الكشف والبيان - ج ٢

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ٢

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١١

١
٢

٣
٤

تكملة سورة البقرة

(صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ (١٣٨) قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١))

(صِبْغَةَ اللهِ) قال أبو العالية : دين الله.

مجاهد : الإسلام.

ابن عبّاس : هي إنّ النّصارى كانوا إذا ولد لأحدهم ولد ، وأتى عليه سبعة أيام غمسوه في ماء لهم يقال له : المعبودي وصبغوه به ؛ ليطهّروه بذلك مكان الختان ، وإذا فعلوا ذلك به قالوا :الآن صار نصرانيا حقا. فأخبر الله تعالى : إنّ دينه الإسلام لا ما يفعل النصارى.

ابن كيسان : (صِبْغَةَ اللهِ) : وجهة الله يعني القبلة. قال : ويقال : حجة الله التي احتج بها على عباده.

أبو عبيدة والزجاج : خلقة الله من صبغت الثوب إذا غيّرت لونه وخلّقته. فيكون المعنى : إنّ الله ابتدأ الخلقة على الإسلام ، دليله قول مقاتل في هذه الآية (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) (١). أي دين الله.

ويوضحه ما روى همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما من مولود إلّا وهو على هذه الفطرة. فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه ، كما تولد البهيمة [بهيمة جمعاء] (٢) فهل تجدون فيها من جدعا حتّى تكون الأم تجدعونها». قالوا : يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير؟

__________________

(١) سورة الروم : ٣٠.

(٢) زيادة عن تفسير ابن كثير : ١ / ٥٦٩.

٥

قال : «الله أعلم بما كانوا عاملين» [١].

أبو عبيدة : سنّة الله ، وقيل : هو الختان لأنّه يصبغ صاحبه بالدم ، وفي الخبر : الختان سنّة للرجال مكرمة للنساء ، وهي نصب على الإغراء تقديره : اتبعوا وألزموا صبغة الله.

وقال الأخفش : هي بدل من قوله (مِلَّةَ إِبْراهِيمَ).

(وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) دينا.

(وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) مطيعون.

(قُلْ) يا محمّد لليهود والنصارى : (أَتُحَاجُّونَنا) أتجادلوننا وتخاصمونا ، وقرأ الأعمش.

والحسن وابن محيصن : بنون واحدة مشدّدة.

وقرأ الباقون : بنونين خفيفتين اتباعا للخط.

(فِي اللهِ) في دين الله وذلك بأن قالوا : يا محمّد إنّ الأنبياء كانوا منّا وعلى ديننا.

(وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ) مقاتل والكلبي : لنّا ديننا ولكم دينكم.

(وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) موحدون ، وهذه الآية منسوخة بآية السّيف.

فصل في معنى الإخلاص

سئل الحسن عن الإخلاص ما هو؟

فقال : سألت حذيفة عن الإخلاص ما هو؟ فقال : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الإخلاص ما هو؟

قال : «سألت ربّ العزة عن الإخلاص ما هو؟» قال : «سرّ من أسراري استودعته قلب من أحببت من عبادي» [٢] (١).

وعن أبي إدريس الخولائي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّ لكلّ حق حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإخلاص حتّى لا يحبّ أن يحمد على شيء من عمل الله» [٣] (٢).

وقال سعيد بن جبير : الإخلاص أن يخلص العبد دينه وعمله لله ولا يشرك به في دينه ولا يرائي بعمله أحدا.

محمّد بن عبد ربّه قال : سمعت الفضيل يقول : ترك العمل من أجل النّاس رياء والعمل من

__________________

(١) تفسير القرطبي : ٢ / ١٤٦ ، وفتح الباري : ٤ / ٩٤ بتفاوت.

(٢) تفسير مجمع البيان : ١ / ٤١٠ ، وروضة الواعظين : ٤١٤.

٦

أجل النّاس شرك والإخلاص أن يعافيك الله منهما.

وقال يحيى بن معاذ : الإخلاص تميّز العمل من العيوب كتميّز اللبن من بين الفرث والدم. أبو الحسن البوشجي : هو ما لا يكتبه الملكان ولا يفسده الشيطان ولا يطّلع عليه الإنسان.

رؤيم : هو ارتفاع رؤيتك من الظّل. وقيل : ما يرى به الحق ويقصد به الصدق. وقيل : ما لا يشوبه الآفات ولا تتبعه رخص التأويلات.

وقيل : ما استتر من الخلائق واستصفى من العلائق.

حذيفة [الإخلاص] : هو أن تستوي أفعال العبد في الظاهر والباطن.

أبو يعقوب المكفوف : أن يكتم حسناته كما يكتم سيئاته.

سهل بن عبد الله : ألّا يرائي.

عن أحمد بن أبي الجماري قال : سمعت أبا سليمان يقول : للمرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده ، وينشط إذا كان في النّاس ، ويزيد في العمل إذا أثني عليه.

(أَمْ تَقُولُونَ) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وحفص : بالتاء واختاره أبو عبيد ، وقرأ الباقون بالياء ، واختاره أبو حاتم. فمن قرأ بالتاء فللمخاطبة التي قبلها (قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) والتي بعدها (قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللهُ) ومن قرأ بالياء فهو أخبار عن اليهود والنّصارى.

(إِنَّ إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى) قال الله : (قُلْ) يا محمّد. (أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ) بدينهم.

(أَمِ اللهُ) وقد أخبرني الله إنّه لم يكن (يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً).

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ) أخفى.

(شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ) وهو علمهم إنّ إبراهيم وبنيّه كانوا مسلمين ، وأن محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم حق ورسول.

(وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ) الآية.

(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢) وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٤٣))

(سَيَقُولُ السُّفَهاءُ) الجهال.

٧

(مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ) صرفهم وحوّلهم.

(عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) من بيت المقدس. نزلت في اليهود ومشركي العرب بمكّة ومنافقي المدينة طعنوا في تحويل القبلة وقال مشركوا مكّة : قد تردّد على محمّد أمره واشتاق إلى مولده ومولد آباءه قد توجّه نحو قبلتكم وهو راجع إلى دينكم عاجلا.

قال الله (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) ملكا والخلق عبيده يحولهم كيف شاء.

(يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) عدلا خيارا. تقول العرب : انزل وسط الوادي : أي تخيّر موضعا فيه ، ويقال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هو وسط قريش نسبا أي خيرهم : قال الله تعالى (قالَ أَوْسَطُهُمْ) (١) ، أي أخيرهم وأعدلهم ، وأصله هو أنّ خير الأشياء أوسطها. قال زهير :

هم وسط ترضى الأنام لحكمهم

إذا نزلت احدى الليالي بمعظم

وقال الكلبي : يعني متوسطة أهل دين وسط بين الغلو والتقصير لأنّهما مذمومان في الدّين. قال ثعلب : يقال : جلس وسط القوم ووسط الدّار ، وكذلك فيما يحتمل البينونة [واحتمل وسطا له] (٢) بالفتح وكذلك فيما لا يحتمل البينونة.

نزلت هذه الآية في مرحب وربيع وأصحابهما من رؤساء اليهود قالوا لمعاذ بن جبل : ما ترك محمّد قبلتنا إلّا حسدا ، وإنّ قبلتنا قبلة الأنبياء ، ولقد علم محمّد إنّا عدل بين النّاس. فقال معاذ : إنّا على حق وعدل. فأنزل الله (وَكَذلِكَ) أي وهكذا ، وقيل الكاف فيه للتشبيه تقديره : وكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم (كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً). مردودة على قوله (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) (٣) الآية.

(لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) يوم القيامة أنّ الرّسل قد أبلغتهم.

(وَيَكُونَ الرَّسُولُ) محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (عَلَيْكُمْ شَهِيداً) معدلا مزكّيا لكم ؛ وذلك إنّ الله تعالى جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الدّاعي ، وينقذهم البصر ثمّ يقول كفّار الأمم. (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) فتشكرون ، ويقولون : ما جاءنا من نذير.

فيسأل الأنبياء عن ذلك فيقولون : قد كذّبوا ، قد بلغناهم وأعذرنا إليهم : فيسألهم البيّنة ، وهو أعلم بإقامة الحجة. فيؤتى بأمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيشهدون لهم. إنّهم قد بلغوا. فتقول الأمم الماضية : من أين علموا بذلك وبيننا وبينهم مدة مريدة؟

__________________

(١) سورة القلم : ٢٨.

(٢) كلام غير مقروء وما أثبتناه هو الظاهر.

(٣) سورة البقرة : ١٣٠.

٨

فيقولون : علمنا ذلك باخبار الله أيانا في كتابه الناطق على لسان رسوله الصادق. فيؤتى محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسأل عن حال أمّته. فيزكّيهم ويشهد لصدقهم.

(وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) يعني التحويل عن القبلة الّتي كنت عليها وهي بيت المقدس.

وقيل : معناه القبلة الّتي أنت عليها أي الكعبة كقوله (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ) (١) أي أنتم.

(إِلَّا لِنَعْلَمَ) لنرى ونميّز (مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ) في القبلة.

(مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) فيرتد ويرجع إلى قبلته الأولى هذا قول المفسرين وقال أهل المعاني : معناه إلّا لعلمنا (مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) كأنّه سبق ذلك في علمه إنّ تحويل القبلة سبب هداية قوم وضلالة آخرين ، وقد تضع العرب لفظ الاستقبال موضع المضي كقوله : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ) (٢) أي قتلتم.

وأنزل بعض أهل اللّغة : للعلم منزلتين : علما بالشيء قبل وجوده وعلما به بعد وجوده والحكم للعلم الموجود لأنّه يوجب الثواب والعقاب فمعنى قوله (لِنَعْلَمَ) أي لنعلم العلم الّذي يستحقّ به العامل الثّواب والعقاب وهذا على معنى التقدير كرجل قال لصاحبه : النّار تحرق الحطب ، وقال الأخر : لا ، فردّ عليه. هات النّار والحطب ، ليعلم إنّها تحرقه أي ليتقرر علم ذلك عندك.

وقوله : لنعلم تقديره ليتقرّر علمنا عندكم ، وقيل معناه : ليعلم محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأضاف علمه عليه‌السلام إلى نفسه سبحانه تخصيصا وتفصيلا كقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ) (٣) وقوله (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا) (٤) ونحوهما (وَإِنْ كانَتْ) وقد كانت توليه القبلة وتحويلها فأنّث الفعل لتأنيث الإسم كقولهم : ذهبت بعض أصابعه وقيل : هذه الكناية راجعة إلى القبلة بعينها أراد وإن كانت الكعبة.

(لَكَبِيرَةً) ثقيلة شديدة. (إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ) أي هداهم الله وقال سيبويه : (وانّ) تأكيد منه باليمين ولذلك دخلت اللّام في جوابها.

(وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) وذلك إنّ يحيى بن أخطب وأصحابه من اليهود قالوا للمسلمين : أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس أكانت هدى أم ضلاله؟ فإن كانت هدى فقد تحولتم عنها وان كانت ضلالة لقد دنتم الله بها فإن من مات منكم عليها لقد مات على الضلالة.

__________________

(١) سورة آل عمران : ١١٠.

(٢) سورة البقرة : ٩١.

(٣) سورة الأحزاب : ٥٧.

(٤) سورة الزخرف : ٥٥.

٩

قال المسلمون : إنّما الهدى ما أمر الله تعالى به والضلالة ما نهى الله عنه.

قالوا : فما شهادتكم على من مات منكم على قبلتنا؟ وكان مات قبل أن تحوّل القبلة؟

أسعد بن زرارة من بني النجّار والبراء بن معرور من بني سلمة وكانا من النقباء ومات رجال آخرون. فانطلقت عشائرهم إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله قد صرفك الله إلى قبلة إبراهيم فكيف إخواننا الّذين ماتوا وهم يصلّون إلى بيت المقدس فأنزل الله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ) (١) أي صلاتكم إلى بيت المقدس.

(إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) وفي رؤوف ثلاث قراءات : مهموز مثقّل وهي قراءة نافع وابن عامر وحفص واختيار أبو حاتم قال : لأنّ أكثر أسماء الله على فعول وفعيل. قال الشاعر :

نطيع رسولنا ونطيع ربّا

هو الرّحمن كان بنا رؤوفا

وروف غير مهموز مثقّل قراءة أبي جعفر.

ورؤف مهموز مخفف وهي قراءة الباقين واختيار أبي عبيد.

قال جرير :

ترى للمسلمين عليك حقّا

كفعل الوالد الرءوف الرّحيم

فالرأفة أشدّ الرحمة.

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (١٤٥) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧))

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) إنّ أوّل ما نسخ من أمور الشّرع أمر القبلة وذلك إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه كانوا يصلّون بمكّة إلى الكعبة فلمّا هاجر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة وقدمها لليلتين خليا من شهر ربيع الأوّل أمره تعالى أن يصلّي نحو الصخرة ببيت المقدس ليكون أقرب إلى تصديق اليهود إيّاه إذا صلّى إلى قبلتهم مع ما يجدون من نعته في التوراة هذا قول عامّة المفسّرين.

__________________

(١) سورة البقرة : ١٤٣.

١٠

وقال عبد الرحمن بن زيد : قال الله لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هؤلاء يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله ، فلو [أنّا] استقبلناه» [٤] (١) فاستقبله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالوا جميعا : فصلّى النبيّ وأصحابه نحو بيت المقدس سبعة عشر شهرا وكانت الأنصار قد صلّت إلى بيت المقدّس سنتين قبل قدوم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وكانت الكعبة أحبّ القبلتين إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واختلفوا في السبب الّذي كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكره من أجله قبلة بيت المقدس ويهوى قبلة الكعبة.

فقال ابن عبّاس : لأنّها كانت قبلة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.

مجاهد : من أجل أنّ اليهود قالوا : يخالفنا محمّد في ديننا ويتّبع قبلتنا.

مقاتل بن حيّان : لمّا أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصلّي نحو بيت المقدس قالت اليهود : زعم محمّد أنّه نبي وما يراه أحد إلّا في ديننا ، أليس يصلّي إلى قبلتنا ويستنّ بسنّتنا فإن كانت هذه نبوّة فنحن أقدم وأوفر نصيبا فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشقّ عليه وزاده شوقا إلى الكعبة.

ابن زيد : لمّا استقبل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيت المقدس بلغه أنّ اليهود تقول : والله ما ندري محمّد وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم.

قالوا جميعا فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لجبرئيل : «وددت أنّ الله صرفني من قبلة اليهود إلى غيرها فإنّي أبغضهم وأبغض توافقهم» [٥]. فقال جبرئيل : إنما أنا عبد مثلك ليس إليّ من الأمر شيئا فأسأل ربّك (٢)؟

فعرج جبرئيل وجعل رسول الله يديم النظر إلى السّماء رجاء أن ينزل عليه جبرئيل بما يجيء من أمر القبلة.

(قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) تحوّل وتصرف وجهك يا محمّد في السّماء.

(فَلَنُوَلِّيَنَّكَ) فلنحوّلنّك ولنصرفنّك.

(قِبْلَةً تَرْضاها) تحبّها وترضاها.

(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) أي نحوه وقصده.

قال الشاعر :

واطعن بالقوم شطر الملوك

حتّى إذا خفق المخدج

__________________

(١) تفسير الطبري ـ جامع البيان ـ : ١ / ٧٠٢.

(٢) أسباب النزول للواحدي : ٢٦ ، والدر المنثور : ١ / ١٤٢.

١١

أي : نحوهم وهو نصب على الظرف.

والمسجد الحرام : المحرّم كالكتاب بمعنى المكتوب والحساب بمعنى المحسوب.

(وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) في برّ أو بحر أو سهل أو جبل شرق أو غرب (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) فحوّل القبلة في رجب بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين.

مجاهد وغيره : نزلت هذه الآية ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مسجد بني سلمة ، وقد صلّى بأصحابه ركعتين من صلاة الظهر فتحوّل في الصلاة واستقبل الميزاب ، وحوّل الرّجال مكان النساء والنساء مكان الرجال فسمّي ذلك المسجد مسجد القبلتين.

قال ابن عبّاس : البيت كلّه قبلة وقبلة البيت الباب والبيت قبلة أهل المسجد والمسجد قبلة أهل الحرم والحرم قبلة أهل الأرض كلّها فلمّا حوّلت القبلة إلى الكعبة قالت اليهود : يا محمّد ما أمرت بهذا ـ يعنون القبلة. وما هو إلّا شيء تبتدعه من تلقاء نفسك.

قتادة : فصلّى إلى بيت المقدس وتارة يصلّي إلى الكعبة ولو ثبتّ على قبلتنا لكنّا نرجو أن تكون صاحبنا الّذي ننتظره ورأيناكم تطوفون بالكعبة وهي حجارة مبنية فأنزل الله :

(وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُ) يعني أمر الكعبة الحقّ. (مِنْ رَبِّهِمْ) وإنّها قبلة إبراهيم ثمّ هددهم فقال : (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) [قرأ ابو جعفر وابن ... والكسائي بالتاء وقال بريد : إنكم يا معشر ... تطلبون وصالي وما ... عن ثوابكم وجوابكم. وقرأ الباقون ... يعني ما الله بغافل عما يعمل اليهود فأجازيهم في الدنيا والآخرة] (١) (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني يهود المدينة ، ونصارى نجران. قالوا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم آتنا بآية كما أتى بها الأنبياء قبلك ، فأنزل الله تعالى (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).

(بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) يعني الكعبة ، وقال الأخفش ، والزّجاج : أجيئت لئن بما لأنّها بمعنى لو ، وقيل : إنّها أجيبت بما لما فيه من معنى اليمين كأنّه قال : والله لئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكل آية إلى (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) ؛ لأن اليهود تستقبل بيت المقدس ، والنّصارى تستقبل المشرق.

(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) مرادهم في أمر القبلة.

(مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) إنّها حقّ وإنّها قبلة إبراهيم.

(إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) الجاحدين الضارين أنفسهم.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعني مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه.

__________________

(١) عن هامش المخطوط.

١٢

(يَعْرِفُونَهُ) يعني محمّدا (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) من بين النصارى.

الكلبي عن الربيع عن ابن عبّاس قال : لمّا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة قال عمر لعبد الله ابن سلام : لقد أنزل الله على نبيّه (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) فكيف يا عبد الله هذه المعرفة؟

فقال عبد الله بن سلام : يا عمر لقد عرفته فيكم حين رأيته كما أعرف ابني إذا رأيته مع الصبيان يلعب ، وأنا أشدّ معرفة بمحمّد منّي لابني ، فقال عمر : وكيف ذاك؟

فقال : أشهد إنّه رسول حقّ من الله ، وقد نعته الله في كتابنا وما أدري ما تصنع النساء ، فقال له عمر : وفقك الله يا بن سلام فقد صدقت وأصبت.

(وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَ) يعني صفة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر الكعبة.

(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ثمّ قال (الْحَقُّ ١٤٧) أي هذا الحقّ خبر ابتداء مضمر.

وقيل : رفع بإضمار فعل أي جاءك الحقّ كما قال (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) (١)

وقرأ علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه الْحَقَّ مِنْ رَبِّكَ نصبا على الإغراء.

(فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) الشاكّين مفتعل من المرية والخطاب في هذه الآية : وفي ما قبلها للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد به غيره وكلّ ما ورد عليك من هذا النحو فهو سبيله.

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٤٨) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٩) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٠) كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (١٥١) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ (١٥٢))

(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) أي ولكلّ أهل ملّة قبلة.

(هُوَ مُوَلِّيها) مستقبلها ومقبل إليها يقال : ولّيته ، وولّيت إليه. إذا أقبلت إليه وولّيت عنه إذا أدبرت عنه.

وأصل التولية : الانصراف ، وقرأ ابن عبّاس وابن عامر وأبو رجاء وسليمان بن عبد الملك : هو مولاها : أي مصروف إليها.

__________________

(١) سورة هود : ١٢٠.

١٣

وفي حرف أبي : ولك قبلة هو مولّيها ، وفي حرف عبد الله : ولكلّ جعلنا قبلة هو موليها.

(فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) وبادروا فعل الخيرات ، ومجازه فاستبقوا إلى الخيرات : أي يسبق بعضكم بعضا ؛ فحذف حرف الخبر. كقول الشاعر :

وهو الداعي [......] (١) عليكم بالحرب

ومن يمل سواكم فإني منه غير مائل

أراد من يمل إلى سواكم.

(أَيْنَ ما تَكُونُوا) يريد أهل الكتاب.

(يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) يوم القيامة ؛ فيجزيكم بأعمالكم.

(إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ) حيث حرف بدل على الموضع ، وفيه ثلاث لغات : بالياء وحرف الثاء وهي لغة قريش ، وقراءة العامّة ، واختلفوا في وضع رفعها فقيل :

هو مبني على الضم مثل : منذ وقط ، وقيل : رفع على الغاية كقوله (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ) (٢).

وحيثَ : بالياء ونصب الثاء وهي قراءة عبيد بن عمير.

قال الكسائي : إنّما نصب بسبب الياء لأنّها ساكنة وإذا اجتمع ساكنان في حرف حركوا الثاني إلى الفتح ؛ لأنّه أخف الحركات مثل : ليت وكيف.

وحوث : بالواو والضم وهي لغة ابن عمر.

يروى إنّه سئل أين يضع المصلّى يده في الصلاة ، فقال : ارم بهما حوث وقعتا.

(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) إلى (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) أيّها المؤمنون.

(فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) هي لام كي دخلت على أن فكتبت بالكسرة ما قبلها ، وترك بعضهم همزها تخفيفا ، والحجة فعلة من الحج وهو الفصل ، ومنه المحجة وهي الطريق الواضح المسلوك ؛ لأنّه مقصود ، ويقال : للمخاصمة محاجة لقصد كلّ واحد من الخصمين إلى إقامة بينته ، وإبطال ما في يد صاحبه.

واختلفوا في تأويل هذه الآية ووجه قوله (إِلَّا) فقال بعض أهل التأويل : ومعنى الآية حوّلت القبلة إلى الكعبة (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) إذا صلّيتم إليها فيحتجّون عليكم ويقولون : لم تركتم التوجه إلى الكعبة وتوجهتم إلى غيرها لولا إنّه ليست لكم قبلة؟

__________________

(١) كلمة سقط في المخطوط.

(٢) سورة الروم : ٤.

١٤

(إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم قريش واليهود وأمّا قريش فتقول إنّما رجع إلى الكعبة لأنّه عليم أنّها قبلة آبائه وهي الحقّ وكذا يرجع إلى ديننا ويعلم أنّه الحقّ ، وأمّا اليهود فإنّهم يقولون لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنّه حق إلّا إنّه إنّما يفعل برأيه فيزعم إنّه أمر به ، وهذا القول اختيار المفضّل بن سلمة الضبي وهو قول صحيح مرضي.

وقال قوم : معنى الآية (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ) يعني لأهل الكتاب عليكم (حُجَّةٌ) وكانت حجّتهم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه في صلاتهم نحو بيت المقدّس إنّهم كانوا يقولون : ما درى محمّد وأصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم نحن ، وقولهم : يخالفنا محمّد في ديننا ويتّبع قبلتنا فهذه الحجّة التي كانوا يحتجّون بها على المؤمنين على وجه الخصومة والتمويه بها على الجّهال من المشركين ثمّ قال (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم مشركوا مكّة وحجّتهم إنّهم قالوا : لمّا صرفت القبلة إلى الكعبة أنّ محمّدا قد تحيّر في دينه فتوجّه إلى قبلتنا وعلم إنّا أهدى سبيلا منه وانّه لا يستغني عنّا ويوشك أن يرجع إلى ديننا كما رجع إلى قبلتنا ، وهذا قول مجاهد وعطاء وقتادة والربيع والسّدي واختيار محمد بن جرير.

وعلى هذين القولين إلّا استثناء صحيح على وجه نحو قولك : ما سافر أحد من النّاس إلّا أخوك فهو إثبات للأخ من السفر ، وما هو منفي عن كلّ أحد من النّاس ، وكذلك قوله تعالى (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) من قريش نفي عن أن يكون لأحد حجة قبل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بسبب تحولهم إلى الكعبة (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) من قريش فإن لهم قبلهم حجة لما ذكرنا.

ومعنى الحجة في هذين القولين : الخصومة والجدل ، والدعوى بالباطل كقوله (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) (١) : أي لا خصومة ، وقوله (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ) (٢) و (لِيُحَاجُّوكُمْ) و (تُحَاجُّونَ) و (حاجَجْتُمْ) كلّها بمعنى المجادلة. والمخاصمة لا بمعنى الدليل والبرهان ، وموضع الّذين خفض كأنه قال : إلّا للذين ظلموا. فلما سقطت اللام حلّت (الّذين) محلها قاله الكسائي.

قال الفراء : موضعه نصب بالاستثناء ، وإنّما [......] (٣) منهم ردّ إلى لفظ الناس ؛ لأنّه عام ، وإن كان كلّ واحد منهم غير الآخر والله أعلم ، وقال بعضهم : هو استثناء منقطع من الكلام الأول ومعناه إلّا يكون للنّاس كلّهم عليكم حجة اللهمّ إلّا الّذين ظلموا فإنّهم يحاجونكم في الباطل ويجادلونكم بالظلم ، وهذا كما يقول للرجل : النّاس كلّهم لك سامرون إلّا الظالم لك : يعني لا [......] (٤) ذلك بتركه حمدك لعداوته لك ، وكقولك للرجل : مالك عندي حق

__________________

(١) سورة الشورى : ١٥.

(٢) سورة البقرة : ١٣٩.

(٣) كلمة غير مقروءة.

(٤) سقط في أصل المخطوط.

١٥

إلّا أن تظلم ، وما لك حجة إلّا الباطل ، والباطل لا يكون حجّة ، وهذا استثناء من غير الحسن. كقول القائل : ليس في الدّار أحد إلّا الوحش. كقول النابغة :

وما بالرّبع من أحد إلّا وأرى لأيا ما

أمنّها وننوي كالحوض بالمظلومة الجلد

وهذا قول الفراء والمؤرخ.

وقال أبو روق : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) يعني اليهود عليكم حجة ؛ وذلك إنّهم كانوا قد عرفوا إنّ الكعبة قبلة إبراهيم وقد كانوا وجدوا في التوراة أنّ محمّدا سيحوّل إليها. فحوّله الله إليها لئلا يكون لهم حجة فيحتجون. بأن هذا النبيّ الّذى نجده في كتابنا سيحوّل إليها ولم تحوّل أنت فلمّا حوّل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذهبت حجّتهم ثمّ قال : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) منهم يعني إلّا أن يظلموكم فيكتموا ما عرفوا.

وقال الأخفش : معناه لكفى الّذي ظلموا (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) يعني : لكن يتبعون الظّن ، قوله : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ) (١) يعني لكن تبتغى وجه ربّك فيكون منفردا من الكلام الأوّل.

وروى أبو عبيد عن أبي عبيدة إنّه قال : ليس موضع إلّا هاهنا موضع الاستثناء لأنّه لا يكون للظالم حجّة إنّما هو في موضع واو العطف كأنّه قال : ولا الّذين ظلموا يعني والّذين ظلموا لا يكون لهم أيضا حجّة.

وأنشد المفضل :

ما بالمدينة دار غير واحدة

دار الخليفة إلّا دار مروانا (٢)

وأنشد أيضا :

وكلّ أخ مفارقة أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان

يعني والفرقدان أيضا متفرقان وأنشد الأخفش :

وارى لها دارا بأغدرة السيدان

لم يدرس لها رسم

إلّا رمادا هامدا دفعت

عنه الرياح خوالد سحم (٣)

أي : وأرى دارا ورمادا ، يؤيّد هذا القول ما روى أبو بكر بن مجاهد عن بعضهم إنّه قرأ

__________________

(١) سورة الليل : ١٩.

(٢) مجمع البيان : ١ / ٤٢٧.

(٣) مجمع البيان : ١ / ٤٢٧.

١٦

بعضهم : (إلى الّذين ظلموا) مخفّفا يعني مع الّذين ظلموا.

ومعنى الآية : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ) ، يعني اليهود (عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) في أمر الكعبة حيث لا يستقبلونها وهي قبلة إبراهيم فيقولون لكم تزعمون إنّكم على دين إبراهيم ولم تستقبلوا قبلته ولا للذين ظلموا وهم مشركوا مكّة لأنّهم قالوا : إنّ الكعبة قبلة جدّنا إبراهيم فما بال محمّد تحوّل عنها فلا يصلّي إليها ويصلّي إلى قبلة اليهود.

وقال قطرب : معناها إلّا على الّذين ظلموا فيكون ردّه على الكاف والميم أي إلّا على الّذين ظلموا فإنّ عليهم الحجّة فحذف حرف الجر وهذا إختيار أبي منصور الأزهري.

قال الثعلبي : سمعت أبا القاسم الحبيبي يحكيها عنه وحكى محمّد بن جرير عن بعضهم إنّه قال : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا) هاهنا ناس من العرب كانوا يهودا ونصارى وكانوا يحتجّون على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأمّا سائر العرب فلم يكن لهم حجّة وكانت حجّة من احتجّ أيضا داحضة باطلة لأنّك تقول لمن تريد أن تكسر حجّته عليه : أنّ لك عليّ حجّة ولكن منكسرة إنك لتحتجّ بلا حجّة وحجّتك ضعيفة ، فمعنى الآية : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) من أهل الكتاب فإنّ لهم عليكم حجّة واهية.

(فَلا تَخْشَوْهُمْ) في انصرافكم إلى الكعبة وفي تظاهرهم عليكم في المحاجة والمجاوبة فانّي وليّكم أظهركم عليهم بالحجّة والنصرة.

(وَاخْشَوْنِي) في تركها ومخالفتها.

(وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ) عليكم عطف على قوله (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ) ولكن أتمّ نعمتي بهدايتي ايّاكم إلى قبلة إبراهيم فتتمّ لكم الملّة الحنيفيّة وقال علي (كرّم الله وجهه) : تمام النعمة : الموت على الإسلام ، وروي عنه أيضا إنّه قال : النّعم ستة : الإسلام والقرآن ومحمّد والستر والعافية والغنى ممّا في أيدي النّاس.

(وَلَعَلَّكُمْ) في لعلّ ست لغات : علّ ولعلّ ولعنّ وعنّ ولعّا.

ولها ستة أوجه هي من الله عزوجل واجب ، ومن النّاس على معاني قد تكون بمعنى الاستفهام كقول القائل : لعلّك فعلت ذلك مستفهما.

وتكون بمعنى الظّن كقول القائل : قدم فلان فردّ عليه الرّاد : لعلّ ذلك.

بمعنى أظنّ وأرى ذلك.

وتكون بمعنى الإيجاب بمنزلة ما أخلقه كقوله : قد وجبت الصّلاة فيرد الرّاد : لعلّ ذلك أي ما أخلقه.

وأنشد الفرّاء :

١٧

لعلّ المنايا مرّة ستعود

وآخر عهد الزائرين جديد

وتكون بمعنى الترجّي والتمنّي كقولك : لعلّ الله أن يرزقني مالا ، ولعلّني أحجّ.

وأنشد الفرّاء :

لعلّي في هدى أفي وجودي

وتقطيعي التنوقة واختيالي

سيوشك أن يتيح إلى كريم

ينالك بالذّرى قبل السؤال

ويكون بمعنى عسى تكون ما يراد ولا يكون كقوله : (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) (١). أي عسى أبلغ.

وقال أبو داود :

فأبلوني بليتكم لعلّي

أصالحكم واستدرج نويا (٢)

أي نواي ويكون بمعنى كي على الجزاء كقوله : (انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) بمعنى لكي يفقهوا ونظائرها كثيرة وقوله : (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) أي لكي تهتدوا من الضّلالة.

قال الربيع : خاصم يهودي أبا العالية فقال : إنّ موسى كان يصلّي إلى صخرة بيت المقدس ، فقال أبو العالية : كان يصلّي عند الصخرة إلى البيت الحرام فقال لي : بيني وبينك مسجد صالح فإنه نحته من الجبل فقال أبو العالية : قد صلّيت فيه وقبلته إلى البيت الحرام.

قال : فأخبر أبو العالية إنّه مرّ على مسجد ذي القرنين وقبلته الكعبة (٣).

(كَما أَرْسَلْنا) هنا الكاف للتشبيه ويحتاج إلى شيء يرجع إليه واختلفوا فيه فقال بعضهم : هو راجع إلى ما قبلها والكاف من ما قبلها تقديره : (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي) كما أرسلت فيكم رسولا فيكون إرسال الرّسول شرطا للخشية مزيدا بإتمام النّعمة.

وقيل : معناه (وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ كَما أَرْسَلْنا).

وقال محمّد بن جرير : إنّ إبراهيم دعا بدعوتين فقال (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) (٤) فهذه الدعوة الأولى.

والثانية قوله (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) (٥) فبعث الله الرسول وهو محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ووعد في هذه الآية أن يجيب الدّعوة الثانية أن يجعل من ذرّيته أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ فمعنى الآية : وَلِأُتِمَ

__________________

(١) سورة غافر : ٣٦.

(٢) النوي : هو الصاحب الذي نيته نيتك.

(٣) راجع تفسير الطبري : ٢ / ٤٨.

(٤) سورة البقرة : ١٢٨.

(٥) سورة البقرة : ١٢٩.

١٨

نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ : ببيان شرائع ملّتكم الحنيفية وأهديكم لدين خليلي إبراهيم.

(كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ) يعني فكما أجبت دعوته بانبعاث الرّسول كذلك أجبت دعوته بأن أهديكم لدينه وأجعلكم مسلمين وهذا على قول من يجعله متصلا بما قبلها وجوابا للآية الأولى وهو إختيار الفرّاء.

وقال بعضهم : إنّها متعلّقة بما بعدها وهو قوله (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) تقديرها : كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ فيكون جزأ له جوابان مقدّم ومؤخّر كما تقول : إذا جاءك فلان فآته ترضه. فقوله : فآته وترضه جوابان لقوله إذا جاءك وكقولك : إنّ تأتني أحسن إليك أكرمك وهذا قول مجاهد وعطاء والكلبي ومقاتل والأخفش وابن كيسان واختيار الزجّاج ، وهذه الآية خطاب للعرب وأهل مكّة يعني : كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ يا معشر العرب رَسُولاً مِنْكُمْ محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا) يعني القرآن.

(وَيُزَكِّيكُمْ) أي يعلّمون من الأحكام وشرائع الإسلام.

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) قال ابن عبّاس : اذكروني بطاعتي أذكركم بمعونتي بيانه قوله : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا) (١) الآية.

سعيد بن جبير : (فَاذْكُرُونِي) بطاعتي (أَذْكُرْكُمْ) بمغفرتي بيانه (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٢).

فضيل بن عياض : (فَاذْكُرُونِي) بطاعتي (أَذْكُرْكُمْ) بثوابي بيانه (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً أُولئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ) (٣) وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أطاع الله فقد ذكر الله وإنّ قلّت صلاته وصيامه وتلاوته القرآن» [٦] (٤).

وقيل : اذكروني بالتوحيد والإيمان (أَذْكُرْكُمْ) بالجنّات والدرجات بيانه : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) ... إلى (جَنَّاتٍ) (٥).

وقال ابو بكر الصدّيق رضي‌الله‌عنه : كفى بالتوحيد عبادة وكفى بالجنّة ثوابا.

ابن كيسان : اذكروني بالشكر (أَذْكُرْكُمْ) بالزّيادة : بيانه قوله (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (٦).

وقيل : اذكروني على ظهر الأرض (أَذْكُرْكُمْ) في بطنها.

قال الأصفى : رأيت أعرابيا واقفا يوم عرفة بالموقف وهو يقول : ضجّت إليك الأصوات

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٦٩.

(٢) سورة آل عمران : ١٣٢.

(٣) سورة الكهف : ٣٠.

(٤) مجمع الزوائد : ٢ / ٢٥٨ ، والدر المنثور : ١ / ١٤٩.

(٥) سورة البقرة : ٢٥.

(٦) سورة إبراهيم : ٧.

١٩

بضروب اللّغات يسئلونك الحاجات وحاجتي إليك أن تذكرني عند البلى إذا نسيني أهل الدّنيا.

وقيل : اذكروني بالطّاعات (أَذْكُرْكُمْ) بالمعافاة ودليله (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) (١).

وقيل : اذكروني في الخلاء والملاء (أَذْكُرْكُمْ) في الجلاء والملأ بيانه ما روي في بعض الكتب إنّ الله قال : أنا عند من عبدني ، فليظن بي ما شاء ، وأنا معه إذا ذكرني ، فمن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، ومن ذكرني في الملأ ذكرته في ملأ خير منه ، ومن تقرّب إليّ شبرا تقرّبت له ذراعا ، ومن تقرّب إليّ ذراعا ، تقرّبت إليه باعا ومن أتاني مشيا أتيته هرولة ، ومن أتاني بقراب الأرض فضّة أتيته بمثلها مغفرة بعد أن لا يشرك بي شيئا.

وقيل : اذكروني في النّعمة والرّخاء (أَذْكُرْكُمْ) في الشّدة والبلاء بيانه قوله (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (٢).

قال سلمان الفارسي : إنّ العبد إذا كان له دعاء في السّر ؛ فإذا انزل به البلاء قالت الملائكة : عبدك نزل به البلاء فيشفعون له فينجيه الله ، فإذا لم يكن له دعاء قالوا : الآن فلا تشفعون له. بيانه لفظة فرعون (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) (٣).

وقيل : اذكروني بالتسليم والتفويض (أَذْكُرْكُمْ) بأصلح الاختبار. بيانه (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ).

وقيل : اذكروني بالشوق والمحبّة أذكركم بالوصل والقربة.

وقيل : اذكروني بالحمد والثناء أذكركم بالجزاء ، وقيل : اذكروني بالأوبة أذكركم بغفران الحوبة ، وقيل : اذكروني بالدّعاء أذكركم بالعطاء ، اذكروني بالسؤال أذكركم بالنّوال ، اذكروني بلا غفلة أذكركم بلا مهلة ، اذكروني بالنّدم أذكركم بالكرم ، اذكروني بالمعذرة أذكركم بالمغفرة ، اذكروني بالإرادة أذكركم بالإفادة ، اذكروني بالتنصّل أذكركم بالتفضل اذكروني بالإخلاص أذكركم بالخلاص ، اذكروني بالقلوب أذكركم بكشف الكروب ، اذكروني بلا نسيان أذكركم بالأمان ، اذكروني بالإفتقار أذكركم بالاقتدار ، اذكروني بالأعدام والاستغفار أذكركم بالرّحمة والاغتفار ، اذكروني بالإيمان أذكركم بالجنان ، اذكروني بالإسلام أذكركم بالإكرام ، اذكروني بالقلب أذكركم برفع التعجب ، اذكروني ذكرا فانيا أذكركم ذكرا باقيا ، اذكروني بالابتهال أذكركم بالإفضال ، اذكروني بالظل أذكركم بعفو الزلل ، اذكروني بالاعتراف أذكركم بمحو الاقتراف ، اذكروني بصفاء السّر أذكركم بخالص البرّ ، اذكروني بالصّدق أذكركم بالرّفق ، اذكروني بالصفو

__________________

(١) سورة النحل : ٩٧.

(٢) سورة الصافات : ١٤٣.

(٣) سورة يونس : ٩١.

٢٠