نهاية الحكمة

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي

نهاية الحكمة

المؤلف:

آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي


المحقق: الشيخ عبّاس علي الزارعي السبزواري
الموضوع : الفلسفة والمنطق
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٤
ISBN: 964-470-005-8
الصفحات: ٤٣٢

السابع : أنّه جوهرٌ مركّبٌ من جوهرين : (أحدهما) المادّة التي هي قوّةُ كلِّ فعليّة.

و (الثاني) الإتّصال الجوهريّ الذي هو صورتها.

والصورة اتّصالٌ وامتدادٌ جوهريٌّ يقبل القسمةَ إلى أجزاء غيرِ متناهية بمعنى لا يقف ، فإنّ اختلاف العرضَيْن يقسمه ، وكذا الآلة القطّاعة تقسمه بالقطع ، حتّى إذا أعيَتْ لصُغْر الجزء أو صلابته أخَذَ الوهمَ في التقسيم ، حتّى إذا عجز عنه لنهاية صُغر الجزء أخَذَ العقلَ في تقسيمه على نحو كليٍّ بأنّه كلّما قُسِّم إلى أجزاء كان الجزءُ الجديد ذا حجم له جانبٌ غير جانب يقبل القسمةَ من غير أن يقف ، فورود القسمة لا يعدم الجسمَ ، وهو قول أرسطو والأساطين من حكماء الإسلام (١).

هذا ما بلغنا من أقوالهم في ماهيّة الجوهر المسمّى بالجسم (٢). وفي كلّ منها

__________________

اللوحيّة والعرشيّة» ـ إنتهى. وراجع التلويحات ص ١٤.

لا يقال : الظاهر أنّ بين كلاميه تناقضاً ، حيث حكم ببساطة الجسم وجوهريّة المقدار في حكمة الإشراق ص ٨٠ و ٨٨ ، وحكم بتركُّب الجسم وعرضيّة المقدار في التلويحات ص ١٤. لأنّا نقول : قال صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ١٧ ـ ١٨ : «لكنّ الشارحين لكلامه مثل محمّد الشهرزوريّ صاحب تاريخ الحكماء وابن كمونة شارحَيِ التلويحات والعلاّمة الشيرازيّ شارح حكمة الإشراق كلّهم اتّفقوا على عدم المنافاة بين ما في الكتابين في المقصود ، قائلين أنّ الفرق يرجع إلى تفاوت اصطلاحَيْه فيهما ، ويتحقّق ذلك بأنّ في الشمعة حين تبدّل أشكاله مقدارين : ثابتٌ ، وهو جوهر لا يزيد ولاينقص بتوارد الأشكال عليه؛ ومتغيّرٌ ، هو ذهاب المقادير في الجوانب وهو عرض في المقدار الذي هو جوهر ، ومجموعهما هو الجسم ، والجوهر منهما هو الهيولى على مصطلح التلويحات ، وذلك الإمتداد الجوهريّ هو الجسم على مصطلح حكمة الإشراق ، وهو الذي يسمّى ـ بالنسبة إلى الهيئات والأنواع المحصّلة ـ الهيولى. فلا مناقضة بين حكمه ببساطة الجسم وجوهرّية المقدار في أحد الكتابين وحكمه بتركّب الجسم وعرضيّة المقدار في الآخر ، فإنّ ذلك الجسم والإمتداد غير هذا الجسم والإمتداد ، فتوهُّم المناقضة إنّما طرأ من اشتراك اللفظ» ، إنتهى كلامه. وراجع أيضاً شرح حكمة الإشراق ص ٢٢٠.

(١) وهم أصحاب المعلّم الأوّل ومن يحذو حذوهم من حكماء الإسلام كالشيخين أبي نصر الفارابيّ وأبي علي ابن سينا. راجع الأسفار ج ٥ ص ١٧ ، وشوارق الإلهام ص ٢٨٦.

(٢) وفي المقام قولٌ آخر ، هو : أنّ الجسم مؤلّفٌ من محض الأعراض من الألوان والطعوم

١٢١

وجهٌ أو وجوهٌ من الضعف نشير إليها بما تيسّر.

أمّا القول الأوّل المنسوب إلى المتكلّمين ، وهو : أنّ الجسم مركّبٌ من أجزاء لا تتجزّى أصلا ، تمرُّ الآلةُ القطّاعة على فواصل الأجزاء ، وهي متناهية تقبل الإشارة الحسيّة.

ففيه : أنّ الجزءالمفروض إن كان ذا حجم كان له جانبٌ غير جانب بالضرورة ، فيجري فيه الإنقسام العقليّ وإن لم يمكن تقسيمه خارجاً ولا وهماً لنهاية صُغْره ، وإن لم يكن له حجمٌ امتنع أن يحصل من اجتماعه مع غيره جسمٌ ذو حجم.

وأيضاً لنفرض جزءاً لا يتجزّى بين جزئين كذلك ، فإن كان يحجز عن مماسّة الطرفين انقسم ، فإنّ كلا من الطرفين يُلقى منه غيرُ ما يلقاه الآخر (١) ، وإن لم يحجز عن مماسّتهما إستوى وجود الوسط وعدمه (٢).

ومثلُهُ كلُّ وسط مفروض ، فلم يحجب شيء شيئاً ، وهو ضروريُّ البطلان.

وأيضاً لنفرض جزءاً لا يتجزّى فوق جزئين كذلك وعلى ملتقاهما ، فإن لقى بكلّه أو ببعضه كلَّ كليهما تجزّى ، وإن لقى بكلّه كلَّ أحدهما فقط فليس على الملتقى وقد فرض عليه ، وإن لقى بكلّه أو ببعضه من كلّ منهما شيئاً انقسم وانقسما جميعاً (٣).

وقد أوردوا في بطلان الجزء الذي لا يتجزّى وجوهاً من البراهين ، وهي كثيرة مذكورة في كتبهم (٤).

__________________

والروائح وغير ذلك. وهذا منسوب إلى الحسين النجّار وضرار بن عمرو من المعتزلة. راجع الفَرْق بين الفِرَق ص ١٥٦ و ١٦٠ ، ومقالات الإسلاميّين ج ٢ ص ٦ ـ ٧ و ١٥ ـ ١٦ ، وتلخيص المحصّل ص ١٨٩ ، والتبصير في الدين ص ١٠١ و ١٠٥. وتعرّض له في الأسفارج ٥ ص ٦٧.

(١) راجع شرح الإشارات ج ٢ ص ١٢.

(٢) هكذا في شرح حكمة العين ص ٢١٦.

(٣) هذا ، وأجاب عنه الشيخ الرئيس أيضاً في النجاة ص ١٠٢ ـ ١٠٣.

(٤) راجع شرح حكمة الإشراق ص ٢٣٨ ـ ٢٤٢ ، والفصل الثالث والرابع والخامس والسادس

١٢٢

وأمّا القول الثاني المنسوب إلى النظّام ، وهو أنّ الجسم مركّبٌ من أجزاء لا تتجزّى غير متناهية.

فيرد عليه ما يرد على القول الأوّل ، مضافاً إلى أنّ عدمَ تناهي الأجزاء على تقدير كونها ذواتِ حجم يوجب كونَ الجسمُ المتكوّنُ من اجتماعها غيرَ متناهي الحجم بالضرورة ، والضرورة تدفعه (١).

وأمّا القول الثالث المنسوب إلى ذيمقراطيس ، وهو أنّ الجسم مركّبٌ من أجزاء صِغار صِلَبة لا تتجزّى خارجاً ، وإن جاز أن تتجزّى وهماً وعقلا.

ففيه : أنّ هذه الأجزاء لا محالة جواهرٌ ذوات حجم ، فتكون أجساماً ذواتُ اتّصال جوهريِّ تتألّف منها الأجسام المحسوسة ، فالذي يثبته هذا القول أنّ هاهنا أجساماً أوّليّةً هي مبادئ هذه الأجسام المحسوسة ، على أنّ هذا القول لا يتبيّن به نفي الهيولى وإبطالُ تركُّبِ الجسم منها ومن الصورة الجسميّة ، وسيأتي إثباتها في الفصل التالي (٢) ، فيؤول إلى إثبات الصورة الجسميّة للأجسام الأوّليّة التي هي مبادئ هذه الأجسام المحسوسة ، وإليها تنتهي بالتجزئة.

وأمّا القول الرابع المنسوب إلى الشهرستانيّ ، وهو كونُ الجسم متّصلا واحداً كما في الحسّ يقبل القسمةَ إلى أجزاء متناهية.

__________________

من المقالة الثالثة من الفنّ الأوّل من طبيعيات الشفاء ، والتحصيل ص ٣٢٢ ـ ٣٣١ ، والمباحث المشرقيّة ج ٢ ص ١١ ـ ٢٣ ، والمطالب العاليّة ج ٦ ص ١٩ ـ ١٦٦ ، وشرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين ص ١٢ ـ ٢٤ ، والأسفار ج ٥ ص ٢٩ ـ ٥٦ ، وشرح المقاصد ج ١ ص ٢٩٣ ـ ٣٠٤ ، وشرح المواقف ص ٣٥٧ ـ ٣٦٦ ، وايضاح المقاصد ص ٢٤٩ ـ ٢٥٦ ، وشرح عيون الحكمة ج ٢ ص ١٠١ ـ ١١٨ ، وشرح المنظومة ص ٢٢٢ ـ ٢٢٧ ، وأنوار الملكوت في شرح الياقوت ص ١٩ ، وكشف المراد ص ١٤٣ ـ ١٤٩ ، وشرح الإشارات ج ٢ ص ١٩ ـ ٣٢. وذهب إلى اثباته بعض من المتكلّمين ، فراجع نهاية الأقدام ص ٥٠٥ ـ ٥٠٧ ، وقواعد المرام ص ٥٢ ـ ٥٥ ، والأربعين ج ٢ ص ٤ ـ ١٧.

(١) هذا ، وأجاب عنه أيضاً الشيخ الرئيس في النجاة ص ١٠٤ ، والفصل الرابع من المقالة الثالثة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.

(٢) راجع الفصل التالي.

١٢٣

ففيه : أنّ لازِمَه وقوفُ القسمةِ العقليّةِ ، وهو ضروريُّ البطلان.

وأمّا القول الخامس المنسوب إلى أفلاطون ، وهو كونُ الجسم جوهراً بسيطاً وهو الاتّصال الجوهريّ القابل للقسمة إلى غير النهاية.

ففيه : منعُ كونِ الجسم بسيطاً ، لما سيوافيك من إثبات الهيولى للجسم (١) ، على أنّ في كون الاتّصال الجوهريّ الذي للجسم هو ما يناله الحسّ من الأجسام المحسوسة كلاماً سيأتي إن شاء الله (٢).

وأمّا القول السادس المنسوب إلى شيخ الإشراق ، وهو : كونُ الجسم مركّباً من جوهر وعرض ، وهما المادّة والجسم التعليميّ الذي هو من أنواع الكمّ المتّصل.

ففيه : أوّلا : أنّ لا معنى لتقويم العرض للجوهر مع ما فيه مِنْ تألُّفِ ماهيّة حقيقيّة من مقولتَيْن ، وهما الجوهر والكم ، والمقولات متباينةٌ بتمام الذات.

وثانياً : أنّ الكم عرضٌ محتاجٌ إلى الموضوع حيثما كان ، فهذا الإمتداد المقداريّ الذي يتعيّن به طولُ الجسم وعرضُه وعمقُه كمٌّ محتاجٌ إلى موضوع يحلّ فيه ، ولولا أنّ في موضوعه إتّصالا مّا يقبل أن يوصف بالتعيّن لم يعرضه ولم يحلّ فيه ، فلو أخذنا مقداراً من شمعة وسوّيناها كرةً ثمّ اُسطوانيّاً ثمّ مخروطاً ثمّ مكعّباً وهكذا ، وجدنا الأشكال متغيّرةً متبدّلةً ، وللشمعة اتّصالٌ باق محفوظٌ في الأشكال المختلفة المتبدّلة.

فهناك اتّصالان : اتّصالٌ مبهمٌ غيرُ متعيّن في نفسه ، لولاه لم يكن شمعةً واتّصالٌ وامتدادٌ متعيّنٌ لو بطل لم يبطل به جسم الشمعة.

والأوّل هو صورة الجسم ، والثاني عرضٌ يعرض الجسم ، والانقسام يعرض الجسم من حيث عَرَضَه هذا ، وأمّا من حيث اتّصاله الذاتيّ المبهم فله إمكانُ أن يفرض فيه أبعاد ثلاثة.

قال الشيخ في الشفاء : «فالجسميّة بالحقيقة صورةُ الإتّصال القابل لما قلناه من فرض الأبعاد الثلاثة ، وهذا المعنى غير المقدار وغير الجسميّة التعليميّة ، فإنّ

__________________

(١) في الفصل التالي.

(٢) في آخر هذا الفصل ، حيث قال : «لا حجّة تدلّ على كون الجسم في اتصاله كما هو عليه عند الحس ، فخطأ الحسّ غير مأمون».

١٢٤

هذا الجسم من حيث له هذه الصورة لا يخالف جسماً آخر بأنّه أكبر أو أصغر ، ولا يناسبه بأنّه مساو أو معدودٌ به أو عادٌّ له أو مشاركٌ أو مباينٌ ، وإنّما ذلك له من حيث هو مقدَّر ، ومن حيث جزء منه يعدّه ، وهذا الاعتبار غير اعتبار الجسميّة التي ذكرناها» (١) ، إنتهى.

وبالجملة فأخْذُ الإمتداد الكمّيّ العرضيّ في ماهيّة الجوهر ـ على ما فيه من الفساد ـ خلطٌ بين الإتّصال الجوهريّ والإمتداد العرضيّ الذي هو الجسم التعليميّ.

وأمّا القول السابع المنسوب إلى أرسطو ، وهو تركُّبُ الجسم من الهيولى والصورة الجسميّة ، وهي الاتّصال الجوهريّ على ما عند الحس ، وهو كون الشيء بحيث يمكن أن يفرض فيه امتدادات ثلاثة متقاطعة على قوائم تقبل القسمةَ إلى أجزاء غير متناهية.

أمّا الهيولى فسيجيء إثباتها (٢) ، وأمّا الصورة الجسمية التي هي الإتّصال فقد تقدّم توضيحه.

ففيه : أنّ كون الجسم مركّباً من مادّة واتّصال جوهريّ يقبل القسمةَ إلى غير النهاية ، لا غبارَ عليه ، لكن لا حجّة تدلّ على كون الجسم في اتّصاله كما هو عليه عند الحسّ ، فخطأ الحسّ غير مأمون.

وقد اكتشف علماء الطبيعية أخيراً بعد تجارُب دقيقة فنّية أنّ الأجسام مؤلَّفة من أجزاء ذَرّيّة لا تخلو من جرم ، بينها من الفواصل أضعافٌ مّا لأجرامها من الإمتداد ، فلينطبق هذا القول على ما اكتشفوه من الأجسام الذَرّية التي هي مبادئ تكوُّن الأجسام المحسوسة ، وليكن وجود الجسم بهذا المعنى أصلا موضوعاً لنا.

نعم ، لو سلّم ما يقال : «إنّ المادّة ـ يعنون بها الأجسام الذَرّية الاُوَل ـ قابلةُ التبدّل إلى الطاقة وإنّها مجموعة من ذَرّات الطاقة المتراكمة» ، كان من الواجب في البحث الحكميّ أخْذُ الطاقة نوعاً عالياً مترتّباً على الجوهر قبل الجسم ثمّ ترتيب

__________________

(١) راجع الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء. وتعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ٢١.

(٢) في الفصل التالي.

١٢٥

الأبحاث المتفرّفة على ما يناسب هذا الوضع ، فليتأمّل.

الفصل الخامس

في ماهية المادّة وإثبات وجودها

لا ريب أنّ الجسم في أنّه جوهرٌ يمكن أن يفرض فيه الامتدادات الثلاثة أمرٌ بالفعل ، وفي أنّه يمكن أن يوجد فيه كمالاتٌ اُخر أوّليّةٌ مسمّاةٌ بالصورة النوعيّة التي تكمِّل جوهرَه ، وكمالاتٌ ثانيةٌ من الأعراض الخارجة عن جوهره ، أمرٌ بالقوّة.

وحيثيّة الفعل غير حيثيّة القوّة ، لما أنّ الفعل لا يتمّ إلاّ بالوجدان ، والقوّة تلازِمُ الفقدان.

فالذي يقبل من ذاته هذه الكمالات الاُولى والثانية الممكنة فيه ويتّحد بها ، أمرٌ غيرُ صورته الاتّصالية التي هو بها بالفعل ، فإنّ الإتّصال الجوهريّ ـ من حيث هو ـ إتّصالٌ جوهريٌّ لا غير؛ وأمّا حيثيّة قوّة الكمالات اللاحقةوإمكانها فأمرٌ خارجٌ عن الإتّصال المذكور مغايرٌ له ، فللجسم وراء إتصاله الجوهريّ جزءٌ آخر حيثيّةُ ذاتِهِ حيثيّةَ قبول الصور والأعراض اللاحقة ، وهو الجزء المسمّى بـ «الهيولى والمادّة» (١).

فتبيّن أنّ الجسم جوهرٌ مركّبٌ من جزئين جوهريَّيْن : المادّة التي إنيّتها قبول الصور المتعلَّقة نوعَ تعلقٍّ بالجسم والأعراض المتعلَّقة بها ، والصورة الجسميّة؛ وأنّ المادّه جوهرٌ قابلٌ للصور والأعراض الجسمانيّة؛ وأنّ الامتدادالجوهريّ صورةٌ لها.

لا يقال (٢) : لا ريب أنّ الصور والأعراض الحادثة اللاحقة بالأجسام يسبقها

__________________

(١) قال صدر المتألّهين فيما علّقه على حكمة الإشراق وشرحه : «وهذه الحجّة ممّا ذكره المصنّف (رحمه الله) ـ أي الشيخ الإشراقيّ ـ في المطارحات» ، فراجع شرح حكمة الإشراق ص ٢١٨. ولكن لم أجدها في المطارحات. ونسبها الرازيّ إلى الشيخ الرئيس في المطالب العالية ج ٦ ص ٢٠٢.

(٢) وهذا الإعتراض مستفادٌ من كلام الرازيّ في شرح عيون الحكمة ج ٣ ص ٢٣ ، حيث قال : «والثاني أنّ الهيولى ...» ويستفاد أيضاً ممّا نقله صدر المتألّهين عن بعض المحقّقين ، فراجع الأسفار ج ٥ ص ١٦٠.

١٢٦

إمكانٌ في المحلّ وإستعدادٌ وتهيّؤٌ فيه لها ، وكلّما قرب الممكن من الوقوع زاد الإستعداد إختصاصاً واشتدّ حتّى إذا صار استعداداً تامّاً وجد الممكن بإفاضة من الفاعل.

فما المانع من إسناد القبول إلى الجسم ـ أعني الإتّصال الجوهريّ ـ بواسطة قيام الاستعداد به عروضاً من غير حاجة إلى استعداد وقبول جوهريّ نثبتها جزءاً للجسم؟ ، على أنّ القبول والاستعداد مفهومٌ عَرَضيٌّ قائمٌ بالغير ، فلا يصلح أن يكون حقيقةً جوهريّةً (١).

على أنّ من الضروريّ أنّ الإستعداد يُبْطَل مع تحقّقِ المستعدّ له ، فلو كان هناك هيولى ـ هي إستعدادٌ وقبولٌ جوهريٌّ وجزءٌ للجسم ـ لبطلَتْ بتحقُّقِ الممكن المستعدّ له ، وبطل الجسم ببطلان جزئه وانعدم بانعدامه ، وهو خلاف الضّرورة (٢).

فإنّه يقال : مغايرة الجسم ـ بما أنّه اتّصالٌ جوهريٌّ لا غير ـ مع كلٍّ من الصور النوعيّة تأبى أن يكون موضوعاً للقبول والإستعداد لها ، بل يحتاج إلى أمر آخر لا يأبى أن يتّحد مع كلٍّ من الصور اللاحقة ، فيكون في ذاته قابلا لكلّ منها وتكون الاستعدادات الخاصّة التي تتوسّط بينه وبين الصور الممكنة أنحاء تعيّنات القبول الذي له في ذاته ، فنسبةُ الاستعدادات المتفرّقة المتعيّنة إلى الإستعداد المبهم الذي للمادّة في ذاتها نسبةَ الأجسام التعليميّة والإمتدادات المقداريّة التي هي تعيّنات للامتداد والاتّصال الجوهريّ إلى الاتّصال الجوهريّ.

ولو كان الجسم ـ بما أنّه إتّصال جوهريّ ـ هو الموضوع للاستعداد والجسم من الحوادث التي يسبقها إمكان ، لكان حاملا لإمكان نفسه ، فكان متقدّماً على نفسه بالزمان.

وأمّا ما قيل (٣) : إنّ المفهومَ من القبول معنى عَرَضيٌّ قائمٌ بالغير ، فلا معنى للقول بكون المادّة قبولا بذاته وهو كون القبول جوهراً

__________________

(١) تعرّض له صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ٧١ نقلا عن الشيخ الإشراقيّ في أوائل طبيعيات كتابه.

(٢) وتعرّض له أيضاً صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ٧٤ نقلا عن الشيخ الإشراقيّ.

(٣) والقائل الشيخ الإشراقيّ على ما نُقل عنه في الأسفار ج ٥ ص ٧١.

١٢٧

فيدفعه : أنّ البحث حقيقيٌّ ، والمتّبَعُ في الأبحاث الحقيقيّة البرهانُ دون الألفاظ بمفاهيمها اللغوية ومعانيها العرفية.

وأمّا حديث بطلان الاستعداد بفعليّة تحقُّق المستعدّ له المقويّ عليه ، فلا ضَيْرَ فيه ، فإنّ المادّة هي في ذاتها قوّةُ كلِّ شيء من غير تعيُّنِ شيء منها ، وتعيُّن هذه القوّة المستتبع لتعيُّن المقويّ عليه عَرَضٌ موضوعه المادّة ، وبفعليّة الممكن المقويّ عليه تبطل القوّة المتعيّنة والاستعداد الخاص ، والمادّة على ما هي عليه من كونها قوّة على الصّور الممكنة.

وبالجملة : إن كان مراد المستشكل بقوله : «إنّ الاستعداد يبطل بفعليّة الممكن المستعدُّ له» هو مطلق الإستعداد الذي للمادّة فممنوع ، وإن كان مراده هو الاستعداد الخاص الذي هو عرضٌ قائمٌ بالمادّة فمسلّم ، لكن بطلانه لا يوجب بطلان المادّة.

لا يقال (١) : الحجّة ـ أعني السلوك إلى إثبات المادّة بمغايرة القوّة والفعل ـ منقوضةٌ بالنفس الإنسانيّة ، فإنّها بسيطةٌ مجرّدةٌ من المادّة ولها آثار بالقوّة كسنوح الإرادات والتصوّرات وغير ذلك ، فهي أمرٌ بالفعل في ذاتها المجرّدة وبالقوّة من حيث كمالاتها الثانية.

فإذا جاز كوُنها على بساطتها بالفعل وبالقوّة معاً فليجز في الجسم أن يكون متّصفاً بالفعليّة والقوّة من غير أن يكون مركّباً من المادّة والصورة.

فإنّه يقال (٢) : النفس ليست مجرّدةً تامّةً ذاتاً وفعلا ، بل هي متعلّقةٌ بالمادّة فعلا ، فلها الفعليّة من حيث تجرّدها والقوّة من حيث تعلّقها بالمادّة.

لا يقال (٣) : الحجّة منقوضةٌ بالنفس الإنسانيّة من جهة اُخرى ، وهو أنّهم

__________________

(١) كما قال بعض شيعة الأقدمين. راجع شرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين ص ٤٦ ، والأسفار ج ٥ ص ١١٤. وتعرّض له أيضاً فيما علّق على شرح حكمة الإشراق ص ٢١٨ ولم يَنْسِبْ إليه. وهذا النقض يظهر من كلام الشيخ الإشراقيّ في المطارحات ص ٤٩٦ ـ ٤٩٧.

(٢) هكذا أجاب عنه صدر المتألّهين في كُتُبه ، فراجع الأسفار ج ٥ ص ١١٥ ، وشرحه للهداية الأثيريّة ص ٤٦ ، وتعليقاته على شرح حكمة الإشراق ص ٢١٨.

(٣) هذا الإعتراض ممّا خطر ببال المصنّف (رحمه الله) ، ثمّ أجاب عنه بقوله : «فإنّا نقول ...».

١٢٨

ذكروا ـ وهو الحقّ ـ أنّ النفس الإنسانيّة العقليّة مادّةٌ للمعقولات المجرّدة ، وهي مجردّة كلّما تعقّلت معقولا صارت هي هو.

فإنّا نقول : خروج النفس المجرّدة من القوّة إلى الفعل باتّحادها بعقل بعدَ عقل ليس من باب الحركة المعروفة التي هي كمالٌ أوّلُ لما بالقوّة من حيث إنّه بالقوّة ، وإلاّ استلزم قوّةً واستعداداً وتغيّراً وزماناً ، وكلّ ذلك ينافي التجرّدَ الذي هو الفعليّة التامّة العارية من القوّة.

بل المرادُ بكون النفس مادّةً للصور المعقولة إشتدادُ وجودِها المجرّد من غير تغيرّ وزمان باتّحادها بالمرتبة العقليّة التي فوق مرتبة وجودها بإضافة المرتبة العالية ، وهي الشرط في إفاضة المرتبة التي هي فوق ما فوقها.

وبالجملة مادّيّةُ النفس للصور المجرّدة المعقولة غيرُ المادّيّة بالمعنى الذي في عالم الأجسام نوعاً ، وناهيك في ذلك عدم وجود خواصّ المادّة الجسمانيّة هناك.

لا يقال (١) : الحجّة منقوضةٌ بنفس المادّة ، فإنّها في نفسها جوهرٌ موجودٌ بالفعل ولها قوّةُ قبولِ الأشياء ، فيلزم تركّبها من صورة تكون بها بالفعل ومادّة تكون بها بالقوّة ، وننقل الكلام إلى مادّة المادّة وهلمّ جرّاً فيتسلسل ، وبذلك يتبيّن أنّ الاشتمال على القوّة والفعل لا يستلزم تركّباً في الجسم.

لأنّه يقال ـ كما أجاب عنه الشيخ (٢) ـ : إنّ المادّةَ متضمّنةٌ للقوّة والفعل ، لكنّ قوّتَها عينُ فعليّتها وفعليّتَها عينُ قوَّتها ، فهي في ذاتها محضُ قوّةِ الأشياء ، لا فعليّة

__________________

(١) وهذا الإعتراض أيضاً ممّا نقله صدر المتألّهين عن لسان بعض شيعة الأقدمين في شرحه للهداية الأثيريّة ص ٤٦. وتعرّض له أيضاً في الأسفار ج ٥ ص ١١٦ ، وتعليقاته على شرح حكمة الإشراق ص ٢١٨. وكذا تعرّض له الشيخ الرئيس في الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء ، والفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج ٢ ص ٤٤.

(٢) راجع الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «فنقول : إنّ جوهر الهيولى وكونها بالفعل هيولى ليس شيئاً آخر إلاّ أنّه جوهر مستعدّ لكذا ...» وراجع الأسفار ج ٥ ص ١١٦ ، وشرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين ص ٤٧ ، وتعليقاته على شرح حكمة الإشراق ص ٢١٨.

١٢٩

لها إلاّ فعليّة أنّها قوّةُ الأشياء.

لا يقال (١) : الحجّة منقوضةٌ بالعقل ، فإنّه مؤثّرٌ فيما دونه ، متأثّرٌ عمّا فوقه ، ففيه جهتا فعل وانفعال ، فيلزم على قولكم تركُّبُه من مادّة وصورة حتّى يفعل بالصورة وينفعل بالمادّة.

فإنّه يقال (٢) : إنّ الانفعال والقبول هناك غير الانفعال والقبول المبحوث عنه في الأجسام ، فانفعالُ العقل وقبولُه الوجودَ ممّا فوقه ليس إلاّ مجرّد وجوده الفائض عليه ، من غير سبْقِ قوّة واستعداد يقرّب موضوعه من الفعليّة ، وإنّما العقل يفرض للعقل ماهيّة يعتبرها قابلةً للوجود والعدم ، فيعتبر تلبُّسَها بالوجود قبولا وانفعالا ، فالقبول كالانفعال مشتركٌ بين المعنيين ، والذي يستلزم التركّب هو القبول بمعنى الاستعداد والقوّة السابقة ، دون القبول بمعنى فيضان الوجود ، فالعقل يفعل بعين ما يقبل وينفعل به.

الفصل السادس

في أنّ المادّة لا تفارق الجسميّة والجسميّة لا تفارق

المادّة أي أنّ كلّ واحدة منهما لا تفارق صاحبتها

أمّا أنّ المادّة لا تتعرّى عن الصورة فلأنّها في ذاتها وجوهرها قوّةُ الأشياء ، لا نصيب لها من الفعليّة إلاّ فعليّة أنّها لا فعليّة لها ، ومن الضروريّ أنّ الوجود يلازم الفعليّة المقابلة للقوّة. فهي ـ أعني المادّة ـ في وجودها مفتقرة إلى موجود فعليٍّ محصِّلِ الوجود تتّحد به فتحصَّل بتحصُّله ، وهو المسمّى «صورةً».

وأيضاً لو وجدَتْ المادّة مجرّدةً عن الصّورة لكانت لها فعليّةٌ في وجودها ،

__________________

(١) وتعرّض لهذا الإعتراض صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ١١٦ ، وفي تعليقاته على شرح حكمة الإشراق ص ٢١٨. والظاهر أنّه أورده الشيخ الإشراقيّ في المطارحات ص ٤٩٧.

(٢) هكذا أجاب عنه صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ١١٦.

١٣٠

وهي قوّة الأشياء محضاً ، وفيه اجتماع المتنافيَيْن في ذات واحدة ، وهو محالٌ.

ثمّ إنّ المادّة لمّا كانت متقوّمةَ الوجود بوجود الصورة فللصورة جهة الفاعليّة بالنسبة إليها ، غير أنّها ليست تامّةَ الفاعليّة لتبدُّلِ الصَوَرِ عليها ، والمعلول الواحد لا تكون لها إلاّ علّةً واحدةً ، فللمادّة فاعلٌ أعلى وجوداً من المادّة ، والمادّيّات يفعل المادّةَ (١) ويحفظ وجودَها باتّحاد صورة عليها بعد صورة ، فالصورة شريكةُ العلّة للمادّة (٢).

لا يقال (٣) : المادّة ـ على ما قالوا (٤) ـ واحدةٌ بالعدد ، وصورةٌ مّا واحدةٌ بالعموم ، والواحد بالعدد أقوى وجوداً من الواحد بالعموم ، فلازمُ عليّة صورة مّا للمادّة كونُ ما هو أقوى وجوداً معلولا للأضعف وجوداً ، وهو محالٌ.

فإنّه يقال (٥) : إنّ المادّة وإن كانت واحدةً بالعدد لكن وحدتها مبهمة ضعيفة ، لإبهام وجودها وكونها محضَ القوّة ، ووحدةُ الصورة ـ وهي شريكةُ العلّة التي هي المفارق ـ مستظهرةٌ بوحدة المفارق.

فمَثَلُ إبقاء المفارق وحفظ المادّة بصورة مّا مَثَلُ السقف يحفظ من الإنهدام بنَصْب دعامة بعدَ دعامة (٦).

وسيأتي في مباحث الحركة الجوهرية إن شاء الله (٧) ما ينكشف به حقيقة الحال في كثرة هذه الصور المتعاقبة على المادّة.

وقد تبيّن بما تقدّم أنّ كلَّ فعليّة وتحصُّل تعرض المادةَ فإنّما هي بفعليّة

__________________

(١) أي يؤثّر هذا الفاعل في المادّة.

(٢) كما قال به بهمنيار في التحصيل ص ٣٤١.

(٣) تعرّض لهذا الإشكال الشيخ الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء. وأشار إليه أيضاً في الإشارات حيث قال : «وها هنا سرٌّ آخر» فراجع شرح الإشارات ج ٢ ص ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٤) والقائل به الشيخ الرئيس في التعليقات ص ٥٧.

(٥) كما قال به الشيخ الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء ، وتعرّض له المحقّق الطوسيّ في شرح الاشارات ج ٢ ص ١٢٥ ـ ١٢٦.

(٦) هكذا في شرح المقاصد ج ١ ص ٣١٥. وشرح الإشارات ج ٢ ص ١٢٦.

(٧) راجع الفصل الثامن من المرحلة التاسعة.

١٣١

الصورة ، لِما أنّ تحصُّلَها بتحصُّلِ الصورة ، وأنّ الصورة شريكة العلّة للمادّة ، وأنّ الصورة متقدّمةٌ على المادّة وجوداً وإن كانت المادّة متقدّمةً عليها زماناً.

وأمّا أنّ الصورة الجسميّة لا تتعرّى عن المادّة فلأنّ الجسم أيّاً مّا كان لا يخلو عن عوارض مفارقة تتوارد عليه من أقسام الحركات والكم والكيف والأين والوضع وغيرها ، وكذلك الصور النوعيّة المتعاقبة عليه ، وهي جميعاً تتوقّف على إمكان واستعداد سابق لا حاملَ له إلاّ المادّة ، فلا جسمَ إلاّ في مادّة.

وأيضاً الجسم بما أنّه جوهرٌ قابلٌ للأبعاد الثلاثة طبيعةٌ نوعيّةٌ تامّةٌ واحدةٌ ، وإن كانت تحته أنواع ، وليس كمفهوم الجوهر الذي ليس له إلاّ أن يكون ماهيّةً جنسيّةً ، لا حكمَ له إلاّ حكم أنواعه المندرجة تحته.

فإذا كان طبيعةً نوعيّةً فهو بطبيعته وفي ذاته إمّا أن يكون غنيّاً عن المادّة غيرَ مفتقر إليها أو مفتقراً إليها ، فإن كان غنيّاً بذاته استحال أن يحلّ المادّة ، لأنّ الحلول عين الافتقار ، لكِنّا نجد بعض الأجسام حالا في المادّة ، فليس بغنيٍّ عنها؛ وإن كان مفتقراً إليها بذاته ، ثبت الافتقار ، وهو الحلول في كلّ جسم.

لا يقال (١) : لِمَ لا يجوز أن يكون غنيّاً عنها بحسب ذاته وتعرضه المقارنة في بعض الأفراد لسبب خارج عن الذّات كعروض الأعراض المفارقة للطبائع النوعيّة؟.

لأنّه يقال (٢) : مقارنة الجسم للمادّة ـ كما اُشير إليه (٣) ـ بحلوله فيها. وبعبارة

__________________

(١) هذا دخلُ مقدّر يستفاد ممّا ذكره بهمنيار في التحصيل ص ٣٤٧ ، حيث قال : «ولا تصحّ أن تكون حاجة الصورة إلى مثل هذا الموضوع أو المحلّ بسبب من خارج ...» أشار إليه أيضاً الشيخ الرئيس في الفصل الثاني من المقالّة الثانية من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «واللواحق الخارجية لا تغنيها عن الحاجه إلى المادة بوجه من الوجوه».

(٢) هكذا أجاب عنه بهمنيار في التحصيل ص ٣٤٧ ، حيث قال : «فإنّ الغني بذاته عن المادّة لا يدخل عليه ما يحوجه إلى المادّة إلاّ بانقلاب عينه ، وهو محالٌ».

(٣) حيث قال : «لكنّا نجد بعض الأجسام حالا في المادّة».

١٣٢

اُخرى : بصيرورة وجوده للمادّة ناعتاً لها (١) ، فمعنى عروض الافتقار له بسبب خارج بعد غناه عنها في ذاته صيرورةُ وجودِهِ لغيره بعد ما كان لنفسه ، وهو محالٌ بالضرورة.

واعلم أنّ المسألة وإن عقدَتْ في تجرُّد الصورة الجسميّة لكنّ الدليلَ يجري في كلّ صورة في إمكانها أن تلحقها كمالاتٌ طارئةٌ.

وسيأتي في بحث الحركة الجوهريّة (٢) أنّ الجوهر المادّيّ متحرّك في صورها حتّى يتخلّص إلى فعليّة محضة لا قوّةَ معها ، وذلك باللُبْس بعد اللُبْس لا بالخلع واللُبْس ، فبناءً عليه تكون استحالة تجرُّد الصورة المادّيّة عن المادّة مقيدّةً بالحركة دون ما إذا تمّت الحركة وبلغت الغاية.

ويتأيّد ذلك بما ذكره الشيخ (٣) وصدر المتألّهين (٤) [من] أنّ المادّةَ غيرُ داخلة في حدّ الجسم دخولَ الأجناس في حدود أنواعها.

فماهيّة الجسم ـ وهي الجوهر القابل للأبعاد الثلاثة ـ لا خبرَ فيها عن المادّة التي هي الجوهر الذي فيه قوّةُ الأشياء ، لكنّ الجسمَ مثلا مأخوذٌ في حدّ الجسم النامي والجسم النامي مأخوذٌ في حدّ الحيوان والحيوان مأخوذٌ في حدّ الإنسان.

وقد بيّنه صدر المتألّهين (٥) بأنّها لو كانت داخلةً في ماهيّة الجسم لكانت بيّنةَ الثبوت له على ما هو خاصّة الذاتيّ ، لكِنّا نشكّ في ثبوتها للجسم في بادئ النظر ، ثمّ نثبتها له بالبرهان ، ولا برهانَ على ذاتيٍّ.

ولا منافاة بين القول بخروجها عن ماهيّة الجسم والقول بإتّحادها مع الصّورة الجسميّة على ما هو لازمُ إجتماع ما بالقوّة مع ما بالفعل ، لأنّ الإتّحاد المدّعى إنّما

__________________

(١) قال قطب الدين الرازيّ في تعليقته على شرح الإشارات ج ٢ ص ١٠٣ : «ولا معنى للحلول إلاّ الاختصاص الناعت».

(٢) راجع الفصل الثامن من المرحلة التاسعة.

(٣) في آخر الفصل الثاني من المقالة الثانية من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «وأمّا الجسميّة التي نتكلّم فيها ...».

(٤) في الأسفار ج ٥ ص ١٣٦.

(٥) راجع الأسفار ج ٥ ص ١٣٦.

١٣٣

هو في الوجود لا في الماهيّة.

ولازِمُ ذلك أنّ لو تجرَّدَ بعض الأنواع المادّيّة عن المادّة لم يلزم انقلاب بتغيُّرِ الحدّ ، وأنّ المادّة من لوازم وجوده لا جزء ماهيّته.

الفصل السابع

في إثبات الصور النوعيّة (١) وهي الصور الجوهريّة

المنوِّعة لجوهر الجسم المطلق

إنّا نجد في الأجسام اختلافاً من حيث صدق مفاهيم عليها هي بيّنةُ الثبوت لها ممتنعةُ الانفكاك عنها ، فإنّا لا نقدر أن نتصوّر جسماً دون أن نتصوّره مثلا عنصراً أو مركّباً معدنياً أو شجراً أو حيواناً وهكذا ، وتلبُس الجسم بهذه المفاهيم على هذا النحو أمارةُ كونها من مقوّماته؛ ولمّا كان كلٌّ منها أخصّ من الجسم فهي مقوِّمة لجوهر ذاته ، فيحصل بانضمام كلٍّ منها إليه نوعٌ منه ، ولا يقوّم الجوهرَ إلاّ جوهرٌ ، فهي صور جوهريّة منوِّعة (٢).

لا يقال (٣) : لا نسلّم أنّ الجوهر لا يقوّمه إلاّ جوهرٌ ، فكثيراً مّا يوجد الشيء

__________________

(١) هذا مذهب الحكماء المشائين على ما نُقل عنهم في الأسفار ج ٥ ص ١٥٧. وخالَفَهم الشيخ الإشراقيّ تبعاً للأقدمين ، حيث قال في المطارحات ص ٢٨٤ : «وأمّا الصورة فالقدماء يرون أنّ كلّ ما ينطبع في شيء هو عرضٌ ، ويتأبون عن تسمية المنطبع في المحلّ جوهراً». وقال في حكمة الإشراق ص ٨٨ : «والحق مع الأقدمين في هذه المسألة». وقال صدر المتألّهين في شرحه للهداية الأثيريّة ص ٦٥ ـ بعد تحرير محلّ النزاع ـ : «فيه خلافٌ بين أتباع المعلّم الأوّل من المشائين ومنهم الشيخ الرئيس ومَنْ في طبقته وبين الأقدمين من اليونانيّين كهرمس وفيثاغورس وافلاطون وحكماء الفرس والرواقيين ومَنْ تابعهم كصاحب حكمة الإشراق».

(٢) هذه ثانية الحجج المنقولة في الأسفار ج ٥ ص ١٦٦.

(٣) هذا الإشكال أورده الشيخ الإشراقي على حجّة اُخرى قريبة المأخذ من هذه الحجّة ،

١٣٤

ويقال عليه الجوهر في جواب «ما هو؟» ثمّ ينضمّ إليه شيءٌ من الأعراض ويتغيّر به جواب السؤال عنه بـ «ما هو؟» كالحديد الذي هو جوهر ، فإذا صُنِعَ منه السيف بضمّ هيئآت عَرَضيّة إليه وسُئلَ عنه بـ «ما هو؟» كان الجواب عنه غيرَ الجواب عنه وهو حديد ، وكالطين والحجر وهما جوهران ، فإذا بُنيَ منهما بناءٌ وقع في جواب السؤال عنه بـ «ما هو؟» البيت ولم ينضمّ إليها إلاّ هيئآت عَرَضيّة.

فإنّه يقال (١) : فيه خلطٌ بين الأنواع الحقيقيّة التي هي مركّبات حقيقيّة تحصل من تركّبها هويّةٌ واحدةٌ وراء الأجزاء ، لها آثار وراء آثار الأجزاء كالعناصر والمواليد ، وبين المركّبات الإعتباريّه التي لا يحصل من تركّب أجزائها أمرٌ وراء الأجزاء ولا أثر وراء آثارها كالسيف والبيت من الاُمور الصناعيّة وغيرها.

وبالجملة المركّبات الإعتباريّة لا يحصل منها أمرٌ وراء نفس الأجزاء ، والمركّب من جوهر وعرض لا جوهرٌ ولا عرضٌ ، فلا ماهيّة له حتّى يقع في جواب ما هو ، كلّ ذلك لتباين المقولات بتمام ذواتها البسيطة ، فلا يتكوّن من أكثر من واحدة منها ماهيّة.

ولا يقال : كون الصور النوعيّة جواهرَ ينافي قولهم : «إنّ فصول الجواهر غير مندرجة تحت جنس الجوهر».

فإنّه يقال : قد تقدّم البحث عنه في مرحلة الماهيّة (٢) واتّضح به أنّ معنى جوهريّة فصول الجواهر ـ وهي الصّور النوعيّة مأخوذةً بشرط لا ـ أنّ جنس الجوهر صادقٌ عليها صدْقَ العرض العام على الخاصّة ، فهي مقوّماتٌ للأنواع عارضةٌ على الجنس.

__________________

وهي : أنّ في الماء والنّار والأرض والهواء ونحوها اُموراً تغيّر جواب ما هو ، فيكون صوراً. فراجع المطارحات ص ٢٨٨ ، وشرح حكمة الإشراق ص ٢٣١. وتعرّض لها صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ١٧١ ، وشرحه للهداية الأثيريّة ص ٧٠.

(١) هكذا أجاب عنه صدر المتألّهين في الأسفار ج ٥ ص ١٧٥ ـ ١٧٩ ، وشرحه للهداية الأثيريّة ص ٧٠ ، وتعليقاته على شرح حكمة الإشراق ص ٢٣١.

(٢) راجع الفصل السادس من المرحلة الخامسة.

١٣٥

حجةٌ اُخرى (١) : إنّا نجد الأجسام مختلفةً بحسب الآثار القائمة بها من العوارض اللازمة والمفارقة.

واختصاص كلّ من هذه المختلفات الآثار بما اختصّ به من الآثار ليس إلاّ لمخصِّص بالضرورة.

ومن المحال أن يكون المخصِّص هو الجسميّة المشتركة لاشتراكها بين جميع الأجسام ، ولا المادّة المشتركة لأنّ شأنها القبول والاستعداد دون الفعل والاقتضاء ، ولا موجود مفارق لاستواء نِسبته إلى جميع الأجسام.

ويمتنع أن يكون المخصِّص هو بعض الأعراض اللاحقة بأن يتخصّص أثرٌ بأثر سابق ، فإنّا ننقل الكلام إلى الأثر السابق فيتسلسل أو يدور أو ينتهي إلى أمر غيرِ خارج عن جوهر الجسم الذي عنده الأثر ، والأوّلان محالان ، فيبقى الثالث ـ وهو استناد الآثار إلى أمر غيرِ خارج من جوهر الجسم ـ فيكون مقوّماً له ، ومقوّم الجوهر جوهر.

وإذ كان هذا المقوّم الجوهريّ أخصّ من الجسم المطلق فهو صورة جوهريّة منوّعة له.

ففي الأجسام على اختلافها صور نوعيّة جوهريّة هي مباد للآثار المختلفة باختلاف الأنواع.

لا يقال (٢) : إنّ في أفراد كلّ نوع من الأنواع الجسمانيّة آثاراً مختّصةً وعوارضَ مشخّصةً ، لا يوجد ما هو عند فرد منها عند غيره من الأفراد ، ويجري فيها ما سبقتموه من الحجّة ، فهلا أثبتم بعد الصور التي سمّيتموها صوراً نوعيّة صوراً شخصيّةً مقوّمةً لماهيّة النوع.

لأنّه يقال (٣) : الأعراض المسمّاة «عوارض مشخّصة» لوازمُ التشخّص

__________________

(١) هذه الحجّة ممّا ذكره الشيخ الرئيس في الإشارات ، فراجع شرح الإشارات ج ٢ ص ١٠١. وتعرّض له بهمنيار في التحصيل ص ٣٣٦ ـ ٣٣٧. وهذه اُولى الحجج المنقولة في الأسفار ج ٥ ص ١٥٧ ـ ١٦٦ ، وشرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين ص ٦٥.

(٢) هذا الإشكال أورده الشيخ الإشراقي في حكمة الإشراق ، فراجع شرح حكمة الإشراق (كلام الماتن) ص ٢٢٧ ، حيث قال : «والطبائع النوعيّة اعترفتم بأنّها أتمّ وجوداً من الأجناس ، ولا يتصوّر فرض وجودها دون المخصّصات ، فإن كانت مخصّصات الجسم صوراً وجوهراً لأجل أنّ الجسم لا يتصوّر دون مخصّص فمخصّصات الأنواع أولى بأن يكون جوهراً ، وليس كذا ، فيجوز أن يكون المخصّص عرضاً».

(٣) هكذا أجاب عنه صدر المتألّهين في تعليقات شرح حكمة الإشراق ص ٢٢٧ ..

١٣٦

وليست بمشخِّصة ، وإنّما التشخّص بالوجود ـ كما تقدّم في مرحلة الماهية (١) ـ ، وتشخُّص الأعراض بتشخّص موضوعاتها ، إذ لا معنى لعموم العرض القائم بالموضوع المشخِّصَ والأعراضَ الفعليّة اللاحقة بالفرد مبدؤها الطبيعة النوعيّة التي في الفرد تقتضي من الكم والكيف والوضع وغيرها عرضاً عريضاً.

ثمّ الأسباب والشرائط الخارجيّة الاتفاقيّة تخصّص ما تقتضيه الطبيعة النوعيّة ، وبتغيّر تلك الأسباب والشرائط ينتقل الفرد من عارض يتلبّس به إلى آخر من نوعه أو جنسه.

خاتمةٌ للفصل لمّا كانت الصّورة النوعيّة مقوّمةً لمادّتها الثانية التي هي الجسم المؤلَّف من المادّة والصّورة الجسميّة ، كانت علّةً فاعليّةً للجسم متقدّمةً عليه كما أنّ الصورة الجسميّة شريكةُ العلّة للمادّة الاُولى.

ويتفرّع عليه :

أوّلا : أنّ الوجودَ أوّلا للصورة النوعيّة وبوجودها توجد الصورة الجسميّة ثمّ الهيولى بوجودها الفعليّ.

وثانياً : أنّ الصّور النوعيّة لا تحفظ الجسميّة إلى بدل ، بل توجد بوجودها الجسميّة ، ثمّ إذا تبدّلت إلى صورة اُخرى تخالفها نوعاً بطل ببطلانها الجسمُ ، ثمّ حدثت جسميّة اُخرى بحدوث الصورة التالية.

الفصل الثامن

في الكم (٢) وهو من المقولات العرضيّة

قد تقدم (٣) أنّ العرض ماهيّةٌ إذا وجدَتْ في الأعيان وجدَتْ في موضوع

__________________

(١) راجع الفصل الثالث من المرحلة الخامسة.

(٢) قال المحقّق الشريف في وجه تقديمه على سائر المقولات : «لكونه أعمّ وجوداً من الكيف ، فإنّ أحد قسمَيْه ـ أعني العدد ـ يعمّ المقارنات والمجرّدات ، وأصحّ وجوداً من الأعراض النسبيّة التي لا تقرٌّرَ لها في ذوات موضوعاتها» ، إنتهى كلامه في شرح المواقف ص ٢٠٣.

(٣) راجع الفصل الثاني من هذه المرحلة.

١٣٧

مستغن عنه ، وأنّ العرضيّة كعرض عام لتسع من المقولات هي أجناس عاليّة لا جنس فوقها ، ولذا كان ما عُرِّف به كلّ واحدة منها تعريفاً بالخاصّة لا حدّاً حقيقيّاً ذا جنس وفصل.

وقد عَرَّف الشيخان ـ الفارابيّ (١) وابن سينا (٢) ـ الكمَّ بـ «أنّه العرض الذي بذاته يمكن أن يوجد فيه شيءواحد يعدّه».

وهو أحسن ما اُورد له من التعريف (٣).

وأمّا تعريفه بـ «أنّه العرض الذي يقبل القسمة لذاته» (٤) ، فقد اُورد عليه (٥) بأنّه تعريف بالأخصّ ، لاختصاص قبول القسمة بالكمّ المتّصل ، وأمّا المنفصل فهو ذو أجزاء بالفعل.

وكذا تعريفه بـ «أنّه العرض الذي يقبل المساواة» (٦) فقد اُورد عليه (٧) بأنّه

__________________

(١) راجع المنطقيّات للفارابي ج ١ ص ٤٤.

(٢) راجع آخر الفصل الرابع من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء ، حيث قال : «فالكميّة بالجملة حدّها هي أنّها التي يمكن أن يوجد فيها شيء منها يصحّ أن يكون واحداً عادّاً».

(٣) واستحسنه الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ١٧٨ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ج ٤ ص ١٠.

(٤) هكذا عرّفه الميبديّ في شرحه للهداية الأثيريّة ص ١٦١ ، وقطب الدين الرازيّ في تعليقته على شرح الإشارات ج ٢ ص ١٥٤ ، والكاتبيّ في حكمة العين ، وشارح حكمة العين في شرح حكمة العين ص ٢٥٩. ونُسب إلى الجمهور في شرح التجريد للقوشجيّ ص ٢٢١.

(٥) هذا الإشكال أورده عليه فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ح ١ ص ١٧٨. وقال التفتازانيّ في شرح المقاصد ج ١ ص ١٨٣ : «وأرى أنّه بنى ذلك على أنّ قبول الشيء عبارة عن إمكان حصوله من غير حصول بالفعل. ولا شكّ أنّ الإنقسام في الكمّ المنفصل حاصل بالفعل. وأمّا اذا اُريد بالقبول أعمّ من ذلك ـ أعني إمكان فرض شيء غير شيء ـ فلا خفاء في شموله المتّصل والمنفصل. ولذا قال الإمام : إنّ قبول القسمة من عوارض المتّصل دون المنفصل ، إلاّ إذا أخذ القبول باشتراك الإسم».

(٦) هكذا عرّفه الشيخ الرئيس في عيون الحكمة ، فراجع شرح عيون الحكمة ج ١ ص ١٠٧. وتبعه أثير الدين الأبهريّ في الهداية الأثيريّة (راجع كلام الماتن في شرح الهداية الأثيريّة لصدر المتألّهين ص ٢٦٥) ، وابن سهلان الساوجيّ أيضاً في البصائر النصيريّة ص ٢٦.

(٧) هذا الإشكال أورده الشيخ الإشراقيّ في المطارحات ص ٢٣٤ حيث قال : «والكميّة قابلة

١٣٨

تعريف دوريٌّ ، لأنّ المساواة هي الاتّحاد في الكم.

وكيف كان ، فما تشتمل عليه هذه التعاريف خواصٌ ثلاثةٌ للكمّ ، وهي العدّ والانقسام والمساواة.

الفصل التاسع

في انقسامات الكم

ينقسم الكم انقساماً أوّلياً إلى المتّصل والمنفصل :

والمتّصل هو : الكم الذي يمكن أن يفرض فيه أجزاء تتلاقى على حدود مشتركة (١).

والحدّ المشترك هو : الذي يمكن أن يجعل بدايةً لجزء ، كما يمكن أن يجعل نهايةً لآخر ، كالخطّ إذا فُرِضَ انقسامه إلى ثلاثةً أجزاء ، فإنّ القسم المتوسّط يمكن أن يجعل بدايةً لكلٍّ من الجانبَيْن ونهايةً له ، فيكون القسمان قسماً واحداً والخطّ ذا قسمَيْن.

وعُرِّف المتّصل ـ أيضاً ـ بما يقبل الانقسام إلى غير النهاية (٢).

والمنفصل خلاف المتّصل ، وهو : العدد (٣) الحاصل مِنْ تكرُّرِ الواحد ، فإنّه

__________________

لذاتها المساواة واللامساواة ـ أي التفاوت والتجزيّ واللاتجزّي ـ. وهذا قد يوردونه رسماً وإن كانت المساواة لا تعرّف إلاّ بأنّه اتّفاق في الكميّة ، فعرّفوا الشيء بما يعرَّف بالشيء». وأورده أيضاً فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ١٧٧ ، ثمّ أجاب عنه وقال : «ويمكن أن يجاب عنه بأنّ المساواة واللامساواة ممّا يدرك بالحسّ ، والكم لا يناله الحسّ ، بل انّما يناله مع المتكمّم تناولا واحداً ، ثمّ انّ العقل يجتهد في تمييز أحد المفهومين عن الآخر ، فلهذا يمكن تعريف ذلك المعقول بهذا المحسوس» ، إنتهى كلامه في المباحث المشرقيّه ج ١ ص ١٧٨.

(١) هكذا عرّفه المشهور من الحكماء ، فراجع الأسفار ج ٤ ص ١٣ ، والمباحث المشرقيّة ج ١ ص ١٧٨ ، وشرح المواقف ص ٢٠٥ ، والمطارحات ص ٢٣٥ ، وكشف المراد ص ٢٠٣ ، والفصل الرابع من المقالة الثالثة من الفن الثاني من منطق الشفاء ، وغيرها من الكتب الفلسفية.

(٢) تعرّض له فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ج ١ ص ١٧٨.

(٣) مثّلوا للكمّ المنفصل بالعدد قطّ ، لأنّ الكم المنفصل منحصرٌ في العدد ، كما قال الشيخ

١٣٩

منقسمٌ إلى أجزاء بالفعل ، وليس بينها حدٌّ مشتركٌ ، فإنّ الخمسة مثلا إذا قسم إلى إثنين وثلاثة فإن كان بينهما حدٌّ مشتركٌ من الأجزاء كانت أربعة أو من خارج كانت ستّة.

والمتّصل ينقسم إلى قسمين : قارٍّ وغير قارٍّ.

والقارّ هو : الثابت المجتمع الأجزاء بالفعل كالسطح.

وغير القارّ هو : الذي لا تجتمع أجزاؤه المفروضة بالفعل كالزمان ، فإنّ كلّ جزء منه بالفعل قوّةً للجزء التالي ، فلا يجتمعان بالفعل ، إذ فعليّة الشيء لا تجامِعُ قوّتَه.

والقارّ ينقسم إلى الجسمِ التعليميّ (١) وهو : القابل للإنقسام في جهاته الثلاث : العرض والطول والعمق ، والسطح وهو : القابل للإنقسام في الجهتين : العرض والطول ، والخطّ وهو : القابل للإنقسام في جهة واحدة.

والكم المنفصل ـ وهو العدد ـ موجودٌ في الخارج بالضرورة (٢).

والكم المتّصل غير القارّ ـ وهو الزّمان ـ ، سيأتي إثبات وجوده في مباحث القوّة والفعل (٣).

وأمّا الكم المتّصل القارّ ، فالجسم التعليميّ والسطح موجودان في الخارج (٤) ، لأنّ هناك أجساماً طبيعيّةً منفصلا بعضها عن بعض متعيّنةً متناهيّةً ، ولازمُ تعيّنها

__________________

الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الثالثة من الفن الثاني من منطق الشفاء : «وأمّا المنفصلة فلا يجوز أن تكون غير العدد».

(١) قال شمس الدين محمّد بن مباركشاه المرويّ في شرح حكمة العين ص ٢٧٠ : «وإنّما سُمّي تعليميّاً لأنّه المبحوث عنه في العلوم التعليميّة أي الرياضيّة».

(٢) هذا مذهب الحكماء ، فراجع الفصل الخامس من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء ، والتحصيل ص ٣٧٥. خلافاً للمتكلّمين ، فانّهم انكروا العدد ، فراجع كشف المراد : ص ١٠٥ ، وشرح المقاصد ج ١ ص ١٨٥ ، وشرح المواقف ص ٢٠٧ ـ ٢٠٩.

(٣) راجع الفصل الحادي عشر من المرحلة التاسعة.

(٤) هذا مذهب الحكماء ، راجع الفصل الرابع من المقالة الثالثة من إلهيات الشفاء ، والتحصيل ص ٣٧٥. وأمّا المتكلّمون فانكروا المقدار الذي هو الجسم التعليمي والسطح ، راجع شرح المقاصد ج ١ ص ١٨٥ ـ ١٨٦ ، وشرح المواقف ص ٢٠٩ ـ ٢١٠ ، وكشف المراد ص ٢٠٧.

١٤٠