موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ٥٤ : يجوز للباذل الرّجوع عن بذله قبل الدخول في الإحرام أو بعده (١).

______________________________________________________

وفي التهذيب عكس الأمر ، ووافق المشهور فإنّه ذكر أوّلاً صحيح معاوية بن عمار الدال على الإجزاء «قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل لم يكن له مال فحجّ به رجل من إخوانه أيجزئه ذلك عنه عن حجّة الإسلام أم هي ناقصة؟ قال : بلى ، هي حجّة تامّة» ثمّ ذكر صحيح الفضل وحمله على الاستحباب (١).

ولا ريب أن ما ذكره في التهذيب هو الصحيح كما عليه المشهور ، لأنّ صحيح معاوية لم يكن مقتصراً بالحكم بالصحّة حتّى لا ينافي الوجوب مرّة ثانية ، بل هو صريح في الإجزاء عن حجّة الإسلام ، فلا محيص من حمل صحيح الفضل على الاستحباب إذ لا يمكن الالتزام بالوجوب مرّة ثانية ، لأنّ حجّ الإسلام في العمر مرّة واحدة كما صرّح بذلك في صحيح هشام «وكلفهم حجّة واحدة وهم يطيقون أكثر من ذلك» (٢) ، فإذا قضى المكلّف حجّة الإسلام فليس بعد ذلك إلّا الندب.

(١) أمّا الرّجوع قبل الدخول في الإحرام فلا ينبغي الرّيب في جوازه في نفسه مع قطع النظر عن أسباب أُخر لقاعدة سلطنة الناس على أموالهم ، ولا موجب لعدم جواز الرّجوع ، ومجرّد الوعد والقول بالبذل لا يوجب عدم جواز الرّجوع عن بذله وأمّا جوازه بعد تلبس المبذول له بالإحرام ففيه كلام.

فربما يقال بعدم جوازه لوجوب إتمام العمل على المبذول له ، فإذا وجب عليه الإتمام فليس للباذل الرّجوع لاسلتزامه تفويت الواجب عليه وعدم قدرته من الإتمام ، نظير من أذن لغيره الصلاة في ملكه فإنّه بعد الشروع في الصلاة ليس للمالك الرّجوع عن إذنه لأنّه يستلزم قطع الصلاة وهو محرم شرعاً.

والجواب عنه أوّلاً : بأنّه يتوقّف على الالتزام بوجوب الإتمام على المبذول له

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٧.

(٢) الوسائل ١١ : ١٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣ ح ١.

٦١

لكن إذا رجع بعد الدخول في الإحرام وجب على المبذول له إتمام الحجّ إذا كان مستطيعاً فعلاً (١) وعلى الباذل ضمان ما صرفه للإتمام (٢).

______________________________________________________

وهو ممنوع لأنّ الاستطاعة شرط في وجوب الحجّ حدوثاً وبقاءً ، فإذا ارتفعت الاستطاعة بعد الإحرام كما إذا فقد ماله أو رجع الباذل عن إذنه وامتنع من الإنفاق انكشف أنّه غير مستطيع من أوّل الأمر فلا يجب عليه الحجّ ، وإذا لم يكن واجباً عليه لا يجب عليه الإتمام ، والمفروض أنّه لم يأت به ندباً حتّى يتمّه ، وإنّما دخل في الإحرام بعنوان أنّه مستطيع وبعنوان حجّة الإسلام ، ثمّ انكشف أنّه لم يكن ثابتاً عليه ، وأمّا إتمام العمل لا بعنوان حجّ الإسلام فأمر يحتاج إلى دليل وهو مفقود ، فله رفع اليد عن إحرامه والرّجوع إلى بلاده.

وثانياً : لو فرضنا وجوب الإتمام على المبذول له فإنّما هو وجوب مخاطب به نفس المبذول له ، وذلك لا يرتبط بالباذل ولا يوجب استمرار البذل على الباذل وصرف المال من كيسه على ذلك الرّجل بعد أن رجع عن إذنه ، فالصحيح جواز الرّجوع للباذل عن بذله قبل الإحرام وبعده.

وأمّا تنظير المقام بباب الإذن في الصّلاة ، ففيه : أنّ الكلام في المقيس عليه ، لأنّ عدم جواز رجوع المالك عن إذنه في الصّلاة يتوقّف على وجوب إتمامها وحرمة قطعها على الإطلاق وهو أوّل الكلام ، إذ لا دليل على حرمة قطع الصلاة سوى الإجماع والقدر المتيقّن منه غير هذا المورد ، فحينئذ إذا رجع المالك عن إذنه كان بقاء الرّجل ومكثه في الدار غصباً ومعه تبطل الصلاة.

(١) لحصول الاستطاعة الملفّقة من البذلية والملكية ، وقد عرفت الاكتفاء بذلك في ثبوت الوجوب.

(٢) لأنّ الإذن في الإحرام إذن في الإتمام ، فإنّ الإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه لقيام السيرة العقلائيّة على أنّ كلّ عمل يقع بأمر الغير وإذنه يقع مضموناً عليه ، ولكن ثبوت الضمان عليه لا ينافي جواز رجوع الباذل عن بذله ، فإنّ ضمان العمل شي‌ء وعدم

٦٢

وإذا رجع الباذل في أثناء الطريق وجبت عليه نفقة العود (١).

______________________________________________________

جواز رجوع الباذل شي‌ء آخر.

وبما ذكرنا يظهر أنّه لا مجال للتمسّك بقاعدة الغرور لعدم جواز رجوع الباذل عن بذله ، لأنّ أقصى ما تدل عليه قاعدة الغرور إنّما هو ضمان الغار لمصاريف العمل الّذي وقع بأمره ، فيجوز للمغرور الرّجوع إلى الغار فيما يصرفه في سبيل العمل الواقع حسب أمره وإذنه ، ولا يثبت بها عدم جواز رجوع الباذل عن بذله ، فيمكن له الرّجوع إلى شخص ماله ولكن يضمن ما يصرفه المبذول له ، فلا منافاة بين ثبوت الضمان على الباذل وجواز رجوعه عن بذله. هذا مضافاً إلى أنّ قاعدة الغرور لم تثبت على الإطلاق ، وإنّما وردت في موارد خاصّة ، ولا دليل عليها سوى النّبوي المرسل في الكتب الفقهيّة.

نعم ، وردت في باب تدليس المرأة رواية فيها لفظ الغرور «وعلى الّذي زوّجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غرّ الرّجل وخدعه» (١) والرّواية ضعيفة بمحمّد بن سنان.

على أنّ الغرور في المقام غير صادق ، لأنّه يتوقّف على علم الغار وجهل المغرور وكون الغار قاصداً لإيقاع المغرور في خلاف الواقع ، وأمّا ما نحن فيه فالباذل لم يكن عالماً بالرّجوع عن البذل من باب الاتّفاق ، لعدم وفاء ماله بالبذل أو لأغراض وجهات أُخر.

فظهر أنّ مقتضى القواعد جواز الرّجوع إلى ماله ، ولكن يضمن ما يصرفه المبذول له في سبيل إتمام العمل للسيرة العقلائيّة.

(١) لأنّ السفر وقع بإذنه وأمره ، والإذن في الشي‌ء إذن في لوازمه حسب السيرة العقلائيّة كما قلناه.

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٢٢٠ / أبواب العيوب من كتاب النّكاح ب ٧ ح ١.

٦٣

مسألة ٥٥ : إذا اعطي من الزّكاة من سهم سبيل الله على أن يصرفها في الحجّ وكان فيه مصلحة عامّة وجب عليه ذلك (١) وإن اعطي من سهم السادة أو من الزّكاة من سهم الفقراء واشترط عليه أن يصرفه في سبيل الحجّ لم يصحّ الشرط فلا يجب عليه الحجّ (٢) ،

______________________________________________________

(١) لصدق عرض الحجّ على ذلك ، وقد ذكرنا في محلِّه أنّ المراد بسبيل الله كلّ أمر قربي فيه مصلحة عامّة راجعة إلى المسلمين ، كبناء القناطر والمساجد والمدارس ونحوها من الجهات العامّة ، لا كلّ طاعة ولو كانت شخصيّة لقصور الأدلّة عن ذلك وإلّا لجاز إعطاء الزّكاة لغني من باب إدخال السرور في قلب المؤمن ، أو إعطاء الزّكاة له على أن يزوّج ابنه ونحو ذلك فيشكل الحكم بالوجوب ، فلا بدّ في المقام من مراعاة المصلحة العامّة للمسلمين ، وإلّا فلا يجوز له الإعطاء من باب سبيل الله ليحج به.

(٢) بيان ذلك يتوقف على توضيح معنى الشرط ولو إجمالاً وحاصله : أنّ الشرط بحسب مفهومه ليس مجرّد الالتزام ، وإنّما هو نحو ربط بينه وبين الشرط ، والرّبط بينهما يتصوّر على وجوه :

الأوّل : تعليق المنشأ بأمر متوقع الحصول كتعليق البيع على مجي‌ء مسافرة أو نزول المطر ونحو ذلك ، ففي الحقيقة على تقدير يبيع وعلى تقدير لا يبيع ، وهذا هو التعليق المجمع على بطلانه.

الثّاني : تعليق المنشأ على الالتزام بشي‌ء لا على نفس ذلك الشي‌ء ، كما إذا باع شيئاً واشترط على المشتري التزامه بخياطة ثوبه ، فإنّ البيع معلق على التزام المشتري بالخياطة لا على نفس الخياطة ، وهذا التعليق لا بأس به عند الفقهاء لأنّه تعليق على أمر حاصل ، لفرض التزام المشتري بذلك ، نظير تعليق البيع على أن يكون هذا اليوم يوم الجمعة مع العلم بكونه يوم الجمعة ، وأثر هذا الاشتراط وجوب الوفاء على المشتري فقط عملاً بقوله : «المؤمنون عند شروطهم» (١).

__________________

(١) الوسائل ٢١ : ٢٧٦ / أبواب المهور ب ٢٠ ح ٤.

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثّالث : تعليق التزام البائع بيعه على فعل صادر من المشتري كالخياطة لا تعليق البيع ، ومرجع هذا التعليق إلى جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم الخياطة.

وشي‌ء ممّا ذكر من الأقسام غير جار في المقام ، لأنّ تعليق المنشأ على شي‌ء إنّما يتصوّر في الأُمور الاعتباريّة كالملكية ونحوها ، وأمّا الأُمور الخارجيّة التكوينيّة كالضرب والأكل ومنها الإعطاء الخارجي فغير قابلة للتعليق ، بل إمّا أن تقع وإمّا لا تقع ، فلا معنى لأن يأكل شيئاً على أن يكون ملك نفسه مثلاً ، أو يضربه بشرط أن يكون زيداً ، ومن هذا القبيل إعطاء الخمس له فإنّه كالأكل فإنّه إمّا يتحقق في الخارج أم لا ، فلا معنى لأن يقال إن لم يحجّ به فالإعطاء غير واقع ، والمفروض صدور الإعطاء منه في الخارج. وأمّا الملكية الشرعيّة وإن كانت قابلة للتعليق لأنّها من الأُمور الاعتباريّة ، ولكنّها ليست بيد المكلّف وإنّما هي بيد الشارع المقدّس وقد ملّكها للفقراء والسادة ، وليس للمالك أزيد من الإعطاء وتفريغ ذمّته وقد وقع منه.

وأمّا تعليق الالتزام بالإعطاء على الحجّ ، بمعنى أنّه يلتزم المالك بأن يعطيه الخمس أو الزكاة معلقاً على الحجّ به ، فقد عرفت أنّ مرجع ذلك إلى جعل المالك لنفسه حق الخيار والرّجوع إلى المال ، إذا لم يصدر المعلّق عليه من الطرف المقابل ، إلّا أنّه لا يمكن الالتزام بذلك في المقام ، لأنّ المالك ليس له الرّجوع فيما كان لله تعالى كما في النص (١) فإنّ ما أعطاه زكاة أو خمساً وانطبق عليه ذلك ، فليس للمالك الرّجوع عن عطائه فإنّ ما كان لله لا يعود. فليس في البين إلّا التزام الفقير الآخذ للمال بصرفه في الحجّ ، ولا أثر لالتزامه فإنّه يرجع إلى الوعد الابتدائي الّذي لا يجب العمل فيه.

ولو تنزّلنا عن جميع ذلك ، وقلنا بإمكان التعليق في المقام ، ولكن ليس لمن عليه الزكاة أو الخمس هذا الاشتراط وهذه السلطنة ، لعدم الولاية له على مثل ذلك ، وإنّما اللّازم عليه الأداء والإعطاء إلى أهله وإبراء ذمّته من الدّين ، نعم له حق التطبيق في الدفع والأداء إلى مستحقه ، وله أن يختار خصوص الفقير الفلاني أو السيِّد الفلاني وليس له أزيد من ذلك ، ولو جاز له أزيد من ذلك لجاز له أن يشترط أُموراً أُخر على

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٢٣١ / أبواب الهبات ب ٣ ح ١ ، ٢ وب ٦ ح ٣.

٦٥

مسألة ٥٦ : إذا بذل له مال فحجّ به ثمّ انكشف أنّه كان مغصوباً لم يجزئه عن حجّة الإسلام (١). وللمالك أن يرجع إلى الباذل أو إلى المبذول له ، لكنّه إذا رجع إلى المبذول له رجع هو إلى الباذل إن كان جاهلاً بالحال وإلّا فليس له الرّجوع (٢).

______________________________________________________

الفقير فيعطي زكاته له ويشترط عليه بأن يبني داره ، أو يخيط ثوبه أو يصلّي عن أبيه أو امّه كذا مقدار وهكذا ، وهذا معلوم البطلان ولم يلتزم به أحد من الفقهاء.

(١) لعدم صدق البذل على بذل مال غيره فالاستطاعة البذليّة غير متحققة.

وربما يقال بالإجزاء لجواز تصرّف المبذول له في المال لفرض جهله بالغصب.

وفيه : أنّ الجواز جواز ظاهري وهو لا يحقق عنوان الاستطاعة ، إذ بعد ما تبيّن أنّ المال كان مغصوباً وأنّ البذل غير ممضى شرعاً في الواقع فلم يتحقق البذل حقيقة وإنّما كان ذلك من تخيّل البذل وهو غير موجب للاستطاعة.

(٢) أمّا جواز رجوعه إلى الباذل فواضح ، لأنّه أتلف مال الغير واستولى عليه عدواناً ، فمقتضى قاعدة على اليد المؤكّدة بالسيرة العقلائيّة هو الضمان من دون فرق بين كون الباذل عالماً بالغصب أو جاهلاً به ، لعدم استناد الضمان إلى قاعدة الغرور حتّى يفرّق بين صورتي العلم والجهل ، بل استناداً إلى بناء العقلاء وسيرتهم القاضية بالضمان حتّى في صورة الجهل.

وأمّا جواز الرّجوع إلى المبذول له فكذلك ، لأنّه أتلف المال بنفسه وتصرّف فيه تصرّفاً عدوانيّاً من دون فرق بين كونه عالماً بالغصب أو جاهلاً به ، وهذا من صغريات مسألة تعاقب الأيدي على المال المغصوب.

ولكن لو رجع المالك إلى الباذل بالبدل وأعطاه الباذل لم يكن للباذل الرّجوع إلى المبذول له ، لأنّ الباذل بعد ما أعطى البدل للمالك صار المال المغصوب ملكاً له بقاءً وخرج عن ملك مالكه الأوّل ببناء العقلاء لئلّا يلزم الجمع بين البدل والمبدل ، فإذا صار المبدل ملكاً للباذل والمفروض أنّ الباذل أسقط ضمان ماله لأنّه سلّط المبذول له على ماله مجاناً ، ومعه ليس له الرّجوع إلى المبذول له.

٦٦

مسألة ٥٧ : إذا حجّ لنفسه أو عن غيره تبرّعاً أو بإجارة ، لم يكفه عن حجّة الإسلام فيجب عليه الحجّ إذا استطاع بعد ذلك (١).

______________________________________________________

وأمّا إذا رجع المالك إلى المبذول له ، فله أن يرجع إلى الباذل ، لأنّ المال بعد ما غرمه المبذول له للمالك صار ملكاً للمبذول له بقاءً على ما عرفت فهو مالك جديد للمال ، والمفروض أنّ الباذل فوّت المال على المالك الجديد وهو المبذول له.

فالباذل ضامن إمّا للمالك الأوّل وهو المغصوب منه ، وإمّا للمالك الثّاني وهو المبذول له. إلّا أنّه إنّما يكون له الرّجوع إلى الباذل فيما إذا كان المبذول له جاهلاً بالغصب ، وإلّا لو كان عالماً به فلا وجه لرجوعه إلى الباذل ، لأنّ المبذول له بعد علمه بالحال يكون بنفسه غاصباً ومتلفاً للمال ، ولم يكن في البين غرور من ناحية الباذل ليرجع إليه ، كما لو قدم صاحب الدار الطعام المغصوب إلى الضيف وكان الضيف عالماً بالغصب ، فإنّه لا مجال لرجوع الضيف إلى صاحب الدار إذا رجع المالك إلى الضيف لأنّ الضيف بنفسه يكون متلفاً لمال الغير من دون تغرير من صاحب الدار ، كما تقتضيه بناء العقلاء وسيرتهم.

(١) إذا حجّ لنفسه تطوّعاً أو واجباً وفاءً لنذر أو لشرط في ضمن عقد لازم ونحو ذلك مع عدم كونه مستطيعاً لا يكفيه عن حجّة الإسلام ، لاشتراط وجوب حجّة الإسلام بالاستطاعة والمفروض فقدانها ، فلا مقتضي للقول بالإجزاء فيجب عليه الحجّ إذا استطاع بعد ذلك ، لإطلاق ما دلّ على وجوب الحجّ إذا حصلت الاستطاعة ولا دليل على سقوطه بالحج الصادر عن غير استطاعة. ومنه يظهر عدم إجزاء ما حجّ عن غيره تبرّعاً أو بإجارة إذا لم يكن مستطيعاً.

نعم ، وردت في خصوص الحجّ عن الغير روايات يدل على الإجزاء وعمدتها صحيحتان لمعاوية بن عمار ، الاولى : «عن رجل حجّ عن غيره يجزئه عن حجّة الإسلام؟ قال : نعم» (١) ، الثّانية : «حجّ الصّرورة يجزئ عنه وعمّن حجّ عنه» (٢).

__________________

(١) ، (٢) الوسائل ١١ : ٥٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢١ ح ٤ ، ٢.

٦٧

مسألة ٥٨ : إذا اعتقد أنّه غير مستطيع فحجّ ندباً قاصداً امتثال الأمر الفعلي ثمّ بان أنّه كان مستطيعاً ، أجزأه ذلك ولا يجب عليه الحجّ ثانياً (١).

مسألة ٥٩ : لا يشترط إذن الزوج للزوجة في الحجّ إذا كانت مستطيعة ، كما لا يجوز للزوج منع زوجته عن الحجّ الواجب عليها (٢)

______________________________________________________

وربما يقال بأنّ خبر آدم بن علي يدل على عدم الإجزاء لقوله (عليه السلام) «من حجّ عن إنسان ولم يكن له مال يحجّ به أجزأت عنه حتّى يرزقه الله ما يحجّ به ويجب عليه الحجّ» (١) ، ومقتضى الجمع بينه وبين الصحيحتين هو الحمل على الاستحباب لأنّهما صريحتان في الإجزاء والخبر ظاهر في الوجوب.

والجواب : أنّ الخبر ضعيف السند بمحمّد بن سهل وبآدم بن علي فلا يصلح للمعارضة.

والصحيح أن يقال : إنّ مضمون الصحيحتين لم يقل به أحد من الفقهاء ، وقد تسالموا على عدم الإجزاء ، وبذلك يسقطان عن الحجيّة فلا بدّ من ردّ علمهما إلى أهلهما.

(١) لعدم الإخلال بالمكلّف به ، فإن حجّ الإسلام ليس إلّا صدور هذه الأعمال والمناسك من البالغ الحر المستطيع الواجد لجميع الشرائط ، والمفروض حصول ذلك وإن كان لا يعلم به حين الإتيان بالأعمال. ومجرّد نيّة الندب واعتقاد جواز الترك ما لم يخل بالأجزاء والأفعال غير ضائر ، لعدم دخل ذلك في الواجب ، نظير ما لو صام شهر رمضان ندباً قربة إلى الله تعالى وهو لا يعلم بوجوب الصوم فيه ، فإنّ صيامه صحيح بلا إشكال.

(٢) من دون فرق بين ما لو كان الحجّ مستقراً عليها وكانت مستطيعة قبل ذلك وبين ما لو استطاعت لعامها الفعلي وأرادت الحجّ ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٥٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢١ ح ١.

٦٨

نعم ، يجوز له منعها من الخروج في أوّل الوقت مع سعة الوقت (١).

______________________________________________________

الخالق ، والنصوص في ذلك كثيرة ، منها : صحيح محمّد بن مسلم «عن امرأة لم تحج ولها زوج ، وأبى أن يأذن لها في الحجّ فغاب زوجها ، فهل لها أن تحج؟ قال : لا طاعة له عليها في حجّة الإسلام» (١). كما لا يجوز له منعها لعدم السلطنة له عليها في ذلك وعدم حق له عليها حينئذ.

نعم ، قد يقال في الحجّ غير المستقر وهو الّذي تكون استطاعته في هذا العام ، أنّ حق الزوج مانع عن تحقق الاستطاعة.

ولكن لا يخفى ما فيه : لما ذكرنا غير مرّة أنّ الاستطاعة المعتبرة في الحجّ ليست إلّا استطاعة خاصّة مفسّرة في الرّوايات ، وهي حاصلة على الفرض ، إذ لم يؤخذ فيها عدم مزاحمة الحجّ لحق الغير ، ولو فرضنا وقوع التزاحم يقدم الحجّ لأهميّته ، لأنّه ممّا بني عليه الإسلام ، والنصوص الدالّة على أنّه لا طاعة له عليها في الحجّ يشمل هذا القسم أيضاً ، ولا موجب لحملها على الحجّ المستقر.

(١) لأنّ جواز خروجها من البيت يتوقّف على إذن الزوج ، ويحرم عليها الخروج بدون إذنه ، لإطلاق جملة من النصوص الدالّة على اعتبار إذن الزوج وإن لم يكن منافياً لحقّ الاستمتاع بها ، كصحيحة محمّد بن مسلم «ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه» (٢) وفي صحيح علي بن جعفر «سألته عن المرأة إلها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال : لا» (٣).

وهذه النصوص تشمل ما لو كان الخروج من البيت غير متعيّن عليها في وقت خاص وكان الواجب موسعاً ، والرّوايات الّتي دلّت على سقوط إذن الزوج إنّما هي

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٥٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٩ ح ١.

(٢) الوسائل ٢٠ : ١٥٧ / أبواب مقدّمة النّكاح ب ٧٩ ح ١.

(٣) الوسائل ٢٠ : ١٥٨ / أبواب مقدّمة النكاح ب ٧٩ ح ٥.

٦٩

والمطلّقة الرجعيّة كالزوجة ما دامت في العدّة (١)

______________________________________________________

بالنسبة إلى أصل الواجب لا بالنسبة إلى الأفراد والخصوصيّات الّتي يجوز تركها فلا مانع من شمول ما دلّ على اعتبار إذن الزوج من البيت للمقام ، وعليه يجوز له منعها من الخروج مع أوّل الرفقة.

(١) المستفاد من الأدلّة أنّ المطلقة الرجعيّة زوجة حقيقة لا حكماً ، والبينونة تتحقق بانقضاء العدّة ، وإنّما إنشاء الطلاق حاصل بالفعل ويؤثر في الفراق بعد انقضاء العدّة ، فيثبت لها ما يثبت للزوجة ، فتحتاج إلى الإذن من زوجها إذا أرادت الخروج من البيت ، هذا حسب ما تقتضيه القاعدة.

وأمّا بحسب الرّوايات فهي على طوائف أربع :

الأُولى : الدالّة على أنّ المطلقة الرجعيّة لا تحج ، كما في صحيحة معاوية بن عمار في حديث قال : «لا تحج المطلقة في عدّتها» (١). ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين حجّ الإسلام وغيره وبين ما لو أذن لها الزوج أم لا.

الثّانية : الدالّة على أنّها تحج كما في صحيح ابن مسلم «المطلّقة تحج في عدّتها» (٢) وهو مطلق يشمل حجّ الإسلام وغيره ومع الإذن وعدمه.

الثّالثة : ما دلّ على أنّه إن كانت صرورة حجت في عدّتها ، وإن كانت حجّت فلا تحج حتّى تقضي عدّتها ، كما في خبر منصور بن حازم (٣) ، وهذا الخبر وإن كان ضعيفاً بالإرسال ، ولكن مضمونه يستفاد من أدلّة أُخرى دالّة على أنّ حجّ الإسلام لا يعتبر فيه الإذن ، وأمّا غيره فيعتبر فيه الإذن.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٥٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ١٥٨ / أبواب وجوب الحج ب ٦٠ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ١٥٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٦٠ ح ٢.

٧٠

مسألة ٦٠ : لا يشترط في وجوب الحجّ على المرأة وجود المحرم لها إذا كانت مأمونة على نفسها (١) ومع عدم الأمن لزمها استصحاب محرم لها ولو بأُجرة إذا تمكّنت من ذلك ، وإلّا لم يجب الحجّ عليها.

مسألة ٦١ : إذا نذر أن يزور الحسين (عليه السلام) في كلّ يوم عرفة مثلاً واستطاع بعد ذلك وجب عليه الحجّ وانحلّ نذره ، وكذلك كلّ نذر يزاحم الحجّ (٢).

______________________________________________________

الرّابعة : تدل على أنّ المطلّقة الرجعيّة تحج في عدّتها بإذن الزّوج كما في صحيحة معاوية بن عمار «المطلّقة تحج في عدّتها إن طابت نفس زوجها» (١) ، ومقتضى الجمع بين هذه الطوائف حمل إطلاق ما دلّ على أنّها لا تحجّ إلّا مع الإذن على غير حجّ الإسلام ، وحمل ما دلّ على أنّها تحجّ مطلقاً على حجّة الإسلام ، فالنتيجة أنّ المطلّقة الرجعيّة لا تستأذن في حجّة الإسلام وتستأذن في غيرها.

(١) لإطلاق أدلّة وجوب الحجّ عليها ، مضافاً إلى النصوص الخاصّة منها : صحيح سليمان بن خالد «في المرأة تريد الحجّ ليس معها محرم هل يصلح لها الحجّ؟ فقال : نعم إذا كانت مأمونة» (٢) وليعلم أنّ استصحاب المحرم لا خصوصيّة له ، وإنّما الميزان استصحاب من تثق به سواء كان محرماً أم غيره ، فذكر المحرم بخصوصه كما في المتن فيه مسامحة.

(٢) اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، فقد نسب إلى المشهور ومنهم صاحب الجواهر (٣) والسيِّد في العروة (٤) تقديم النذر على الحجّ لانتفاء الاستطاعة حينئذ ، لأنّ المانع الشرعي كالعقلي فإن وجوب الوفاء بالنذر يزيل الاستطاعة فلا يكون مستطيعاً للحج أبداً.

__________________

(١) الوسائل ٢٢ : ٢١٩ / أبواب العدد ب ٢٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ١١ : ١٥٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٨ ح ٢.

(٣) الجواهر ١٧ : ٣٤٧.

(٤) العروة الوثقى ٢ : ٢٤٢ / ٣٠٢٩.

٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

وبعبارة أُخرى : ذكروا أنّ وجوب الوفاء بالنذر مقيّد بالقدرة العقليّة كبقيّة الواجبات ، ووجوب الحجّ مشروط بالقدرة الشرعيّة ، فإذا كان بقاؤه في كربلاء يوم عرفة مثلاً واجباً لزيارة الحسين (عليه السلام) فقد صار عاجزاً عن الإتيان بالحج والقيام به ، فإنّ العجز الشرعي كالعجز العقلي فيكون معذوراً في ترك الحجّ.

وذهب جماعة من المحققين كالشيخ النائيني ومنهم السيِّد الأُستاذ (دام ظله) إلى تقديم الحجّ وانحلال نذره ، وهذا هو الصحيح. توضيح ذلك :

إنّ المشهور إنّما التزموا بتقديم النذر على الحجّ لالتزامهم بأخذ القدرة الشرعيّة في موضوع الحجّ ، ولازم ذلك أن كلّ واجب يزاحم الحجّ يزيل موضوع الحجّ وهو الاستطاعة ، ولا يكون المكلّف حينئذ قادراً على الحجّ ويصبح عاجزاً عن الإتيان به. وبعبارة أوضح : أُخذ في موضوع الحجّ أن لا يزاحمه واجب آخر ، فإذا وجب على المكلّف شي‌ء في أوان الحجّ وزاحمه بحيث لا يتمكّن من الجمع بينهما يسقط وجوب الحجّ لعدم القدرة عليه شرعاً.

ولكن الظاهر أنّه لا دليل على ما ذكروه أصلاً ، وقد ذكرنا في بعض المباحث السابقة (١) أنّ الحجّ ليس مشروطاً بالقدرة الشرعيّة المصطلحة وإنّما الحجّ كسائر الواجبات الإلهيّة مشروط بالقدرة العقليّة.

نعم ، فسّرت القدرة المأخوذة في الحجّ في الرّوايات بقدرة خاصّة ، وهي واجديته للزاد والرّاحلة وصحّة البدن وتخلية السرب ولا يؤول ذلك إلى أخذ القدرة الشرعيّة بحيث يزاحمه أيّ واجب من الواجبات الشرعيّة ، فوجوب الحجّ حاله حال سائر التكاليف الإلهيّة في كونه مشروطاً بالقدرة العقليّة ، فعند مزاحمته لواجب آخر يلاحظ الأهم منهما كبقيّة الواجبات المتزاحمة ، هذا كلّه بحسب الكبرى.

إلّا أنّه في خصوص المقام وهو ما لو نذر زيارة الحسين (عليه السلام) في كلّ عرفة وغير ذلك من النظائر لا يصل الأمر إلى التزاحم ، والوجه فيه أنّ وجوب الوفاء

__________________

(١) في ص ٢٥.

٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بالنذر ليس واجباً ابتدائيّاً مجعولاً من قبل الشريعة المقدّسة على المكلّفين نظير وجوب الصلاة والصيام وأمثالهما ، وإنّما هو واجب إمضائي ، بمعنى أنّه إلزام من الله تعالى بما التزم المكلّف على نفسه بالقيام بشي‌ء لله تعالى ، نظير باب العقود فإنّ البائع يلتزم على نفسه تمليك ماله للمشتري والشارع المقدّس يمضي التزامه ويلزمه بالوفاء بالتزامه ، فالعمل الّذي يلتزم به الناذر لله تعالى لا بدّ أن يكون قابلاً للإضافة إليه سبحانه ومرتبطاً به نحو ارتباط ، ومن هنا اعتبروا الرّجحان في متعلّق النذر ، وإلّا لو كان خالياً عن الرّجحان لم يكن قابلاً للإضافة إليه تعالى ، كنذر المباحات الأصليّة الّتي لا رجحان فيها ولا ترتبط به جلّ اسمه ، ولذا عبّر بعضهم عن ذلك بأن لا يكون النذر محلّلاً للحرام وبالعكس ، مع أنّ هذا لم يرد في النذر وإنّما ورد في الشرط. والحاصل : لا بدّ أن يكون العمل المنذور الملتزم به على نفسه راجحاً في نفسه وقابلاً للإضافة إليه تعالى ، وإلّا فلا ينعقد النذر.

والنتيجة : أنّ كلّ عمل استلزم ترك واجب أو فعل محرم ، لا يمكن استناده وإضافته إلى الله تعالى ، فلا تشمله أدلّة وجوب الوفاء بالنذر ، لقصور دليل الإمضاء لمثل هذه الموارد فينحل النذر فيها ، فلا يصل الأمر إلى التزاحم فضلاً عن أن يرفع النذر موضوع الاستطاعة.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ وجوب الحجّ مطلق غير مشروط بشي‌ء سوى الاستطاعة المفسّرة في النصوص بأُمور خاصّة ، وأمّا القدرة الشرعيّة المصطلحة فغير مأخوذة فيه ، بخلاف النذر فإنّه مشروط بأن لا يكون محلّلاً للحرام ومحرماً للحلال ومستلزماً لترك واجب أو إتيان محرم ، وعليه فلا يقع التزاحم بين النذر والحجّ أصلاً.

ويؤكّد ما ذكرناه : أنّه لو صحّ النذر وتقدّم على الحجّ لأمكن الاحتيال لسقوط الحجّ وتفويته بنذر أيّ أمر راجح يستلزم ترك الحجّ ، ولو بنذر إتيان ركعتين من الصلاة في مسجد بلده يوم عرفة أو قراءة سورة معيّنة في المسجد الفلاني في يوم عرفة ونحو ذلك ، وهذا مقطوع البطلان فإنّ الحجّ ممّا بني عليه الإسلام فكيف يمكن الالتزام بسقوطه بأمثال هذه الأُمور.

٧٣

مسألة ٦٢ : يجب على المستطيع الحجّ بنفسه إذا كان متمكّناً من ذلك ، ولا يجزئ عنه حج غيره تبرّعاً أو بإجارة (١).

مسألة ٦٣ : إذا استقرّ عليه الحجّ ولم يتمكّن من الحجّ بنفسه ، لمرض أو حصر أو هرم أو كان ذلك حرجاً عليه ، ولم يرج تمكّنه من الحجّ بعد ذلك من دون حرج وجبت عليه الاستنابة ، وكذلك من كان موسراً ولم يتمكّن من المباشرة أو كانت حرجيّة عليه (٢).

______________________________________________________

(١) لظهور الأدلّة في المباشرة ، ومع التمكّن من ذلك لا يجزئ عنه حج غيره ، سواء حجّ عنه تبرّعاً أو بإجارة ، وهذا واضح جدّاً.

(٢) تشتمل هذه المسألة على موردين لوجوب الاستنابة :

المورد الأوّل : من استقرّ عليه الحجّ وسوّف وأهمل حتّى مرض أو كبر وضعف من أداء الحجّ بنفسه ، أو كان أداؤه حرجاً عليه بحيث لا يتمكّن من مباشرة الحجّ بنفسه فهل تجب الاستنابة أم لا؟

المعروف بين الفقهاء وجوب الاستنابة ، بل في الجواهر أنّ الاستنابة حينئذ واجبة قولاً واحداً حكاه عن الروضة والمسالك (١) فترديد بعضهم في الوجوب أو الجزم بعدمه كما عن آخر لا وجه له. ويدلُّ عليه جملة من الأخبار الصحيحة :

منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إنّ أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أمر شيخاً كبيراً لم يحجّ قط ولم يطق الحجّ لكبره ، أن يجهّز رجلاً يحجّ عنه» (٢).

ومنها : صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إنّ عليّاً (عليه السلام) رأى شيخاً لم يحجّ قط ولم يطق الحجّ من كبره ، فأمره أن يجهّز رجلاً فيحج

__________________

(١) الجواهر ١٧ : ٢٨٢ ، الروضة ٢ : ١٦٧ ، المسالك ٢ : ١٣٨.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٦.

٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عنه» (١).

ومنها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : «وإن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض أو حصر أو أمر يعذره الله فيه ، فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له» (٢).

وربما يناقش في دلالة الأخبار على الوجوب لوجهين :

الأوّل : أنّه لا بدّ من رفع اليد عن ظهور الأخبار في الوجوب وحملها على الاستحباب ، لاشتمالها على أُمور لم يلتزم بها الفقهاء ككون النائب رجلاً صرورة فإنّه لا إشكال في جواز نيابة المرأة عن الرّجل ، وكذلك لم يلتزموا بنيابة الصرورة فيكون ذلك قرينة على حمل الأخبار على الاستحباب.

وفيه أوّلاً : أنّه لو سلمنا عدم التزام المشهور بمضامين الرّوايات فاللّازم إلغاء القيد خاصّة والالتزام بأصل وجوب الاستنابة ، ولا مانع من التفكيك بين القيد والمقيّد.

وثانياً : لا نرى مانعاً من الالتزام بالقيد وكون النائب عن الحي رجلاً صرورة ، وأمّا ما اشتهر من جواز كون النائب امرأة وغير صرورة فإنّما هو في النيابة عن الميّت. وكيف كان لا إشكال في أنّ الأحوط وجوباً لو لم يكن أقوى استنابة الرّجل الصرورة إذا كان المنوب عنه رجلاً حيّاً ، عملاً بظاهر هذه الأخبار.

الثّاني : أنّه يستفاد من بعض الرّوايات الحاكية لحكم أمير المؤمنين (عليه السلام) استحباب النيابة في مفروض كلامنا لتعليقها على مشيئة الرّجل واختياره ، إذ لا معنى لتعليق الحكم الوجوبي على اختيار المكلّف ومشيئته ، والظاهر أنّ الرّوايات المتقدّمة وهذه الرّواية حكاية لواقعة واحدة فلا مجال للقول بالوجوب ، ففي خبر عبد الله بن ميمون أنّ عليّاً (عليه السلام) قال لرجل كبير لم يحجّ قط «إن شئت أن تجهّز رجلاً ثمّ ابعثه يحجّ عنك» (٣) ، وفي خبر سلمة أبي حفص «إنّ رجلاً أتى عليّاً (عليه السلام) إلى

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ٦٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٨.

٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أن قال له : إن شئت فجهّز رجلاً ثمّ ابعثه يحجّ عنك» (١).

والجواب عن ذلك أمّا أوّلاً فبضعف الرّوايتين سنداً ، أمّا الأُولى فبسهل بن زياد وبجعفر بن محمّد الأشعري وهو ممّن لم يوثق ، ولم يثبت كونه جعفر بن محمّد بن عبد الله الّذي هو من رجال كامل الزيارات. وأمّا الثّانية : فبسلمة أبي حفص.

وأمّا ثانياً : فإنّ المعلّق على المشيئة تفريغ الذمّة وخلاص المكلّف ممّا وجب عليه يعني إذا أردت خلاص نفسك من هذا الواجب والتكليف فافعل كذا ، وليس المعلّق الحكم بوجوب الاستنابة حتّى يقال بأنّه لا معنى لتعليقه.

المورد الثّاني : أنّ من كان موسراً ومستطيعاً من حيث المال في هذه السنة ، ولكن لا يتمكّن من المباشرة لعروض مانع من الموانع كمرض أو حصر أو نحوهما ، فالمشهور أيضاً وجوب الاستنابة. وعن جماعة كابني إدريس وسعيد والعلّامة في بعض كتبه (٢) عدمه.

والصحيح ما نسب إلى المشهور ، فإنّ مورد بعض الرّوايات وإن كان من استقرّ عليه الحجّ كالروايتين الواردتين في الشيخ الكبير الّذي لم يحجّ قط ، ولكن صحيح الحلبي مطلق يشمل حتّى من استطاع في هذا العام ولم يتمكّن من المباشرة ، فإنّ قوله : «وإن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض» يعم من استطاع في هذه السنة ، لصدق كونه موسراً أو حال بينه وبين الحجّ مرض أو نحوه.

فتحصل : أنّ المستفاد من الرّوايات المتقدّمة أنّ الاستنابة واجبة على من تعذّر من مباشرة الحجّ وكان مستطيعاً ، سواء كان مستطيعاً سابقاً واستقرّ عليه الحجّ ، أو استطاع في هذا العام ولم يتمكّن من المباشرة.

ثمّ إنّ المشهور بين الفقهاء اختصاص وجوب الاستنابة بصورة اليأس من زوال العذر كما في المتن ، ولا يخفى أنّ الأخبار الواردة في المقام لم يذكر فيها اليأس من زوال

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٣.

(٢) السرائر ١ : ٥١٦ ، الجامع للشرائع : ١٧٣ ، المختلف ٤ : ٣٩.

٧٦

ووجوب الاستنابة كوجوب الحجّ فوري (١).

______________________________________________________

العذر أو رجاء الزوال ، بل موردها عدم التمكّن من الحجّ والحيلولة بينه وبين الحجّ لمرض ونحوه ، وعدم الطاقة للحج باعتبار كونه شيخاً كبيراً ، ويستفاد من ذلك كلّه أنّ الموضوع لوجوب الاستنابة عدم القدرة على الحجّ وعدم الاستطاعة على الحجّ واقعاً ، فلا بدّ من إحراز هذا الموضوع ليترتب عليه الحكم بوجوب الاستنابة.

والظاهر أنّ اليأس عن زوال العذر طريق عقلائي لثبوت العجز عن الإتيان بالحج ومعذّر في مقام العمل ، وبه يحصل الاطمئنان بعدم القدرة على المباشرة ، فإن أحرز المكلّف الموضوع باليأس عن زوال العذر تجب عليه الاستنابة ، ولكن الحكم الثابت حينئذ حكم ظاهري نظير الحكم الثابت في الأعذار المسوّغة للتيمم ، ويترتب على هذا أنّه لو ارتفع المانع في السنين اللّاحقة لا يسقط وجوب الحجّ عنه لعدم إجزاء الحكم الظاهري عن الواقعي ، والحكم الواقعي باق على حاله ويجب على المكلّف امتثاله كما هو الحال في جميع موارد الطرق الّتي ينكشف الخلاف فيها ، وأمّا صحيح ابن مسلم «لو أنّ رجلاً أراد الحجّ فعرض له مرض أو خالطه سقم فلم يستطيع الخروج ، فليجهّز رجلاً من ماله ثمّ ليبعثه مكانه» (١) فهو وإن كان مطلقاً من حيث حصول اليأس وعدمه ، ولكن مورده الحجّ التطوّعي بقرينة قوله «أراد الحجّ» فلا يشمل الحجّ الواجب على المكلّف الّذي غير منوط بإرادة المكلّف.

(١) لأنّ المستفاد من الأدلّة الأوّليّة وجوب الحجّ على المكلّف مباشرة ، ولكن بعد عروض المانع تنقلب وظيفته من المباشرة إلى الاستنابة ، فالّذي يسقط في البين مباشرة المكلّف ينفسه وأمّا سائر الأحكام فلا موجب لسقوطها ، فاللّازم ترتيب جميع أحكام الحجّ من حرمة التسويف والإهمال في الحجّ ووجوب المبادرة على الحجّ الصادر من النائب.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٥.

٧٧

مسألة ٦٤ : إذا حجّ النائب عمّن لم يتمكّن من المباشرة فمات المنوب عنه مع بقاء العذر أجزأه حجّ النائب وإن كان الحجّ مستقرّاً عليه (١). وأمّا إذا اتّفق ارتفاع العذر قبل الموت فالأحوط أن يحجّ هو بنفسه عند التمكّن (٢) وإذا كان قد ارتفع العذر بعد أن أحرم النائب وجب على المنوب عنه الحجّ مباشرة ولا يجب على النائب إتمام عمله (٣).

______________________________________________________

(١) هذا ممّا لا ينبغي الشك فيه ، فإنّ الميت قد عمل بوظيفته وهي الاستنابة والمفروض أنّ المنوب عنه مات ولم يرتفع العذر ، فيكون العمل مجزئاً فلا موجب للقضاء عنه.

(٢) لما عرفت أنّ الحكم بوجوب الاستنابة عند اليأس من زوال العذر حكم ظاهري ولا نقول بإجزائه عن الحكم الواقعي ، فإنّ موضوع وجوب الاستنابة كما تقدّم قريباً عدم قدرة المكلّف واقعاً على المباشرة ، فإذا أُحرز هذا بالطرق العقلائيّة وأتى النائب بالأعمال ثمّ انكشف الخلاف كان الإجزاء محتاجاً إلى الدليل ، لبقاء الحكم الواقعي على حاله فلا بدّ من امتثاله ولا موجب لسقوطه.

(٣) إن قلنا بعدم الإجزاء بعد ارتفاع العذر وبعد تمام الأعمال فالقول بعدم الإجزاء في المقام أولى ، ولو قلنا بالإجزاء هناك لا نقول به هنا ، لانفساخ الإجارة وانكشاف عدم مشروعيّة الاستنابة واقعاً ، كما ذكرنا أنّ موضوع وجوب الاستنابة والإجارة هو عدم التمكّن من الحجّ مباشرة ، والمفروض حصول التمكّن بالفعل ، وإنّما احتمل التمكّن وتخيّل بقاء العذر ، وما لم يحرز الموضوع لا تصحّ الإجارة فتنفسخ قهراً.

وبعبارة أوضح : يحكم بفساد الإجارة لوقوعها على عمل غير مشروع ، لتعلّقها على عمل الحي الّذي يتمكّن من الحجّ مباشرة ولا تجوز الإجارة على ذلك ، ويتبعه فساد العمل من النائب فتجب المباشرة على المنوب عنه بنفسه ولا يجب على النائب إتمام عمله.

٧٨

مسألة ٦٥ : إذا لم يتمكّن المعذور من الاستنابة سقط الوجوب ، ولكن يجب القضاء عنه بعد موته إن كان الحجّ مستقرّاً عليه ، وإلّا لم يجب (١) ، ولو أمكنه الاستنابة ولم يستنب حتّى مات وجب القضاء عنه (٢).

مسألة ٦٦ : إذا وجبت الاستنابة ولم يستنب ولكن تبرّع متبرّع عنه لم يجزئه ذلك ووجبت عليه الاستنابة (٣).

______________________________________________________

(١) لو تعذّرت الاستنابة على المكلّف أيضاً ، إمّا لعدم وجود النائب أو وجوده ولكن لا يرضى بالنيابة إلّا بأخذ مال يبلغ حدّ الإجحاف أو يتضرّر به المنوب عنه تضرراً أزيد من المتعارف ، ففي مثله يسقط وجوب الاستنابة لعدم القدرة أو لنفي الضرر والحرج ، فلو مات والحال هذه يجب القضاء عنه إذا كان الحجّ مستقرّاً عليه وأهمل في الإتيان ، إذ لا موجب لسقوطه بعد الاستقرار وإهماله في الإتيان ، ومجرّد عدم التمكّن من أدائه في زمان حياته لا يوجب سقوط القضاء عنه ، فهو في الحقيقة قد مات وعليه حجّة الإسلام.

وأمّا إذا لم يكن الحجّ مستقرّاً عليه كما إذا مات في عام الاستطاعة فالظاهر عدم وجوب القضاء ، لسقوط التكليف عنه مباشرة على الفرض وعدم وجوب الاستنابة عليه في زمان حياته لعدم القدرة عليها ، فلا يجب عليه الحجّ لا مباشرة ولا نيابة فلا موضوع لوجوب القضاء عنه.

(٢) لو ترك الاستنابة مع التمكّن منها فلا ريب في أنّه عصى بناءً على وجوب الاستنابة ، ولو مات يجب القضاء عنه لاستقرار الحجّ عليه بالتمكّن من الاستنابة.

(٣) لأنّ العمل ما لم يصدر منه مباشرة أو لم يكن بأمره وتسبيبه لا يستند إليه ، فلا موجب لسقوطه عنه بمجرّد إتيان العمل في الخارج تبرّعاً من الغير. مضافاً إلى أنّ المستفاد من الرّوايات (١) لزوم الإرسال والإحجاج والتجهيز إليه ، وذلك غير صادق على فعل الغير تبرّعاً ولا أقل من الشك في السقوط والأصل عدمه. وبعبارة اخرى :

__________________

(١) المتقدِّمة في ص ٧٤.

٧٩

مسألة ٦٧ : يكفي في الاستنابة الاستنابة من الميقات ولا تجب الاستنابة من البلد (١).

مسألة ٦٨ : من استقرّ عليه الحجّ إذا مات بعد الإحرام في الحرم أجزأه عن حجّة الإسلام (٢).

______________________________________________________

مقتضى إطلاق الأدلّة كقوله : «فليجهز رجلاً» ونحو ذلك وجوب الاستنابة عليه سواء تبرّع عنه آخر أولاً.

(١) لأنّ المذكور في النصوص هو لزوم تجهيز رجل وبعثه إلى الحجّ ولم يؤخذ فيها الابتداء من مكان خاص ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بالنظر إلى الأماكن حيث يصدق إنّه جهّز رجلاً ليحج عنه.

نعم ، ورد في صحيحة محمّد بن مسلم «ليبعثه مكانه» (١) فربما يستفاد من ذلك الاختصاص ببلد المنوب عنه ، ولكن قد عرفت أنّ هذه الصحيحة أجنبيّة عن المقام لاختصاصها بالحج التطوّعي. مضافاً إلى أنّ البعث لا يختص ببلده بل يصدق البعث والإرسال من أيّ بلد شاء ، فلو كان من أهالي النجف الأشرف وأرسل شخصاً من المدينة المنوّرة للحج يصدق إنّه بعث رجلاً للحج عنه مكانه.

(٢) بلا خلاف بين العلماء ، بل ادّعي عليه الإجماع لجملة من النصوص ، منها : صحيح ضريس عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «في رجل خرج حاجّاً حجّة الإسلام فمات في الطريق ، فقال : إن مات في الحرم فقد أجزأت عنه حجّة الإسلام وإن مات دون الحرم فليقض عنه وليّه حجّة الإسلام» (٢).

وبإزائها صحيح زرارة «إذا أُحصر الرّجل بعث بهديه إلى أن قال قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكّة ، قال : يحجّ عنه إن كان حجّة الإسلام ويعتمر إنّما هو شي‌ء عليه» (٣) فإنّ مدلوله المطابقي عدم الإجزاء لو مات المحرم قبل الدخول إلى مكّة ، ومفهومه الإجزاء لو دخل مكّة محرماً فلا عبرة بالدخول في الحرم وعدمه.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٤ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٥.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٦٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ٣.

٨٠