موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

يخفى ضعفه ، فان صحيح أبي بصير المتقدم قد صرح بوجوب ذبح الأوّل الذي ضاع «قلت : فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأوّل قال : إن كانا جميعاً قائمين فليذبح الأوّل وليبع الآخر وإن شاء ذبحه» ولا معارض لهذه الصحيحة ، فالصحيح عدم الاجتزاء بذبح الثاني.

وإن وجد الأوّل بعد ذبح الثاني فالمعروف بينهم أنه يستحب ذبح الأوّل ، واستدل على ذلك بأن الذبح إذا صدر منه ووقع على الثاني فقد امتثل وأتى بالمأمور به فلا موجب للذبح مرّة أُخرى بعد حصول الامتثال ، فيكون الأمر بذبح الثاني محمولاً على الاستحباب لا محالة.

وفيه : أن جواز الاجتزاء بالذبح الواقع على البدل وحصول الامتثال به أوّل الكلام إذ لعل الاجتزاء مشروط بعدم وجدان الأوّل ، وغاية ما في الباب أن ذبح البدل تكليف ظاهري ، وأمّا كونه مسقطاً للتكليف الواقعي وموجباً لعدم ذبح الأوّل إذا وجد الأوّل فأول الكلام ، فان وجدان الهدي الأوّل وإن وجد بعد ذبح الثاني يكشف عن عدم كون ذبح الثاني مأموراً به ، وقد أمر في صحيح أبي بصير المتقدّم بذبح الأوّل لو وجد حتى ولو وجد بعد ذبح الثاني ولا قرينة على حمله على الاستحباب.

نعم ، حمل الشيخ صحيح أبي بصير على كونه قد أشعر الأول ، فحينئذ يتعين عليه ذبح الأول ، وأمّا إذا لم يكن قد أشعره فلا يلزم ذبحه (١) ولكن الشيخ (عليه الرحمة) ذكر ذلك في التهذيب (٢) واستدل له بصحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يشتري البدنة ثم تضل قبل أن يشعرها ويقلدها فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر ويجد هديه ، قال : إن لم يكن قد أشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها وإن شاء باعها ، وإن كان أشعرها نحرها» (٣) فتكون هذه الصحيحة مقيدة لصحيحة أبي بصير الدالة على ذبح الأوّل إذا وجده على الإطلاق ، أشعره أم لا.

__________________

(١) الاستبصار ٢ : ٢٧١.

(٢) التهذيب ٥ : ٢١٩.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٤٣ / أبواب الذبح ب ٣٢ ح ١.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر أنه لا موجب لهذا التقييد ، لأن مورد كل من صحيح الحلبي وصحيح أبي بصير أجنبي عن الآخر ، فان الظاهر أن مورد صحيح الحلبي هو حج القران ، فان الواجب فيه هو النحر بالسياق وإن لم يسق فلا يجب النحر ، فالوجوب يتحقق بأحد أمرين : إما بالسياق أو بالإشعار ، ونلتزم بذلك في حج القران ، فلو أشعر البدنة يتعين عليه نحرها وإن وجدها بعد نحر بدنة اخرى ، وإن لم يسق ولم يشعر لا يجب عليه شي‌ء ، فالرواية أجنبية عن حج التمتّع الذي فيه الهدي من دون أيّ قيد وشرط ، وأنه يتعيّن بالشراء.

فالمتحصل مما ذكرنا : أنه يظهر من الأدلة أن الحكم بوجوب الذبح قائم بالطبيعي فسقوطه بهلاك الفرد الشخصي لا وجه له حتى ولو قلنا بتعينه بالشراء ، لأن الضياع أو الهلاك إنما هو للفرد الخارجي الشخصي لا للطبيعي المأمور به.

وأمّا رواية أحمد بن محمد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) الدالة على الاجزاء ، فسندها كما ذكرنا (١) ضعيف للإرسال لوجود الفصل الكثير بين أحمد بن محمد بن عيسى وأصحاب الصادق (عليه السلام) فإنه من أصحاب الجواد والهادي (عليهما السلام) بل قد أدرك أحمد بن محمد بن عيسى من زمن الغيبة أزيد من عشرين سنة ، فإنه حضر جنازة أحمد بن محمد بن خالد في سنة ٢٨٠ فكيف يمكن أن يروي عن أصحاب الصادق (عليه السلام).

ولو فرضنا أنه يمكن روايته عن واحد واثنين أو ثلاثة من أصحاب الصادق (عليه السلام) لاحتمال طول أعمارهم ولكن لا نحتمل روايته عن جماعة كثيرة من أصحاب الصادق (عليه السلام) لعدم احتمال طول أعمار جميعهم.

وعلى الجملة : لو قلنا بأن الرواية مرسلة كما هو الظاهر فالأمر سهل ، وإن قلنا بأنها مسندة ومعتبرة فالمتن على ما في الوسائل مطلق ، فيرفع اليد عن الإطلاق ويحمل على الهدي المندوب.

__________________

(١) في ص ٢٦٠.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الرواية مذكورة في التهذيب (١) والوافي (٢) والحدائق (٣) بنحو آخر وهو «في رجل اشترى شاة لمتعته فسرقت منه» إلى آخر الحديث ، فتكون الرواية واردة في خصوص حج التمتّع ، فيعارضها صحيح عبد الرحمن بن الحجاج الوارد في التمتّع الدال على عدم الإجزاء صريحاً «عن رجل اشترى هدياً لمتعته فأتى به منزله فربطه ثم انحل فهلك ، فهل يجزيه أو يعيد؟ قال : لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوة به عليه» (٤) فيتساقطان والمرجع الإطلاقات الدالة على وجوب الهدي.

ومثل صحيح عبد الرّحمن بن الحجاج صحيح أبي بصير المتقدم «عن رجل اشترى كبشاً فهلك ، قال : يشتري مكانه» إلى آخر الحديث (٥) فان صحيح أبي بصير وإن لم يرد فيه التمتّع ولكن ما دل على الإجزاء يخصص رواية أبي بصير ، فتكون رواية أبي بصير بعد التخصيص مختصة بحج التمتّع ، فحالها حال صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج.

نعم هنا صحيحة أُخرى لعبد الرّحمن بن الحجاج تدل على الإجزاء إذا عرف بالهدي يعني إذا وصل إلى عرفة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا عرف بالهدي ثم ضل بعد ذلك فقد أجزأ» (٦) ولكن الدلالة بالإطلاق ولم يصرح فيها بالتمتع الذي يجب فيه الهدي بالأصل ، فتحمل على الهدي تطوعاً في حج القران ، فتكون النسبة بينها وبين ما دل على الضمان وعدم الإجزاء عموم من وجه ، لأن مقتضى إطلاق صحيح الحلبي الدال على الضمان وجوب الإبدال ، سواء ضل الهدي بعد عرفة أم لا ، ففي صحيح الحلبي «أيّ رجل ساق بدنة فانكسرت قبل أن تبلغ محلها أو عرض لها موت أو هلاك فلينحرها إن قدر على ذلك إلى أن يقول وإن كان الهدي الذي انكسر

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٢١٧ / ٧٣٢.

(٢) الوافي ١٤ : ١١٤٨.

(٣) الحدائق ١٧ : ١٧٩.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٣٢ / أبواب الذبح ب ٢٥ ح ٥.

(٥) الوسائل ١٤ : ١٣٢ / أبواب الذبح ب ٢٥ ح ٤.

(٦) الوسائل ١٤ : ١٣٤ / أبواب الذبح ب ٢٥ ح ٩.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وهلك مضموناً ، فان عليه أن يبتاع مكان الذي انكسر أو هلك ، والمضمون هو الشي‌ء الواجب عليك في نذر أو غيره» (١).

ونحوه صحيح معاوية بن عمار «سألته عن رجل أهدى هدياً فانكسرت ، فقال : إن كانت مضمونة فعليه مكانها» (٢) وصحيح عبد الرّحمن المتقدم يدل على الإجزاء إذا عرف بالهدي سواء كان هدياً تطوعاً أم لا ، فيقع التعارض في المجمع وهو الهدي الواجب إذا عرف به ، فمقتضى صحيح الحلبي ومعاوية بن عمار عدم الإجزاء ومقتضى صحيح عبد الرحمن هو الإجزاء ، وبعد التساقط فالمرجع عموم الآيات والروايات الدالّة على وجوب الهدي وعدم الإجزاء بالضائع.

بل لو فرضنا وجود رواية أُخرى تدل على الإجزاء بالإطلاق من حيث الهدي الواجب والمندوب نلتزم بوجوب الإبدال في الهدي الواجب ، وأن الاجتزاء بمجرد الشراء يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، فان التكليف بالذبح لا يسقط بمجرّد الشراء وتعينه بفرد خاص ، لما عرفت من أن متعلق التكليف هو طبيعي الهدي وهو متمكن منه.

وأمّا رواية بلوغ الهدي محله (٣) فهي في مقام بيان غاية بلوغ الهدي وحرمة المحرمات عليه ، وأنه إذا بلغ الهدي يجوز له الحلق ، وليست ناظرة إلى الاكتفاء والاجتزاء بمجرّد شراء الهدي وإن ضلّ وضاع.

ثم لا يخفى أن صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الدالة على الاجتزاء إذا عرف بالهدي فقد رويت بطريقين :

أحدهما : ما رواه الصدوق عن شيخه أحمد بن محمد بن يحيى العطار (٤) وقد ذكرنا

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٤٢ / أبواب الذبح ب ٣١ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٣١ / أبواب الذبح ب ٢٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٥٧ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٧.

(٤) الفقيه ٢ : ٢٩٧ / ١٤٧٦ ، ٤ (المشيخة) : ٤١.

٢٦٤

مسألة ٣٩١ : لو وجد أحد هدياً ضالّاً عرّفه إلى اليوم الثاني عشر ، فان لم يوجد صاحبه ذبحه في عصر اليوم الثاني عشر عن صاحبه (١).

______________________________________________________

في محله (١) أنه لم يوثق فتكون الرواية على هذا الطريق ضعيفة.

ثانيهما : ما رواه الشيخ عن الصدوق عن شيخه ابن الوليد في الفهرست (٢) وهذا الطريق صحيح ، فيعلم أن الصدوق له طريق آخر إليه وهو الصحيح الذي ذكره الشيخ في الفهرست.

(١) يقع البحث في هذه المسألة عن جهات :

الاولى : لو ضلّ الهدي ووجده شخص آخر وذبحه فهل يجزئ عن صاحبه أم لا؟

المعروف والمشهور بينهم هو الإجزاء ، ولكن ناقش فيه المحقق في الشرائع (٣) والنافع (٤) ويستدل له بأمرين :

أحدهما : أن التصرف في الهدي الضال بالذبح للواجد محرم شرعاً ، لأنه من لقيط الحرم ، وأخذ لقطة الحرم والتصرف فيها محرم.

ثانيهما : أنه يجب على الحاج نفسه الذبح مباشرة أو تسبيباً ، ومجرد صدور الذبح عن شخص آخر ما لم يستند إلى صاحبه لا يقتضي الإجزاء عن المكلف بالذبح.

وأورد عليه في الجواهر (٥) أن ذلك اجتهاد في مقابل النص ، لدلالة صحيحة منصور ابن حازم على الإجزاء صريحاً «في رجل يضلّ هديه فوجده رجل آخر فينحره ، فقال : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضلّ عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه» (٦) مضافاً إلى أنه يمكن القول بجواز الالتقاط في خصوص هذا

__________________

(١) معجم الرجال ٣ : ١٢٠.

(٢) الفهرست : ١٣٤ ـ ٤٧٤.

(٣) الشرائع ١ : ٢٩٥.

(٤) المختصر النافع : ٨٩.

(٥) الجواهر ١٩ : ١٢٩.

(٦) الوسائل ١٤ : ١٣٧ / أبواب الذبح ب ٢٨ ح ٢.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

المورد للنص الخاص.

الثانية : أنه بناء على الإجزاء هل يجزئ عن صاحبه مطلقاً وإن ذبحه عن نفسه أو ذبحه بعنوان غير الهدي ، أم يعتبر في الإجزاء عن صاحبه أن يذبحه عنه.

ذكر في الجواهر (١) أيضاً أن الإجزاء مطلقاً غير مجز ، لأن النص الدال على الإجزاء ناظر إلى عدم اعتبار خصوصية صدور الذبح من صاحبه ، ويكتفي به ولو صدر عن الغير ، ولا ينظر إلى بقية الشروط المعتبرة في الهدي والذي منها استناد الذبح إلى صاحبه وإلى الحاج نفسه ، فحال هذا الشرط حال بقية الشروط المعتبرة في الذبيحة من الاستقبال والتسمية ، فالإجزاء يختص بصورة صدور الذبح عن صاحبه.

ويدل على ذلك أيضاً صحيح محمد بن مسلم «ثم ليذبحها عن صاحبها» (٢) فالمتفاهم من النصوص أن الساقط إنما هو مجرد استناد الذبح إليه مباشرة أو تسبيباً ، فلا يدل النص على الإجزاء حتى ولو لم يقصد الذبح عن صاحبه.

الثالثة : هل يستحب التعريف بالهدي أم يجب؟

ظاهر النص هو الوجوب ، لقوله في صحيح ابن مسلم «فليعرفه» ولا دليل على عدم الوجوب سوى الأصل الذي اعتمد عليه في الجواهر (٣) وهو المقطوع بالنص.

وما صدر من الجواهر أيضاً اجتهاد في مقابل النص.

الرابعة : هل يجب التعريف حتى بعد الذبح حتى يجد صاحبه ويخبره بالذبح أم يختص التعريف بما قبل الذبح؟

ظاهر النص وجوب التعريف قبل الذبح ، قال في صحيح ابن مسلم «فليعرفه يوم النحر والثاني والثالث ثم ليذبحها عن صاحبها».

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ١٢٨.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٣٧ / أبواب الذبح ب ٢٨ ح ١.

(٣) الجواهر ١٩ : ١٢٩.

٢٦٦

مسألة ٣٩٢ : من لم يجد الهدي وتمكن من ثمنه أودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هدياً ويذبحه عنه إلى آخر ذي الحجة ، فان مضى الشهر لا يذبحه إلّا في السنة القادمة (١).

______________________________________________________

الخامسة : هل يجب الذبح في عشية اليوم الثالث أم يجوز التقدم إلى أول يوم العيد.

ظاهر صحيح ابن مسلم هو وجوب التأخير إلى عشية الثالث.

السادسة : وجوب التعريف وجوب نفسي أو شرط في الإجزاء؟

الظاهر أن وجوب التعريف تكليف متوجه إلى الواجد نفسه ولا دخل في الإجزاء فان صحيحة منصور الدالة على الإجزاء مطلقة من حيث التعريف وعدمه ولا مقيد لها ، وإنما التكليف بالتعريف واجب استقلالي متوجه إلى الواجد نفسه ، فلو عصى وارتكب محرّماً ولم يعرّف وذبحه أجزأ عن صاحبه ولا دخل للتعريف في الإجزاء وعدمه ، وإن عصى الواجد ولم يعمل بوظيفته.

(١) المعروف والمشهور بين الأصحاب أنّ من فقد الهدي ووجد ثمنه يخلفه ويودعه عند من يشتريه طول ذي الحجة ، فان لم يجد فيه ففي العام المقبل في ذي الحجة.

وخالفهم ابن إدريس وقال ينتقل فرضه إلى الصوم كما في الآية الكريمة (١) ووافقه المحقق في الشرائع (٢) ويقع الكلام في موارد ثلاثة :

الأوّل : من لم يجد الهدي ولا ثمنه ثم وجده في أيام التشريق أو بعده والمفروض أنه لم يصم.

الثاني : نفس الصورة ولكن نفرض أنه صام ثم وجد الهدي.

الثالث : مورد مسألتنا وهي من لم يجد الهدي ولكن وجد ثمنه.

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٩١.

(٢) الشرائع ١ : ٢٩٨.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الأول : فلا ريب في أن من لم يجد الهدي ولا ثمنه وظيفته الصوم للآية المباركة والروايات الكثيرة ، ولكن لو فرضنا أنه لم يصم ووجد الثمن والهدي في أيام التشريق ففي هذا الفرض تسالموا على وجوب الذبح كما في الجواهر (١) لأنه متمكن من الهدي ويشمله صدر الآية المباركة (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٢) ففي الحقيقة هو واجد للهدي وإنما تخيل عدم التمكّن من الهدي ، فلا موجب لسقوط الهدي.

نعم ، في معتبرة أبي بصير قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تمتع ولم يجد ما يهدي ولم يصم الثلاثة الأيام ، حتى إذا كان بعد النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : لا ، بل يصوم فإن أيام الذبح قد مضت» (٣) ولكنها متروكة جزماً ، للتسالم على الذبح فيما إذا لم يصم طبقاً للآية الكريمة ، لأنه كما ذكرنا واجد للهدي حقيقة وإنما تخيل عدم كونه واجداً فلا يشمله قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ) (٤).

هذا مضافاً إلى أن الرواية لم تثبت بهذا المضمون ، فإن الكليني والشيخ روياها بعين هذا السند من دون قوله «ولم يصم الثلاثة الأيام» فقد رويا عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم وهو كرام في الرواية الأُولى عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى إذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أيذبح أو يصوم؟ قال : بل يصوم ، فإن أيام الذبح قد مضت» (٥).

والرواية واحدة جزماً فالاختلاف من سهو الشيخ (قدس سره) أو من النسّاخ وعلى كل حال هذه الزيادة أي «ولم يصم الثلاثة الأيام» لم تثبت ، ولا أقل أن الرواية مطلقة ، فتحمل على ما إذا صام ثلاثة أيام كما صرح في صحيحة حماد بأنه لو صام

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ١٦٦.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٧٧ / أبواب الذبح ب ٤٤ ح ٤.

(٤) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٥) الكافي ٤ : ٥٠٩ / ٨ والتهذيب ٥ : ٣٧ / ١١١.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ثلاثة أيام يسقط عنه الهدي «عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج ثم أصاب هدياً يوم خرج من منى قال : أجزأه صيامه» (١) فتقيد صحيحة أبي بصير بما إذا صام ثلاثة أيام ، وأمّا لو لم يصم فوظيفته الذبح بلا إشكال للآية الكريمة والروايات ، وعدم ما يدل على الاجتزاء بالصوم.

المورد الثاني : ما إذا لم يجد الهدي ولا الثمن وصام ثلاثة أيام ، ثم وجد الهدي وتمكن منه في اليوم الثاني عشر مثلاً ، فقد وقع الخلاف في ذلك ، فعن الأكثر الاكتفاء بالصوم وعن القاضي وجوب الهدي (٢) والروايات في ذلك متعارضة ، منها : ما دلّ على الاجتزاء بالصيام كصحيح حماد المتقدم. ومنها : ما دل على لزوم الهدي كمعتبرة عقبة بن خالد (٣) وسنتعرض لذلك قريباً إن شاء الله تعالى في المسألة ٣٩٥.

وبالجملة : هذان الموردان خارجان عن محل كلامنا.

المورد الثالث : وهو ما إذا كان واجداً للثمن ولكن لم يجد الهدي ، فالمشهور بل ادعي عليه الإجماع أنه يخلف الثمن عند من يشتري طول شهر ذي الحجة ، فان لم يجد فيه ففي العام المقبل ، ولا ينتقل فرضه إلى الصيام ، ولا مخالف في البين إلّا ابن إدريس (٤) والمحقق (٥) وقالا بانتقال فرضه إلى الصوم كما يقتضيه إطلاق قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ) (٦) فإن عدم وجدان الهدي صادق وإن كان واجداً لثمنه.

ودعوى : أن وجدان الهدي يعم وجدان نفس الهدي وثمنه ، فالمراد من عدم الوجدان عدم وجدان الهدي وعدم وجدان ثمنه ضعيفة ، فان الظاهر من الآية الكريمة عدم وجدان نفس الهدي ولا يعم الثمن ، كما أن دعوى أن وجدان النائب كوجدان نفس الحاج ضعيفة أيضاً ، فإن الظاهر عدم وجدان نفس الحاج المكلف بالهدي ، فلو كنّا

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٧٧ / أبواب الذبح ب ٤٥ ح ١.

(٢) المهذّب ١ : ٢٥٩.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٧٧ / أبواب الذبح ب ٤ ح ٢.

(٤) السرائر ١ : ٥٩١.

(٥) الشرائع ١ : ٢٩٨.

(٦) البقرة ٢ : ١٩٦.

٢٦٩

مسألة ٣٩٣ : إذا لم يتمكن من الهدي ولا من ثمنه صام بدلاً عنه عشرة أيام ثلاثة في الحج (١)

______________________________________________________

نحن والآية المباركة فالحق مع ابن إدريس والمحقق ، لأن مقتضى ظاهر قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ) أن من فقد الهدي ينتقل فرضه إلى الصيام ، ومقتضى إطلاقه عدم الفرق بين كونه واجداً للثمن أم لا.

إلّا أن صحيحة حريز تدل صريحاً على إيداع الثمن عند من يشتريه كما ذهب إليه المشهور بعينه ، فعن حريز بسند صحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في متمتع يجد الثمن ولا يجد الغنم ، قال : يخلف الثمن عند بعض أهل مكة ويأمر من يشتري له ويذبح عنه وهو يجزئ عنه ، فان مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى قابل من ذي الحجة» (١).

ومع صراحة هذه الرواية الصحيحة لا يمكن المصير إلى ما ذهب إليه ابن إدريس والمحقق ، فما وقع من الحلي (قدس سره) يمكن الاعتذار عنه بعدم عمله بأخبار الآحاد كما هو المعروف عنه ، وإن اعترض عليه صاحب الجواهر بأن هذا الخبر لا يعامل معه معاملة الخبر الواحد لاعتضاده بعمل رؤساء الأصحاب الذين هم الأساس في حفظ الشريعة كالشيخين والصدوقين والمرتضى وغيرهم (٢) ولكن لا نعرف وجهاً لما ذهب إليه المحقق ، فالصحيح هو القول المشهور.

(١) لا ريب في أن المتمتع بالحج إذ لا يتمكّن من الهدي ولا ثمنه يجب عليه صيام عشرة أيام ، ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله ، لقوله تعالى (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٣)

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٧٦ / أبواب الذبح ب ٤٤ ح ١.

(٢) الجواهر ١٩ : ١٦٥.

(٣) البقرة ٢ : ١٩٦.

٢٧٠

في اليوم السابع والثامن والتاسع من ذي الحجّة وسبعة إذا رجع إلى بلده (١)

______________________________________________________

وللنصوص الكثيرة منها : صحيحة معاوية بن عمار وحماد ورفاعة (١).

(١) يبدأ بصيام ثلاثة أيام من اليوم السابع إلى التاسع كما في معتبرة رفاعة ومعاوية ابن عمار وحماد المتقدمة.

والظاهر من ذلك وجوبه وعدم جواز التقديم على اليوم السابع ، ولكن المحقق في النافع (٢) والعلّامة (٣) وغيرهما جوّزوا التقديم من أوّل شهر ذي الحجة ، وقد حمل الشيخ (٤) ما دل على البدأة من اليوم السابع على الاستحباب جمعاً بين هذه الروايات وموثقة زرارة عن عبد الله بن مسكان قال : حدثني أبان الأزرق عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : «من لم يجد الهدي وأحب أن يصوم الثلاثة أيام في أوّل العشر فلا بأس بذلك» (٥).

وأبان الأزرق وإن لم يوثق في الرجال لكنه من رجال كامل الزيارات ، فتكون هذه الرواية قرينة على أن الأمر في الصحاح المتقدمة استحبابي.

وأمّا على مسلك المشهور فيشكل الحكم بجواز التقديم ، لضعف رواية الأزرق عندهم إلّا أن يقال بالانجبار إن تم.

ولكن في رواية أُخرى موثقة لزرارة ورد أيضاً جواز التقديم ، فليس مدرك الحكم منحصراً برواية الأزرق ، راجع الباب ٥٤ من أبواب الذبح حديث ١.

ويؤيد ما ذكرناه من جواز التقديم بإطلاق الآية ، بل فسر في بعض الروايات «في الحج» بذي الحجة كما في معتبرة رفاعة المتقدمة.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٧٩ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤ ، ١٤ ، ١.

(٢) مختصر النافع : ٩٠.

(٣) المنتهي ٢ : ٧٤٤ السطر ٢٩.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٨٤.

(٥) الوسائل ١٤ : ١٨٠ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٨.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

فتحصل : أن مستند جواز تقديم صيام ثلاثة أيام إنما هو روايتان : الأُولى : رواية الأزرق والثانية رواية زرارة التي عبّر عنها في الجواهر بخبر زرارة أو موثقه (١) فكأن نظره (قدس سره) إلى ما رواه صاحب الوسائل عن الكليني بسند صحيح عن زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) وسهل بن زياد وإن كان مذكوراً في السند ولكنه غير ضائر ، لأنه منضم إلى أحمد بن محمد بن عيسى ، فهذه الرواية على ما ذكره الوسائل (٢) في هذا الباب عن الكليني موثقة ، ورواه أيضاً في باب آخر (٣) عن الكليني عن سهل منفرداً عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، والرواية على هذا النقل ضعيفة لوجود سهل منفرداً في السند ، ولا ريب أن ما في الوسائل اشتباه جزماً ، لأن الكليني (قدس سره) لم يرو إلّا رواية واحدة عن زرارة (٤) وفي سندها سهل ، لكن منضماً إلى أحمد بن محمد ، بل اشتبه صاحب الوسائل في كلا الموردين اللذين ذكر فيهما رواية زرارة ، لأن الكافي روى في أول باب صوم المتمتع إذا لم يجد هدياً رواية عن أحمد بن محمد وسهل ابن زياد جميعاً عن رفاعة بن موسى ، ثم ذكر رواية ثانية عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن عبد الكريم بن عمرو عن زرارة ، فزعم صاحب الوسائل أن الرواية معلقة على السند المذكور في الرواية الأُولى ولذا ذكر عين السند الاولى في رواية زرارة في الباب الرابع والخمسين من الذبح من الحديث الأول ، وذكر في الباب السادس والأربعين من الذبح عن سهل منفرداً ، مع أنه لا قرينة على تعليق الرواية الثانية المذكورة في الكافي على السند الأوّل المذكور في رواية رفاعة ، فان الكليني كثيراً ما ينقل الرواية ابتداء عن أشخاص يكون الفصل بينهم وبينه كثيراً ، فالرواية حينئذ تكون مرسلة لأن الكليني يرويها ابتداء عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ولا ريب في سقوط الوسائط بينه وبين أحمد بن أبي نصر.

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ١٧٧.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٩٩ / أبواب الذبح ب ٥٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٧٩ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٢.

(٤) الكافي ٤ : ٥٠٧ / ٢.

٢٧٢

والأحوط أن تكون السبعة متوالية (١)

______________________________________________________

ثم إنّ في رواية أحمد بن محمد وسهل بن زياد جميعاً عن رفاعة بن موسى التي رواها الكليني في باب صوم المتمتّع إذا لم يجد هدياً سقطاً لا محالة ، لأن أحمد بن محمد وسهل بن زياد لا يرويان عن رفاعة بلا واسطة ، بل يرويان عنه بواسطة أو واسطتين فتكون الرواية كالمرسلة ، والمجلسي (عليه الرحمة) بعد ما تنبه للسقط ذكر أن الغالب في الواسطة إما فضالة أو ابن أبي عمير أو ابن فضال أو ابن أبي نصر ، والأخير هنا أظهر بقرينة الخبر الذي ذكره بعد رواية رفاعة ، حيث علّق الخبر الثاني عن ابن أبي نصر فيدل ذلك على تقدم ذكره في سند الخبر الأول (١).

ولكن ما ذكره (قدس سره) مجرّد ظن لا يمكن المصير إليه ، إذ من المحتمل أن تكون الواسطة شخصاً غير هؤلاء ولا يعلم من هو ، ولا نجزم بأنه هو أحمد بن أبي نصر.

ومما يؤكد ما ذكرنا : أن الشيخ روى عن الحسين بن سعيد عن صفوان وفضالة عن رفاعة بن موسى (٢) فالحسين بن سعيد يروي عن رفاعة بالواسطة ، مع أنه متقدم في الرتبة عن أحمد بن محمد فكيف برواية أحمد بن محمد عن رفاعة بلا واسطة ، مع أنه متأخر رتبة عن الحسين بن سعيد.

(١) لا خلاف بين الأصحاب في اعتبار التوالي في الثلاثة والنصوص في ذلك متضافرة.

وأمّا في السبعة ففيه خلاف ، المعروف بينهم عدم لزوم التوالي والتتابع وجوّزوا التفريق فيها ، ولكن الأحوط هو التوالي فيها أيضاً ، لصحيح ابن جعفر «والسبعة لا يفرّق بينها ولا يجمع بين السبعة والثلاثة جميعاً» (٣) ولكن المشهور لم يعملوا به واستندوا في جواز التفريق إلى معتبرة إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) إني قدمت الكوفة ولم أصم السبعة الأيام حتى فزعت في حاجة

__________________

(١) مرآة العقول ١٨ : ١٩٣.

(٢) التهذيب ٥ : ٢٣٢ / ٧٨٦.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٠٠ / أبواب الذبح ب ٥٥ ح ٢.

٢٧٣

ويجوز أن تكون الثلاثة من أول ذي الحجة بعد التلبس بعمرة التمتّع (١).

______________________________________________________

إلى بغداد ، قال : صمها ببغداد ، قلت : أُفرّقها؟ قال : نعم» (١).

والرواية على مسلك المشهور ضعيفة السند ، لأن في السند محمد بن أسلم وهو لم يوثق في الرجال (٢) ولكن الرواية على مسلكنا معتبرة ، لأن محمد بن أسلم من رجال كامل الزيارات ومن رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي وهم ثقات ، إلّا أنه لا منافاة بين هذه الرواية وصحيحة علي بن جعفر ، لأن الجمع الدلالي العرفي موجود ، لأن صحيح ابن جعفر يمنع عن التفريق ، ومعتبرة إسحاق تدل على الجواز صريحاً ، والجمع العرفي يقتضي الحمل على الاستحباب.

ولكن مع ذلك يشكل الجزم بالجواز ، لأن مورد السؤال في رواية إسحاق عدم التمكن من الصوم في بلده واضطر إلى السفر ببغداد ، فيسأل أنه هل يصوم في غير بلده أيضاً ، فكأنه تخيل السائل أن اللازم هو الصوم في بلده وموطنه كما هو الظاهر من الآية الشريفة والنصوص ، فأجاب (عليه السلام) بأنه يجوز الصوم في غير بلده ، وعليه فيمكن أن يكون المراد بالتفريق ما يقابل التوالي ، كما أنه يمكن أن يكون المراد به التفريق في البلاد ، بمعنى أنه لا يعتبر في السبعة إتيانها في موطنه ، بل يجوز التفريق فيها بأن يأتي بأربعة أيام مثلاً في بلده وثلاثة أُخرى في غير بلده ، فتكون الرواية حينئذ أجنبية عن التفريق مقابل التوالي ، فاعتبار التوالي في السبعة إن لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط.

(١) يدل على ذلك قوله تعالى (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ) (٣) فإذا أراد التقديم وأراد أن يصوم من أول ذي الحجة لا بد أن يكون متلبساً بإحرام عمرة التمتّع وإلّا فيلزم عليه التأخير إلى أن يتمتع.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٠٠ / أبواب الذبح ب ٥٥ ح ١.

(٢) راجع معجم الرجال ١٦ : ٨٦.

(٣) البقرة ٢ : ١٩٦.

٢٧٤

ويعتبر فيها التوالي (١) فان لم يرجع إلى بلده وأقام بمكة فعليه أن يصبر حتى يرجع أصحابه إلى بلدهم أو يمضي شهر ثم يصوم بعد ذلك (٢).

مسألة ٣٩٤ : المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج إذا لم يتمكّن من الصوم في اليوم السابع صام الثامن والتاسع ويوماً آخر بعد رجوعه من منى (٣)

______________________________________________________

وأمّا اعتبار التوالي في الثلاثة فيدل عليه عدّة من الروايات كصحيح ابن جعفر (١) وصحيح عبد الرحمن وغيرهما (٢).

(١) قد مرّ بيان الوجه في ذلك قريباً.

(٢) وأمّا صيام سبعة أيام فيصومها إذا رجع إلى بلده كما في الآية الكريمة ، فان لم يرجع إلى بلده وأقام بمكة ، سواء توطن فيها أو أراد البقاء مدّة طويلة ، ففي النصوص أنه يصوم بمكة ولكن يصبر إلى أن يصل الحجاج إلى بلادهم أو أن يصبر إلى أن يمضي شهر واحد من إقامته في مكة ، والمستفاد من النصوص (٣) أن المسافة إذا كانت بعيدة جدّاً بحيث لا يصل الحجاج مدة شهر واحد إلى بلادهم كأهالي خراسان فحينئذ لا يجب الصبر إلى وصول الحجاج إلى بلادهم ، بل يكفي أن يصبر مقدار شهر واحد.

(٣) لو لم يتفق صوم اليوم السابع صام يوم التروية ويوم عرفة ثم صام الثالث بعد أيام التشريق كما هو المشهور بل ادعى ، عليه الإجماع ، ويدلُّ على ذلك عدّة من الروايات :

منها : خبر عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في من صام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : يجزيه أن يصوم يوماً آخر» (٤) لكنه ضعيف بمفضل بن صالح أبي جميلة.

ومنها : ما رواه الصدوق عن يحيى الأزرق عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : ؛

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٠٠ / أبواب الذبح ب ٥٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٩٢ / أبواب الذبح ب ٥١ ح ٤ وص ١٩٨ ب ٥٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٨٩ / أبواب الذبح ب ٥٠.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٩٥ / أبواب الذبح ب ٥٢ ح ١.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

«سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعاً وليس له هدي فصام يوم التروية ويوم عرفة ، قال : يصوم يوماً آخر بعد أيام التشريق» (١).

وطريق الصدوق إلى يحيى الأزرق في المشيخة صحيح ، ولكن يصرح في المشيخة بيحيى بن حسان الأزرق (٢) وهذا بنفسه لم يوثق ، بل ليس له بهذا العنوان رواية في الكتب الأربعة. وربما يحتمل أنه تحريف يحيى بن عبد الرحمن الأزرق ، وذكر حسان في مشيخة الفقيه من طغيان قلم النساخ والكتاب. ولكنه بعيد جدّاً للبون البعيد بين عبد الرّحمن وحسان ، وظاهر كلام الشيخ في رجاله (٣) حيث عدّ يحيى الأزرق ويحيى ابن حسان الكوفي ويحيى بن عبد الرحمن الأزرق ويحيى بن حسان كلا منهم مستقلا في أصحاب الصادق (عليه السلام) ، هو مغايرة كل منهم مع الآخر وأنهم رجال متعددون ، فيكون يحيى الأزرق في السند مردّداً بين الثقة وغيره ، فان الموثق من هؤلاء إنما هو يحيى بن عبد الرحمن الأزرق ، ومن المحتمل أن يراد بيحيى الأزرق المذكور في السند يحيى بن حسان ويحيى بن عبد الرحمن الأزرق ، ولعلّ غيرهما لا وجود له ، والتكرار في كلام الشيخ غير عزيز ، ولعل تكراره مبني على عدم التزامه بذكر الرجال على ترتيب حروف التهجي فيقع حينئذ في السهو والاشتباه ، فيذكر شخصاً في مكان وينسى ويذكره في مكان آخر أيضاً.

وعلى كل حال يحيى الأزرق مردّد بين شخصين : يحيى بن حسان ويحيى بن عبد الرّحمن ، والمعروف منهما الذي له كتاب وروايات إنما هو ابن عبد الرّحمن ، بل يحيى ابن حسان ليس له رواية في الكتب الأربعة ، فينصرف إطلاق يحيى الأزرق إلى المعروف من هذين الشخصين وهو ابن عبد الرّحمن.

ويؤكد ما ذكرنا : أن صفوان يروى في غير هذا المورد عن يحيى بن عبد الرّحمن الأزرق (٤) كما أن في روايتنا هذه روى عنه صفوان فتكون الرواية موثقة ، لأن المراد

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٩٦ / أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٢ ، الفقيه ٢ : ٣٠٤ / ١٥٠٩.

(٢) الفقيه ٤ (المشيخة) : ١١٨.

(٣) رجال الطوسي : ٣٢٢ / ٤٨١٣ ، ٤٨٠٠ ، ٤٧٨٨ ، ٤٨١٢.

(٤) التهذيب ٥ : ١٥٧ / ٥٢٠.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بيحيى الأزرق هو يحيى بن عبد الرحمن الأزرق. وأمّا ذكر الصدوق وتصريحه في المشيخة بأن ما رواه عن يحيى الأزرق في الكتاب فهو يحيى بن حسان الأزرق فهو من الاشتباه في التطبيق ، حيث زعم أن يحيى الأزرق المذكور في السند هو يحيى بن حسان الأزرق ، فإن يحيى بن حسان لا رواية له في الكتب الأربعة أصلاً.

فتحصل : أنه لو لم يصم اليوم السابع لعدم كونه محرماً بالتمتع فيه أو كان عاجزاً عن الصوم أو غافلاً عنه ، فيجب عليه صوم الثامن والتاسع ويوماً آخر بعد أيام التشريق فيكون ذلك تخصيصاً في اعتبار التوالي.

تأخير صوم اليوم السابع اختياراً

وهل يجوز تأخير صوم اليوم السابع اختياراً؟ فيه خلاف. إن قلنا بأن المدرك لهذا الحكم هو الإجماع ، فهو مختص بصورة عدم التمكن ولا يشمل حال الاختيار.

وإن قلنا بأن مستند الحكم إنما هو خبر الأزرق المتقدم ، فالظاهر أنه لا يشمل حال الاختيار ، لأن السؤال عمن قدم ودخل مكة يوم التروية متمتعاً ، والظاهر منه أنه لم يصم قبل قدومه.

ولكن صاحب الجواهر ذكر أن الرواية تشمل حال الاختيار أيضاً ، فإن القدوم يوم التروية لا ينافي صوم يوم قبله قبل القدوم ، فالرواية مطلقة من حيث التمكّن وعدمه (١).

والجواب عنه : أنه لا إطلاق للرواية من هذه الجهة ، لأن الظاهر من قوله : «قدم يوم التروية متمتعاً وليس له هدي فصام يوم التروية» أنه كان يعلم بوجوب الصوم عليه ثلاثة أيام قبل العيد ولكن لم يتمكن من صيام اليوم السابع ، فدخل يوم التروية فصام يوم التروية ويوم عرفة ، فالرواية منصرفة عن المتمكن وتختص بصورة الضرورة.

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ١٦٩.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنه لو قلنا بإطلاق رواية الأزرق المتقدمة (١) من هذه الجهة ، يقع التعارض بينها وبين الروايات الدالّة على وجوب صيام اليوم السابع والثامن والتاسع ، ومقتضى إطلاق هذه الروايات عدم جواز الاكتفاء بغير ذلك ، والقدر المتيقن خروج صورة عدم التمكن من صيام اليوم السابع من هذه الروايات ، وأمّا المتمكن والتارك اختياراً فيبقى تحت إطلاق المنع ، فيتحقق التعارض في مورد التمكن والمرجع بعد التعارض والتساقط إطلاق أدلّة اعتبار التوالي ، والنتيجة عدم جواز التأخير من اليوم السابع اختياراً.

وجوب المبادرة إلى الصوم

وهل تجب المبادرة إلى صيام اليوم الثالث بعد أيام التشريق أم يجوز له التأخير إلى آخر ذي الحجة؟

ذهب جماعة إلى وجوب المبادرة ، ولا دليل على ذلك سوى ما ورد أنه يصوم يوماً بعد أيام التشريق ، وذلك لا يدل على وجوب المبادرة.

تعارض الروايات

قد عرفت أن مقتضى موثقة الأزرق أن من لم يصم في اليوم السابع وجب عليه صوم اليوم الثامن والتاسع ويوماً آخر بعد رجوعه من منى.

ولكن ربما يقال بإزاء رواية الأزرق روايات أُخر تقع المعارضة بينهما فتسقط بالمعارضة. والصحيح أنه لا معارضة في البين فان تلك الروايات على طوائف :

الأُولى : ما يدل بالإطلاق كخبر الواسطي قال : «سمعته يقول : إذا صام المتمتع يومين لا يتابع الصوم اليوم الثالث فقد فاته صيام ثلاثة أيام في الحج فليصم بمكة ثلاثة أيام متتابعات» (٢) فإنه بإطلاقه يدل على أن من لم يتابع في صيام ثلاثة أيام فما

__________________

(١) في ص ٢٧٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٩٦ / أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٤.

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

صامه من اليومين يذهب هدراً ولا يحتسب ، وعليه أن يصوم ثلاثة أيام متتابعات في مكة بعد رجوعه من منى.

والجواب أوّلاً : أن الخبر ضعيف السند بعلي بن فضل الواسطي.

وثانياً : أنه لم يذكر فيه صوم اليوم الثامن والتاسع كما هو مورد كلامنا ، بل هو مطلق من حيث وقوع صيام اليومين ، فنخرج عنه برواية الأزرق في خصوص ما لو وقع الصوم في اليوم الثامن والتاسع.

فالمتحصل من الجمع بينهما : أنه لو صام يومين قبل الثامن ولم يتابع بثلاثة أيام يذهب صومه هدراً وعليه أن يصوم ثلاثة أيام أُخر متتابعات في مكة ، وإن صام اليوم الثامن والتاسع وصام يوماً بعد أيام التشريق يكتفي بذلك ولا يضر الفصل.

الثانية : ما دل على أنه من لم يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام قبل التروية ويوم التروية ويوم عرفة ، وإن فاته صوم هذه الأيام فلا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة ولكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق. ولا ريب أن الفوت يصدق بفوت اليوم السابع أيضاً ، فمن فاته صوم اليوم السابع ليس له صيام يوم الثامن ولا التاسع ، بل عليه أن يصوم ثلاثة أيام متواليات بعد أيام التشريق كما في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي ، قال : يصوم ثلاثة أيام : قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. قال : فان فاته صوم هذه الأيام ، فقال : لا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة ولكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق» (١).

وفي بعض الروايات ورد أنه لو فاته ذلك يتسحر ليلة الحصبة ويصوم ذلك ويومين بعده كما في صحيحة معاوية بن عمار (٢) ونحوها صحيحة حماد «صيام ثلاثة أيام في الحج قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة ، فمن فاته ذلك فليتسحر ليلة الحصبة

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٩٦ / أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٧٩ / أبواب الذبح ب ٤٦ ح ٤.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يعني ليلة النفر ويصبح صائماً ويومين بعده» (١) فهذه الروايات ونحوها غيرها تدل على أن من فات عنه صوم اليوم السابع فلا يصوم يوم الثامن والتاسع ، بل يصوم الثلاثة الأيام بعد أيام التشريق متواليات أو يصوم يوماً من النفر ويومين بعده.

والجواب عن ذلك : أن دلالة هذه الروايات أيضاً بالإطلاق ، فإن الفوت قد يفرض بفوت الجميع وقد يفرض بفوت صوم اليوم التاسع كما قد يصدق بفوت يوم الثامن وقد يفرض بفوت اليوم السابع فقط ، وكل من هذه الأفراد قد يفرض أنه فات اختياراً أو غير اختياري ، وهذه الروايات تشمل جميع هذه الفروض والأقسام بالإطلاق ، ونخرج بقانون الإطلاق والتقييد في خصوص فوت صيام اليوم السابع كما هو مورد موثق الأزرق (٢) فإن النسبة بينه وبين تلك الروايات نسبة المطلق والمقيد والنتيجة أن من فات عنه صيام اليوم السابع يصوم اليوم الثامن والتاسع ويوماً آخر بعد أيام التشريق ولا يضر الفصل في خصوص هذا المورد ، وأمّا في بقية الفروض والأفراد المتصورة فليؤخر الصيام إلى ما بعد أيام التشريق ولا يصوم اليوم الثامن والتاسع كما في تلك النصوص.

ثم إن هنا رواية صحيحة ذكرها الوسائل عن الشيخ بالإسناد إلى عبد الرحمن بن الحجاج ، والسند صحيح ومتنها على ما في الوسائل نحو متن صحيح معاوية بن عمار المتقدمة «عن متمتع لم يكن معه هدي ، قال : يصوم ثلاثة أيام : قبل التروية بيوم ويوم التروية ويوم عرفة. قال : فان فاته صوم هذه الأيام ، فقال : لا يصوم يوم التروية ولا يوم عرفة ولكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق» (٣) هكذا نقلها في الوسائل وكذلك الوافي (٤) والحدائق (٥) ولكن الموجود في التهذيب والاستبصار ما

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٩٨ / أبواب الذبح ب ٥٣ ح ٣.

(٢) المتقدم في ص ٢٧٥.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٩٦ / أبواب الذبح ب ٥٢ ح ٣.

(٤) الوافي ١٤ : ١١٩٢ / ٢٢.

(٥) الحدائق ١٧ : ١٣٠.

٢٨٠