرأة فقد قصرت وأتت بوظيفتها ولا حرمة للحلق بعده ، ولو كان رجلاً فالوظيفة المقررة له هو الوجود الثاني وهو الحلق ، وما صدر منه من التقصير في أول الأمر لا يحل به ، بل يوجب عليه كفارة إزالة الشعر ، وكذلك لو قدّم الحلق لا حرمة للتقصير بعده لأنه لو كان رجلاً فقد حلق وأحل به ولا حرمة للتقصير بعده ، ولو كان امرأة فالتقصير الصادر بعد الحلق وظيفتها وبه يحصل الإحلال فلا حرمة له ، ولا أثر للحلق الصادر منه إلّا ثبوت كفارة إزالة الشعر عن بدنها.

وبالجملة : يجب عليه الجمع بين الحكمين الالزاميين بملاك العلم الإجمالي الأوّل فإن المفروض أن الوجود الثاني غير محرم قطعاً ويجوز له اختيار أي الفردين في ابتداء الأمر بملاك دوران الأمر بين المحذورين.

وأمّا الاحتياط بتقديم التقصير على الحلق فالوجه فيه أنه لو كان امرأة فالحلق الأوّل محرّم قطعاً ، ولكن لو قدّم التقصير وكان رجلاً قطعاً فلا قطع بحرمة التقصير عليه ، لأن المشهور لا يقولون بوجوب الحلق.

٣٣٢

مسألة ٤٠٧ : إذا حلق المحرم أو قصّر حل له جميع ما حرم عليه الإحرام ما عدا النساء والطيب ، بل الصيد أيضاً على الأحوط (١)

______________________________________________________

(١) المعروف والمشهور أن المحرم المتمتع يتحلل بعد الحلق أو التقصير ويحل له كل شي‌ء من محرمات الإحرام إلّا النساء والطيب ، وعن الصدوق ووالده (قدس سره) (١) التحلل بالرمي من كل شي‌ء إلّا الطيب والنساء ، وأمّا المفرد أو القارن فيحل له كل شي‌ء إلّا النساء وكلامنا فعلاً في المتمتع.

وتدل على المشهور عدة من الروايات :

منها : صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلّا النساء والطيب» (٢).

ومنها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح ، فقال : ربما آخرته حتى تذهب أيام التشريق ، ولكن لا تقربوا النساء والطيب» (٣) وغيرهما.

فما عن الصدوق ووالده لا نعرف لهما دليلاً سوى الفقه الرضوي (٤) وقد ذكرنا غير مرّة أنّ الفقه الرضوي لم يعلم كونه رواية فضلاً عن اعتباره وعدمه.

نعم ، في موثق الحسين بن علوان أنه يحل له كل شي‌ء بعد رمي جمرة العقبة إلّا النساء ، وفي معتبرة يونس بن يعقوب أيضاً أُحل له كل شي‌ء بعد الرمي حتى الطيب (٥) ومقتضاهما التحلل من كل شي‌ء بعد الرمي حتى من الطيب وإنما تحرم عليه النساء.

والجواب : أن الخبرين مهجوران ولا قائل بهما حتى الصدوقين ، فإنهما ذهبا إلى

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٣٢٨ ، وحكى عن والده في المختلف ٤ : ٣٠٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٣٢ / أبواب الحلق ب ١٣ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٣٢ / أبواب الحلق ب ١٣ ح ٦.

(٤) المستدرك ١٠ : ١٣٩ / أبواب الحلق ب ١١ ح ٤ ، فقه الرضا : ٢٢٦.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٣٥ / أبواب الحلق ب ١٣ ح ١١ ، ١٢.

٣٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

التحلّل بعد الرمي إلّا من الطيب والنساء ، وأمّا التحلّل من الطيب كما في الخبرين فلم يلتزما به. على أن الخبر الثاني غير ظاهر في كونه متعمداً ولعلّه كان ناسياً يسأل حكمه.

على أنهما معارضان للروايات المشهورة المعروفة الدالّة على عدم التحلّل بعد الرمي فيسقط الخبران عن الحجية لشذوذهما وهجرهما عند الأصحاب.

بل لو فرضنا التعارض فيتساقط الطرفان فالمرجع إطلاق ما دلّ على حرمة ارتكاب هذه الأُمور ما لم يثبت تحليله وما لم يفرغ من أعمال الحج.

وبالجملة : النساء لا تحلّ له إلّا بعد طواف النساء ، وأمّا الطيب فلا يحلّ له بالحلق وإنما يحلّ له بعد طواف الحج.

والذي يدل على حرمة الطيب له حتى بعد الحلق وإنما يحلّ له بعد طواف الحج عدّة من النصوص الواردة في حج التمتّع.

منها : صحيح معاوية بن عمار المتقدمة «فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كل شي‌ء أحرم منه إلّا النساء» (١).

وبإزائه ما يدل على التحلّل من الطيب قبل الطّواف في حج التمتّع ، ولذا ذهب بعضهم إلى الكراهة جمعاً بين الطائفتين ، وما دلّ على التحلّل من الطيب أيضاً قبل الطّواف إنما هو روايتان.

الأُولى : صحيحة سعيد بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المتمتع إذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء؟ قال : نعم الحناء والثياب والطيب وكل شي‌ء إلّا النساء ، رددها عليّ مرتين أو ثلاثاً ، قال : وسألت أبا الحسن (عليه السلام) عنها ، قال : نعم الحناء والثياب والطيب وكل شي‌ء إلّا النساء» (٢).

ورواه الشيخ في التهذيب والاستبصار وترك فيهما قوله : «قبل أن يزور البيت» (٣)

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٣٢ / أبواب الحلق ب ١٣ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٣٤ / أبواب الحلق ب ١٣ ح ٧.

(٣) التهذيب ٥ : ٢٤٥ / ٨٣٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٧ / ١٠٢١.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وحملها الشيخ على من حلق وزار البيت. وهو بعيد جدّاً ، لأن السائل يسأل عمّا بعد الحلق وأنه هل يجوز له ارتكاب هذه الأُمور بعد الحلق ، فالحلق منظور وملحوظ في سؤاله لا زيارة البيت. على أن نسخة الكافي صرحت بأنه إذا حلق قبل أن يزور البيت يجوز له هذه الأُمور (١).

الثانية : معتبرة يونس مولى علي عن أبي أيوب الخزاز قال : «رأيت أبا الحسن (عليه السلام) بعد ما ذبح حلق ثم ضمد رأسه بشك (بمسك) وزار البيت وعليه قميص وكان متمتعاً» (٢).

وقد يناقش في السند بأن في السند مولى علي وهو مجهول ، ولكن صرح في الكافي (٣) والوسائل بيونس مولى علي ، وهو علي بن يقطين ، ويونس مولاه ثقة بلا كلام ، وله روايات عن أبي أيوب الخزاز.

وربّما يناقش في الدلالة كما في الجواهر (٤) بأن إخبار الراوي بأنه (عليه السلام) كان متمتعاً زعماً منه ، فلعلّه كان (عليه السلام) غير متمتع.

وفيه : ما لا يخفى ، فإن الراوي إذا كان ثقة يسمع كلامه حتى في الإخبار عن كونه متمتعاً ونحو ذلك.

والأولى أن يقال في مقام الجمع بين الطائفتين المتعارضتين : أن الطائفتين متعارضتان وليس حمل الإحلال على الكراهة من الجمع العرفي ، لأن الإحلال وعدمه من المتناقضين ولا يمكن الجمع بينهما إذا كانا في كلام واحد ، ويعد ذلك من المتنافيين. نعم لو اجتمع النهي والترخيص يمكن حمل النهي على الكراهة ، إلّا أن الإحلال وعدمه مما لا يمكن الجمع بينهما بل هما من المتنافيين ، فلا بدّ من رفع اليد عما دل على التحلل لموافقته للتقيّة ، وإلّا فيتساقطان والمرجع بعد ذلك إطلاق ما دل على حرمة استعمال الطيب إلى

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٥ / ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٣٥ / أبواب الحلق ب ١٣ ح ١٠.

(٣) الكافي ٤ : ٥٠٥ / ٣.

(٤) الجواهر ١٩ : ٢٥٣.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أن يطوف طواف الحج.

وأمّا الصيد بعد الحلق فمقتضى الروايات المستفيضة الدالّة على أنه يحل له كل شي‌ء إلّا الطيب والنساء ، حلية الصيد بأكل لحمه أو صيده بنفسه في خارج الحرم ، فالصيد بنفسه يتحلّل منه الناسك بعد الحلق ، فإن حرمة الصيد لها جهتان فإنه يحرم للإحرام أو للدخول في الحرم ، أمّا الصيد الحرمي فمحرم ما دام في الحرم حتى بعد طواف النساء ولا ترتبط حرمته بالإحرام ، والروايات الدالة على أنه يحل له كل شي‌ء إلّا الطيب والنساء ناظرة إلى الحرمة الناشئة من الإحرام ولا نظر لها إلى ما حرّمه الدخول في الحرم كقلع شجر الحرم وصيد الحرم ، فالصيد خارج الحرم لا موجب لحرمته لا من ناحية الحرم ولا من ناحية الإحرام فإن مقتضى تلك الروايات جوازه بعد الحلق (١).

هذا ، ولكن مقتضى بعض النصوص المعتبرة بقاء حرمة الصيد الإحرامي حتى بعد طواف النساء كصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة (٢) «وإذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شي‌ء أحرم منه إلّا الصيد» فان الظاهر بقاء حرمة الصيد الذي حرّمه الإحرام ونشأ من الإحرام ، ومن الواضح أن الصيد الحرمي ليس مما حرّمه الإحرام فحمل قوله : «إلّا الصيد» على الصيد الحرمي كما صنعه صاحب الجواهر (٣) ليكون الاستثناء من الاستثناء المتقطع بعيد جدّاً ، بل الظاهر أن الاستثناء متصل ، والمراد بالصيد هو الصيد الإحرامي.

ومما يدل على حرمة الصيد الإحرامي حتى بعد طواف النساء صحيح آخر لمعاوية ابن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) من نفر في النفر الأول متى يحل له الصيد؟ قال : إذا زالت الشمس من اليوم الثالث» (٤) ومعلوم أن المراد به الصيد الإحرامي

__________________

(١) سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى أن المراد بالصيد المذكور في صحيح معاوية هو الصيد الإحرامي فيكون خبر معاوية موافقاً لجملة من الأخبار الدالّة على بقاء حرمة الصيد إلى اليوم الثالث عشر من يوم النفر كما صرح بذلك في مسألة ٤٢٥.

(٢) في ص ٣٣٤.

(٣) الجواهر ٢٠ : ٣٩.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٨٠ / أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٤.

٣٣٦

مسألة ٤٠٨ : إذا لم يقصّر ولم يحلق نسياناً أو جهلاً منه بالحكم إلى أن خرج من منى رجع وقصر أو حلق فيها (١).

______________________________________________________

لأن الصيد الحرمي لم يحدد باليوم الثالث عشر بل هو محرم ما دام كان في الحرم ، وفي صحيحة حماد «إذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول ، ومن نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس ، وهو قول الله عزّ وجلّ (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (... لِمَنِ اتَّقى) فقال : اتقى الصيد» (١) فان النفر الثاني للناس هو اليوم الثالث عشر.

فتحصل : أنه بملاحظة هذه الروايات تبقى حرمة الصيد الإحرامي إلى زوال الشمس من اليوم الثالث عشر ، ولكن حيث لا قائل بمضمون هذه الروايات ، حتى أن صاحب الجواهر قال لم نجد أحداً أفتى بذلك من أصحابنا ، بل ولا من ذكر كراهته أو استحباب تركه أو غير ذلك ، فلذا يكون الحكم بالحرمة وعدم التحلل منه إلى الظهر من اليوم الثالث عشر مبنياً على الاحتياط كما صرحنا بذلك في المسألة ٤٢٥.

(١) يقع البحث تارة : في الناسي ، وأُخرى : في الجاهل ، وثالثة : في العالم العامد.

أمّا الناسي : فوظيفته أن يرجع إلى منى ويقصِّر أو يحلق فيها ، لصحيح الحلبي ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقصّر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى ، قال : يرجع إلى منى حتى يلقي شعره بها حلقاً كان أو تقصيراً» (٢) وتشير هذه الصحيحة إلى أن إلقاء الشعر لا بد أن يكون بمنى ، والمراد من إلقاء الشعر حلقه أو قصره هناك ، فإن الإلقاء بمعنى الفصل والنزع ، ومنه ألقى ثوبه أي نزعه عن جسده.

وأمّا الجاهل : فلم يذكر إلّا في رواية أبي بصير (٣) ولكنها ضعيفة بعلي بن أبي حمزة إلّا أنه يجري عليه حكم الناسي للجزم بعدم الفرق بين الجهل والنسيان ، ولا نحتمل

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٨٠ / أبواب العود إلى منى ب ١١ ح ٣.

(٢) ٣) الوسائل ١٤ : ٢١٨ / أبواب الحلق ب ٥ ح ١ ، ٤.

٣٣٧

فان تعذّر الرجوع أو تعسّر عليه قصّر أو حلق في مكانه وبعث بشعر رأسه إلى منى إن أمكنه ذلك (١).

______________________________________________________

بطلان الحج بذلك في مورد الجهل فإنه لا يبطل في العمد فضلاً عن الجهل ، وقد عرفت أن المستفاد من صحيح الحلبي وجوب إلقاء الشعر حلقاً أو تقصيراً في منى ، ومورده وإن كان النسيان ولكن لا خصوصية له ، فخصوصية النسيان ملغاة.

والنتيجة : أن حكم الجاهل كالناسي ويؤيده خبر أبي بصير.

وأمّا المتعمد : فالمستفاد من صحيحة محمد بن مسلم (١) هو الصحة ، لأنه يسأل فيها عمن زار البيت قبل أن يحلق وهو عالم بعدم جواز ذلك ، والغالب هو الخروج يوم العيد إلى مكة لطواف البيت ، فأجاب (عليه السلام) بأن عليه دم شاة ، ويعلم من ذلك أن حجّه صحيح وإنما عليه دم شاة. وأمّا بالنسبة إلى الحلق فوظيفته الإتيان به إذ لا موجب لسقوطه والواجب على ما هو عليه ، ومجرد تعمد الخروج من منى يوم العيد لا يوجب سقوط الواجب عنه ، وصحيح علي بن يقطين (٢) أيضاً حكم بالصحة وقال : لا بأس بالحج ، ويبقى عليه التقصير على ما هو وظيفته.

فتحصل : أنه في جميع الحالات : النسيان والجهل والعمد يحكم بصحة حجّه ولزوم الرجوع إلى منى للحلق أو التقصير ، نعم في خصوص العالم العامد على ما سيأتي يجب عليه إعادة الطّواف ، وأمّا الناسي والجاهل فلا ، فالحكم بالرجوع إلى منى للحلق أو التقصير فيها مشترك بين جميع الحالات الثلاثة من النسيان والجهل والعمد.

(١) هذه المسألة تنحل إلى حكمين :

أحدهما : أنه إذا لم يتمكن من الرجوع إلى منى والحلق فيها حلق في مكانه ولا يسقط عنه الحلق ، ويدلُّ عليه صحيح مسمع «في رجل نسي أن يحلق أو يقصّر حتى

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢١٥ / أبواب الحلق ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢١٧ / أبواب الحلق ب ٤ ح ١.

٣٣٨

مسألة ٤٠٩ : إذا لم يقصّر ولم يحلق نسياناً أو جهلاً فذكره أو علم به بعد الفراغ من أعمال الحج وتداركه لم تجب عليه إعادة الطّواف على الأظهر ، وإن كانت الإعادة أحوط ، بل الأحوط إعادة السعي أيضاً ، ولا يترك الاحتياط بإعادة الطّواف مع الإمكان فيما إذا كان تذكّره أو علمه بالحكم قبل خروجه من مكة (١).

______________________________________________________

نفر ، قال : يحلق إذا ذكر في الطريق أو أين كان» (١).

والظاهر أن المراد بالنفر بقرينة قوله : «في الطريق أو أين كان» هو النفر والخروج من مكة ، فيدل الخبر على وجوب الحلق في أيّ مكان تذكر ولو في أثناء الرجوع إلى بلده ، وهو وإن كان مطلقاً من حيث التمكن من العود إلى منى وعدمه ولكنه يتقيد بما إذا لم يتمكن من العود إلى منى ، وأمّا مع التمكن من العود فليس له الحلق إلّا في منى كما في صحيح الحلبي المتقدم (٢) فيحمل خبر مسمع على ما إذا لم يتمكن من الرجوع إلى منى جمعاً بينه وبين صحيح الحلبي.

ثانيهما : إرسال الشعر إلى منى ، ويدلُّ عليه صحيح حفص البختري «في الرجل يحلق رأسه بمكة ، قال : يرد الشعر إلى منى» (٣) ونحوه صحيح معاوية بن عمار لقوله : «من أخرجه فعليه أن يردّه» (٤).

(١) لو طاف أو سعى قبل التقصير أو الحلق فقد يكون عالماً عامداً ومع ذلك يأتي بهما قبل الحلق فحينئذ لا شك في فساد الطّواف والسعي ، لعدم إتيان المأمور به على وجهه وعدم مراعاة الترتيب المأخوذ في ذلك ، فبحسب القاعدة الأولية يحكم بالبطلان للإخلال بالشرط وهو الترتيب عمداً.

ويدلُّ على ذلك أيضاً : صحيح علي بن يقطين المتقدم الآمر بالإعادة وأنه إذا قصر

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢١٩ / أبواب الحلق ب ٥ ح ٦.

(٢) في ص ٣٣٧.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢١٩ / أبواب الحلق ب ٦ ح ١ ، ٥.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢١٩ / أبواب الحلق ب ٦ ح ١ ، ٥.

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قبل الطّواف يقصِّر ويطوف بالحج (١).

وبالجملة لا ينبغي الريب في لزوم إعادة الطّواف والسعي إذا كان عالماً عامداً وعليه الجبر بشاة كما في صحيح ابن مسلم (٢).

وأمّا إذا كان ناسياً أو جاهلاً فطاف ثم علم أو تذكّر بلزوم الترتيب ، ففي هذه الصورة ذهب المشهور إلى إعادة الطّواف أيضاً لأجل الإخلال بالترتيب وفقدان الشرط فيكون الطّواف واقعاً في غير محله ويجب عليه الإتيان به في محله. مضافاً إلى إطلاق صحيح علي بن يقطين المتقدم ، لعدم تقييده بصورة العمد ، بل ادعي عليه الإجماع وعدم الخلاف.

أقول : إن تم الإجماع فهو ، وإن لم يتم كما هو كذلك جزماً ، لأن هذه الإجماعات ليست تعبّدية قطعاً ، فالظاهر عدم لزوم الإعادة بالنسبة إلى خصوص الجاهل والناسي وذلك لصحيح جميل ومحمد بن حمران المتقدمين (٣) فإنهما صريحان في تقديم الطّواف على الحلق نسياناً فحكم (عليه السلام) بعدم البأس ، وقد عرفت أن الجاهل كالناسي من هذه الجهة ، وقوله (عليه السلام) : «لا ينبغي له إلّا أن يكون ناسياً» صريح في الجواز والاجتزاء في صورة النسيان ، فان قوله «إلّا أن يكون ناسياً» استثناء من قوله «لا ينبغي» كما أن قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) «لا حرج» يدل على الصحة وأنه غير باطل ، ونسبة الصحيحين إلى صحيحة علي بن يقطين نسبة العام والخاص لإطلاق خبر ابن يقطين ولم يذكر فيه الجهل والنسيان بل هو مطلق من جهتهما فيقيد بغير الناسي والجاهل بالصحيحين.

والنتيجة : أن الترتيب شرط ذكرى لا على نحو الإطلاق نظير شرطية أو جزئية بعض أجزاء الصلاة وشرائطها في حال الذكر خاصة ببركة حديث لا تعاد ، ولكن

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢١٧ / أبواب الحلق ب ٤ ح ١ ، وتقدم في ص ٣٣٨ أيضاً.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢١٥ / أبواب الحلق ب ٢ ح ١.

(٣) في ص ٣٢١.

٣٤٠