موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ٣٤٥ : إذا زاد في سعيه خطأً صحّ سعيه ، ولكن الزائد إذا كان شوطاً كاملاً يستحب له أن يضيف إليه ستة أشواط ليكون سعياً كاملاً غير سعيه الأول فيكون انتهاؤه إلى الصفا ، ولا بأس بالإتمام رجاء إذا كان الزائد أكثر من شوط واحد (١)

______________________________________________________

هو عبد الله بن محمد الحجّال وهو ثقة ثقة.

وهل يختص الحكم بالبطلان بالعالم أو يعمّ الجاهل بالحكم أيضاً بعد تسالم الأصحاب على الصحة بالزيادة السهوية؟

ولا يخفى أن مقتضى إطلاق الروايات المتقدمة أن حاله حال الطّواف من دون فرق بين العالم والجاهل ، ولكن الظاهر اختصاص الحكم بالبطلان بصورة العلم ، فلو طاف أربعة عشر شوطاً بين الصفا والمروة مثلاً جهلاً بتخيل أن الذهاب والإياب معاً شوط واحد صح سعيه.

ويدلُّ عليه صحيح جميل ، قال «حججنا ونحن صرورة فسعينا بين الصفا والمروة أربعة عشر شوطاً ، فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن ذلك ، فقال : لا بأس سبعة لك وسبعة تطرح» (١).

وكذا صحيح هشام بن سالم ، قال : «سعيت بين الصفا والمروة أنا وعبيد الله بن راشد فقلت له : تحفظ عليّ ، فجعل يعدّ ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً فبلغ مثل (منِّي) ذلك فقلت له : كيف تعد؟ قال : ذاهباً وجائياً شوطاً واحداً ، فأتممنا أربعة عشر شوطاً فذكرنا لأبي عبد الله (عليه السلام) فقال : قد زادوا على ما عليهم ، ليس عليهم شي‌ء» (٢) وبهما نخرج عن الإطلاق المتقدم.

(١) ويدلُّ على ذلك بعد تسالم الأصحاب على الصحة صحيحة عبد الرّحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم (عليه السلام) «في رجل سعى بين الصفا والمروة ثمانية أشواط

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٩٢ / أبواب السعي ب ١٣ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٨٨ / أبواب السعي ب ١١ ح ١.

١٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

ما عليه؟ فقال : إن كان خطأً أطرح واحداً واعتدّ بسبعة» (١) فإنها بالمنطوق يدل على الصحة في صورة الخطأ وبالمفهوم يدل على البطلان في صورة العلم وعدم الخطأ.

ثم إن جماعة صرّحوا باستحباب إضافة ستة أشواط في خصوص هذه الصورة وهي ما إذا سعى سهواً ثمانية أشواط ليكون المجموع أربعة عشر شوطاً ، ويدلُّ عليه صحيح محمد بن مسلم الذي رواه الشيخ بطريقين صحيحين عن أحدهما (عليهما السلام) في حديث قال : «وكذلك إذا استيقن أنه طاف بين الصفا والمروة ثمانية فليضف إليها ستة» (٢) ورواها الصدوق أيضاً بإسناده إلى محمد بن مسلم (٣) ولكن قد عرفت غير مرّة أنّ طريقه إليه ضعيف ، وفي ما رواه الشيخ غنى وكفاية ، هذا.

ولكن صاحب الحدائق استشكل في هذه الصحيحة بوجهين :

الأوّل : أن السعي ليس مثل الطّواف والصلاة عبادة برأسها تقع مستحبة أو واجبة فما فائدة هذه الإضافة بعد عدم ثبوت الاستحباب النفسي للسعي.

الثاني : أن اللّازم من إضافة الستة وجعل المجموع سعيين كاملين ، كون الابتداء في الطّواف الثاني من المروة والختم بالصفا ، وهذا خلاف المعهود والمتسالم والمصرّح به في الروايات من لزوم البدأة بالصفا والختم بالمروة في السعي ، فالعمل بهذه الصحيحة مشكل (٤).

وأورد عليه صاحب الجواهر بأنّ ما ذكره اجتهاد في مقابل النص (٥).

ولقد أجاد (قدس سره) فإنّ السعي وإن لم يكن مستحبّاً في نفسه في غير هذا المورد ، ولكنه ليس بأمر منكر عقلي غير قابل للتخصيص ، فيمكن الحكم باستحبابه

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٩١ / أبواب السعي ب ١٣ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٩١ / أبواب السعي ب ١٣ ح ٢. التهذيب ٥ : ٤٧٢ / ١٦٦١ ، الاستبصار ٢ : ٢٤٠ / ٨٣٥.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٥٧ / ١٢٤٧.

(٤) الحدائق ١٦ : ٢٨١.

(٥) الجواهر ١٩ : ٤٣٣.

١٤٢

مسألة ٣٤٦ : إذا نقص من أشواط السعي عامداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به ولم يمكنه تداركه إلى زمان الوقوف بعرفات ، فسد حجّه ولزمته الإعادة من قابل ، والظاهر بطلان إحرامه أيضاً ، وإن كان الأولى العدول إلى حج الإفراد وإتمامه بنية الأعم من الحج والعمرة المفردة. وأمّا إذا كان النقص نسياناً ، فان كان بعد الشوط الرابع وجب عليه تدارك الباقي حيثما تذكر ، ولو كان ذلك بعد الفراغ من أعمال الحج. وتجب عليه الاستنابة لذلك إذا لم يتمكن بنفسه من التدارك أو تعسّر عليه ذلك ولو لأجل أن تذكّره كان بعد رجوعه إلى بلده ، والأحوط حينئذ أن يأتي النائب بسعي كامل ينوي به فراغ ذمة المنوب عنه بالإتمام أو التمام. وأمّا إذا كان نسيانه قبل تمام الشوط الرابع فالأحوط أن يأتي بسعي كامل يقصد به الأعم من التمام والإتمام ، ومع التعسر يستنيب لذلك (١).

______________________________________________________

في خصوص هذه الصورة ، فلا مانع من التقييد والتخصيص في مورد خاص حسب التعبّد الشرعي ، وكذلك البدأة من المروة والختم بالصفا وإن لم يكن جائزاً في نفسه ولكن لا مانع من جواز ذلك في خصوص هذا المورد.

وبالجملة : الرواية صحيحة السند وواضحة الدلالة ، عمل بها الأصحاب فلا مانع من الالتزام بمضمونها. نعم ، مورد الصحيحة زيادة شوط واحد لا زيادة أزيد من شوط واحد ، وحيث إن الحكم على خلاف القاعدة نقتصر على موردها ، فلو زاد شوطين أو أكثر لا يستحب له التكميل إلى أربعة أشواط.

والعجب من صاحب الحدائق فإنه لا يعوّل على الاستحسانات والاستبعادات بعد النص خصوصاً إذا كان صحيحاً ، كيف استشكل في ذلك.

(١) إذا نقص من السعي عمداً من دون فرق بين العالم والجاهل بالحكم ، كما إذا تخيل أنّ الواجب مثلاً خمسة أشواط ولم يلتفت إليه إلى أن فات زمان التدارك فلا محالة يفسد حجّه ، فإنّه داخل في من ترك السعي عمداً برأسه ، إذ لا دليل على

١٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاجتزاء بالناقص.

ولكن قد عرفت أنّ بطلان حجّه يستلزم بطلان إحرامه من الأوّل ، لارتفاع موضوع الحج ، فلا يحتاج إلى محلل آخر للخروج من إحرامه وعليه الحج من قابل.

وإن كان الأحوط الأولى العدول إلى حج الإفراد وإتمامه بنية الأعم من حج الافراد والعمرة المفردة.

وأمّا إذا نقص من أشواط السعي نسياناً وسهواً فلا يوجب البطلان جزماً ، فانّ نقصان بعض أجزاء السعي سهواً لا يزيد على ترك أصل السعي نسياناً الذي قد عرفت أنه لا يوجب البطلان.

ولكن الفقهاء ذكروا فيه تفصيلاً وهو أنه ، لو ترك شوطاً أو أكثر بعد التجاوز من نصف السعي ، أي بعد الشوط الرابع وجب عليه تدارك الباقي ، فيأتي بالناقص متى تذكر ولو كان بعد الوقوفين ، لعدم اعتبار الموالاة في خصوص هذه الصورة فينضم اللّاحق إلى السابق ، ويسقط الترتيب أيضاً في فرض النسيان ، لأنّ الترتيب بين التقصير والسعي أو بين أعمال الحج والسعي شرط ذُكري يسقط عند النسيان. وإن لم يتمكّن من الإتيان بنفسه لمانع من الموانع كالرجوع إلى بلده يستنيب فيأتي النائب بالناقص ، والأمر كما ذكروه.

أمّا أصل وجوب الاستنابة فلا ينبغي الريب فيه ، لأن السعي من أركان الحج وحاله حال الطّواف في وجوب الإتيان بنفسه مباشرة أو بأن يسعى به شخص آخر أو يُسعى عنه.

إنما الإشكال في أمر آخر وهو إتيان النائب خصوص الناقص كشوطين أو ثلاثة أشواط وهذا غير وارد في النص ، لأن المذكور فيه أن النائب يسعى عنه ، وظاهره إتيان النائب تمام الأشواط ، وأمّا انضمام الناقص كالثلاثة إلى الأربعة فيحتاج إلى الدليل فمقتضى القاعدة أن الحاج إذا لم يتمكن من السعي بتمامه فما أتى به كأربعة أشواط في حكم العدم فكأنه لم يسع ، ولا دليل على الاكتفاء بفعل الغير في إتيان الناقص ، فلا بدّ

١٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

له أن يستنيب لتمام السعي ، ولكن حيث إن المشهور ذكروا الاستنابة للباقي فالأحوط أن يأتي النائب بسعي كامل ينوي به فراغ ذمة المنوب عنه بالإتمام أو بالتمام.

وأمّا لو ترك أزيد من النصف وكان نسيانه قبل تمام الشوط الرابع فسعيه باطل فيجب عليه التدارك والاستئناف بنفسه إن تمكن ، ومع التعسر يستنيب ، وأمّا تتميمه بإتيان الباقي فلا نلتزم به في هذه الصورة ، وإنما التزمنا بذلك في الفرض الأوّل للإجماع والتسالم من الأصحاب بخلاف هذه الصورة فإنه لا إجماع فيها ، خصوصاً إذا كان الفصل كثيراً ، ولكن مع ذلك الاحتياط يقتضي بالسعي الكامل القاصد به الأعم من الإتمام والتمام.

فتحصل : أنه من نقص شوطاً أو أكثر بعد التجاوز من النصف صح سعيه ويرجع ويبني ويأتي بالناقص ، والظاهر أنّ ذلك ممّا لا خلاف فيه.

ويدلُّ عليه أيضاً : صحيح سعيد بن يسار الآتي (١) ومورده وإن كان إتيان ستة أشواط ونسيان شوط واحد ، ولكن الظاهر أنه لا فرق بين إتيان الخمسة والستة.

وأمّا الأمر بالإعادة والاستئناف فيما إذا لم يحفظ أنه سعى ستة ، فهو حكم الشك في عدد الأشواط ، فتأمل.

ولو نقص نسياناً قبل التجاوز من النصف ، أي قبل تمام الشوط الرابع ، كما إذا سعى شوطاً أو شوطين ونسي ، فلا إجماع على الصحة في المقام ، ومقتضى القاعدة فساد السعي ، ولا يشمله صحيح سعيد بن يسار ، لأن غايته التعدي إلى نسيان الشوطين والثلاثة بعد التجاوز من النصف لا قبل النصف.

ثم لا يخفى أن الاحتياط الذي ذكرناه في الفرض الأول بإتيان تمام السعي قاصداً به التمام والإتمام مبني على اعتبار الموالاة في أشواط السعي وإلّا فيأتي بالناقص حتى بعد فوات الموالاة بمقتضى الإجماع المتقدم الدال على جواز البناء من حيث القطع وبمقتضى الصحيحة الواردة بعد التجاوز من النصف.

__________________

(١) في ص ١٤٧.

١٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ثم إن صاحب المستند ذكر رواية أُخرى كصحيحة معاوية بن عمار تدل على أنّ مَن سعى أقل من سبعة أشواط يرجع ويسعى الباقي ، وذكر (قدس سره) أن إطلاقها يشمل ما إذا نقص أكثر من نصف ، فان عنوان الأقل من سبعة أشواط يشمل حتى ما إذا سعى شوطاً واحداً ونسي الباقي (١).

ولكن العبارة التي نسبها إلى الرواية ليست من الرواية ، بل هي من كلام الشيخ جزماً ، فإن الشيخ روى رواية معاوية بن عمار أوّلاً ، ثم ذكر في ذيلها : فان سعى الرجل أقل من سبعة أشواط ثم رجع إلى أهله فعليه أن يرجع فيسعى تمامه وليس عليه شي‌ء ، وإن كان لم يعلم ما نقص فعليه أن يسعى سبعاً ، وإن كان قد أتى أهله أو قصّر وقلّم أظفاره فعليه دم بقرة روي (٢). وذكر رواية سعيد بن يسار دليلاً لما ذكره وقد اشتبه على صاحب المستند والوافي (٣) والحدائق (٤) فزعموا هذه العبارة من تتمة صحيحة معاوية بن عمار ، مع أنه من كلام الشيخ قطعاً ، ويدلُّ عليه بوضوح قوله : «روي» بعد نقل هذه العبارة ، فإن من عادة الشيخ في التهذيب أنه يذكر حكماً من الأحكام ويستدل بالرواية ويقول : روى فلان ، ولو كانت هذه العبارة من ذيل الصحيحة لا معنى لقوله : «روي» في هذا المورد ، ولذا لم تذكر هذه العبارة في الوسائل (٥) ولا في منتقى الجمان (٦) فكأنه تنبها لذلك ، راجع التهذيب تجد صدق ما ذكرناه (٧).

وفي المقام نكتة يجب التنبّه إليها ولم أر من تعرّض إليها ، وهي أنه في صورة لزوم التدارك والإتمام على الحاج بنفسه ، لا إشكال في لزوم الإتيان بالسعي في شهر ذي

__________________

(١) المستند ١٢ : ١٨٠.

(٢) التهذيب ٥ : ١٥٣ ذيل الحديث ٥٠٣.

(٣) الوافي ١٣ : ٩٤٨ باب ترك السعي والسهو فيه ح ١٧.

(٤) الحدائق ١٦ : ٢٨٤.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٨٩ / أبواب السعي ب ١٢ ح ١.

(٦) منتقى الجمان ٣ : ٢٧٩.

(٧) التهذيب ٥ : ١٥٣.

١٤٦

مسألة ٣٤٧ : إذا نقص شيئاً من السعي في عمرة التمتّع نسياناً فأتى أهله أو قلّم أظفاره فأحل لاعتقاده الفراغ من السعي ، فالأحوط بل الأظهر لزوم التكفير عن ذلك ببقرة ، ويلزمه إتمام السعي على النحو الذي ذكرناه (١).

______________________________________________________

الحجة ، لأنه من أجزاء الحج وأعماله فيجب إيقاعه في أشهر الحج ، وأمّا لو تذكّر النقص بعد مضي أشهر الحج كما لو كان ذلك في شهر محرم ، فالإتمام غير ممكن لزوال وقته ، فسعيه باطل فيجب عليه السعي قضاء ، ولا دليل على الاكتفاء بالإتمام وإتيان الباقي في القضاء ، وإنما الانضمام والتكميل بإتيان الباقي والاكتفاء به فيما إذا أتى به في أيام الحج وأشهره ، وهذا من دون فرق بين ما لو قلنا باعتبار الموالاة أم لا ، ففي هذه الصورة ، أي ما إذا خرج عن أشهر الحج ، يجب عليه القضاء بنفسه أو بغيره ، من دون فرق بين ما كان النقص بعد التجاوز من النصف أو قبله ، والظاهر أن مرادهم (قدس سرهم) من إتيان الباقي بعد الفراغ من الحج إتيانه بعد الفراغ من مناسكه ، فطبعاً يقع السعي في شهر ذي الحجّة ، وكلامهم غير ناظر إلى مضي شهر ذي الحجّة.

وبالجملة : عليه القضاء بإتيان السعي الكامل بعد مضي شهر ذي الحجّة بنفسه ولو بالرجوع ، وإلّا فيستنيب في تمام الأشواط ، ومع ذلك الأحوط أيضاً أن يأتي بالسعي الكامل قاصداً به الأعم من الإتمام والتمام.

(١) والأصل في هذه المسألة روايتان :

الأُولى : رواية ابن مسكان ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة ، فذكر بعد ما أحلّ وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط ، قال : عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطاً آخر» (١).

الثانية : صحيحة سعيد بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستة أشواط ، ثم رجع إلى منزله وهو يرى أنه قد فرغ

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٩٣ / أبواب السعي ب ١٤ ح ٢.

١٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

منه ، وقلّم أظافيره وأحلّ ، ثم ذكر أنه سعى ستة أشواط ، فقال لي : يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط؟ فإن كان يحفظ أنه قد سعى ستة أشواط فليعد وليتم شوطاً وليرق دماً فقلت : دم ماذا؟ قال : بقرة ، قال : وإن لم يكن حفظ أنه قد سعى ستة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ثم يرق دم بقرة» (١).

إلّا أن جملة من الأصحاب أشكلوا في الحكم المذكور ، لأن مقتضى القاعدة عدم وجوب الكفارة في موارد الخطأ في باب الحج عدا مورد الخطأ في الصيد ، ولذا حملوا النص على الاستحباب ، فيقع الكلام في موردين :

أحدهما : في تقليم الأظفار وقص الشعر.

أمّا تقليم الأظافر ، فقد ورد في صحيح سعيد بن يسار المتقدم ، ولا موجب لحملة على الاستحباب بدعوى أن المطلقات دلت على أن الكفارة إنما تثبت في حال الخطأ في خصوص الصيد وأمّا غير الصيد فليس فيه الكفارة إذا صدر خطأ وعن غير عمد.

ولكن هذه الدعوى فاسدة ، لأن ما دل على عدم ثبوت الكفارة في الخطأ في غير الصيد ليس حكماً عقلياً غير قابل للتخصيص ، بل هو حكم شرعي قابل له في هذا المورد الخاص.

وهل تلزم الكفارة في قص الشعر أيضاً كما عن الشيخ وجمع من الأصحاب على ما عن المدارك (٢)؟ الظاهر ذلك وعدم اختصاصها بتقليم الأظفار ، والوجه فيه : أن الصحيحة وإن لم يذكر فيها قصّ الشعر ولكن لا يستفاد منها اختصاص الحكم بالتقليم بل الحكم بلزوم الكفارة من جهة الإحلال ، فالمنظور هو الإحلال لا التقليم وإلّا لكان ذكر الإحلال بعد التقليم لغواً ، فان قوله «وقلّم أظافيره وأحلّ» ظاهر في أن الميزان هو الإحلال ولا خصوصية لتقليم الأظفار ، فالكفارة ثابتة من جهة الإحلال لا من جهة خصوص تقليم الظفر ، كما لا يختص الحكم بذلك بما إذا أتى ستة أشواط

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٩٢ / أبواب السعي ب ١٤ ح ١.

(٢) المدارك ٨ : ٢١٦.

١٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بل يعم ما إذا أتى بأقل من ستة واعتقد الفراغ وأحل ، إذ لا نحتمل خصوصية لستة أشواط ، فإن جهة السؤال والمنظور فيه هو الإحلال قبل إتمام السعي كما ذكره الشيخ في التهذيب (١) خلافاً لصاحب الجواهر حيث اقتصر على الستة (٢) وما ذكره الجواهر بعيد جدّاً.

المورد الثاني : وهو المواقعة ، فقد ذكر في كلامهم وحكموا بالكفارة في موردها واستدلّوا له برواية ابن مسكان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بين الصفا والمروة ستة أشواط وهو يظن أنها سبعة ، فذكر بعد ما حل وواقع النساء أنه إنما طاف ستة أشواط ، قال : عليه بقرة يذبحها ويطوف شوطاً آخر» (٣).

وحملها بعضهم على أنه أتى أهله في حال الشك في عدد الأشواط لا الاعتقاد والجزم بالفراغ والإحلال ، لقوله «وهو يظن» ولكن الظاهر أن المراد بالظن هنا هو الاعتقاد وقد استعمل في غير مورد من الآيات والروايات في الاعتقاد كقوله تعالى (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) (٤) فالدلالة غير قاصرة إلّا أن السند ضعيف بمحمد بن سنان ، ولكن على تقدير صحة السند لا يثبت بها حكم جديد آخر غير ما حكم به صحيح سعيد بن يسار (٥) لما عرفت أن الحكم بالكفارة مترتب على الإحلال ، فقبل المواقعة أحلّ بالتقليم أو قصّر الشعر ، ويثبت الكفّارة بالإحلال واقع أهله أم لا ، فلا خصوصية للمواقعة ، فالنتيجة ثبوت الكفارة بالإحلال ولا أثر للعمل المتأخر عن الإحلال ، مواقعة كانت أم غيرها.

نعم ، لو قلّم أو واقع أهله غافلاً عن الحج بالمرّة وغير ملتفت أصلاً إلى الحج فليس عليه شي‌ء ، للإطلاقات المتقدمة في محلها (٦) الدالة على عدم ثبوت شي‌ء في مورد الجهل

__________________

(١) لاحظ التهذيب ٥ : ١٥٣.

(٢) الجواهر ١٩ : ٤٤٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٩٣ / أبواب السعي ب ١٤ ح ٢.

(٤) البقرة ٢ : ٤٦.

(٥) المتقدِّم في ص ١٤٧.

(٦) لاحظ شرح العروة ٢٨ : ٣٤٩.

١٤٩

الشك في السّعي

لا اعتبار بالشك في عدد أشواط السعي بعد التقصير ، وذهب جمع من الفقهاء إلى عدم الاعتناء بالشك بعد انصرافه من السعي وإن كان الشك قبل التقصير ، ولكن الأظهر لزوم الاعتناء به حينئذ (١).

______________________________________________________

والغفلة ، وقد خرجنا منها في خصوص الإحلال.

فظهر أن الحكم بالكفارة معلّق على الإحلال لا على المواقعة ، وأمّا إذا قلّم أو قصّ شعره أو واقع أهله ولم يأت بذلك بعنوان الإحلال من العمرة كما إذا كان ذاهلاً عن الأعمال بالمرّة فلا يترتب عليه شي‌ء أصلاً ، هذا مقتضى الجمع بين صحيح ابن يسار والمطلقات النافية للكفارة في مورد الخطأ.

(١) الشك في عدد الأشواط هل يوجب البطلان كالشك في عدد أشواط الطّواف فلا بد من كونه حافظاً ، أم فيه تفصيل؟

قد يفرض حصول الشك بعد الفراع من السعي وبعد التقصير ، وقد يفرض حصول الشك في الأثناء.

أمّا الأوّل : فلا ريب في عدم الاعتناء بالشك ، لقاعدة الفراغ.

وقد يتخيّل أن صحيح سعيد بن يسار المتقدم (١) يدل على البطلان في هذه الصورة أيضاً ، لأنه اشترط في الصحة كونه حافظاً للستة وإلّا فيستأنف.

وفيه : ما لا يخفى ، لأن الشك المفروض في صحيح سعيد بن يسار من الشك في الأثناء ، لأن المورد بعد ما أحلّ وتذكّر النقص قال (عليه السلام) : «إن كان يحفظ أنه أتى ستة أشواط فليتم شوطاً واحداً ، وإن لم يحفظ أنه سعى فليعد السعي» فمورده

__________________

(١) في ص ١٤٧.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الشك قبل إتمام السعي وفي أثنائه ، والفراغ غير حاصل وإنما تخيل الفراغ ، ومفروض كلامنا هو الشك بعد الفراغ وليس في المقام علم بالنقص ، بخلاف مورد الرواية فإنه علم بالنقص ولكن لم يحفظ أنه ستة ولم يعلم أنه ستة أو أقل.

المورد الثاني : فاعلم أن جمعاً من الفقهاء ذهبوا إلى عدم الاعتناء إن خرج من المسعى وانصرف عن السعي وإن كان قبل التقصير ، باعتبار أنه شك بعد التجاوز من المحل ، وممّن صرّح بذلك شيخنا الأُستاذ (قدس سره) (١) بدعوى أن الشك في أنه أتى بالسبعة أم لا شك بعد الفراغ ، لأن الخروج من المسعى والانصراف عنه يحقق الفراغ والتجاوز عن السعي.

ولكن لا يمكن إثباتها بدليل ، بل الشك حينئذ في الحقيقة حاصل في أثناء السعي وأثناء العمل. وبالجملة : الشك إن كان حادثاً بعد التقصير فلا اعتبار به لقاعدة الفراغ ، وإن كان الشك قبل التقصير ولم تفت الموالاة بناء على اعتبارها كما هو المختار فالشك من الشك في المحل ، وأمّا بناء على عدم اعتبار الموالاة كما هو المشهور فلا ريب في أنه من الشك في المحل وإن فاتت الموالاة. وأمّا بناءً على اعتبار الموالاة وشك بعد فوات الموالاة فالشك من الشك بعد المحل.

فالكلام فيما لو لم تفت الموالاة ولم يقصّر ولكن خرج من المسعى وانصرف عنه فشك ، فقد ذهب جمع إلى عدم الاعتناء ، لأنه شك بعد الفراغ ، ولكن ذكرنا في المباحث الأُصولية (٢) أن الشك إنما لا يعتنى به بعد تحقق عنوان المضي والتجاوز ، والمضي قد يكون حقيقياً وقد يكون حكمياً وبالعناية باعتبار محله ، فجريان القاعدة يحتاج إلى المضي الحقيقي أو الحكمي ، والمضي الحكمي باعتبار مضي المحل كمضي القراءة بعد الدخول في السورة فإن المضي الحقيقي غير حاصل ، لأن التدارك ممكن لعدم الدخول في الركوع ، فالمضي هنا بمعنى مضي المحل والتجاوز عنه ، ولذا اعتبرنا الدخول في الغير في جريان القاعدة حتى يصدق عنوان التجاوز ، لأن المفروض أن المحل باق حقيقة

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٢٩٥.

(٢) راجع مصباح الأُصول ٣ : ٢٨٢.

١٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتمكّن من التدارك.

وأمّا المضي الحقيقي فهو كالشك بعد الفراغ من الصلاة ، فإن الصلاة قد مضت على كل تقدير سواء كانت صحيحة واقعاً أو كانت باطلة ولا يمكن تداركها ، والشك إنما هو في أمر ماض لا في أمر حالي ، وكالشك في إتيان بعض أجزاء الوضوء بعد الفراغ منه والانصراف عنه.

والجامع أن يكون الشك متعلقاً بشي‌ء لا يمكن تداركه بالفعل لتعلقه بأمر قد مضى ، بخلاف الشك في القراءة بعد الدخول في السورة فإن المضي فيه حكمي لإمكان التدارك ، وهذا هو الميزان في جريان قاعدة الفراغ والتجاوز ، وذلك من دون فرق بين الشرائط الشرعية غير المقوّمة كاشتراط الصلاة بطهارة اللباس والبدن أو اعتبار الستر ونحو ذلك ، وبين الشرائط غير الشرعية المقوّمة كالدخول في الوقت ، فان كان محرزاً للوقت ولكن رجع شكه إلى عمله وإيقاعه في الوقت تجري القاعدة ، وأمّا إذا كان بالفعل شاكاً في دخول الوقت فالقاعدة لا تتكفل صحة الصلاة ولا دخول الوقت. وكذا لو كان هناك إناءان أحدهما فيه ماء مطلق والآخر فيه ماء مضاف وتوضأ وكان حين الوضوء ملتفتاً ثم شك في أنه توضأ من المطلق أو المضاف فهنا تجري القاعدة ، لأن الشك يرجع إلى عمله ، ففي المقام لو خرج من المسعى ولم يحرز الشوط السابع فبعد لم يتجاوز ولم يتحقق الفراغ بل هو في الأثناء فلا بد من الاعتناء به.

وربما يقال بأن المناط في جريان قاعدة الفراغ هو الفراغ الاعتقادي ، ولكن لا يمكن إثباته بدليل ، لأن موضوع الروايات هو المضي وهو يتحقق بالفراغ الحقيقي أو الحكمي ، وأمّا المضي الاعتقادي فلا يشمله عنوان المضي ، فالعبرة بأحد أمرين :

المضي الحكمي العنايتي أو الحقيقي ، وأمّا المضي الاعتقادي الخيالي فلا عبرة به. وإن كان شكه بعد الخروج من المسعى فضلاً عن وجوده فيه ، فلا بدّ من الاعتناء وتفصيل هذا البحث يطلب من تقريراتنا الأُصولية.

١٥٢

مسألة ٣٤٨ : إذا شك وهو على المروة في أن شوطه الأخير كان هو السابع أو التاسع فلا اعتبار بشكه ويصح سعيه. وإذا كان هذا الشك أثناء الشوط بطل سعيه ووجب عليه الاستئناف (١).

______________________________________________________

(١) إذا شك في عدد الأشواط وهو في المسعى ، فتارة يشك في الزيادة والنقيصة معاً ، وأُخرى يشك في النقيصة فقط ، وثالثة يشك في الزيادة فقط.

فان كان شكه متمحضاً في النقيصة ، كما إذا شك بين الستة والخمسة أو كان شكه بين الزائد والناقص كما إذا شك بأن هذا الشوط هو السادس أو التاسع ، ففي كلا الصورتين يحكم بالبطلان كما هو الحال في الطّواف ، وليس له نفي الزائد بأصالة عدم الزيادة ، لأن المستفاد من النصوص كما تقدّم (١) لا بدّ من أن يكون حافظاً للأعداد وكذلك السعي.

ويدلُّ على ذلك مضافاً إلى التسالم ، ما في ذيل صحيح سعيد بن يسار المتقدم (٢) «وإن لم يكن حفظ أنه قد سعى ستة فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط» ولا نحتمل اختصاص الحكم بمورده وهو الستة ، بل يشمل الحكم بالإعادة والبطلان ما إذا لم يحفظ الخمسة أو الأربعة.

ويستدل لذلك أيضاً بالروايات المتقدمة الواردة في الشك في عدد أشواط الطّواف كصحيحة الحلبي «في رجل لم يدر ستة طاف أو سبعة ، قال : يستقبل» (٣) فان الطّواف ما لم يذكر فيه البيت يشمل السعي بين الصفا والمروة ، وقد أُطلق الطّواف في الآية (٤) والروايات (٥) على السعي بين الصفا والمروة ، والمستفاد من هذه الروايات أن الأشواط لا بدّ أن تكون محفوظة ولا يدخله الشك.

__________________

(١) في ص ٧٨.

(٢) في ص ١٤٧.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٦١ / أبواب الطّواف ب ٣٣ ح ٩.

(٤) البقرة ٢ : ١٥٨.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٩١ / أبواب السعي ب ١٣ ح ٢ ، ٤ وص ٤٩٣ / أبواب السعي ب ١٤ ح ٢.

١٥٣

مسألة ٣٤٩ : حكم الشك في عدد الأشواط من السعي حكم الشك في عدد الأشواط من الطّواف ، فاذا شك في عددها بطل سعيه (١).

______________________________________________________

وأمّا إذا كان الشك في الزيادة فقط ، كما إذا كان على المروة وشك في أنّ شوطه الأخير هو السابع أو التاسع ، ففي مثله لا اعتبار بشكه ويحكم بصحة سعيه ، ويدل عليه صحيح الحلبي الوارد في الشك بين السبعة والثمانية في طواف البيت ، فإنه وإن كان في مورد طواف البيت ولكن المستفاد من التعليل الوارد فيه تعميم الحكم للسعي لأنه يدل على أنه من تيقن بالسبعة فلا يعتني بالزائد المشكوك ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة أم ثمانية فقال : أمّا السبعة فقد استيقن ، وإنما وقع وهمه على الثامن فليصل ركعتين» (١).

بل لو لم يكن نص في المقام لحكمنا بالصحة ، لأن زيادة السعي سهواً لا تضر بالصحة ، وإن استحب له التكميل إلى أربعة عشر شوطاً ، وله الاكتفاء بالسبعة وإلغاء الزائد.

نعم ، لو شك في الأثناء بطل سعيه ، لأن الشك حينئذ يرجع إلى الشك في الزيادة والنقيصة الذي عرفت أنه محكوم بالبطلان.

(١) قد عرفت حكم هذه المسألة مما تقدم ، وقد ذكرنا أن السعي حاله حال الطّواف ، وما دل على بطلان الطّواف بالشك في أعداد أشواطه يدل على بطلان السعي بالشك في أعداد أشواطه.

فرع :

هل يعتبر في حال السعي إباحة اللباس وإباحة المركوب لو سعى راكباً أم لا؟

يقع الكلام تارة في اللباس وأُخرى في المركوب ، وفي اللباس تارة في الساتر وأُخرى غير الساتر.

فاعلم أنّا قد ذكرنا في باب الطّواف (٢) أن الحكم بالبطلان إذا طاف على دابة أو

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٦٨ / أبواب الطّواف ب ٣٥ ح ١.

(٢) في ص ٣٩.

١٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عربة مغصوبة أو طاف في اللباس المغصوب يبتني على مسألة أُصولية ، وهي أن حرمة المسبب هل تسري إلى السبب؟ وبعبارة اخرى : حرمة ذي المقدمة تستدعي حرمة المقدمة ، كما أن وجوب ذي المقدمة يقتضي وجوب المقدمة؟ فإن بنينا على ذلك فبما أن المعلول وهو حركة اللباس والتصرف فيه محرّم ، والعلّة إنما هي الطّواف وحركة البدن حول البيت فتكون محرمة بالسراية ، وبما أن الطّواف أمر عبادي لا يمكن أن يكون محرّماً فيبطل.

ولكن ذكرنا في المباحث الأُصولية (١) أنه لا أساس للسراية بين العلّة والمعلول فإنّهما موجودان مستقلّان وإن كان أحدهما علّة والآخر معلولاً فلا موجب للسريان.

نعم ، لو كان الوجود واحداً والعنوان متعدداً كالأسباب التوليدية ، فالسراية مسلّمة ، لأن الموجود الخارجي واحد والتعدّد إنما هو في العنوان كالهتك المسبب عن فعل من الأفعال ، فكل ما يوجب الهتك يكون محرّماً.

وبعبارة واضحة : في مورد الأفعال التوليدية ليس في الخارج وجودان ، بل وجود واحد ينتزع منه العنوانان ، فالعبرة بوحدة الوجود الخارجي ، ولذا ذكرنا أن من صلى فرادى في محل تقام فيه الجماعة يحكم بفساد صلاته ، لاستلزامه هتك الإمام فيكون فعله مصداقاً للهتك ، ولا يمكن التقرّب به لعدم اجتماع الحرمة والفعل القربي ، وأمّا إذا كان الموجود الخارجي أمرين ، وإن كان أحدهما علّة والآخر معلوماً كما في المقام لأن حركة البدن علّة لحركة اللباس فلا موجب للسراية ، لأن أحدهما من عوارض البدن والآخر من عوارض اللباس فأحدهما أجنبي عن الآخر من هذه الجهة.

هذا في اللباس غير الساتر ، وأمّا المركوب فهو على عكس اللّباس يعني حركة المركوب علّة لحركة البدن والطّواف ولا تسري الحرمة من العلّة إلى المعلول ، أي لا تسري الحرمة من المقدّمة إلى ذي المقدّمة ، وعدم السراية هنا أوضح من باب اللباس ، ولذا لا يكون السفر على دابة مغصوبة موجبة لكون السفر معصية ، فإن المحرّم هو الركوب على الدابة لا السفر والبعد من الوطن.

__________________

(١) أشار إلى ذلك في مصباح الأُصول ٢ : ٥٤٨.

١٥٥

التقصير

وهو الواجب الخامس في عمرة التمتّع ، ومعناه أخذ شي‌ء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه ، ويعتبر فيه قصد القربة ، ولا يكفي النتف عن التقصير (١).

______________________________________________________

ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين الطّواف والسعي ، ولكن الشيخ النائيني (قدس سره) جزم بالبطلان في الطّواف واحتاط في السعي (١) ولم يظهر الفرق بين المقام وبين الطّواف.

وأمّا اللباس إذا كان ساتراً فيفرق بين الطّواف والسعي ونلتزم بالبطلان في الطّواف دون السعي ، وذلك لأن الطّواف يعتبر فيه الستر ، والساتر إذا كان حراماً لا يكون قيداً للمأمور به ، فاذا كان الطّواف واجباً فلم يأت بالواجب ، لأن الطّواف مقيد بالساتر المباح فلم يأت بالمأمور به على وجهه.

وأمّا السعي فلا يعتبر فيه الستر فحكم الساتر حكم غير الساتر إلّا إذا قلنا بالسراية فلا فرق بين الساتر وغيره ، وإلّا فلا نقول بالبطلان مطلقاً.

(١) لا ريب ولا خلاف في وجوبه ، وتدل عليه نصوص مستفيضة :

منها : الروايات البيانية الواردة في كيفية الحج كصحيحة معاوية بن عمار (٢).

ومنها : الروايات الواردة في التقصير (٣) فأصل الوجوب ممّا لا إشكال فيه ، وبه يحل له كل شي‌ء حرم عليه بالإحرام إلّا الصيد ، لأنه لم يحرم من جهة الإحرام وإنما يحرم عليه الصيد للدخول في الحرم.

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ٢٤٨ ، ٢٩٩.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٢٠ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٨.

(٣) الوسائل ١٣ : ٥٠٥ / أبواب التقصير ب ١.

١٥٦

مسألة ٣٥٠ : يتعيّن التقصير في إحلال عمرة التمتّع ولا يجزئ عنه حلق الرأس بل يحرم الحلق عليه ، وإذا حلق لزمه التكفير عنه بشاة إذا كان عالماً عامداً ، بل مطلقاً على الأحوط (١).

______________________________________________________

بماذا يتحقّق التقصير

في صحيح معاوية بن عمار (١) أمر بقصّ الشعر من اللحية والشارب وتقليم الأظفار ولو كنّا نحن وهذه الصحيحة لوجب الجمع بين هذه الأُمور ، ولكن المستفاد من بقية الروايات الاكتفاء بواحد منها كصحيحة عبد الله بن سنان «ويقصّر من شعره ، فاذا فعل ذلك فقد أحل» (٢) وفي صحيح الحلبي ما يدلّ على الاكتفاء بقرض الشعر بالأسنان (٣). وفي صحيح جميل وحفص قد وقع التصريح بالاجتزاء ببعض هذه الأُمور «في محرم يقصّر من بعض ولا يقصّر من بعض ، قال : يجزيه» (٤).

وهل يجزي النتف مكان التقصير أم لا؟ وجهان ، ذهب إلى الأول صاحب الحدائق لأن المقصود إزالة الشعر فلا فرق بين الأمرين (٥) ولكن الظاهر هو الثاني ، لأن المذكور في الروايات هو التقصير ، والنتف لا يكون مصداقاً للتقصير ، فلا بدّ من الأخذ بظواهر الروايات ، والأحكام تعبدية فيجب الاقتصار بما في النصوص.

(١) هل يجوز الحلق مكان التقصير ، وعلى فرض عدم الجواز فلو حلق فهل يجزئه ذلك عن التقصير أم لا؟

المشهور تعيّن التقصير عليه وعدم جواز الحلق وعدم إجزائه عنه لو فرضنا أنه خالف وحلق ، ونسب إلى الشيخ التخيير بين الأمرين (٦) ونسب إلى العلّامة أن الواجب

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥٠٥ / أبواب التقصير ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٠٥ / أبواب التقصير ب ١ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٥٠٨ / أبواب التقصير ب ٣ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ٥٠٧ / أبواب التقصير ب ٣ ح ١.

(٥) الحدائق ١٦ : ٢٩٨.

(٦) الخلاف ٢ : ٣٣٠ المسألة ١٤٤.

١٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

هو التقصير ، ولكن لو حلق يجزئ عن التقصير (١).

أمّا التخيير فيردّه ظاهر الروايات الواردة في المقام (٢) فان الظاهر منها تعيّن التقصير. وأمّا التخيير قد ورد في الحج (٣) وأمّا في عمرة التمتّع فلا يظهر من شي‌ء من الروايات ولم يعلم مستند الشيخ.

وأغرب من هذا ما نسب إلى العلّامة من الإجزاء على فرض عدم الجواز ، لأن الواجب لو كان هو التقصير فكيف يجزئ الحلق المحرّم عن الواجب ، فلا ينبغي الريب في أن المتعين هو التقصير ولا يجوز ولا يجزئ الحلق.

وصاحب الحدائق أجاز الحلق ، ولكنه خصّ الجواز بصورة حلق بعض الرأس لإتمامه (٤) وهذا أيضاً بعيد ، لأن إزالة الشعر بالحلق لا تكون مصداقاً للتقصير.

وربما يوجّه ما نسب إلى العلّامة من أن التقصير يتحقق بأوّل جزء من الحلق.

وفيه : أن التقصير لا يصدق على الحلق حتى على أول جزء منه ، فالتقصير باق على ذمّته فلا بدّ من التقصير بنحو آخر من تقليم الأظفار أو الأخذ من شعره من مكان آخر.

وهل يعمّ الحكم بتعيّن التقصير للملبّد والمعقوص (٥) أم لا؟

المعروف أنه لا فرق بينهما وبين غيرهما من المكلفين في عمرة التمتّع ، وإنما يجب عليهما الحلق في الحج والعمرة المفردة ، ونسب إلى الشيخ (٦) تعيّن الحلق عليهما في عمرة التمتّع أيضاً فوظيفة الملبّد والمعقوص هي الحلق مطلقاً ، سواء في الحج أو العمرة

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٧١٠ السطر ٢٨.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٠٥ / أبواب التقصير ب ١ ، ٤.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٢١ / أبواب الحلق والتقصير ب ٧.

(٤) الحدائق ١٦ : ٣٠١.

(٥) تلبيد الشعر : أن يجعل فيه شي‌ء من صمغ أو خطمي وغيره عند الإحرام لئلا يشعث ويقمل اتقاءً على الشعر. مجمع البحرين ٣ : ١٤٠. عقص الشعر : جمعه وجعله في وسط الرأس وشدّه ، والعقيصة للمرأة : الشعر يلوى وتدخل أطرافه في أُصوله. مجمع البحرين ٤ : ١٧٣.

(٦) التهذيب ٥ : ١٦٩.

١٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

المفردة أو عمرة التمتّع ، واستدل على ذلك بعدة من الروايات.

منها : صحيحة هشام بن سالم ، قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : «إذا عقص الرجل رأسه أو لبّده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق» (١) وغير خفي أن دلالتها بالإطلاق باعتبار شمول العمرة للمفردة وللمتمتّع بها. ولكن الظاهر أن المراد بالعمرة بقرينة المقابلة للحج هو العمرة المفردة ، ولو سلّمنا الإطلاق فهو قابل للتقييد.

ومنها : صحيحة عيص قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل عقص شعر رأسه وهو متمتع ثم قدم مكة فقضى نسكه وحل عقاص رأسه فقصّر وأدهن وأحل ، قال : عليه دم شاة» (٢) فإنها أيضاً بالإطلاق تدل على أن وظيفة المعقوص هي الحلق ، ولكن لو كان المراد من قول السائل «فقضى نسكه» جميع الأعمال الواجبة عليه كما هو مقتضى إضافة الجمع ، وأنه لم يحلق بل قصّر بعد إتيان وظائفه حتى بعد الوقوفين ، فيكون الصحيح خارجاً عن مورد الكلام ، لأن كلامنا في عمرة التمتّع قبل الإتيان بأعمال الحج لا بعد الوقوفين ، ولو كان المراد بقوله «نسكه» خصوص نسك العمرة ، فيكون الصحيح شاهداً للمقام ، ولكن لم يظهر أن المراد به خصوص نسك العمرة المتمتع بها ، بل من المحتمل أن المراد به جميع النسك حتى نسك الحج.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبّدته فقد وجب عليك الحلق وليس لك التقصير ، وإن أنت لم تفعل فمخير لك التقصير والحلق في الحج ، وليس في المتعة إلّا التقصير» (٣).

بدعوى أن صدر الصحيحة مطلق من حيث الحج وعمرة التمتّع ، بل الموضوع مَن أحرم وعقص شعره ، سواء كان إحرامه للحج أو للمتعة.

ولكن هذه الدعوى بعيدة جدّاً ، لأن الظاهر من الرواية أن الإمام (عليه السلام) في مقام بيان التخيير بين الحلق والتقصير في الحج إلّا الملبّد والمعقوص فإنه يتعيّن عليهما

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٢٢ / أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٢٤ / أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٩.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢٢٤ / أبواب الحلق والتقصير ب ٧ ح ٨.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الحلق وليس لهما التخيير ، وأمّا المتعة فليس فيها إلّا التقصير مطلقاً ، سواء كان المكلف عقص رأسه أم لا ، فالصحيحة على خلاف المطلوب أدل ، إلّا أن المستدل زعم أن كلمة «في الحج» راجعة إلى الجملة الثانية وقيد لها ، وهي «وإن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير والحلق» فالصدر وهو قوله : «إذا أحرمت إلى قوله وليس لك التقصير» على إطلاقه وشموله للحج والمتعة ، إلّا أن الظاهر أن قوله : «في الحج» قيد لجميع ما تقدّم.

ويؤكد ذلك : صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار وهي صريحة في أن الحلق على الملبّد والمعقوص إنما هو في الحج ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «ينبغي للصرورة أن يحلق ، وإن كان قد حج قصّر ، وإن شاء حلق ، فاذا لبّد أو عقص فان عليه الحلق وليس له التقصير» (١) ويعلم من هذه الصحيحة أن تعيّن الحلق على الملبّد والمعقوص إنما هو في الحج ، وبها نرفع اليد عن إطلاق العمرة في صحيحة هشام ، كما أنها تكون رافعة لإجمال المراد من صحيحة عيص ، وتعيّن المراد بالنسك وأنه نسك الحج لا العمرة.

ولو أغمضنا عن جميع ذلك وفرضنا دلالة الروايات على تعيين الحلق على الملبّد مطلقاً في الحج والعمرة إلّا أنه نحتمل التعيين عليه في عمرة المتعة ، وذلك لأن التلبيد والعقص كانا من الأُمور الشائعة في الأزمنة السابقة ، ولو كان الحلق واجباً لوقع مرّة واحدة في المتعة من الأصحاب والرواة ، ولوقع السؤال عنه ، ولم ينقل من أحد وقوع الحلق منه ، بل لم يتعرّض مَن تقدّم على الشيخ له في عمرة التمتّع ، وإنما تعرّض إليه الشيخ في التهذيب (٢) فتعيين الحلق على الملبّد والمعقوص ساقط جزماً.

وأمّا التخيير بين الحلق والتقصير فهو محتمل في نفسه ، ولكن لا دليل عليه ، بل الدليل على خلافه ، وهو إطلاق أدلّة التقصير وهو يشمل الملبّد والمعقوص وغيرهما ففي عمرة التمتّع يتعين التقصير سواء كان المكلف قد لبّد أو عقص شعره أم لا.

ثم إنه لو حلق رأسه لزمه التكفير عنه بشاة ، لا لروايات خاصة ليناقش فيها

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٢١ / أبواب الحلق ب ٧ ح ١.

(٢) التهذيب ٥ : ١٦٠.

١٦٠