موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

السّعي

وهو الرابع من واجبات عمرة التمتّع ، وهو أيضاً من الأركان ، فلو تركه عمداً بطل حجه ، سواء في ذلك العلم بالحكم والجهل به. ويعتبر فيه قصد القربة ، ولا يعتبر فيه ستر العورة ولا الطّهارة من الحدث أو الخبث ، والأولى رعاية الطّهارة فيه (١).

______________________________________________________

المستثنى ، فاذا لحن في قراءته عن جهل عذري لا تبطل صلاته حتى لو علم بعد ذلك بأن قراءته كانت ملحونة ، سواء التفت في أثناء صلاته ، كما لو علم باللحن في القراءة حال الركوع ، أو بعد الفراغ من الصلاة ، ففي كلا الفرضين لا تجب عليه الإعادة ويمضي في صلاته.

وأمّا الصورة الثانية : التي لم يكن جهله عن عذر ، ففي مثله لا يشمله حديث لا تعاد فاذا التفت إلى حاله كان حكمه حكم تارك صلاة الطّواف نسياناً ، فان كان في البلد وجب عليه إعادة الصلاة بعد التصحيح في المسجد ، وإن خرج من البلد وكان قريباً رجع إلى المسجد وصلّى ، وإن كان في رجوعه عسر وحرج صلى في مكانه كما عرفت.

ثم إن الشهيد ذكر أن المكلف لو ترك الصلاة نسياناً أو جهلاً ولم يتمكن من الرجوع إلى المسجد رجع إلى الحرم وصلى فيه (١) ولا نعلم له وجهاً لعدم الدليل عليه ، وإن كان ما ذكره أولى.

(١) لا خلاف بين المسلمين في وجوب السعي ، وهو جزء من الحج وركن له يبطل الحج بتركه عمداً استناداً إلى روايات مستفيضة :

منها : الروايات البيانية الحاكية لكيفية حج النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) (٢).

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٩٦.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٣٩ / أبواب أقسام الحج ب ٢.

١٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : الأخبار الدالة على أن السعي فريضة كصحيحة معاوية بن عمار (١).

ومنها : الروايات الدالة على أن نقصان السعي أو زيادته يوجب الإعادة (٢).

ومنها : ما ورد من أن من بدأ بالمروة قبل الصفا أعاد سعيه (٣).

ومنها : ما دل على أن من ترك سعيه متعمداً أعاد حجّه (٤).

هذا مضافاً إلى أن بطلان الحج بترك السعي على القاعدة ، لأن المركّب ينتفي بانتفاء جزئه.

ولا يعتبر فيه ستر العورة ، فلو سعى عارياً ولو عامداً صح سعيه وحجه لعدم الدليل على اعتباره فيه ، خلافاً للطواف المعتبر فيه ستر العورة كما تقدم.

كما لا تعتبر فيه الطهارة من الخبث والحدث الأصغر والأكبر.

أمّا طهارة بدنه أو لباسه فلا ينبغي الشك في عدم اعتبارها ولم يرد أيّ دليل على اعتبارها. نعم ذكرها جماعة من الأصحاب.

وأمّا الطهارة من الحدث فقد ورد في صحيحة معاوية عدم اعتبار الطهارة في جميع المناسك إلّا الطّواف (٥) وكذلك في صحيحة رفاعة (٦) وخبر يحيى الأزرق (٧).

ولكن بإزاء ذلك روايات ربّما توهم دلالتها على اعتبار الطّهارة في السعي كمعتبرة ابن فضّال وصحيح ابن جعفر (٨) ولكن لا يمكن الالتزام بها حتى ولو لم يكن في البين ما يدل على عدم اعتبارها وذلك لأُمور :

الأوّل : تسالم الأصحاب على عدم اعتبارها ، بحيث لم ينقل الخلاف عن أحد إلّا

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٦٥ / أبواب السعي ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٨٩ / أبواب السعي ب ١٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٨٧ / أبواب السعي ب ١٠.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٨٤ / أبواب السعي ب ٧.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٩٣ / أبواب السعي ب ١٥ ح ١.

(٦) الوسائل ١٣ : ٤٩٣ / أبواب السعي ب ١٥ ح ٢.

(٧) الوسائل ١٣ : ٤٩٤ / أبواب السعي ب ١٥ ح ٦.

(٨) الوسائل ١٣ : ٤٩٥ / أبواب السعي ب ١٥ ح ٧ ، ٨.

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

عن ابن عقيل (١) مع أن المسألة محل الابتلاء ، ولو كانت معتبرة لكانت من الواضحات فذلك يكشف كشفاً قطعيّاً عن عدم الاعتبار ، نظير الإقامة في الصلاة ، فإن تسالم الفقهاء على عدم الوجوب مع أن المورد محل الابتلاء يكشف عن عدم الوجوب ، وإن وجد مخالف فهو شاذ لا يعبأ به.

الثاني : أن الأخبار الدالّة على اعتبار الطهارة عمدتها روايتان :

الأُولى : صحيحة علي بن جعفر (٢) وهذه الصحيحة لا يمكن العمل بمضمونها ، لأن مفادها اعتبار الطهارة في جميع المناسك حتى الوقوفين والحلق. وهذا شي‌ء لا يمكن التفوّه به ، فلا بدّ من حمله على الأفضلية في بعض الحالات كما دلّت على الأفضلية صحيحة معاوية بن عمار.

والثانية : صحيحة الحلبي (٣) ولكنّها لا تدل على اعتبار الطهارة من الحدث ، وإنما تدلّ على أن الحيض مانع وأين هذا من اعتبار الطهارة. على أنها لا بدّ من حملها على الأفضلية للروايات الواردة في من حاضت أثناء الطّواف أو بعده أو قبله ، قبل الصلاة أو بعدها ، ففي جميعها رخّص لها السعي وهي حائض (٤).

مضافاً إلى أن العلّة المذكورة في الصحيحة وكون السعي من شعائر الله لا تستوجب الطهارة ، فإن الوقوف بعرفة أو المشعر من الشعائر والبدنة من الشعائر ولا تعتبر الطهارة في جميع ذلك ، فنفس التعليل كاشف عن الأفضلية لا الاشتراط ، فلم يبق في البين إلّا معتبرة ابن فضال وقد حملها الشيخ على النهي عن مجموع الأمرين أي الطّواف والسعي لا عن كل واحد بانفراده (٥) وهذا بعيد لأنه من قبيل ضم الحجر إلى الإنسان ، كقولنا لا يطوف ولا يأكل بغير طهارة ، فالصحيح أن يقال : إن مقتضى ضم هذه الرواية إلى الروايات المصرّحة بالجواز هو حمل النهي على التنزيه لا التحريم.

__________________

(١) نقل عنه في المختلف ٤ : ٢٢٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٩٥ / أبواب السعي ب ١٥ ح ٨.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٩٤ / أبواب السعي ب ١٥ ح ٣.

(٤) من جملتها ما روي في الوسائل ١٣ : ٤٩٤ / أبواب السعي ب ١٥ ح ٥.

(٥) التهذيب ٥ : ١٥٤ ذيل الحديث ٥٠٨.

١٢٣

مسألة ٣٣٣ : محل السعي إنما هو بعد الطّواف وصلاته (١) فلو قدّمه على الطّواف أو على صلاته وجبت عليه الإعادة بعدهما ، وقد تقدّم حكم من نسي الطّواف وتذكره بعد سعيه.

مسألة ٣٣٤ : يعتبر في السعي النية بأن يأتي به عن العمرة إن كان في العمرة وعن الحج إن كان في الحج قاصداً به القربة إلى الله تعالى (٢).

مسألة ٣٣٥ : يبدأ بالسعي من أول جزء من الصفا ، ثم يذهب بعد ذلك إلى المروة ، وهذا يعدّ شوطاً واحداً ، ثم يبدأ من المروة راجعاً إلى الصفا إلى أن يصل إليه فيكون الإياب شوطاً آخر ، وهكذا يصنع إلى أن يختم السعي بالشوط السابع في المروة (٣)

______________________________________________________

(١) تدل عليه روايات :

منها : الروايات البيانية للحج ، كصحيح معاوية الحاكية لكيفية حجّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) (١).

ومنها : الروايات الواردة في من قدّم السعي على الطّواف أو صلاته (٢).

مضافاً إلى أن الحكم متسالم عليه وسيرة المسلمين قائمة على ذلك.

(٢) لا ريب في كون السعي عباديا يعتبر فيه قصد القربة ، لأنه من أجزاء الحج وأركانه ، والحج عبادي بلا إشكال ، فلا بد أن تكون أجزاء الأمر العبادي عبادية أيضاً ، ويجب عليه التعيين ولو في الجملة بأن يأتي به للحج أو للعمرة ، فإن الصورة مشابهة ولا يتعين للحج أو للعمرة إلّا بقصد التعيين ، فحاله حال صلاة الظهر أو العصر والقضاء والأداء ، فإن التعيين إنما يكون بالنية.

(٣) لا ريب في وجوب البدأة من الصفا ، ويدلُّ عليه النصوص المستفيضة ، منها :

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٣٨ / أبواب الطّواف ب ٧٧.

١٢٤

والأحوط لزوماً اعتبار الموالاة بأن لا يكون فصل معتدّ به بين الأشواط (١).

______________________________________________________

صحيح معاوية بن عمار «تبدأ بالصفا وتختم بالمروة» (١).

(١) كما هو كذلك في جميع الأعمال المركّبة من أجزاء متعدِّدة ، وإلّا فلا يصدق عنوان العمل الواحد على الأجزاء المأتية بفصل كثير.

ولكن ذهب المشهور إلى عدم وجوب الموالاة ، بل ادّعي عليه الإجماع كما في المستند (٢) وقد استدلوا على ذلك بعدّة من الروايات.

منها : ما ورد في من نقص من طوافه وتذكّره أثناء السعي (٣).

منها : ما ورد في من نسي صلاة الطّواف وشرع في السعي «أنه يعيّن مكانه ثم يتمه» (٤).

والجواب : أن هذه الروايات وردت في مورد النقص غير الاختياري فلا يمكن التعدي إلى مورد الاختيار.

ومنها : ما دل على قطع السعي إذا دخل وقت الفريضة أثناءه (٥).

وفيه : أنه حكم خاص بمورده ولا يمكن التعدِّي عنه ، وجواز القطع لدخول وقت الفريضة لا يستلزم جواز القطع والبناء على ما قطع مطلقاً. على أنه لو استفيد من جواز القطع عدم اعتبار الموالاة غايته عدم اعتبار الموالاة بهذا المقدار كنصف ساعة ونحوه لا نصف النهار أو أكثر.

واستدلّ أيضاً بمعتبرة يحيى الأزرق قال «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم يلقاه

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٨١ / أبواب السعي ب ٦ ح ١.

(٢) المستند ١٢ : ١٨٥.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٥٨ / أبواب الطّواف ب ٣٢ ح ٢.

(٤) ورد مضمونه في الوسائل ١٣ : ٤٣٨ / أبواب الطّواف ب ٧٧.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٩٩ / أبواب السعي ب ١٨.

١٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الصديق له فيدعوه إلى الحاجة أو إلى الطعام ، قال : إن أجابه فلا بأس» (١) فان المستفاد منه جواز القطع ولو لحاجة غير ضرورية.

ويرد عليه : أن غاية ما يستفاد منه جواز القطع بمقدار الحاجة المتعارفة كساعة أو نصف ساعة ونحو ذلك نظير قطع الطّواف لذلك ، وأمّا الفصل الكثير فلا يستفاد منه. على أن دلالته على جواز الإتمام غير تامّة بل هي ساكتة عن ذلك ، وإنما تدل على جواز القطع لقضاء الحاجة وجواز رفع اليد عن السعي ، كما أنه يجوز رفع اليد عن الطّواف في الأثناء ، وليس حالهما حال الصلاة من حرمة القطع.

والعمدة ما استدل به صاحب المستند (قدس سره) وهو إطلاق ما دلّ على وجوب السعي ، فإن مقتضاه لزوم الإتيان بسبعة أشواط ، وأمّا الموالاة فلا يستفاد منه (٢).

ويرد عليه : أن السعي عمل واحد عرفاً ذات أجزاء متعددة وليس بأعمال متعددة والمعتبر في العمل الواحد إتيانه على نحو الموالاة بين أجزائه وإلّا فلا يصدق ذلك العمل الواحد على ما أتى به على نحو الانفصال. وربما يظهر كونه عملاً واحداً من اعتبار البدأة من الصفا والختم بالمروة ، فان المتفاهم من ذلك أن السعي بجميع أشواطه عمل واحد نظير الصلاة ونحوها من الأعمال المركّبة ، فالمعتبر فيه الهيئة الاتصالية.

نعم لا يضر الفصل اليسير بمقدار شرب ماء ، أو قضاء الحاجة أو ملاقاة صديق ونحو ذلك ، وأمّا إذا تحقّق الفصل الكثير فالإطلاق منصرف عنه جزماً ، كما ذكروا أن الإطلاقات منصرفة عن المشي على نحو القهقرى أو عن المشي غير مستقبل إلى المروة عند الذهاب إليها ونحو ذلك من المشي غير المتعارف ، فكيف بالانصراف عن الفصل الكثير كيوم أو يومين أو أكثر ، فالاتصال بمقدار الصدق العرفي معتبر ، ولذا سألوا في الروايات عن جواز الجلوس للاستراحة في الأثناء (٣) فكأنّ المغروس في أذهانهم عدم جواز الفصل رأساً ، وأجابوا بأن هذا المقدار من الفصل غير ضائر فيعلم من ذلك كله اعتبار الاتصال بالموالاة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥٠٠ / أبواب السعي ب ١٩ ح ١.

(٢) المستند ١٢ : ١٨٥.

(٣) الوسائل ١٣ : ٥٠١ / أبواب السعي ب ٢٠.

١٢٦

مسألة ٣٣٦ : لو بدأ بالمروة قبل الصفا ، فان كان في شوطه الأوّل ألغاه وشرع من الصفا ، وإن كان بعده ألغى ما بيده واستأنف السعي من الأول (١).

______________________________________________________

وبالجملة : لا ينبغي الريب في انصراف الإطلاق إلى السعي على النحو المتعارف الخارجي ، فتعتبر الموالاة بمقدار يصدق عليه العمل الواحد ، نعم لا يضرّ الفصل اليسير.

وأمّا الإجماع المدعى فلا يمكن دعواه خصوصاً في مثل هذه المسألة التي هي غير محرّرة عند جلّ الأصحاب.

(١) لو عكس بأن بدأ بالمروة قبل الصفا ، فان كان في شوط واحد ، بأن بدأ بالمروة وختم بالصفا ، أو تذكّر في الأثناء قبل الوصول إلى الصفا ، ألغى ما في يده وأعاد السعي بالبدأة من الصفا ، وهذا واضح ولا حاجة إلى إقامة الدليل على بطلان ما بدأ به ، لعدم الإتيان بالمأمور به على وجهه.

وأمّا لو أتى بشوطين أو أزيد بعد البدأة بالمروة فهل يبطل تمام الأشواط أو يبطل الشوط الأوّل الذي بدأ من المروة؟

وبعبارة أُخرى : لو بدأ بالمروة وأتى بشوطين أو أكثر فهل يجتزئ بالاحتساب من الصفا ولا يحتاج إلى إعادة السعي بالصفا جديداً ، أو يبطل تمام أشواطه وعليه البدأة من الصفا جديداً.

ذهب جماعة إلى البطلان وأنه يجب عليه الاستئناف ، فان الشوط الأوّل الذي بدأ من المروة يوجب بطلان الأشواط اللّاحقة ، وهذا ما يقتضيه إطلاق صحاح معاوية ابن عمار الآمرة بطرح ما سعى ، والآمرة بالبدأة بالصفا قبل المروة (١) فان المراد بطرح ما سعى هو طرح ما بعده من الأشواط ، وإلّا فالشوط الأول ملغى ومطروح بنفسه لأنه على خلاف المأمور به.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٨٧ / أبواب السعي ب ١٠ ح ١ ، ٢ ، ٣.

١٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وهنا روايتان استظهر منهما صاحب الجواهر (١) إلغاء الشوط الأول والاجتزاء بالاحتساب من الصفا ، للتشبيه بغسل اليسرى قبل اليمنى المذكور في الروايتين ، ففي خبر علي بن أبي حمزة قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا ، قال : يعيد ، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء» (٢) وفي معتبرة علي الصائغ قال : «سئل أبو عبد الله (عليه السلام) وأنا حاضر عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا ، قال : يعيد ، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله قبل يمينه كان عليه أن يبدأ بيمينه ثم يعيد على شماله» (٣).

فإنه في باب الوضوء لو بدأ بغسل اليسرى ثم غسل اليمنى يكتفي بغسل اليسرى ولا يلغي غسل يمينه ، فكذلك السعي يلغي الشوط الأول والذي بدأه من المروة ، إمّا السعي من الصفا إلى المروة في الشوط الثاني فلا موجب لالغائه ، نظير اليد اليمنى التي غسلها بعد الشمال ، فمقتضى التشبيه المزبور الاجتزاء بالاحتساب من الصفا إذا كان قد بدأ بالمروة قبل الصفا ، ولا يحتاج إلى إعادة السعي بالصفا جديداً.

والجواب : أن الصحاح المتقدمة (٤) عن معاوية بن عمار دلت على إلغاء ما بيده من الأشواط ، وتخصيص الشوط الأول بالطرح والإلغاء على خلاف إطلاق الصحاح المزبورة ، بل تخصيص بالفرد النادر.

وأمّا الروايتان فالأُولى ضعيفة بعلي بن أبي حمزة. مضافاً إلى أن كلمة «يعيد» معناها الإلغاء وطرح جميع ما بيده والاستئناف من الأول ، فحالها حال تلك المطلقات المتقدمة الآمرة بالطرح ، وليس فيها التشبيه المزبور بالاكتفاء بغسل الشمال فقط.

وأمّا الرواية الثانية فالظاهر أنها معتبرة السند ، وإن كان الواقع في السند إسماعيل ابن مرار ، فإنه وإن لم يوثق في كتب الرجال لكنه من رجال تفسير علي بن إبراهيم.

__________________

(١) الجواهر ١٩ : ٤١٨.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٨٨ / أبواب السعي ب ١٠ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٨٨ / أبواب السعي ب ١٠ ح ٥.

(٤) في الصفحة السابقة.

١٢٨

مسألة ٣٣٧ : لا يعتبر في السعي المشي راجلاً فيجوز السعي راكباً على حيوان أو على متن إنسان أو غير ذلك ، ولكن يلزم على المكلف أن يكون ابتداء سعيه من الصفا واختتامه بالمروة (١).

مسألة ٣٣٨ : يعتبر في السعي أن يكون ذهابه وإيابه فيما بين الصفا والمروة من الطريق المتعارف ، فلا يجزئ الذهاب أو الإياب من المسجد الحرام أو أيّ طريق آخر ، نعم لا يعتبر أن يكون ذهابه وإيابه بالخط المستقيم (٢).

______________________________________________________

وأمّا علي الصائغ فالظاهر أنه علي بن ميمون الصائغ (١) فالرواية معتبرة ولكنها قاصرة الدلالة ، فإن التشبيه بلحاظ عدم الاكتفاء بغسل الشمال قبل اليمين ، يعني من غسل شماله قبل يمينه يجب عليه أن يبدأ بيمينه ، ولكن لم يتعرّض في الرواية لغسل اليمين إذا غسل الشمال أوّلاً ثم غسل يمينه ، فليس التشبيه من جميع الجهات ، بل التشبيه باعتبار عدم العبرة بالبدأة من الشمال ، فلا تنافي بين الروايتين وتلك الروايات الآمرة بالطرح.

(١) كما جاز في الطّواف ، ويدلُّ عليه روايات ، منها : صحيحة معاوية بن عمار «سألته عن الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكباً ، قال : لا بأس ، والمشي أفضل» (٢).

(٢) لا ريب أن المتفاهم من الآية الكريمة (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (٣) أن يكون الطّواف والسعي بينهما من الطريق المعهود المتعارف بالخط الموازي بينهما ، فلو مشى بينهما لا بالخط الموازي كما لو سلك سوق الليل ، بأن نزل من الصفا وذهب إلى سوق الليل ثم ذهب إلى المروة فنزل منها ، لا يصدق عليه أنه طاف بينهما ، فإن المأمور به ليس مجرد المشي على الإطلاق ، وإنما الواجب هو المشي بينهما ، فلو مشى بينهما بالخط المنكسر أو المستدير ونحو ذلك فلا يصدق عليه الطّواف بينهما.

__________________

(١) مجهول ، روى روايات في كامل الزيارات ، راجع معجم الرجال ١٣ : ٢٢٢ / ٨٥٦١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٩٦ / أبواب السعي ب ١٦ ح ٢.

(٣) البقرة ٢ : ١٥٨.

١٢٩

مسألة ٣٣٩ : يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها ، كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه ، فلو استدبر المروة عند الذهاب إليها أو استدبر الصفا عند الإياب من المروة لم يجزئه ذلك ، ولا بأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب أو الإياب (١).

مسألة ٣٤٠ : يجوز الجلوس على الصفا أو المروة أو فيما بينهما للاستراحة ، وإن كان الأحوط ترك الجلوس فيما بينهما (٢).

______________________________________________________

نعم ، لا يعتبر المشي على نحو الخط المستقيم الهندسي قطعاً ، فلا يضر الميل يميناً أو شمالاً ، فالمعتبر عدم الخروج من الجادة المعهودة والدخول إلى جادّة اخرى كسوق الليل والشارع الملاصق للمسعى ، كما أن المعتبر هو المشي العادي المتعارف فلا عبرة بالمشي على بطنه أو متدحرجاً أو معلّقاً أو على أربع ونحو ذلك.

(١) ظهر ممّا تقدّم أن المعتبر في المشي أن يكون مستقبلاً بوجهه إلى المروة عند النزول من الصفا ومستقبلاً إلى الصفا عند نزوله من المروة ، فلا يجزئ المشي على نحو القهقرى أو المشي على يساره أو يمينه.

نعم ، لا يضرّ الالتفات إلى اليمين أو الشمال بل إلى الخلف حال المشي ، وليس حاله حال الصلاة في البطلان بالالتفات يميناً أو شمالاً.

(٢) لا ينبغي الإشكال في جواز الجلوس على المروة أو الصفا أو ما بينهما للاستراحة ولا يعتبر التوالي في المشي ، بأن يكون المشي مشياً واحداً مستمراً ، ويدلّنا على ذلك صحيح معاوية بن عمار «عن الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة يجلس عليهما؟ قال : أوليس هو ذا يسعى على الدواب» (١).

وأوضح منه صحيح الحلبي «عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال : نعم ، إن شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فليجلس» (٢) فان التعبير بقوله : «إن

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١٣ : ٥٠١ / أبواب السعي ب ٢٠ ح ٢ ، ١.

١٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

شاء» صريح في جواز الجلوس اختياراً.

وبإزائهما صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا يجلس بين الصفا والمروة إلّا من جهد» (١) والمتفاهم عدم الجواز إذا لم تكن مشقة ولكن لا بدّ من حملها على الكراهة ، لأن التعبير بقوله : «إن شاء» في صحيحة الحلبي صريح في الجواز على الإطلاق ، فنرفع اليد عن ظهور قوله «لا يجلس» في الحرمة بصراحة تلك ، ولا ريب أن الأحوط ترك الجلوس فيما بينهما ، وأمّا الجلوس على نفس الصفا والمروة فجائز قطعاً لعدم المعارض.

بقي شي‌ء : وهو أن المعروف بين الأصحاب عدم وجوب الصعود على الصفا بل ادعي عليه الإجماع ، ونسب إلى الشهيد في الدروس الصعود إلى أربع درجات أي بمقدارها (٢).

أقول : إن كان مراد القائل بوجوب الصعود وجوباً نفسياً ، فتنافيه الروايات الآمرة بالطواف والسعي ما بينهما ، فان الظاهر أن الصفا والمروة خارجان عن مكان السعي وأنهما ممّا ينتهي إليه السعي.

على أنه لو كان السعي من نفس الجبل واجباً لشاع واشتهر ، حيث إنه ممّا يكثر الابتلاء بذلك فكيف يخفى وجوبه على الأصحاب حتى ادعي الإجماع على عدم الوجوب. وإن كان المراد به وجوباً مقدّمياً علمياً كوجوب البدأة في الطّواف قبل الحجر شيئاً ما من باب المقدّمة العلمية فله وجه ما ، ولكنه غير تام أيضاً ، لعدم توقف حصول العلم بخصوص ذلك ، بل يمكن تحصيل العلم بنحو آخر وهو التصاق عقبه بالصفا عند النزول منه والبدأة منه ، وبالتصاق رؤوس أصابعه بالمروة عند الوصول إليها وبالتصاق عقبه بالمروة عند النزول منها والتصاق أصابعه عند الوصول إلى الصفا في الشوط الآخر.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥٠٢ / أبواب السعي ب ٢٠ ح ٤.

(٢) الدروس ١ : ٤١٠.

١٣١

أحكام السّعي

تقدّم أن السعي من أركان الحج ، فلو تركه عمداً عالماً بالحكم أو جاهلاً به أو بالموضوع إلى زمان لا يمكنه التدارك قبل الوقوف بعرفات بطل حجّه ولزمته الإعادة من قابل ، والأظهر أنه يبطل إحرامه أيضاً ، وإن كان الأحوط الأولى العدول إلى الافراد وإتمامه بقصد الأعم منه ومن العمرة المفردة (١).

______________________________________________________

على أنه لو كان الصعود على الصفا واجباً من باب المقدّمة العلمية لوجب في المروة كذلك ، ولم يقل به أحد حتى الشهيد.

وما ورد في صحيح معاوية بن عمار «فاصعد على الصفا حتى تنظر إلى البيت» (١) محمول على الاستحباب للنظر إلى البيت.

وأمّا إلصاق عقبيه بالصفا ورؤوس الأصابع بالمروة من هذا الشوط فلم يعرف له وجه أيضاً ، لأن الواجب هو البدأة من الصفا والختم بالمروة ، وذلك لا يتوقف على إلصاق عقبيه أو أصابعه بهما ، بل لو ألصق ظهره بالصفا وبطنه بالمروة يصدق عليه البدأة من الصفا والختم بالمروة ، ولو كان إلصاق العقب واجباً لظهر وشاع ، بل لا يجب حتى إلصاق الظهر والبطن ، بل العبرة بالصدق العرفي في البدأة والاختتام ، ولا يلزم التدقيق والتحقيق ، ويدلنا على ذلك بوضوح جواز السعي راكباً وعلى المحمل (٢).

(١) لو ترك السعي عالماً عامداً أو جاهلاً أو ناسياً فمقتضى الأصل بطلان الحج وفساده ، لفقدان المركب بانتفاء جزئه ، فالحكم بالصحة حينئذ يحتاج إلى دليل خاص ، وقد ذكرنا (٣) أن حديث الرفع لا يتكفل الحكم بالصحة ، لأنّ حديث الرفع شأنه رفع الأحكام ولا نظر له إلى إثبات الحكم. فالاكتفاء بالناقص يحتاج إلى الدليل.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٧٦ / أبواب السعي ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٩٦ / أبواب السعي ب ١٦.

(٣) في مصباح الأُصول ٢ : ٢٦٧ ذيل الأمر الثالث.

١٣٢

مسألة ٣٤١ : لو ترك السعي نسياناً أتى به حيث ما ذكره ، وإن كان تذكّره بعد فراغه من أعمال الحج ، فان لم يتمكن منه مباشرة أو كان فيه حرج ومشقّة لزمته الاستنابة ويصحّ حجّه في كلتا الصورتين (١).

______________________________________________________

نعم ، في خصوص الناسي نلتزم بالصحة كما في نسيان الطّواف ، لأدلّة خاصة سنذكرها إن شاء الله تعالى.

وأمّا الترك عن جهل فيدخل في الترك العمدي حتى إذا كان عن قصور فضلاً عن تقصير فإنه ملحق بالعامد ، ومع قطع النظر عما تقتضيه القاعدة فالنصوص دلت على بطلان الحج بترك السعي عمداً ، ويصدق ذلك على الترك عن جهل فإنه أيضاً من الترك العمدي ، لأن العمد هو القصد إلى شي‌ء وذلك يصدر من العالم والجاهل ، فان الجاهل الملتفت قد يترك الشي‌ء أو يفعل شيئاً عن قصد وإرادة ، فالجاهل مقابله العالم لا العامد ، مثلاً الجاهل بوجوب القراءة في الصلاة يترك القراءة عن قصد وعمد ، لكن تركه مستند إلى جهله لا إلى عصيانه ، والعامد يقابله غير الملتفت كالناسي.

وبالجملة : لو ترك السعي عمداً ولو جاهلاً ، فان لم يمكن تداركه بطل حجّه أو عمرته المتمتع بها أو المفردة ، وبطل إحرامه أيضاً كما تقدم في المباحث السابقة (١) لأن الإحرام إنما يجب وينعقد للأعمال والمناسك اللّاحقة ، فإذا لم يأت بالأعمال ينحل إحرامه وينكشف بطلان إحرامه من الأوّل ، وإن كان الأحوط الأولى العدول إلى الإفراد وإتمامه بقصد الأعم منه ومن العمرة المفردة ، هذا كله في التارك الملتفت علماً أو جهلاً.

(١) إذا ترك السعي من غير التفات ، كما إذا ترك السعي نسياناً صح حجّه ويجب عليه أن يعيد السعي كما في صحيح معاوية بن عمار (٢) ، وفي صحيح ابن مسلم «ويطاف عنه» (٣) فهل يجمع بينهما بالتخيير ، أو يحمل صحيح معاوية على عدم المشقة وعدم الحرج وصحيح ابن مسلم على الحرج والمشقة في السعي بنفسه؟

__________________

(١) في الصفحة ١٢١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٨٦ / أبواب السعي ب ٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٨٥ / أبواب السعي ب ٨ ح ١.

١٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكر بعضهم بأنه لا موجب للتقييد بل يجمع بينهما بالتخيير (١).

ولكن الصحيح ما ذهب إليه المشهور من لزوم السعي عليه بنفسه مباشرة إن لم يكن فيه حرج ومشقة ، وإلّا لزمته الاستنابة ، فإنهم وإن لم يتعرّضوا لوجه التقييد ولكن الوجه فيه : أن الوجوب في المقام وجوب نفسي لا شرطي ، فإن الوجوب قد يكون وجوباً شرطياً أو شطرياً كالاستقبال والتشهد بالنسبة إلى الصلاة ، والأمر به يكون إرشاداً إلى الشرطية أو الجزئية ، وكذلك النهي عن إتيان شي‌ء في الصلاة يكون إرشاداً إلى المانعية.

ومقتضى هذه الأوامر شرطية الاستقبال أو جزئية التشهد للصلاة مطلقاً ، سواء كان المكلف ملتفتاً أم لا ، فإن الشرطية أو الجزئية ثابتة في جميع الأحوال ولا تختص بحال دون حال ، وكذلك المانعية ، فمقتضى ذلك أنه لو ترك جزءاً أو شرطاً بطلت صلاته سواء كان عالماً أم لا ، فان الاجتزاء بالناقص يحتاج إلى الدليل ، فلا يمكن الحكم بالصحة بمجرد الجهل بالجزئية أو الشرطية إلّا بحديث لا تعاد (٢) ولو لم يكن هذا الحديث الشريف لحكمنا بالفساد.

وأمّا إذا كان الأمر مولوياً وجوبياً كما في المقام ، فإن الأمر بالطواف والسعي والقضاء أمر مولوي وكذلك الأمر بالاستنابة ، وليس الأمر في المقام إرشادياً ، فيدور الأمر بين وجوب السعي بنفسه مباشرة وبين وجوب الاستنابة ، ولا ريب أن كل تكليف مشروط بالقدرة وعدم الحرج ، فلو فرض أن السعي مباشرة غير مقدور له أو لا يتمكن من التدارك بنفسه للعسر والحرج يرتفع الوجوب بدليل نفي الحرج فالوجوب النفسي المباشري المستفاد من صحيح معاوية بن عمار يتقيد بنفسه بالقدرة وعدم الحرج ، فاذا كان صحيح معاوية بن عمار مقيداً بذلك فنسبته إلى صحيح ابن مسلم نسبة الخاص إلى العام ، لأن صحيح ابن مسلم مطلق من حيث القدرة وعدمها فالنتيجة مع المشهور.

__________________

(١) المستند ١٢ : ١٧٦.

(٢) الوسائل ١ : ٣٧٢ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

١٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومع قطع النظر عما ذكرنا من الوجه ، لا موجب لحمل صحيح معاوية بن عمار على خصوص القادر ، بل ما ذكره النراقي (عليه الرحمة) من الحمل على التخيير هو الصحيح.

ولكن قد عرفت الوجه لما ذهب إليه المشهور فالحق معهم.

ولزيادة التوضيح نقول : إن من ترك السعي نسياناً ولا يتمكن من القضاء والتدارك بنفسه لحرج ومشقة أو خرج شهر ذي الحجة فحجه صحيح بلا إشكال ، ويجب عليه القضاء والتدارك إن كان متمكناً من ذلك ، وإلّا فيطاف عنه ، هذا ما ذكره المشهور.

وأمّا النصوص الواردة في المقام فثلاثة :

منها : صحيح معاوية بن عمار الآمرة بالإعادة بنفسه مباشرة (١) والمراد بالإعادة الإتيان به لا الإعادة بالمعنى المصطلح.

ومنها : صحيح ابن مسلم الآمر بالاستنابة والطّواف عنه (٢).

ومنها : خبر زيد الشحام الدال على الطّواف عنه والاستنابة (٣).

والمشهور جمعوا بينها بالتمكن وعدمه ، بمعنى أنه يجب عليه السعي بنفسه مباشرة في صورة التمكن وعدم الحرج وإلّا فيطاف عنه.

وأُشكل عليهم بأنه لا وجه له ، بل مقتضى القاعدة والجمع بين الأخبار هو التخيير.

ولكن الصحيح ما ذهب إليه المشهور ، لأن صحيح معاوية بن عمار مقيد بالقدرة وعدم الحرج كما هو شأن جميع التكاليف الإلهية ، وصحيح ابن مسلم الدال على الاستنابة مطلق من هذه الجهة ، أي من جهة أن يطوف المكلف بنفسه أم لا ، فيرفع اليد عن إطلاقه بالتقييد بصحيح معاوية بن عمار ، والنتيجة وجوب السعي والطّواف بنفسه مباشرة إذا كان متمكناً وإلّا فالاستنابة ، فوجوب الاستنابة في فرض عدم التمكّن من السعي مباشرة.

وربما يتخيل العكس بأن صحيح معاوية بن عمار مطلق من حيث وجوب

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٨٥ / أبواب السعي ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٨٦ / أبواب السعي ب ٨ ح ٣.

(٣) نفس المصدر ح ٢.

١٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستنابة وعدمه ، ويقيد بوجوب الاستنابة المستفاد من صحيح ابن مسلم ، فالنتيجة : أن السعي مباشرة في طول الاستنابة ، يعني إذا لم يتمكن من الاستنابة فيطوف بنفسه.

وهذا توهّم فاسد جدّاً ، إذ لا نحتمل أن يكون السعي بنفسه في طول الاستنابة ، بل إما في عرضها أو مقدّم عليها ، وأمّا احتمال أن الواجب الأوّل هو الاستنابة ثم السعي بنفسه ففاسد غايته.

وقد يقرّب ما ذكرنا بتقريب أوضح ، وحاصله : أن كل أمر نفسي مولوي ظاهر في الوجوب التعييني فيما لم تكن قرينة متصلة أو منفصلة على خلافه ، فالوجوب التعييني ما يقتضيه إطلاق الدليل ، فاذا ورد أمران في موضوع واحد ولا قرينة على أن الواجب شي‌ء واحد بل يحتمل أنه واجبان ، فيثبت أن كل واحد واجب تعييني ولا موجب ، ولا وجه لرفع اليد عن ذلك ، بل نلتزم بالوجوبين معاً ، كما ورد الأمر في مورد القتل الخطأي بالدية والكفارة ، فإنه نلتزم بوجوبهما معاً ويؤخذ بإطلاق كل من الدليلين وهذا ممّا لا إشكال فيه. وكذلك ورد في بعض الأجزاء المنسية في الصلاة الأمر بالقضاء وسجدتي السهو فإنه نلتزم بوجوبهما معاً.

وأمّا إذا كان التكليف واحداً ولم نحتمل تعدد الواجب فلا نحتمل الوجوب التعييني لهما معاً ، كما في مورد الأمر بصلاة الظهر والجمعة أو بالقصر والتمام في موارد التخيير فحينئذ يقع التعارض بين الدليلين ، ولكن التعارض ليس بين أصل الوجوبين لعدم المنافاة بين ثبوت أصل الوجوب لهما معاً ، وإنما المنافاة بين الوجوبين التعيينيين فكل من الدليلين ينفي الوجوب التعييني للآخر ، فالنتيجة سقوط الإطلاقين وثبوت الوجوبين التخييريين.

وأمّا مقامنا فقد ورد الأمر بالسعي بنفسه في صحيح معاوية بن عمار وورد الأمر بالاستنابة في صحيح ابن مسلم ونعلم بعدم وجوبهما معاً ، ولكن سقوط الإطلاقين في المقام لا موجب له ، وذلك لأن سقوط الإطلاق من صحيح ابن مسلم لا بدّ منه للعلم بأن الاستنابة إمّا واجب تخييري أو طولي ، إذ لا نحتمل أن الاستنابة واجب تعييني فإنها إمّا تخييري أو في مرتبة متأخرة عن السعي بنفسه فلا إطلاق لصحيح ابن مسلم وهذا بخلاف صحيح معاوية بن عمار فإنه لا مانع من إطلاقه فيؤخذ به وبطبيعة الحال

١٣٦

مسألة ٣٤٢ : من لم يتمكن من السعي بنفسه ولو بحمله على متن إنسان أو حيوان ونحو ذلك استناب غيره فيسعى عنه ويصح حجّه (١).

______________________________________________________

يقيد بالتمكن لأدلّة نفي الحرج.

فالوجوب التعييني للاستنابة ساقط ولكن الوجوب المباشري المستفاد من صحيح معاوية بن عمار نحتمل تعيينه فيؤخذ بإطلاقه.

فالنتيجة : أنه مع التمكن على السعي بنفسه لا تجزئ الاستنابة ، فإن إطلاق صحيح معاوية بن عمار مقيد بالقدرة وعدم الحرج فلا ينتقل الفرض إلى الاستنابة إلّا بعد العجز عن السعي بنفسه.

(١) مراتب السعي ثلاث :

الاولى : أن يسعى بنفسه.

الثانية : أن يُسعى به ، بأن يحمله إنسان فيسعى به.

الثالثة : الاستنابة ، فإن السعي فريضة كما صرح بذلك في الروايات (١) في مقابل الرمي الذي هو سنة ، فلا يسقط السعي بوجه وحاله حال الطّواف ، فإن الفريضة لا تسقط بحال ، فالواجب أن يأتي بنفسه أو بالاطافة به أو عنه ، هذا ما تقتضيه القاعدة.

على أن إطلاق الروايات يقتضي ذلك ، فان الطّواف المطلق الوارد في الروايات يصدق على السعي ، وقد أُطلق الطّواف في الآية والروايات على السعي ، فالروايات المتقدّمة (٢) الدالّة على الطّواف بنفسه وبه وعنه تشمل السعي أيضاً ، خصوصاً الروايات الدالّة على أنه يطاف عنه ويصلي ويرمي ، وهذا شاهد على إرادة السعي من الطّواف أيضاً ، وإلّا فلا معنى لترك السعي مع أنه فريضة ، فالمراتب الثلاثة المذكورة في الطّواف تجري في السعي أيضاً.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٨٥ / أبواب السعي ب ١ ح ١ ، ٦ ، ٧.

(٢) في الصفحة ١٣٥.

١٣٧

مسألة ٣٤٣ : الأحوط أن لا يؤخِّر السعي عن الطّواف وصلاته بمقدار يعتد به من غير ضرورة كشدة الحر أو التعب ، وإن كان الأقوى جواز تأخيره إلى اللّيل نعم ، لا يجوز تأخيره إلى الغد في حال الاختيار (١).

______________________________________________________

(١) بعد ما عرفت من تأخير السعي عن الطّواف وصلاته فالمشهور بينهم جواز تأخيره إلى الليل وعدم تأخيره إلى الغد. وعن ظاهر المحقق في الشرائع جواز تأخيره إلى الغد (١) كما فهمه غير واحد من عبارته ولم يعلم مستنده.

ونقل الحدائق عن الشهيد أنه قال بعد نقل ذلك عن المحقق : وهو مروي ، ولكن الرواية لم تصل إلينا (٢).

ومن المحتمل أن الشهيد أراد من الرواية صحيحة ابن مسلم الدالة على التأخير المطلق (٣).

وأمّا جواز التأخير إلى الغد بخصوصه فلا رواية فيه.

وكيف كان ، فلا ريب أن الصحيح ما ذكره المشهور ، وأمّا النصوص الواردة في المقام :

فمنها : صحيح ابن سنان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن الرجل يقدم مكة وقد اشتدّ عليه الحر فيطوف بالكعبة ، ويؤخّر السعي إلى أن يبرد ، فقال : لا بأس به ، وربما فعلته ، وقال : وربما رأيته يؤخر السعي إلى الليل» (٤) فان المستفاد منه جواز التأخير إلى الإبراد اختياراً أو إلى الليل ، ولا يختص الجواز بصورة شدة الحر والحرج ، فإن شدة الحر مورد السؤال ومن دواعي التأخير ، إذ الحاج لا داعي له للتأخير بحسب الطبع وإنما يؤخره لداع من الدواعي كشدة الحر ونحوها ، ولذا كان

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣١٠.

(٢) الحدائق ١٦ : ٢٩٥.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤١١ / أبواب الطّواف ب ٦٠ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤١٠ / أبواب الطّواف ب ٦٠ ح ١.

١٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الراوي شاكاً في الحكم بجواز التأخير اختياراً ولم يكن عالماً بالحكم فسأل ، ولم يكن يعتقد عدم الجواز ولذلك سأل ، فالحكم بالجواز لا يقتصر بصورة الحرج بل يجوز التأخير إلى الليل اختياراً.

وممّا يؤكد ما ذكرنا أي جواز الفصل إلى الليل مطلقاً وإن لم يكن حرج أنه لو كان الحكم مقتصراً على الحرج لكان على الإمام (عليه السلام) التقييد إلى أول زمان الإبراد ولم يقيد بذلك ، ومقتضى الإطلاق جواز التأخير إلى أول زمان الإبراد وأوسطه وآخره. وبالجملة : المستفاد من الصحيحة عدم لزوم التعجيل.

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم ، قال : «سألت أحدهما (عليهما السلام) عن طاف بالبيت فأعيى أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة؟ قال : نعم» رجل (١).

ومن عدم تعيينه زمان التأخير يستفاد جواز التأخير إلى أيّ وقت شاء ، والتعب من دواعي التأخير فلم يكن الجواز مقيداً إلى زمان زوال التعب.

ويكفينا الأصل في عدم اعتبار اتصال السعي بالطواف.

وأمّا التأخير إلى الغد فقد ورد النهي عنه في صحيحة العلاء ، قال : «سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيى أيؤخر الطّواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا» (٢) والرواية صريحة في المنع عن التأخير إلى الغد ، وعليه لم يعلم مستند المحقق في حكمه بالجواز إلى الغد.

ومن المحتمل أن الغاية في كلامه أي الغد خارجة عن المغيى لا داخلة فيه ، فيكون الغد مما ينتهي إليه الحكم بالجواز ، وهذا الاحتمال قريب وشائع في الاستعمالات أيضاً ، كقوله تعالى (أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) الآية (٣) وقوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (٤) فان الليل وكذا غسق الليل غير داخل في المغيى قطعاً ، فاذن يرتفع الخلاف ولا يكون المحقق مخالفاً في المسألة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤١١ / أبواب الطّواف ب ٦٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤١١ / أبواب الطواف ب ٦٠ ح ٣.

(٣) البقرة ٢ : ١٨٧.

(٤) الإسراء ١٧ : ٧٨.

١٣٩

مسألة ٣٤٤ : حكم الزيادة في السعي حكم الزيادة في الطّواف ، فيبطل السعي إذا كانت الزيادة عن علم وعمد على ما تقدم في الطّواف ، نعم إذا كان جاهلاً بالحكم فالأظهر عدم بطلان السعي بالزيادة وإن كانت الإعادة أحوط (١).

______________________________________________________

(١) حال السعي حال الطّواف في البطلان بالزيادة بالمعنى المفسّر المتقدم (١) للزيادة في الطّواف.

ويدلُّ على ذلك صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إن طاف الرجل بين الصفا والمروة تسعة أشواط فليسع على واحد وليطرح ثمانية ، وإن طاف بين الصفا والمروة ثمانية أشواط فليطرحها وليستأنف السعي» (٢) فإنه صريح في أنه إذا طاف ثمانية يلغي الجميع وإذا طاف تسعة تلغى الثمانية ويحسب التاسع أول الأشواط.

ويدلُّ عليه أيضاً صحيحة أُخرى عن معاوية بن عمار «من طاف بين الصفا والمروة خمسة عشر شوطاً طرح ثمانية واعتد بسبعة» (٣) فان طرح الثمانية السابقة يدل على بطلان السعي بالزيادة.

وفي صحيح عبد الله بن محمد عن أبي الحسن (عليه السلام) «قال : الطّواف المفروض إذا زدت عليه مثل الصلاة ، فإذا زدت عليها فعليك الإعادة وكذا السعي» (٤).

وقد تقدّم الكلام في عبد الله بن محمّد ، وأن صاحب المدارك أشكل في السند ، لاشتراك عبد الله بن محمد بين الثقة وغيره ، ووافقه الحدائق في أصل الإشكال ، ولكن أجاب بجبر الرواية بعمل الأصحاب ، مضافاً إلى أنه يرى صحة جميع الروايات المذكورة في الكتب الأربعة (٥). ولكن قد عرفت أن المراد بعبد الله بن محمد بحسب المرتبة والطبقة

__________________

(١) في ص ٦٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٨٩ / أبواب السعي ب ١٢ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٩١ / أبواب السعي ب ١٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٩٠ / أبواب السعي ب ١٢ ح ٢.

(٥) تقدّم كل ذلك في ص ٦٤.

١٤٠