موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ٢٧٣ : كفّارة التظليل شاة ، ولا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار والاضطرار ، وإذا تكرر التظليل فالأحوط التكفير عن كل يوم وإن كان الأظهر كفاية كفّارة واحدة في كل إحرام (١).

______________________________________________________

على الولي ردعه ومنعه من ذلك.

وكذلك يجوز التظليل للرجال عند الضرورة ولو لشدّة الحر أو البرد كما في النصوص المتظافرة (١).

(١) وهنا أُمور :

الأوّل : لا فرق في ثبوت الكفّارة بين حالتي الاختيار والاضطرار ، فانّ الاضطرار يرفع المنع وأمّا الكفّارة فغير مرتفعة ، فإنّ الكفّارة وإن وردت في النصوص في موارد خاصّة ولكن يظهر منها ملازمة الكفّارة للتظليل وأنّ التظليل في جميع الموارد لا يفارق الكفّارة ، ويظهر ذلك بوضوح من صحيح علي بن جعفر «أُظلل وأنا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفّارة» (٢) فان قوله : «أُظلل» كما أنّه مطلق من حيث الاختيار والاضطرار كذلك مطلق من حيث أسباب الاضطرار ، فيعلم منه أنّ التظليل مطلقاً من أيّ سبب كان يلازم الكفّارة ، نعم لو صدر التظليل منه عن غير اختيار له بحيث لا يستند التظليل إليه ، كما إذا حمله شخص إلى الظل فلا تجب الكفّارة عليه ، لعدم استناد الفعل إليه حينئذ ، وأمّا لو صدر الفعل منه اختياراً ولو للضرورة ولو كانت مثل التقية تجب الكفّارة.

بل يظهر من بعض الروايات المعتبرة أن ملازمة الكفّارة للتظليل كانت أمراً متسالماً عليه وأمراً مفروغاً عنه ، ولذا يسأل عن الإمام (عليه السلام) أنّه يظلل اختياراً ويكفّر زعماً منه أنّ الكفّارة ترفع الحرمة ، فمنعه (عليه السلام) عن ذلك إلّا إذا كان مريضاً ، ففي معتبرة عبد الله بن المغيرة قال : «قلت لأبي الحسن الأوّل (عليه

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥١٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥٤ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٢.

٥٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

السلام) : أُظلل وأنا محرم؟ قال : لا ، قلت : أفأُظلل وأُكفر؟ قال : لا ، قلت : فان مرضت؟ قال : ظلل وكفر» (١).

الثاني : المشهور أن كفّارة التظليل شاة كما في جملة من الروايات ، وفي بعض الروايات أنّها دم يهريقه ، وفي بعضها الآخر أنّه يتصدق بمد لكل يوم ، وفي بعض الروايات حكم بالكفّارة ولم يذكر جنسها (٢) أمّا ما اشتمل على التصدق بالمد فضعيف سنداً بعلي بن أبي حمزة البطائني ، وأمّا ما دلّ على مطلق الكفّارة فيحمل على الشاة ، وكذا ما دلّ على مطلق الدم ، فالمتعين بعد حمل المطلقات على المقيّد هو الشاة وعدم إجزاء غيرها.

نعم ، في صحيحة علي بن جعفر أن علي بن جعفر نحر بدنة لكفّارة الظل (٣) ، ومن ثمّ حمل جملة من الأصحاب البدنة هنا على الاستحباب ، ولكن الظاهر أنّه لا وجه له ، بل مقتضى الروايات تعيين الشاة وعدم إجزاء غيرها ولو كان إبلاً ، وأمّا فعل علي ابن جعفر فغير حجّة ولعله اجتهاد منه غير متبع عندنا.

الثالث : هل تتكرر الكفّارة بتكرر التظليل أم لا؟ ولا يخفى أن محل الكلام تكرر الكفّارة بتكرر التظليل في إحرام واحد ، وأمّا إذا كان في إحرامين كإحرام العمرة وإحرام الحجّ فلا كلام في تكرر الكفّارة ولا وجه للتداخل بعد تعدد السبب ، نظير تعدد كفّارة الصوم لافطار يومين من شهر رمضان ، فالكلام في تكرر التظليل في إحرام واحد ، كما إذا ظلل في إحرام الحجّ متعدداً من سبب واحد أو من أسباب متعددة.

مقتضى القاعدة الأولية عدم التداخل ولزوم التعدد ، ولكن هذا مما لا يمكن الالتزام به أبداً ، للتسالم على عدم تعدد الكفّارة بذلك ، بل يستفاد وحدة الكفّارة ولو تكرر

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥١٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥٤ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ١ ، ٣ ، ٤ ، ٥ ، ٨.

(٣) المصدر المتقدِّم ح ٢.

٥٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

التظليل من روايات جواز التظليل للشيخ والمريض ، فانّ الشيخ لا ريب أن عذره مستمر وكذلك المريض الّذي سئل عنه في الروايات ، ولا ريب أن تظليلهم كان يتعدد ويتكرر في يوم واحد ومع ذلك لم يحكموا (عليهم السلام) عليهم بتعدد الكفّارة. مع أنّهم (عليهم السلام) في مقام بيان وظيفتهم ، وإنّما أطلقوا لهم الكفّارة ، ولو كانت تتعدّد بتكرّر التظليل للزم البيان والتنبيه عليه ، ولا فرق قطعاً بين الشيخ والمريض وغيرهما ممّن يتظلّل متكرّراً.

على أنّه يكفينا معتبرة ابن راشد قال : «قلت له (عليه السلام) : جعلت فداك إنّه يشتد علي كشف الظلال في الإحرام ، لأنّي محرور يشتد عليّ حر الشمس ، فقال : ظلل وارق دماً ، فقلت له : دماً أو دمين؟ قال : للعمرة؟ قلت : إنّا نحرم بالعمرة وندخل مكّة ونحرم بالحج ، قال : فارق دمين» (١) فإنّها صريحة بتعدد الكفّارة بتعدد الإحرامين ، إحداها لإحرام العمرة والأُخرى لإحرام الحجّ ، ويستفاد منها وحدة الكفّارة مع تكرّر التظليل إذا كان في إحرام واحد.

ولا وجه لمناقشة السند لوقوع محمّد بن عيسى بن عبيد اليقطيني فيه فإنّه ثقة جليل كما وثقه النجاشي (٢) وغيره ، ولا يعارض ذلك تضعيف الشيخ (٣) إيّاه ، فإن تضعيفه مبني على استثناء ابن الوليد والصدوق رواياته عن خصوص يونس بطريق منقطع أو ما ينفرد بروايته عنه في كتاب نوادر الحكمة ، فتخيل الشيخ أن استثناءهما لرواياته عن يونس ناشئ من تضعيفهما له ، مع أنّه لم يظهر لا من ابن الوليد ولا من الصدوق تضعيف محمّد بن عيسى نفسه ولم يناقشا فيه. والّذي يكشف عن ذلك أنّ الصدوق تبع شيخه في الاستثناء المزبور فلم يرو في الفقيه ولا رواية واحدة عن محمّد ابن عيسى عن يونس ، ولكن قد روى عنه عن غير يونس في نفس كتاب الفقيه في المشيخة في نيف وثلاثين مورداً ، ولو كان محمّد بن عيسى بنفسه ضعيفاً لما روى عنه

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٥٦ / أبواب بقية الكفّارات ب ٧ ح ١.

(٢) رجال النجاشي : ٣٣٣.

(٣) الفهرست : ١٤٠ [٨٩٦].

٥٠٣

٢٢ ـ إخراج الدم من البدن

لا يجوز للمحرم إخراج الدم من جسده وإن كان ذلك بحك بل بسواك على الأحوط ، ولا بأس به مع الضرورة أو دفع الأذى ، وكفارته شاة على الأحوط الأولى (١).

______________________________________________________

لأنّ الصدوق يصرح ويقول كلّ ما لم يصححه شيخه ابن الوليد لم يصححه هو ويترك العمل به (١) ، فيكشف ذلك عن أن استثناء ابن الوليد خصوص رواياته عن يونس غير مبتن على ضعف الرجل نفسه ، وتفصيل ذلك موكول إلى كتابنا معجم الرجال (٢).

(١) يقع البحث تارة في الاحتجام واخرى في مطلق الإدماء.

أمّا الأوّل : فقد ورد المنع عنه في عدّة روايات معتبرة كصحيحي الحلبي وزرارة ومفهوم صحيح ذريح (٣) وبإزائها ما دلّ على الجواز كصحيحة حريز «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر» (٤) المؤيدة برواية يونس «عن المحرم يحتجم؟ قال : لا أُحبه» (٥) بدعوى أن قوله : «لا أُحبه» ظاهر في الجواز مع الكراهة. وقد ذكرنا غير مرّة أن لا أُحب لا تدل على الجواز ، بل غايته عدم دلالته على الحرمة ، مضافاً إلى ضعف السند.

وورد في روايات متعددة أنّ الحسن والحسين (عليهما السلام) بل إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) احتجموا وهم محرمون والروايات ضعيفة سنداً ، على أنّها مشتملة على نقل فعل منهم (عليهم السلام) ولا إطلاق لذلك ، ولعلهم احتجموا للضرورة ، بل لا بدّ من حمل ذلك على الضرورة ، لأنّ الحجامة إن لم تكن محرمة فلا

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٥٥ ذيل ح ٢٤١.

(٢) معجم رجال الحديث ١٨ : ١١٩.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥١٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ١ ، ٢ ، ٨.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥١٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ٥.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥١٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ٤.

٥٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إشكال في كراهتها فكيف تصدر منهم (عليهم السلام) فالعمدة إنّما هي صحيحة حريز المتقدِّمة ، والجمع العرفي يقتضي حملها على الضرورة ، لأن صحيح حريز مطلق من حيث الضرورة وعدمها ، والروايات المانعة المتقدِّمة جوّزت الاحتجام في مورد الضرورة ، ومقتضى الجمع هو الجواز في مورد الضرورة وعدمه في غير الضرورة.

وأمّا الإدماء : فقد تقدّم (١) في باب إزالة الشعر جواز حكّ الجسد ما لم يدم وفي خبر عمر بن يزيد «ويحكّ الجسد ما لم يدمه» (٢) ولكنّه ضعيف بمحمّد بن عمر بن يزيد فإنّه لم يوثق ، فلا بأس بجعله مؤيّداً ، وفي صحيح الحلبي «عن المحرم يستاك ، قال : نعم ، ولا يدمي» (٣) وقيل بإزاء هذه الروايات روايتان تدلّان على الجواز.

الأُولى : صحيحة علي بن جعفر «عن المحرم هل يصلح له أن يستاك؟ قال : لا بأس ولا ينبغي أن يدمي فمه» (٤) بدعوى ظهور «لا ينبغي» في الكراهة ، وقد ذكرنا غير مرّة أن لا ينبغي ظاهر في الحرمة ، لأنّه بمعنى لا يتيسّر وغايته عدم دلالته على الحرمة لا دلالته على الجواز مع الكراهة كما هو المدعى.

الثانية : صحيحة معاوية بن عمار «في المحرم يستاك؟ قال : نعم ، قلت : فإن أدمى يستاك؟ قال : نعم ، هو من السنّة» (٥) ومقتضى حمل المطلق على المقيّد جواز الإدماء في خصوص مورد الاستياك ، لأنّه من السنّة لا جوازه على الإطلاق.

ثمّ إنّ الكليني قال بعد رواية معاوية بن عمار : وروى أيضاً «لا يستدمي» (٦) فيكون المعنى أنّه لو علم بخروج الدم وكان يطلب خروج الدم فلا يستاك ، وأمّا إن كان خروج الدم من باب الاتفاق فلا بأس ، فهذا تفصيل لا تخصيص. ولكن لو قرئ «وروى» بصيغة المجهول فهو خبر مرسل وإن قرئ بصيغة المعلوم أي إن معاوية بن عمار روى أيضاً ، فالجواز يختص بفرض عدم خروج الدم. هذا كلّه في الاستياك

__________________

(١) في ص ٤٧٣.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٣٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٣٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٣٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٥.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥٦١ / أبواب تروك الإحرام ب ٩٢ ح ١.

(٦) الكافي ٤ : ٣٦٦ / ٦.

٥٠٥

٢٣ ـ التقليم

لا يجوز للمُحرم تقليم ظفره ولو بعضه ، إلّا أن يتضرر المحرم ببقائه ، كما إذا انفصل بعض أظفاره وتألم من بقاء الباقي فيجوز له حينئذ قطعه ويكفّر عن كل ظفر بقبضة من الطعام (١).

______________________________________________________

وأمّا في غير مورد الاستياك مما يدمي فلا يجوز قطعاً.

وأمّا الكفّارة فلم تذكر في شي‌ء من الروايات كفّارة للادماء ، وقد ذكرنا أن تروك الإحرام مختلفة ، قسم منها فيه الكفّارة وقسم آخر لا كفّارة فيه ، ولكن الأحوط الأولى الكفّارة ، لما تقدّم غير مرة بناءً على نسخة «جرحت» في خبر علي بن جعفر (١).

(١) لا خلاف بين الفقهاء في تحريم الأخذ من الأظفار ، من دون فرق بين البعض والجميع ، ومستنده أخبار عديدة :

منها : صحيح معاوية بن عمار «عن الرجل المحرم تطول أظفاره ، قال : لا يقص شيئاً منها إن استطاع ، فان كانت تؤذيه فليقصها ، وليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام» (٢) والمراد بالقص مطلق الإزالة والأخذ ، ولا خصوصية للقص المأخوذ بالمقص أي المقراض كما توهم ، وذلك بقرينة جملة من الروايات الّتي ورد فيها التقليم الّذي يراد به مطلق القطع والأخذ من الظفر ، كما في صحيحة زرارة «من نتف إبطه أو قلّم ظفره» (٣) وفي صحيحة أُخرى له «من قلّم أظافيره» (٤) وأصرح من ذلك كلّه موثقة إسحاق «عن رجل نسي أن يقلّم أظفاره عند إحرامه ، قال : يدعها» (٥) أي يتركها ولا يأخذ شيئاً منها ، وهذا التعبير يشمل جميع أفراد الأخذ وأنواعه من القص والقطع ونحوهما.

__________________

(١) المتقدِّم في ص ٤٠٧.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٣٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٦٠ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٠ ح ٦.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٦٠ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٠ ح ٥.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥٣٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٧ ح ٢.

٥٠٦

مسألة ٢٧٤ : كفّارة تقليم كل ظفر مد من الطعام وكفّارة تقليم أظافير اليد جميعها في مجلس واحد شاة ، وكذلك الرِّجل ، وإذا كان تقليم أظافير اليد وأظافير الرِّجل في مجلس واحد فالكفّارة أيضاً شاة (١).

______________________________________________________

ومقتضى إطلاق الروايات عدم الفرق بين الواحد والجميع ، نعم لو أذاه وتألم من بقائه لا بأس بقطعه كما في المعتبرة المتقدِّمة ، ولكن يكفّر عن كل ظفر بقبضة من طعام.

وهل يكتفى بمطلق الأذية العرفية أو لا بدّ من أن يبلغ حدّ الضرورة؟ وجهان.

الظاهر هو الأوّل ، وذلك لأنّ المراد بالاستطاعة المذكورة في صحيح معاوية بن عمار هي العادية العرفية لا القدرة الحقيقية العقلية ، وإلّا ففي صورة الاضطرار والضرورة القدرة العقلية حاصلة أيضاً ، فالعبرة بالعسر والحرج العرفيين ، والمدار بالأذية العرفية وإن لم تبلغ حدّ الضرورة.

(١) المشهور بين الأصحاب أن في تقليم كل ظفر مداً من طعام كما في صحيحة أبي بصير (١) وبإزائها مطلقات من حيث الواحد والجميع أن عليه دماً أو شاة كما في صحيحتي زرارة المتقدمتين (٢) ، وورد في صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة (٣) «قبضة من طعام» ولكنّها لا تكون معارضة لما دلّ على أن فيه مداً من الطعام ، لأن موردها الأذية والضرورة ، ولا مانع من الالتزام بمضمونها في موردها ، فتكون النتيجة أن تقليم كل ظفر إذا كان مما يؤذيه ففديته كف من الطعام وقبضة منه ، وإذا كان لا يؤذيه بقاؤه فقطعه ، فمد من طعام كما في صحيحة أبي بصير.

ثمّ إن هنا إشكالاً وهو أنّ الشيخ روى رواية أبي بصير وذكر فيها «قيمة مد من طعام» (٤) ورواها الصدوق «عليه مد من طعام» (٥) ولا شك أنّ الإمام (عليه السلام)

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٦٢ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٢ ح ١.

(٢) في الصفحة السابقة.

(٣) في الصفحة السابقة.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٢٧ / ١٠٧٥.

٥٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لم يذكر لأبي بصير تارة قيمة مد وأُخرى يذكر له مد من طعام ، فالرواية واحدة جزماً فأبو بصير إمّا روى «قيمة مد من طعام» أو روى «مد من طعام» فأحدهما اشتباه ، ولا ريب أنّ الترجيح مع الفقيه بوجهين :

الأوّل : أنّ الصدوق أضبط من الشيخ كما يظهر ذلك بوضوح لمن يراجع كتاب التهذيب والاستبصار قال في الحدائق : لا يخفى على من راجع التهذيب وتدبّر أخباره ما وقع للشيخ (قدس سره) من التحريف والتصحيف في الأخبار سنداً ومتناً وقلّ ما يخلو حديث من أحاديثه من علة في سند أو متن (١) وما ذكره لا يخلو من إغراق ومبالغة ، إلّا أنّ القدر المسلم أنّ الشيخ أكثر اشتباهاً من الصدوق.

ويؤيّد ما ذكرنا أنّ الشيخ استدلّ لما ذكره المفيد في المقنعة برواية أبي بصير ، والمذكور في المقنعة «مد من الطعام» (٢) فذكر القيمة في رواية أبي بصير لا بدّ أن يكون اشتباهاً ، وإلّا لا يصلح خبر أبي بصير دليلاً لما ذكره المفيد في المقنعة ، فالمعتمد إنّما هو رواية الفقيه.

الثاني : أن قيمة مد من طعام لا يمكن أن تكون كفّارة ، لاستحالة التخيير بين الأقل والأكثر ، فانّ الطعام اسم للحنطة والشعير والتمر والأرز ونحوها ، وقيمة هذه الأُمور مختلفة فكيف يمكن جعل قيمة هذه الأُمور ملاكاً للواجب ، فالأقل مما يصدق عليه قيمة الطعام يكون مصداقاً للواجب.

ثمّ إنّه يظهر من الجواهر (٣) أن نسخة الفقيه أيضاً مختلفة ولكن الاختلاف إنّما هو بين الفقيه والتهذيب.

__________________

(١) الحدائق ٣ : ١٥٦.

(٢) المقنعة : ٤٣٤.

(٣) الجواهر ٢٠ : ٣٩٩.

٥٠٨

وإذا كان تقليم أظافير اليد في مجلس وتقليم أظافير الرجل في مجلس آخر فالكفّارة شاتان (١).

______________________________________________________

(١) ويدلُّ على هذا التفصيل صحيحتا أبي بصير قال في الأُولى : «فإن قلّم أصابع يديه كلّها فعليه دم شاة ، فإن قلّم أظافير يديه ورجليه جميعاً ، فقال : إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وإن كان فعله متفرقاً في مجلسين فعليه دمان» (١) وقال في الثانية «إذا قلّم المحرم أظفار يديه ورجليه في مكان واحد فعليه دم واحد ، وإن كانتا متفرقتين فعليه دمان» (٢) وبإزائهما رواية حريز عمن أخبره عن أبي جعفر (عليه السلام) «في محرم قلم ظفراً ، قال : يتصدق بكف من طعام قلت : ظفرين ، قال : كفين ، قلت : ثلاثة ، قال : ثلاثة أكف قلت : أربعة ، قال : أربعة أكف ، قلت : خمسة ، قال : عليه دم يهريقه» (٣) ولكنّها غير صالحة للمعارضة لا في وجوب الشاة في الخمسة ولا في وجوب الكف من الطعام أو الكفين لإرسالها. على أنّها موافقة في وجوب الشاة في الخمسة لمذهب أبي حنيفة وأتباعه (٤) ، هذا كلّه في العالم العامد.

وأمّا الناسي : ففي النصوص أنّه ليس عليه شي‌ء.

منها : حديث رفع النسيان فانّ المستفاد منه عدم ترتب أيّ أثر على النسيان.

ومنها : ما دلّ على أنّ الناسي أو الجاهل في باب الحجّ ليس عليه فداء شي‌ء أتاه إلّا الصيد (٥) ومنها : صحيحتا زرارة الواردتان في خصوص المقام (٦).

وبإزائها ما رواه الشيخ بسند صحيح عن حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٦٢ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٦٤ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٢ ح ٦.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٦٤ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٢ ح ٥.

(٤) بدائع الصنائع ٢ : ١٩٤.

(٥) الوسائل ١٣ : ٦٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٣١.

(٦) الوسائل ١٣ : ١٦٠ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٠ ح ٥ ، ٦.

٥٠٩

مسألة ٢٧٥ : إذا قلّم المحرم أظافيره فأدمى اعتماداً على فتوى من جوّزه وجبت الكفّارة على المفتي على الأحوط (١).

______________________________________________________

المحرم ينسى فيقلم ظفراً من أظافيره ، قال : يتصدق بكف من الطعام قلت : فاثنتين ، قال : كفين ، قلت : فثلاثة ، قال : ثلاثة أكف ، كل ظفر كف حتّى يصير خمسة ، فإذا قلّم خمسة فعليه دم واحد خمسة كان أو عشرة أو ما كان» (١) وبه تثبت الشاة على العامد أيضاً ، إذ لا نحتمل كون الناسي أشد عقوبة من العامد. ولكن لا يمكن الاعتماد على ما رواه الشيخ ، فانّ الظاهر أن ما رواه الشيخ يتحد مع مرسلة الكليني عن حريز عمن أخبره (٢) ، وليس في المرسلة ذكر للنسيان ، والوجه في اتحاد رواية الشيخ مع مرسلة الكليني ما ذكرناه غير مرة أن من المستبعد جدّاً أن حريزاً يروي لحماد مسنداً إلى الإمام (عليه السلام) تارة ويروي مرسلاً لحماد ، وحماد يروي مسنداً لعبد الرّحمن ومرسلاً لإبراهيم بن هاشم ، فالخبر يدور بين كونه مرسلاً كما في الكافي وبين كونه مسنداً كما في كتاب الشيخ ، ولا ريب أنّ الكليني أضبط بل لو لم يكن أضبط لتساوى الاحتمالان فلا يمكن الحكم بكون الرواية مسندة.

ومع الغض عما ذكرنا ، فلا ريب أنّ الروايات المتقدِّمة خصوصاً روايتي زرارة وروايات الصيد صريحة في عدم شي‌ء على الناسي ، فلا بدّ من حمل رواية الشيخ على الاستحباب.

(١) على المشهور ، واستدلّ على ذلك بروايتين إحداهما ضعيفة السند والثانية ضعيفة الدلالة ، أمّا الأُولى : فعن إسحاق الصيرفي قال قلت لأبي إبراهيم (عليه السلام) : «إنّ رجلاً أحرم فقلّم أظفاره وكانت له إصبع عليلة فترك ظفرها لم يقصه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصّه فأدماه ، فقال : على الّذي أفتى شاة» (٣) فإنّها ضعيفة بمحمّد

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٦٣ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٢ ح ٣. التهذيب ٥ : ٣٣٢ / ١١٤٣.

(٢) الكافي ٤ : ٣٦٠ / ٤.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٦٤ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٣ ح ١.

٥١٠

٢٤ ـ قلع الضرس

مسألة ٢٧٦ : ذهب جمع من الفقهاء إلى حرمة قلع الضرس على المحرم وإن لم يخرج به الدم وأوجبوا له كفّارة شاة ، ولكن في دليله تأملاً بل لا يبعد جوازه (١).

٢٥ ـ حمل السلاح

مسألة ٢٧٧ : لا يجوز للمحرم حمل السلاح كالسيف والرمح وغيرهما مما يصدق عليه السلاح عرفاً. وذهب بعض الفقهاء إلى عموم الحكم لآلات التحفظ كالدرع والمغفر ، وهذا القول أحوط (٢).

______________________________________________________

البزاز أو الخزاز ، فإنّهما لم يوثقا ، وأمّا زكريا المؤمن فهو من رجال كامل الزيارات.

أمّا الرواية الثانية : فموثقة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل نسي أن يقلم أظفاره عند إحرامه ، قال : يدعها ، قلت فان رجلاً من أصحابنا أفتاه بأن يقلم أظفاره ويعيد إحرامه ففعل ، قال : عليه دم يهريقه» (١) وظاهر الضمير في قوله : «عليه دم» رجوعه إلى الرجل المحرم لا المفتي ، على أنّه لم يذكر فيها الإدماء ، فالحكم المذكور مبني على الاحتياط خروجاً من مخالفة المشهور.

(١) لأن ما استدلّ به للحرمة ضعيف ، وهو المرسل «عن رجل من أهل خراسان أن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي‌ء ، محرم قلع ضرسه ، فكتب (عليه السلام) : يهريق دماً» (٢) بل لو فرضنا صحّة الرواية لا يمكن القول بتحريم قلع الضرس في نفسه ، لأن قلع الضرس يلازم الإدماء غالباً أو دائماً ، فتكون حرمته من باب الإدماء ، وحمل الرواية على ما ليس فيه دم حمل على الفرد النادر جدّاً.

(٢) المشهور بين الفقهاء حرمة لبس السلاح للمحرم لغير ضرورة ، وذهب المحقق

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٦٥ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٧٥ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٩ ح ١.

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

في الشرائع إلى الكراهة (١) ، وتبعه غيره كالعلّامة (٢) والمدارك (٣) ، والصحيح ما عليه المشهور للنصوص :

منها : صحيح الحلبي قال «إنّ المحرم إذا خاف العدو يلبس السلاح فلا كفّارة عليه» (٤).

ومنها : صحيح ابن سنان «أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال : إذا خاف المحرم عدوا أو سرقاً فليلبس السلاح» (٥) لتعليق الحكم بالجواز فيهما على ما إذا خاف من العدو ، فبالمفهوم يدل على التحريم في غير هذه الصورة.

وحملهما على الكراهة يتوقف على أحد أمرين : أحدهما إنكار حجية المفهوم. وفيه : ما ذكر في محلِّه من عدم الفرق في حجية الظواهر بين المفهوم والمنطوق. ثانيهما : إنكار المفهوم لهما ، لأنّ الخوف المذكور فيهما محقق للبس السلاح ، فالقضية سيقت لبيان الموضوع فلا مفهوم لها كما حقق في محلِّه. وفيه : أن لبس السلاح ليس دائماً لغرض الخوف ، بل ربما يلبسه الإنسان للتشخص والإظهار ونحو ذلك من الأغراض. ولا وجه لمناقشة السند بزعم وقوع العبيدي في السند ، فانّ المراد بأبي جعفر الّذي روى عن أبيه هو أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري ، فان كلّا من الأب والابن ثقة ، وأحمد أبو جعفر قد يروي عن محمّد بن أبي عمير بلا واسطة كما في رواية الحلبي ، وقد يروي عن أبيه محمّد بن عيسى الأشعري عن عبد الله بن المغيرة كما في رواية ابن سنان.

وهنا فروع مترتبة على التحريم :

الأوّل : هل الحكم بالحرمة يختص باللبس أو يعم مطلق الحمل كالأخذ بيده أو وضعه في كمه أو في جيبه ونحو ذلك؟ الظاهر هو التعميم ، لأنّ السؤال في صحيح ابن

__________________

(١) الشرائع ١ : ٢٨٥.

(٢) المنتهي ٢ : ٨١١ السطر ٣١.

(٣) المدارك ٧ : ٣٧٣.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٠٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٤ ح ١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥٠٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٤ ح ٢.

٥١٢

مسألة ٢٧٨ : لا بأس بوجود السلاح عند المحرم إذا لم يكن حاملاً له ، ومع ذلك فالترك أحوط (١).

مسألة ٢٧٩ : تختص حرمة حمل السلاح بحال الاختيار ولا بأس به عند الاضطرار (٢).

______________________________________________________

سنان عن الحمل ، ومقتضى ظاهر السؤال والجواب للزوم مطابقتهما أنّ الممنوع هو الحمل ، وإلّا لكان سؤاله بلا جواب ، وإنّما أجاب باللبس ، مع أنّ السؤال عن الحمل لغلبة اللبس في الخارج ، فالمستفاد من الرواية أنّ الحمل محرم وكذا اللبس ، لصدق الحمل عليه.

الثاني : هل يختص الحكم بالسلاح نفسه أو يعم الحكم لآلات التحفظ والوقاية في الحرب كالدرع والمغفر ونحوهما؟ ذهب بعضهم إلى التعميم ، ولكن لا دليل عليه ، لأنّ الممنوع هو السلاح وهو غير صادق على هذه الآلات وإنّما يلبسها للوقاية والتحفظ.

(١) هذا هو الفرع الثالث ، قد احتمل بعضهم حرمة وجود السلاح عنده وإن لم يكن حاملاً له ، كما إذا ألقاه على دابته أو جعله في متاعه وأثاثه ، ولكن لا دليل على ذلك ، لأنّ الصحيحين ذكر فيهما الحمل واللبس ، وذلك غير صادق على مجرد كون السلاح معه ، وقد يحتمل حرمة ذلك لحرمة مجرّد إظهار السلاح بمكّة أو الحرم وأن لا يكون بارزاً ، إلّا أن يستره ويدخله في جوالق كما في النص (١) إلّا أنّه على تقدير حرمة ذلك فهو من أحكام الدخول في مكّة أو الحرم ، ولا يرتبط بالإحرام.

(٢) مستنده الصحيحان المتقدمان (٢).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٥٦ / أبواب مقدّمات الطّواف ب ٢٥ ح ١.

(٢) في الصفحة السابقة.

٥١٣

مسألة ٢٨٠ : كفّارة حمل السلاح شاة على الأحوط (١) إلى هنا انتهت الأُمور الّتي تحرم على المحرم.

الصيد في الحرم وقلع شجره أو نبته

وهناك ما تعم حرمته المحرم والمحل وهو أمران :

أحدهما : الصيد في الحرم فإنّه يحرم على المحل والمحرم كما تقدّم (٢).

ثانيهما : قلع كل شي‌ء نبت أو قطعه من شجر وغيره ، ولا بأس بما يقطع عند المشي على النحو المتعارف ، كما لا بأس بأن تترك الدواب في الحرم لتأكل من حشيشه (٣).

______________________________________________________

(١) مقتضى مفهوم صحيح الحلبي المتقدِّم ثبوت الكفّارة عليه إذا لبس السلاح من غير ضرورة وخوف من العدو ، ولكن لم يذكر نوع الكفّارة ولعلها كف من الطعام أو الاستغفار.

نعم ، في صحيح زرارة من لبس ثوباً لا ينبغي لبسه فعليه شاة (١) إلّا أنّ الموضوع فيه لبس الثوب الّذي لا يصدق على السلاح لا مطلق اللبس ، فان كان المراد من الثوب مطلق ما يلبسه الإنسان وإن كان من غير ما يصدق عليه الثوب فهو وإلّا فيشكل الأمر ، فالنتيجة عدم ثبوت الكفّارة عليه إلّا بأقل ما يصدق عليه الكفّارة كالاستغفار ، بل بناءً على المشهور لم يثبت أصل الكفّارة عليه ولو بغير شاة ، لعدم وجود العامل بالرواية وهي مهجورة ومتروكة.

(٢) قد تعرضنا في أوّل تروك الإحرام للنصوص الدالّة على حرمة صيد الحرم على المحل والمحرم فراجع (٢).

(٣) هنا أُمور :

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٥٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

(٢) ص ٢٧٨.

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : لا خلاف بين أصحابنا في حرمة قلع شجر الحرم ونبته على المحرم وغيره وتدل عليه جملة من الأخبار :

منها : صحيح حريز «قال : كل شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين» (١) والمذكور فيه وإن كان كل فعل يتعلق بالشجر وإن كان بغير القطع إلّا أنّ المراد به بقرينة بقية الروايات هو قلع الشجر وقطعه كما في صحيح زرارة وغيره ، فعن زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : حرّم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه ويعضد شجره» (٢) اختلى الخلى اختلاءً : جزّه وقلعه ، عضد الشجرة وغيرها قطعها بالمعضد. ويؤيّد برواية أُخرى ضعيفة دالّة على أنّ المحرّم نزع الشجرة (٣).

وبالجملة : لا ينبغي الريب في أنّ المستفاد من الروايات حرمة القطع والقلع ، وأمّا بقية التصرفات كإلقاء الثوب عليه أو شد شي‌ء به ونحو ذلك فغير محرمة خصوصاً التصرفات الحاصلة بعد القطع.

الثاني : أنّ الحكم بالتحريم يختص بما إذا كان القطع أو القلع مقصوداً له بنفسه وأمّا إذا قطع في الطريق بوطي الإنسان أو دابته فالأدلّة منصرفة عنه ، فانّ المقصود حينئذ هو المشي في الطريق لا قطع النبات ولا يضر قطعه من باب الاتفاق ، مضافاً إلى ذلك أنّ النبات أو الشجر كثيراً ما يوجد في الطرق خصوصاً في الأزمنة السابقة قبل تبليط الشوارع والطرق ، ويتفق كثيراً وطئ الإنسان أو دابته له ، ومع ذلك لم يرد منع وردع عن ذلك في الروايات أصلاً ، ولو كان ممنوعاً لظهر وبان ، فيعلم من ذلك أنّ الحكم بالحرمة يختص بالقطع إذا كان مقصوداً.

الثالث : أنّ الممنوع ما صدق عليه عنوان النزع ، وأمّا تعلف الحيوان من النبات والحشيش بطبعه فلا يمنع عنه ولا يجب على المحرم منع الحيوان من ذلك ، لعدم صدق عنوان القلع أو النزع والقطع على ذلك ، وقد ورد في الإبل خاصّة دليل بالخصوص

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٥٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٥٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٥٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٩.

٥١٥

ويستثنى من حرمة القلع أو القطع موارد

(١) الإذخر وهو نبت معروف (١).

(٢) النخل وشجر الفاكهة (٢).

______________________________________________________

وهو صحيح حريز «قال : تخلي عن البعير في الحرم يأكل ما شاء» (١).

(١) تدل عليه جملة من الروايات :

منها : صحيحة زرارة ، قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : حرّم الله حرمه بريداً في بريد أن يختلى خلاه أو يعضد شجره إلّا الإذخر» (٢).

ومنها : صحيحة حريز في حديث «فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إلّا الإذخر» (٣).

(٢) كما في صحيح سليمان بن خالد في حديث «قال : لا ينزع من شجر مكّة شي‌ء إلّا النخل وشجر الفاكهة» (٤). ويؤيد برواية سهل «قال لا ينزع من شجر مكّة إلّا النخل وشجر الفاكهة» (٥).

مضافاً إلى التسالم وقطع الأصحاب. ثمّ إنّه لا يعتنى لتضعيف الرواية بوجود الطاطري في السند بدعوى أنّه من وجوه الواقفية وأنّه لا يعتمد على رواياته ، وذلك لأنّه ثقة عندنا ، ولا بأس بالعمل بالموثق ، على أنّ الصدوق رواه بسند صحيح عن سليمان بن خالد وليس فيه الطاطري (٦) ، واستدلّ صاحب المدارك بهذه الرواية على طريق الصدوق (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٥٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٥٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٥٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٨ ح ١.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٥٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥٥٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٩.

(٦) الفقيه ٢ : ١٦٦ / ٧٢٠.

(٧) المدارك ٧ : ٣٧٠.

٥١٦

(٣) الأعشاب الّتي تجعل علوفة للإبل (١).

______________________________________________________

(١) يجوز للمحرم قلع النبات لعلوفة الإبل ويدلُّ عليه معتبرة محمّد بن حمران قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن النبت الّذي في أرض الحرم أينزع؟ فقال : أمّا شي‌ء تأكله الإبل فليس به بأس أن تنزعه» (١).

وربما يتوهّم معارضتها برواية ابن سنان قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المحرم ينحر بعيره أو يذبح شاته؟ قال : نعم ، قلت : له أن يحتشّ لدابته وبعيره؟ قال : نعم ، ويقطع ما شاء من الشجر حتّى يدخل الحرم ، فإذا دخل الحرم فلا» (٢) فتسقطان بالمعارضة فالمرجع عموم المنع عن قلع نبات الحرم.

وفيه : أنّ الجمع العرفي بينهما موجود ولا مجال للمعارضة.

بيان ذلك : أنّ الوجوب والحرمة ليسا من مداليل اللفظ ، وإنّما يستفاد كل منهما من عدم اقتران الأمر بالترخيص في الترك وعدم اقتران النهي بالترخيص في الفعل ، فحينئذ يحكم العقل بالوجوب أو الحرمة ، وأمّا إذا كان الأمر مقروناً بالترخيص في الترك أو كان النهي مقروناً بالترخيص في الفعل فلا يحكم العقل بالإلزام ، والنهي الوارد في خبر ابن سنان مقرون بالترخيص في الفعل الوارد في معتبرة محمّد بن حمران فلا يستفاد من النهي الوارد في خبر ابن سنان الحرمة ، لاقترانه بالترخيص صريحاً في المعتبرة.

هذا مضافاً إلى أن رواية ابن سنان ضعيفة سنداً فلا تصلح للمعارضة ، وذلك لوجود عبد الله بن القاسم في السند وهو بقرينة الراوي عنه وبقرينة روايته عن ابن سنان هو عبد الله بن القاسم الحضرمي الّذي قال النجاشي في حقّه : إنّه كذّاب (٣) ، ولا أقل أنّه مجهول.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٥٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٩ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٥٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٥ ح ١.

(٣) رجال النجاشي : ٢٢٦ [٥٩٤].

٥١٧

(٤) الأشجار أو الأعشاب الّتي تنمو في دار نفس الشخص أو في ملكه ، أو يكون الشخص هو الّذي غرس ذلك الشجر أو زرع العشب ، وأمّا الشجرة الّتي كانت موجودة في الدار قبل تملكها فحكمها حكم سائر الأشجار (١).

______________________________________________________

(١) يدل على الاستثناء صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) «قال : كل شي‌ء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين إلّا ما أنبته أنت وغرسته» (١) والرواية صحيحة صريحة في الاستثناء.

ولا يخفى أنّ الوسائل لم يذكر حرف «إلّا» وهي مذكورة في التهذيب وكل من روى عن التهذيب بذكر «إلّا» فنسخة الوسائل غير صحيحة.

وكذا يستثني ما ينبت في ملك الإنسان بأن سبق ملك الدار أو الأرض على غرس الشجرة أو زرع العشب فحينئذ يجوز قلعها وإلّا فلا ، فالشجرة إذا كانت موجودة في الدار قبل تملكها فلا يجوز قلعها.

ويدلُّ على ذلك عدّة من النصوص (٢) وفي الروايات ورد المنزل والدار والمضرب ، والمقصود أنّ الشجرة إذا كانت موجودة قبل تملك ما فيه الشجرة فلا يجوز قلعها ، وأمّا إذا غرست بعد تملك الدار أو المضرب فحينئذ يجوز قلعها ولا خصوصية للدار والمضرب فذكر المنزل أو الدار خرج مخرج التمثيل ، ويدلُّ على ذلك صريحاً موثقة إسحاق بن يزيد «عن الرجل يدخل مكّة فيقطع من شجرها ، قال : اقطع ما كان داخلاً عليك ، ولا تقطع ما لم يدخل منزلك عليك» (٣).

والرواية موثقة فان طريق الصدوق إلى إسحاق بن يزيد صحيح (٤) وإن كان فيه علي بن الحسين السعدآبادي فإنّه ثقة على الأصح ، لأنّه من رجال كامل الزيارات

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٥٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٦ ح ٤ ، التهذيب ٥ : ٣٨٠ / ١٣٢٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٥٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٧.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٥٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٧ ح ٦.

(٤) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٩٥.

٥١٨

مسألة ٢٨١ : الشجرة الّتي يكون أصلها في الحرم وفرعها خارجه أو بالعكس حكمها حكم الشجرة الّتي يكون جميعها في الحرم (١).

مسألة ٢٨٢ : كفّارة قلع الشجرة قيمة تلك الشجرة وفي القطع منها قيمة المقطوع ، ولا كفّارة في قلع الأعشاب وقطعها (٢).

______________________________________________________

وسائر الروايات غير قاصرة عما ذكرنا خصوصاً بقرينة هذه الموثقة.

(١) فإنّ أحدهما تابع لما في الحرم لشرافة الحرم وقداسته.

ويدل على ذلك النصوص ، منها صحيح معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) من شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فقال : حرم فرعها لمكان أصلها ، قال قلت : فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم ، فقال : حرم أصلها لمكان فرعها» (١).

(٢) المشهور أن في قلع الشجرة الكبيرة بقرة وفي الصغيرة شاة وفي أغصانها وأبعاضها قيمته ، ولا دليل على ما ذكروه بهذا التفصيل أصلاً ، فلا بدّ من النظر إلى الروايات الواردة في المقام وكيفية العلاج بينها.

فمن جملة الروايات : رواية منصور بن حازم «أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الأراك يكون في الحرم فأقطعه ، قال : عليك فداؤه» (٢) وقد حملوا الأراك على الشجرة الصغيرة والفداء على الشاة ، ولا يخفى أنّه لا قرينة على ما حملوه ، مضافاً إلى ضعف السند لوقوع محمّد بن علي ماجيلويه في طريق الصدوق إلى منصور بن حازم (٣) وماجيلويه لم يوثق ، وذكرنا غير مرّة أن مجرّد الشيخوخة لا يوجب الوثاقة ، فمن حكم بالصحّة إنّما تبع العلّامة في الخلاصة (٤) ولا عبرة بتصحيحه كما ذكرنا ذلك مفصّلاً

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٥٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٩٠ ح ١ وغيره.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٧٤ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٨ ح ١.

(٣) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٢٢.

(٤) منتهى المقال ٦ : ١٣٢ ، الخلاصة : ٢٧٨.

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

في بعض مقدّمات معجم الرجال (١) ، فهذه الرواية ساقطة.

ومنها : مرسلة موسى بن القاسم قال : «روى أصحابنا عن أحدهما (عليه السلام) أنّه قال : إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ، فإن أراد نزعها كفّر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين» (٢).

وهذه الرواية مخدوشة سنداً ودلالة.

أمّا السند فلأنها مرسلة وذكر صاحب الجواهر (٣) أن إرسالها بالعبارة المزبورة غير ضائر في صحّتها نظير عده من أصحابنا ، أو روى غير واحد من أصحابنا ونحو ذلك مما يستبعد جدّاً أن يكون جميع الرواة ضعاف.

وفيه : أنّ المراد بأحدهما كما هو الشائع في كثير من الروايات هو الباقر أو الصادق (عليهما السلام) وموسى بن القاسم من أصحاب الجواد والرضا (عليهما السلام) وله روايات عنهما ، وله رواية من بعض أصحاب الصادق (عليه السلام) كعبد الله بن بكير ، ومن كان من أصحاب الجواد والرضا (عليهما السلام) كيف يمكن له الرواية من أصحاب الباقر (عليه السلام) ولا نحتمل أنّه يروي مباشرة ومشافهة من أصحاب الباقر (عليه السلام) خصوصاً عن جماعة منهم لبعد الزمان ، فمن المطمأن به أنّه روى وسمع ممن روى له رواية الأصحاب عن أحدهما (عليهما السلام). ويؤيّد ما ذكرناه أنّه لو كان ما رواه رواية عنهم لقال موسى بن القاسم عن أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) فالتعبير بـ «قال روى أصحابنا» ظاهر في الإرسال.

وأمّا ضعف الدلالة : فأوّلاً : أنّها تدل على ذبح البقرة لمطلق الشجرة صغيرة كانت أو كبيرة ، وهذا مما لم يفت به أحد ، فظاهر الرواية معرض عنه.

وثانياً : أنّها تدل على وجوب الكفّارة قبل القطع ، يعني إذا أراد قلع الشجرة كفّر

__________________

(١) معجم الرجال ١ : ٤٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٧٤ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٨ ح ٣.

(٣) الجواهر ٢ : ٤٢٦.

٥٢٠