موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا مكانها ، فيجب أن يكون عند مقام إبراهيم (عليه السلام) لقوله تعالى (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (١) وللأخبار (٢).

ثم إن الظاهر من صحيح معاوية بن عمار (٣) أن تكون الصلاة خلف المقام لقوله (عليه السلام) : «تجعله اماماً» سواء قرئ بالفتح أو بالكسر ، فلا بد أن يكون المقام قدّامه ، وعليه فلا تجوز الصلاة عن يمينه أو يساره ، وإن ذهب بعضهم إلى جواز ذلك بدعوى أن المراد بالآية قرب المقام وهو صادق على جميع الأطراف ، ولكن يردّه صحيح معاوية الآمر بجعله قدامه.

فالمتحصل : أنه لا ريب في وجوب إتيان الصلاة خلف المقام ، بأن يجعله قدّامه حسب الروايات.

وأمّا الآية الكريمة (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) ففيها احتمالان :

أحدهما : أن يراد من المقام نفس الحجر الذي قام عليه إبراهيم (عليه السلام) وبنى الكعبة المقدّسة كما يظهر من بعض الأخبار ، وهذا الاحتمال بعيد ، إذ من الواضح أن اتخاذ الحجر مقاماً ومصلى ومكاناً للصلاة أمر متعذر لصغر الحجر وعدم إمكانه مكاناً للصلاة (٤) فلا بدّ من الالتزام بشي‌ء من العناية ، بأن يدعى أن المراد من اتخاذه مصلّى اتخاذ جوانبه وأطرافه وما يقرب منه مصلى ، سواء كان خلفه أو أحد جانبيه.

ثانيهما : أن يراد من المصلى جعل المقام والحجر قدامه وأمامه ، بأن يصلي إليه ويستقبله ، وعلى كلا المعنيين إنما تجب الصلاة قريبة من المقام سواء كانت خلفه أو إلى أحد جانبيه فلا يجوز الابتعاد عنه ، وهذا الاحتمال هو المتعين استناداً إلى روايتين معتبرتين دلّتنا على إيقاع الصلاة خلف المقام وجعله إماماً ، مضافاً إلى دلالتهما على الصلاة قرب المقام :

الاولى : معتبرة إبراهيم بن أبي محمود ، قال : «قلت للرضا (عليه السلام) : أُصلي

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٢٥.

(٢) الآتية قريباً.

(٣) المتقدِّمة في الصفحة السابقة.

(٤) العبارة لا تخلو من ركاكة.

١٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة ، أو حيث كان على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ قال : حيث هو الساعة» (١).

الثانية : صحيحة معاوية بن عمار «إذا فرغت من طوافك فائِت مقام إبراهيم (عليه السلام) فصلّ ركعتين واجعله إماماً» الحديث (٢) وفي هاتين الروايتين المعتبرتين غنى وكفاية على لزوم إيقاع الصلاة خلف المقام حال الاختيار ، ولذا ذكرنا في المناسك والأحوط بل الأظهر لزوم الإتيان بها خلف المقام ، فالقول بجوازه في غير خلف المقام ممّا لا وجه له.

هذا فيما إذا تمكن من ذلك ، وأمّا إذا لم يتمكّن من الصلاة خلف المقام ، كما إذا منعه الزحام من الصلاة خلف المقام ، ففي هذه الحالة لا ريب في عدم سقوط الصلاة عنه لاحتمال انتفاء المشروط بانتفاء شرطه ، بل يجب الإتيان بها في أيّ جانب من جوانب المسجد.

أمّا عدم سقوط الصلاة بمجرّد عدم إمكان إتيانها خلف المقام فمما لا إشكال فيه بين الفريقين ومتسالم عليه عند الأصحاب ، فإنه في حال العجز وعدم التمكّن من إتيان الصلاة خلف المقام يسقط القيد المذكور لا أصل الصلاة ، فله أن يصلي في أيّ مكان شاء من المسجد.

ويدلّ على عدم السقوط أيضاً : ما دلّ من الأخبار على أن من نسي صلاة الطّواف أو تركها جهلاً بوجوبها حتى انتهى من الأعمال ، أنه إذا تمكّن من الرجوع والصلاة خلف المقام رجع وصلّى وسقط الترتيب في هذه الحالة ، وإذا تعذّر عليه العود صلاها في مكانه (٣) فاذا كانت الصلاة لا تسقط حتى مع النسيان والجهل فكيف تسقط في حال العلم والاختيار لمجرد الزحام.

ويدلّنا أيضاً على عدم السقوط في الجملة ، معتبرة الحسين بن عثمان (٤) وهذه الرواية

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٢٢ / أبواب الطّواف ب ٧١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٢٢ / أبواب الطّواف ب ٧١ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٢٧ / أبواب الطّواف ب ٧٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٣٣ / أبواب الطّواف ب ٧٥ ح ١ ، ٢.

١٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

رويت بطريقتين :

إحداهما : ما رواه الشيخ بسند فيه أحمد بن هلال (١) وقد ضعّفه جماعة ، ولكن ذكرنا أن الأظهر أنه ثقة وإن كان فاسد العقيدة بل كان خبيثاً (٢) وفي السند أُمية بن علي وهو وإن كان من رجال كامل الزيارات إلّا أن الأصحاب ضعّفوه ، فالرواية ضعيفة بامية بن علي.

ثانيتهما : طريق الكليني وهو صحيح عن الحسين بن عثمان قال «رأيت أبا الحسن موسى (عليه السلام) يصلي ركعتي طواف الفريضة بحيال المقام قريباً من ظلال المسجد» (٣) إلّا أن ذلك حكاية فعل لا دلالة له على الجواز مطلقاً ، فيحمل على صورة عدم التمكّن كما صرّح بذلك في الطريق الآخر «لكثرة الناس» ولكن تدل على الجواز في الجملة.

فيظهر من مجموع الروايات أن الصلاة لا تسقط بتعذّر إتيانها خلف المقام ، بل يؤتى بها في المسجد.

وأمّا مراعاة الأقرب فالأقرب فلا دليل عليها بعد تعذّر إتيانها خلف المقام ، وإن كان أحوط. وأصالة البراءة تنفي الخصوصية والتقييد بالأقرب فالأقرب.

وقد احتمل بعضهم وجوب مراعاة الأقرب فالأقرب لقاعدة الميسور ، وقد ذكرنا غير مرّة أن القاعدة مخدوشة كبرى وصغرى ، فإن القاعدة على فرض تسليمها تجري في الشي‌ء المركب من أجزاء وشرائط وقد تعذر بعض أجزائه أو شرائطه فحينئذ يقال : إن الفاقد لجزء أو شرط يصدق عليه أنه ميسور لذلك المركّب الواجد ، وهذا المعنى لا ينطبق على المقام ، لأن الصلاة القريبة إلى المقام ليست ميسورة بالإضافة إلى الصلاة خلف المقام ، بل هما متباينان ، هذا كله في الطّواف الواجب.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ١٤٠ / ٤٦٤.

(٢) راجع معجم رجال الحديث ٣ : ١٥٢.

(٣) الكافي ٤ : ٤٢٣ / ٢.

١٠٣

مسألة ٣٢٧ : من ترك صلاة الطّواف عالماً عامداً بطل حجّه ، لاستلزامه فساد السعي المترتب عليه (١).

______________________________________________________

وأمّا الطّواف المستحب فيصح إيقاع صلاته في أيّ موضع من المسجد اختياراً استناداً للأخبار المصرّحة بذلك (١).

بل صحيح علي بن جعفر (٢) صرّح بجواز إيقاعها خارج المسجد. وصاحب الجواهر ناقش ذلك بأنه لم ير من أفتى بمضمونه (٣).

ويرد عليه بأن باب المستحبات واسع ، والأصحاب لم يتعرّضوا لكثير من المستحبات وخصوصياتها ، والرواية صحيحة والدلالة واضحة فلا موجب لرفع اليد عنها.

(١) اختلف الأصحاب في هذه المسألة ، فقد ذكر صاحب المسالك (قدس سره) أنهم لم يتعرّضوا لحكم هذه المسألة ولم ترد أيّ رواية تدل على الحكم ، فالأصل يقتضي بقاء الصلاة في ذمة التارك فيجب عليه العود إلى المسجد للصلاة عند المقام ومع التعذّر يصلي في أيّ مكان شاء فهو كالناسي والجاهل (٤).

واستشكل صاحب المدارك في ذلك وأفاد بأنه لا ريب أن مقتضى الأصل وجوب العود مع الإمكان ، إنما الكلام في صحة إتيان الصلاة في أيّ مكان شاء عند التعذر ، لأن الدليل إنما دل على الصحة في فرض النسيان والجهل ، وقد استشكل أيضاً في صحة الأفعال المتأخرة عن الصلاة من السعي والتقصير في الحج والعمرة المفردة لعدم وقوعهما على الوجه المأمور به (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٢٦ / أبواب الطّواف ب ٧٣ ح ١ ، ٢ ، ٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٢٧ / أبواب الطّواف ب ٧٣ ح ٤.

(٣) الجواهر ١٩ : ٣٢٠.

(٤) المسالك ٢ : ٣٤٩.

(٥) المدارك ٨ : ١٣٦.

١٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الحدائق استحسن ما في المسالك (١) كما أن صاحب الجواهر (٢) أُيّد ما في المسالك في الحكم بالصحة وألحق العامد في ترك صلاة الطّواف بالجاهل والناسي وذكر أن حجّه صحيح وإنما يجب عليه العود إلى المسجد لأداء الصلاة مع الإمكان ومع التعذر يصليها في أيّ مكان شاء ، وأفاد في وجه ذلك : أن صلاة الطّواف ليست متممة للطواف وليست من شرائطه بحيث لو لم يأت بها بطل الطّواف لعدم الدليل على ذلك ، بل الطّواف الذي أتى به محكوم بالصحة سواء صلى أم لم يصل ، فوجودها وعدمها سيّان من هذه الجهة.

وأمّا الأعمال المتأخرة من السعي والتقصير فلم يعلم ترتبها على الصلاة بحيث لو لم يصلّ تبطل تلك الأعمال ، لأن الجاهل إذا ترك صلاة الطّواف حكم بصحة حجّه ، ومقتضى الإطلاق والفتاوى عدم الفرق بين الجاهل القاصر والمقصّر ، مع أن الجاهل المقصّر في حكم العامد ، فاذا كان الجاهل المقصّر قد ترك صلاة الطّواف يحكم بصحة سعيه ، لأن السعي غير مترتب على الصلاة ، فالعامد لمّا كان بحكم الجاهل المقصّر كان لازمه إذا ترك صلاة طوافه حكم بصحة سعيه أيضاً.

والمحقق النائيني قوّى إلحاق العامد بالناسي في الحكم ، وأن الترك العمدي لا يضر بالصحة ، فيأتي بالسعي والتقصير وتبقى ذمته مشغولة بالصلاة يأتي بها في المسجد إن أمكن وإلّا ففي أيّ مكان شاء (٣).

واستدل بعضهم على صحة السعي عند ترك صلاة الطّواف عمداً برواية سعيد الأعرج (٤) المتقدمة ، بدعوى أن الرواية تضمنت أن المرأة إذا حاضت بعد تجاوز النصف تمت عمرتها وتأتي ببقية المناسك ، فان المستفاد من ذلك ترتب السعي على الطّواف بنفسه لا على صلاته.

__________________

(١) الحدائق ١٦ : ١٤٧.

(٢) الجواهر ١٩ : ٣٠٧.

(٣) دليل الناسك (المتن) : ٢٧٨.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٥٦ / أبواب الطّواف ب ٨٦ ح ١.

١٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الصحيح ما ذكره صاحب المدارك من الإشكال في صحة الأعمال الآتية بعد السعي والتقصير فيما لو ترك الصلاة عمداً ، بل لا بدّ من الجزم بالبطلان.

أمّا الاستدلال برواية سعيد الأعرج على صحة السعي والتقصير ، ففيه :

أوّلاً : أن الرواية ضعيفة السند.

وثانياً : أن الرواية خاصة بالحائض ولها أحكام مخصوصة مذكورة في الروايات والمستفاد من بعضها عدم لزوم الترتيب بين الطّواف وبقيّة المناسك فضلاً عن صلاة الطّواف ، ولكن لا يجوز لنا التعدِّي عن موردها إلى المقام.

وأمّا ما ذكره صاحب الجواهر واختاره الشيخ النائيني فلا يمكن المساعدة عليه ، بل لا بدّ من الحكم ببطلان الحج إذا ترك صلاة الطّواف عمداً ، ويدلُّ على البطلان أُمور :

الأوّل : أن المستفاد من جملة من الروايات أن السعي مترتب على صلاة الطّواف كما هو مترتب على نفس الطّواف :

منها : الأخبار البيانية الواردة في بيان كيفية الحج وأن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) أحرم ثم طاف وصلّى وسعى أو ثم سعى (١) فان التعبير بكلمة «ثم» تدل على التأخير والترتيب ، فيعلم من ذلك أن السعي بعد الصلاة.

نعم ، في صورة الجهل أو النسيان نقول بالصحة بدليل آخر ، وأمّا المتعمّد فليس له ذلك ، ولا دليل على صحة سعيه في مورد التعمد.

ومن جملة الروايات الدالّة على الترتيب : ما ورد في من نسي صلاة الطّواف وشرع في السعي ، قال (عليه السلام) يعلم مكانه ويرجع فيصلي ثم يعود ويتم سعيه (٢) فلو كان الترتيب غير لازم وكان ترك الصلاة عمداً غير موجب لبطلان السعي ، لم يكن وجه لرفع اليد عن سعيه والمبادرة إلى الصلاة ، فيعلم من ذلك أن الأشواط السابقة إنما حكم بصحتها لأجل نسيان الصلاة وأمّا الأشواط اللّاحقة حيث تذكّر ترك الصلاة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤ وغيره.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٣٨ / أبواب الطّواف ب ٧٧.

١٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أمر (عليه السلام) بترك السعي وإتيان بقية الأشواط بعد الصلاة.

وما ذكره صاحب الجواهر من أن الجاهل المقصّر كالعامد فهو صحيح فيما إذا لم يكن دليل على الخلاف وإلّا فلا يلحق بالعامد ، كما ورد في إتمام الصلاة في موارد القصر (١) فان الجاهل بالقصر إذا أتمّ صلاته حتى إذا كان مقصّراً صحت صلاته ، وهذا لا يستلزم أنه لو كان عالماً بالقصر فأتم حكم بصحة صلاته ، مع أن الجاهل المقصّر كالعامد.

وبالجملة : فمقتضى أدلة الترتيب وأن السعي مرتب على صلاة الطّواف ، أنه لو ترك الصلاة عمداً فسد سعيه.

الأمر الثاني : أن صلاة الطّواف مشروطة بوقوعها بعد الطّواف على أن لا يفصل بينهما فصل طويل ، بل في بعض الأخبار «لا تؤخّرها ساعة ، إذا طفت فصلّ» (٢) فلو فصل بينهما بيوم أو يومين فسدت الصلاة ، وفي هذه الحالة تجب عليه إعادة الطّواف فإنه يفسد للفصل بينهما ، فتكون صحة الطّواف مشروطة بتعقب الصلاة ، فإذا لم تتعقبه الصلاة فسد الطّواف ومعه يفسد الحج.

وبتعبير آخر : المركّبات الاعتبارية المؤلّفة من أجزاء وشرائط كالصلاة والحج كما أن المتأخر منها مشروط بتأخره عن الجزء السابق كذلك الجزء السابق مشروط بلحوقه بالجزء اللّاحق ، مثلاً الركوع ليس مأموراً به على الإطلاق في الصلاة ، بل مشروط بوقوعه بعد القراءة والقيام ، كما أن القراءة والقيام مشروطان بلحوق الركوع بهما ، فالجزء السابق مشروط بلحوق الجزء الآتي وبالعكس.

وبما أن الحج عمل واحد مركب من أجزاء فكما أن صلاة الطّواف مشروطة بتأخّرها عن الطّواف كذلك الطّواف مشروط بلحوق الصلاة به ، ولذا عبّر المحقق أن الصلاة من لوازم الطّواف (٣) يعني يعتبر في الطّواف أن تكون معه صلاة ، فهي من

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٥٠٥ / أبواب صلاة المسافر ب ١٧.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٣٥ / أبواب الطّواف ب ٧٦ ح ٦.

(٣) الشرائع ١ : ٣٠٦.

١٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لوازم الطّواف ، فاذا فرضنا أنه لم يصلّ وجب عليه إعادة الطّواف وإلّا يحكم ببطلان طوافه ، وإذا بطل طوافه بطل حجه.

الأمر الثالث : لو أغمضنا النظر عن كلا الأمرين وفرضنا أن السعي غير مترتب على الصلاة ، وفرضنا أيضاً أن الطّواف ليس

بمشروط بلحوق الصلاة ، إلّا أن الصلاة الواجبة في الطّواف ليست واجباً مستقلا بل هي جزء منه.

لا يقال : إن الصلاة واجب مستقل وأجنبي عن الحج نظير طواف النساء.

لأنّا نقول : إن الصلاة من أجزاء الحج على ما نطقت به الروايات البيانية (١) ، فيكفي في فساد الحج تركها عمداً إلى أن يخرج الوقت ، غاية الأمر أنه بناء على عدم الترتيب يمكن أن يؤخر الصلاة عن السعي أو التقصير ، ولكن تأخيرها عن طواف النساء لا يمكن ، لأن طواف النساء بعد الحج.

وبعبارة اخرى : إن لم يمكن الالتزام بأن صلاة الطّواف واجب مستقل في واجب وإنما هو جزء من الحج ، فكيف يمكن الالتزام بأن ترك الجزء عمداً غير موجب لبطلان الحج ، ولذا لا يبعد أن يكون الحكم بالصحة من صاحب الجواهر والشهيد من الغرائب. إذ لا فرق بين صلاة الطّواف وغيرها من أجزاء الحج ومن المعلوم أن المركّب ينتفي بانتفاء أجزائه ، إذن فيحكم بالبطلان مع الترك العمدي.

قد ذكرنا سابقاً (٢) أن الشهيد في المسالك ذكر أن الأصحاب لم يتعرضوا لحكم من ترك الصلاة عمداً ، فإن أراد أنهم لم يصرِّحوا بذلك في كلامهم فهو حق ، وإن أراد أنه لم يفهم حكمه من كلماتهم ففيه منع ، بل المستفاد من كلامهم أنهم متسالمون على الفساد لأنهم لو كانوا قائلين بالصحة في مورد الترك العمدي فلما ذا خصّوا الصحة بالناسي ثم ألحقوا الجاهل به على اختلاف في المقصّر كما جاء في صحيحة جميل «إن الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحج ب ٢ ح ٤ وغيره.

(٢) في ص ١٠٤.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٢٨ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ٣.

١٠٨

مسألة ٣٢٨ : تجب المبادرة إلى الصلاة بعد الطّواف بمعنى أن لا يفصل بين الطّواف والصلاة عرفاً (١).

______________________________________________________

وبالجملة : لو كان الترك العمدي لا يضرّ بالصحة فما معنى تقييدهم الصحة بالناسي بل كان اللّازم عليهم أن يطلقوا الحكم بالصحة ليشمل العامد والناسي وكان التقييد بالناسي لغواً.

(١) لجملة من الأخبار الآمرة بالصلاة بعد الطّواف والناهية عن التأخير عنه :

منها : صحيحة محمد بن مسلم «عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس ، قال : وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب» (١).

ومنها : صحيحة ميسر «صلّ ركعتي طواف الفريضة بعد الفجر كان أو بعد العصر» (٢) وفي صحيحة منصور «سألته عن ركعتي طواف الفريضة ، قال : لا تؤخرها ساعة ، إذا طفت فصل» (٣) وغير ذلك من الروايات.

ولا ريب في أن المستفاد منها عدم الفصل بينهما إلّا بالمقدار المتعارف ، وقد نسب القول بالاستحباب إلى بعضهم ، ولكنه ضعيف بظهور الأخبار في الوجوب ، وأن الصلاة متممة للطواف ، بل يراها المحقق من لوازم الطّواف (٤) بل القاعدة تقتضي ذلك لما ذكرنا غير مرّة أن الأوامر والنواهي في المركّبات إرشاد إلى الجزئية والشرطية والمانعية فاذا نهى المولى عن التكلّم في الصلاة يستفاد منه مانعية الكلام للصلاة ، وإذا أمر بالركوع أو التشهد لا يستفاد منه مجرد الحكم التكليفي ، بل يستفاد منه الجزئية وهكذا ، فكذلك ما نحن فيه فان الأمر بالصلاة بعد الطّواف متصلاً يدل على شرطية

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٣٤ / أبواب الطّواف ب ٧٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٣٥ / أبواب الطّواف ب ٧٦ ح ٦.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٣٥ / أبواب الطّواف ب ٧٦ ح ٥.

(٤) الشرائع ١ : ٣٠٦.

١٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الاتصال لصحة الصلاة ، والنهي عن تأخيرها يدل على مانعيته عن الصحة ، فليس الوجوب مجرّد حكم تكليفي ، ونظير ذلك السعي بالنسبة إلى الطّواف ، ولذا لا يجوز تأخيره إلى الغد.

نعم ، يظهر من صحيحة علي بن يقطين جواز تأخير الصلاة إلى ما بعد الغد ، قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الذي يطوف بعد الغداة وبعد العصر وهو في وقت الصلاة أيصلِّي ركعات الطّواف نافلة كانت أو فريضة؟ قال : لا» (١) فان المستفاد منه عدم لزوم المبادرة إلى صلاة الطّواف ولا يقدّمها على صلاة الغداة والعصر ، إلّا أن الصحيحة غير ناظرة إلى جواز التأخير وإنما هي ناظرة إلى عدم وقوع الصلاة في وقت الغداة والعصر ، وقد عرفت أن صحيحة منصور صريحة في النهي عن التأخير. على أنها معارضة بصحيحة ابن مسلم «عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس ، قال : وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب» (٢) فإنه على فرض المعارضة وعدم حمل صحيحة ابن يقطين على التقيّة لالتزام العامة بعدم الصلاة في هذه الأوقات بعد الغداة إلى أن تطلع الشمس وبعد العصر إلى ما بعد المغرب ، يتساقطان فيرجع إلى الصحاح الدالّة على جواز إيقاعها في أيّ وقت شاء.

وقد ورد عنهم (عليهم السلام) أن «خمس صلوات تصليهنّ على كل حال ، منها ركعتا الطّواف» (٣) ، فان هذه الصلاة غير مقيّدة بوقت خاص ويجوز الإتيان بها في أيّ وقت شاء.

ويمكن ولو بعيداً حمل خبر ابن يقطين على ما إذا تضيّق وقت الفريضة اليومية كما حمله الشيخ (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٣٧ / أبواب الطّواف ب ٧٦ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٣٤ / أبواب الطّواف ب ٧٦ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٣٧ / أبواب الطّواف ب ٧٦ ح ١٣.

(٤) الاستبصار ٢ : ٢٣٧ / ٨٢٦.

١١٠

مسألة ٣٢٩ : إذا نسي صلاة الطّواف وذكرها بعد السعي أتى بها ولا تجب إعادة السعي بعدها وإن كانت الإعادة أحوط ، وإذا ذكرها في أثناء السعي قطعه وأتى بالصلاة في المقام ثم رجع وأتم السعي حيثما قطع ، وإذا ذكرها بعد خروجه من مكة لزمه الرجوع والإتيان بها في محلها ، فان لم يتمكن من الرجوع أتى بها في أيّ موضع ذكرها فيه ، نعم إذا تمكّن من الرجوع إلى الحرم رجع إليه وأتى بالصلاة فيه على الأحوط الأُولى ، وحكم التارك لصلاة الطّواف جهلاً حكم الناسي ، ولا فرق في الجاهل بين القاصر والمقصِّر (١).

______________________________________________________

ثم إنّ هنا أخباراً دلت على عدم الإتيان بصلاة الطّواف عند غروب الشمس أو طلوعها (١) كما وردت في غير صلاة الطّواف من بقية الصلوات ، ولكن هذه الأخبار محمولة على التقية ، وقد كذّبها الأئمة (عليهم السلام) وأنه لا أساس لها ، فالصحيح أن صلاة الطّواف تصلى في أيّ وقت شاء ما لم تزاحم فريضة فعلية ، فتقدّم الفريضة إذا تضيّق وقتها ولا يجوز تأخير الصلاة عن الطّواف ، بل تجب المبادرة إليها بالمقدار المتعارف.

(١) المشهور بين الأصحاب أنّ من نسي ركعتي الطّواف وجب عليه الرجوع إن لم يكن فيه مشقة ، وإلّا فيقضيهما بنفسه حيث ما كان ولو في بلده ، وذكر في الحدائق أن استفادة ما أفتى به المشهور من الروايات مشكل (٢) وتفصيل الكلام :

أن المكلف تارة يتذكر قبل الخروج من بلدة مكة ، فحينئذ لا ينبغي الريب في وجوب التدارك عليه بنفسه ، ويدلُّ عليه صريحاً صحيح معاوية بن عمار «وإن ذكرهما وهو في البلد فلا يبرح حتى يقضيهما» (٣) ولا معارض لها ، والحكم في هذه الصورة واضح جدّاً.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٣٦ / أبواب الطّواف ب ٧٦ ح ٨ وغيره.

(٢) الحدائق ١٦ : ١٤٥.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٣٢ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ١٨.

١١١

.................................................................................................

______________________________________________________

وأُخرى : يتذكّر الصلاة بعد الخروج من بلدة مكة وهذا على قسمين :

أحدهما : ما إذا كان الخروج لإتيان بقية أعمال الحج والمناسك فيتذكّر في الطريق أو في منى.

ثانيهما : ما إذا كان الخروج خروجاً ارتحالياً قاصداً به الرجوع إلى أهله ودياره.

أمّا الأوّل : فإن خرج وتذكّر فوت الصلاة قبل الوصول إلى منى ، كما إذا تذكرها وهو بعد في الأبطح ، فيرجع ويصلي في المقام ، فحكمه حكم من تذكّر وهو في البلد فانّ حكم المسافة القريبة القليلة حكم الحضور في البلد ، ويدلُّ عليه صحيح ابن مسلم «ولم يصلّ لذلك الطّواف حتى ذكر وهو بالأبطح ، قال : يرجع إلى المقام فيصلي ركعتين» (١) ومثله معتبرتا عبيد بن زرارة (٢).

وأمّا إذا خرج لأداء بقية أعمال الحج وتذكر الصلاة في منى ، والفصل بين مكة ومنى فرسخ واحد تقريباً ، فالروايات في هذه الصورة مختلفة ، ففي صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنه سأله عن رجل نسي أن يصلي الركعتين ، ركعتي الفريضة عند مقام إبراهيم حتى أتى منى ، قال : يصليهما بمنى» (٣) وفي صحيح أحمد بن عمر الحلال «فلم يذكر حتى أتى منى ، قال : يرجع إلى مقام إبراهيم فيصليهما» (٤) وهما في الظاهر متعارضان إلّا أن المشهور حملوا صحيح عمر بن يزيد على من يشق عليه الرجوع ، وحملوا صحيح الحلال على من يتمكن من الرجوع بلا مشقة.

ولكن صاحب الحدائق (٥) ذكر أن ما أفتى به المشهور لا يستفاد من مجموع الأخبار وقال : إن رواية هشام بن المثنى صريحة في عدم وجوب الرجوع إلى مكة حتى في صورة التمكّن ، قال : «نسيت أن أُصلي الركعتين للطواف خلف المقام حتى انتهيت إلى منى فرجعت إلى مكة فصليتهما ثم عدت إلى منى ، فذكرنا ذلك لأبي عبد الله (عليه

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٢٨ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ٥ ، ٦ ، ٧.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٢٨ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ٥ ، ٦ ، ٧.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٢٩ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ٨.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٣٠ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ١٢.

(٥) الحدائق ١٦ : ١٤٥.

١١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) فقال : أفلا صلاهما حيثما ذكر» (١) فإن الراوي لما أخبر الإمام (عليه السلام) بأنه عاد إلى مكة وصلاهما في المقام قال (عليه السلام) : «أ فلا صلاهما حيث ما ذكر».

وأيضاً ورد الترخيص في خبر آخر بأنه يصلي في منى ولا يلزم عليه الرجوع إلى مكة ، وهو خبر عمر بن البراء «فمن نسي ركعتي طواف الفريضة حتى أتى منى ، أنه رخّص له أن يصليهما بمنى» (٢).

وفي خبر هشام بن المثنى وحنان قالا : «طفنا بالبيت طواف النساء ونسينا الركعتين ، فلما صرنا (مررنا) بمنى ذكرناهما ، فأتينا أبا عبد الله (عليه السلام) فسألناه فقال : صلّياهما بمنى» (٣).

ومع هذه الأخبار الدالّة على جواز إتيان الصلاة بمنى كيف يتم ما ذكره الشيخ وغيره من لزوم الرجوع إلى مكة (٤).

وما ذكره الحدائق وإن كان صحيحاً بالنظر إلى هذه الأخبار ، ولكن هذه الأخبار المجوّزة لإتيان الصلاة بمنى ضعيفة سنداً بهشام بن المثنى الذي ادعى صاحب الحدائق أنه صريح في عدم لزوم العود إلى مكة ، ولكن في التهذيب المطبوع قديماً وحديثاً هاشم ابن المثنى (٥) وهو ثقة ، وكذلك في منتقى الجمان ٢ : ٥٠٦ ، ٤٩٥ (٦) وكذا في النسخة الخطية التي تاريخ كتابتها سنة ١٠٣٤ الموجودة عند الأخ العلّامة السيد علاء الدين بحر العلوم ج ٥ ص ١٣٩.

إلّا أن المذكور في الاستبصار هشام بن المثنى (٧) وكذلك في الكافي (٨) الذي هو

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٢٩ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ٩.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٢٧ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٣٢ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ١٧.

(٤) التهذيب ٥ : ١٣٧.

(٥) التهذيب ٥ : ١٣٩ / ٤٦٠.

(٦) منتقى الجمان ٣ : ٣٠٧.

(٧) الاستبصار ٢ : ٢٣٥ / ٨١٧.

(٨) الكافي ٤ : ٤٢٦ / ٤.

١١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أضبط ، وكذا في الوافي (١) وكذا في النسخة المخطوطة المصححة من التهذيب ، وكذا الوسائل ، فمن المطمأن به أن نسخة التهذيب المطبوعة بالطبعتين مغلوطة.

وفي جملة من الموارد ورد الترديد بين كون الراوي هاشم أو هشام ، والبرقي عدّه من أصحاب الصادق (عليه السلام) قائلاً هشام بن المثنى (٢) والنجاشي ذكر هاشم بن المثنى ووثّقه (٣).

وكيف كان المسمّى بهشام لم يوثق ، ولم يعلم أن المراد به في المقام هاشم أو هشام وإن كان الأظهر كونه هشام فالرواية ضعيفة. على أن دلالتها مخدوشة بوجهين :

الأوّل : أنه لم يصرّح فيها بكون الطّواف طواف فريضة ، ولعلّه طواف مستحب يجوز إتيان صلاته في أيّ مكان شاء ، بل يجوز ترك صلاته اختياراً.

الثاني : أن الراوي حكى فعله للإمام (عليه السلام) ولم يعلم أن فعله صدر عن غير مشقة أو تحمل الحرج ، ولعله ارتكب أمراً حرجياً ، ولذا اعترض عليه الإمام (عليه السلام) بأنه أفلا صلاهما حيثما ذكر ، والحاصل لا ظهور لفعله الصادر في الاختيار وعدم الحرج.

وكذلك خبر عمر بن البراء ، وكذا خبر هشام بن المثنى الثاني ، فلا يمكن الاعتماد على شي‌ء منها لنفس ما ذكرناه.

ثم إن صاحب الوسائل ذكر في سند هشام بن المثنى وحنان : محمد بن الحسين بن علان ، ولا يوجد له ذكر في الرجال ولا رواية له في الكتب الأربعة ، وفي الفروع (٤) محمد بن الحسين زعلان ، والموجود في الرجال محمد بن الحسن بن علان (العلاء) وهو شخص آخر ، فما في الوسائل سهو واشتباه.

__________________

(١) الوافي ١٣ : ٩١٧ باب نسيان ركعتي الطّواف والجهل بها.

(٢) رجال البرقي : ٣٥.

(٣) رجال النجاشي : ٤٣٥ / ١١٦٧.

(٤) الكافي ٤ : ٤٢٦ / ٨.

١١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة : العمدة في المقام الصحيحتان ، أي صحيحة عمر بن يزيد وصحيحة أحمد ابن عمر الحلال المتقدمتين (١) وهما كما عرفت متعارضتان ، إلّا أن صحيح أحمد بن عمر الحلال الآمر بالرجوع يتقيد بعدم المشقة وعدم العسر ، لصحيح أبي بصير يعني المرادي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام ، وقد قال الله تعالى (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) حتى ارتحل ، قال : إن كان ارتحل فاني لا أشق عليه ولا آمره أن يرجع ، ولكن يصلي حيث يذكر» (٢) فتنقلب النسبة بين خبر أحمد بن الحلال وبين خبر عمر بن يزيد من التعارض والتباين إلى العموم والخصوص.

فالنتيجة : من شقّ عليه الرجوع يصلي حيث ذكر وإلّا فيرجع فيصلي عند المقام فيتم ما حمله الشيخ من حمل صحيحة عمر بن يزيد على المشقة والحرج وحمل صحيح أحمد بن الحلال على صورة عدم الحرج ، فالجمع بينهما بما ذكر ليس جمعاً تبرعياً ، بل الجمع بذلك على القاعدة.

ومما ذكرنا يظهر الحال في حكم الرجوع من عرفات ونحوها ، فالحكم بلزوم الرجوع وعدمه يدور مدار المشقة والحرج.

وأمّا الثاني : وهو ما إذا خرج من مكة مرتحلاً إلى بلاده ، فتارة يتذكر قريباً من مكة ويمكنه الرجوع بحيث لا يكون عليه مشقة وحرج ، ففي صحيح عمر بن يزيد «في من نسي ركعتي الطّواف حتى ارتحل من مكة ، قال : إن كان قد مضى قليلاً فليرجع فليصلهما ، أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه» (٣).

وذكر في الحدائق أنه يدل على التخيير بين الرجوع والاستنابة في فرض التمكن من الرجوع ، فليس الأمر كما ذكره المشهور من تعيّن الرجوع عليه في فرض التمكن من

__________________

(١) في ص ١١٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٣٠ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٢٧ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ١.

١١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

العود والرجوع (١).

ولا يخفى غرابة هذا الحمل ، إذ كيف يمكن القول بالتخيير لمن كان قريباً ، وأمّا البعيد فليس له التخيير.

والصحيح أن يقال في معنى الحديث : إنّ حرف «أو» وإن كان ظاهراً في التخيير ولكن الظاهر من «أو» هنا عطفها على الجزاء والشرط معاً ، وليست معطوفة على الجزاء فقط ، فالمعنى أن من مضى وخرج قليلاً إن كان متمكناً من الرجوع فليصلّ وإن لم يتمكّن من الرجوع فيستنيب ، وهذا النحو من الاستعمال شائع ، نظير ما إذا قيل : إذا دخل الوقت توضأ أو تيمم ، يعني إذا دخل الوقت وكان متمكناً من الماء يتوضأ وإن دخل الوقت ولم يكن متمكناً من الماء يتيمم ، وكذا يقال : إذا عندك مال فاكتر سيّارة لزيارة الحسين (عليه السلام) أو امش ، فان معناه ليس إذا كان عندك مال فامش ، بل المعنى إذا كان عندك مال فاكتر سيارة ، وإن لم يكن لك مال فامش.

والحاصل : أن المكلف له حالتان ، إما قريب فيعود فيصلي بنفسه ، وإن لم يكن قريباً فيستنيب. ويدلُّ عليه أيضاً صحيح أبي بصير المتقدم (٢) الوارد في الارتحال.

وأُخرى : يصعب عليه الرجوع فحينئذ يصلي في مكانه ، لصحيح أبي بصير وصحيح معاوية بن عمار «فلم يذكر حتى ارتحل من مكة قال : فليصلهما حيث ذكر» (٣) بعد تقييده بالمشقة لصحيح أبي بصير ، وكذا معتبرة حنان بن سدير قال «زرت فنسيت ركعتي الطّواف فأتيت أبا عبد الله (عليه السلام) وهو بقرن الثعالب فسألته فقال : صلّ في مكانك» (٤) فإنها محمولة على المشقة وصعوبة العود لصحيح أبي بصير. وقرن الثعالب اسم آخر لقرن المنازل الذي هو ميقات الطائف ونجد ، وهو على مرحلتين من مكة.

فالمستفاد من هذه الروايات جواز الصلاة في مكان التذكر إذا كان الرجوع عليه

__________________

(١) الحدائق ١٦ : ١٤٥.

(٢) في الصفحة السابقة.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٣٢ / أبواب الطّواف ب ٧٥ ح ١٨.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٣٠ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ١١.

١١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حرجيّا.

ثم إنه قد ورد في بعض الروايات أنه متى تذكر يستنيب لا أنه يصلي في مكانه وعمدتها روايتان :

إحداهما : صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة (١) في من نسي ركعتي الطّواف حتى ارتحل من مكة ، قال : «إن كان قد مضى قليلاً فليرجع فليصلهما ، أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه» وقد ذكرنا أن المراد بالعطف بـ «أو» هنا هو للعطف على الشرط والجزاء معاً ، ولا نحتمل أن تكون الاستنابة منوطاً بالمضي قليلاً ، بل المعنى : إن كان مضى قليلاً ويمكنه الرجوع فليصل هو بنفسه ، وإن لم يتمكن من الرجوع أو كان الرجوع فيه حرج ومشقة فليستنيب ، فليس المعنى أنّ من مضى قليلاً مخير بين الصلاة بنفسه والاستنابة ، وهذا النوع من الاستعمال شائع دارج ، ونظيره ما ورد في باب أداء الشهادة حيث أشار (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلى الشمس وقال : «إن كان مثل هذا فاشهد أو دع» (٢) فان المعنى : إن كان الأمر المشهود به واضحاً جليّا مثل الشمس فاشهد ، وإن لم يكن واضحاً ومبيّناً فلا تشهد ، وليس المعنى إن كان الأمر واضحاً فأنت مخيّر بين أن تشهد أو أن تدع ، مع أن أداء الشهادة واجب كما نطق به القرآن المجيد (٣).

الثانية : صحيحة أُخرى لعمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «من نسي أن يصلى ركعتي طواف الفريضة حتى خرج من مكة فعليه أن يقضي ، أو يقضي عنه وليه أو رجل من المسلمين» (٤).

وورد في صحيح ابن مسلم «عن رجل نسي أن يصلي الركعتين ، قال : يصلّى عنه» (٥)

__________________

(١) في ص ١١٢.

(٢) الوسائل ٢٧ : ٣٤٢ / كتاب الشهادات ب ٢٠ ح ٣.

(٣) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٣١ / أبواب الطّواف ب ٧٤ ح ١٣.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٢٨ / أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٤.

١١٧

مسألة ٣٣٠ : إذا نسي صلاة الطّواف حتى مات وجب على الولي قضاؤها (١).

______________________________________________________

ومقتضى الجمع بين هذه الروايات هو الحمل على التخيير بين أن يصلي في مكانه أو يستنيب ، ولكن الفقهاء (قدس سرّهم) لم يذكروا الاستنابة واقتصروا على ذكر الصلاة في مكان التذكر لأجل الكلفة في ذكر التخيير بإرسال شخص لينوب عنه ، ولذا ذكروا فرداً واحداً للواجب المخيّر وهو الصلاة في مكانه ، وعلى كل حال فهو مجزئ قطعاً هذا ما يقتضيه الجمع بين الروايات.

(١) لصحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في الرجل يموت وعليه صلاة أو صيام ، قال : يقضي عنه أولى الناس بميراثه» (١) فإن إطلاقه يشمل كل ما وجب على الميت من الصلاة ولا تختص باليومية ، وهناك روايات أُخر ولكنها ضعيفة السند ، وفي صحيح حفص غنى وكفاية.

ثم إن من ترك الصلاة عمداً لكن عن جهل بالحكم ، يعني منشأ عدم إتيانه الصلاة جهله بأصل الوجوب أو جهله بالخصوصيات المعتبرة في الصلاة ، كأن صلى في النجس أو صلى في غير مقام إبراهيم ونحو ذلك ، والجامع : التارك لأصل الصلاة أو التارك للصلاة الصحيحة ، فالمعروف أنّ حكمه حكم الناسي ، من دون فرق بين الجاهل القاصر والمقصِّر ، ولا يلحق الجاهل المقصّر بالعامد كما يلحق في غير هذا المورد.

ودليلهم على عدم الفرق بين الجاهل القاصر والمقصّر في المقام إطلاق صحيح جميل عن أحدهما «أن الجاهل في ترك الركعتين عند مقام إبراهيم بمنزلة الناسي» (٢) فإن إطلاقه يشمل القاصر والمقصِّر ، ولأجله لا يلحق الجاهل المقصّر في خصوص المقام بالعامد.

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٣ / أبواب أحكام شهر رمضان ب ٢٣ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٢٨ / أبواب الطواف ب ٧٤ ح ٣.

١١٨

مسألة ٣٣١ : إذا كان في قراءة المصلي لحن ، فان لم يكن متمكناً من تصحيحها فلا إشكال في اجتزائه بما يتمكن منه في صلاة الطّواف وغيرها ، وأمّا إذا تمكّن من التصحيح لزمه ذلك ، فإن أهمل حتى ضاق الوقت عن تصحيحها فالأحوط أن يأتي بعدها بصلاة الطّواف حسب إمكانه ، وأن يصليها جماعة ويستنيب أيضاً (١).

______________________________________________________

(١) ما بينّاه من الأحكام هو حكم من يتمكن من الصلاة الصحيحة ، وأمّا من لا يتمكّن من ذلك ، كمن كان في قراءته لحن من حيث المادة أو الهيئة كالعجمي أو العربي الذي في لسانه لُكنة ، فصلاته محكومة بالصحة يعفى عنه اللحن ، وتدلّ عليه روايات :

منها : معتبرة السكوني قال (عليه السلام) : «تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة ، تحريك لسانه وإشارته بإصبعه» (١).

ومنها : ما ورد في معتبرة مسعدة بن صدقة «قد ترى من المحرم من العجم ، لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح» (٢).

ومنها : ما ورد من أن سين بلال شين (٣) ، فإنه يظهر من مجموع ذلك : أنّ كل أحد مكلّف بما يتمكّن من القراءة.

هذا فيما إذا لم يكن متمكِّناً من التعلّم ، وأمّا من كان متمكِّناً من التعلّم وتحسين القراءة فيجب عليه التعلّم بالنسبة إلى ركعتي الطّواف كما هو الحال في الصلوات اليومية.

ولو أهمل وتسامح حتى ضاق الوقت فلا ينبغي الشك في عدم سقوط الصلاة عنه بل لا بدّ له من الإتيان بالصلاة ومحتملاته ثلاثة :

الأوّل : أن يأتي بالناقص وبالملحون كغير المتمكّن.

الثاني : أن يستنيب كالمعذور مثل المريض والكسير ، وإن كان العذر في المقام اختيارياً.

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٩ ح ٢.

(٣) المستدرك ٤ : ٢٧٨ / أبواب قراءة القرآن ب ٢٣ ح ٣.

١١٩

مسألة ٣٣٢ : إذا كان جاهلاً باللحن في قراءته وكان معذوراً في جهله صحت صلاته ولا حاجة إلى الإعادة ، حتى إذا علم بذلك بعد الصلاة ، وأمّا إذا لم يكن معذوراً فاللّازم عليه إعادتها بعد التصحيح ، ويجري عليه حكم تارك صلاة الطّواف نسياناً (١).

______________________________________________________

الثالث : أن يصليها جماعة ويقتدي بمن يصلي ولو باليومية ، فمقتضى العلم الإجمالي أن يجمع بين المحتملات الثلاثة.

ودعوى عدم مشروعية الجماعة في صلاة الطّواف وإلّا لوقع مرّة واحدة في زمن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) وزمن الأئمة (عليهم السلام) ولم يعهد ذلك ، فيكون ذلك كاشف عن عدم المشروعية.

فاسدة بأنه يصح القول بذلك في حال التمكن ، وأمّا في صورة العجز والإهمال التي هي فرض نادر فلا يمكن دعوى الاستكشاف المذكور.

وبعبارة اخرى : ما ذكر من عدم مشروعية الجماعة لعدم وقوعها من المسلمين حتى مرّة واحدة وإن كان صحيحاً ، ولكن ذلك في مورد التمكن والاختيار من إتيان الصلاة صحيحة ، وأمّا في مورد العجز وعدم القدرة على الصلاة الصحيحة وإهمال التعلّم فلا يمكن دعوى قيام السيرة على عدم المشروعية.

(١) للمسألة صورتان :

الاولى : أن يكون المصلي معذوراً في جهله باللّحن في قراءته ، بأن كان جاهلاً مركّباً بذلك غير ملتفت إلى جهله ، أي جاهل بجهله.

الثانية : أن لا يكون معذوراً في جهله باللحن ، بأن كان مقصّراً ويطلق عليه الجاهل البسيط ، ملتفتاً إلى جهله بحيث يستند الترك إلى اختياره.

أمّا الأُولى : فالظاهر صحة صلاته وإن أتى بقراءة ملحونة ، سواء كان في صلاة الطّواف أو غيرها لحديث لا تعاد (١) فان ترك القراءة الصحيحة ليس من مصاديق

__________________

(١) الوسائل ١ : ٣٧٢ / أبواب الوضوء ب ٣ ح ٨.

١٢٠