موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

ويجد ثمنه ولكن لا يتمكن من الذبح بمنى فلا يشمله هذا الحكم.

وبالجملة : فمقتضى القاعدة المستفادة من الأدلة وجوب الذبح في يوم العيد في غير منى كالمذبح الفعلي المتعين ويجزئه ذلك.

وأمّا الثاني : وهو ما لو تمكن من الذبح بمنى في غير يوم العيد ، فيتعيّن عليه تأخير الذبح إلى آخر أيام التشريق [أو] إلى آخر ذي الحجّة.

والوجه في ذلك : أن لزوم الذبح في يوم العيد كما سيأتي مبني على الاحتياط ، فإن المسألة كما ستعرف قريباً إن شاء الله تعالى خلافية ، فإن عمدة دليل لزوم إيقاع الذبح في يوم العيد إنما هو الأمر بالحلق بعد الذبح كما في رواية عمر بن يزيد «إذا ذبحت أُضحيتك فاحلق رأسك» (١) والمفروض أن الحلق لا بدّ من إيقاعه يوم العيد على كلام سيأتي إن شاء الله تعالى فلازم ذلك وقوع الذبح في يوم العيد ، ولكن ذلك لا يقتضي سقوط الذبح بمنى ، لأن الحلق إنما يترتب على الذبح الصحيح وهو الذبح بمنى.

وبعبارة اخرى : الترتيب المعتبر بين الذبح والحلق إنما هو بين الذبح المأمور به والحلق فما دلّ على الترتيب لا يدل على أنه متى يجب الحلق أو الهدي ومتى لا يجب ، فمقتضى اشتراط وقوعه في منى جواز التأخير عن يوم العيد حتى يذبح في منى في أيام التشريق أو في بقية أيام ذي الحجة ، وقد ورد جواز التأخير لمن لم يجد الهدي لفقده وتمكّن من ثمنه ، أن يودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هدياً ويذبحه عنه إلى آخر ذي الحجّة (٢).

والحاصل : شرطية وقوع الحلق بعد الذبح إنما هي بعد الذبح الصحيح ، وإن لم يتمكّن من ذلك فيجوز له الحلق بالفعل ويحلّ بذلك ، ويؤخر ذبحه وما يترتب عليه من الطّواف وصلاته والسعي إلى ما بعد الذبح.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢١١ / أبواب الحلق / ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٧٦ / أبواب الذبح ب ٤٤ ح ١ ، ٢.

٢٤١

مسألة ٣٨٢ : الأحوط أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد (١) ولكن إذا تركهما يوم العيد لنسيان أو لغيره من الأعذار أو لجهل بالحكم (٢) لزمه التدارك إلى آخر أيام التشريق ، وإن استمر العذر جاز تأخيره إلى آخر ذي الحجة ، فإذا تذكّر أو علم بعد الطّواف وتداركه لم تجب عليه إعادة الطّواف وإن كانت الإعادة أحوط وأمّا إذا تركه عالماً عامداً فطاف فالظاهر بطلان طوافه ، ويجب عليه أن يعيده بعد تدارك الذبح (٣).

______________________________________________________

(١) استدلّوا عليه بالتأسي ، ومن الواضح أنه لا يدل على الوجوب بل غايته الأفضلية ، والعمدة ما ورد من الأمر بالحلق بعد الذبح كما في رواية عمر بن يزيد المتقدمة بناء على لزوم الحلق في يوم العيد ، فاللّازم وقوع الذبح في يوم العيد.

(٢) لا ريب في الحكم بالصحة لصحيح جميل وصحيح محمد بن حمران (١) الدالّين على أن الترتيب شرط ذكرى فلا موجب للفساد كما لا موجب لسقوط الذبح ، فيكون الذبح مأموراً به حتى بعد الحلق ، فان تذكر في أيام التشريق فيذبحه فيها ، لما دلّ على أن أيام التشريق هي أيام الأُضحية ، وإلّا فان استمر عذره إلى آخر ذي الحجة فيذبحه فيه أيضاً ، لإطلاق أدلّة وجوب الذبح ، فالتقييد بأيام التشريق للمختار ولمن تذكر فيها وإلّا فيجوز الذبح في سائر أيام ذي الحجة ، لما ورد في من لم يجد الهدي لفقده أن يودع ثمنه عند ثقة ويوكله ليذبحه ولو إلى آخر ذي الحجة ، فإذا جاز الذبح من الوكيل في بقية ذي الحجة يجوز من نفس من وجب عليه الهدي بطريق أولى.

(٣) سنذكر في محله قريباً إن شاء الله تعالى أن طواف الحج مترتب على الذبح والحلق ، فلو ترك الذبح جهلاً أو نسياناً أو عذراً يلزم عليه الذبح في أيام التشريق أو آخر ذي الحجّة ، فيلزم عليه تأخير الطّواف رعاية للترتيب المعتبر ، فان طاف قبل الذبح وتذكر أو علم عدم الذبح فهل يعيد طوافه أم لا؟

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥٥ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٤ وص ٢١٥ / أبواب الحلق ب ٢ ح ٢.

٢٤٢

مسألة ٣٨٣ : لا يجزئ هدي واحد إلّا عن شخص واحد (١).

______________________________________________________

مقتضى قاعدة الترتيب إعادة الطّواف ، ولكن مقتضى صحيح جميل ومحمد بن حمران المؤيدين بخبر البزنطي (١) عدم الإعادة وأن الترتيب شرط ذكرى. وأمّا إذا قدّم الطّواف عالماً عامداً ولو عن عذر يحكم بفساد الطّواف ، لفقدان الترتيب ، ولعدم شمول صحيح جميل وصحيح ابن حمران للمقام.

(١) لا ريب في أن مقتضى الآية الكريمة (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ) (٢) والروايات المعتبرة كصحيحة زرارة «في المتمتع ، قال : وعليه الهدي ، قلت : وما الهدي؟ فقال : أفضله بدنة» الحديث (٣) وصحيحة محمد بن مسلم «لا تجوز البدنة والبقرة إلّا عن واحد بمنى» (٤) هو أجزاء هدي واحد عن شخص واحد ، فلا يجزئ هدي واحد عن شخصين أو أكثر ، فإن الهدى اسم للحيوان بتمامه ، فاذا وجب الهدي على شخص لازمه إجزاء هدي واحد بتمامه عن شخص واحد ، بل صحيح محمد بن مسلم صريح في ذلك ، فاشتراك شخصين في هدي واحد والاجتزاء به يحتاج إلى دليل.

وقد يقال بجواز اشتراك خمسة أو سبعة أو خوان واحد بهدي واحد اعتماداً على عدّة من الروايات ، وعمدتها ثلاث روايات :

أحدها : معتبرة حمران قال : «عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار فسئل أبو جعفر (عليه السلام) عن ذلك ، فقال : اشتركوا فيها ، قال قلت : كم؟ قال : ما خف فهو أفضل ، قال فقلت : عن كم يجزئ؟ فقال : عن سبعين» (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥٥ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٤ ، ٦ ، وص ٢١٥ / أبواب الحلق ب ٢ ح ٢.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٠١ / أبواب الذبح ب ١٠ ح ٥.

(٤) الوسائل ١٤ : ١١٧ / أبواب الذبح ب ١٨ ح ١.

(٥) الوسائل ١٤ : ١١٩ / أبواب الذبح ب ١٨ ح ١١.

٢٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

والجواب : أنه لم يذكر فيها الهدي الواجب ، لأن الهدي غير واجب على جميع أصناف الحجاج ، وإنما يجب على المتمتع خاصة ، وأمّا المفرد بالحج فلا يجب عليه الهدي فيحمل الهدي على المندوب في حج الافراد ، فان المفرد بالحج يستحب له الهدي ولعل أكثر الحجاج سابقاً كان حجهم حج إفراد.

ويؤكد ذلك ما في صحيح محمد الحلبي الذي فصّل بين الهدي الواجب والمندوب «عن النفر تجزئهم البقرة ، فقال : أمّا في الهدي فلا ، وأمّا في الأضحى فنعم» (١) فإنه صريح في عدم الاجتزاء في الهدي والاجتزاء في الأضحى المراد به الأُضحية المستحبة.

ثانيها : صحيحة الحجاج «عن قوم غلت عليهم الأضاحي وهم متمتعون وهم مترافقون ، وليسوا بأهل بيت واحد وقد اجتمعوا في مسيرهم ومضربهم واحد ، ألهم أن يذبحوا بقرة؟ قال : لا أُحب ذلك إلّا من ضرورة» (٢) بناء على حمل قوله «لا أُحب» على المرجوحية مع الجواز.

وفيه : أن قوله «لا أُحب» لا يدل على الجواز وإنما يدل على الكراهة والمبغوضية وهي أعم من الكراهة المصطلحة والحرمة ، بل كثيراً ما يستعمل هذه الكلمة في الحرمة في اللغة العربية وغيرها ، فالرواية على خلاف المطلوب لعله أدل. ولو تنزلنا فغاية الأمر عدم دلالته على الحرمة.

ثالثها : صحيحة معاوية بن عمار «تجزئ البقرة عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد» (٣) وربما يتخيل أنها مقيدة لعدم جواز الاشتراك ، والنتيجة بمقتضى قانون الإطلاق والتقييد هي أجزاء هدي واحد عن خمسة إذا كانوا أهل خوان واحد (٤).

وفيه : أن هذه الرواية رواها أبو الحسين النخعي عن معاوية بن عمار ، وللنخعي

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١١٩ / أبواب الذبح ب ١٨ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ١١٩ / أبواب الذبح ب ١٨ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١٤ : ١١٨ / أبواب الذبح ب ١٨ ح ٥.

(٤) الخوان ما يوضع عليه الطعام. مجمع البحرين ٦ : ٢٤٥.

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

رواية أُخرى عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي تدل على عدم جواز الاشتراك في الهدي في منى وجوازه في الهدي في الأمصار «قال (عليه السلام) تجزئ البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة ، ولا تجزئ بمنى إلّا عن واحد» (١) فبقرينة عدم جواز الاشتراك في منى وجوازه في الأمصار تكون الرواية موردها الأُضحية لا الهدي الواجب ، ففي الحقيقة تكون هذه الرواية مقيدة للأُضحية ، وأن الأُضحية المستحبة لو ذبحت في منى فلا يجزئ الواحد عن شخصين ، وأمّا في سائر الأمصار فيجزي عن أكثر من واحد فيظهر أن لمني خصوصية ، وهي عدم إجزاء الهدي الواحد إلّا عن واحد ، فتكون هذه قرينة للرواية الثانية في أن التخصيص بالنسبة إلى الأُضحية لا الهدي ، فالنتيجة إن الأُضحية في منى لا تجزئ إلّا عن واحد إلّا إذا كانوا أهل خوان واحد.

ولو أغمضنا عن روايته الثانية الدالة على عدم جواز الاشتراك ، وكنّا نحن والرواية الدالّة على جواز الاشتراك عن خمسة بمنى إذا كانوا أهل خوان واحد ، لكانت دلالته على الاجتزاء حتى في الهدي الواجب بالإطلاق ، فتقع المعارضة بينها وبين صحيح الحلبي المتقدم الدال على عدم إجزاء الاشتراك في الهدي ، فإن مقتضى إطلاق صحيح الحلبي عدم الفرق بين من وجب عليه الهدي ، كانوا من خوان واحد أم لا ، والنسبة عموم من وجه ، لأن صحيح الحلبي مطلق من حيث خوان واحد وعدمه ، وصحيح معاوية مطلق من حيث الهدي وعدمه ، فيقع المعارضة في الهدي بالنسبة إلى جماعة إذا كانوا من خوان واحد ، فان صحيح الحلبي بإطلاقه يدل على عدم إجزاء الاشتراك وصحيح معاوية يدل بإطلاقه على الاجزاء ويتساقطان فيرجع إلى إطلاق الأدلّة العامّة الدالّة على لزوم الهدي على كل أحد ، ومقتضاه إجزاء هدي واحد بتمامه عن شخص واحد.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١١٨ / أبواب الذبح ب ١٨ ح ٤.

٢٤٥

مسألة ٣٨٤ : يجب أن يكون الهدي من الإبل أو البقر أو الغنم. ولا يجزئ من الإبل إلّا ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة ، ولا من البقر والمعز إلّا ما أكمل الثانية ودخل في الثالثة على الأحوط (١).

______________________________________________________

(١) لا ريب في أن المعتبر في الهدي أن يكون من الأنعام الثلاثة : الإبل والبقر والغنم ، ولا يجزي غيرها من الحيوانات كالغزال والطير ونحوهما.

ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى التسالم والضرورة قوله تعالى (وَأَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً) ... إلى أن قال (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ) (١) لإجماع المفسرين والفقهاء واللغويين (٢) على أن المراد ببهيمة الأنعام الحيوانات الثلاثة : الإبل والبقر والغنم.

وكذلك تدل عليه النصوص الكثيرة : منها صحيحة زرارة المتقدمة غير مرّة «في المتمتع قال : وعليه الهدي ، قلت : وما الهدي؟ فقال : أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وآخره شاة» (٣) هذا من حيث الجنس.

وأمّا أسنانه فلا يجزئ من الإبل إلّا ما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة ومن البقر ما أكمل سنة ودخل في الثانية ، وكذلك المعز كما في صحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن علي (عليه السلام) أنه كان يقول «الثنية من الإبل والثنية من البقر ، والثنية من المعز» (٤) وفسر الثني في الإبل بما أكمل السنة الخامسة ودخل في السادسة.

__________________

(١) الحج ٢٢ : ٢٧ ، ٢٨.

(٢) البهيمة وهي كل ذات أربع من دواب البر والبحر وكل ما كان من الحيوان لا يميز فهو بهيمة. مجمع البحرين ٦ : ١٩.

فبهيمة الأنعام من قبيل إضافة الجنس إلى ما هو أخص منه.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٠١ / أبواب الذبح ب ١٠ ح ٥.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٠٣ / أبواب الذبح ب ١١ ح ١.

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والظاهر أنه لا خلاف ولا كلام في ذلك ، إنما وقع الكلام في المراد من ثني المعز فالمشهور ما له سنة ودخل في الثانية ، وذهب جماعة إلى أن ثني المعز ما دخل في الثالثة.

أقول : لا شك أن التحديد بما ذكر في الروايات إنما هو بالنسبة إلى أقل ما يجزي وإلّا فلا إشكال في إجزاء الأزيد ، فليس ما ذكر في النصوص حداً للأكثر ، فعليه لو دار الأمر بين كون الواجب ما دخل في الثانية أو في الثالثة فيدخل المورد من صغريات مسألة الشك في الأقل والأكثر ، إذ نعلم بوجوب ذبح الجامع بين الأقل والأكثر ونشك في خصوص اعتبار الأكثر ، فالمرجع البراءة العقلية والشرعية ونرفع القيد والكلفة الزائدة بالأكثر بالبراءة ونحكم باجزاء الأقل ، وهو ما دخل في الثانية وإن لم تكمل السنتان ، نعم لا ريب أن ما دخل في الثالثة أحوط كما ذكرنا في المتن.

وأمّا البقر فالحكم فيه ما في المعز بعينه من حيث القاعدة ، من الرجوع إلى أصالة البراءة عن الأزيد ، فنقتصر في البقر بما أكمل سنة ودخل في الثانية. وأمّا بالنسبة إلى النصوص الواردة فيه ففي صحيح الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الإبل والبقر أيهما أفضل أن يضحى بها؟ قال : ذوات الأرحام ، وسألته عن أسنانها فقال : أمّا البقر فلا يضرك بأيّ أسنانها ضحيت» (١) فربما يتوهم معارضته لصحيح العيص المتقدم الدال على اعتبار الثني ، ولكن التأمل يقضي بعدم التعارض ، لأن ثني البقر الذي فسر بما دخل في الثانية أوّل ما يصدق عليه اسم البقر ، ولو كان سنّه أقل من ذلك لا يصدق عليه اسم البقر وإنما هو عجل ، فيتفق مورد العيص ومورد صحيح الحلبي ولا تعارض بينهما.

وبعبارة اخرى : صحيح الحلبي يؤكد أن المعتبر ما صدق عليه اسم البقر ، والبقر لا يصدق على ما كان سنّه أقل من سنة ، وإنما يصدق على ما أكمل سنة ودخل في الثانية ، فيتفق صحيح الحلبي مع صحيح العيص ، ولا أقل من الشك في صدق اسم البقرة على الأقل من ذلك ، فلا بدّ من اعتبار إكمال سنة واحدة والدخول في الثانية

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٠٤ / أبواب الذبح ب ١١ ح ٥.

٢٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

تحفّظاً على صدق العنوان وهو البقرة.

وممّا ذكرنا يظهر الحال بالنسبة إلى معتبرة محمد بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «أسنان البقرة تبيعها ومسنها في الذبح سواء» (١) فإنه فسرت التبيعة بأقل من السنة ، فيكون معارضاً لصحيح العيص المتقدم الدال على اعتبار الثني وهو ما دخل في الثانية ، ولكن الظاهر أنه لا تعارض بينهما ، لأن التبيعة ذكرت في باب الزكاة وتسالموا هناك بأن المراد من التبيعة ما أكمل سنة واحدة ودخل في الثانية ، ومن المستبعد جدّاً أن يراد بالتبيعة هنا غير ما يراد في باب الزكاة ، بل الظاهر وحدة المراد بها في الموردين فيتحد التبيعة مع الثنية.

نعم ، لو أُريد من الثنية ما دخل في الثالثة يتحقق التعارض بين صحيح العيص وصحيح محمد بن حمران ، ولكن قد عرفت أن الصحيح في تفسير الثنية ما دخل في الثانية ، فما ذكره المشهور من اعتبار الدخول في الثانية في البقر هو الصحيح.

ثم إن الشيخ أحمد الجزائري صاحب كتاب آيات الأحكام ذكر رواية محمد بن حمران عن الكافي «أسنان البقر ثنيها ومسنها سواء» (٢) وعلى نسخته فلا تعارض في البين برأسه ، إلّا أن الموجود في نسخ الكافي (٣) التي بأيدينا وكذلك المنتقى (٤) والوافي (٥) والوسائل (٦) وغيرها ممن نقل عن الكافي «تبيعها» لا «ثنيها» (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٠٥ / أبواب الذبح ب ١١ ح ٧.

(٢) قلائد الدرر ٢ : ٤٠.

(٣) الكافي ٤ : ٤٨٩ / ٣.

(٤) منتقى الجمان ٣ : ٣٩٨.

(٥) الوافي ١٣ : ١١١٤ / ١٠.

(٦) المصدر المتقدم آنفاً.

(٧) والظاهر أن الجزائري (عليه الرحمة) ذكر في الرواية «تبيعها» كما في الوسائل لا «ثنيها» ويشهد لذلك قوله (قدس سره) بعد الرواية بلا فصل : والتبيع ما دخل في الثانية ، فإن كان المذكور في الرواية «ثنيها» لا مناسبة لتفسير التبيع في هذا المقام بلا فصل ، فيعلم أن الغلط والاشتباه من الناسخ لا من المؤلف.

٢٤٨

ولا يجزئ من الضأن إلّا ما أكمل الشهر السابع ودخل في الثامن ، والأحوط أن يكون قد أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية (١). وإذا تبين له بعد الذبح في الهدي أنه لم يبلغ السن المعتبر فيه لم يجزئه ذلك ولزمته الإعادة (٢).

______________________________________________________

(١) لا خلاف في الاجتزاء بالجذع من الضأن كما في النص ففي معتبرة ابن سنان «يجزي من الضأن الجذع» (١) وإنما وقع الكلام في المراد من الجذع ، فعن جماعة تفسيره بما أكمل الشهر السابع ودخل في الثامن ، وعن جماعة ما كان له سنة تامة ودخل في الثانية ، ومقتضى القاعدة هو الاقتصار والبراءة من الزائد ، لأن الشك في المقام من الشك بين الأقل والأكثر ، وإن كان الأحوط الاجتزاء بما أكمل السنة الواحدة ودخل في الثانية.

ثم إنه لو تمّ ما ذكره المشهور من الاكتفاء بالدخول في الثانية في المعز ففي الجذع من الضأن لا بدّ من الاجتزاء قبل ذلك ، لأن الضأن أكبر وأخشن من الجذع من المعز ففي النص «أن الجذع من الضأن يلقح والجذع من المعز لا يلقح» (٢).

(٢) لا ريب أن عدم إجزاء الفاقد عما يعتبر فيه مما تقتضيه القاعدة ، لعدم الدليل على إجزاء الفاقد عن المأمور به ، فإن أجزاء الفاقد عن المأمور به يحتاج إلى الدليل نعم في بعض الشروط المعتبرة لو انكشف الخلاف بعد الذبح ورد الدليل بالاجزاء. هذا تمام الكلام في السن.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٠٣ / أبواب الذبح ب ١١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٠٣ / أبواب الذبح ب ١١ ح ٤.

٢٤٩

ويعتبر في الهدي أن يكون تام الأعضاء فلا يجزئ الأعور والأعرج والمقطوع اذنه ، والمكسور قرنه الداخل ونحو ذلك. والأظهر عدم كفاية الخصي أيضاً. ويعتبر فيه أن لا يكون مهزولاً عرفاً ، والأحوط الأولى أن لا يكون مريضاً ولا موجوءاً ولا مرضوض الخصيتين ولا كبيراً لا مخّ له ، ولا بأس بأن يكون مشقوق الاذن أو مثقوبها ، وإن كان الأحوط اعتبار سلامته منهما ، والأحوط الأولى أن لا يكون الهدي فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته (١).

______________________________________________________

(١) وأمّا من حيث الصفات المعتبرة فيه ، فلا بدّ من كونه تام الأجزاء والأعضاء وعدم نقص عضوي فيه ، حتى إذا كان النقص غير دخيل في حياته وعيشه كمقطوع الاذن ، لصحيح علي بن جعفر «عن الرجل يشتري الأُضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها ، هل تجزي عنه؟ قال : نعم إلّا أن يكون هدياً واجباً فإنه لا يجوز أن يكون ناقصاً» (١) فان المستفاد منه اعتبار كون الحيوان تام الخلقة والأعضاء ، وعدم الاجتزاء بالناقص ولو كان النقص لا يضر بحياته العادية ولا يخل بسعيه ومشيه وأكله كمقطوع الاذن ونحوه.

ويظهر من هذه الصحيحة ومعتبرة السكوني عدم النقص من حيث الصفة وإن كان أصل العضو موجوداً كالأعرج والأعور ، فإن أصل الرجل والعين موجودة ولكن لا ينتفع بها في المشي أو الرؤية ، وصحيح علي بن جعفر قد طبّق فيه الناقص على مورد السؤال وهو العوراء ، وفي معتبرة السكوني صرح بعدم إجزاء عدّة من الأُمور كالعوراء ولا العجفاء والخرقاء ، والجذعاء ولا العضباء (٢).

وكذا لا يجزئ مكسور القرن أو مقطوعة كما في معتبرة السكوني ، لتفسير العضباء في المعتبرة بمكسور القرن ، ولكن في صحيح جميل فصّل بين القرن الداخل والخارج وجعل العبرة بكسر القرن الداخل ، قال (عليه السلام) «في المقطوع القرن أو المكسور القرن إذا كان القرن الداخل صحيحاً فلا بأس وإن كان القرن الظاهر الخارج

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٢٥ / أبواب الذبح ب ٢١ ح ١ ، ٥ ، ٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٢٥ / أبواب الذبح ب ٢١ ح ١ ، ٥ ، ٣.

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

مقطوعاً» (١) ونحوه صحيح آخر عنه (٢) فسلامة القرن الداخل معتبرة وإن لم تكن دخيلة في حياة الحيوان وعيشه على النحو المتعارف. وفسّر القرن الداخل بالأبيض الذي في وسط الخارج.

وأمّا الخصي ففي صحيحة ابن مسلم المنع عنه قال : «وسألته أيضحى بالخصي؟ فقال : لا» بل يظهر من صحيح عبد الرحمن عدم الإجزاء حتى لو ذبحه وهو لا يعلم ثم علم أنه كان خصياً «عن الرجل يشتري الهدي ، فلما ذبحه إذا هو خصي مجبوب ولم يكن يعلم أن الخصي لا يجزي في الهدي هل يجزيه أم يعيده؟ قال : لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوة به عليه».

ولكن يظهر من معتبرات أُخر جواز الأُضحية بالخصي ، وإطلاقها يقتضي الجواز في الهدي أيضاً ، ففي صحيح الحلبي قال (عليه السلام) «النعجة من الضأن إذا كانت سمينة أفضل من الخصي من الضأن ، وقال : الكبش السمين خير من الخصي ومن الأُنثى» (٣) فيعلم من ذلك جواز الخصي وإن كان دون غيره في الفضل ، إلّا أنه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاقه وحمله على الأُضحية المندوبة ، لصراحة الصحاح المتقدمة في المنع عن الهدي بالخصي.

وأمّا بقية الصفات فالظاهر عدم اعتبارها فيما إذا لم تكن دخيلة في حياة الحيوان كمرضوض الخصيتين والموجوء ، فإن المنفعة المطلوبة غير موجودة في المرضوض فهو كالخصي ولكن مع ذلك يجتزأ به ، لعدم صدق الناقص على هذا الحيوان ، فان الناقص إنما يصدق على فاقد العضو كفاقد الاذن ونحو ذلك وإن لم يكن دخيلاً في حياة الحيوان وألحقنا بالفاقد الأعور والأعرج ، وأمّا المرضوض والموجوء فلا موجب لعدم الاجتزاء بهما ، لعدم دخلهما في حياة الحيوان ، وعدم صدق الناقص عليهما ، بل ورد في بعض الروايات المعتبرة جواز الموجوء ومرضوض الخصيتين (٤) مع أنه مثل الخصي في

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٢٨ / أبواب الذبح ب ٢٢ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٢٨ / أبواب الذبح ب ٢٢ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٠٦ / أبواب الذبح ب ١٢ ح ١ ، ٣ ، ٥.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٠٧ / أبواب الذبح ب ١٢ ح ٧.

٢٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

عدم التوالد والتناسل ، فلو فرض عموم دليل الناقص وشموله لمثل ذلك ، يكون ما دل على جواز الموجوء ومرضوض الخصيتين مخصصاً ومقيداً لعموم الناقص.

وأمّا المهزول فالظاهر عدم الاجتزاء به في الهدي والاجتزاء به في الأُضحية المندوبة وتدل عليه عدّة من الروايات : منها صحيح الحلبي «وإن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فإنها لا تجزئ عنه». وفي صحيح ابن مسلم «وإن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم يجز عنه» (١).

وأمّا الكبير الذي لا مخّ له فالظاهر جواز الاجتزاء به ، لعدم ما يدل على المنع سوى رواية عامية مروية عن غير طرقنا وهي رواية البراء بن عازب (٢).

وكذا لا مانع بمشقوق الاذن أو مثقوبها ، والوجه في ذلك : أن صحيح الحلبي وإن كان يظهر منه عدم الاجتزاء لقوله (عليه السلام) «وإن كان شقاً فلا يصلح» (٣) ولكن لا يمكن الالتزام بالمنع ، لأن مشقوق الاذن لو كان ممنوعاً لظهر وبان ، لأن شق الاذن في الحيوانات كثير جدّاً ومما يكثر الابتلاء به فكيف يخفى المنع عنه على الأصحاب مع أنهم صرحوا بجواز الاكتفاء بالمشقوق ومثقوب الاذن. على ان المستفاد من معتبرة السكوني المتقدمة (٤) اختصاص المنع بالمقطوع ، ومن الواضح أن القطع مسبوق بالشق دائماً ، فلو كان الشق مانعاً لما كان القطع مانعاً برأسه ، بل الشق السابق يكون مانعاً فلا مجال حينئذ لكون القطع مانعاً ، فيعلم من اعتبار مانعية القطع أن الشق بنفسه غير مانع.

ويؤيَّد ما ذكرناه بمرسل البزنطي بإسناد له عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سئل عن الأضاحي إذا كانت الأُذن مشقوقة أو مثقوبة بسمة ، فقال : ما لم يكن منها مقطوعاً فلا بأس» (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١١٤ / أبواب الذبح ب ١٦ ح ٥ ، ١.

(٢) سنن البيهقي ٥ : ٢٤٢.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٢٩ / أبواب الذبح ب ٢٣ ح ٢.

(٤) في ص ٢٥٠.

(٥) الوسائل ١٤ : ١٢٩ / أبواب الذبح ب ٢٣ ح ١.

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا المريض فلا بأس به لعدم الدليل على المنع إلّا النبوي المتقدم. ولا يصدق عنوان الناقص عليه ، فان المرض تقابله الصحّة والنقص يقابله الكمال ، فان تمّ الإجماع في المقام فهو وإلّا فالأظهر الاجتزاء بالمريض.

وأمّا التي لم يخلق لها قرن ولا ذنب فهل تجزئ أم لا؟ فيه كلام ، فعن المشهور الاجتزاء بذلك. واستشكل في الجواهر (١) لأنه مناف لإطلاق عدم جواز كون الهدي ناقصاً ، فان النقص أعم من النقص العارض أو النقص الأصلي حسب خلقته.

ولكن الصحيح ما ذهب إليه المشهور ، والوجه في ذلك : أنه لو كان جنس الحيوان كذلك حسب خلقته الأصلية ، فإن الحيوانات تختلف خلقة بحسب اختلاف البلاد ، فاذا فرضنا أن معزاً لا ذنب له حسب جنسه وخلقته الأصلية فلا ريب في عدم صدق عنوان الناقص على ذلك ، ومجرّد وجود الذنب في صنف آخر لا يوجب صدق الناقص على الفاقد في نوع آخر. وأمّا إذا فرضنا أن فرداً من أفراد نوع لا ذنب له خلقة اتفاقاً فالأمر كذلك أيضاً ، فإن النقص إنما يلاحظ بحسب حياته وعيشه كالعوراء والعرجاء ونحوهما.

وبعبارة أُخرى : الأعضاء التي تساعد الحيوان على عيشه وحياته يعتبر فقدها نقصاً ، وأمّا فقد العضو الذي لا يؤثر في استمرار حياته وعيشه لا يصدق عليه النقصان. وأمّا عدم الاجتزاء بالأعرج وبمكسور القرن ومقطوع الاذن فللنص ، ولذا لا ريب في عدم صدق الناقص على الحيوان الذي أُخذ صوفه أو شعره ، ولم يقل أحد بعدم إجزائه باعتبار نقصان بعض أجزائه ، فحال القرن والذنب حال الصوف ، فالاطلاقات كافية في الحكم بالاجتزاء بالتي لم يخلق لها قرن أو ذنب من أصله. ولو شك في تقييدها بصحيح علي بن جعفر لعدم العلم بالمراد من النقص ، يؤخذ بالقدر المتيقن من عنوان النقص وهو مقطوع الرجل بالعرض ونحو ذلك ، فما نسب إلى المشهور هو الصحيح.

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ١٤٤.

٢٥٣

مسألة ٣٨٥ : إذا اشترى هدياً معتقداً سلامته فبان معيبا بعد نقد ثمنه فالظاهر جواز الاكتفاء به (١).

______________________________________________________

(١) خلافاً للمشهور ، وعمدة الروايات الواردة في المقام إنما هي صحيحة علي بن جعفر المتقدمة (١) «عن الرجل يشتري الأُضحية عوراء فلا يعلم إلّا بعد شرائها ، هل تجزي عنه؟ قال : نعم إلّا أن يكون هدياً واجباً فإنه لا يجوز أن يكون ناقصاً» فإنها صريحة في عدم الاجتزاء في الهدي الواجب في الصورة المذكورة في الرواية.

وبإزائها صحيح معاوية بن عمار «في رجل يشتري هدياً فكان به عيب عور أو غيره ، فقال : إن كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه وإن لم يكن نقد ثمنه رده واشترى غيره» (٢) فإنه يعارض صحيح ابن جعفر بالإطلاق ، فإن مقتضى إطلاق صحيح علي بن جعفر عدم الاجزاء إذا كان ناقصاً فيما إذا لا يعلم إلّا بعد شرائه ، سواء نقد الثمن أم لا ومقتضى إطلاق صحيحة معاوية بن عمار أنه إذا نقد الثمن يجزي ، علم بالنقص بعد الشراء أم لا.

فيقع التعارض فيما إذا نقد الثمن ولم يعلم بالعيب إلّا بعد الشراء ، فمقتضى إطلاق صحيح علي بن جعفر هو عدم الاجتزاء ومقتضى صحيح معاوية بن عمار هو الاجتزاء ولكن صحيح عمران الحلبي يقيد كلا الإطلاقين قال : «من اشترى هدياً ولم يعلم أن به عيباً حتى نقد ثمنه ثم علم فقد تم» (٣) فإنه يدل على الاجتزاء في مورد الاجتماع ، فما دلّ على الاجزاء محمول على العلم بعد نقد الثمن ، وما دل على عدم الاجزاء محمول على العلم قبل نقد الثمن فلا تعارض بين الروايتين.

ولكن الشيخ (قدس سره) حمل الاجزاء على الهدي المندوب أو على تعذّر ردّه فاقتصر في الاجزاء في صورة عدم التمكّن من الرد (٤) ولا وجه له أصلاً ، لأن صحيح

__________________

(١) في ص ٢٥٠.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٣٠ / أبواب الذبح ب ٢٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٣٠ / أبواب الذبح ب ٢٤ ح ٣.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٦٩.

٢٥٤

مسألة ٣٨٦ : ما ذكرناه من شروط الهدي إنما هو في فرض التمكن منه ، فان لم يتمكن من الواجد للشرائط أجزأ الفاقد وما تيسر له من الهدي (١).

______________________________________________________

عمران الحلبي صريح في الاجزاء في صورة نقد الثمن ، فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاق صحيح علي بن جعفر.

يبقى الكلام فيما ذكره صاحب الجواهر من إعراض الأصحاب عن صحيح عمران الحلبي وصحيح معاوية (١) إلّا أنّا نقول بأنه لم يثبت إعراضهم ، ولعلهم كالشيخ ذهبوا إلى الحمل الدلالي بين الروايات. على أنه قد ذكرنا مراراً أنه لا أثر لإعراض الأصحاب ، فالعمدة ما يستظهر من النصوص.

(١) جميع ما ذكرناه من شروط الهدي إنما يعتبر في حال التمكن ، وقد ورد في خصوص الخصي أنه لو لم يتمكّن إلّا منه فحينئذ يجزيه ، ففي صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال : «سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الرجل يشتري الهدي ، فلما ذبحه إذا هو خصي مجبوب ، ولم يكن يعلم أن الخصي لا يجزي في الهدي هل يجزيه أم يعيده؟ قال : لا يجزيه إلّا أن يكون لا قوة به عليه» (٢).

والعمدة صحيح معاوية بن عمار لشموله للخصي وغيره ، في حديث قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «اشتر فحلاً سميناً للمتعة ، فان لم تجد فموجوءاً ، فان لم تجد فمن فحولة المعز ، فان لم تجد فنعجة ، فان لم تجد فما استيسر من الهدي» (٣) فان المستفاد منه أن الشروط المذكورة إنما هي معتبرة حال التمكّن ، وذلك هو الموافق للآية الكريمة (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٤) فالتقييدات مختصة بحال التمكن ولا يسقط وجوب الهدي بتعذّر الصحيح.

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ١٥٠.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٠٧ / أبواب الذبح ب ١٢ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٠٧ / أبواب الذبح ب ١٢ ح ٧.

(٤) البقرة ٢ : ١٩٦.

٢٥٥

مسألة ٣٨٧ : إذا ذبح الهدي بزعم أنه سمين فبان مهزولاً أجزأه ولم يحتج إلى الإعادة (١).

______________________________________________________

(١) ويدل على الاجزاء المذكور عدة من الروايات المعتبرة ، منها : صحيحة محمد ابن مسلم «وان اشترى أُضحية وهو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه» (١).

إنما الكلام فيما لو وجدنا مهزولة قبل الذبح فهل يجزي أم لا؟

مقتضى إطلاق عبارة الشرائع (٢) وصريح غيره هو الاجزاء ، عملاً بإطلاق الروايات فالذي يضر ما إذا كان عالماً بهزالها ، وأمّا إذا اعتقد سمنها ووجدها مهزولة ولو قبل الذبح فيجزي. ولكن الجواهر (٣) قيد عبارة الشرائع بما بعد الذبح وقال (قدس سره) : نعم لو ظهر الهزال قبل الذبح لم يجز ، وذكر أن إطلاق الروايات الدالة على الاجزاء منصرف إلى ما لو انكشف الهزال بعد الذبح ، واستدل لعدم الإجزاء بإطلاق صحيح محمد بن مسلم الشامل لما قبل الذبح وما بعده «سئل عن الأُضحية فقال : اقرن فحل سمين عظيم الأنف والأذن إلى أن قال إن اشترى أُضحية وهو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة لم تجز عنه ، وقال : إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان يضحي بكبش أقرن عظيم سمين» الحديث (٤).

ويردّه بأنه ليس في المقام ما يدل على عدم الاجزاء ، وما نقله من صحيح محمد بن مسلم قد سهى في نقل متنه وخلط بين روايتين لمحمد بن مسلم (٥) وليس فيهما هذه الجملة وهي قوله : «وإن اشترى أُضحية وهو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة لم تجز عنه» بل الموجود في الصحيحة «أجزأت عنه» فالاستدلال بالصحيحة ساقط بالمرّة.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١١٣ / أبواب الذبح ب ١٦ ح ١.

(٢) الشرائع ١ : ٢٩٦.

(٣) الجواهر ١٩ : ١٤٩.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٠٩ / أبواب الذبح ب ١٣ ح ٢.

(٥) والرواية الثانية لمحمد بن مسلم مروية في الوسائل ١٤ : ١١٣ / أبواب الذبح ب ١٦ ح ١.

٢٥٦

مسألة ٣٨٨ : إذا ذبح ثم شك في أنه كان واجداً للشرائط حكم بصحته إن احتمل أنه كان محرزاً للشرائط حين الذبح ، ومنه ما إذا شك بعد الذبح أنه كان بمنى أم كان في محل آخر (١). وأمّا إذا شك في أصل الذبح ، فان كان الشك بعد الحلق أو التقصير لم يعتن بشكه وإلّا لزم الإتيان به. إذا شك في هزال الهدي فذبحه امتثالاً لأمر الله تبارك وتعالى ولو رجاء ثم ظهر سمنه بعد الذبح أجزأ ذلك.

______________________________________________________

وأمّا دعوى الانصراف في بقية الروايات إلى ما بعد الذبح فلا شاهد لها ، ولو فرضنا انصراف كلمة الوجدان إلى ما بعد الذبح فكلمة «فخرجت» كما في صحيح ابن مسلم غير منصرفة إلى ما بعد الذبح قطعاً ، بل هي مطلقة بالنسبة إلى ما بعد الذبح وما قبله ، فالإطلاق بالنسبة إليهما باق على حاله. فالذي لا يجزي ما لم يكن ناوياً سمنها وخرجت مهزولة كما في الصحيح ، وأمّا إذا اشتراها ناوياً سمنها وخرجت مهزولة أو نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه.

(١) لقاعدة الفراغ الجارية في جميع العبادات والمعاملات. وأمّا لو شك في أصل وقوع الذبح وصدوره ، فلا يحكم بوقوعه إلّا بعد الدخول في عمل آخر مترتب على الذبح ، فان التجاوز لا يتحقق في هذه الصورة إلّا بالدخول في غيره ، كما إذا شك في أصل الذبح بعد الحلق أو التقصير ، فان مكان الذبح قبل الحلق ولو من باب الاحتياط اللزومي ، فيحكم حينئذ بوقوعه ولا يعتني بشكه.

ولو شك في هزال الهدي وسمنه ومع ذلك ذبحه ناوياً به الامتثال لأمر الله تعالى ولو رجاء ، بمعنى أنه لو كان مهزولاً ذبح ثانياً ، وإذا كان سميناً اكتفى بذلك ، فإن بقي على شكه فلا يجزي ، وكذلك إذا ظهر مهزولاً ، وأمّا إذا ظهر سميناً فقد استشكل بعضهم في الصحة لعدم الجزم بالنية.

وفيه : ما لا يخفى ، فان الجزم بالنية غير معتبر في صحة العبادة ويصح إتيان العبادة رجاء ولو مع التمكن من الجزم.

٢٥٧

مسألة ٣٨٩ : إذا اشترى هدياً سليماً فمرض بعد ما اشتراه أو أصابه كسر أو عيب أجزأه أن يذبحه ولا يلزمه إبداله (١).

______________________________________________________

تذييل : قد عرفت أنه لو اعتقد سمن الحيوان ثم تبين أنه كان مهزولاً يجتزئ به بعد الذبح بل وقبل الذبح ، ولكن الحكم بذلك كان في مورد شراء الحيوان ، وأمّا لو ملك الحيوان بغير سبب الشراء كما إذا ملكه بالإرث أو الهدية ونحو ذلك واعتقد سمنه فبان أنه مهزول ، فهل يجزئ كما كان كذلك في مورد الشراء أم لا؟

فنقول : إن كان العيب الموجود في الحيوان غير الهزال كالعرج والعور فلا دليل على الاجزاء نظير فقدان السن ، إذ لا دليل على إجزاء غير المأمور به عن المأمور به ، فهل الهزال كسائر العيوب أم لا؟

الظاهر هو الثاني ، لأن السمن ليس شرطاً واقعياً بخلاف سلامة الحيوان من العيوب لإطلاق الأدلة ، ولذا لا فرق في اعتبارها بين العلم والجهل ، وأمّا الهزال فلم يرد دليل على المنع عنه وعدم الاجزاء به ، وإنما ورد النص في الهزال المعلوم وأمّا إذا تبين الهزال بعد الشراء فلا دليل على عدم الاجتزاء به ولا إطلاق على المنع كما تقدم في المسألة ٣٨٧ ، فالمرجع إطلاقات أدلّة الهدي ولا أقل من الرجوع إلى أصالة البراءة.

(١) يدل على ذلك أمران :

أحدهما : ما تقدّم (١) من أنه إذا نقد الثمن يجزئ وإن ظهر كونه معيباً ، فيعلم من ذلك أن النقص الحادث غير مضر كالنقص الموجود سابقاً إذا لم يعلم به حال البيع ، ولا يحتمل اختصاص عدم المنع بالعيب الموجود سابقاً. وبعبارة اخرى : العيب السابق غير مضر فكذلك العيب الحادث إذا كان الشراء بعنوان أنه سليم وسمين ، لعدم احتمال الفرق بين الأمرين.

الثاني : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل أهدى هدياً وهو سمين فأصابه مرض وانفقأت عينه فانكسر فبلغ المنحر وهو

__________________

(١) في ص ٢٥٤.

٢٥٨

مسألة ٣٩٠ : لو اشترى هدياً فضلّ اشترى مكانه هدياً آخر ، فان وجد الأول قبل ذبح الثاني ذبح الأول ، وهو بالخيار في الثاني إن شاء ذبحه وإن شاء لم يذبحه وهو كسائر أمواله ، والأحوط الأولى ذبحه أيضاً ، وإن وجده بعد ذبحه الثاني ذبح الأول أيضاً على الأحوط (١).

______________________________________________________

حي ، قال يذبحه وقد أجزأ عنه» (١).

والظاهر أنه لا خصوصية للكسر بل المتفاهم من ذلك مطلق العيب ، فالعبرة بحدوث العيب بعد إهداء الهدي وبلوغه المنحر وهو حي ، والمستفاد منه عموم الحكم لمطلق العيب العارض بعد الشراء ، وسيأتي (٢) إن شاء الله تعالى أن إهداء الهدي يوجب تعيين هذا الحيوان بالهدي ولا يجوز إبداله ولا يختص ذلك بالاشعار في حج القران.

(١) لا ريب في أن مقتضى القاعدة الأولية أنه لو ضلّ هديه يجب عليه أن يشتري مكانه هدياً آخر ، لأن الواجب عليه ذبح الهدي ومجرّد الشراء لا يوجب سقوط المأمور به عنه ، فيقع الكلام في جهات.

الاولى : هل يكتفى في سقوط الهدي ببلوغه محله وهو منى وإن ضاع ، أو أنه يبدله بهدي آخر ، لأن الواجب عليه الذبح فما لم يتحقق ذبح الهدي يكون التكليف باقياً في ذمته؟

والذي يظهر من الجواهر (٣) وجود القول بالاجتزاء إذا ضل الهدي بعد بلوغه المحل ، ولم يذكر القائل من هو.

وعلى كل حال ، لا ينبغي الإشكال في ضعف هذا القول لإطلاق الأدلة المقتضي لوجوب الهدي ، والاجتزاء بمجرّد الشراء وبلوغ الهدي محله لا دليل عليه.

مضافاً إلى معتبرة أبي بصير «عن رجل اشترى كبشاً فهلك منه؟ قال : يشتري

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٣٥ / أبواب الذبح ب ٢٦ ح ١.

(٢) في ص ٢٦١.

(٣) لاحظ الجواهر ١٩ : ٢٠٥ ـ ٢٠٧.

٢٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

مكانه آخر ، قلت : فان اشترى مكانه آخر» الحديث (١) ولا يضر وجود محمد بن سنان في طريق الشيخ ، فان طريق الصدوق إلى ابن مسكان صحيح.

نعم ، وردت عدة روايات بعضها معتبرة دلّت على الاكتفاء بمجرّد الشراء ، ولكن موردها الأُضحية المندوبة لا الهدي الواجب ، فتكون الروايات أجنبية عن المقام كصحيحة معاوية بن عمار «عن رجل اشترى أُضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها قال : لا بأس ، وإن أبدلها فهو أفضل ، وإن لم يشتر فليس عليه شي‌ء» (٢).

وبعضها وإن وردت في الهدي كرواية علي بن أبي حمزة «إذا اشتريت أُضحيتك وقمطتها وصارت في رحلك فقد بلغ الهدي محله» (٣) فان المذكور في الصدر وإن كان الأُضحية ، ولكن المراد بها الهدي الواجب بقرينة قوله «فقد بلغ الهدي محله» ولكنها ضعيفة جدّاً بعلي بن أبي حمزة البطائني المعروف بالكذب ، وبعضها مطلق يشمل الأُضحية المندوبة والهدي الواجب كخبر أحمد بن محمد بن عيسى في كتابه عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل اشترى شاة فسرقت منه أو هلكت ، فقال : إن كان أوثقها في رحله فضاعت فقد أجزأت عنه» (٤) ولكن الرواية ضعيفة بالإرسال للفصل الطويل بين أحمد بن محمد بن عيسى وأصحاب الصادق (عليه السلام) ولا يمكن روايته عنهم بلا واسطة. على أنها مطلقة تقيد بالهدي غير الواجب.

الجهة الثانية : لو اشترى البدل ثم وجد الأوّل فهل يذبح الأوّل أو الثاني أي البدل.

يفرض تارة وجدانه قبل ذبح الثاني وأُخرى يوجد بعد ذبح الثاني ، أمّا إذا وجده قبل الذبح ففي الحقيقة يكون عنده هديان فيذبح أيهما؟

صريح عبارة الوسائل في باب ٣٢ من الذبح هو التخيير في ذبح أيهما شاء (٥) ولا

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٤٤ / أبواب الذبح ب ٣٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٤٠ / أبواب الذبح ب ٣٠ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٤٠ / أبواب الذبح ب ٣٠ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٤ : ١٤٠ / أبواب الذبح ب ٣٠ ح ٢.

(٥) الوسائل ١٤ : ١٤٣.

٢٦٠