موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

يخالف ذلك ففي الإستبصار (١) «سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي ، قال : يصوم ثلاثة أيام قبل يوم التروية. قال : فان فاته صوم هذه الأيام ، قال : لا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة ولكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق» وكذا في التهذيب (٢) وكتب المعلق على التهذيب أن النسخ المخطوطة توافق ما في التهذيب المطبوع وكذلك الاستبصار ، فهذه الزيادة التي ذكرها الوسائل والوافي والحدائق «قبل يوم التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة» غير موجودة في نسخ التهذيب والاستبصار المطبوعة والمخطوطة ، فتكون هذه الرواية بناء على نسخ التهذيب والاستبصار من الروايات الدالّة على جواز تقديم صيام الثلاثة الأيام على اليوم السابع وأنه يجوز البدأة بالصوم من أول شهر ذي الحجة ، فحينئذ لا بد من رفع اليد عنها قطعاً ، لأن مفاد هذه الرواية بناء على هذا المتن أن من فاته صوم هذه الأيام الثلاثة قبل اليوم السابع فيصوم بعد أيام التشريق ، مع أنه لا إشكال ولا ريب في أن صيام اليوم السابع والثامن والتاسع مجزئ قطعاً ، فكيف يقول بأن من فاته صوم هذه الأيام الثلاثة قبل يوم التروية يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق.

الطائفة الثالثة : ما دل على النهي عن صيام يوم التروية ويوم عرفة كصحيحة العيص «عن متمتع يدخل يوم التروية وليس معه هدي ، قال : فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ويتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائماً وهو يوم النفر ويصوم يومين بعده» ونحوها صحيحة ابن الحجاج الناهية عن صوم يوم التروية ويوم عرفة (٣).

وقد حمل الشيخ النهي على النهي عن صوم يوم التروية أو يوم عرفة على الانفراد ولم ينه عن صومهما على طريق الجمع وانضمام اليوم الثامن بالتاسع ، فلا ينافي ذلك ما في خبر الأزرق (٤) من صيام التروية ويوم عرفة ، فإنه تصح إضافة يوم الثالث إلى ذلك

__________________

(١) الاستبصار ٢ : ٢٨١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٢.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٩٧ / أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٥ ، ٣.

(٤) المتقدم في ص ٢٧٥.

٢٨١

ولو لم يتمكن في اليوم الثامن أيضاً أخّر جميعها إلى ما بعد رجوعه من منى (١)

______________________________________________________

بعد أيام التشريق ، نعم لو صام يوم التروية فقط أو يوم عرفة منفرداً فلا يصلح للإضافة إليه بصيام يوم آخر بعد أيام التشريق. وبالجملة فالمنهي صيام يوم التروية فقط أو صيام يوم عرفة فقط (١).

وما ذكره الشيخ متين جدّاً ، فإنهم قد ذكروا أن حرف (لا) إذا لم يتكرر يدل على أن الممنوع هو المجموع ، وأمّا إذا تكررت فتدل على أن الممنوع كل واحد من الفردين مستقلا ، ومقتضى الإطلاق يدل على الانضمام والاجتماع أيضاً ، فإذا قيل لا تجالس زيداً ولا تجالس عمراً ، معناه لا تجالس زيداً بانفراده ولا تجالس عمراً بانفراده وإطلاقه يقتضي النهي عن اجتماعهما وانضمامهما ، بخلاف ما لو قيل لا تجالس زيداً وعمراً فإنه يدل على المنع عن الانضمام ولا يشمل الانفراد والاستقلال ، فقوله «لا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة» يدل على المنع عن الانفراد ولا يشمل ضم صوم يوم التروية بيوم عرفة.

فتحصل : أنه لو لم يتمكن من الصوم في اليوم السابع صام الثامن والتاسع ويوماً آخر بعد رجوعه من منى ويغتفر الفصل بيوم العيد.

لو فاته صوم يوم التروية

(١) لو فاته صوم يوم التروية فالمشهور والمعروف بينهم أنه يصوم الثلاثة الأيام بعد أيام التشريق ولا يصوم شيئاً منها في أيام التشريق. وعن بعضهم أنه يصوم اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر ويومين بعده ، فيجوز إيقاع يوم واحد من الثلاثة الأيام في أيام التشريق.

ومالَ إلى هذا القول صاحب الجواهر (٢) وقد ذكر (قدس سره) أن الإنصاف مع

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٢ ذيل الحديث ٧٨٣.

(٢) الجواهر ١٩ : ١٧٢ ـ ١٧٦.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك عدم إمكان إنكار ظهور النصوص في إرادة صوم يوم النفر الذي هو اليوم الثالث عشر أو الثاني عشر.

وأمّا النصوص فمنها : ما يدل على جواز الإتيان بها في أيام التشريق كمعتبرة غياث ابن كلوب عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) «أن عليّاً (عليه السلام) كان يقول : من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق فان ذلك جائز له» (١).

ومنها : خبر عبد الله بن ميمون القداح عن جعفر عن أبيه «أن علياً (عليه السلام) كان يقول : من فاته صيام الثلاثة الأيام في الحج وهي قبل التروية بيوم ، ويوم التروية ويوم عرفة ، فليصم أيام التشريق فقد اذن له» (٢).

والظاهر أن الخبر ضعيف السند بجعفر بن محمد الذي يروي عن عبد الله بن ميمون القداح. وربما يتوهم أنه جعفر بن محمد القمي الأشعري الذي يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى في غير هذا المورد ، وجعفر بن محمد الأشعري ثقة ، ولكن لا يمكن الجزم بذلك ، لأن جعفر بن محمد الأشعري يروي عن عبد الله بن ميمون القداح في مائة وعشرة مورد وليس فيها محمد بن أحمد بن يحيى ، فيكون جعفر هذا شخصاً آخر مجهولاً لا محالة.

فالعمدة موثقة إسحاق بن عمار التي في سندها غياث بن كلوب وهو ثقة أيضاً ولو فرضنا صحة الروايتين سنداً فلا ريب أنهما شاذتان ومتروكتان ومعارضتان بالنصوص الكثيرة المتواترة الناهية عن الصوم في أيام التشريق. على أنهما موافقتان لمذهب بعض العامّة (٣) فتحملان على التقية ، ويكفي في الحمل على التقية موافقة الرواية لمذهب بعض العامّة.

وأمّا ما مالَ إليه في الجواهر من جواز إيقاع الصوم في اليوم الثاني عشر وتتميمه

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٩٣ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٩٣ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ٦.

(٣) المجموع ٦ : ٤٤٥ ، المغني لابن قدامة ٣ : ٥٠٩.

٢٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بيومين بعده مع أن اليوم الثاني عشر من أيام التشريق ، فيدل عليه ما ورد من صوم يوم النفر كصحيح العيص «عن متمتع يدخل يوم التروية وليس معه هدي ، قال : فلا يصوم ذلك اليوم ولا يوم عرفة ويتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائماً وهو يوم النفر ويصوم يومين بعده» (١) وصحيحتان لحماد الوارد في إحداهما فليتسحر ليلة الحصبة يعني ليلة النفر وفي الأُخرى فلينشئ يوم الحصبة وهي ليلة النفر (٢) وهذه الروايات باعتبار ذكر يوم النفر وتفسير الحصبة بليلة النفر تدل على هذا القول والنفر نفران : الأوّل وهو اليوم الثاني عشر وهو النفر الأعظم ، والثاني هو اليوم الثالث عشر.

وبالجملة : الروايات تدل على جواز صوم يوم النفر وهو صادق على اليوم الثاني عشر.

وأمّا صحيح معاوية بن عمار بعد ما حكم بصيام ثلاثة أيام السابع والثامن والتاسع قال قلت : فان فاته ذلك؟ قال : يتسحّر ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده (٣) فلا دلالة فيه على هذا القول ، حيث لم يفسر فيه الحصبة بيوم النفر بخلاف روايات العيص وحماد ، فيحتمل أن يكون المراد بالحصبة في رواية معاوية اليوم الثالث عشر فلا تنطبق هذه الرواية على هذا القول وهو جواز صوم اليوم الثاني عشر.

وهناك صحيحة أُخرى لعبد الرحمن بن الحجاج الحاكية لسؤال عباد البصري من الإمام أبي الحسن (عليه السلام) قال : «فان فاته ذلك أي صوم يوم السابع والثامن والتاسع قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك ، قال : فلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن ، قال : فأيّ شي‌ء قال؟ قال : يصوم أيام التشريق ، قال : إن جعفراً كان يقول : إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أمر بديلاً ينادي أن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومنّ أحد» الحديث (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٩٧ / أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٩٨ / أبواب الذبح ب ٥٣ ، ح ٣ ، وص ١٨٢ ب ٤٦ ح ١٤.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٧٩ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٩٢ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ٤.

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه الصحيحة على خلاف مطلوبهم أدل ، للنهي في ذيل الرواية عن صيام أيام التشريق ، فيكون المراد من يوم الحصبة يوم الرابع عشر كما في مجمع البحرين مستشهداً بهذه الرواية (١) ، وإلّا فلا ينتظم جوابه (عليه السلام) مع سؤال عباد الذي حكى قول عبد الله بن حسن بجواز صيام أيام التشريق ونفاه الإمام. وبالجملة لا يمكن إرادة يوم الثاني عشر الذي هو من أيام التشريق من صبيحة الحصبة ، بل لا يمكن إرادة اليوم الثالث عشر أيضاً.

والجواب عما ذكره صاحب الجواهر أوّلاً : أن عمدة ما ورد في المقام إنما هو صحيح العيص وروايتان لحماد ، وأمّا صحيح عبد الرحمن فقد عرفت أنه لا يدل على أن المراد بالحصبة اليوم الثاني عشر ، بل تكون دالّا على أن المراد بصبيحة الحصبة هو اليوم الثالث عشر أي النفر الثاني ، فيكون معارضاً لخبر العيص وخبري حماد الدالّة على أن المراد بصبح يوم الحصبة يوم الثاني عشر لتفسير الحصبة فيها بيوم النفر ، فلا تصلح الروايات بعد التعارض للاستناد إليها. ويحتمل ولو بعيداً أن يكون التفسير من الراوي نفسه.

وثانياً : هذه الروايات تعارض بما دل على أن الأيام التي يصام فيها ليس فيها شي‌ء من أيام التشريق ، لا خصوص يومين ، بل في بعض الروايات قد صرح بأنه يصوم بعد أيام التشريق ، وأصرح من ذلك كله معتبرة صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «قلت له : ذكر ابن السراج أنه كتب إليك يسألك عن متمتع لم يكن له هدي ، فأجبته في كتابك يصوم ثلاثة أيام بمنى ، فان فاته ذلك صام صبيحة الحصباء ويومين بعد ذلك. قال : أمّا أيام منى فإنها أيام أكل وشرب لا صيام فيها» (٢) ونحوها غيرها مما دل على المنع من صيام أيام التشريق ، وكذا صحيح ابن سنان «فليصم ثلاثة أيام ليس فيها أيام التشريق» (٣) فهذه الروايات بأجمعها تعارض ما دل على جواز صيام اليوم الثاني عشر فان حملناه على التقية فهو وإلّا فيقع التعارض ، والمرجع

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٤٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٩٢ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٩٢ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ١.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بعد التساقط العمومات الكثيرة الدالة على أنه لا صيام في منى (١) فإن أيام منى أيام أكل وشرب وبعال كما في روايات بديل بن ورقاء ، ولا مخصص لهذه الروايات.

وإني أستغرب جدّاً من صاحب الجواهر حيث ذكر هذه الروايات المعارضة ولم يلتفت إلى التعارض ، وذكر أن المحرّم صوم أيام التشريق لمن أقام بمنى ولم يخرج منه وأمّا إذا خرج كاليوم الثاني عشر فلا مانع من الصوم فيه (٢).

ولا يخفى ضعفه ، فان الميزان في جواز الصوم لو كان بجواز الخروج من منى وعدم الإقامة فيه لجاز الصوم في مورد آخر الذي يجوز له الخروج ، بل الظاهر أن النهي عن الصوم في اليوم الثاني عشر لوحظ فيه الخروج ففي هذا الفرض ورد المنع عن الصوم.

بقي الكلام فيما رواه الكليني عن رفاعة «عن المتمتع لا يجد الهدي (٣) قال : يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق ، قلت لم يقم عليه جماله ، قال : يصوم يوم الحصبة وبعده يومين. قال قلت : وما الحصبة؟ قال : يوم نفره» الحديث (٤) وهذه الرواية قد ذكرنا (٥) أنها ضعيفة السند ، ولكن الشيخ رواها بسند صحيح عن رفاعة باختلاف يسير في المتن من دون تطبيق الحصبة على يوم النفر «قلت : فان جماله لم يقم عليه؟ قال : يصوم الحصبة وبعده بيومين ، قلت : يصوم وهو مسافر» الحديث (٦).

فانّ المستفاد من الرواية على طريق الكليني جواز الصوم يوم النفر لتطبيق الحصبة على يوم نفره ، فيختص الجواز بموردها وهو فيما إذا لم يقم عليه جماله ، فتكون الرواية مخصصة للمنع من صيام أيام التشريق ، فنقول بجواز صوم يوم النفر الذي هو من أيام

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٥١٦ / أبواب الصوم المحرم ب ٢.

(٢) الجواهر ١٩ : ١٧٦.

(٣) لا يخفى أن هنا جملة سقطت من الرواية : «قال : يصوم قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. قلت : فإنه قدم يوم التروية ....».

(٤) الوسائل ١٤ : ١٧٨ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١. الكافي ٤ : ٥٠٦ / ١.

(٥) في ص ٢٧٣.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٣٢.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

التشريق في صورة ما لم يقم عليه جماله ولا معارض لذلك.

ولكن هذه الزيادة والتطبيق غير مذكورة في الرواية على طريق الشيخ ، مضافاً إلى ذلك أن أحداً من الفقهاء لم يلتزم بهذا التفصيل. هذا مضافاً إلى ضعف سند الرواية على طريق الكليني ، لأن أحمد بن محمد بن عيسى لا يمكن روايته عن رفاعة بلا واسطة ، فإن رفاعة من أصحاب الصادق (عليه السلام) ولم يدرك الرضا (عليه السلام) وأحمد بن عيسى من أصحاب الجواد والعسكري (عليهما السلام) بل كان حيّاً في سنة ٢٨٠ والشاهد على ذلك أن أحمد بن محمد يروى عن الحسين بن سعيد فهو في رتبة متأخرة عن الحسين بن سعيد ، والحسين بن سعيد يروي عن رفاعة مع الواسطة فكيف يروي أحمد بن محمد عن رفاعة بلا واسطة ، فالعمدة رواية العيص وروايتي حماد (١) وقد عرفت حالها والجواب عنها.

تنبيه

وهو أنه : لو نفر اليوم الثاني عشر كما هو الغالب وبقي اليوم الثالث عشر في مكة كما هو الغالب أيضاً ، فهل يجوز له صوم اليوم الثالث عشر وهو في مكة أم لا؟

الظاهر أنه لم يستشكل أحد في الجواز ، لأن الممنوع من صيام أيام التشريق لمن كان في منى ، وأمّا من كان خارجاً من منى فلا إشكال فيه إلّا من الشيخ فإن المحكي عنه المنع عن صيامها لمن كان في مكة (٢) ويمكن أن أراد بمكة مكة وتوابعها وضواحيها فان المراد بأيام الأكل والشرب هو أيام منى ، وأمّا في نفس بلدة مكة المكرمة فلا مانع من الصيام.

ثم إنّ محل الكلام هو الصوم يوم النفر من منى ، سواء أُريد به النفر الأوّل أو النفر الثاني أي اليوم الثاني عشر والثالث عشر ، والروايات الدالّة على المنع من صوم أيام التشريق لا تفرق بين الثاني عشر والثالث عشر ، كما أن ما دلّ على جواز صوم يوم النفر لا يفرق بين الثاني عشر والثالث عشر ، والتعارض قد عرفت إنما هو بالنسبة

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٨٤.

(٢) النهاية : ٢٥٥.

٢٨٧

والأحوط أن يبادر إلى الصوم بعد رجوعه من منى ولا يؤخره من دون عذر (١).

______________________________________________________

إلى من كان في منى ، وأمّا الحصبة فالمراد بها بعد النفر كما في صحيح حماد والعيص (١) فيعارضان بما في رواية صفوان (٢) الناهية عن صيام أيام منى فتشمل يوم النفر أيضاً وبعد التعارض المرجع ما دل على المنع من صيام أيام منى ، لأنها أيام أكل وشرب لا صيام فيها كما في الروايات العامّة.

فتحصل من مجموع ما ذكرنا : أنّ من كان في منى لا يجوز له الصوم في أيام التشريق ولا بدّ له من تأخير الصوم إلى رجوعه من منى ، وإذا رجع من منى اليوم الثاني عشر فلا مانع له من صيام الثالث عشر وإن كان من أيام التشريق ، وبعبارة اخرى : لا يجوز له صيام الثاني عشر مطلقاً سواء كان في منى أو في غيره ، وأمّا الثالث عشر فلا يجوز له صيامه إذا كان بمنى ، وأمّا إذا كان بمكة أو غيرها فيجوز له صومه.

(١) وهل تجب المبادرة إلى صيام ثلاثة أيام بعد رجوعه من منى؟

نسب المدارك إلى الأصحاب وجوب المبادرة (٣) ولا يخفى أن المستفاد من عدّة من الروايات وجوب المبادرة لقوله : «يصوم يوم الحصبة ويومين بعده» (٤) نعم هنا مطلقات لا يستفاد منها وجوب المبادرة وإنما تدلّ على لزوم الصوم بعد أيام التشريق وبعد رجوعه من منى ، فالعمدة روايات الحصبة الدالّة على لزوم المبادرة ، ولكن مع ذلك لا نقول بوجوب المبادرة لصحيحة زرارة الدالّة على جواز التأخير إلى العشر الأواخر من ذي الحجة «من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك» (٥) فلا بد من حمل تلك الروايات على الاستحباب ، نعم يجب صومها قبل الرجوع إلى أهله.

__________________

(١) المتقدمين في ص ٢٨٤.

(٢) المتقدمة في ص ٢٨٥.

(٣) المدارك ٨ : ٥٠.

(٤) كما في الوسائل ١٤ : ١٧٨ / أبواب الذّبح ب ٤٦ ح ١.

(٥) الوسائل ١٤ : ١٨٢ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٣.

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

تعقيب : الروايات الواردة في من لم يصم الثلاثة الأيام قبل العيد وأنه يصومها يوم الحصبة وبعده بيومين على طوائف ثلاث :

الاولى : ما يستفاد منه أنه يبدأ بالصوم من اليوم الرابع عشر ، وأن يوم الحصبة هو اليوم الرابع عشر لا يوم النفر كما في مجمع البحرين (١) وغيره ، ويدل على ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وقد استشهد صاحب المجمع بها أيضاً «فقال له عباد : وأيّ أيام هي؟ قال : قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، قال : فان فاته ذلك؟ قال : يصوم صبيحة الحصبة ويومين بعد ذلك. قال : فلا تقول كما قال عبد الله بن الحسن قال : فأيّ شي‌ء قال؟ قال : يصوم أيام التشريق ، قال : إن جعفراً كان يقول : إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمر بديلاً ينادي أن هذه أيام أكل وشرب فلا يصومن أحد» (٢).

فان هذه الرواية صريحة في أن يوم الحصبة هو اليوم الرابع عشر ، للقرينة القطعية على ذلك وهي نقله (عليه السلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله) المنع عن صيام أيام التشريق ، وهي اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، ولو جاز الصوم في اليوم الثالث عشر لما تم استشهاده (عليه السلام) بمنع النبي (صلّى الله عليه وآله) وكان قوله (عليه السلام) موافقاً لقول عبد الله بن الحسن الذي ردّه بنهي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن صوم هذه الأيام الثلاثة.

الثانية : ما ذكر فيه أن يصوم يوم الحصبة ويومين بعده من دون تعرض فيه لتفسير يوم الحصبة وأنه يوم النفر كما في صحيحة معاوية بن عمار ، فإنه بعد ما حكم بأنه يصوم قبل التروية ويوم عرفة ، «قال قلت : فان فاته ذلك ، قال : يتسحر ليلة الحصبة ويصوم ذلك اليوم ويومين بعده» (٣) ونحوها صحيحة رفاعة على طريق الشيخ «قال : يصوم الثلاثة أيام بعد النفر ، قلت : فان جماله لم يقم عليه ، قال : يصوم

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٤٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٩٢ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٧٩ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يوم الحصبة وبعده بيومين» (١) فان حملنا الحصبة المذكورة فيهما على ما في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة فيكون المراد منها اليوم الرابع عشر ، وأمّا لو حملت على ما ذهب إليه الفقهاء وهو اليوم الثالث عشر فيدل الخبران على البدأة بالصوم من اليوم الثالث عشر ، ولكنهما غير دالّين على الصوم ولو كان في منى إلّا بالإطلاق ، ونخرج عنه ونقيده بالصوم في مكة للروايات الناهية عن صيام أيام منى.

وتوضيح ذلك : أنه إذا قلنا بأن دلالة صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة رفاعة على جواز صوم اليوم الثالث عشر بالنسبة إلى الصوم في منى ومكة بالإطلاق ، ودلالة الروايات الناهية عن الصوم أيام منى (٢) بالعموم الوضعي ، واللّازم تقديم العموم الوضعي على الإطلاق ، فالنتيجة أن صوم اليوم الثالث عشر ممنوع إذا كان بمنى ، وأمّا إذا كان في غير منى فيجوز صومه.

وإن قلنا بأن دلالة تلك الروايات الناهية عن صيام أيام منى ليست بالعموم الوضعي وإنما هي بالعموم الاستغراقي وهو بالإطلاق أيضاً ، ولكن يقدّم على العموم البدلي فالنتيجة واحدة ، فإن إطلاق ما دل على صيام اليوم الثالث بالنسبة إلى مكة ومنى على البدل ، ولكن النهي عن صيام أيام التشريق وأيام منى على نحو العموم الاستغراقي ويقدّم على البدلي ، فالنتيجة عدم جواز صيام الثالث عشر إذا كان بمنى.

وإن قلنا بأن العموم الاستغراقي لا وجه لتقديمه على البدلي ، لأن كلا منهما يحتاج إلى مقدمات الحكمة ، فقهراً يتحقق التعارض ويتساقطان والمرجع العمومات الناهية عن صيام ثلاثة أيام كما في روايات بديل وندائه من قبل النبي (صلّى الله عليه وآله) بأن لا يصوموا أيام منى فإنها أيام أكل وشرب (٣).

الطائفة الثالثة : روايتان لحماد ورواية لعيص (٤) فسّرت الحصبة فيها بيوم النفر

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢٣٢.

(٢) الوسائل ١٠ : ٥١٦ / أبواب الصوم المحرم ب ٢.

(٣) الوسائل ١٠ : ٥١٧ / أبواب الصوم المحرم ب ٢.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٩٨ / أبواب الذبح ب ٥٣ ح ٣ وص ١٨٢ ب ٤٦ ح ١٤ وص ١٩٧ ب ٥٢ ح ٥.

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وهي معارضة لصحيحة عبد الرحمن حيث فسرت يوم الحصبة باليوم الرابع عشر كما عن أهل اللغة (١) فتسقط هذه الروايات الثلاث للمعارضة. مضافاً إلى أن المراد بالنفر غير واضح ، لأن النفر نفران : الأول وهو اليوم الثاني عشر ، والنفر الثاني وهو اليوم الثالث عشر ، فإن أُريد به النفر الثاني أي اليوم الثالث عشر كما عن الفقهاء فيجري فيه ما ذكرناه في صحيحة رفاعة على طريق الشيخ وصحيحة معاوية بن عمار وأنهما مطلقتان بالنسبة إلى الصوم في مكة أو في منى ، فاذا كانت الدلالة بالإطلاق فتعارض ما دل على المنع من صيام ثلاثة أيام فيرجع إلى العمومات الناهية عن صيام ثلاثة أيام كما في روايات بديل ، وإن أُريد به النفر الأوّل أي اليوم الثاني عشر وإن كان لا قائل به بذلك فالمعارضة بين هذه الروايات الثلاث وما دلّ على المنع من صيام أيام التشريق أوضح ، لأن لازم ذلك اختصاص المنع بيوم واحد وهو اليوم الحادي عشر وهذا بعيد جدّاً فيتساقطان بالمعارضة ، فاليوم الثاني عشر لا يصومه مطلقاً سواء كان في مكة أو في منى ، فان رجع في اليوم الثاني عشر إلى مكة يصوم اليوم الثالث عشر وإن رجع في اليوم الثالث عشر يصوم اليوم الرابع عشر ، وأمّا اليوم الثالث عشر فلا يصومه إذا كان بمنى.

وهنا رواية أُخرى نعدّها طائفة رابعة يستفاد منها أن المراد بالنفر اليوم الرابع عشر وهي معتبرة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) «قال : سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم فإن أيام الذبح قد مضت» (٢) فان المراد بالنفر بقرينة قوله في ذيل الرواية «فإن أيام الذبح قد مضت» هو اليوم الرابع عشر ، لأن أيام الذبح تنتهي في اليوم الثالث عشر وإطلاق النفر على اليوم الرابع عشر باعتبار خروج الحجاج ونفرهم إلى بلادهم في اليوم الرابع عشر غالباً ، فتكون هذه المعتبرة قرينة على أن المراد بالنفر في بقيّة الروايات هو اليوم الرابع عشر.

__________________

(١) تقدم ذكر مصدره في ص ٢٨٩.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٧٧ / أبواب الذبح ب ٤٤ ح ٣.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

بقي شي‌ء : وهو أنه هل يعتبر في صوم الثلاثة أن يصومها بمكة أو يصح مطلقاً؟

لم أر من تعرض لذلك نفياً وإثباتاً سوى شيخنا الأُستاذ (قدس سره) في مناسكه (١) صرح بعدم الاعتبار وأنه يصح مطلقاً ، نعم لا بدّ من وقوع صيامها في ذي الحجة ، وقبل الرجوع إلى بلاده ، إلّا أن الظاهر من الروايات أن يصومها في مكة ، لصحيحة معاوية ابن عمار «فان فاته ذلك وكان له مقام بعد الصدر (٢) صام ثلاثة أيام بمكة ، وإن لم يكن له مقام صام في الطريق» (٣).

ولصحيحة ابن مسكان ، قال : «يصوم ثلاثة أيام ، قلت له : أفيها أيام التشريق؟ قال : لا ، ولكن يقيم بمكة حتى يصومها» (٤).

ونحوهما صحيح ابن سنان «ولكن يقيم بمكة يصومها» (٥).

وظاهر جميع ذلك هو الوجوب ولا قرينة لرفع اليد عن ظهورها ، ولا تصريح في الروايات بجواز الإتيان به في غير مكة ، ولا ندري أن الأُستاذ النائيني (رحمه الله) استند إلى أيّ شي‌ء.

ويظهر من متن التهذيب لزوم الإتيان بالصوم في مكة ، لقوله : ومن فاته صوم هذه الثلاثة الأيام بمكة لعائق يعوقه أو نسيان يلحقه فليصمها في الطريق إن شاء (٦) ، ويعلم من هذه العبارة أن محل هذا الصوم مكة إلّا إذا كان ممن له عذر من نسيان أو عائق يعوقه.

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٣٨٨.

(٢) الصدر : الرجوع كالمصدر والاسم بالتحريك ، ومنه طواف الصدر أي الرجوع. ثم قال في القاموس والصدر محركة : اليوم الرابع من أيام النحر. القاموس المحيط ٢ : ٦٨.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٨٦ / أبواب الذبح ب ٤٧ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٩٢ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ٢.

(٥) الوسائل ١٤ : ١٩١ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ١.

(٦) التهذيب ٥ : ٢٣٣.

٢٩٢

وإذا لم يتمكّن بعد الرجوع من منى صام في الطريق أو صامها في بلده أيضاً (١).

______________________________________________________

(١) كما هو المشهور ويدلُّ عليه جملة من النصوص ، فيها الصحيحة ، منها : صحيحة معاوية بن عمار «قلت : فان لم يقم عليه جماله أيصوم في الطريق؟ قال : إن شاء صامها في الطريق ، وإن شاء إذا رجع إلى أهله» (١).

وبإزاء ذلك روايتان : الأُولى : صحيحة سليمان بن خالد أو عبد الله بن مسكان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تمتع ولم يجد هدياً ، قال : يصوم ثلاثة أيام قلت له : أفيها أيام التشريق؟ قال : لا ولكن يقيم بمكة حتى يصومها وسبعة إذا رجع إلى أهله ، فان لم يقم عليه أصحابه ولم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله» (٢). فإنه يدل على أنه إذا لم يتمكن من الصيام في مكة فليصم عند أهله وظاهره التعيين ، فيعارض ما دل من التخيير بين أن يصوم في الطريق أو عند أهله.

وذكر في الجواهر أن هذه الرواية رواها كاشف اللثام عن ابن مسكان ، ولكن التدبر يقتضي كون الخبر عن سليمان بن خالد (٣).

أقول : قد روى الشيخ في موردين من التهذيب والاستبصار (٤) هذه الرواية ، في أحدهما ذكرها عن سليمان بن خالد عن ابن مسكان ، وفي المورد الثاني ذكرها عن عبد الله بن مسكان عن سليمان بن خالد والمتن متحد تقريباً ، ولا ريب في وقوع التحريف في أحد الموردين ، إذ يبعد جدّاً أن يروي عبد الله بن مسكان هذه الرواية لسليمان بن خالد ويرويها بعين المتن سليمان بن خالد لعبد الله بن مسكان.

وكيف كان : الرواية معتبرة سواء كانت عن عبد الله بن مسكان أو عن سليمان بن خالد ومفادها الصوم في أهله ، فتكون معارضة لما دل على التخيير بين الطريق وأهله.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٧٩ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٩٢ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ٢.

(٣) الجواهر ١٩ : ١٧٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٢٩ / ٧٧٥ ، ٢٣٣ / ٧٨٩ ، ٢٢٩ ، والاستبصار ٢ : ٢٧٧ / ٩٨٤ ، ٢٨٢ / ١٠٠١.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

تعقيب حول صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة

قد عرفت أن الشيخ أورد هذه الصحيحة في الكتابين في موردين تارة نسبها إلى سليمان بن خالد وأُخرى إلى ابن مسكان ، وذكر كاشف اللثام أن الرواية لابن مسكان (١) وأورد عليه في الجواهر بأن التدبر فيما رواه في التهذيب يقتضي كون الخبر عن سليمان ولا ريب في وقوع الاشتباه في أحد الموردين كما تقدم ، ولكن لو كنّا نحن والسند الذي ذكره الشيخ في أحد الموضعين وهو ما رواه عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد وعلي بن النعمان عن ابن مسكان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تمتع ولم يجد هدياً» الحديث (٢) لكان الحق مع كاشف اللثام ، إذ يعلم أن راوي الخبر عن الإمام (عليه السلام) هو ابن مسكان لا سليمان ، وإلّا لو كان الراوي سليمان بن خالد أيضاً فيكون السند هكذا الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد وعن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان ، فيكون علي بن النعمان معطوفاً على النضر بطريق التحويل من إسناد إلى إسناد آخر فحينئذ يلزم أن يقول : قالا سألنا أبا عبد الله (عليه السلام) ، ولكن الشيخ أورد هذا الحديث في مورد آخر بطريقين أدرج السندين في الآخر ، وهو ما رواه الشيخ بإسناده عن سعد بن عبد الله عن الحسين عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد وعلي بن النعمان عن ابن مسكان (٣) وأدرج سنداً آخر وهو ما رواه عن الحسين بن سعيد عن علي بن النعمان عن عبد الله بن مسكان عن سليمان بن خالد (٤) فحينئذ لا يمكن الحكم بصحة الروايتين ، لما عرفت من أنه لا يحتمل أن سليمان بن خالد يروي لابن مسكان

__________________

(١) حكى عنه في الجواهر ١٩ : ١٧٣ ولكن لم نعثر عليه في كشف اللثام. لاحظ كشف اللثام ١ : ٣٦٤ السطر ٣٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٩٢ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ٢ ، التهذيب ٥ : ٢٢٩ / ٧٧٥.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٨٠ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٧ ، التهذيب ٥ : ٢٣٣ / ٧٨٩.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٧٩ ، ٢٨٢.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ما سمعه من الإمام (عليه السلام) ، ومرة اخرى يروي ابن مسكان نفس الحديث لسليمان ، فلا بدّ من السقط في السند كما في الجواهر ، فلا بد من إعادة ذكر سليمان بن خالد بعد ذكر ابن مسكان ، فتكون الرواية عن سليمان بن خالد بطريقين : أحدهما عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد. ثانيهما الحسين بن سعيد عن علي بن النعمان عن ابن مسكان عن سليمان بن خالد ، أو نقول بأن سليمان بن خالد زائد فتكون الرواية عن ابن مسكان كما في كشف اللئام ، فيكون المقام من دوران الأمر بين الزيادة والنقيصة.

هذا كله مع قطع النظر عما يستظهر من الشيخ في الاستبصار من أن الحديث لابن مسكان ، لأنه (قدس سره) روى أوّلاً عن ابن مسكان ثم ذكر خبرين آخرين وقال : فلا تنافي بين هذين الخبرين وبين الخبر الذي قدمناه عن ابن مسكان ، فيعلم من ذلك أن الخبر لابن مسكان لا لسليمان فيكون ذكر سليمان زائداً.

أضف إلى ذلك : أن سليمان بن خالد ليس له رواية عن عبد الله بن مسكان ، وإنما عبد الله بن مسكان يروي عن سليمان بن خالد ، فذكر سليمان بن خالد في السند اشتباه ولعله وقع من النسّاخ.

الرواية الثانية : صحيحة محمد بن مسلم «الصوم الثلاثة الأيام إن صامها فآخرها يوم عرفة وإن لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله ولا تصومها في السفر» (١).

والجواب : أمّا عن صحيح محمد بن مسلم فهو بظاهره مقطوع البطلان ، إذ لا شك في تظافر النصوص في جواز الصوم الثلاثة بعد رجوعه من منى إلى مكة وهو مسافر فكيف بصحيح محمد بن مسلم ينهى عن الصوم في السفر ، فلا بدّ من رد علمه إلى أهله.

وأمّا صحيح سليمان بن خالد الذي أمر بالصوم بعد الرجوع إلى أهله فظاهره

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٨١ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ١٠.

٢٩٥

ولكن لا يجمع بين الثلاثة والسبعة (١)

______________________________________________________

الوجوب التعييني ، ولكن نرفع اليد عن الوجوب التعييني لأجل بقية الروايات المجوّزة للصيام في الطريق ، فيحمل الأمر في صحيح سليمان بن خالد على الوجوب التخييري فان المعارضة بين الصريح والظاهر ، فان تلك الروايات الكثيرة صريحة في الوجوب التخييري ، وصحيح سليمان ظاهر في الوجوب التعييني ، ومقتضى القاعدة رفع اليد عن الظهور بصراحة الآخر.

ثم إنه مع قطع النظر عن كون صحيح ابن مسلم مقطوع البطلان ، يمكن أن يحمل النهي الوارد فيه على الكراهة ، لأن غاية ما في الباب ظهور النهي في الحرمة ونرفع اليد عن الظهور بصراحة بقية الروايات في الجواز.

(١) لو لم يصم في الطريق فلا إشكال في وجوبه عند الرجوع إلى أهله ووصوله إلى بلده ، وهل يجب عليه التفريق بين الثلاثة والسبعة أم يجوز الجمع والتتابع بينهما؟ فيه كلام.

اختار الجواهر (١) وتبعه المحقق النائيني (٢) جواز الجمع بينهما ، وذكرا أن الفصل يجب على من يصوم بمكة ، وأمّا لو صام في البلد والأهل فلا مانع من الوصل.

والظاهر أنه لا وجه لما ذكراه ، لصراحة صحيح ابن جعفر في لزوم الفصل والتفريق «ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعاً» (٣) وليس بإزائه سوى المطلقات كصحيح سليمان ابن خالد المتقدم (٤) «فليصم عشرة أيام إذا رجع إلى أهله» ورفع اليد عن المطلق بالمقيد أمر غير عزيز ، فحمل صحيح ابن جعفر على خصوص من صام في مكة كما في الجواهر لا وجه له.

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ١٨٧.

(٢) دليل الناسك (المتن) : ٣٩٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٠٠ / أبواب الذبح ب ٥٥ ح ٢.

(٤) في ص ٢٩٣.

٢٩٦

فان لم يصم الثلاثة حتى أهلّ هلال محرّم سقط الصوم وتعيّن الهدي للسنة القادمة (١).

______________________________________________________

نعم ، هنا رواية تدل بظاهرها على لزوم التتابع والوصل بين الثلاثة والسبعة ، وهي رواية الواسطي قال : «سمعته يقول : إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج ، فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات ، فان لم يقدر ولم يقم عليه الجمّال فليصمها في الطريق ، أو إذا قدم على أهله صام عشرة أيام متتابعات» (١) فان قوله : «صام عشرة أيام متتابعات» ظاهر في لزوم الوصل والتتابع بين الثلاثة والسبعة وعدم جواز التفريق بينهما ، فتقع المعارضة بينها وبين صحيح علي ابن جعفر الدال على لزوم التفريق وعدم جواز الوصل بينهما.

والجواب عن ذلك أوّلاً : أن الرواية ضعيفة سنداً فلا تصلح للمعارضة.

وثانياً : أن دلالتها بالظهور ، لأن موارد التتابع فيها ثلاثة ، التتابع بين نفس الثلاثة كما في صدر الرواية ، والتتابع بين نفس السبعة ، والتتابع بين الثلاثة والسبعة ، ولا ريب أن دلالتها على التتابع بين الثلاثة والسبعة وفي نفس السبعة بالظهور ، وصحيح ابن جعفر يدل على التتابع في موردين الثلاثة الأيام والسبعة ، ويدلُّ على التفريق صريحاً بين الثلاثة والسبعة ، فنرفع اليد عن ظهور تلك الرواية بصراحة هذه الصحيحة.

(١) لو خرج شهر ذي الحجة ولم يصم الثلاثة لا في الطريق ولا في البلد تعين عليه الهدي على المشهور بل ادعي عليه الإجماع ، لاختصاص دليل البدلية بشهر ذي الحجة فيرجع في غيره إلى إطلاق دليل وجوب الهدي.

ونسب إلى الشيخ جواز الصوم حتى بعد انقضاء شهر ذي الحجة ولكن الهدي أفضل (٢) كما نسب إلى المفيد لزوم الصوم في غير الناسي وأمّا الناسي فيتعين عليه الذبح (٣) واستحسنه في الذخيرة (٤) ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٩٦ / أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٤.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٣.

(٣) نسب إليه في الذخيرة : ٦٧٣ السطر ٣١.

(٤) الذخيرة : ٦٧٤ السطر ١.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فمنها : ما دل على أن يصوم الثلاثة في الطريق أو عند أهله وفي بلده كصحيحة معاوية بن عمار وغيرها (١) وإطلاق هذه الروايات يشمل ما إذا هلّ هلال محرم ولا يختص بشهر ذي الحجة ، وعليه اعتمد المفيد والسبزواري.

ومنها : ما بإزاء هذه الروايات كصحيحة منصور بن حازم الدالة على أنه إذا هلّ هلال محرم سقط عنه الصوم وتعين الشاة «قال (عليه السلام) : من لم يصم في ذي الحجّة حتى يهل هلال المحرم فعليه دم شاة وليس له صوم ويذبحه بمنى» (٢) ونحوها بإسناد آخر عن منصور بن حازم.

ومنها : ما دل على أن من نسي صوم الثلاثة عليه الدم كصحيحة عمران الحلبي «عن رجل نسي أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع إذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله ، قال : يبعث بدم» (٣).

والظاهر أن المراد بنسيان صوم الثلاثة نسيان طبيعي الصوم في تمام شهر ذي الحجة حتى قدم شهر محرم ، وإلّا فلو نسيه في بعض الشهر فلم ينس الطبيعي الواجب عليه بل نسي فرداً من أفراده. وذكر السبزواري أن المراد بصحيحة منصور الدالّة على وجوب الهدي هو مورد النسيان فالناسي حكمه الهدي ، وأمّا غير الناسي أي التارك المتعمد فيصوم ولو بعد محرم (٤).

يقع الكلام في مقامين :

أحدهما : في أصل المعارضة وأنه هل هناك معارضة بين المطلقات وصحيحة منصور وعمران الحلبي أم لا معارضة في البين؟ والظاهر أنه لا معارضة في البين ، وإطلاق تلك الأدلة المستفيضة لا يشمل ما لو خرج ذو الحجة ولم يصم الثلاثة.

ودعوى : إطلاق النصوص الآمرة بالصوم في الطريق أو عند الرجوع والوصول

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٧٩ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤ وغيره.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٨٥ / أبواب الذبح ب ٤٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٨٥ / أبواب الذبح ب ٤٧ ح ٣.

(٤) الذخيرة : ٦٧٣ السطر ٤٤.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى بلده بالنسبة إلى دخول شهر محرم فتدل على لزوم الصوم حتى إذا هل هلال محرم فتكون معارضة لصحيحتي منصور الدالتين على سقوط الصوم بانقضاء شهر ذي الحجة فإن مقتضى تلك الروايات جواز الصوم في شهر محرم ومقتضى صحيحتي منصور سقوط الصوم وثبوت الدم.

فاسدة بأنّ الروايات الواردة في الصوم في الطريق أو في بلده ناظرة إلى إلغاء خصوصية المكان ، ولا إطلاق لها من حيث الزمان ، فان الواجب أوّلاً على المكلف الصوم في مكة وتوابعها ، فان لم يتمكن من الصوم بمكة يجوز له الصوم في الطريق أو بلده ، فالمستفاد من هذه الروايات أن خصوصية المكان ملغاة ولا تجب عليه هذه الخصوصية ، فلا بد من الإتيان به مع رعاية سائر شرائطه من وقوعه في طول شهر ذي الحجة أو وقوعه بعد أيام التشريق ، فلا يصح التمسك بها لاعتبار التتابع أو الفصل بين أيام الصوم باعتبار عدم ذكر الوصل أو الفصل في هذه المطلقات ، فإن الإطلاق إذا لم يكن ناظراً إلى خصوصية فلا يمكن التمسك به لاعتبارها أو عدمه ، فاللازم رعاية بقية الشروط كوقوع الصوم في شهر ذي الحجة.

فظهر أنه لا معارضة في البين أصلاً ، والمرجع إطلاق ما دل على وجوب الهدي ، فما ذهب إليه المشهور هو الصحيح.

المقام الثاني : لو فرضنا أن الإطلاق لتلك الروايات متحقق بالنسبة إلى الزمان وعدم دخل شهر ذي الحجة ، فبالنسبة إلى نسيان صوم الثلاثة الأيام يتعين عليه الدم بلا إشكال ، للنص وهو صحيح عمران الحلبي ولا معارض له ، وأمّا التارك العامد لصيام الثلاثة في مكة والذي لم يصم في الطريق ولا في البلد حتى دخل شهر محرم فعليه الدم جزماً ، ولا دليل على جواز الصيام له ، بل لا دليل على جواز صومه في ذي الحجة فضلاً عن شهر محرم ، لعدم شمول إطلاق أدلّة الصوم للتارك المتعمد ، فهاتان الصورتان ، الناسي والمتعمد يتعين عليهما الدم من دون أيّ معارض.

يبقى الكلام في الصورة الثالثة وهي : ما لو ترك صيام الثلاثة الأيام لعذر من

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأعذار ، لمرض أو حيض أو عدم قيام الجمّال وعدم صبر القافلة ونحو ذلك من الأعذار ، إذ لا خصوصية لعدم قيام الجمّال المذكور في النص ، فإن العبرة بالعذر ، فهل يشمل إطلاق تلك الروايات هذه الصورة أم لا؟

الظاهر أن التعارض بين تلك الروايات الدالّة على جواز الصوم في الطريق أو في البلد وبين صحيحتي منصور بن حازم تعارض العموم من وجه ، وذلك لاختصاص تلك الروايات بذوي الأعذار وعمومها بالنسبة إلى خروج الشهر وعدمه ، واختصاص الصحيحتين بخروج الشهر وعمومها بالنسبة إلى العذر وغيره ، فيتحقق التعارض في مورد العذر عند دخول شهر محرم ، فإن إطلاق تلك الروايات يثبت الصوم ، وإطلاق الصحيحتين يثبت الدم ، فالنفي والإثبات يتواردان على مورد واحد ويتساقطان ، والمرجع حينئذ الآية الكريمة ومقتضى قوله تعالى (فِي الْحَجِّ) (١) اشتراط وقوع الصوم في شهر ذي الحجة ، وقد صرح في النص بأن في الحج أي في ذي الحجة ، فإن التقييد بالحج يوجب دخل القيد في البدلية وإلّا لكان ذكر القيد لغواً ، فاذا انقضى شهر ذي الحجة فالبدلية غير ثابتة فلا بدّ من الهدي ، فالنتيجة تكون مطابقة لمفاد صحيحتي منصور بن حازم.

ثم إنه وقع الكلام في أن الدم حينئذ هدي أو كفارة؟

المعروف أنه هدي ، واحتمل كاشف اللثام أنه كفارة بل قال هي أظهر (٢) ولكن المستفاد من قوله : «فعليه دم شاة وليس له صوم» (٣) كون الشاة هدياً ، لأن الصوم بدل الهدي ونفيه يقتضي كون الشاة الثابتة عند عدم تحقق الصوم هدياً ، لسقوط البدلية حينئذ ، وإلّا لا موقع لقوله : «ليس له صوم» فلا بد أن يذبحه بمنى أيام النحر.

نعم ، مقتضى النبوي «من ترك نسكاً فعليه دم» (٤) كون الدم كفارة ، ولكن النبوي

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦ ونصّها «فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ».

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٦٥ السطر ٢٦.

(٣) كما في صحيحة منصور بن حازم المتقدمة في ص ٢٩٨.

(٤) سنن البيهقي ٥ : ١٥٢.

٣٠٠