الكشف والبيان - ج ١

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]

الكشف والبيان - ج ١

المؤلف:

أبو إسحاق أحمد [ الثّعلبي ]


المحقق: أبي محمّد بن عاشور
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٢٨٥

أخبرنا عبد الله بن حامد الوزّان قراءة عليه ، أخبرنا محمد بن علي الطوسي أبو الحسن ، نا أبو جعفر محمد بن إبراهيم الديلي ، نا أبو عبد الله سعد بن عبد الرّحمن المخزومي ، نا سفيان ابن عيينة.

تفسير وكيع : أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد بقراءتي عليه ، أخبرنا يحيى بن محمد بن عبد الله بن العنبري نا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يزيد بن خالد المروزي ، نا أبو يعقوب يوسف بن عيسى المروزي مولى بني زهرة ، نا وكيع بن الجرّاح.

تفسير هشام بن بشير :أخبرنا محمد بن نعيم إجازة ، أخبرنا محمد بن بطّة ، نا عبد الله بن أحمد بن أسيد الأصفهاني ، نا زناد (١) بن أيّوب عن هشام بن بشير.

تفسير شبل :أخبرنا محمد بن نعيم إجازة ، أخبرنا أبو سعد ... (٢) .. بن مصعب الثقفي ، نا الحسن بن المثنى ، حدّثنا أبو حذيفة عن شبل بن عباد المكي.

تفسير ورقاء :أخبرنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله الضبّي ، أخبرنا .... (٣) ..

أبو القاسم بن أحمد بهمدان ، أخبرنا إبراهيم بن الهيثم البلوي ، نا آدم بن أبي إياس عن ورقاء بن عمر.

تفسير زيد بن أسلم : أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن قراءة أخبرنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف بن سخبرة أنّ محمد بن جرير الطبريّ حدّثهم : نا يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أخبرنا عبد الله بن وهب ، أخبرنا عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه.

تفسير روح بن عبادة : أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمد بن شعيب البيهقي ، وأبو محمد عبد الله بن حامد بن محمد الأصفهاني بقراءتي عليه ، حدّثنا أبو حاتم مكيّ بن عبدان بن محمد التميمي ، نا أبو الأزهري الأزهر بن منيع العبدي ، نا روح بن عبادة العنسي.

وأخبرنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن علي بن زياد السمري ، أخبرنا أحمد بن محمد ابن الحسن الشرقي ، نا أبو الأزهر روح بن عبادة.

تفسير الفراتي : أخبرنا أبو الحسن عبد الرّحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه النيسابوري وعبد الله بن حامد بن محمد بقراءتي عليهما قالا : أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين ابن الحسن بن الخليل القطّان ، نا أحمد بن يوسف السلمي حمدان ، نا محمد بن يوسف الفراتي.

__________________

(١) كذا الظاهر ولعلّه : زياد.

(٢) بياض في المخطوط.

(٣) بياض في المخطوط.

٨١

تفسير قبيصة : أخبرنا أبو عمرو سعيد بن عبد الله بن سعد بن إسماعيل الحيري ، وأبو محمد عبد الله بن حامد الأصفهاني قراءة عليهما قالا : أخبرنا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري : نا أبو أحمد محمد بن عبد الوهّاب العبدي ، نا أبو عامر قبيصة بن عقبة الكوفي.

تفسير سعيد بن منصور :أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن عبد الله المزني ، نا أحمد بن نجدة بن العريان ، حدّثنا سعيد بن منصور.

تفسير النهدي : أخبرنا أبو محمّد عبد الله بن حامد الوزّان بقراءتي عليه في داره ، أخبرنا محمد بن جعفر بن مضر [الميطري] (١) : أخبرنا جعفر بن محمد بن الليث أبو عبد الله الزيادي الجوهري بالبصرة ، نا أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي.

تفسير ابن وهب : أخبرنا محمد بن نعيم إجازة ، أخبرنا محمد بن عبيد ، نا عبد الله بن مسلم ، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى عن عبد الله بن وهب القرشي.

تفسير عبد الحميد : أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا محمد بن خالد بن الحسن ، حدّثنا داود بن سليمان ، نا عبد الحميد بن حميد إلى سورة (المطفّفين) ، ومنها إلى آخر القرآن ، قال : أخبرنا عبد الله بن حامد ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن يوسف ، حدّثنا عمر بن محمد ابن نجير ، نا عبد الحميد بن حميد الكشي.

تفسير محمد بن أيوب : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ إجازة ، أخبرنا أبو عبد الله الخازن ، نا محمد بن أيّوب الرازي.

تفسير ابن كيسان : نا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر النيسابوري لفظا ، أخبرنا أبو سهل محمد بن محمد بن الأشعث الطالقاني الأنماري ، حدّثنا عبيد الله بن محمد القاضي ، حدّثنا الفضل بن عباس بن مهران عن علي بن مسلم الطوسي قال : قرأت على أصحاب عبد الرّحمن بن كيسان أبي بكر الأهتم ، ثم عد تفسيره بالتمام.

تفسير أبي حمزة الثمالي : نا أبو أحمد محمد بن أحمد بن شاذان الرازي بقراءتي عليه في مرو سنتي ثمان وتسع وثمانين وثلاثمائة فأقرأنيه قال : أخبرنا أبو محمد عبد الرّحمن بن أبي حاتم الرازي ، حدّثنا أبو سعيد عبد الله بن سعيد الكندي الأشج ، أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمد الثقفي بعض الكتاب بقراءتي عليه ، فأجاز لي بالباقي لفظا وخطّا ، حدّثنا محمد بن خلف ابن حيّان ببغداد ، حدّثنا إسحاق بن محمد ، حدثني أبي ، حدّثنا إبراهيم بن عيسى ، حدّثنا علي ابن خليّ عن أبي حمزة الثمالي.

تفسير المسيّب : قرأت على الحسين بن محمد بن الحسن بن عبد الله الدينوري بعض

__________________

(١) زيادة عن أسباب النزول للواحدي : ٦٤.

٨٢

الكتاب وأجاز لي بالباقي لفظا وخطّا ، حدّثنا محمد بن علي بن حريز ، حدّثنا الحسين بن علوية القطّان ، حدّثنا إسماعيل بن عيسى حدّثنا المسيب بن شريك.

مصنفات [علماء] العصر :

تفسير عبد الله بن حامد : قرأته عليه ، تفسير أبي بكر بن فورك : أملاه علينا الى رأس خمسين آية من سورة البقرة في ثلاثة وأربعين جزءا ما حزم دونه رحمه‌الله.

تفسير أبي عمرو الفراتي الملقّب بالبستاني : أجاز لي بجميعه لفظا وخطّا.

تفسير أبي بكر ابن فورك : أملى علينا صدرا ... (١) .. من أوله الى آخره ثم استأنف ولحق واقتصر على الأسئلة والأجوبة حتى فرغ منه.

تفسير أبي القاسم بن حبيب : سمعته غير مرّة.

تفسير جبريل : قرأته كلّه على مصنفه.

تفسير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سمعت بعضه من مصنّفه وأجاز لي بالباقي ، ... (٢) .. قرأته كلّه على مصنّفه ، صنّفها جميعا أبو الحسن محمد بن القاسم الفقيه [الصيدلاني].

كتاب [ابن المبارك] (٣) : أخبرنا أبو حنيفة القزويني : أخبرنا أبو بكر محمد بن يعقوب الاستواني عن أبي محمد عبد الله بن المبارك الدينوري.

حقائق التفسير على لسان أهل الإمارة : قرأته كلّه على مصنفه أبي عبد الرّحمن محمد بن الحسن السلمي فأقرّ لي به.

كتاب عروة : أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمد بن علي ، أخبرنا أبو يحيى عمّار بن محمد ابن مسعود ، أخبرنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن الخليل ، أخبرنا محمد بن هانئ ، حدّثنا الحسين بن معين ، حدّثنا الهذيل عن مقاتل بن سليمان بكتاب الوجوه ، وأخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الأصفهاني بقراءتي عليه في مجلس واحد ، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله الحنبلي البغدادي ، حدّثنا أبو يعلى محمد بن أحمد بن عبد الله بن مروان الأقطع (٤) بملطية : حدّثنا أبو عبد الرّحمن ... (٥) .. بن حسان الملطي : حدثني أبو صالح إسحاق بن نجيح عن جدّ السلم بن سامة الجشطيني (٦) عن عكرمة عن عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنه.

__________________

(١) بياض في المخطوط.

(٢) بياض في المخطوط.

(٣) كذا الظاهر.

(٤) في تاريخ دمشق (١٩ / ١١٥) عبيد الأقطع.

(٥) بياض في المخطوط.

(٦) في تاريخ بغداد (٦ / ٣١٩) : حدث عن هشام بن حسان وعطاء الخراساني وابن جريج وأبي المنيب العتكي وعبد العزيز بن أبي رواد.

٨٣

كتاب مالك بن .. (١) .. :

أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب ، حدّثنا عبد الله ابن أحمد بن الصدّيق ، أخبرنا عبد الله بن محمد السعدي ، أخبرنا المطهر بن الحكم الكرابيسي عن علي بن الحسين بن واقد.

كتب المعاني :

معاني الفرّاء : أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبدوس المزني ، وأبو محمد عبد الله بن حامد الوزّان ، وأبو القاسم الحسن بن محمد المفسّر ، قالوا : أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان الأموي ، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن جهم بن هارون السمري ، حدّثنا أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء.

معاني الكسائي :سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن الحسن يقول : سمعت أبو بكر أحمد بن محمد بن عبيد الله الطاهري يقول : سمعت علي بن أحمد المدبّر يقول : سمعت أبا عبيد يحدث عن علي بن حمزة الكسائي.

معاني عبيد : أخبرنا عبد الله بن حامد بقراءتي عليه هو أبي القاسم الحبيبي علينا قالا : أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن ، أخبرنا أبو الحسن علي بن عبد العزيز المكّي ، أخبرنا أبو عبيد القاسم بن سلام.

معاني الزجاج : قرأت على أبي عثمان سعد بن محمد بن إبراهيم الحيري ـ وأخبرنا بالجملة ـ : أخبرنا أبو علي الفسوي وابن مقسم قالا : أخبرنا الزجاج.

وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن جعفر النيسابوري بها يقول : سمعت أبا الحسن محمد بن محمد بن مسعود الفسوي بها يقول : سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن السدّي الزجّاج.

كتاب النظم : قرأ علينا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب بلفظه قال : قرأت على أبي نصر محمد بن محمد بن يوسف بطوس عن الحسن بن يحيى بن نصر الجرجاني.

كتاب الغرائب : سمعت أبا القاسم الحسن بن أحمد السدوسي يقول : سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد الماداني يقول : سمعت أحمد بن محمد بن المغيرة يقول : سمعت أحمد بن سهل بن يحيى النيسابوري يقول : سمعت سلمة بن رفيع ، أخبرنا غسان البصري عن أبي عبيدة معمر بن المثنّى التيمي.

غريب الأخفش : سمعت أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر يقول : سمعت أبا سهل محمد بن محمد بن الأشعث الطالقاني يقول : سمعت علي بن فارس الدينوري يقول : سمعت

__________________

(١) بياض في المخطوط.

٨٤

شمر بن حمدويه والحسن بن سفيان ، حدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدّثنا الفضل بن دكين ، حدّثنا بشير بن المهاجرة ، حدّثنا عبد الله بن يزيد عن أبيه قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمعته يقول : «إنّ القرآن يأتي صاحبه يوم القيامة حين ينفلق عنه قبره كالرجل الشاحب فيقول له : هل تعرفني؟ فيقول : ما أعرفك. فيقول : أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر ، وأسهرت ليلك ، وإن كلّ تاجر من وراء تجارته ؛ فإنك اليوم من وراء كل تجارة» (١) [٢].

قال : «فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ، ويوضع على رأسه تاج الوقار ، ويكسي والديه حلتين لا يقوم لهما الدنيا ، فيقولان : بم كسينا هذا؟ فيقال لهما : بأخذ ولدكما القرآن ، ثم يقال له : اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها. فهو في صعود ما دام يقرأ هذّا كان أو ترتيلا» (٢) [٣].

وقال معاذ بن جبل : كنت في سفر مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، حدّثنا بحديث ننتفع به ، فقال : «إن أردت عيش السعداء ، وميتة الشهداء ، والنجاة يوم الحشر ، والأمن يوم الخوف والنور يوم الظلمات والظل يوم الحرور ، والري يوم العطش والوزن يوم الخفّة والهدى يوم الضلالة ، فادرس القرآن ؛ فإنه ذكر الرّحمن ، وحرز من الشيطان ، ورجحان في الميزان» (٣) [٤].

باب [علم القرآن] والترتيب فيه : حدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسين النيسابوري لفظا : حدّثنا أبو جعفر محمد بن إبراهيم بن عبدان بن حبلة ، نا أبو فراس محمد بن جمعة ، حدّثنا محمد بن زينون المكّي ، حدّثنا حمّاد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرّحمن السلمي قال : حدثني الذين كانوا يقرءوننا عن عثمان بن عفّان رضي‌الله‌عنه ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقرئهم عشر آيات فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل ، قال : فتعلّموا القرآن والعلم (٤) جميعا (٥).

وحدّثنا الحسن بن محمد : أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن عبد الله العنبري ، أخبرنا محمد بن عبد السلام الورّاق ، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، حدّثنا جرير عن الأشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : «ما من قرأ القرآن ولم يعلم تفسيره إلّا بمنزلة الأعرابي يقرأ ولا يدري ما هو».

وأخبرنا الحسن بن محمد ، حدثني أبي : حدّثنا إبراهيم بن علي الذهلي ، حدّثنا يزيد بن

__________________

(١) سنن الدارمي : ٢ / ٤٥١.

(٢) سنن الدارمي : ٢ / ٤٥١.

(٣) كنز العمال : ١ / ٥٤٥.

(٤) في المصادر : العلم والعمل.

(٥) الدر المنثور : ١ / ٣٤٩ ، ومسند أحمد : ٥ / ٤١٠.

٨٥

صالح ، أخبرنا خارجة عن سعيد عن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن قال : «والله ، ما أنزل الله آية إلّا وهو يحب أن نعلم فيم أنزلت ، وما معناها».

وقال الحسن : «علم القرآن لم يعلمه إلّا الذكور من الرجال».

وسمعت الحسن بن محمد يقول : سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي يقول : سمعت العباس بن حمزة يقول : سمعت ابن أبي الجوزي يقول : حدّثنا أبو نصر سعيد الرملي قال : أتينا الفضيل بن العياض بمكّة ، فسألناه أن يملي علينا فقال : «ضيّعتم كتاب الله وطلبتم كلام فضيل وابن عيينة؟! ولو تفرّغتم لكتاب الله تعالى لوجدتم فيه شفاء لما تريدون». قلنا : قد تعلّمنا القرآن! قال : «إن في تعلم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم وأولاد أولادكم» (١). قلنا : كيف؟ قال : «لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ، ومحكمه ومتشابهه ، وحلاله وحرامه ، وناسخه ومنسوخه. فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة ، ثم قال : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ... يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٢).

وروى مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري أنه قال : «أفنينا عمرنا في الإيلاء والظهار ونبذنا كتاب الله وراء ظهورنا فماذا نقول لربّنا في المعاد؟».

[لغة] التفسير : سمعت أبا القاسم الحسن بن محمد بن الحسن المفسّر يقول : سمعت أبا بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال يقول : سمعت أبا بكر محمد بن الحسن البريدي يقول : [أمّا التفسير في اللغة فهو راجع إلى معنى الإظهار والكشف ، وأصله في اللغة من التفسرة ، وهي القليل] (٣) من الماء الذي ينظر فيه الأطباء ، فكما أن الطبيب بالنظر فيه يكشف عن علة المريض فكذلك المفسّر يكشف عن بيان موطنها وشأن الآية وقصصها ، ومعناها والسبب الذي نزلت فيه».

وسمعت الحسن بن محمد يقول : سمعت أبا سعد محمد بن سعيد الفارسي يقول : سمعت أبا بكر محمد بن محمد بن القاسم الأنباري يقول : سمعت أحمد بن محمد [الخارزنجي] يقول : هو من قول العرب : فسرت الفرس إذا ركّضتها مصورة لينطلق حصيرها ، وهو يؤول إلى أنّما قد سمعته يقول : سمعت أبا حامد أحمد بن محمد الخارزنجي يقول : من [علوت] (٤) من سفر مثل جذب وحيد وبيت الماء وبصق ووسع لفحل الناقة وبغاها. تقول العرب : فسّرت الناقة ، إذا سيّرتها حتى زال شعرها ، وظهر جلدها. وأنشدوا فيه لبعض الهذليين :

__________________

(١) الخبر في تفسير القرطبي ١ / ٢٢ ، والمصنّف اختصره.

(٢) سورة يونس : ٥٧.

(٣) زيادة من البرهان للزركشي لتقويم النص : ٢ / ١٤٧.

(٤) الموجود في الأصل : عادت.

٨٦

......... (١).

فيكون معنى التفسير : كشف المنغلق من المراد بلفظه وإطلاق المحتبس عن فهمه. والتأويل : بكون الأول معنى مجمله موافق لما قبلها وما بعدها ، وأصله من الأول ، وهو من الرجوع ، تقول العرب : أوّلته. قال : أي صرفته فانصرف.

وسمعت أبا القاسم بن أبي بكر السدوسي يقول : سمعت رافع بن عبد الله يقول : سمعت أبا حبيب زيد بن المهتدي يقول : سمعت الحسن بن محمد بن البصري يقول : (٢) ... عن جدّه النضر أنه قال : «أصله من الإيالة ، وهي السياسة ، تقول العرب : قد ألنا ، وإيل علينا ، أي سسنا ، وساسنا غيرنا ، فكأنّ المؤول للكلام [يسوى الكلام ويضع المعنى فيه موضعه] (٣) القادر عليه ، وواضعه موضعه. وإنما بنوهما على التفعيل ؛ لأنه يدلّ على التكثير ، وكأنه تتبع سورة بعد سورة وآية بعد آية ، وأمّا الفرق بينهما :

قالت العلماء : التفسير : علم نزول الآية وشأنها وقصّتها ، والأسباب التي نزلت فيها. فهذا وأضرابه [محظورة] على الناس القول إلّا باستماع الأثر. فأما التأويل فالأمر فيه أسهل ؛ لأنه صرف الآية إلى معنى يحتمله ، وليس بمحظور على العلماء استنباطه والقول فيه وإنّما يكون مرآتنا الكتاب والسنّة.

__________________

(١) بياض في المخطوط.

(٢) بياض في المخطوط.

(٣) زيادة عن البرهان للزركشي : ٢ / ١٤٩.

٨٧
٨٨

تفسير فاتحة الكتاب

[أسماؤها]

أخبرنا عبد الرّحمن بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى ، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطّان ، وأخبرنا محمد بن أحمد بن عبدوس ، أخبرنا محمد بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى ، حدّثنا الفضل بن محمد بن المسيّب ، حدّثنا خلف بن هشام ، حدّثنا محمد بن حسان عن المعافى ابن عمران عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري ، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، سبع آيات أوّلهنّ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وهي السبع المثاني ، وهي أمّ القرآن ، وهي فاتحة الكتاب» (١) [٥].

نزولها :

واختلفوا في نزولها ؛ أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن جعفر قراءة ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمود بن عبد الله المروزي قال : حدّثنا عبد الله بن محمود السعدي ، حدّثنا أبو يحيى القصريّ ، حدّثنا مروان بن معاوية عن الولاء بن المسيّب عن الفضل بن عمرو عن علي ابن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : «نزلت فاتحة الكتاب بمكّة من كنز تحت العرش» (٢). وعلى هذا أكثر العلماء.

يدلّ عليه ما أخبرنا الحسن بن محمد بن جعفر ، حدّثنا محمد بن محمود ، حدّثنا أبو لبابة محمد بن مهدي ، حدّثنا أبي عن صدقة بن عبد الرّحمن عن روح بن القاسم [العبري] عن عمر ابن شرحبيل قال : إن أوّل ما نزل من القرآن (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسرّ إلى خديجة (رض) وقال : «لقد خشيت أن يكون خالطني شيء». فقالت : وما ذاك؟ قال : «إني إذا خلوت سمعت النداء فأفرّ». قال : فانطلق به أبو بكر إلى ورقة بن نوفل ، فقال له ورقة : إذا أتاك فاجث له. فأتاه جبريل فقال له : «قل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)» (٣) [٦].

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ١ / ١٠ بتفاوت.

(٢) أسباب النزول للواحدي : ١١.

(٣) بتفاوت في أسباب النزول للواحدي : ١١.

٨٩

وحدّثنا الحسن بن جعفر ، حدّثنا محمد بن محمود ، حدّثنا عمرو بن صالح عن ابن عباس ، حدّثنا أبي عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : قام النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة فقال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). فقالت قريش : دق (١) الله فاك.

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن الحسن ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن يعقوب ، حدّثنا أبو زيد ، حدّثنا أبو حاتم بن محبوب الشامي ، أخبرنا عبد الجبار العلاء عن معن عن منصور عن مجاهد قال : «فاتحة الكتاب أنزلت في المدينة».

وقال الحسن بن الفضل : لكل عالم هفوة ، وهذه منكرة من مجاهد لأنه تفرّد بها ، والعلماء على خلافه.

وصح الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث أبي بن كعب أنها من : «أوّل ما نزل من القرآن» (٢) [٧] وأنها : «السبع المثاني» (٣) [٨] ، وسورة الحجر مكيّة بلا اختلاف. ومعلوم أن الله تعالى لم يمتنّ عليه بإتيانه السبع المثاني وهو بمكة ، ثم أنزلها بالمدينة ، ولا يسعنا القول بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بمكة يصلي عشر [سنوات] (٤) بلا فاتحة الكتاب ، هذا ممّا لا تقبله العقول.

قال الأستاذ : وقلت : قال بعض العلماء وقد لفق بين هذين القولين : أنها مكية ومدنية ، نزل بها جبرئيل مرتين مرّة بمكة ومرّة بالمدينة حين حلّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تعظيما وتفضيلا لهذه السورة على ما سواها ولذلك سميت مثاني ، والله أعلم.

أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أبي الفرات ، أخبرنا أبو موسى عمران بن موسى ، حدّثنا جعفر ابن محمد بن سوار ، أخبرنا أحمد بن نصر ، أخبرنا سعيد بن منصور ، حدّثنا سلام عن زيد العمّي عن ابن سيرين عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «فاتحة الكتاب شفاء من السمّ» (٥) [٩].

وأخبرنا أبو الحسن محمد بن القاسم بن أحمد ، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أيّوب ، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن صاحب ، حدّثنا المأمون بن أحمد ، حدّثنا أحمد بن عبد الله ، حدّثنا أبو معاوية الضرير عن أبي مالك الأشجعي عن ابن حمران عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن القوم ليبعث الله عليهم العذاب حتما مقضيّا فيقرأ صبيّ من صبيانهم في الكتاب : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) فيسمعه الله عزوجل فيرفع عنهم ذلك العذاب أربعين سنة» (٦) [١٠].

__________________

(١) في الأصل موجود فوقها : رق.

(٢) تفسير القرطبي : ٢٠ / ١١٧.

(٣) سنن الدارمي : ٢ / ٤٤٥.

(٤) في المخطوط : سنة.

(٥) الجامع الصغير : ٢ / ٢٠٧.

(٦) كشف الخفاء : ١ / ٢٢١.

٩٠

وحدّثنا أبو القاسم الحسن بن محمد قال : حدّثنا أبو جعفر محمد بن صالح بن هاني ، حدّثنا الحسين بن الفضل ، حدّثنا عفان بن مسلم الصفّار عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال : أنزل الله عزوجل مائة وأربعة كتب من السماء أودع علومها أربعة : التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، ثم أودع علوم هذه الأربعة الفرقان ، ثم أودع علوم القرآن المفصّل ، ثم أودع علوم المفصّل فاتحة الكتاب. فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع كتب الله المنزلة ، ومن قرأها فكأنما قرأ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان.

في فضل التسمية :

حدّثنا أبو عبد الله محمد بن علي ، حدّثنا أحمد بن سعيد ، حدّثنا جعفر بن محمد بن صالح ، وحدّثنا محمد بن القاسم الفارسي ، حدّثنا أبو محمّد عبد الله بن أحمد الشيباني ، أخبرنا أحمد بن كامل بن خلف ، حدّثنا علي بن حماد بن السكن ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الهروي حسام بن سليمان المخزومي عن أبي مليكة عن ابن عباس رضي‌الله‌عنه قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «خير الناس وخير من يمشي على جديد الأرض المعلّمون ؛ فكلما خلق الدين جدّدوه.

أعطوهم ولا تستأجروهم ، فتحرجوهم فإن المعلّم إذا قال للصبي : قل : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فقال الصبي : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كتب الله براءة للصبي ، وبراءة لأبويه وبراءة للمعلّم من النار» (١) [١١].

وأخبرنا أبو الحسن بن أبي الفضل المولى ، أخبرنا أبو عليّ الاسفرائيني الحافظ ، حدّثنا ابن الحسن البصري ، حدّثنا محمد بن مروان أبو جعفر ، حدّثنا أبي ، حدّثنا عمر بن ذر ، عن عطاء عن جابر قال : (لما نزلت (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) هرب الغيم إلى المشرق ، وسكنت الرياح ، وهاج البحر ، وأصغت البهائم بآذانها ، ورجمت الشياطين من السماء ، وحلف الله بعزته أن لا يسمّى اسمه على شيء إلّا شفاه ولا يسمّى اسمه على شيء إلّا بارك عليه ، ومن قرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) دخل الجنة) (٢).

وأخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن ، حدّثنا محمد بن محمد بن الحسن ، أخبرنا الحسن ابن علي بن نصر ، حدّثنا عبد الله بن هاشم ، أخبرنا وكيع بن الجراح ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود قال : (من أراد أن ينجيه الله من الزبانية التسعة عشر فليقرأ (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فإنّها تسعة عشر حرفا ليجعل الله له بكل حرف منها جنة من كلّ واحد) (٣) [١٢].

__________________

(١) تفسير القرطبي : ١ / ٣٣٦.

(٢) تفسير ابن كثير : ١ / ١٩ بتفاوت.

(٣) تفسير ابن كثير : ١ / ١٩.

٩١

التفسير وبالله التوفيق

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١))

قوله : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

اعلم أنّ هذه الباء زائدة ، وهي تسمّى باء التضمين أو باء الإلصاق ، كقولك : كتبت بالقلم ، فالكتابة لاصقة بالقلم. وهي مكسورة أبدا ؛ والعلة في ذلك أن الباء حرف ناقص ممال. والإمالة من دلائل الكسر ، قال سيبويه : لما لم يكن للباء عمل إلّا الكسر كسرت.

وقال المبرّد : العلّة في كسرها ردّها إلى الأصل ، ألا ترى أنك إذا أخبرت عن نفسك فإنك قلت : بيبيت ، فرددتها إلى الياء والياء أخت الكسرة كما أن الواو أخت الضمة والألف أخت الفتحة ، وهي خافضة لما بعدها فلذلك كسرت ميم الاسم.

وطوّلت هاهنا وشبهت بالألف واللام ؛ لأنهم لم يريدوا أن يفتتحوا كتاب الله إلّا بحرف مفخّم معظّم. قاله القيسي.

قال : وكان عمر بن عبد العزيز رحمه‌الله يقول لكتّابه : (طوّلوا الباء ، وأظهروا السين ، وفرّجوا بينهما ، ودوّروا الميم تعظيما لكلام الله تعالى).

وقال أبو .... (١) .. خالد بن يزيد المرادي : العلّة فيها إسقاط الألف من الاسم ، فلما أسقطوا الألف ردّوا طول الألف الى الباء ليكون دالّا على سقوط الألف منها. ألا ترى أنهم لمّا كتبوا : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) (٢) بالألف ردّوا الباء إلى صيغتها ، فإنما حذفوا الألف من (اسم) هنا فالكثرة دورها على الألسن عملا بالخفّة ، ولمّا لم يكثر أضرابها كثرتها أثبتوا الألف بها.

وفي الكلام إضمار واختصار تقديره : قل ، أو ابدأ بسم الله.

وقال آدم : الاسم فيه صلة ، مجازه : (٣) بالله الرّحمن الرحيم هو ، واحتجوا بقول لبيد :

تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما

وهل أنا إلّا من ربيعة أو مضر (٤)

إلى الحول ثم اسم السلام عليكما

ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر (٥)

__________________

(١) بياض في المخطوط.

(٢) سورة العلق : ١.

(٣) أو معناه. (هامش المخطوط)

(٤) شرح الرضي على الكافية : ٢ / ٢٤٢.

(٥) الصحاح : ٢ / ٧٣٨.

٩٢

أي ثم السلام عليكما.

ومعناه : بالله تكوّنت الموجودات ، وبه قامت المخلوقات. وأدخلوا الاسم فيه ليكون فرقا بين المتيمّن والمتيمّن به. فأمّا معنى الاسم ، فهو المسمى وحقيقة الموجود ، وذات الشيء وعينه ونفسه واسمه ، وكلها تفيد معنى واحدا. والدليل على أن الاسم عين المسمّى قوله تعالى : (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى) (١) ، فأخبر أنّ اسمه يحيى ، ثمّ نادى الاسم وخاطبه فقال : (يا يَحْيى) (٢). فيحيى هو الاسم ، والإسم هو يحيى.

وقوله تعالى : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) (٣) وأراد الأشخاص المعبودة ؛ لأنهم كانوا يعبدون المسمّيات.

وقوله تعالى : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (٤) ، و (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) (٥).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لتضربنّ مضر عباد الله حتّى لا يعبد له اسم» (٦) [١٣] أي حتى لا يعبد هو.

ثم يقال : رأينا للتسمية اسم ، واستعمالها في التسمية أشهر وأكثر من استعمالها في المسمّى ، ولعل الاسم أشهر ، وجمعه : أسماء ، مثل قنو وأقناء ، وحنو وأحناء ، فحذفت الواو للاستثقال ، ونقلت حركة الواو إلى الميم فأعربت الميم ، ونقل سكون الميم إلى السين فسكنت ، ثم أدخلت ألف مهموزة لسكون السين ؛ لأجل الابتداء يدلّك عليه التصغير والتصريف يقال : سميّ وسميّة ؛ لأن كل ما سقط في التصغير والتصريف فهو غير أصلي. واشتقاقه من (سما) (يسمو) ، فكأن المخبر عنه بأنه معدوم ما دام معدوما فهو في درجة يرتفع عنها إذ وجد ، ويعلو بدرجة وجوده على درجة عدمه. والإسم الذي هو العبارة والتسمية للمخبر والصفة للمنظر.

وأصل الصفة ظهور الشيء وبروزه ، والله أعلم.

فأمّا ما ورد في تفسيرها بتفصيلها فكثير ، ذكرت جلّ أقاويلها في حديث وحكاية.

أخبرنا الأستاذ أبو القاسم بن محمد بن الحسن المفسّر ، حدّثنا أبو الطيّب محمد بن أحمد ابن حمدون المذكر ، أخبرنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن يزيد ، حدّثنا أحمد بن هشام الأنطاكي ، حدّثنا الحكم بن نافع عن إسماعيل بن عبّاس عن إسماعيل عن يحيى عن أبي مليكة عن مسعود بن عطيّة العوفي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن عيسى بن

__________________

(١) سورة مريم : ٧.

(٢) سورة مريم : ١٣.

(٣) سورة يوسف : ٤٨.

(٤) الأعلى : ١.

(٥) الرّحمن : ٧٨.

(٦) مجمع الزوائد : ٧ / ٣١٣.

٩٣

مريم أسلمته أمّه إلى الكتّاب ليتعلّم ، فقال له المعلّم : قل (١) باسم الله. قال عيسى : وما باسم الله؟ فقال له المعلّم : ما أدري. قال : الباء : بهاء الله ، والسين : سناء الله ، والميم : مملكة الله» (٢) [١٤].

وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد يقول : سمعت أبا إسحاق بن ميثم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو يقول : سمعت أبا عبد الله ختن أبي بكر الوراق يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول في (بِسْمِ اللهِ) : إنها روضة من رياض الجنة لكل حرف منها تفسير على حدة :

فالباء على ستة أوجه :

بارئ خلقه من العرش الى الثرى ، ببيان قوله :

(إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (٣).

بصير بعباده من العرش الى الثرى ، بيانه : إنه على كل شيء بصير (٤).

باسط الرزق من العرش الى الثرى ، بيانه : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) (٥).

وباق بعد فناء خلقه من العرش إلى الثرى : بيانه : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) (٦).

باعث الخلق بعد الموت للثواب والعقاب ، بيانه : (وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٧).

بارّ بالمؤمنين من العرش إلى الثرى ، بيانه قوله : (إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) (٨).

والسين على خمسة أوجه :

سميع لأصوات خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه قوله تعالى : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٩).

سيّد قد بلغ سؤدده من العرش إلى الثرى ، بيانه : (اللهُ الصَّمَدُ) (١٠).

سريع الحساب مع خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١١).

سلم خلقه من ظلمه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (السَّلامُ الْمُؤْمِنُ) (١٢).

__________________

(١) في المصدر : أكتب.

(٢) جامع البيان للطبري : ١ / ٨١.

(٣) سورة الطور : ٢٨.

(٤) سورة الملك : ١٩.

(٥) سورة الرعد : ٢٦.

(٦) سورة الرّحمن : ٢٦.

(٧) سورة الحج : ٧.

(٨) سورة الطور : ٢٨.

(٩) سورة الزخرف : ٨٨.

(١٠) سورة الإخلاص : ٢.

(١١) سورة البقرة : ٢٠٢.

(١٢) سورة الحشر : ٢٤.

٩٤

غافر ذنوب عباده من العرش إلى الثرى ، بيانه : قوله : (غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ) (١).

والميم على اثني عشر وجها :

ملك الخلق من العرش إلى الثرى ، بيانه : (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) (٢).

مالك خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) (٣).

منّان على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ) (٤).

مجيد على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) (٥).

مؤمّن آمن خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه قوله : (وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (٦).

مهيمن اطّلع على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ) (٧).

مقتدر على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) (٨).

مقيت على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً) (٩).

متكرّم على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ) (١٠).

منعم على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه قوله : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً) (١١).

متفضّل على خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (وَلكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (١٢).

مصوّر خلقه من العرش إلى الثرى ، بيانه : (الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ) (١٣).

وقال أهل الحقائق : .... (١٤) في (بِسْمِ اللهِ) التيمّن والتبرّك وحثّ الناس على الابتداء في أقوالهم وأفعالهم بـ (بِسْمِ اللهِ) لمّا افتتح الله عزوجل كتابه به ، والله أعلم.

(اللهِ) ، اعلم أن أصل هذه الكلمة (إله) في قول أهل الكوفة ، فأدخلت الألف واللام فيها تفخيما وتعظيما لما كان اسم الله عزوجل ، فصار (الإله) ، فحذفت الهمزة استثقالا لكثرة جريانها على الألسن ، وحوّلت هويتها إلى لام التعظيم فالتقى لامان ، فأدغمت الأولى في الثانية ، فقالوا (الله).

__________________

(١) سورة غافر : ٣.

(٢) سورة الحشر : ٢٣.

(٣) سورة آل عمران : ٢٦.

(٤) سورة الحجرات : ١٧.

(٥) سورة البروج : ١٥.

(٦) سورة قريش : ٤.

(٧) سورة الحشر : ٢٣.

(٨) سورة القمر : ٥٥.

(٩) سورة النساء : ٨٥.

(١٠) سورة الإسراء : ٧٠.

(١١) سورة لقمان : ٢٠.

(١٢) سورة البقرة : ٢٥١.

(١٣) سورة الحشر : ٢٤. (١٤) بياض في المخطوط.

٩٥

وقال أهل البصرة : أصلها (لاه) ، فألحقت بها الألف واللام ، فقالوا : (الله). وأنشدوا :

كحلفة من أبي رباح

يسمعها الآهه الكبار (١)

فأخرجه على الأصل.

وقال بعضهم : أدخلت الألف واللام بدلا من الهمزة المحذوفة في (إله) ، فلزمتا الكلمة لزوم تلك الهمزة لو أجريت على الأصل ، ولهذا لم يدخل عليه في النداء ما يدخل على الأسماء المعرّفة من حروف التشبيه ، فلم يقولوا : يا أيها الله.

دفع أقاويل أهل التأويل في هذا الاسم مبنيّة على هذين القولين (٢) ... ثمة ، واختلفوا فيه ؛ فقال الخليل بن أحمد وجماعة : (الله) اسم علم موضوع غير مشتق بوجه ، ولو كان مشتقّا من صفة كما لو كان موصوفا بتلك الصفة أو بعضها ، قال الله : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) (٣).

(الله) : اسم موضوع لله تعالى لا يشركه فيه أحد ، قال الله تعالى : (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) ، يعني : أن كل اسم مشترك بينه وبين غيره ؛ له على الحقيقة ولغيره على المجاز إلّا هذا الاسم فإنه مختص به لأن فيه معنى الربوبيّة. والمعاني كلها تحته ، ألا ترى أنك إذا أسقطت منه الألف بقي لله ، وإذا أسقطت من لله اللام الأولى بقي (له) ، وإذا أسقطت من (له) اللام بقي هو.

قالوا : وإذا أطلق هذا الاسم على غير الله فإنما يقال بالإضافة كما يقال : لاه كذا أو ينكر فيقال : لله كما قال تعالى إخبارا عن قوم موسى عليه‌السلام : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) (٤). وأما (الله) ، و (الإله) فمخصوصان لله تعالى.

وقال قوم : أصله (لاها) بالسريانية ، وذلك أن في آخر أسمائهم مدّة ، كقولهم للروح : (روحا) ، وللقدس : (قدسا) ، وللمسيح : (مسيحا) ، وللابن : (ابنا) ، فلما طرحوا المدّة بقي (لاه) ، فعرّبه العرب وأقرّوه.

ولا اشتقاق له ، وأكثر العلماء على أنه مشتق ؛ واختلفوا في اشتقاقه ، فقال النضر بن إسماعيل : هو من التألّه ، وهو التنسّك والتعبّد ، قال رؤبة :

لله در الغانيات المدّه

سبحن واسترجعن من تألهي (٥)

ويقال : أله إلاهة ، كما يقال : عبد عبادة. وقرأ ابن عباس : (ويذرك وإلهتك) أي عبادتك ؛ فمعناه عبادتك المعبود الذي تحقّ له العبادة.

__________________

(١) الصحاح : ٦٧ / ٢٢٤٨.

(٢) بياض في المخطوط.

(٣) سورة مريم : ٦٥.

(٤) سورة الأعراف : ١٣٨.

(٥) الصحاح : ٦ / ٢٢٤٩.

٩٦

وقال قوم هو من (الإله) ، وهو الاعتماد ، يقال : ألهت إلى فلان ، آله إلها ، أي فزعت إليه واعتمدت عليه ، قال الشاعر :

ألهت إليها والركائب وقّف (١)

ومعناه : أن الخلق يفزعون ويتضرعون إليه في الحوادث والحوائج ، فهو يألههم ، أي يجيرهم ، فسمي إلها ، كما يقال : إمام للذي يؤتم به ، ولحاف ورداء وإزار وكساء للثوب الذي يلتحف به ، ويرتدى به (٢) ، وهذا معنى قول ابن عباس والضحّاك.

وقال أبو عمرو بن العلاء : هو من (ألهت في الشيء) (٣) إذا تحيّرت فيه فلم تهتد إليه ، قال زهير :

... (٤) .. يأله العين وسطها

مخفّفة وقال الأخطل :

ونحن قسمنا الأرض نصفين نصفها

لنا ونرامي أن تكون لنا معا

بتسعين ألفا تأله العين وسطها

متى ترها عين الطرامة تدمعا (٥)

ومعناه : أن العقول تتحيّر في كنه صفته وعظمته والإحاطة بكيفيته ، فهو إله كما قيل للمكتوب : كتاب ، وللمحسوب : حساب (٦).

وقال المبرّد : هو من قول العرب : (ألهت إلى فلان) أي سكنت إليه ، قال الشاعر :

ألهت إليها والحوادث جمّة

فكأن الخلق يسكنون إليه ويطمئنون بذكره ، قال الله تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (٧).

وسمعت أبا القاسم الحسن : سمعت أبا الحسن علي بن عبد الرحيم القناد يقول : أصله من (الوله) ، وهو ذهاب العقل لفقدان من يعزّ عليك. وأصله (أله) ـ بالهمزة ـ فأبدل من الألف واو فقيل الوله ، مثل (إشاح ، ووشاح) و (وكاف ، وإكاف) و (أرّخت الكتاب ، وورّخته) و (ووقّتت ، وأقّتت). قال الكميت :

__________________

(١) لسان العرب : ١٣ / ٤٦٩.

(٢) كذا في المخطوط.

(٣) يكون مشتق من : الوله ، وهو التحيّر.

(٤) بياض في المخطوط.

(٥) غريب الحديث : ٢ / ٣٤٧.

(٦) لسان العرب : ١٣ / ٤٦٩.

(٧) سورة الرعد : ٢٨.

٩٧

ولهت نفسي الطروب إليهم

ولها حال دون طعم الطعام (١)

فكأنه سمّي بذلك ؛ لأن القلوب تولّه لمحبّته وتضطرب وتشتاق عند ذكره.

وقيل : معناه : محتجب ؛ لأن العرب إذا عرفت شيئا ، ثم حجب عن أبصارها سمّته إلها ، قال : لاهت العروس تلوه لوها ، إذ حجبت.

قال الشاعر :

لاهت فما عرفت يوما بخارجة

يا ليتها خرجت حتّى رأيناها (٢)

والله تعالى هو الظاهر بالربوبيّة [بالدلائل والأعلام] وهو المحتجب من جهة الكيفيّة عن الأوهام.

وقيل : معناه المتعالي ، يقال : (لاه) أي ارتفع.

وقد قيل : من [إلا هتك] ، فهو كما قال الشاعر :

تروّحنا من اللعباء قصرا (٣)

وأعجلنا الألاهة أن تؤوبا (٤)

وقيل : هو مأخوذ من قول العرب : ألهت بالمكان ، إذا أقمت فيه ، قال الشاعر :

ألهنا بدار ما تبين رسومها

كأن بقاياها وشام على اليد (٥)

فكأن معناه : الدائم الثابت الباقي.

وقال قوم : [ان يقال] (٦) ذاته وهي قدرته على الإخضاع.

وقال الحارث بن أسد المجلسي ، أبو عبد الله البغدادي : الله من (ألههم) أي أحوجهم ، فالعباد مولوهون إلى بارئهم أي محتاجون إليه في المنافع والمضارّ ، كالواله المضطرّ المغلوب.

وقال شهر بن حوشب : (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) ، وقال أبو بكر الوراق : هو.

وغلّظ بعض بقراءة اللام من قوله : (اللهِ) حتى طبقوا اللسان به الحنك لفخامة ذكره ، وليصرف عند الابتداء بذكره وهو الرب.

(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، قال قوم : هما بمعنى واحد مثل (ندمان ، ونديم) و (سلمان ،

__________________

(١) لسان العرب : ١٣ / ٥٦١.

(٢) تفسير القرطبي : ١٧ / ١٠١.

(٣) في اللسان : عصرا.

(٤) تفسير الطبري : ٩ / ٣٥ ، ولسان العرب : ١ / ٢١٩.

(٥) تاج العروس : ٩ / ٣٧٥.

(٦) كذا في المخطوط.

٩٨

وسليم) ، وهوان وهوين. ومعناهما : ذو الرحمة ، والرحمة : إرادة الله الخير بأهله ، وهي على هذا القول صفة ذات. وقيل : هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة ، [وفعل] الخير إلى من لم يستحق ، وعلى هذا القول صفة فعل ، يجمع بينهما للاتّساع ، كقول العرب : جاد مجد. قال طرفة :

فما لي أراني وابن عمي مالكا

متى أدن منه ينأ عني ويبعد (١)

وقال آخر :

وألفى قولها كذبا ومينا (٢)

وفرّق الآخرون بينهما فقال : بعضهم (الرَّحْمنِ) على زنة فعلان ، وهو لا يقع إلّا على مبالغة القول. وقولك : رجل غضبان للممتلئ غضبا ، وسكران لمن غلب عليه الشراب. فمعنى (الرَّحْمنِ) : الذي وسعت رحمته كل شيء.

وقال بعضهم : (الرَّحْمنِ) العاطف على جميع خلقه ؛ كافرهم ومؤمنهم ، برّهم وفاجرهم بأن خلقهم ورزقهم ، قال الله تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (٣) ، و (الرَّحِيمِ) بالمؤمنين خاصّة بالهداية والتوفيق في الدنيا ، والجنة والرؤية في العقبى ، قال تعالى : (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (٤).

فـ (الرَّحْمنِ) خاصّ اللفظ عامّ المعنى ، و (الرَّحِيمِ) عامّ اللفظ خاصّ المعنى. و (الرَّحْمنِ) خاص من حيث إنه لا يجوز أن يسمى به أحد إلّا الله تعالى ، عامّ من حيث إنه يشمل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع. و (الرَّحِيمِ) عامّ من حيث اشتراك المخلوقين في المسمّى به ، خاص من طريق المعنى ؛ لأنه يرجع إلى اللطف والتوفيق. وهذا قول جعفر بن محمد الصادق رضي‌الله‌عنه.

(الرَّحْمنِ) اسم خاص بصفة عامة ، و (الرَّحِيمِ) اسم عام بصفة خاصة ، وقول ابن عباس : هما اسمان رقيقان أحدهما أرقّ من الآخر.

وأخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمد المفسّر ، حدّثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الدّقاق ، حدّثنا الحسن بن محمد بن جابر ، حدّثنا عبد الله بن هاشم ، أخبرنا وكيع عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال : (الرَّحْمنِ) بأهل الدنيا ، و (الرَّحِيمِ) بأهل الآخرة. وجاء في الدعاء : يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة.

وقال الضحّاك : (الرَّحْمنِ) بأهل السماء حين أسكنهم السماوات ، وطوّقهم الطاعات ،

__________________

(١) الفروق اللغوية : ١١٨.

(٢) الصحاح : ٦ / ٢٢١٠.

(٣) سورة الأعراف : ١٥٦.

(٤) سورة الأحزاب : ٤٣.

٩٩

وجنّبهم الآفات ، وقطع عنهم المطاعم واللذات. و (الرَّحِيمِ) بأهل الأرض حين أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الكتب ، وأعذر إليهم في النصيحة وصرف عنهم البلايا.

وقال عكرمة : (الرَّحْمنِ) برحمة واحدة ، و (الرَّحِيمِ) بمائة رحمة وهذا المعنى قد اقتبسه من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي حدّثناه أبو القاسم الحسن بن محمد النيسابوري ، حدّثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن يزيد النسفي بمرو ، حدّثنا أبو هريرة وأحمد بن محمد بن شاردة الكشي ، حدّثنا جارود ابن معاذ ، أخبرنا عمير بن مروان عن عبد الملك أبي سليمان عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن لله تعالى مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه ، فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وأخّر تسعة وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة» (١) [١٥].

وفي رواية أخرى : «إن الله تعالى قابض هذه إلى تلك فمكملها مائة يوم القيامة ، يرحم بها عباده» (٢) [١٦].

وقال ابن المبارك : ((الرَّحْمنِ) : الذي إذا سئل أعطى ، و (الرَّحِيمِ) إذا لم يسأل غضب. يدلّ عليه ما

حدّثنا أبو القاسم المفسّر ، حدّثنا أبو يوسف رافع بن عبد الله بمرو الروذ ، حدّثنا خلف ابن موسى : حدّثنا محمود بن خداش ، حدّثنا هارون بن معاوية ، حدّثنا أبو الملج وليس الرقّي عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : من لم يسأل الله يغضب عليه (٣) ، نظمه الشاعر فقال :

إن الله يغضب إن تركت سؤاله

وبنيّ آدم حين يسأل يغضب (٤) [١٧]

وسمعت الحسن بن محمد يقول : سمعت إبراهيم بن محمد النسفي يقول : سمعت أبا عبد الله ـ وهو ختن أبي بكر الوراق ـ يقول : سمعت أبا بكر محمد بن عمر الورّاق يقول : ((الرَّحْمنِ) : بالنعماء وهي ما أعطي وحبا ، و (الرَّحِيمِ) بالآلاء وهي ما صرف وزوى).

وقال محمد بن علي المزيدي : (الرَّحْمنِ) بالانقاذ من النيران ، وبيانه قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) (٥) ، و (الرَّحِيمِ) بإدخالهم الجنان ، بيانه : (ادْخُلُوها بِسَلامٍ آمِنِينَ) (٦).

وقال المحاسبي : ((الرَّحْمنِ) : برحمة النفوس ، و (الرَّحِيمِ) برحمة القلوب).

__________________

(١) صحيح مسلم : ٨ / ٩٦ ، سنن ابن ماجة : ٢ / ١٤٣٥ بتفاوت.

(٢) المستدرك : ٤ / ٢٤٨ ، بتفاوت.

(٣) فتح الباري : ١١ / ٧٩.

(٤) تفسير القرطبي : ٥ / ١٦٤.

(٥) سورة الحجر : ٤٦.

(٦) سورة آل عمران : ١٠٣.

١٠٠