موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ٣٥١ : إذا جامع بعد السعي وقبل التقصير جاهلاً بالحكم فعليه كفارة بدنة على الأحوط (١).

______________________________________________________

بضعف السند أو الدلالة كما في الجواهر (١) بل للروايات المطلقة المتقدمة (٢) في كفارات تروك الإحرام.

ولا يخفى أن الشيخ (٣) لم يصرّح بذلك ، وإنما ظاهر كلامه العموم للحج وعمرة المفردة وعمرة التمتّع ، واستدل الشيخ بروايتين : الأُولى صحيحة معاوية بن عمار والثانية صحيحة عيص الدالّة على أن من أخذ من شعره أو حلق رأسه عمداً فعليه دم (٤) هذا في المتعمد العالم.

وأمّا غير المتعمد كالناسي أو غير العالم كالجاهل ، فمقتضى النصوص أنه لا شي‌ء عليه ، ولكن في خصوص المقام دلّت رواية على ثبوت الكفارة في مورد الخطأ والنسيان فتثبت في الجاهل بطريق أولى ، لأن الجاهل متعمّد ويقصد إلى الفعل مع الالتفات لكن عن جهل بالحكم ، وإذا ثبت التكفير في مورد الغفلة والخطأ فتثبت في مورد الالتفات بالأولوية وإن كان جاهلاً بالحكم.

وأمّا الرواية فهي ما رواه أبو بصير ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) «عن المتمتّع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال : عليه دم يهريقه» (٥).

ولكن الرواية ضعيفة بمحمد بن سنان على طريق الشيخ ، وبعلي بن أبي حمزة البطائني على طريق الصدوق ، فلا بأس بالاحتياط استناداً إلى هذه الرواية.

(١) إن جامع قبل التقصير عن عمد فقد تقدم حكمه مفصلاً في باب الكفارات حجّا وعمرة (٦) ولكن في خصوص المقام وهو ما لو جامع جاهلاً بالحكم بعد الفراغ

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ٤٥٤.

(٢) في شرح العروة ٢٨ : ٤٦٦.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥٨ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٢.

(٤) في التهذيب والاستبصار لم يستدل الشيخ إلّا برواية أبي بصير.

(٥) الوسائل ١٣ : ٥١٠ / أبواب التقصير ب ٤ ح ٣.

(٦) شرح العروة ٢٨ : ٣٦٠ المسألة ٢٢٠.

١٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

من السعي وقبل التقصير وردت رواية صحيحة عن الحلبي على طريق الشيخ (١) وعن حماد على طريق الصدوق (٢) تدل على أن كفارته بدنة.

والرواية ما رواه الشيخ في الصحيح عن الحلبي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي ولم أقصّر ، قال : عليك بدنة ، قال : قلت : إني لما أردت ذلك منها ولم يكن قصّرت امتنعت فلما غلبتها قرضت بعض شعرها بأسنانها ، فقال : رحمها الله كانت أفقه منك ، عليك بدنة وليس عليها شي‌ء» (٣) وهي كالصريحة في أن الحلبي كان جاهلاً بالحكم ، لقوله (عليه السلام) «هي أفقه منك» يعني هي عالمة بالحكم وأمّا أنت فكنت جاهلاً به ، فلا مانع من الالتزام بمضمونها.

وليس بإزائها رواية تعارضها غير العمومات والمطلقات التي لا تصلح للمعارضة بل هي قابلة للتخصيص والتقييد بهذه الصحيحة ، نعم ، هناك صحيحة لمعاوية بن عمار يتحد مورد السؤال فيها مع مورد صحيحة الحلبي ، وقد دلت على عدم ثبوت الكفارة على الجاهل قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع وقع على امرأته ولم يقصّر ، قال : ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه إن كان عالماً ، وإن كان جاهلاً فلا شي‌ء عليه» (٤).

إلّا أن الكلام في ثبوت هذه الرواية بهذا المضمون ، فإن الكليني رواها بعين السند والمتن في موردين ، في أحد الموردين رواها «ولم يقصّر» وفي مورد آخر رواها وذكر «ولم يزر» بدل «ولم يقصر» (٥) وكذلك الشيخ (٦) فتكون الرواية بناء على ذكر «ولم يزر» أجنبية عن مورد الكلام ، لأنها تكون حينئذ في مورد طواف الحج ولا نحتمل

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٦٢ / ٥٤٣.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٨ / ١١٣٨.

(٣) الوسائل ١٣ : ٥٠٨ / أبواب التقصير ب ٣ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٣٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٣ ح ٤ ، وفي ص ١٢١ ب ٩ ح ١.

(٥) الكافي ٤ : ٤٤٠ / ٥ ، وص ٣٧٨ / ٣.

(٦) التهذيب ٥ : ١٦١ / ٥٣٩ ، وص ٣٢١ / ١١٠٤.

١٦٢

مسألة ٣٥٢ : يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي ، فلو فعله عالماً عامداً لزمته الكفارة (١).

مسألة ٣٥٣ : لا تجب المبادرة إلى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في أيّ محل شاء ، سواء كان في المسعى أو في منزله أو غيرهما (٢).

مسألة ٣٥٤ : إذا ترك التقصير عمداً فأحرم للحج بطلت عمرته ، والظاهر أن حجّه ينقلب إلى الافراد فيأتي بعمرة مفردة بعده ، والأحوط إعادة الحج في السنة القادمة (٣).

______________________________________________________

أنهما روايتان إحداهما جاء فيها : «ولم يقصر» والأُخرى قال «ولم يزر» لاتحاد السند والمتن ، ومعه يبعد التعدد. فاذن لم يعلم أن الصادر هو جملة «ولم يقصر» أو «ولم يزر» فتسقط عن الاعتبار ، فتكون صحيحة الحلبي الواردة في المقام بلا معارض فلا بد من الالتزام بمضمونها ، ولكن حيث لم ينقل من أحد من الأصحاب الفتوى بمضمونها بل لم يتعرضوا لمضمونها نفياً وإثباتاً فلا بد من الاحتياط الوجوبي على الأقل ، فيكون هذا المورد مستثنى من مورد الجهل الذي لا يترتب عليه شي‌ء.

(١) لا ريب أن محل التقصير بعد الفراغ من السعي على ما نطقت به الروايات الكثيرة ، فلو قدّمه عالماً عامداً تجب عليه الكفارة ، لإطلاق أدلّة ثبوت الكفارة على المحرم إذا أزال شعره وأخذه.

(٢) لا دليل على وجوب المبادرة إلى التقصير بعد السعي ، وله التأخير والفصل بينهما إلى أن يضيق الوقت للحج ، كما أن ليس له مكان خاص فيجوز فعله في أيّ مكان شاء ، في المروة أو في المسعى أو في منزله أو في غير ذلك ، لعدم الدليل وللإطلاق والتسالم على عدم الموالاة.

(٣) إذا طاف المتمتع وسعى ثم أحرم للحج قبل أن يقصّر ، فان فعل ذلك عامداً فالمشهور أنه تبطل عمرته ويصير الحج مفرداً. وخالف ابن إدريس وذهب إلى بطلان الإحرام الثاني لأنه وقع في غير محله والبقاء على الإحرام الأول ، فيجب عليه

١٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

التقصير ويتم حجّه متمتعاً (١).

واستدل للمشهور بروايتين :

الاولى : معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «المتمتع إذا طاف وسعى ثم لبّى بالحج قبل أن يقصّر ، فليس له أن يقصّر وليس عليه متعة» (٢) وفي التهذيب «وليس له متعة» (٣) وهو الصحيح.

الثانية : رواية العلاء بن الفضيل قال : «سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهلّ بالحج قبل أن يقصّر ، قال : بطلت متعته هي حجة مبتولة» (٤).

ولا يخفى أنه لو أغمضنا عن الروايتين فالحق مع ابن إدريس ، إذ لا موجب للانقلاب إلى الافراد ، فإن الانقلاب يحتاج إلى الدليل فكلامه (قدس سره) على طبق القاعدة ، ولذا ذكر السيد صاحب المدارك بعد نقل الخبرين وقصورهما من حيث السند عنده ، لضعف الخبر الأول لأن في السند إسحاق بن عمار وهو مشترك بين الثقة وغيره ، والثاني ضعيف بمحمد بن سنان ، فيشكل التعويل عليهما في إثبات حكم مخالف للأصل (٥) واستحسنه صاحب الحدائق بناء على مسلك المدارك واصلة من عدم اعتماده على الموثقات ومناقشته في أسناد كثير من الروايات ، ولكن أورد عليه بأنه لا موقع للمناقشة في أسناد هذه الروايات بعد ذكرها في الكتب الأربعة المعتبرة (٦).

أقول : أمّا الخبر الثاني فالأمر كما ذكره ، وأمّا الخبر الأول فمعتبر ، فإن إسحاق بن عمار غير مشترك بين الثقة وغيره ، فإنه إسحاق بن عمار الساباطي وقد يوصف بالصيرفي وهما شخص واحد ، وكونه فطحياً لا يمنع عن وثاقته كما حقق في محلّه ،

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٨١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤١٢ / أبواب الإحرام ب ٥٥ ح ٥.

(٣) التهذيب ٥ : ١٥٩ / ٥٢٩.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤١٢ / أبواب الإحرام ب ٥٥ ح ٤.

(٥) المدارك ٧ : ٢٨٢.

(٦) الحدائق ١٥ : ١١٩.

١٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فالرواية معتبرة ولا بدّ من العمل بمضمونها ، إنما الكلام في دلالتها على مذهب المشهور.

وقد يناقش بدعوى أنها لا تدل على الانقلاب إلى الإفراد ، وإنما تدل على بطلان متعته ، فيكون حال هذا المكلف حال من لم يتمكّن من الإتيان بالمتعة وحال من عجّز نفسه اختياراً عن الإتيان بها ، نظير من لا يتمكّن من المتعة لضيق الوقت أو مفاجأة الحيض ونحو ذلك من الموانع.

وفيه : أن الدلالة تامة ، وذلك لأن السؤال في الرواية في الحقيقة يرجع إلى أمرين : أحدهما حكم الإحرام قبل التقصير. والآخر وظيفته بالنسبة إلى إتيان أعمال الحج والإمام (عليه السلام) لم يتعرّض لإحرامه للحج وأنه باطل أم لا ، بل أمضاه ، وإلّا لو كان إحرامه للحج باطلاً كان عليه إلغاؤه ، فيعلم من عدم تعرضه إنه أمضاه ، ولذا ليس له أن يقصّر ، ولو كان إحرامه للحج بحكم العدم وكان باطلاً فلا مانع من التقصير ، فعدم جواز التقصير يكشف عن صحة إحرامه الثاني وأنه يأتي بأعمال الحج فاذا لم تكن له متعة والمفروض صحة إحرامه طبعاً ينقلب إحرامه للحج إلى حج الإفراد ، فقوله «وليس له أن يقصّر وليس له متعة» ظاهر في إمضاء الإحرام فيستمر في أعمال الحج.

وهل ذلك وظيفته؟ يعني تنقلب وظيفته من التمتّع إلى الإفراد أو عليه الحج تمتعاً من قابل؟ لا يبعد ظهور الرواية في انقلاب الوظيفة وعدم وجوب الحج تمتعاً في السنة الآتية ، فيأتي بعمرة مفردة بعد الحج ، ولكن الأحوط إتيان الحج تمتعاً في السنة المقبلة.

ويمكن تقريب ما ذكرنا بوجه آخر ، وهو أن تكليفه بالتمتع في هذه السنة قد سقط عنه لقوله : «ليس له متعة» وبعد ذلك ما هو تكليفه ، هل يقتصر بالحج الأفرادي أو يأتي بالتمتع في السنة الآتية؟ مقتضى العلم الإجمالي هو إتيان الإفراد في هذه السنة والتمتّع في السنة المقبلة ، فإن قلنا بانقلاب وظيفته من التمتّع إلى الإفراد فهو ، وإن لم ينقلب فلا بدّ له من إتيان التمتّع في السنة الآتية ، فإن قلنا بظهور الرواية في الانقلاب فالاحتياط غير واجب ، وإن لم يكن لها ظهور ، فيجب الجمع للعلم الإجمالي ، هذا حكم العامد سواء كان عالماً بالحكم أو جاهلاً به.

١٦٥

مسألة ٣٥٥ : إذا ترك التقصير نسياناً فأحرم للحج صحت عمرته ، والأحوط التكفير عن ذلك بشاة (١).

______________________________________________________

(١) لا ينبغي الريب في صحة عمرته وأن إحرامه للحج بحكم العدم ، فيقصّر ثم يحرم للحج ، ورواية أبي بصير المتقدمة (١) تختص بغير الناسي.

إنما الكلام في وجوب الكفارة عليه بشاة أم لا ، ورد في المقام روايتان :

الأُولى : صحيحة معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أهلّ بالعمرة ونسي أن يقصّر حتى دخل في الحج ، قال : يستغفر الله ولا شي‌ء عليه وتمت عمرته» (٢).

الثانية : معتبرة إسحاق بن عمار قال : «قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : الرجل يتمتّع فينسى أن يقصّر حتى يهلّ بالحج ، فقال : عليه دم يهريقه» (٣).

فربما يقال إن مقتضى قانون الإطلاق والتقييد هو التقييد في المقام بأنه ليس عليه شي‌ء إلّا الدم ، ولكن يبعد تطبيق هذه الكبرى على المقام إذ المنفي بقوله : «لا شي‌ء عليه» إنما هو الدم ، لأنّا لا نحتمل وجوب شي‌ء آخر غير الدم حتى يكون مورداً للنفي ، بل المرتكز في الأذهان أنه إن وجب شي‌ء فهو الدم ونحوه من الكفارات فالسؤال والجواب ناظران إلى الكفارة ، فقوله «لا شي‌ء عليه» كالصريح في نفي الكفارة بشاة وأنه ليس عليه دم سوى الاستغفار ، فتقع المعارضة ، فيحمل ما دل على الوجوب على الاستحباب ، ولذا عبّرنا بأن الأحوط التكفير بشاة.

__________________

(١) في ص ١٦٤.

(٢) ، (٣) الوسائل ١٣ : ٥١٢ / أبواب التقصير ب ٦ ح ١ ، ٢.

١٦٦

مسألة ٣٥٦ : إذا قصّر المحرم في عمرة التمتّع حل له جميع ما كان يحرم عليه من جهة إحرامه ما عدا الحلق ، أمّا الحلق ففيه تفصيل ، وهو أن المكلف إذا أتى بعمرة التمتّع في شهر شوال جاز له الحلق إلى مضي ثلاثين يوماً من يوم عيد الفطر ، وأمّا بعده فالأحوط أن لا يحلق ، وإذا حلق فالأحوط التكفير عنه بشاة إذا كان عن علم وعمد (١).

______________________________________________________

(١) إذا فرغ المتمتع عن أعمال العمرة وقصّر يحل له كل شي‌ء حرم عليه لأجل الإحرام ، بل يحل له حتى الصيد في غير الحرم ، إنما الكلام في الحلق ، فالمشهور والمعروف جوازه بعد التقصير ، وإنما يستحب له التوفير ، ونسب إلى بعض المحدثين تحريمه وقال : إنه يحل له بالتقصير كل ما حرم عليه بالإحرام إلّا الحلق ، والظاهر حرمة الحلق كما نسب إلى بعض ، واستشكل الشيخ النائيني فيه وقال (قدس سره) : يحلّ له بفعله كل ما حرم عليه بعقد إحرامه على إشكال في حلق جميع الرأس (١).

ولعل منشأ الاشكال معروفية الجواز وإلّا فمقتضى النص الحرمة ، والعمدة في ذلك صحيحتان :

الأُولى : صحيحة معاوية بن عمار قال (عليه السلام) : «ثم قصّر من رأسك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلّم أظفارك وابق منها لحجك ، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي‌ء يحل منه المحرم وأحرمت منه» (٢) وقوله : «فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شي‌ء» يراد به غير الحلق لقوله : «وابق منها لحجك».

وبالجملة : لا ينبغي الريب في ظهور الصحيحة في عدم جواز الحلق وأنه يلزم عليه الإبقاء للحج.

وأوضح من ذلك : الصحيحة الثانية لجميل فقد سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «عن متمتع حلق رأسه بمكة ، قال : إن كان جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمّد ذاك في أوّل

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٣٠٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٠٣ / أبواب التقصير ب ١ ح ١.

١٦٧

مسألة ٣٥٧ : لا يجب طواف النساء في عمرة التمتّع ولا بأس بالإتيان به رجاء ، وقد نقل شيخنا الشهيد (قدس سره) وجوبه عن بعض العلماء (١).

______________________________________________________

شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شي‌ء ، وإن تعمد بعد الثلاثين يوماً التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دماً يهريقه» (١) فإن السؤال عن الحلق بمكة ظاهر في أن السؤال من جهة إعمال المتعة ، وأن من تمتع يجوز له الحلق أم لا ، وإلّا لو كان السؤال ناظراً إلى جواز الحلق من جهة الإحرام فلا فرق بين مكة وغيرها ، فان الحلق للمحرم غير جائز سواء كان في مكة أم لا.

ثم إن التفصيل بين مضي ثلاثين يوماً من أوّل شهور الحج وبين مضي أكثر من ذلك وجواز الحلق في الفرض الأوّل دون الثاني ، ظاهر جدّاً في أن السؤال والجواب ناظران إلى الحلق في نفسه للمتمتع ، لا من جهة الإحرام وإلّا فلا وجه لهذا التفصيل ، فيعلم من هذه الرواية لزوم إبقاء الشعر وتوفيره بمقدار يتمكّن من تحقق الحلق للحج ، ولذا يجوز الحلق في أيام شهر شوال ، لأن الحلق في شهر شوال لا يمنع من الحلق في الحج إذا وفّر شعره من ذي القعدة.

والحاصل : لا إشكال في أن الرواية ظاهرة بل صريحة في عدم جواز الحلق للمتمتع في نفسه ، وحمله على الاستحباب كما صنعه المشهور مما لا وجه له ، ولكن حيث إن الصحيحة بمرأى من الأصحاب ومع ذلك لم يلتزموا بالحرمة فلا أقل من الاحتياط فما ورد في الروايات أنه لو قصّر حل له كل شي‌ء يقيد بغير الحلق.

(١) لا خلاف في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتّع ، فلو قصّر حل له النساء بلا إشكال ولم يعلم بمخالف معين.

نعم ، نقل الشهيد في الدروس عن بعض الأصحاب قولاً بوجوبه ولم يصرّح باسمه (٢).

ولكن لا ينبغي الريب في عدم وجوبه ، للنص الدال بالصراحة على عدم الوجوب

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥١٠ / أبواب التقصير ب ٤ ح ٥.

(٢) الدروس ١ : ٣٢٩.

١٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو صحيح صفوان ، قال «سأله أبو حارث ، عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج فطاف وسعى وقصّر ، هل عليه طواف النساء؟ قال : لا ، إنما طواف النساء بعد الرجوع من منى» (١) أي طواف النساء ثابت في الحج بعد أعمال الحج.

وفي معتبرة سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليه السلام) قال : «إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعاً فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (عليه السلام) وسعى بين الصفا والمروة وقصّر فقد حلّ له كل شي‌ء ما خلا النساء ، لأن عليه لتحلة النساء طوافاً وصلاة» (٢).

وربما يقال بدلالتها على وجوب طواف النساء في عمرة المتعة ، ولكن الدلالة مخدوشة ، لأن المفروض في الرواية أنه حج الرجل فدخل مكة متمتعاً ، والذي يدخل مكة متمتعاً بالعمرة لا يقال حج الرجل ، فيعلم أنه دخل مكة بعد أعمال الحج ، فالمعنى أن الرجل تمتع وذهب إلى عرفات والمشعر وحج ثم دخل مكة بعد أعمال الحج فيكون الطّواف المذكور هو طواف النساء الثابت في الحج ، هذا.

والرواية على مسلك المشهور ضعيفة السند ، لعدم توثيق سليمان المروزي في الرجال ولذا عبّروا عنه بالخبر ، لكنه موثقة عندنا لأنه من رجال كامل الزيارات.

على أنه لو فرضنا دلالته على وجوب طواف النساء في عمرة التمتّع ولم نناقش في السند ، أيضاً لا نقول بالوجوب ، لا للمعارضة بينه وبين صحيح صفوان المتقدم ، بل للقطع بعدم الوجوب ، للسيرة القطعية بين المسلمين وهي كافية وافية في نفي الوجوب إذ لو كان واجباً لكان من أوضح الواجبات ، لأنه ممّا يكثر الابتلاء به ، ولم ينسب القول بالوجوب إلى أحد من العلماء سوى الشهيد نسب الوجوب إلى عالم مجهول فلو كان هنا رواية صريحة في الوجوب لالتزمنا بالعدم للسيرة القطعية ، ونطرح الرواية أو تحمل على محامل.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٤٤ / أبواب الطّواف ب ٨٢ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٤٤ / أبواب الطّواف ب ٨٢ ح ٧.

١٦٩

إحرام الحج

تقدّم في المسألة ١٤٩ أن واجبات الحج ثلاثة عشر ذكرناها مجملة. وإليك تفصيلها :

الأوّل : الإحرام ، وأفضل أوقاته يوم التروية ، ويجوز التقديم عليه بثلاثة أيام ولا سيما بالنسبة إلى الشيخ الكبير والمريض إذا خافا من الزحام فيحرمان ويخرجان قبل خروج الناس ، وتقدّم جواز الخروج من مكة محرماً بالحج لضرورة بعد الفراغ من العمرة في أيّ وقت كان (١).

______________________________________________________

بل لا يمكن القول بالاستحباب أيضاً ، إذ لو كان مستحباً لصدر من الأئمة (عليهم السلام) أو من الأصحاب وسائر المسلمين ولو مرة واحدة ، ولم يصل إلينا صدوره من أحد منهم.

(١) لا ريب في وجوب الإحرام لحج التمتّع بعد الفراغ من أعمال عمرة التمتّع ، وإنما وقع الكلام في جهات :

الاولى : في وقت الإحرام ، المعروف والمشهور بين الأصحاب أنه لا وقت له محدّد وإنما يجوز له الإحرام بالحج عند الفراغ من متعته ولو كان في أول شهر شوال الذي هو من أشهر الحج ، ومن صرّح بذلك شيخنا النائيني فإنه قال في مناسكه : وأوّل وقته لغير المتمتع دخول أشهر الحج ، وللمتمتع بعد الفراغ عن عمرته (١) ، نعم ، لا يجوز له الإحرام للحج قبل التقصير. ونسب إلى الشيخ أن وقته يوم التروية ولا يجوز تقديمه عليه (٢) هذا بحسب الأقوال.

وأمّا بحسب الروايات فهي على طوائف :

منها : ما دل على إيقاع إحرام الحج يوم التروية (٣).

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٣١١.

(٢) لاحظ المبسوط ١ : ٣٦٤ ، التهذيب ٥ : ١٧٥.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٩١ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠.

١٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : ما دل على الإحرام بعد الإتيان بصلاة الظهر من يوم التروية كصحيحة معاوية بن عمار «إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثم البس ثوبيك إلى أن يقول ثم اقعد أي في المسجد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة وأحرم بالحج» (١).

ومنها : ما دلّ على الإتيان بالإحرام عند الزوال من يوم التروية (٢).

ومنها : ما دلّ على الإتيان به قبل الزوال ليصلي الظهر في منى في طريقه إلى عرفات ، بل في بعضها لا ينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلّا بمنى (٣) والمراد بالإمام من يجعله الخليفة والياً على الموسم ومن المعلوم أنه لا يصلي فرادى.

ولا يخفى أنه لا يمكن حمل هذه الروايات على الوجوب ، لجواز تأخير الإحرام إلى الغروب قطعاً وقد صرح بذلك في الروايات (٤).

فالمستفاد من النصوص أن العبرة بيوم التروية في أيّ وقت شاء ، ولا قائل بوجوب الإحرام في وقت خاص من يوم التروية ، فحينئذ يقع الكلام تارة في جواز التأخير عن يوم التروية ، وأُخرى في جواز التقديم على يوم التروية.

أمّا الأوّل : فقد تقدم الكلام مفصلاً في المسألة الثالثة من فصل صورة حج التمتّع من شرح كتاب العروة (٥) أن وقت عمرة

التمتّع يسع إلى فوات الركن من الوقوف الاختياري وهو المسمّى منه ، كما في بعض الأخبار المعتبرة بأن العبرة في إتيان عمرة التمتّع بخوف فوت الموقف (٦) فضلاً عن جواز الإحرام للحج عند زوال يوم عرفة كما في صحيح جميل قال : «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة» (٧) وفضلاً

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥١٩ / أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٢٠ / أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٢ ، ١١ : ٢٩١ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠.

(٣) الوسائل ١٣ : ٥٢٣ / أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٤.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٩٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ، ح ٩ ، ١٠.

(٥) شرح العروة ٢٧ : ٢٢٨ المسألة [٣٢١٠].

(٦) الوسائل ١١ : ٢٩٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ٥.

(٧) الوسائل ١١ : ٢٩٥ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١٥.

١٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

عن جواز الإحرام ليلة عرفة كما في رواية أبي بصير (١) وصحيحة هشام (٢) أو إلى السحر من ليلة عرفة (٣).

وقد اخترنا في تلك المسألة أن الحد المسوّغ للعدول إلى الافراد خوف فوات الركن من الوقوف الاختياري وهو المسمّى منه ، وإلّا فعليه التمتّع ويحرم للحج إذا أدرك الوقوف آناً ما ، ولذا ذكرنا أن الأمر بالإحرام يوم التروية أو قبل الزوال أو بعده محمول على الاستحباب ، ولعل التقييد بزوال الشمس من يوم عرفة كما في صحيح جميل لأجل الفصل بين مكة وعرفات بأربعة فراسخ ، فإنه لو أخّر الإحرام من الزوال ربما لا يلحق بالوقوف في عرفة في تلك الأزمنة.

وأمّا الثاني : وهو جواز التقديم عن يوم التروية ، فقد عرفت أن المعروف بين الأصحاب جواز التقديم عليه مطلقاً ولو قبل شهر أو شهرين ، يعني يجوز الإتيان به في أشهر الحج ، إلّا أنّا لم نعثر على ما يدل على جواز التقديم بهذا المقدار من السعة بل المستفاد من الروايات الواردة في كيفية الحج وقوع الإحرام في يوم التروية (٤) وفي بعضها الأمر للجواري بأن يحرمن للحج يوم التروية (٥).

وفي صحيحة معاوية بن عمار «فلما كان يوم التروية عند زوال الشمس أمر الناس أن يغتسلوا ويهلّوا بالحج» (٦).

وفي صحيحة عبد الصمد «فاذا كان يوم التروية فاغتسل وأهل بالحج» (٧).

وظاهر هذه الروايات وجوب الإحرام في يوم التروية وعدم جواز التقديم عليه وليس بإزائها ما يدل على جواز التقديم ، فان تم إجماع على الجواز فهو ، وإلّا فرفع

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٩١ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٩٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢٠ ح ٩.

(٤) الوسائل ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢.

(٥) الوسائل ١١ : ٤٧ / أبواب وجوب الحج ب ١٥ ح ١.

(٦) الوسائل ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٧) الوسائل ١١ : ٢٤١ / أبواب أقسام الحج ب ٣ ح ٤.

١٧٢

مسألة ٣٥٨: كما لا يجوز للمعتمر إحرام الحج قبل التقصير لا يجوز للحاج أن يحرم للعمرة المفردة قبل إتمام أعمال الحج ، نعم لا مانع منه بعد إتمام النسك قبل طواف النساء (١).

______________________________________________________

اليد عن ظاهر الروايات مما لا موجب له.

نعم ، ورد في رواية واحدة معتبرة جواز التقديم بمقدار ثلاثة أيام لا أكثر ، إلّا إذا كان معذوراً كالشيخ الكبير والمريض فيجوز لهما التقديم ، وأمّا غيرهما فلا يجوز له التقديم إلّا بمقدار ثلاثة أيام ، والرواية هي معتبرة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يكون شيخاً كبيراً أو مريضاً يخاف ضغاط الناس وزحامهم يحرم بالحج ويخرج إلى منى قبل يوم التروية؟ قال : نعم ، قلت : يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكاناً و (أو) يتروح بذلك المكان؟ قال : لا ، قلت : يعجل بيوم؟ قال : نعم ، قلت بيومين؟ قال : نعم ، قلت : ثلاثة؟ قال : نعم ، قلت : أكثر من ذلك؟ قال : لا» (١) فمقتضى القاعدة تقييد الروايات المطلقة بهذه المعتبرة.

والنتيجة جواز التقديم بمقدار ثلاثة أيام وأمّا الأكثر فلا يجوز.

(١) يقع البحث في مقامين :

أحدهما : هل يجوز لمن أحرم بالحج أن يحرم إحراماً آخر لعمرة مفردة قبل الفراغ من أفعال الإحرام الأوّل ، فيأتي بأعمال المفردة ثم يأتي بمناسك الحج ، نظير اقتحام صلاة أُخرى في صلاة كما التزم بعضهم بجواز ذلك؟

ثانيهما : أن المعتمر بعد الفراغ من عمرته وقبل الدخول في إحرام الحج هل يجوز له أن يحرم للعمرة المفردة ، فقبل إنشاء عقد إحرام الحج يعقد الإحرام للعمرة المفردة فيأتي بها بين عمرة التمتّع والحج.

أمّا الأوّل : فقد استدل على المنع عنه بوجوه :

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥٢٢ / أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ٣ ح ١.

١٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : الإجماع بقسميه كما ادعاه صاحب الجواهر (١) فلا ينعقد الإحرام الثاني ويحكم عليه بالفساد. والأمر كما ذكره من اتفاق الفقهاء على ذلك ، ولكن حصول الإجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) لم يثبت ، ولعل المجمعين استندوا إلى بعض الوجوه الآتية.

الثاني : أن جميع ما ورد في باب الإحرام سواء كان لعمرة التمتّع أو للعمرة المفردة أو للحج ينصرف إلى المحل وأنه يحدث للإحرام ، فاللازم إحداث الإحرام منه بعد ما كان محلا ، وأمّا إذا كان محرماً فلا يصدق عليه أنه أحرم ، والتأكد ليس بحدوث ، وبالجملة ظاهر الروايات اعتبار إحداث الإحرام ، وهذا غير صادق على من كان محرماً ويريد أن يحرم إحراماً ثانياً.

الثالث : أنه لو كان ذلك أمراً مشروعاً وسائغاً لوقع مرة واحدة من الأصحاب ولوقع السؤال والجواب عن ذلك في الروايات ، ولم يرد في شي‌ء من الروايات السؤال عن ذلك ولم ينقل من أحد ارتكابه ، وهذا يكشف عن عدم الجواز وعدم المشروعية.

الرابع : أن المستفاد من الروايات الناهية عن الخروج من مكة بعد أعمال العمرة وأنه مرتهن بالحج ومحتبس به (٢) عدم مشروعية المفردة له ، لاحتياج ذلك إلى الخروج من مكة ولا أقل إلى أدنى المواقيت ، فمع المنع عن الخروج من مكة إلّا لضرورة بل في مقام الضرورة لا بد له من أن يحرم للحج ويخرج ويذهب بعد ذلك إلى عرفات إن رجع في شهره ، ولو رجع بعد شهر يحرم ثانياً للحج إذن كيف يمكن القول بمشروعية العمرة المفردة له ، لاحتياج ذلك إلى الخروج من مكة ولو إلى أدنى المواقيت.

وأمّا المقام الثاني : وهو الإحرام بينهما ، كما إذا كان الوقت موسّعاً فأراد العمرة المفردة بين عمرة التمتّع والحج ، ولم أر مَن تعرّض لذلك إلّا شيخنا النائيني (قدس سره) في مناسكه ، فإنه (قدس سره) ذكر في المسألة السابعة من مسائل المواقيت أنه يجوز للمتمتع أن يعتمر بعمرة مفردة بعد إحلاله من إحرام [عمرة] التمتّع بعد مضي عشرة

__________________

(١) الجواهر ١٨ : ٢٥٠.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٠١ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢.

١٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

أيام ، لاعتبار تحقق الفصل بين العمرتين بعشرة أيام فيجوز له أن يخرج إلى أدنى الحل لإحرامها أو غير أدنى الحل إذا كان دون المسافة المعتبرة في التقصير ، وأمّا الخروج إلى المسافة فالأحوط أن لا يخرج إلّا محرماً بالحج (١).

وما ذكره (قدس سره) مبني على جواز الخروج من مكة اختياراً بعد عمرة التمتّع وقد ذكرنا في محله (٢) أن الأظهر عدم جواز الخروج من مكة ، ولو إلى ما دون المسافة أو إلى أدنى الحل ، فإنه محتبس في مكة وليس له الخروج من مكة حتى يحج ، وأنه مرتهن بالحج كما في النصوص ، وأمّا التحديد إلى المسافة فلم يظهر له وجه ولا دليل عليه ، فان الممنوع هو الخروج من مكة سواء كان إلى المسافة أو إلى ما دونها ، ولا ينافي ما ذكرناه سعة بلدة مكة ودخول مسجد التنعيم في البلدة المقدسة في زماننا ، لأن العبرة كما تقدم غير مرّة في أمثال هذا الحكم بمكة القديمة.

بل الظاهر عدم جواز ذلك له حتى على القول بجواز الخروج ، وتدل عليه صحيحة حماد بن عيسى الدالة على عدم جواز الخروج من مكة على من تمتع في أشهر الحج ولكن لو جهل فخرج إلى المدينة بغير إحرام ثم رجع وأراد الحج ، قال (عليه السلام) : «إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً ، قلت : فأيّ الإحرامين والمتعتين متعة ، الأُولى أو الأخيرة؟ قال : الأخيرة هي عمرته ، وهي المحتبس بها التي وصلت بحجّته» الحديث (٣) فان المستفاد منها عدم جواز الفصل بين عمرة التمتّع والحج بعمرة اخرى ، وإلّا لو كان الفصل جائزاً لكانت الاولى عمرته متعة ، والثانية مفردة ، فيعلم من هذه الصحيحة أن عمرة التمتّع لا بد من اتصالها بالحج وعدم فصلها عنه بعمرة أُخرى.

مضافاً إلى ذلك : أنه لو كان ذلك أمراً جائزاً لوقع مرّة واحدة.

نعم ، لو فرغ من جميع أعمال المناسك ، ولم يأت بطواف النساء لا مانع من إتيان

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ١٢٠.

(٢) في شرح العروة ٢٨ : ١٩٢ المسألة ١٥١.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٠٢ / أبواب أقسام الحج ب ٢٢ ح ٦.

١٧٥

مسألة ٣٥٩ : يتضيق وقت الإحرام فيما إذا استلزم تأخيره فوات الوقوف بعرفات يوم عرفة (١).

مسألة ٣٦٠ : يتحد إحرام الحج وإحرام العمرة في كيفيته وواجباته ومحرماته والاختلاف بينهما إنما هو في النيّة فقط (٢).

مسألة ٣٦١ : للمكلف أن يحرم للحج من مكة من أيّ موضع شاء ، ولكن الأحوط وجوباً (١) أن يحرم من مكة القديمة (٣) ويستحب له الإحرام من المسجد الحرام في مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل.

______________________________________________________

المفردة قبل ذلك ، لما عرفت غير مرّة أن طواف النساء ليس من أعمال الحج وإنما هو واجب مستقل يجب الإتيان به بعد أعمال الحج ، ولو لم يطف هذا الطّواف حرمت عليه النساء جماعاً لا العقد عليها ولا سائر الاستمتاعات.

(١) لا ينبغي الشك في أنه لا تجب عليه المبادرة إلى إحرام الحج بعد الفراغ من عمرة التمتّع ، بل قد عرفت أنه لا يجوز له تقديم إحرام الحج من يوم التروية بأكثر من ثلاثة أيام ، ويجوز له التأخير إلى يوم التروية أو إلى ليلة عرفة ، بل إلى يوم عرفة ما لم يخف فوت الموقف ، ولكن يتضيق وقت الإحرام إذا استلزم تأخيره فوات الموقف فحينئذ تجب عليه المبادرة لئلا يفوت الموقف عنه.

(٢) لا ريب في اتحاد إحرام الحج وإحرام العمرة في الكيفية والواجبات والمحرمات وإنما الاختلاف بينهما بالنية فقط ، وتدلّ على ذلك عدة من النصوص ، منها : صحيحة معاوية بن عمار الواردة في كيفية الإحرام للحج «ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة ، وأُحرم بالحج إلى أن قال ـ : فلبّ» الحديث (٢).

(٣) ويدلُّ عليه صحيح الصيرفي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : من أين أُهل بالحج؟ فقال : إن شئت من رحلك وإن شئت من الكعبة وإن شئت من الطريق» (٣)

__________________

(١) قد أفتى بذلك في المناسك ط ١٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥١٩ / أبواب إحرام الحج والوقوف بعرفة ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٣٩ / أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٢.

١٧٦

مسألة ٣٦٢ : من ترك الإحرام نسياناً أو جهلاً منه بالحكم إلى أن خرج من مكة ثم تذكر أو علم بالحكم ، وجب عليه الرجوع إلى مكة ولو من عرفات والإحرام منها ، فان لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يُحرم من الموضع الذي هو فيه. وكذلك لو تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات ، وإن تمكن من العود إلى مكة والإحرام منها ، ولو لم يتذكر ولم يعلم بالحكم إلى أن فرغ من الحج صح حجّه (١).

______________________________________________________

فان المقصود عدم الخروج من مكة إلّا محرماً.

نعم ، الأفضل هو الإحرام من المسجد من أيّ مكان منه ، والأفضل منه الإحرام من الحجر (١).

ولكن الأحوط وجوباً الإحرام من بلدة مكة القديمة ، ولا يكتفي بالإحرام من الأحياء والمحلات الجديدة المستحدثة ، لما يستفاد من بعض الروايات الواردة في قطع التلبية ، أن العبرة في الأحكام المترتبة على مكة إنما هي بمكة القديمة ، ففي صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا دخلت مكة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكة فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين ، فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن» (٢).

(١) إذا ترك الإحرام نسياناً أو جهلاً منه بالحكم أو بالموضوع إلى أن خرج من مكة ثم تذكر أو علم ، فان تمكن من التدارك والرجوع إلى مكة ولو من عرفات ، ولم يفت منه الموقف يتعين عليه الرجوع والإحرام من مكة ، ولا موجب لسقوط التكليف بالإحرام من مكة بعد التمكن من ذلك ، وهذا حكم على القاعدة ولا يحتاج إلى دليل خاص.

وربما يقال : إن المستفاد من صحيح علي بن جعفر عدم لزوم الرجوع إلى مكة ولو

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٩ / أبواب المواقيت ب ٢١ ح ١ ، ٣.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٨٨ / أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ١.

١٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كان متمكناً منه ، قال «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات فما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك ، فقد تم إحرامه» (١) فإنه مطلق من حيث التمكن من الرجوع وعدمه.

وفيه : أن مورد السؤال في الصحيحة من تذكر أو علم ترك الإحرام وهو في عرفات ، ومن المعلوم أن عرفات تبعد عن مكة بمقدار أربع فراسخ والسير في الأزمنة السابقة ذهاباً وإياباً يستغرق عدة ساعات ، لأن السير كان إما ماشياً أو على دابة فيفوت عنه الموقف على كل تقدير غالباً ولذا لم يأمره بالرجوع. وأمّا في زماننا الذي يتمكن من الرجوع والعود إلى عرفة قبل فوات الموقف فلا موجب لسقوط الواجب عنه.

وأمّا من ترك الإحرام نسياناً أو جهلاً ثم تذكر أو علم ولم يتمكن من الرجوع إلى مكة ، يحرم من الموضع الذي هو فيه وصح حجّه ، سواء تذكر أو علم بالحكم في عرفات أو بعد جميع الأعمال ، ويدلُّ على الصحة في جميع هذه الصور صحيحة علي بن جعفر على ما رواه الشيخ بإسناده عن العمركي عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى ابن جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله؟ قال ، يقول : اللهم على كتابك وسنة نبيك ، فقد تم إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ، إن كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجّه» (٢) فإن السائل وإن اقتصر في سؤاله عن التذكر في عرفات في مورد النسيان ولم يسأل عن التذكر بعد إتيان جميع الأعمال في مورد النسيان ، ولكن يستفاد حكم ذلك من الحكم بالصحة في مورد الجهل بالإحرام والعلم به بعد قضاء المناسك كلها وذلك لأن الإمام (عليه السلام) ذكر حكم الجهل ابتداءً من دون أن يسأله السائل وحكم بالصحة في مورده ، ولو علم بترك الإحرام بعد الإتيان بالمناسك كلها ولو في بلده ، فيعلم من ذلك أن حكم الجهل والنسيان واحد ، ويستكشف من ذكر حكم

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٣٠ / أبواب المواقيت ب ١٥ ح ٨ ، التهذيب : ٥ : ١٧٥ / ٥٨٦.

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الجهل ابتداءً منه (عليه السلام) أنه لا فرق بين الجهل والنسيان من هذه الجهة وما حكم به في مورد الجهل يحكم به في مورد النسيان.

نعم ، لو تذكر أو علم بالحكم في المشعر يحرم في نفس المكان الذي تذكر أو علم فيه وليس عليه الرجوع إلى مكة ، وإن تمكن من ذلك والإحرام منها ، إذ لا أثر لهذا الإحرام والمفروض أن موقف عرفة فات عنه بلا إحرام ، ولا دليل على لزوم العود إلى مكة في هذه الصورة ، لأن العود إلى مكة إنما وجب ليدرك موقف عرفة مع الإحرام وقد فرضنا أن موقف عرفة فاته فلا أثر للإحرام المتأخر ، فلا فرق في التذكر بعد عرفات بين التمكّن من الرجوع إلى مكة وعدمه.

هذا كلّه بناء على ما يستفاد من هذه الصحيحة.

وأمّا بناء على أن كلا من النسيان والجهل وقع في السؤال مستقلا كما جاء ذلك في الصحيحة بطريق آخر فقد روى الشيخ بإسناده عن علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل كان متمتعاً خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع إلى بلده ، قال : إذا قضى المناسك كلّها فقد تم حجّه» (١) وعنه ، عن أخيه (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات فما حاله؟ قال : يقول : اللهم على كتابك وسنّة نبيّك ، فقد تمّ إحرامه» (٢) ومورد السؤال الأول هو الجهل بالإحرام والعلم به بعد إتيان المناسك كلّها ، ومورد السؤال الثاني هو نسيان الإحرام وتذكره في عرفات ، فيبقى تبدل الجهل بالعلم في أثناء الأعمال مسكوتاً عنه ، وكذلك التذكر بعد الوقوف بعرفة في مورد النسيان كما لو تذكر في المشعر ، فمن أين يستفاد حكم هذين؟

ويمكن أن يقال : إنه إذا حكم بالصحة فيما إذا علم بالحكم بعد إتيان جميع الأعمال فالحكم بالصحة فيما إذا علم في الأثناء يثبت بالأولوية. وإذا ثبت الحكم بالصحة في

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢. التهذيب ٥ : ٤٧٦ / ١٦٧٨.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٣.

١٧٩

مسألة ٣٦٣ : من ترك الإحرام عالماً عامداً لزمه التدارك ، فان لم يتمكن منه قبل الوقوف بعرفات فسد حجّه ولزمته الإعادة من قابل (١).

______________________________________________________

مورد الجهل يثبت في مورد النسيان بطريق أولى ، وذلك لأن الحكم الواقعي في مورد الجهل البسيط ثابت بخلاف مورد النسيان فان الحكم غير متوجه إليه أصلاً ، ولذا ذكروا أن الرفع في مورد الجهل رفع ظاهري وفي مورد النسيان رفع واقعي ، فإذا كان العذر ثابتاً في مورد الجهل ففي مورد النسيان يكون أولى ، بل النسيان قسم للجهل غاية الأمر جهل مسبوق بالعلم بخلاف الجهل فإنه غير مسبوق بالعلم. والحاصل : الناسي أشد عذراً من الجاهل والعذر الثابت في مورد الجهل يثبت في مورد النسيان بالأولوية ، فالحكم بالصحة في جميع الصور ثابت ويدلُّ عليه صحيح علي بن جعفر بكلا طريقيه بالبيان المتقدم.

(١) لأن الوقوف بلا إحرام لا أثر له ، لعدم كونه مأموراً به فهو غير واقف حقيقة لفوات المشروط بفوات شرطه.

وذكر شيخنا النائيني في مناسكه : ولو تركه عمداً إلى أن فات وقت الوقوف بطل حجّه على إشكال فيما إذا أدرك اختياري المشعر وحده ، أو مع اضطراري عرفة (١).

وربّما يتوهّم من قوله «على إشكال» الترديد في بطلان الحج في صورة الترك العمدي ولكن الظاهر أنه (قدس سره) لا يريد بذلك ترك الوقوف الاختياري لعرفة يعني إن إشكاله وترديده ليس في من ترك الإحرام عمداً للوقوف الاختياري لعرفة والاكتفاء بإدراك اختياري المشعر أو اضطراري عرفة ، لأنه يصرّح فيما بعد ببطلان الحج لو ترك الوقوف اختياري لعرفة ولا يجديه إدراك المشعر أو إدراك اضطراري عرفة.

بل يريد الإشارة إلى مسألة أُخرى ، وهي أنه من لا يتمكّن من الوقوف الاختياري في عرفات وترك الإحرام عمداً إلى أن يدرك الوقوف الاختياري في المشعر أو إلى أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فهل يبطل حجّه بترك الإحرام عمداً أم لا؟

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٣١٣.

١٨٠