موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

ويعتبر فيه أُمور :

١ ـ نية القربة (١).

٢ ـ أن يكون الرمي بسبع حصيات ، ولا يجزي الأقل من ذلك كما لا يجزئ رمي غيرها من الأجسام (٢).

______________________________________________________

لهم ليلاً يكشف عن ثبوت أصل الوجوب في النهار.

ويستفاد الوجوب أيضاً من إطلاق رمي الجمار فإنه يشمل العقبة كصحيحة ابن أذينة قال : «وسألته عن قول الله عزّ وجلّ (الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) ، فقال : الحج الأكبر الموقف بعرفة ورمي الجمار» (١).

وأيضاً ورد في روايات كثيرة أنه يرمى عن المريض المغمى عليه والكسير والمبطون (٢) فإنه لو لم يكن واجباً لا تجب الاستنابة قطعاً ، وكذا يستفاد الوجوب مما دل على أن الرمي لا بدّ من أن يكون بحصى الحرم (٣) وأنه لا بدّ من الإصابة (٤) إذ لو لم يكن واجباً لا موجب للإصابة ، وغير ذلك من الأدلة والروايات المتفرقة في أبواب مختلفة.

كما أنه يستفاد الوجوب من الأخبار البيانية الحاكية لحج النبي (صلّى الله عليه وآله) (٥).

(١) لأن هذه الأفعال أُمور عبادية ولا بدّ لكل عبادة من قصد القربة بها.

(٢) التحديد بهذا العدد هو المتسالم عليه بين جميع فقهاء المسلمين ، ويستدل له بصحيحة معاوية بن عمار (٦) وهي وإن وردت في رمي الجمار الثلاث ، ولكن لا نحتمل

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥٥٠ / أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١٩ ح ٩.

(٢) الوسائل ١٤ : ٧٤ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٧.

(٣) الوسائل ١٤ : ٥٩ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٤.

(٤) الوسائل ١٤ : ٦٠ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٦.

(٥) الوسائل ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٦) الوسائل ١٤ : ٢٦٧ / أبواب العود إلى منى ب ٦ ح ١ ، ٢.

٢٢١

٣ ـ أن يكون رمي الحصيات واحدة بعد واحدة ، فلا يجزئ رمي اثنتين أو أكثر مرّة واحدة (١).

٤ ـ أن تصل الحصيات إلى الجمرة (٢).

٥ ـ أن يكون وصولها إلى الجمرة بسبب الرمي فلا يجزئ وضعها عليها (٣)

______________________________________________________

الفرق في الجمرة العقبى بين رميها مستقلا أو رميها في ضمن الجمرتين الاولى والثانية وغير ذلك من الروايات.

(١) اعتبار التتابع ، هو أن يكون الرمي بحصاة بعد حصاة إلى أن تبلغ سبعة ، ولا يكتفى برمي سبع حصاة دفعة واحدة أو بدفعتين أو ثلاث ، واعتبار ذلك أيضاً مما لا إشكال فيه ، والسيرة القطعية جارية على ذلك ، ولو جاز غير هذا النحو لصدر ولو مرة واحدة من الأصحاب وسائر المسلمين.

ويمكن أن يستفاد لزوم هذا النحو من بعض النصوص كالروايات الدالّة على استحباب التكبير عند رمي كل واحد من الحصيات (١) ولو جاز الرمي مرّة واحدة كفى تكبيرة واحدة ، فلا ريب في أن تعدد التكبيرة يكشف عن تعدّد الرمي.

ويستفاد أيضاً وجوب التعدّد من كيفية الرمي واستحباب الرمي خذفاً ، بأن يضع الحصى على الإبهام ويدفعه بظفر السبابة كما في صحيح البزنطي (٢) فان هذه الكيفية وإن كانت مستحبة ولكن تدل على المفروغية عن تعدّد الرمي ، وإلّا فلا يمكن هذا النحو من الرمي.

(٢) لعدم صدق رمي الجمرة على مجرّد الرمي من دون وصول الحصيات إلى الجمرة ولصحيح معاوية بن عمار في حديث قال : «فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها» (٣).

(٣) لأن الرمي الوارد في النصوص لا يصدق على وضع الحصى على الجمرة كما

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٦٧ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٦١ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ٦٠ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٦ ح ١.

٢٢٢

والظاهر جواز الاجتزاء بما إذا رمى فلاقت الحصاة في طريقها شيئاً ثم أصابت الجمرة ، نعم إذا كان ما لاقته الحصاة صلباً فطفرت منه فأصابت الجمرة لم يجزئ ذلك (١)

______________________________________________________

هو واضح.

(١) وهل يجزئ في الوصول إلى الجمرة بسبب الرمي إصابة الحصى بشي‌ء ثم يطفر منه ويصيب الجمرة ، أم يلزم إصابة الحصى إلى الجمرة مباشرة من دون ملاقاة الحصى شيئاً آخر في الطريق؟

وهذا يتصور على قسمين :

أحدهما : أن يصيب الحصى في طريقه شيئاً ثم تصيب الجمرة ، والظاهر جواز الاجتزاء بذلك لصدق رمي الجمرة بذلك ، ولا يعتبر في الرمي أن لا تصل الحصى في طريقه شيئاً آخر. هذا مضافاً إلى التصريح بالاجتزاء بذلك في صحيح معاوية بن عمار قال : «وإن أصابت إنساناً أو جملاً ثم وقعت على الجمار أجزأك» (١).

ثانيهما : أن يصل الحصى إلى شي‌ء آخر وكان هو المرمى كالحائط أو شي‌ء آخر صلب ، فطفرت منه ثم أصابت الجمرة ، بحيث يكون رمي الجمرة بواسطة صلابة الحائط والطفرة منه ، والظاهر عدم الاكتفاء بذلك.

ويظهر من صاحب الجواهر الاجتزاء به ، لأن المقصود رمي الجمرة ووصول الحصى إليه بسبب الرمي وقد حصل (٢) ولكن الصحيح عدم الاجتزاء ، لعدم صدق وصول الحصى إلى الجمرة بسبب الرمي وإنما وصلت إليها بسبب الطفرة وصلابة الحائط.

والحاصل : يعتبر في الرمي وصول الحصى إلى الجمرة بسبب الرمي ، وأمّا إذا وصلت إليها بسبب الطفرة ونحوها مما يوجب وصول الحصى إلى الجمرة فلا يكتفى

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٦٠ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٦ ح ١.

(٢) الجواهر ١٩ : ١٠٥.

٢٢٣

٦ ـ أن يكون الرمي بين طلوع الشمس وغروبها ويجزئ للنساء وسائر مَن رخّص لهم الإفاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل ليلة العيد لكن يجب عليهم تأخير الذبح والنحر إلى يومه ، والأحوط تأخير التقصير أيضاً ، ويأتون بعد ذلك أعمال الحج إلّا الخائف على نفسه من العدوّ فإنه يذبح ويقصّر ليلاً كما سيأتي (١).

مسألة ٣٧٧ : إذا شك في الإصابة وعدمها بنى على العدم ، إلّا أن يدخل في واجب آخر مترتب عليه ، أو كان الشك بعد دخول الليل (٢).

______________________________________________________

بذلك ، وليس المقصود مجرد الوصول إلى الجمرة ولو كان بمساعدة جسم آخر وصلابته.

(١) قد استفاضت الروايات بأن وقته ما بين طلوع الشمس إلى الغروب ، ولا يجوز التقديم ولا التأخير إلّا للضعفاء ، فيجوز لهم الرمي ليلة العيد (١) وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى.

(٢) لو شك في الرمي وعدمه بنى على العدم للأصل ، وكذا لو شك في الإصابة وعدمها لظلمة ونحوها ، لقاعدة الاشتغال أو الاستصحاب ، نعم لو تجاوز المحل ودخل في واجب آخر مترتب عليه ، أو كان الشك بعد دخول الليل ، فلا يعتني بشكه ، لما ذكرنا في محله (٢) أن المعتبر في قاعدة التجاوز هو التجاوز عن الشي‌ء حقيقة أو حكماً فان كان الشك في صحة الشي‌ء المأتي به وفساده ، فالتجاوز عنه حقيقي ، لفرض وجوده خارجاً وإنما يشك بعد الفراغ منه وبعد إتيانه في صحته وفساده ، وأمّا إذا كان الشك في أصل وجود الشي‌ء فالتجاوز الحقيقي غير ممكن وإنما يتحقق التجاوز الحكمي باعتبار التجاوز عن محله ، وهو يتحقق بأحد أمرين : إما بالدخول في واجب آخر مترتب عليه ، أو بعد الوقت المقرر له كما هو الحال في الشك في إتيان الصلاة بعد الوقت فحينئذ تجري القاعدة وتسمّى بقاعدة الحيلولة ، ففي هاتين الصورتين لا يعتني

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٦٨ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣.

(٢) في مصباح الأُصول ٣ : ٢٩٣ وما بعدها.

٢٢٤

مسألة ٣٧٨ : يعتبر في الحصيات أمران :

أحدهما : أن تكون من الحرم والأفضل أخذها من المشعر (١).

ثانيهما : أن تكون أبكاراً على الأحوط ، بمعنى أنها لم تكن مستعملة في الرمي قبل ذلك (٢).

______________________________________________________

بالشك وإلّا فلا بد من الاعتناء ، لعدم تحقق عنوان التجاوز لا حقيقة ولا حكماً فالمرجع حينئذ قاعدة الاشتعال أو الاستصحاب.

ثم إن الواجب أن يكون الرمي بالحصى فلا يجزئ رمي غيره ولو كان حجراً أو مدراً أو زجاجاً ونحو ذلك ، لعدم صدق رمي الحصاة على الرمي بغيرها ، بل ورد النهي عن الرمي بغيرها ، ففي صحيح زرارة «وقال : لا ترم الجمار إلّا بالحصى» (١).

(١) يدل على ذلك صحيح زرارة ، قال «حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك ، وإن أخذته من غير الحرم لم يجزئك» (٢).

وأمّا أفضلية أخذ الحصى من المشعر فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار (٣) وأمّا بقية الأُمور المذكورة ، مثل كون الحصى مثل الأنملة ، وكونها كحليّة منقّطة ، وأن تكون رخوة كما في رواية البزنطي (٤) فهي مستحبة بلا إشكال ، وأمّا الوجوب فمقطوع العدم.

(٢) استدل لاعتبار ذلك بالإجماع المدعى في المقام ، ولكن قد ذكرنا غير مرّة أنّ الإجماع التعبّدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) لم يثبت ، ولا سيما إذا احتملنا أن مدرك المجمعين إنما هو الأخبار الواردة في المقام فيسقط ، الإجماع حينئذ عن الحجية.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥٩ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٢ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١٤ : ٣١ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٨ ح ١.

(٤) الوسائل ١٤ : ٣٣ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠ ح ٢.

٢٢٥

ويستحب فيها أن تكون ملوّنة ومنقّطة ورخوة ، وأن يكون حجمها بمقدار أنملة وأن يكون الرامي راجلاً وعلى طهارة (١).

______________________________________________________

وأمّا الأخبار الواردة في هذه المسألة فثلاثة :

الأوّل : مرسل حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في حصى الجمار ، قال : لا تأخذ من موضعين : من خارج الحرم ، ومن حصى الجمار» (١).

الثاني : خبر عبد الأعلى في حديث قال : «لا تأخذ من حصى الجمار» (٢).

الثالث : مرسل الصدوق عنه «لا تأخذ من حصى الجمار الذي قد رمي» (٣).

ولكن الروايات كلها ضعيفة السند بالإرسال أو بضعف الاسناد ولا يتم الاستدلال بها ، فالحكم باعتبار كون الحصاة أبكاراً غير مستعملة في الرمي قبل ذلك مبني على الاحتياط.

(١) ويدلُّ على الأول صحيح البزنطي على ما رواه في قرب الاسناد «ولا تأخذها سوداء ولا بيضاء ولا حمراء خذها كحليّة منقّطة» (٤) وفي صحيح هشام «خذ البرش» (٥) وأمّا استحباب كونها رخوة فيدل عليه صحيح هشام المتقدم ، للنهي فيه عن الصم أي الصلب ويدلُّ على كونها بمقدار الأنملة صحيح البزنطي المتقدم «حصى الجمار تكون مثل الأنملة» ويستحب المشي إلى الجمار والرمي راجلاً كما يدل عليهما النصوص (٦).

ويستحب أن يكون الرامي على طهارة والروايات في ذلك مختلفة في بعضها «لا ترم الجمار إلّا وأنت على طهر» وفي صحيحة أُخرى «سألته عن الغسل إذا رمى الجمار

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٦٠ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٥ ح ١ ، ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٨.

(٢) الوسائل ١٤ : ٦٠ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٥ ح ١ ، ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٨.

(٣) الوسائل ١٤ : ٦٠ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٥ ح ١ ، ٢ ، الفقيه ٢ : ٢٨٥ / ١٣٩٨.

(٤) الوسائل ١٤ : ٣٣ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠ ، ح ٢ ، ١ ، قرب الاسناد : ٣٥٩ / ١٢٨٤ ، والبرش هو نقط بيض في جلده ومنه الأبرش كناية عن الأبرص.

(٥) الوسائل ١٤ : ٣٣ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٠ ، ح ٢ ، ١ ، قرب الاسناد : ٣٥٩ / ١٢٨٤ ، والبرش هو نقط بيض في جلده ومنه الأبرش كناية عن الأبرص.

(٦) الوسائل ١٤ : ٦٢ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٨ ، ٩.

٢٢٦

مسألة ٣٧٩ : إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد إشكال ، فالأحوط أن يرمي المقدار الذي كان سابقاً ، فان لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه واستناب شخصاً آخر لرمي المقدار المزيد عليه ، ولا فرق في ذلك بين العالم والجاهل والناسي (١).

______________________________________________________

فقال : ربما فعلت ، فأما السنة فلا ، ولكن من الحر والعرق» (١).

وفي صحيحة معاوية بن عمار قال : «ويستحب أن يرمي الجمار على طهر» (٢) وقد تقدم (٣) في باب السعي عدم اعتبار الطهارة في شي‌ء من المناسك والأعمال عدا الطّواف وصلاته كما في النصوص (٤).

ولو لم يكن هنا ما يدل على عدم اعتبار الطهارة لالتزمنا أيضاً بعدم اعتبارها للتسالم على عدم الاعتبار ، إذ لو كانت معتبرة لكان من الواضحات.

(١) قد عرفت أنه لا بد من وصول الحصيات إلى الجمرة وإصابتها ، ولا ريب أن الجمرة الموجودة في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) لا يمكن بقاؤها إلى يوم القيامة ، ولا ريب في تغييرها وتبديلها ، فشخص تلك الجمرة الموجودة في زمانهم (عليهم السلام) لا يلزم رميها جزماً ، لعدم إمكان بقائها إلى آخر الدنيا ، مع أن الدين باق إلى يوم القيامة وقيام الساعة ، فلا بد من تنفيذ هذا الحكم الإسلامي ، ولذا لو فرضنا هدمت الجمرة وبنيت في مكانها جمرة أُخرى أو رممت أو طليت بالجص والسمنت بحيث يعد ذلك جزء منها عرفاً لا بأس برميها ، ولا يمنع الجص ونحوه من صدق وصول الحصى إلى الجمرة ، ولكن إذا فرض أنه بني على الجمرة بناء آخر مرتفع أعلى من الجمرة السابقة

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥٦ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٥٦ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ٢ ح ٣.

(٣) في ص ١٢٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٩٣ / أبواب السعي ب ١٥.

٢٢٧

مسألة ٣٨٠ : إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلاً منه بالحكم لزمه التدارك إلى اليوم الثالث عشر حسبما تذكّر أو علم ، فان علم أو تذكّر في الليل لزمه الرمي في نهاره إذا لم يكن ممّن قد رخّص له الرمي في الليل. وسيجي‌ء ذلك في رمي الجمار (١).

______________________________________________________

الموجودة في زمانهم (عليهم السلام) كما في زماننا هذا ، فلا يجتزئ يرمي المقدار الزائد المرتفع ، لعدم وجود هذا المقدار في زمانهم (عليهم السلام) فلم نحرز جواز الاكتفاء برمي هذا المقدار ، فتبدّل المواد لا يضر في الجمرة ، إذ لا يلزم رمي الجمرة الموجودة في زمان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) فان ذلك أمر لا يمكن بقاؤه إلى زماننا ، لعروض الخراب والتغيير والتبديل على الجمرة قطعاً في طيلة هذه القرون ، إلّا أن اللّازم رمي مقدار الجمرة الموجودة في الزمان السابق ، وإن تغيرت وتبدلت بحيث كانت الزيادة جزءاً من الجمرة عرفاً ، وأمّا إذا زيدت عليها في ارتفاعها بأن بنوا عليها فصارت أعلى من السابق أو زيد في بعض جوانبها بناء آخر فلا يجتزئ برمي هذا المقدار الزائد ، والأحوط لمن لا يتمكّن من رمي نفس الجمرة القديمة أن يرمي بنفسه المقدار الزائد المرتفع ويستنيب شخصاً آخر لرمي الجمرة القديمة المزيد عليها.

(١) إذا نسي رمي جمرة العقبة يوم العيد أو تركه جهلاً منه بالحكم يجب عليه القضاء في نهار الحادي عشر إذا لم يكن ممن وظيفته الرمي في الليل وإلّا فيرمي ليلاً أي ليلة الحادي عشر ويستمر هذا الحكم أي وجوب القضاء إلى آخر أيام التشريق أي اليوم الثالث عشر لصحيحة عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى إلى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس ، قال : يرمي إذا أصبح مرتين : مرة لما فاته ، والأُخرى ليومه الذي يصبح فيه وليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة وهي للأمس ، والأُخرى عند زوال الشمس» (١).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٧٢ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٥ ح ١.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يخفى أن السؤال ناظر إلى فوت الواجب في وقته لعروض عارض من العوارض وقد حكم (عليه السلام) بالقضاء في الغد ، والمستفاد من ذلك قضاؤه في الأيام التي يجب عليها الرمي ، وهي أيام التشريق فيجمع بين الأداء والقضاء مع التفريق بينهما كما سيأتي ، وأمّا بعد انقضاء أيام التشريق الذي لا يجب فيه الرمي فلا دليل على قضاء ما فاته من رمي جمرة العقبة.

وبعبارة اخرى : تدل الصحيحة على القضاء فيما إذا أصبح أي في الغد ولكن لا بدّ من إلغاء اعتبار الغد ، إذ لا خصوصية له ، فالمستفاد منها وجوب القضاء في الأيام التي يجب فيها الرمي ، فيجمع بين الأداء والقضاء مع الفصل بينهما ، وأمّا اليوم الذي لا يجب فيه الرمي أداء فالصحيحة غير دالة على قضاء ما فاته من رمي جمرة العقبة ، فإذن لا دليل على القضاء بعد انقضاء أيام التشريق ، ولذا قيّدنا وكذلك الفقهاء القضاء بأيام التشريق.

ثم إن هذه الصحيحة لم يذكر فيها أن سبب الترك كان هو النسيان أو الجهل ، بل المذكور فيها أنه عرض له عارض فلم يرم ، وهذا يشمل الناسي والجاهل بل يشمل الترك عن التساهل والتسامح في إتيان الرمي ونحو ذلك من الموانع والعوارض ، فالميزان ما يمنعه عن أداء الواجب. على أنه لو ثبت التدارك في مورد النسيان ففي مورد الجهل أولى ، لأن مورد النسيان لا تكليف أصلاً بخلاف مورد الجهل فإنه يمكن التكليف في مورده.

ويمكن أن يستدل بصحيح جميل الوارد في جميع أعمال الحج الدال على أن تأخير ما حقه التقديم وبالعكس غير ضائر بصحة العمل ، فقد روى المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن جميل بن دراج ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يزور البيت قبل أن يحلق ، قال : لا ينبغي إلّا أن يكون ناسياً ، ثم قال : إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أتاه أُناس يوم النحر فقال بعضهم : يا رسول الله إني حلقت قبل أن أذبح وقال بعضهم : حلقت قبل أن أرمي ، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي أن يؤخروه

٢٢٩

ولو علم أو تذكّر بعد اليوم الثالث عشر فالأحوط أن يرجع إلى منى ويرمي ويعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه ، وإذا علم أو تذكّر بعد الخروج من مكة لم يجب عليه الرجوع ، بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط (١).

______________________________________________________

إلّا قدموه ، فقال : لا حرج» (١).

ورواه الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير مثله إلّا أنه قال : «فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي لهم أن يقدموه إلّا أخروه ، ولا شيئاً كان ينبغي لهم أن يؤخروه إلّا قدموه فقال : لا حرج».

ويؤيده ما روي عن البزنطي نحوه (٢) وصدره وإن كان في مورد النسيان ولكن لا نحتمل أن جميع هذه الموارد التي يقع فيها التقديم والتأخير منشؤها النسيان ، بل الغالب هو الجهل.

(١) لو تذكّر أو علم بعد أيام التشريق أي بعد اليوم الثالث عشر فالمعروف بين الأصحاب هو القضاء في السنة القادمة ، لأن الرمي لا يقع إلّا في أيام التشريق ، وأمّا غيرها من الأيام فغير قابلة لوقوع الرمي فيه ، واستندوا في ذلك إلى رواية عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «من أغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل ، فان لم يحج رمى عنه وليه ، فان لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه فإنه لا يكون رمي الجمار إلّا أيام التشريق» (٣) ولكنها ضعيفة سنداً بمحمد بن يزيد ، لأنه لم يرد فيه توثيق ولا مدح يعتد به.

إلّا أن مقتضى إطلاق صحاح معاوية بن عمار لزوم الرجوع والرمي متى تذكر ولو

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ١٥٥ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٤ ، الكافي ٤ : ٥٠٤ / ١ ، التهذيب ٥ : ٢٣٦ / ٧٩٧ الفقيه ٢ : ٣٠١ / ١٤٩٦.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٥٦ / أبواب الذبح ب ٣٩ ح ٦.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٦٢ / أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٤.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

كان بعد أيام التشريق ، ففي صحيحة عن معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت إلى مكة؟ قال : فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمى والرجل كذلك» (١).

وفي صحيحة أُخرى عنه قال : «قلت : رجل نسي (رمي) الجمار حتى أتى مكة ، قال : يرجع فيرمها يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت ، فاته ذلك وخرج ، قال : ليس عليه شي‌ء» (٢).

وفي صحيحة ثالثة عنه «رجل نسي رمي الجمار ، قال : يرجع فيرميها ، قلت : فان نسيها حتى أتى مكة ، قال يرجع فيرمي متفرقاً يفصل بين كل رميتين بساعة ، قلت : فإنه نسي أو جهل حتى فاته وخرج ، قال : ليس عليه أن يعيد» (٣).

وهذه الصحاح وإن كان موردها رمي الجمار ولكن يثبت الحكم في رمي الجمرة العقبة بالأولى ، لأنه من أعمال الحج بخلاف رمي بقية الجمار فإنه واجب مستقل ، فلو كنّا نحن وهذه الصحاح لالتزمنا بلزوم الرجوع ولو بعد أيام التشريق.

ودعوى : أن ظرف الرمي أيام التشريق ، لا دليل عليها سوى رواية عمر بن يزيد الضعيفة ، ولكن المشهور التزموا بمضمون رواية عمر بن يزيد ، وحمل الشيخ إطلاق روايات معاوية بن عمار على ما دلت عليه رواية عمر بن يزيد من وجوب الرجوع والرمي مع بقاء أيام التشريق ومع خروجها يقضي في السنة القادمة (٤) بل تسالم الأصحاب على ذلك ولم ينقل الخلاف من أحد ، وقالوا وبذلك ينجبر سند الخبر المزبور. وقال صاحب الجواهر وبذلك يظهر أنه لا وجه للتوقف في سقوط الرمي بعد خروج زمانه (٥) ولذا ذكرنا في المتن أن الأحوط لمن كان في مكة أن يرجع إلى منى

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٦١ / أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٦١ / أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٦١ / أبواب العود إلى منى ب ٣ ح ٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٦٤.

(٥) الجواهر ٢٠ : ٢٨.

٢٣١

مسألة ٣٨١ : إذا لم يرم يوم العيد نسياناً أو جهلاً فعلم أو تذكّر بعد الطّواف فتداركه لم تجب عليه إعادة الطّواف ، وإن كانت الإعادة أحوط ، وأمّا إذا كان الترك مع العلم والعمد فالظاهر بطلان طوافه فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي (١).

______________________________________________________

ويرمي ويعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه.

نعم ، إذا علم أو تذكر بعد الخروج من مكة لا يجب عليه الرجوع بلا كلام للتصريح بذلك في صحيحتي معاوية بن عمار فيبقى عليه القضاء في السنة القادمة ، فان عملنا برواية عمر بن يزيد المتقدمة فهو وإلّا فلا يجب عليه شي‌ء كما في الصحيحتين.

(١) إذا نسي الرمي يوم العيد وأتى ببقية الأعمال وتذكر بعد الطّواف ، فهل يجب عليه إعادة الطّواف رعاية للترتيب أم لا؟

ولا يخفى أن صحيحة ابن سنان المتقدمة (١) الواردة في من لم يرم الجمرة يوم العيد التي أمرت بالرمي في اليوم اللّاحق ، لم يذكر فيها الطّواف وأنه أتى به أم لا ، إلّا أن الظاهر عدم وجوب إعادة الطّواف ، لصحيح جميل المتقدم (٢) الدال على أن تقديم ما حقه التأخير أو بالعكس نسياناً غير ضائر بصحة الحج ، ويدخل في هذه الكبرى تقديم الطّواف على الرمي ، فالواجب عليه إنما هو تدارك الرمي فقط ، نعم الأحوط إعادة الطّواف رعاية للترتيب.

وأمّا إذا ترك الرمي عمداً فلا ريب في بطلان طوافه ولا بد من إعادته ، وصحيح جميل المتقدم لا يشمل العامد ، لأنّ مورده النسيان وألحقنا به ما يشبهه كالجهل ، فلا دليل على صحة الطّواف المتقدم على وجه العمد.

__________________

(١) في ص ٢٢٨.

(٢) في ص ٢٢٩.

٢٣٢

٢ ـ الذبح أو النحر في منى

وهو الخامس من واجبات حج التمتّع (١).

______________________________________________________

(١) بالضرورة وبالكتاب (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (١) وبالنصوص المستفيضة ، منها قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح زرارة «في المتمتع ، قال : وعليه الهدي ، قلت : وما الهدي؟ فقال : أفضله بدنة ، وأوسطه بقرة وآخره شاة» «وأخفظه شاة» (٢).

وقد وقع الكلام في وجوب الهدي لأهل مكة إذا تمتعوا لمشروعية حج التمتّع لهم أيضاً ، فالمشهور شهرة عظيمة بل لم ينقل الخلاف من أحد في وجوب الهدي على المكي إذا تمتع.

ولكن المحكي عن الشيخ في المبسوط عدم وجوب الهدي عليه (٣) فكأنه خص وجوب الهدي على البعيد إذا تمتع ، بناء على رجوع اسم الإشارة في قوله تعالى (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٤) إلى الهدي لا إلى التمتّع المذكور في الآية قبل ذلك ، يعني إن الهدي الذي تقدم ذكره وظيفة لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، فإن الإشارة ترجع إلى القريب ، ولذا ادعوا أن الإشارة إذا تعقبت الشرط والجزاء ترجع إلى الجزاء خاصة لا إلى الشرط والجزاء معاً ، نظير قولنا : من دخل داري فله درهم ، ذلك لمن لم يكن عاصياً ، فان الإشارة ترجع إلى الجزاء دون الشرط كما مثّل بذلك في الجواهر (٥).

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٠١ / أبواب الذبح ب ١٠ ، ح ٥ ، ١١ : ٢٥٥ / أبواب أقسام الحج ب ٥ ح ٣.

(٣) المبسوط ١ : ٣٠٧.

(٤) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٥) الجواهر ١٩ : ١١٥.

٢٣٣

ويعتبر فيه قصد القربة (١) والإيقاع في النهار ، ولا يجزئه الذبح أو النحر في الليل وإن كان جاهلاً ،

______________________________________________________

ويُردّ بأن «ذلك» إشارة للبعيد و «هذا» إشارة للقريب ، فالإشارة في الآية ترجع إلى البعيد وهو التمتّع المذكور قبل الهدي ، فقد قال عزّ من قائل (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ، تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ، ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (١) أي ذلك الحج التمتّع على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، فلا ظهور للآية في قول الشيخ.

ولو فرضنا ظهورها في القول المزبور فلا بدّ من رفع اليد عن ذلك ، لظهور الروايات المعتبرة المفسرة للآية ، فإنها تدل بوضوح على أن المشار إليه في قوله : «ذلك» إنما هو حج التمتّع لا خصوص الهدي.

ففي صحيح زرارة ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «قلت لأبي جعفر : قول الله عزّ وجلّ في كتابه (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال : يعني أهل مكة ليس عليهم متعة» الحديث (٢).

وفي صحيحة أُخرى : «ليس لأهل مكة ولا لأهل مر ولا لأهل سرف متعة ، وذلك لقول الله عزّ وجلّ (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ)» (٣). وغيرهما من الروايات.

فإطلاق الروايات الدالة على لزوم الهدي في حج التمتّع بحاله ولم يرد عليه تقييد فلا فرق بين المكي وغيره إذا تمتعا.

(١) لأن الحج من العبادات فلا بد من إتيان أجزائه وأفعاله وأعماله مقرونة بالقربة.

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) ، (٣) الوسائل ١١ : ٢٥٩ / أبواب أقسام الحج ب ٦ ح ٣ ، ١.

٢٣٤

نعم يجوز للخائف الذبح والنحر في الليل (١).

______________________________________________________

(١) لا إشكال ولا خلاف في لزوم إيقاع الذبح أو النحر في نهار يوم العيد ، ولا يجزئ إيقاعه في ليلة العيد.

ويستدل له بالسيرة القطعية الجارية بين المسلمين المتصلة بزمان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) ولو كان إيقاع الذبح في الليل جائزاً لوقع أو نقل من أحد المعصومين أو من أحد من الأصحاب أو من سائر المسلمين.

ويستفاد اعتبار ذلك أيضاً من تعبير يوم العيد بيوم النحر في النصوص (١) وعن أيام التشريق بأيام الأُضحية ، كما أنه يستفاد لزوم إيقاعه في النهار من اعتبار وقوعه بعد الرمي كما سيأتي ، لقوله في صحيح معاوية بن عمار : «إذا رميت الجمرة فاشتر هديك» (٢) وقد تقدم قريباً (٣) أن الرمي لا بد من إيقاعه في النهار.

ويمكن أن يستدل لذلك بالترخيص لخصوص الخائف أن يرمي بالليل ويضحي بالليل (٤).

وأمّا النساء الضعفاء والشيوخ فلم يرخص لهم الذبح في الليل وإن جاز لهم الرمي ليلاً ، فان تخصيص الخائف بالترخيص في الذبح بالليل وعدم ترخيصه لغيره من الضعفاء والنساء يكشف عن لزوم وقوع الذبح في النهار.

نعم ، يجوز للخائف الذبح في الليل كما يجوز له الرمي كما في صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا بأس أن يرمي الخائف بالليل ويضحي ويفيض بالليل». وفي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الخائف

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٧٠ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٣ ، وص ٧٤ ب ١٦ ، وص ٩١ / أبواب الذبح ب ٦.

(٢) الوسائل ١٤ : ٩٦ / أبواب الذبح ب ٨ ح ٤.

(٣) في ص ٢٢٤.

(٤) الوسائل ١٤ : ٧٠ / أبواب رمي جمرة العقبة ب ١٤ ، وص ٢٨ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧.

٢٣٥

ويجب الإتيان به بعد الرمي (١) ، ولكن لو قدّمه على الرمي جهلاً أو نسياناً صحّ ولم يحتج إلى الإعادة.

______________________________________________________

أنه لا بأس أن يضحي بالليل» (١).

(١) لعدّة من الروايات البيانية (٢) وغيرها من الروايات التي دلت على أنه لو قدّمه جهلاً لا يضرّ في الاجتزاء المؤيدة بصحيح جميل المتقدم (٣) الدال على أن تقديم ما حقه التأخير وبالعكس نسياناً أو جهلاً غير ضائر في الحكم بالصحة ، فيستفاد من ذلك اعتبار الترتيب ولزوم إيقاعه بعد الرمي ، وقد عرفت دلالة صحيح معاوية بن عمار المتقدمة قريباً على تأخير الهدي عن الرمي ، ولكن الشرط ليس على الإطلاق وإنما هو شرط ذُكري ، ولذا لو قدّمه على الرمي جهلاً أو نسياناً لم يحتج إلى الإعادة لصحيح جميل المتقدم.

ولا تجب على الناسك مباشرة الذبح جزماً كما سيأتي وإلّا لكان وجوب المباشرة واضحاً ، مع أنه لم يقل أحد بوجوبها ، وقد ورد في بعض الروايات الواردة في النساء والضعفاء الذين يفيضون بالليل ويرمون بالليل أن يأمروا من يذبح عنهم ويوكلوا من يذبح عنهم (٤).

والمتفاهم من هذه النصوص عدم لزوم المباشرة في الذبح ولا نحتمل خصوصية للنساء والضعفاء.

بل يمكن أن يقال إنه لا مقتضي لوجوب المباشرة من الأول حتى نحتاج في جواز الإيكال إلى الدليل ، فان المستفاد من الآية الكريمة والنص كصحيحة زرارة المتقدمة (٥)

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٩٤ / أبواب الذبح ب ٧ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٥٥ / أبواب الذبح ب ٣٩ ، ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٣) في ص ٢٢٩.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٨ / أبواب الوقوف بالشعر ب ١٧.

(٥) في ص ٢٣٤.

٢٣٦

ويجب أن يكون الذّبح أو النّحر بمنى (١).

______________________________________________________

وجوب الهدي على الحاج ، والمطلوب منه وقوع هذا الفعل الخارجي فلا يستفاد من الأدلّة وجوب صدوره منه بنفسه مباشرة.

(١) للقطع به عند الأصحاب ، وللسيرة القطعية المستمرة من زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى زماننا ، ويدلُّ عليه مضافاً إلى ما ذكر الكتاب العزيز بضميمة ما ورد في تفسيره من الروايات.

أمّا الكتاب فقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (١) فيظهر من الآية الكريمة أن الهدي له محل معيّن خاص لا يجوز ذبحه في غيره ، وفي رواية معتبرة فسّر المحل بمنى عن زرعة قال : «سألته عن رجل أُحصر في الحج ، قال : فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحله أن يبلغ الهدي محله ، ومحله منى يوم النحر إذا كان في الحج» (٢). فضم الرواية إلى الآية ينتج أن الكتاب العزيز يدل على لزوم الذبح بمنى.

بل يمكن الاستدلال بنفس الآية الشريفة مع قطع النظر عن المعتبرة المفسرة لها ، لأن الآية صريحة في أن الهدي له محل خاص ، معين وليس ذلك غير منى قطعاً فيتعيّن كونه منى.

ويدلُّ عليه أيضاً صحيح منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل يضل هديه فوجده رجل آخر فينحره ، فقال : إن كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه ، وإن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه» (٣) فإنه دال على عدم الاجتزاء لو ذبح في غير منى في حال الاضطرار وعدم الاختيار فكيف بحال التمكن والاختيار.

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٨٢ / أبواب الإحصار والصد ب ٢ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٤ : ١٣٧ / أبواب الذبح ب ٢٨ ح ٢.

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويؤيد ذلك بعدة من الروايات الضعيفة.

منها : رواية إبراهيم الكرخي «في رجل قدم بهديه مكة في العشر ، فقال : إن كان هدياً واجباً فلا ينحره إلّا بمنى ، وإن كان ليس بواجب فينحره بمكة إن شاء» (١) وهي ضعيفة بإبراهيم الكرخي.

ومنها : رواية عبد الأعلى ، قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) لا هدي إلّا من الإبل ، ولا ذبح إلّا بمنى» (٢) وهي أيضاً ضعيفة بعبد الأعلى فإنه مشترك بين الثقة والضعيف ، فان عبد الأعلى اسم لعبد الأعلى بن أعين العجلي الثقة بشهادة الشيخ المفيد وعلي بن إبراهيم القمي ، وكذلك اسم لعبد الأعلى بن أعين مولى آل سام الذي لم تثبت وثاقته ، بل الظاهر أن الراوي في هذه الرواية هو عبد الأعلى غير الثقة بقرينة رواية أبان عنه في هذه الرواية وغيرها من الروايات. واحتمل بعضهم اتحاد عبد الأعلى مولى آل سام مع عبد الأعلى بن أعين العجلي الثقة (٣) ويدلُّ على الاتحاد ما في رواية الكليني والشيخ من التصريح بأن عبد الأعلى بن أعين هو عبد الأعلى مولى آل سالم (٤).

والجواب : أن غاية ما يثبت بذلك أن والد كل منهما مسمّى بأعين ، ومجرّد ذلك لا يكشف عن الاتحاد ، ويكشف عن التعدّد أن الشيخ عدّ كُلّاً منهما مستقلا من أصحاب الصادق (عليه السلام) (٥).

ومنها : رواية مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) «منى كله منحر ، وأفضل المنحر كله المسجد» (٦) والدلالة واضحة ، فإن المستفاد منها المفروغية عن كون منى مذبحاً وأنه لا يختص المذبح بمكان خاص من منى ، ولكن السند ضعيف بالحسن اللؤلؤي ، فإنه الحسن بن الحسين ، فإنه وإن كان ممن وثقة النجاشي (٧) ولكن يعارض توثيقه

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٨٨ / أبواب الذبح ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٨٨ / أبواب الذبح ب ٤ ح ٦.

(٣) راجع معجم الرجال ١٠ : ٢٧٦.

(٤) الكافي ٥ : ٣٣٤ / باب فضل الابكار ح ١ ، التهذيب ٧ : ٤٠٠ / ١٥٩٨.

(٥) رجال الطوسي : ١٤٢ / ٢٣٥ ، ٢٣٧.

(٦) الوسائل ١٤ : ٩٠ / أبواب الذبح ب ٤ ح ٧.

(٧) رجال النجاشي ٤٠ / ٨٣.

٢٣٨

وإن لم يمكن ذلك كما قيل إنه كذلك في زماننا لأجل تغيير المذبح وجعله في وادي محسّر ، فان تمكن المكلف من التأخير والذبح أو النحر في منى ولو كان ذلك إلى آخر ذي الحجة حلق أو قصّر وأحل بذلك وأخّر ذبحه أو نحره وما يترتب عليهما من الطّواف والصلاة والسعي ، وإلّا جاز له الذبح في المذبح الفعلي ويجزئه ذلك (١).

______________________________________________________

بتضعيف ابن الوليد له ، وتبعه تلميذه الشيخ الصدوق وأبو العباس بن نوح ، فان ابن الوليد استثنى من روايات محمد بن أحمد بن يحيى ما كان ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي (١).

ومنها : النبوي «منى كلها منحر» (٢).

(١) بعد ما عرفت من لزوم إيقاع الذبح في منى ، يقع الكلام فيما إذا لم يتمكن المكلف من ذلك لمانع خارجي كما في زماننا ، لأجل تغيير المذبح وجعله في وادي محسر كما قيل ، فهل يؤخر الذبح عن يوم العيد إلى زمان يتمكن من الذبح في يوم العيد في غير منى؟

ولا يخفى أن فقهاءنا الأبرار لم يتعرضوا لصورة العجز عن الذبح في منى ، لعدم الابتلاء بذلك في الأزمنة السابقة وإنما حدث ذلك في زماننا فالمسألة من المسائل المستحدثة.

والذي ينبغي أن يقال : إن من لم يتمكن من الذبح في منى يوم العيد قد يستمر عدم تمكنه من الذبح في منى إلى آخر ذي الحجة ، وقد لا يستمر بل يتمكن من الذبح في منى أيام التشريق أو في سائر أيام شهر ذي الحجة.

أمّا الأوّل : فمقتضى القاعدة هو الذبح في يوم العيد في غير مني ، أي في المذبح

__________________

(١) راجع رجال الطوسي ٤٢٤ / ٤٥ ، رجال النجاشي ٣٤٨ / ٩٣٩.

(٢) المستدرك ٩ : ٢٨٢ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٥ ح ٣٤.

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الفعلي الذي عينته السلطة هناك ، ويسقط اشتراط وقوع الذبح بمنى ، والوجه في ذلك : أن الكتاب (١) والسنة كصحيحة زرارة «في المتمتع قال : وعليه الهدي» (٢) متفقان على وجوب أصل الهدي ، وكذلك قوله تعالى (وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ ، فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) (٣) يدل على وجوب الهدي حيث جعل الله تعالى البدن من شعائر الله وأعلام دينه.

فمقتضى هذه الإطلاقات وجوب أصل الذبح ، وإنما قيدناه بلزوم وقوعه في منى ، لصحيح منصور بن حازم (٤) ولما ورد في تفسير الآية المباركة ، ولكنهما لا يدلان على التقييد المطلق ، بل غاية ما يدلان عليه إنما هو التقييد في الجملة ، فإن الرواية المتقدمة المفسرة للآية الشريفة لم تكن في مقام بيان وجوب الذبح على إطلاقه حتى في مورد العذر ، وإنما هي في مقام بيان أن المحصور إذا بعث بهديه يجوز له الحلق إذا بلغ الهدي محله ، وكذلك صحيح منصور بن حازم فإن السؤال والجواب فيه غير ناظرين إلى الشرطية المطلقة ، وإنما هما ناظران إلى مَن ضلّ هديه ونحره مَن وجده ، فأجاب (عليه السلام) أنه إذا نحره من وجده بمنى أجزأ عن صاحبه ، وإن نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه ، فغاية ما يستفاد من ذلك الاشتراط في الجملة.

وكذلك الإجماع المدعى على وجوب ذبحه بمنى لا يشمل مورد العجز عن ذبحه بمنى. فالمرجع حينئذ هو إطلاقات أدلّة وجوب الذبح ، فان دليل القيد إذا لم يكن له إطلاق فيؤخذ بإطلاق دليل أصل الواجب ، ومقتضاه الذبح في أيّ مكان شاء.

فعلى ما ذكرنا لا موجب للانتقال إلى الصوم بدل الهدي ، فإن الصوم الذي هو بدل عن الهدي إنما يجب على من لم يتمكن من الهدي لفقده ، وأمّا من يتمكن من الهدي

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) الوسائل ١٤ : ١٠١ / أبواب الذبح ب ١٠ ح ٥.

(٣) الحج ٢٢ : ٣٦.

(٤) المتقدم في ص ٢٣٧.

٢٤٠