موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ٣٩٥ : من لم يتمكّن من الهدي ولا من ثمنه وصام ثلاثة أيام في الحج ثم تمكن منه وجب عليه الهدي على الأحوط (١).

______________________________________________________

ضعيف سنداً ولم ينقل من طرقنا. والأولى ثبوت الكفارة أيضاً لأجل النبوي فيذبح شاتين للهدي والكفارة.

(١) المعروف بين الأصحاب أنه لو صام ثلاثة أيام ثم وجد الهدي كان له المضي على الصوم وليس عليه الهدي. وعن بعضهم كالقاضي وجوب الهدي وأنه لا دليل على سقوطه حينئذ (١).

يقع البحث تارة فيما تقتضيه النصوص وأُخرى فيما تقتضيه القاعدة المستفادة من الآية الكريمة.

أمّا ما تقتضيه القاعدة المستفادة من الآية الشريفة كقوله (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ) (٢) فوجوب الهدي ، لكشفه عن وجدان الهدي ، لأن الفقدان يعتبر في تمام الشهر على الترتيب بين وجدانه في يوم العيد أو في أيام التشريق أو في طول ذي الحجة ، فإذا وجد الهدي في شهر ذي الحجة فهو واجد له فلا ينتقل الفرض إلى البدل وهو الصيام ، ولذا لو علم بوجدان الهدي في اليوم الرابع عشر أو الخامس عشر من ذي الحجة ليس له الصوم.

وبالجملة : لو كنّا نحن والآية ولم تكن في البين رواية لالتزمنا بوجوب الهدي وعدم سقوطه سواء صام أو لم يصم ، أمّا في فرض عدم الصوم فالأمر أوضح ، لعدم وقوع البدل فلا موجب لسقوط الهدي بعد وجدانه. وأمّا في فرض الصوم فكذلك لأنه ينكشف أنه كان واجداً للهدي ولكن لا يدري بذلك.

نعم ، هنا رواية يظهر منها أن العبرة بالوجدان وعدمه إلى يوم النحر ، وهي رواية

__________________

(١) المهذب ١ : ٢٥٩.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٦.

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

أحمد بن عبد الله الكرخي قال : «قلت للرضا (عليه السلام) المتمتع يقدم وليس معه هدي أيصوم ما لم يجب عليه؟ قال : يصبر إلى يوم النحر فان لم يصب فهو ممن لم يجد» (١) فاعتبره فاقداً إذا لم يصب الهدي إلى يوم النحر وإن وجده بعد أيام النفر ولكن الرواية ضعيفة بالإرسال ، لأن الكليني يرسلها عن بعض أصحابنا (٢) فلا يمكن العمل بها. على أن مضمونها مقطوع البطلان ، إذ لا نحتمل أن تكون العبرة بالفقدان بعدم الوجدان إلى يوم النحر بعد استفاضة النصوص وتسالم الأصحاب باستمرار وقت الهدي إلى آخر شهر ذي الحجّة ، ومناف لإطلاق الآية الشريفة ، لأن موضوعها التمكن والتيسير ولم يقيد بقبل يوم النحر أو بعده.

ثم إن صاحب الوسائل رواها في مورد آخر وذكر «فان لم يصبر فهو ممّن لم يجد» (٣) بدل «فان لم يصب» وهو غلط.

وأمّا ما تقتضيه النصوص الواردة في المقام فقد استدل المشهور للاكتفاء بالصوم وسقوط الهدي بعد أيام صيامه وإن وجده بعد أيام التشريق بصحيحة أبي بصير عن أحدهما (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى

إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم ، فإن أيام الذبح قد مضت» (٤) ولا يخفى أن المراد بيوم النفر المذكور فيها يوم نفر الحجاج من مكة إلى بلادهم ، أي من اليوم الرابع عشر غالباً ، وذلك بقرينة قوله (عليه السلام) : في ذيل الرواية «فإن أيام الذبح قد مضت» ومن المعلوم أن أيام الذبح تنتهي في اليوم الثالث عشر. فذكروا أن المستفاد من الرواية أن من صام ثم وجد الهدي بعد أيام الذبح وبعد أيام التشريق يسقط عنه الهدي. والرواية معتبرة سنداً لا قصور فيها سنداً ودلالة ، فما ذكره صاحب الجواهر من قصورها من وجوه (٥) لا نعرف له وجهاً. نعم بعض طرقه فيه ضعف

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٩٩ / أبواب الذبح ب ٥٤ ح ٢.

(٢) الكافي ٤ : ٥١٠ / ١٦.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٨٠ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٦.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٧٧ / أبواب الذبح ب ٤٤ ح ٣.

(٥) الجواهر ١٩ : ١٦٦.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كطريق الكليني (١) ولكن بقية الطرق صحيحة.

والجواب عن ذلك أوّلاً : أن الرواية رويت بنحو آخر وهو قوله (عليه السلام) : «فلم يجد ما يهدي ولم يصم الثلاثة الأيام» وكلامنا في من صام.

وثانياً : أن قوله : «فإن أيام الذبح قد مضت» ينافي مع المستفيضة المعتبرة وما تسالموا عليه من أن أيام الذبح تستمر إلى طول ذي الحجّة.

وثالثاً : لو سلمنا أن المتن الثابت في الرواية هو ما ذكرناه أوّلاً «فلم يجد ما يهدي ... أيذبح أو يصوم» وليس فيه «ولم يصم الثلاثة الأيام» فالسؤال والجواب واضحان في أنه لم يصم من الأول وقوله : «أ يصوم» ظاهر في إنشاء الصوم بمكة وأنه يصوم أم يذبح فأجاب (عليه السلام) بأنه يصوم ، فحمله على استمرار الصوم بالصوم في بلده بمعنى أن وظيفته انقلبت إلى الصوم بعيد جدّاً.

ورابعاً : أن التعليل لسقوط الهدي بقوله : «فإن أيام الذبح قد مضت» ظاهر في أن سبب الحكم بالسقوط هو مضى أيام الذبح صام أو لم يصم ، فتكون الرواية على هذا المتن مساوقة لمتنها الآخر وهو «ولم يصم الثلاثة الأيام» فتكون الرواية على كلا المتنين مخالفة لما تسالم عليه الأصحاب من عدم سقوط الهدي فيما إذا لم يصم الثلاثة فلا بدّ من رد علم هذه الصحيحة إلى أهلها ولا يمكن العمل بها.

واستدل المشهور أيضاً بخبر حماد بن عثمان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هدياً يوم خرج من منى ، قال : أجزأه صيامه» (٢).

والخبر صريح في مذهب المشهور ، ولكن الكلام في السند ، ففيه عبد الله بن بحر كما في الكافي (٣) وفي التهذيب والاستبصار عبد الله بن يحيى (٤) وهذا الاختلاف موجود

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٩ / ٩.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٧٧ / أبواب الذبح ب ٤٥ ح ١.

(٣) الكافي ٤ : ٥٠٩ / ١١.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٨ / ١١٢ ، الاستبصار ٢ : ٢٦٠ / ٩١٩.

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بين الكافي والتهذيب في غير مورد ، فالرواية على مسلك المشهور ضعيفة ، لأن المذكور في السند إن كان عبد الله بن بحر فلم يوثق ، وإن كان عبد الله بن يحيى فهو مجهول ولكن عبد الله بن بحر ثقة عندنا ، لأنه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي ، ولكن لم يثبت أنه عبد الله بن بحر ويحتمل أنه عبد الله بن يحيى فهو مجهول ، فالرواية على كلا المسلكين ضعيفة ولا يمكن تخصيص القرآن بالخبر الضعيف.

على أنه معارض بمعتبرة عقبة بن خالد الصريحة في عدم سقوط الهدي «قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل متمتع وليس معه ما يشتري به هدياً ، فلما أن صام ثلاثة أيام في الحج أيسر ، أيشتري هدياً فينحره أو يدع ذلك ويصوم سبعة أيام إذا رجع إلى أهله؟ قال : يشتري هدياً فينحره ويكون صيامه الذي صامه نافلة له» (١).

والمحقق (٢) وصاحب الجواهر (٣) وغيرهما حملوا الرواية على الأفضلية ولكن لا موجب له ، فإن الرواية وإن كانت ضعيفة على مسلك المشهور ولكن على مسلكنا معتبرة ، لأن عقبة بن خالد من رجال كامل الزيارات فتكون معارضة لخبر حماد وبعد التساقط فالمرجع الآية الشريفة الدالة على وجوب الهدي صام أو لم يصم.

على أن الحمل على الأفضلية في خصوص المقام لا يخلو من الجمع بين المتنافيين لأن موضوع الهدي في الآية الكريمة هو الوجدان وموضوع الصوم هو عدم وجدان الهدي وفقدانه ، فالهدي على الواجد والصوم على الفاقد ، فكيف يقال بجواز الهدي والصوم له حتى يقال بأن الهدي أفضل والصوم يجتزئ به ، إذ مرجع ذلك إلى أنه واجد وفاقد وهو غير معقول.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٧٨ / أبواب الذبح ب ٤٥ ح ٢.

(٢) الشرائع ١ : ٢٩٩.

(٣) الجواهر ١٩ : ١٨٤.

٣٠٤

مسألة ٣٩٦ : إذا لم يتمكّن من الهدي باستقلاله وتمكّن من الشركة فيه مع الغير فالأحوط الجمع بين الشركة في الهدي والصوم على الترتيب المذكور (١).

مسألة ٣٩٧ : إذا أعطى الهدي أو ثمنه أحداً فوكّله في الذبح عنه ثم شك في أنّه ذبحه أم لا ، بنى على عدمه ، نعم إذا كان ثقة وأخبره بذبحه اكتفى به (٢).

______________________________________________________

فالمتحصل : أنه لا دليل على الاجتزاء بالصوم ، ومقتضى المطلقات هو لزوم الهدي ، ولكن حيث إن المشهور ذهبوا إلى أن وظيفته الصوم فالجمع بين الهدي والصوم هو الأحوط.

(١) المشهور عدم لزوم الاشتراك وسقوط الهدي بالمرة كما هو الظاهر من الآية والروايات ، فان المستفاد منها التمكن من الهدي بتمامه وإلّا فينتقل فرضه إلى الصوم ولكن في صحيحة عبد الرحمن ما يدل على الاشتراك قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم متوافقون ، وليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد ، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ قال : لا أُحب ذلك إلّا من ضرورة» (١) وحملها على الأُضحية المستحبة كما في الجواهر (٢) بعيد جدّاً ، لأن قوله «وهم متمتعون» كالصريح في الهدي الواجب ، وبما أن الحكم بلزوم الاشتراك خلاف المشهور لذا كان الأحوط ضم الصوم إليه. أمّا الاحتياط بترك الاجتزاء بالهدي فواضح ، لأن ظاهر الآية هو التمكن من الهدي التام فالاجتزاء ببعض الهدي خلاف الاحتياط ، والاجتزاء بالصوم وحده خلاف الاحتياط من جهة صحيحة عبد الرحمن ، فالأحوط هو الجمع بين الاشتراك في الهدي والصوم.

(٢) الوجه في ذلك واضح.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١١٩ / أبواب الذبح ب ١٨ ح ١٠.

(٢) الجواهر ١٩ : ١٢٤.

٣٠٥

مسألة ٣٩٨ : ما ذكرناه من الشرائط في الهدي لا تعتبر فيما يذبح كفارة ، وإن كان الأحوط اعتبارها فيه (١).

مسألة ٣٩٩ : الذبح الواجب هدياً أو كفارة لا تعتبر المباشرة فيه ، بل يجوز ذلك بالاستنابة في حال الاختيار أيضاً ، ولا بدّ أن تكون النية مستمرة من صاحب الهدي إلى الذبح ، ولا يشترط نية الذابح وإن كانت أحوط وأولى ، كما لا بدّ من أن يكون الذابح مسلماً (٢).

______________________________________________________

(١) لعدم الدليل وإطلاق الأدلة بنفيه.

(٢) لا ريب في عدم وجوب مباشرة الذبح للتسالم وإطلاق أدلّة الهدي ، فإن متعلق الأمر قد يكون ما يعتبر فيه المباشرة قطعاً كقولنا : يصلي ويصوم ويعيد وأمثال ذلك ، وقد يكون من الأفعال التي لا يعتبر فيها المباشرة ، بل بحسب العادة والغلبة تصدر من الغير ، نظير قولنا : فلان بنى مسجداً فإنه يصح الإسناد بمجرّد الأمر بالبناء وكذلك الذبح فإنه يصح إسناده إلى الآمر ولا يعتبر فيه المباشرة ، فإذا قيل : فلان ذبح شاة أو نحر إبلاً لا يفهم منه المباشرة ، فإن أكثر الناس وأغلبهم لا يعرفون الذبح خصوصاً النساء ، فاذا نسب الذبح إلى أحد لا يتبادر منه مباشرة الشخص بنفسه ، بل المتفاهم منه أمره وتسبيبه إلى الذبح نظير بناء الدار وخياطة الثوب والزراعة والنساجة وتخريب الدار ونحو ذلك من الأفعال ، فإنها لا تكون ظاهرة في المباشرة.

هذا كلّه مضافاً إلى السيرة القطعية على عدم تصدي الحاج للذبح أو النحر.

ويؤيِّد بما ورد في النساء من أنهنّ يأمرن من يذبح عنهنّ (١) هذا ممّا [لا] كلام فيه.

إنما الكلام في النيّة ، فهل اللّازم نيّة الذابح المباشر أو يكتفى بنية الآمر ، فان الذبح عبادة يعتبر فيه القربة؟

صريح عبارة المحقق في الشرائع (٢) جواز الاكتفاء بنية الذابح ، لأنه المباشر للعمل

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٨ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧.

(٢) الشرائع ١ : ٢٩٥.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فعليه نيّته ، فلا يجزي حينئذ نية المنوب عنه وحدها ، كذا علله في الجواهر (١) واحتاط بعضهم بالجمع بين نيّة الآمر والذابح.

والذي ينبغي أن يقال كما قد تقدم في بعض المباحث السابقة كمسألة إعطاء الزكاة وإرسالها بالواسطة إن باب الوكالة غير باب النيابة ، بيان ذلك : أن الفعل قد يصدر من المباشر والعامل ولكن ينسب إلى الآمر والسبب من دون دخل قصد قربة العامل فيه أصلاً كبناء المساجد وإيصال الزكاة بالواسطة ، فإن المعتبر فيه قصد قربة الآمر ومَن تعلق بماله الزكاة ، ولا أثر لنية العامل أو الواسطة نوى القربة أم لا ، فان الآمر يأمر ببناء المسجد قصد العامل القربة أم لا ، فيكون بناء المسجد منسوباً إلى الآمر والمعتبر حصول القربة منه. وكذا من وجب عليه الزكاة يجب عليه قصد القربة في الإعطاء ولكن قد يوصلها إلى الفقير بواسطة صبي غير مميز أو بواسطة مجنون أو بواسطة حيوان فإنّه لا أثر لنيّة الواسطة أبداً ، هذا في باب الوكالة.

وقد يصدر الفعل من نفس النائب ويكون العمل عمل النائب لا المنوب عنه ، ولكن يوجب سقوط ذمة المنوب عنه عن العمل بالدليل الشرعي ، كموارد النيابة الثابتة في الشريعة كالحج النيابي والصلاة والصوم ، فان العامل المباشر هو الذي يقصد القربة ويقصد الأمر المتوجه إلى نفسه. بل قد ذكرنا في بعض الأبحاث المتقدمة أن قصد التقرب بالأمر المتوجه إلى الغير أمر غير معقول ، فلا بدّ من فرض كون العامل بنفسه مأموراً ، فيقصد التقرب بالأمر المتوجه إلى نفسه وشخصه ، فقد يكون الأمر المتوجه إلى العامل النائب أمراً وجوبياً كالولد الأكبر بالنسبة إلى قضاء ما فات عن أبيه من الصلاة ، وقد يكون أمراً استحبابياً تبرعياً فيتقرب النائب بالأمر المتوجه إليه ، وبذلك يسقط ما في ذمّة المنوب عنه ، فالنية في أمثال ذلك معتبرة من نفس المباشر ، فإن الأثر يترتب على نيّة نفس المباشر ، فلو لم ينو يقع العمل باطلاً ولا يوجب فراغ ذمّة المنوب عنه ، وإنما تفرّغ ذمّته إذا قصد العامل القربة وقصد الأمر المتوجه إليه من

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ١١٨.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الصلاة والطّواف وإن لم تتحقق نية من المنوب عنه ، ولذا ورد في المغمى عليه يطاف عنه ويرمي عنه (١) مع أن النية لا تتحقق ولا تصدر منه.

وبالجملة موارد اعتبار نية العامل هو ما إذا ثبتت مشروعية النيابة وتوجه الأمر إلى النائب ، فحينئذ يجب على النائب أن يقصد الأمر المتوجه إليه كموارد الصلاة والصيام والحج والطّواف والرمي حيث ورد في الشريعة الأمر بالنيابة في هذه الموارد.

وأمّا الموارد التي لا أمر فيها إلى النيابة ولم تشرع النيابة فلا معنى لنيّة العامل ، ومنها الزكاة فإن المأمور بإعطاء الزكاة نفس المالك ولكن الواجب عليه الإعطاء الأعم من المباشرة والتسبيب ، فحينئذ لا معنى لنيّة العامل أي الواسطة في الإيصال ، لأن المأمور بالزكاة نفس المالك ولا أمر للعامل أصلاً.

وكذلك الذبح في المقام ، فان الذابح المباشر لا أمر له ولم يرد في النصوص أنه يذبح عنه ونحو ذلك فالنيابة غير مشروعة فيه. والظاهر أن القائل باعتبار نية الذابح اشتبه عليه الأمر بين المقامين وظن أن الذبح كالرمي مع أن الفرق واضح ، فان الآمر في باب الذبح يجب عليه قصد القربة ولا موجب لنيّة الذابح.

وصفوة القول : أنه لم يرد في باب الذبح الأمر النيابي ، وإنما الذابح حاله حال العامل في بناء المساجد من توجه الأمر العبادي إلى شخص الآمر لا العامل.

ويترتب على ما ذكرنا بحث آخر وهو أنه لو كان العامل المأمور بالذبح غافلاً عن غرض الذبح وأنه كفارة أو هدي أو شي‌ء آخر فلا يعتبر علمه في وقوعه هدياً ، ولا يضر جهله في صحته والاجتزاء به هدياً ، بخلاف ما لو قلنا باعتبار نيّة الذابح فلا بدّ من التفاته وقصده ، لأن الذبح هنا عبادة لا يقع إلّا عن قصد.

وكذا لو قلنا باعتبار نيّة الذابح وأنه كالنائب فلا بدّ من اعتبار شرائط النائب فيه التي منها أن يكون مؤمناً وإلّا لكان الذبح باطلاً ، كما هو الحال في نيابة الصلاة والطّواف وغير ذلك مما تجوز فيه النيابة ، فإن المعتبر في النائب أن يكون مؤمناً فلا يصح ذبح

__________________

(١) راجع الوسائل ١٤ : ٧٦ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧ ح ٥ ، ٩ ، ١١.

٣٠٨

مصرف الهَدْي

الأحوط أن يعطي ثلث الهدي إلى الفقير المؤمن صدقة ، ويعطي ثلثه إلى المؤمنين هديّة ، وأن يأكل من الثلث الباقي له (١).

______________________________________________________

المخالف ، بخلاف ما لو قلنا بأن الذابح ليس له الأمر النيابي وأن العبادة من الآمر لا المأمور وإنما هو مجرّد عامل ووسيط فلا موجب لاعتبار شرائط النائب فيه ، فيجوز ذبح المخالف أي يقع الذبح الصادر منه بأمر الحاج عبادة ، نظير بناء المساجد الصادر من العامل ، نعم لا ريب في اعتبار كون الذابح مسلماً وإلّا لم تحل ذبيحته.

(١) يقع البحث في موارد :

الأول : هل يجب الأكل من ثلث الهدي ولو قليلاً كما عن جماعة واختاره المحقق في الشرائع (١) أم يستحب كما عن جماعة آخرين ، بل نسب ذلك إلى ظاهر الأصحاب منهم الشيخ صاحب الجواهر (٢)؟

والصحيح ما اختاره المحقق للأمر به في الكتاب والسنّة كقوله تعالى (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) (٣) وقال تعالى أيضاً (فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) (٤).

وأمّا السنة فقد أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بالأكل ، ففي صحيحة معاوية بن عمار الطويلة الحاكية لحج النبي (صلّى الله عليه وآله) وكيفيته «وأمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يؤخذ من كل بدنة منها حذوة (جذوة) من لحم ثم تطرح في مرقه (برمة) ثم تطبخ ، فأكل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) منها وعلي (عليه السلام) وحسيا من مرقها» (٥) وفي صحيحة الحلبي «ثم أخذ من كل بدنة بضعة

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٩٨.

(٢) الجواهر ١٩ : ١٦١.

(٣) الحج ٢٢ : ٢٨.

(٤) الحج ٢٢ : ٣٦.

(٥) الوسائل ١١ : ٢١٧ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فجعلها في قدر واحد ثم أمر به فطبخ ، فأكل منه وحسيا من المرق» (١) وكذلك أُمر بالأكل في روايات كثيرة نتعرض إليها أثناء البحث.

ولا ريب أن ظاهر هذه الأوامر هو الوجوب ولا وجه لرفع اليد عنه ، فحمل الأمر الواقع في الكتاب والسنة على الجواز بالمعنى الأعم أي الاستحباب كما صنعه في الجواهر بدعوى أن الأمر صدر في مقام توهم الحظر ، خصوصاً بعد أن كان المحكي عن الجاهلية تحريم ذلك على أنفسهم كما حكاه الزمخشري في الكشاف عنهم (٢) فيكون الأمر بالأكل حينئذ ظاهراً في مطلق الإباحة ورفع الحظر ، مما لا وجه له ، إذ يرد عليه :

أوّلاً : أنه لم يثبت ما حكاه الزمخشري عن أهل الجاهلية.

وثانياً : أن الدين الإسلامي كان ناسخاً لأحكام الجاهلية ، ومجرّد الحرمة عند أهل الجاهلية لا يوجب رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب ، ولا يوجب وقوع الأمر في مقام توهّم الحظر حتى لا يكون الأمر ظاهراً في الوجوب.

وحيث إن المشهور على الخلاف لذا قلنا بالاحتياط.

الثاني : هل يجب تثليث الهدي ، بأن يعطي مقداراً منه صدقة ومقداراً منه هدية ويأكل الناسك مقداراً منه ، أم يقسم قسمان الصدقة والأكل منه ولا يجب الإهداء؟

ذهب جماعة إلى التقسيم بأقسام ثلاثة : الصدقة والإهداء والأكل منه ، وخالفهم ابن إدريس واكتفى بالصدقة والأكل منه ولم يذكر الإهداء بل خصه بالأُضحية (٣).

والصحيح وجوب صرفه في جهات ثلاث ، ويمكن الاستدلال لذلك بنفس الآية الشريفة ، فإن التصدق دل عليه قوله تعالى (وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) (٤) وأمّا

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٢٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ١٤.

(٢) الكشاف ٣ : ١١.

(٣) السرائر ١ : ٥٩٨.

(٤) الحج ٢٢ : ٢٨.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الإهداء فيدل عليه قوله تعالى (وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) (١). بناء على أن القانع والمعتر لم يعتبر فيهما الفقر كما عن أهل اللغة (٢) فإنهم فسروا القانع بالذي يرضى ويقتنع إذا اعطي ، والمعتر بالمتوقع الذي يعتري ويتعرّض ولا يسأل وهو أغنى من القانع كالأهل والجوار الذين يتوقعون من شخص وإن لم يكونوا فقراء ولم يأخذوا فيهما الفقر ، وظاهر تفسيرهم عدم اعتبار الفقر فيهما ، فهما في قبال الفقير ويصدقان على الغني أيضاً. ويؤكده جعل المساكين في قبالهما في بعض الروايات المعتبرة كصحيحة سيف الآتية ، فنفس الآية الكريمة متكفلة للتقسيم الثلاثي بين الصدقة والإهداء والأكل.

نعم ، لو قلنا بمقالة المشهور وأن القانع والمعتر قسمان من الفقير لا قسيمان له ، فلا دلالة في الآية على وجوب الإهداء ، فيثبت كلام ابن إدريس وغيره من الاكتفاء بالتصدق والأكل ، ولكن الظاهر هو القول المشهور إذ لم يثبت أخذ عنوان الفقر في القانع والمعتر.

الثالث : بعد الفراغ من لزوم التقسيم الثلاثي فهل يجب التثليث بالنسبة المتساوية بأن يتصدّق بالثلث ويهدي ثلثاً كاملاً ويأكل من الثلث الباقي ، أم اللّازم مجرّد التقسيم الثلاثي ولو بالتفاوت وبزيادة بعض الحصص على حصة أُخرى؟

ظاهر المشهور هو التقسيم الثلاثي بالنسبة المتساوية كما في الشرائع (٣) واختاره صاحب الجواهر (٤). وربما يقال بأن ذلك لا يستفاد من الآية ، فإن المستفاد منها هو التقسيم إلى جهات ثلاث ، وأمّا كون الحصص متساوية فلا تدلّ عليه الآية ، فالتفاوت بينها جائز.

ولكن المحكي عن جماعة ومنهم الأردبيلي (قدس سره) (٥) أنه يلزم التساوي في الحصص فيعطى لكل طائفة ثلث منه ، إلّا أنه لم يرد فيه رواية مصرحة بذلك في هدي

__________________

(١) الحج ٢٢ : ٣٦.

(٢) القاموس المحيط ٣ : ٧٦ ، ٢ : ٨٧.

(٣) الشرائع ١ : ٢٩٨.

(٤) الجواهر ١٩ : ١٥٧.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان ٧ : ٢٨٦ ،

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

التمتّع الذي هو محل الكلام.

نعم ، ورد في صحيحة شعيب العقرقوفي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) سقت في العمرة بدنة فأين أنحرها؟ قال : بمكة ، قلت : أيّ شي‌ء أُعطي منها؟ قال : كل ثلثاً ، وتصدق بثلث» (١).

وفي صحيحة سيف التمار قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن سعيد بن عبد الملك قدم حاجّاً فلقي أبي فقال : إني سقت هدياً فكيف أصنع؟ فقال له أبي : أطعم أهلك ثلثاً وأطعم القانع والمعتر ثلثاً ، وأطعم المساكين ثلثاً ، فقلت : المساكين هم السؤّال؟ فقال : نعم ، وقال : القانع الذي يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعتر ينبغي له أكثر من ذلك وهو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك» (٢).

فان مورد الأول وإن كان العمرة التي تساق فيها البدنة ولو ندباً ، ومورد الثاني هو حج القران ومحل كلامنا هو حج التمتّع ، إلّا أن التقسيم المذكور في الروايتين إشارة إلى ما في القرآن المجيد ، ويظهر من ذلك بوضوح أن المراد من القرآن هو التقسيم بنسبة متساوية بلا تفاوت بين الحصص ، لأن ما في القرآن مطلق من حيث حج التمتّع أو القرآن أو العمرة ، فإن المتفاهم منه جريان هذا الحكم في كل ما يعتبر فيه الهدي.

ثم إنّ الأمر بالأكل من الثلث أعم من أن يأكل منه بنفسه ويأكل معه غيره ، لعدم إمكان أكل الثلث بتمامه لشخص واحد غالباً ، وقد صرّح في صحيح سيف التمار المتقدم «وأطعم أهلك ثلثاً».

الرابع : اعتبر المشهور الايمان في الفقير والمهدى إليه ، وذكروا أنه لا دليل عليه سوى الإجماع ، فإن تم فهو وإلّا فيشكل الحكم بلزوم ذلك.

ولكن يمكن الاستدلال على اعتبار ذلك في المقام بالروايات الواردة في باب الزكاة المانعة عن إعطائها إلى غير المؤمن ، ولا يخفى أن التعدي من مورد الزكاة إلى باب

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٦٥ / أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٨.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٦٠ / أبواب الذبح ب ٤٠ ح ٣.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الهدي ليس من باب القياس حتى يقال بأنه لا عبرة به في الفقه أصلاً ، بل التعدي لأجل ما يستفاد من تلك الروايات أن غير المؤمن لا يستحق الإحسان إليه وأنه لا قابلية له لذلك لا لخصوصية في الزكاة ، فإنه ورد في بعض الروايات المعتبرة أنه ليس له إلّا الحجر أو إلّا التراب (١). ويكشف ذلك عن عدم قابليته للإحسان إليه ، فلا فرق بين إعطاء الزكاة أو إعطاء غيرها من الصدقات والمبرّات.

هذا مضافاً إلى صحيح علي بن بلال قال : «كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي؟ فكتب : لا تعط الصدقة والزكاة إلّا لأصحابك» (٢) فإنه دل على عدم إعطاء الصدقة لغير المؤمن ، والصدقة عنوان عام يشمل الصدقة في باب الهدي خصوصاً من ذكرها في قبال الزكاة ، والمستفاد منه منع إعطاء الصدقات إلى المخالف ، خرجنا عن ذلك في خصوص الصدقات المندوبة للنص ، وأمّا مطلق الصدقات الواجبة ومنها صدقة الهدي مشمول للمنع المذكور في النص ، ويكفينا ذلك في المنع بعد عدم الدليل على الجواز.

وأمّا ما ورد من إعطاء علي بن الحسين والباقر (عليهم السلام) ثلث الأضاحي صدقة على جيرانهم (٣) مع أنه لا يخلو جيرانهم من المخالفين ، فليس من الهدي وإنما هو من الأُضحية المستحبة كما هو واضح جدّاً ، فلا ينبغي الريب في الحكم المذكور.

الخامس : لو لم يعمل الناسك بوظيفته ولم يقسّم الهدي ولم يعط ثلث الهدية ولا ثلث الصدقة فهل يضمن أم لا؟

لا ريب في أنه لا ضمان بالنسبة إلى الإخلال بالأكل لعدم تعلق حق الغير به ، وإنما ترك واجباً تكليفياً لا يترتب عليه الضمان ، وأمّا بالنسبة إلى الثلثين لو أخل بهما كما لو باع الثلث أو أكله أو أتلفه بسبب من الأسباب ، والجامع أنه صرفه في غير مورده فهل يضمن أم لا؟

__________________

(١) الوسائل ٩ : ٢٢٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٦ ، ٧.

(٢) الوسائل ٩ : ٢٢٢ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٥ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٦٣ / أبواب الذبح ب ٤٠ ح ١٣.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

فنقول : لو تصرف نصف الثلث بأن أهداه للغني وأهدى البقيّة للفقير فلا ضمان عليه أصلاً ، لصدق الإهداء على ما أعطاه للفقير ، لعدم أخذ الغنى في الهدية ، فإن الهدية إعطاء شي‌ء مجاناً سواء كان المهدى له غنياً أو فقيراً ، فحينئذ قد عمل بوظيفته من إعطاء الثلث هدية وإعطاء الثلث الآخر صدقة.

نعم ، لو عكس الأمر وأعطى جميع الثلثين للغنى ، أو أعطى بعض الثلث للفقير والبقيّة للغني ، فعلى مسلك من لا يرى التثليث بالتساوي فقد عمل بوظيفته أيضاً وعلى مسلك من يرى التثليث بنسبة متساوية كما هو المختار يكون ضامناً لحصة الفقراء.

وأمّا لو باعه أو أتلفه باختياره ولو بإعطائه لغير أهله ضمن الثلثين ، وعللوا الضمان بأن الفقير له حق في المال ، فالمال مما تعلق به حق الغير فإتلاف المال إتلاف لحق الغير وذلك يوجب الضمان. وناقش فيه بعضهم بأن في المقام ليس إلّا حكماً تكليفياً وهو الذبح وإعطاؤه للغير ، ولو تركه فقد ترك حكماً تكليفياً وذلك غير موجب للضمان.

ولكن الظاهر أن الضمان لا يتوقف على ثبوت حق للفقير أو الصديق في المال ، بل سبب الضمان قاعدة على اليد ، فإنها وإن لم تثبت بدليل لفظي ولكن السيرة قائمة على الضمان في الإتلاف الاختياري واليد العادية ، فإذا كان التلف بتفريط ممن وضع يده على مال أحد يضمن له بالسيرة العقلائية ، ولا يتوقف الضمان على أن يكون المال ملكاً لأحد أو متعلقاً لحق الغير ، بل كل مال له مصرف خاص وفرّط الشخص ولم يصرفه في المصرف الخاص يكون ضامناً له ، ومن ذلك الأموال التي تصرف في المواكب الحسينية ، فلو أعطى أحد مقداراً من المال للصرف في المواكب فقد خرج المال عن ملكه ولا يدخل في ملك الغير ، فلا بدّ من صرفه في سبيل الحسين (عليه السلام) فلو أتلف الآخذ المال ولم يصرفه في سبيل الحسين (عليه السلام) فهل يحتمل أنه لا ضمان عليه ، لأن المال لم يكن ملك أحد وخرج من ملك مالكه ، فإن السيرة قاضية بالضمان قطعاً في أمثال هذه الموارد ، بل صريح أخبار الزكاة الضمان لو فرّط في المال الزكوي مع أن الزكاة ليست ملكاً لأحد ، وما ذكر في الآية الشريفة من الأصناف إنما هو لبيان مصرف الزكاة ، لا أنها ملك الفقراء أو المساكين ، نعم لو أخذها الفقير يملك.

٣١٤

ولا يجب إعطاء ثلث الهدي إلى الفقير نفسه ، بل يجوز الإعطاء إلى وكيله وإن كان الوكيل هو نفس من عليه الهدي ويتصرف الوكيل فيه حسب إجازة موكله من الهبة أو البيع أو الاعراض أو غير ذلك (١) ويجوز إخراج لحم الهدي والأضاحي من منى (٢).

مسألة ٤٠٠ : لا يعتبر الإفراز في ثلث الصدقة ولا في ثلث الهدية ، فلو تصدق بثلثه المشاع وأهدى ثلثه المشاع وأكل منه شيئاً أجزأه ذلك (٣).

______________________________________________________

وبالجملة : الضمان ثابت في كل مال له مصرف خاص ولم يصرفه فيه اختياراً ، وإن لم يكن المال ملكاً لأحد.

هذا كله لو أتلفه اختياراً ، ولكن لو تلف الهدي قهراً بسرقة أو بأخذ متغلب قهراً وظلماً أو بتلف سماوي ونحو ذلك مما لا يكون فيه تفريط فلا ضمان عليه ، لأن يده لم تكن يد ضمان ولا عادية.

(١) فإن المعتبر أن يعطي الثلث للفقير المؤمن ويملّكه إياه ، والمفروض أنه قد تحقق ذلك ولو إلى وكيله ، إذ لا يلزم إعطاء المال إلى الفقير مباشرة ، فإذا صار ثلث الهدي ملكاً له فله أن يتصرف فيه كيف ما شاء ، وليس عليه أن يصرفه في جهة خاصة ، بل حاله حال سائر ممتلكاته ، وله أن يملكه لغير المؤمن من المخالف والكافر وغير ذلك من أنحاء التصرّفات.

(٢) ورد المنع عن إخراج لحوم الأضاحي من منى ، وورد في روايات أُخر أن المنع ليس لأجل خروج اللحم في نفسه وإنما لأجل حاجة الناس إليه (١) وأمّا في الزمان الذي كثر اللحم ولا حاجة للناس فيه فلا مانع من إخراجه كزمان صدور هذه الروايات ، وأولى منه زماننا هذا لكثرة اللحم وعدم حاجة الناس إليه.

(٣) لإطلاق الأدلة ، فإن الإيصال والإعطاء إلى الفقير يصدق بالإشاعة أيضاً ولا

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٧١ / أبواب الذبح ب ٤٢.

٣١٥

مسألة ٤٠١ : يجوز لقابض الصدقة أو الهدية أن يتصرف فيما قبضه كيف ما شاء. فلا بأس بتمليكه غير المسلم (١).

مسألة ٤٠٢ : إذا ذبح الهدي فسرق أو أخذه متغلب عليه قهراً قبل التصدق والإهداء فلا ضمان على صاحب الهدي ، نعم لو أتلفه هو باختياره ولو بإعطائه لغير أهله ضمن الثلثين على الأحوط (٢).

٣ ـ الحلق والتقصير

وهو الواجب السادس من واجبات الحج (٣) ويعتبر فيه قصد القربة (٤) وإيقاعه في النهار على الأحوط (٥) من دون فرق بين العالم والجاهل.

______________________________________________________

يعتبر فيه الافراز.

(١) قد ذكرنا حكم هذه المسألة قبيل ذلك فلا نعيد.

(٢) قد تقدّم حكم هذه المسألة في أوّل البحث عن مصرف الهدي (١) فراجع.

(٣) لا ريب في أصل وجوبه وهو المعروف بين الأصحاب ، بل في المنتهي أنه ذهب إليه علماؤنا أجمع (٢) إلّا في قول شاذ للشيخ في التبيان (٣).

وقد دلّت عليه الآية الكريمة (٤) والنصوص المتضافرة (٥).

(٤) لكونه من العبادات ، لأنه جزء الحج والحج من العبادات.

(٥) أي نهار العيد ، يقع الكلام تارة في تقديمه على نهار العيد بأن يحلق أو يقصر ليلة العيد لمن يجوز له الرمي في الليل ، والظاهر أن عدم جوازه مما قطع به الأصحاب

__________________

(١) في ص ٣١٣.

(٢) المنتهي ٢ : ٧٦٢ السطر ٣٢.

(٣) التبيان ٢ : ١٥٤.

(٤) الفتح ٤٨ : ٢٧.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢١١ / أبواب الحلق ب ١.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

للسيرة القطعية ولتأخره عن الذبح ، ومن المعلوم أن الذبح يجب إيقاعه في نهار العيد ، ولصحيح سعيد الأعرج قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : معنا نساء ، قال : أفض بهن بليل ، ولا تفض بهن حتى تقف بهنّ بجمع ، ثم أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة ، فان لم يكن عليهنّ ذبح فليأخذن من شعورهنّ ويقصرن من أظفارهنّ» الحديث (١) فإنه بمفهومه يدل على أن من كان عليه الذبح لا يقصر حتى يذبح.

مضافاً إلى أنه يمكن استفادة ذلك من الروايات الآمرة بالبدأة بالرمي وهو في النهار ويستلزم ذلك وقوع الذبح والحلق في النهار أيضاً لترتبهما عليه.

وبالجملة : لا ينبغي الريب في عدم جواز إيقاعه في ليلة العيد حتى ممن جاز له الرمي ليلة العيد.

وأُخرى يقع الكلام في تأخير الحلق أو التقصير عن نهار العيد إلى الليل أو آخر أيام التشريق.

والمعروف والمشهور لزوم إيقاعه في نهار العيد وعدم جواز تأخيره عنه عمداً واختياراً ، وعن أبي الصلاح جواز تأخيره إلى آخر أيام التشريق ولكن لا يزور البيت قبله (٢).

وربما يستدل للمشهور بالتأسي بفعله (صلّى الله عليه وآله).

وفيه : أن فعله لا يدل على الوجوب ، وليس قوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) «خذوا عنِّي مناسككم» دالّا على أن كل ما فعله في الحج واجب لا يجوز تركه.

وبالسيرة ، إذ لو كان تأخيره عمداً جائزاً لوقع ولو مرة واحدة ولنقل إلينا.

وبصحيحة محمد بن حمران قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له؟ قال : كل شي‌ء إلّا النساء. وعن المتمتع ما يحل له يوم

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥٣ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١ ح ١.

(٢) الكافي لأبي الصلاح : ٢٠١.

٣١٧

والأحوط تأخيره عن الذبح والرمي (١).

______________________________________________________

النحر؟ قال : كل شي‌ء إلّا النساء والطيب» (١) فان قوله (عليه السلام) «يحل له يوم النحر كل شي‌ء» يدل على وقوع الحلق يوم النحر ، إذ الحاج لا يتحلل يوم العيد بدون الإتيان بأعمال منى ، وإنما يتحلل الناسك بالأعمال الصادرة في منى ، فكان من المفروغ عنه وقوع الحلق في يوم العيد ، ولذا ذكر بأنه تحل له الأشياء يوم النحر.

والحاصل : لو تم ما ذكر من الاستدلال فهو ، وإلّا فلا ريب في أن إيقاع الحلق في نهار العيد وعدم تأخيره عنه أحوط كما صرحنا بذلك في المتن ، فالتعبير بالأحوط في قبال من قال بجواز التأخير عمداً إلى آخر أيام التشريق.

هذا كله في حال العمد والاختيار ، وأمّا لو نسي الحلق نهار العيد أو لم يتمكن منه في النهار لعدم التمكن منه في نفسه ، أو لأجل إيقاع الرمي أو الذبح في أواخر النهار فلم يتمكن من الحلق في نهار العيد ، فيجوز له الحلق حينئذ متى شاء ، سواء في الليلة الحادي عشرة أو في نهار غده ، ولكن لا ريب أن التأخير إلى النهار والإتيان فيه أحوط.

(١) وهل يجب تأخير الحلق عن الذبح أم يجوز التقديم عليه؟

نسب إلى جماعة جواز التقديم ، والصحيح ما ذهب إليه المشهور من لزوم تأخيره عن الذبح ، ويدلُّ عليه أوّلاً السيرة. مضافاً إلى ما في صحيح سعيد الأعرج «فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن ويقصرن» (٢) فإنه كالصريح في لزوم التأخير فإن المتفاهم منه أنه لو كان عليهنّ ذبح لا يجوز لهنّ التقصير إلّا بعد الذبح.

ويدلُّ على ذلك أيضاً صحيح جميل الوارد في الناسي «عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال : لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً ، ثم قال : إن رسول الله (صلّى الله عليه

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٣٦ / أبواب الحلق ب ١٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٥٣ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١ ح ١.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وآله وسلم) أتاه أُناس يوم النحر فقال بعضهم : يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه إلّا قدّموه فقال : لا حرج» (١).

فان ظاهر كلمة «ينبغي» وإن كان هو الاستحباب ولكن في المقام بقرينة صدر الرواية «لا ينبغي أن يزور البيت قبل أن يحلق عامداً إلّا أن يكون ناسياً» يراد بها العمل بالوظيفة ، فالمعنى كانت وظيفتهم التأخير فقدّموه ، ومن ذكر الحلق قبل الذبح يعلم أن المرتكز عند المسلمين كان تقديم الذبح وتأخير الحلق ، وأن وظيفتهم الأوّلية كانت ذلك ولكن قدّمه نسياناً ، والمراد بالنسيان ما هو الأعم منه ومن الجهل.

ثم إن هنا رواية ذكرها الشيخ في الاستبصار بإسناده عن موسى بن القاسم عن علي (عليه السلام) قال : «لا يحلق رأسه ولا يزور حتى يضحي فيحلق رأسه ويزور متى شاء» (٢).

وطريق الشيخ إلى موسى بن القاسم صحيح ، ومِن ذكر (عليه السلام) يعلم أن المروي عنه أحد الأئمة (عليهم السلام) فتكون الرواية معتبرة والدلالة واضحة.

ولكن ليس لموسى بن القاسم رواية عن أحد المعصومين بلا فصل يسمّى بعلي وإنما روى عن علي بن جعفر وغيره ممن يسمى بعلي ، والظاهر أن المراد بعلي في هذه الرواية هو علي بن جعفر ، وعن العلّامة التصريح بعلي بن جعفر (٣) فتكون الرواية مقطوعة غير مسندة إلى الإمام ، وذكر كلمة (عليه السلام) كما في الاستبصار من غلط النسّاخ ، ولذا لم تثبت هذه الجملة في الوسائل ولا في الوافي (٤) ولا في التهذيب (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥٥ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٣٩ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٥٨ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٩ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٤ / ١٠٠٦.

(٣) لاحظ المنتهي ٢ : ٧٥٤ السطر ٣٥.

(٤) الوافي ١٤ : ١٢٤٠ / ١٤١٧٩.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٣٦ / ٧٩٥.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

فتحصل : أن اللّازم إيقاع الحلق في نهار العيد وتأخيره عن الذبح والرمي.

ولكن وردت في المقام روايات دلت على جواز الحلق إذا اشترى الهدي وربطه وإن لم يذبحه ، وله أن يذبحه بعد الحلق ، وفي سند جملة من هذه الروايات علي بن أبي حمزة البطائني فهي ضعيفة. نعم في رواية واحدة لم يذكر في سندها علي بن أبي حمزة وإنما رواها المشايخ الثلاثة عن وهب بن حفص كما في الوسائل أو وهيب بن حفص كما في التهذيب والاستبصار (١) والرواية معتبرة إن كان المذكور وهيب بلا كلام ، لأنه ممن وثقه النجاشي (٢) وإن كان وهب فموثق أيضاً ، لأنه من رجال تفسير علي بن إبراهيم «قال : إذا اشتريت أُضحيتك وقمّطتها في جانب رحلك فقد بلغ الهدي محله ، فإن أحببت أن تحلق فاحلق» (٣) وقد عمل الشيخ بهذه الروايات (٤) ومالَ إليه في الحدائق (٥).

أقول : لو لم يذكر التعليل في الرواية لأمكن العمل بها ، ولكن ذكر التعليل فيها بقوله : «فقد بلغ الهدي محله» مانع عن ذلك ، وذلك لأن بلوغ الهدي محله خاص لمن كان محصوراً ، فإنه يجب عليه الصبر حتى يبلغ الهدي ويصل محله أي أرض منى ، فلا يشمل المتمتع الذي وصل إلى منى واشترى الهدي ، فإن المراد بقوله : «محله» هو أرض منى ، فإنه إذا وصل الهدي إلى منى يجوز له الحلق ، ولذا ورد في بعض الروايات أن يجعل بينه وبين المحصور موعداً حتى يحلق عند الموعد المقرّر (٦). والحاصل لو كان المراد ببلوغ الهدي محله هو بلوغه منى ذبح أو لا ، كان للاستدلال بالرواية وجه ، ولو أُريد به العمل بالوظيفة والذبح في منى فتكون الرواية أجنبية عن المقام بالمرة ، وشدّ الهدي وربطه لا أثر له في الحكم.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٥٠٢ / ٤ ، الفقيه ٢ : ٣٠٠ / ١٤٩٤ لكن الراوي فيهما علي بن أبي حمزة. التهذيب ٥ : ٢٣٥ / ٧٩٤ ، الاستبصار ٢ : ٢٨٤ / ١٠٠٧.

(٢) رجال النجاشي : ٤٣١ / ١١٥٩.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٥٧ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٧.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٣٥ ، الخلاف ٢ : ٣٤٥ المسألة ١٦٨.

(٥) الحدائق ١٧ : ٢٣٧.

(٦) الوسائل ١٣ : ١٨١ / أبواب الإحصار والصد ب ٢.

٣٢٠