موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ٢٦٥ : إذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الأحوط ، والظاهر عدم وجوب الكفّارة في موارد جواز الستر والاضطرار (١).

______________________________________________________

سيما إذا كان الماء كثيراً ، وعنوان تخمير الرأس وتغطيته لا يصدق على الارتماس ، والّذي يكشف عن ذلك جعل الصائم كالمحرم في حرمة الارتماس في النصوص (١) ولا يحتمل حرمة الستر على الصائم ، فيعلم أنّ الارتماس غير الستر وله خصوصية ولم يكن مصداقاً للتغطية ، فهو حكم مستقل وموضوعه الماء ، والروايات منعت من الارتماس في الماء ، وأمّا الارتماس في غير الماء فلا دليل على تحريمه ، كما أن موضوع المنع رمس تمام الرأس في الماء ، وأمّا رمس بعض الرأس فلا دليل على حرمته.

ومما ذكرنا ظهر أنّه لا يختص الحكم بالرجل ، بل يعم الرجل والمرأة ، لأن موضوع الحكم أمر مستقل وليس من مصاديق التغطية ليختص الحكم بالرجل ، كما أنّ الأمر كذلك بالنسبة إلى الصائم والصائمة ، ولا يجوز لها الارتماس ، وكذلك الارتماس في باب الإحرام ، فهذا من أحكام الإحرام ، كما أنّه من أحكام الصوم ولا فرق بين الرجل والمرأة ، والاحتياط حسن على كل حال ، فلا يرمس في غير الماء حتّى ببعض رأسه.

(١) المعروف بين الأصحاب وجوب الكفّارة بشاة إذا غطى المحرم رأسه ، بل ادعي عليه الإجماع. وعن المدارك وغيره أنّه مقطوع به في كلام الأصحاب (٢). وذكر صاحب الحدائق أنّهم ذكروا الحكم ولم ينقلوا عليه دليلاً ، وكأنّ مستندهم إنّما هو الإجماع (٣).

أقول : إن تمّ الإجماع فهو ، وإلّا فالحكم به مشكل.

والظاهر عدم تمامية الإجماع ، لأن جملة من الأصحاب لم يتعرضوا لذلك ، وعدم

__________________

(١) الوسائل ١٠ : ٣٥ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٣ ، والوسائل ١٢ : ٥٠٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٨.

(٢) المدارك ٨ : ٤٤٤.

(٣) الحدائق ١٥ : ٤٩٢.

٤٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

تعرّضهم يكشف عن عدم الوجوب ، وإلّا لو كانت الكفّارة واجبة في المقام لذكروه كما ذكروا في غير المقام كالصيد والجماع والتظليل ونحوها من الموارد. وممن صرّح بعدم الكفّارة بالشاة صاحب الوسائل فإنّه صرّح بأن كفارته طعام مسكين ، فقد ذكر في عنوان الباب الخامس من أبواب بقية كفارات الإحرام : باب أنّ المحرم إذا غطّى رأسه عمداً لزمه طرح الغطاء ، وطعام مسكين (١).

واستدلّ صاحب الجواهر بعد الإجماع بروايات (٢).

الأُولى : صحيحة زرارة الدالّة على أن من لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه ، عليه دم شاة (٣).

ولا يخفى أنّ الاستدلال بها للمقام ينبغي أن يعدّ من الغرائب ، فإن اللبس شي‌ء والتغطية وستر الرأس شي‌ء آخر ، فإنّه قد يتحقق اللبس بلا تغطية للرأس كما إذا لبس القميص ونحوه ، وقد يتحقق ستر الرأس وتغطيته بدون اللبس كما إذا طيّن رأسه أو حمل على رأسه ، وقد يتحقق الأمران كما إذا لبس قلنسوة ونحوها ، وكلامنا في الستر والتغطية وإن لم يتحقق عنوان اللبس.

الثانية : رواية علي بن جعفر المتقدِّمة (٤) «لكل شي‌ء خرجت (جرحت) من حجك فعليك فيه دم تهريقه» (٥) وقد ذكرنا غير مرة أنّها ضعيفة سنداً ودلالة.

الثالثة : مرسلة الخلاف ، قال : إذا حمل على رأسه مكتلاً أو غيره لزمه الفداء ، ثمّ قال : دليلنا عموم ما روي في مَن غطّى رأسه أن عليه الفدية (٦) ، بعد دعوى انجبار المرسل بالإجماع المدعى.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٥٣.

(٢) الجواهر ٢٠ : ٤١٨.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٥٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

(٤) في ص ٤٠٧.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٥٨ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ٥.

(٦) الخلاف ٢ : ٢٩٩.

٤٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وفيه مضافاً إلى عدم تمامية الانجبار عندنا ، لا نحتمل استناد المشهور إلى هذا المرسل ، لعدم ذكره في شي‌ء من الكتب الفقهية الاستدلالية ، حتّى أنّ الشيخ بنفسه لم يذكره في كتابيه التهذيب والاستبصار فكيف نحرز استناد المشهور إلى هذا المرسل ومع ذلك كلّه فالاحتياط في محلِّه ، لأجل عدم مخالفة المعروف بين الفقهاء.

هل تثبت الكفّارة في حالتي الاختيار والاضطرار كالصداع والوقاية عن حر الشمس ونحو ذلك نظير كفّارة التظليل الثابتة في الحالتين ، أم تختص بحالة الاختيار وترتفع الكفّارة عند الاضطرار؟

صرّح في الجواهر بعدم الفرق ، وحكى عن بعضهم أن على المختار لكل يوم شاة وعلى المضطر لكل المدّة شاة ، وأورد عليهم بعدم الفرق بينهما (١).

وفيه : أنّ الكفّارة لو كانت ثابتة فمدركها الإجماع ، وهو دليل لبي لا إطلاق له والقدر المتيقن منه حال الاختيار.

بقي الكلام فيما ذكره صاحب الوسائل في الباب الخامس من أبواب بقية كفارات الإحرام ، فإنّه ذكر في عنوان الباب : إنّ المحرم إذا غطى رأسه عمداً لزمه طرح الغطاء وطعام مسكين ، ثمّ ذكر صحيحة الحلبي عن التهذيب «المحرم إذا غطى رأسه فليطعم مسكيناً في يده» (٢).

ولا ينبغي الشك في أن صاحب الوسائل اشتبه في النقل ولا وجود لهذه الرواية في التهذيب ، بل صاحب الوسائل بنفسه روى هذه الرواية بعينها وبنفس السند في الباب الخامس والخمسين من تروك الإحرام ذكر «إذا غطى وجهه» (٣) بدل قوله «رأسه» ولا يحتمل اختلاف نسخ التهذيب ، كما احتمله صاحب الحدائق حيث نقل عن الوافي بلفظ «وجهه» ثمّ ذكر : ولعل نسخ التهذيب كانت مختلفة (٤) ، والظاهر أن صاحب

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ٤١٩.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥٣ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٥ ح ١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٠٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٤.

(٤) الحدائق ١٥ : ٤٩٣.

٤٨٣

٢٠ ـ ستر الوجه للنِّساء

مسألة ٢٦٦ : لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك. والأحوط أن لا تستر وجهها بأي ساتر كان ، كما أنّ الأحوط أن لا تستر بعض وجهها أيضاً. نعم ، يجوز لها أن تغطي وجهها حال النوم ، ولا بأس بستر بعض وجهها مقدمة لستر الرأس في الصلاة ، والأحوط رفعه عند الفراغ منها (١).

______________________________________________________

الحدائق بنفسه لم يراجع التهذيب.

وكيف كان ، لا ريب أنّ الاختلاف نشأ من صاحب الوسائل لا من التهذيب ، فانّ الشيخ قال في شرح قوله : فأمّا تغطية الوجه فيجوز ذلك مع الاختيار غير أنّه يلزمه الكفّارة ، فاستدل على جواز تغطية الوجه أوّلاً برواية زرارة ، ثمّ استدلّ لوجوب الكفّارة لتغطية الوجه وإن كانت جائزة برواية الحلبي المتقدِّمة «المحرم إذا غطى وجهه فليطعم مسكيناً في يده» ولو كانت رواية الحلبي مشتملة على كلمة «رأسه» لكانت أجنبية عن موضوع كلام الشيخ ، فإنّه (قدس سره) بصدد الاستدلال للحكم بلزوم الكفّارة لتغطية الوجه ، فلا يحتمل وجود كلمة «رأسه» في الرواية ، فراجع التهذيب (١).

(١) لا يجوز للمحرمة ستر وجهها وتغطيته بلا خلاف في الجملة ، وتدل عليه عدّة من الروايات :

منها : ما في معتبرة عبد الله بن ميمون «المحرمة لا تتنقب ، لأن إحرام المرأة في وجهها ، وإحرام الرجل في رأسه» (٢).

وإنّما يقع الكلام في جهات :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٨.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٩٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ١ وغيره.

٤٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الاولى : هل يختص الحكم بالقناع والبرقع أو يعم كل ساتر؟ والمراد بالنقاب شدّ الثوب على فمها وأنفها وما سفل عنهما كاللثام للرجال كما تصنعه نساء المغرب.

المذكور في جملة من الروايات التنقب وأنّه كره النقاب ، وفي بعض الروايات ورد البرقع ، وفي رواية يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنّه كره للمحرمة البرقع والقفازين» (١) والرواية ضعيفة بيحيى بن أبي العلاء فإنّه ممن لم يوثق ، وهو غير يحيى بن العلاء الثقة ، وقد توهم بعضهم اتحادهما ، ولكن الظاهر أنّهما شخصان : أحدهما موثق والآخر غير موثق ، وهو ابن أبي العلاء.

وكيف ما كان ، المستفاد من النصوص المعتبرة عدم جواز ستر وجهها بأي ثوب كان ولا يختص بثوب خاص كالبرقع والقناع ونحوهما ، الثانية : هل يقتصر في حرمة الستر المذكورة على الثوب كالبرقع والنقاب ، أو يعم الحكم الستر بالطين ونحوه ممّا لا يكون ثوباً؟ الأحوط هو التعدي والتعميم لإطلاق قوله : «إحرام المرأة في وجهها» فان ذلك نظير قوله : «إحرام الرجل في رأسه» وذكرنا (٢) في باب ستر الرأس عدم جواز الستر بأيّ ساتر كان ولو بالطين والحناء ، فكذلك وجه المرأة بقرينة السياق.

ويؤكّده صحيحة البزنطي عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «مرّ أبو جعفر (عليه السلام) بامرأة محرمة قد استترت بمروحة ، فأماط المروحة بنفسه عن وجهها» (٣) مع أنّ المروحة ليست من نوع الثياب ، فيعلم أنّ الممنوع مطلق الستر بأيّ نحو كان وبأيّ ساتر كان ، وكذلك يستفاد من التعليل الوارد في صحيحة الحلبي الحاكية لمرور أبي جعفر (عليه السلام) بامرأة متنقبة وهي محرمة ، وقال لها : «إنّك إن تنقبت لم يتغير لونك» (٤) فالعبرة في المنع بأن يكون الوجه مستوراً ، وعليها كشفها وعدم سترها له عن الشمس.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٩٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٩ وغيره.

(٢) في ص ٤٧٤.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٩٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٩٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٣.

٤٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالثة : هل يعم المنع بعض الوجه أم يختص بتمام الوجه؟ أمّا طرف الأنف الأسفل أي مارن الأنف إلى الذقن فستره ممنوع جزماً ، لأن هذا من النقاب المنهي في الروايات. وأمّا ستر غير ذلك فلا يمكن إثبات منعه بدليل ، ولا يقاس بستر بعض الرأس للرجل ، لما عرفت أن منعه علم من دليل خاص ، وإلّا فالاطلاقات قاصرة عن شمول بعض الرأس ولا دليل خاص في المقام ، ولكن الاحتياط في محلِّه ، لاحتمال أن إحرام الوجه بالنسبة إلى تمام الوجه.

وربما يستفاد من بعض الروايات جواز ذلك كما في صحيحة الحلبي الحاكية لمرور أبي جعفر (عليه السلام) بالمرأة المتنقبة وأمرها برفع النقاب ، فسأله سائل إلى أين ترخيه؟ قال : تغطي عينها (١).

ولعلّ المستفاد من ذلك جواز ستر الطرف الأعلى للوجه وسيأتي (٢) الكلام حول هذه الرواية إن شاء الله تعالى.

فحاصل ما تقدّم : أنّ المستفاد من بعض التعليلات الواردة في النصوص وفعل الباقر (عليه السلام) من إماطة المروحة عن وجه المرأة ، أن حرمة التغطية لا تختص بالثوب فهي حرام على الإطلاق كما في ستر رأس الرجل ، وأمّا ستر بعض الوجه وإن كان القول بحرمته مطابقاً للاحتياط ولكن لا يمكن إثباته بدليل ، وإنّما قلنا بحرمة ستر بعض الرأس للرجل بدليل آخر كنهيه عن إصابة الساتر برأسه ، وأمّا المطلقات المانعة فلا تكفي في المنع عن ذلك ، ولم يرد دليل بالخصوص في ستر بعض الوجه ، فلا مانع لها من ستر بعض وجهها لعدم كونه منافياً لكشف الوجه المعتبر في المرأة.

الرابعة : يجوز ستر وجهها عند النوم لصحيح زرارة «والمرأة المحرمة لا بأس بأن تغطي وجهها كلّه عند النوم» (٣) ولا موجب لرفع اليد عنه كما عن جماعة منهم شيخنا الأُستاذ في مناسكه (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٩٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٣.

(٢) في ص ٤٨٨.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥١٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٩ ح ١.

(٤) دليل الناسك (المتن) : ١٦٧.

٤٨٦

فرع

______________________________________________________

لو قلنا بعدم جواز ستر بعض وجهها ولزوم كشف تمام الوجه عليها فماذا تصنع حال الصلاة ، لأنّ الواجب عليها ستر بعض الوجه حال الصلاة مقدمة علمية لستر سائر جسدها ، كما أنّ الواجب عليها حال الإحرام كشف بعض جسدها مقدمة علمية لوجوب كشف الوجه وحرمة التغطية ، ولا يمكن الجمع بين الأمرين حال الصلاة والإحرام فيتحقق التزاحم.

فمنهم من ذهب إلى التخيير إن لم ترجح الصلاة بكونها أهم وأسبق كما في الجواهر (١) ومنهم من ذهب إلى تقدّم الصلاة لكونها أهم.

والظاهر أنّه لا مجال لشي‌ء من ذلك ، فإنّه إن لم نقل بحرمة تغطية بعض الوجه فالأمر واضح ، وإن قلنا بالحرمة فلا مورد للتخيير ولا للتقديم ، أمّا أهمية الصلاة فلا إشكال فيها ، لأنّها عمود الدِّين ، ولكن لا مزاحمة بين نفس الصلاة والإحرام ، بل المزاحمة بين العمل بوظيفة الإحرام والستر في الصلاة.

وبتعبير آخر : لا مزاحمة بين ستر بعض الوجه وبين أصل الصلاة حتّى يقال بأنّ الصلاة ترجح لأهميتها ، بل المزاحمة بين حرمة التغطية حال الإحرام ووجوب الستر في الصلاة ، ولا أرجحية في المقام ، فلا مجال لترجيح أحدهما على الآخر.

وأمّا التقديم لمجرّد الأسبقية فلا دليل عليه ، بل العبرة في التقديم بالأهمية سواء سبق أو تأخر.

وأمّا التخيير فيردّه : أن ابتلاء النِّساء بالصلاة كان أمراً ضرورياً ، وصلاتهن حال الإحرام كصلاتهنّ في بيوتهن قبل الإحرام ، ولا فرق في صلاتهنّ بين إتيان الصلاة حال الإحرام أم قبل الإحرام ، ولو كان هناك فرق لظهر وبان ، فتجب عليهنّ الصلاة حال الإحرام على نحو صلاتهنّ في غير هذا الحال.

__________________

(١) الجواهر ١٨ : ٣٩١.

٤٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فلا إشكال في جواز ستر بعض الوجه مقدمة لستر جسدها.

بقي الكلام في الروايات الآمرة بإسدال الستر على وجهها ، وهي مختلفة جدّاً.

ففي بعضها خص جواز إسدال الثوب إلى طرف الأنف قدر ما تبصر ، ومنها ما دلّ على جواز الإسدال إلى فمها ، وبعضها إلى الذقن ، وفي آخر إلى النحر ، وفي بعضها إلى النحر إذا كانت راكبة ، والروايات معتبرة بأجمعها ومعمول بها لدى الأصحاب في الجملة (١).

فمنهم من عمل بها حتّى في حال الاختيار ، وإنّما منع عن التغطية بغير الثوب كالمروحة والخشب ونحو ذلك ، وأمّا الثوب فجوز التغطية والإسدال به مطلقاً وإن وصل إلى الذقن.

ولكن الظاهر أن ما دلّ على أن حدّ الإسدال إلى طرف الأنف وهو الجانب الأعلى من الأنف صريح في عدم جواز الإسدال إلى الزائد من ذلك كالفم والذقن ، بل إلى المارن ، فيكون ما دلّ على جواز الإسدال إلى الفم أو الذقن والنحر معارضاً لرواية الحد المذكور ، ولذا لو كان ذلك في كلام واحد لكان من المتنافيين ، فهذه الروايات تسقط بالمعارضة ، فالمرجع حينئذ ما دلّ على أن إحرام المرأة في وجهها ، فالواجب عليها بمقتضى إطلاق هذه الروايات كشف وجهها وعدم ستر الزائد من طرف الأنف الأعلى بأيّ ساتر كان.

نعم ، في رواية معاوية بن عمار جوز الستر من أعلى الوجه إلى النحر ، لكن مقيّداً بما إذا كانت راكبة (٢) ولا بأس بالعمل بها ، إذ لا تعارض بين هذه المعتبرة وروايات الحد ، وللعلم بعدم الفرق بين حال الركوب وغيره ، وإنّما جوّز الستر في حال الركوب لأنّها في معرض نظر الأجنبي ، فتقيد روايات الحد بحال الاختيار وبأنّه بأنّها إذا كانت مأمونة من النظر.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٩٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٢ ، ٣ ، ٦ ، ٧ ، ٨.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٩٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ٨.

٤٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فالنتيجة : أنّه في حال الاختيار يجوز لها أن تسدل ثوبها إلى طرف الأنف حتّى تتمكن من أن تبصر وترى الطريق كما في النص ، والمراد من طرف الأنف هو الطرف الأعلى للأنف ، أي بين الحاجبين ، هذا إذا كانت مأمونة من نظر الأجنبي ، وأمّا إذا كانت في معرض النظر فيجوز لها الإسدال إلى الفم أو النحر.

إيقاظ

ذكر جماعة أنّ الإسدال والتغطية عنوانان وأمران مستقلّان ، لكل واحد منهما حكم مستقل ، أحدهما جائز وهو الإسدال والآخر غير جائز وهو التغطية ، وقد يتحقق أحدهما دون الآخر ، فانّ التغطية إنّما تتحقق بستر الوجه بشي‌ء يمس بالوجه ، والإسدال إنّما هو إسدال الثوب من أعلى الوجه إلى أسفله وإن لم تتحقق المماسة ، فإذا أسدلت الثوب لا بدّ من إبعاده عن وجهها لئلّا تتحقق التغطية والمماسة.

وبالجملة : ذكر هؤلاء الجماعة أنّ الروايات دلّت على جواز الإسدال وهو غير التغطية الّتي تحرم عليها ، ولا منافاة بين جواز الإسدال وحرمة التغطية ، إذ قد يتحقق أحدهما دون الآخر ، فلا تنافي بين الروايات.

وفيه أوّلاً : أن إبعاد الثوب عن الوجه وإن كان أمراً ممكناً في نفسه ولكن يحتاج إلى مئونة وعناية ، والروايات تكفلت جواز الإسدال مطلقاً ، ولم يبين في شي‌ء من الروايات إبعاد الثوب عن وجهها ، بل لم يشر في شي‌ء من الروايات إلى ذلك ، ولو كان واجباً لوجب البيان والتنبيه إلى ذلك ، خصوصاً ، أنّ الثوب إذا اسدل يمس الوجه غالباً بل دائماً.

وثانياً : أن إبعاد الثوب عن الوجه لا ينافي عنوان التغطية ، بل التغطية تتحقق ولو بابعاد الثوب عن الوجه ، وستره غير دخيلة في عنوان التغطية ، فإن عنوان التغطية يتحقق ولو بعدم اتصال الشي‌ء إلى جسمه ، كحصول تغطية الرأس بالطربوش المسمّى في عرفنا بالكشيدة ، أو غطى رأسه بالقدر ، فان أطراف ذلك يتصل بالرأس ولكن لا يتصل ولا يماس داخله بالرأس ، بل هو مبتعد عنه كما هو ظاهر ، ومع ذلك يصدق

٤٨٩

مسألة ٢٦٧ : للمرأة المحرمة أن تتحجب من الأجنبي بأن تنزل ما على رأسها من الخمار أو نحوه إلى ما يحاذي أنفها أو ذقنها ، والأحوط أن تجعل القسم النازل بعيداً عن الوجه بواسطة اليد أو غيرها (١).

مسألة ٢٦٨ : كفّارة ستر الوجه شاة على الأحوط (٢).

______________________________________________________

عنوان التغطية على ذلك ، فلا بدّ بحسب الروايات من استثناء الإسدال من حرمة التغطية ، لا أن عنوان التغطية مرتفع من أصله وأنّه لا يصدق على الإسدال. وقد عرفت أنّ الروايات لمعارضتها بالنسبة إلى الزائد من طرف الأنف ساقطة ، والمرجع هو إطلاق ما دلّ على أن إحرام المرأة في وجهها ، والمعتبر صدق كونها مكشوفة وعدم تحقق عنوان التغطية ، فلا يضر ستر بعض الوجه الّذي لا ينافي عنوان كشف الوجه ، كما لا إشكال في إسدال الثوب إلى طرف الأنف الأعلى قدر ما تبصر.

(١) قد عرفت حكم هذه المسألة مما ذكرناه في المسألة السابقة.

(٢) نسب الشهيد إلى الشيخ أن كفّارة تغطية المحرمة وجهها شاة (١) ، وعن الحلبي لكل يوم شاة إذا كانت اختيارية وإلّا فشاة لجميع المدّة (٢) ، ولا نص في المقام ولا شهرة ، فإذن يدخل المقام فيما لا نص فيه ، والأحوط وجوبها لخبر علي بن جعفر المتقدِّم (٣) مكرّراً بناءً على نسخة «جرحت».

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٧٩ ، المبسوط ١ : ٣٢٠.

(٢) الكافي في الفقه : ٢٠٤.

(٣) في ص ٤٠٧.

٤٩٠

٢١ ـ التظليل للرِّجال

مسألة ٢٦٩ : لا يجوز للرّجل المحرم التظليل حال سيره بمظلة أو غيرها ، ولو كان بسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة ونحوها ، ولا بأس بالسير في ظل جبل أو جدار أو شجر ونحو ذلك من الأجسام الثابتة ، كما لا بأس بالسير تحت السحابة المانعة عن شروق الشمس. ولا فرق في حرمة التظليل بين الراكب والراجل على الأحوط ، والأحوط بل الأظهر حرمة التظليل بما لا يكون فوق رأس المحرم ، بأن يكون ما يتظلّل به على أحد جوانبه (١).

______________________________________________________

(١) المعروف بين الأصحاب حرمة التظليل على الرجال بأن يستظل من الشمس حال الركوب ، بل ادعي عليه الإجماع وعدم الخلاف ، ونقل عن ابن الجنيد أنّه قال : يستحب للمحرم أن لا يظلل على نفسه (١) فإن أراد بالاستحباب مجرّد المحبوبية فغير صريح في الخلاف ، وإن أراد معناه الاصطلاحي فهو مخالف ، ولكن لا يعبأ بخلافه بعد استفاضة الروايات في المنع ، ففي بعضها النهي عن الركوب في القُبة ، وفي بعضها النهي عن الركوب في الكنيسة ، وفي آخر الأمر بالاضحاء ، وفي بعض آخر النهي عن التستّر عن الشمس ، وفي بعضها النهي عن التظليل (٢).

وبالجملة : لا ينبغي الريب في أصل الحكم ، إلّا أنّ السبزواري استشكل في أصل الحكم قال : والمسألة عندي محل إشكال (٣) لروايات توهم منها الاستحباب وعدم الوجوب.

منها : صحيحة الحلبي (٤) ، لقوله : فيها «ما يعجبني» وقال : وظاهر ذلك الأفضلية

__________________

(١) نقل عنه في المختلف ٤ : ١٠٨.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥١٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١ ، ٤ ، ١١ ، ٩ ، ٣.

(٣) الذخيرة : ٥٩٨ السطر ١٨.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥١٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ٢ ، ٥.

٤٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يدل على التحريم.

وفيه : ما لا يخفى ، فان هذه الكلمة لا تدل على الجواز ، بل كثيراً ما تستعمل في الحرمة.

ومنها : صحيحة علي بن جعفر قال «سألت أخي (عليه السلام) أُظلل وأنا محرم؟ فقال : نعم ، وعليك الكفّارة» (١).

والجواب : أن تجويزه (عليه السلام) له الاستظلال قضية شخصية في واقعة ، ولعل تجويزه له من أجل كونه مريضاً أو كان يتأذى من حر الشمس بحيث كان حرجياً ونحو ذلك من الأعذار ، فلا يمكن الاستدلال بها لإثبات حكم كلّي.

ومنها : صحيحة جميل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا بأس بالظلال للنِّساء ، وقد رخص فيه الرجال» (٢).

ويرد عليه : أن كلمة «قد» دليل على التقليل لا الجواز دائماً ، ولا ريب أنّه قد يتفق جواز التظليل للرجال لعذر من الأعذار ، وإلّا لو كان في مقام بيان أصل الجواز الدائمي لم يكن وجه للتفكيك في كلامه بالتعبير عن الجواز للنِّساء بقوله : «لا بأس» وعن الرجال بالترخيص مع كلمة «قد» بل كان له أن يقول لا بأس للرجال والنِّساء ، فالمعنى أنّ التظليل في نفسه للنِّساء جائز وقد يتفق جوازه للرجال لمرض ونحوه من الأعذار ، بل نفس كلمة الترخيص تستعمل غالباً في موارد المنع ذاتاً والجواز عرضاً.

ومع الإغماض عن ذلك وتسليم ظهور هذه الروايات في الجواز ، فلا يمكن حمل الروايات المانعة على الكراهة لصراحتها في الحرمة ، فلا بدّ من حمل هذه الروايات المجوّزة على التقية ، لأنّ العامة ذهبوا إلى الجواز كأبي حنيفة وأبي يوسف وأتباعهما ، بل وغيرهم من العامة كما يظهر من نفس الروايات الواردة في المقام من احتجاجه (عليه السلام) على أبي يوسف ومحمّد بن الحسن ، فراجع.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٥٤ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥١٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١٠.

٤٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يقع البحث في موارد :

الأوّل : بعد الفراغ عن اختصاص حرمة التظليل بحال السير ، وجوازه في المنزل والخباء كما في النصوص الّتي اشتملت على اعتراض المخالفين بالفرق ، وجواب الإمام (عليه السلام) بأنّ الفرق بين الأمرين من أجل التعبد والنص لا للقياس (١) وقع الكلام في إلحاق السفينة بحال السير أو المنزل ، باعتبار أنّ السفينة راحلته ومنزله في حال السير ، وكذلك القطار الحديدي في الأسفار البعيدة.

قوى شيخنا الأُستاذ لحوقها بالمنزل (٢) ولكن لم يظهر له وجه ، لأن مقتضى إطلاق النصوص هو المنع عن التستّر عن الشمس وحرمة التظليل للمحرم ، وقد استثني من ذلك خصوص حال النزول في الخباء والوصول إلى المنزل ، وأمّا السفينة فلا دليل على استثنائها ، فمقتضى الإطلاق هو المنع إلّا إذا اقتضت الضرورة التظليل.

وبالجملة : دليل الجواز خاص بحال النزول والوصول إلى المنزل ، ولا يتناول مثل السفينة ونحوها ، فالمتبع إطلاق دليل المنع.

الثاني : هل الحكم بحرمة التظليل يختص بالراكب أو يعم الراكب والراجل ، الظاهر هو التعميم ، لأن موضوع الحكم في الروايات هو المحرم وهو يشمل الراكب والراجل.

نعم ، في بعض الروايات أُخذ فيه الراكب ولكنّه من باب ذكر المورد ولا يظهر منه الاختصاص به ، كروايات القبة والكنيسة ، فلا وجه لدعوى الاختصاص بالراكب بعد إطلاق النصوص ، بل يمكن أن يقال : إنّ المشاة كانوا كثيرين جدّاً خصوصاً من الحجازيين حين صدور الروايات ولو كان الحكم مختصّاً بحال الركوب لم يكن وجه لذكر الحكم على الإطلاق ، بل كان اللّازم التصريح باختصاص الحكم بالراكب ، وليس في شي‌ء من الروايات تصريح أو إشارة إلى اختصاص الحكم بالراكب ، فالتقييد به

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٢٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٦.

(٢) دليل الناسك (المتن) : ١٧٠.

٤٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بعيد جدّاً.

نعم ، دلّ النص على جواز الاستظلال بظل المحمل للراجل (١) وربما يستدل به على جواز الاستظلال له مطلقاً بدعوى حمل المحمل على المثال ، ولذا عطف الشهيد الثاني قوله : «ونحوه» على ظل المحمل (٢) ، وهذه الدعوى وإن لم تكن بعيدة في نفسها كل البعد ولكنه مع ذلك خلاف الظاهر من الأدلّة ، فإنّ الظاهر منها هو المنع عن التظليل مطلقاً ، راكباً كان أو راجلاً بظل المحمل وغيره ، وإنّما جوّز النص الخاص التظليل له بظل المحمل حال المشي ، وهذا مما نلتزم به للتعبد بالنص ولا يدل على جواز الاستظلال مطلقاً ولو بظل غير المحمل ، والأحكام تعبّدية وملاكاتها مجهولة عندنا ، فيجب الاقتصار على مورد النص. ودعوى أنّ المتبادر من الأخبار الاستتار حال الركوب غير مسموعة بعد إطلاق الأدلّة ، فمقتضى إطلاق النصوص عدم جواز الاستظلال للراجل مطلقاً بمظلة ونحوها ، إلّا الاستظلال بظل المحمل حال السير.

وأمّا رواية الاحتجاج الدالّة على جواز الاستظلال للماشي مطلقاً ولو بظل غير المحمل فضعيفة للإرسال (٣).

الثالث : ذهب جماعة إلى اختصاص حرمة التظليل بما يكون على رأسه ، كالقبة وسقف السيارة ورفع المظلة فوق رأسه ونحو ذلك مما يكون فوق رأسه ، وأمّا الاستتار عن الشمس بأحد الجانبين على وجه لا يكون الساتر فوق رأسه فلا بأس به ، بل ادعى بعضهم جواز ذلك بلا خلاف. ونسبه آخر إلى جميع أهل العلم ، بل ذكر بعضهم أنّ التظليل لا يتحقق إلّا بما يكون فوق رأسه كالمحمل ونحوه. وممن صرّح بالجواز شيخنا الأُستاذ (٤) ، واستدلّوا بوجوه ضعيفة غير قابلة للذكر ولا يقاوم إطلاق الأدلّة الناهية عن التستر عن الشمس والآمرة بالاضحاء ، فانّ المتفاهم منها هو المنع

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٢٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ١ وب ٦٦ ح ٦.

(٢) الروضة البهية ٢ : ٢٤٤.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٢٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ٦.

(٤) دليل الناسك (المتن) : ١٦٩.

٤٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عن أن يصنع المحرم شيئاً يمنع من وصول الشمس إليه ، سواء بجعل شي‌ء فوق رأسه أو بجعله على أحد جوانبه ليستظل به.

ولعلّ أحسن ما استدلّوا به على اختصاص حرمة التظليل بما هو فوق الرأس ، صحيح ابن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأبي وشكى إليه حرّ الشمس وهو محرم وهو يتأذى به ، فقال : ترى أن أستر بطرف ثوبي؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك» (١).

ولكنّه واضح الدفع ، لأنّ السائل كان يتأذّى من حرّ الشمس ، فجوّز له الاستظلال للضرورة ونهاه عن التغطية وستر رأسه فإن ذلك محرم آخر غير الاستظلال ، فمورد الرواية هو الاضطرار لا الاختيار ، فمعنى الرواية أنّه يجوز لك الاستظلال للضرورة ولكن لا تستر رأسك ولا تغطيه ، فلا تدل الرواية على جواز الاستظلال اختياراً بأحد الجانبين الّذي هو محل الكلام.

الرابعة : هل يختص الحكم بحرمة التظليل بما إذا كان الساتر سائراً كظل سقف السيارة أو القبّة والمحمل ونحو ذلك أو يعم الاستظلال بالظل الثابت المستقر كظل الأشجار والجدران والجبال ونحو ذلك.

ذكر بعضهم الجواز في الظل الثابت واختصاص المنع بالظل السائر كالعلّامة في المنتهي (٢) والفخر (٣) وأيدهما في الجواهر ج ١٨ ص ٤٠٣ ، وهو الصحيح ، وذلك لأنّه لو كان هذا أمراً محرماً لكان أمراً ظاهراً وواضحاً جدّاً ، لكثرة ابتلاء الحاج حال سيرهم بالمرور تحت الظلال الثابتة ولا أقل من ظلال جدران بيوت القرى وأبنيتها الّتي يمرّون بها ، بل نفس الأمر برفع الستار والحجاب ونحوه ظاهر في أنّ الممنوع إحداث الستر وإيجاد المانع عن الاضحاء وشروق الشمس عليه ، وأمّا الظل الثابت المستقر فلا يشمله النهي ، نظير المشي تحت السحاب فإنّه لا يتوهّم المنع عنه ، ولا

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٢٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٤.

(٢) المنتهي ٢ : ٧٩٢ السطر ٥.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٢٩٦.

٤٩٥

نعم ، يجوز للمحرم أن يتستّر من الشمس بيديه ، ولا بأس بالاستظلال بظل المحمل حال المسير (١) ،

______________________________________________________

يتوهّم لزوم المشي في المنطقة الّتي لا سحاب فيها.

وملخص الكلام : أنّ الظاهر من الروايات هو جعل المحرم الساتر لنفسه ، بأن يصنع شيئاً أو يعمل عملاً يتستر به ولا تشمل الساتر الثابت كظل السحاب أو ظل الحيطان والجبال والأشجار ونحوها ، بل قد يتفق إطباق السحاب في فصل الشتاء مثلاً ، ولا تحتمل لزوم الكفّارة عليه من باب الضرورة.

وبالجملة : لا ينبغي الريب في انصراف الأدلّة الناهية عن الظل الثابت وعدم تناول الأدلّة له.

والّذي يؤكّد ذلك : أنّ الحجّ على ثلاثة أقسام : تمتع وإفراد وقران ، والقسمان الأخيران وظيفة القريب ومن كان في مكّة وضواحيها وأطرافها ، فربما تكون بلدة مكّة المعظمة في طريقه إلى عرفات ، ولا ريب أن بلدة مكّة مشتملة على ظل الجدران وحيطان البيوت والعمارات ، فلو كان الاستظلال بالظل الثابت ممنوعاً ومحرماً لوجب التنبيه عليه في الروايات ، وللزم المنع عن الذهاب إلى عرفات من طريق مكّة والدخول في مكّة ، بل وجب السفر والذهاب من البر وخارج مكّة حتّى لا يبتلي بالاستظلال ولم نر في شي‌ء من الروايات المنع عن ذلك والتنبيه عليه.

(١) إنّ التظليل الممنوع ما إذا تحقق بالجسم الخارجي كالمظلة وسقف الطيارة والسيارة ونحو ذلك ، وأمّا التظليل بنفس أعضائه كيده فلا بأس به ، لمعتبرة المعلى بن خنيس (١) وصحيحة معاوية بن عمار (٢) ، ويؤيّدهما رواية محمّد بن الفضيل أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) ربما يستر وجهه بيده (٣) وبإزائهما صحيحة الأعرج المانعة عن الاستتار باليد «عن المحرم يستتر من الشمس بعود وبيده ، قال : لا ، إلّا من

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٢٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٢٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٢٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ١.

٤٩٦

وكذلك لا بأس بالإحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة (١).

مسألة ٢٧٠ : المراد من الاستظلال التستر من الشمس أو البرد أو الحر أو المطر ونحو ذلك ، فإذا لم يكن شي‌ء من ذلك بحيث كان وجود المظلة كعدمها فلا بأس بها (٢).

______________________________________________________

علّة» (١) والجمع العرفي يقتضي حملها على الكراهة ، لصراحة الأُوليين في الجواز كما صنعه في الوسائل والحدائق (٢).

(١) أمّا باعتبار أنّه منزل له وقد عرفت اختصاص الحكم بحال السير فلا يشمل الاستظلال في المنزل وفي الخباء ، أو أنّه ظل ثابت لا يتناوله أدلّة حرمة التظليل.

بل يمكن أن يقال إنّ المستفاد من أدلّة النهي هو إحداث الظل بعد صدور الإحرام منه ، وأمّا عقد إحرامه في الظل وبقائه على حالة الاستظلال فغير مشمول للأدلّة.

مضافاً إلى السيرة ، فإنّ الحجاج كانوا يحرموا في القسم المسقوف ولم يعهد ردعهم عن ذلك.

(٢) التظليل المنهي عنه لا يختص بالاستظلال عن الشمس ، بل الممنوع مطلق التستّر ولو عن غير الشمس كالبرد والحر والمطر والريح ونحو ذلك ، فانّ التظليل مأخوذ من التستر ولو من غير الشمس ، فإنّ الكلمة مأخوذة من الظلة وهي شي‌ء يستتر به من الحر والبرد كما في اللّغة (٣) فالاستظلال أُخذ في مفهومه الاستتار من شي‌ء سواء كان شمساً أو غيرها ، ومنه الشمس مستظلة أي هي في السحاب مستترة ، وعلى ذلك فلا فرق بين النهار واللّيل.

ويؤكِّد ما ذكرنا إطلاق المنع عن الركوب في القبّة والكنيسة فإنّه يقتضي عدم

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٢٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٥.

(٢) الحدائق ١٥ : ٤٩٢.

(٣) الظلة : الغاشية والبرطلّة أي المظلة الضيقة ، وشي‌ء كالصفة يستتر به من الحر والبرد ، المظلة بالكسر والفتح ـ : الكبير من الأخبية. أقرب الموارد ٢ : ٧٣١.

٤٩٧

مسألة ٢٧١ : لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكّة وإن كان بعد لم يتخذ بيتاً ، كما لا بأس به حال الذهاب والإياب في المكان الّذي ينزل فيه المحرم ، وكذلك فيما إذا نزل في الطريق للجلوس أو لملاقاة الأصدقاء أو لغير ذلك ، والأظهر جواز الاستظلال في هذه الموارد بمظلة ونحوها أيضاً وإن كان الأحوط الاجتناب عنه (١).

______________________________________________________

الفرق بين اللّيل والنهار خصوصاً مع تعارف حركة السير والقوافل في الليالي ، لا سيما في البلاد الحارّة كأراضي الحجاز ونحوها ، فالميزان في حرمة التظليل هو التستر والتحفّظ عن الشمس والبرد والحر والريح وأمثال ذلك ممّا يتأذّى منه الإنسان حال سيره ، ولذا لو فرضنا فرضاً نادراً جدّاً بأن كان رفع المظلة فوق رأسه لا يؤثر شيئاً أبداً ولا يمنع عنه شيئاً أصلاً وكان وجوده كعدمه فلا بأس به ، لعدم صدق الاستظلال والاستتار على ذلك ، لأنّ الممنوع كما عرفت ليس مجرد وجود المظلة على رأسه ، بل الممنوع هو الاستتار والتحفظ عن الشمس والريح العاصف والمطر.

والحاصل : مجرد جعل المظلة على رأسه من دون ترتيب أيّ أثر عليه لا مانع منه ، بل لا بدّ من تحقق عنوان التستر والتحفظ عن الشمس أو المطر أو البرد أو الريح.

ومن نظر في الروايات يجد بوضوح صحّة ما ذكرناه ، فلا مجال للمناقشة أصلاً ، فإنّ الروايات واللّغة (١) مطبقة على أنّ المراد بالتظليل التستر عن الشمس وغيرها ولا يختص بالشمس ، بل صرّح في الروايات بالمنع عن التظليل عن البرد والمطر (٢) باب ٦ من أبواب بقية الكفّارات وباب ٦٤ من أبواب تروك الإحرام وأمّا إطلاق النهي عن الركوب في القبة والكنيسة فلحصول التستر بهما دائماً ولا أقل من الهواء.

(١) ما تقدّم كلّه في الاستظلال حال السير إلى مكّة ، وأمّا إذا وصل إلى مكّة فلا

__________________

(١) تقدّم ذكر مصدره في الصفحة السابقة.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥٤ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٦ ، والوسائل ١٢ : ٥١٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١٣ ، ١٤.

٤٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

يحرم عليه الاستتار ويجوز له الاستظلال ، فلا مانع من سيره ومشيه وجلوسه تحت ظل الجدران والحيطان وسقوف الأسواق ونحو ذلك ، وإن كان بعد لم يتخذ بيتاً لسكناه ، وذلك لأنّه لو قلنا باختصاص التحريم بالظل السائر وعدم شموله للظل الثابت المستقر كما هو المختار فالأمر واضح ، وإن لم نقل بذلك وقلنا بتعميم المنع للظل السائر والثابت كما عن جماعة فلا إشكال فيه أيضاً ، لأنّ المستفاد من روايات المقام هو المنع عن الاستظلال حال سيره إلى مكّة ، ولا تشمل حال نزوله إلى منزله ومقصده ووصوله إلى مكّة المكرمة ، وهذا الحكم كان أمراً متسالماً عليه عند الشيعة ومما اختصوا به ، بل كان ذلك من شعارهم من الصدر الأوّل إلى زماننا هذا ، ولذا كثر سؤال المخالفين عن الأئمة (عليهم السلام) بأنّه ما الفرق بين حال السير والنزول في المنزل والخباء ، وأجابوا (عليهم السلام) بأنّ الدّين لا يقاس ، والأحكام حسب النصوص الواردة عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهذه الروايات المشتملة على احتجاج الأئمة (عليهم السلام) وإن كانت ضعيفة سنداً ولكن صحيح البزنطي يكفينا ، فإن أبا حنيفة سأل عن الصادق (عليه السلام) : «أيش فرق ما بين ظلال المحرم والخباء؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن السنّة لا تقاس» (١).

وهذه الصحيحة وإن لم يقع فيها التصريح بالفرق بين حال السير والنزول في المنزل ، إلّا أنّه بقرينة تلك الروايات وبقرينة الخلاف بين السنّة والشيعة في الفرق بين الأمرين يظهر أن سؤال أبي حنيفة ناظر إلى هذه المسألة أي المنع عن التظليل حال السير وجوازه في الوصول إلى المنزل ، وأبو حنيفة يسأل نفس السؤال الواقع في تلك الروايات ، وإلّا فلا نحتمل خصوصية للخباء مقابل المظلة مثلا.

وبالجملة : لا ريب في اختصاص المنع بحال السير ، فمن وصل مكّة لا يصدق عليه عنوان السير إلى مكّة ، بل يصدق عليه أنّه دخل منزله ، فإنّ الداخل فيها للحج لا يجوز له الخروج بل هو محتبس ومرتهن للحج كما هو الصحيح عندنا. هذا كلّه مضافاً إلى السيرة القطعية.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٢٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٦ ح ٥.

٤٩٩

مسألة ٢٧٢ : لا بأس بالتظليل للنِّساء والأطفال ، وكذلك للرجال عند الضرورة والخوف من الحر أو البرد (١).

______________________________________________________

بل الظاهر عدم الفرق بين الاستظلال بالمظلة ونحوها ، وبين الاستظلال بالظل الثابت كظل العمارات والسقوف وإن كان الأحوط الاقتصار بالظل الثابت فإنّه إمّا جائز بالأصل كما هو المختار وإمّا جائز لأجل النزول في المنزل ، بخلاف الظل السائر فإنّه إنّما يجوز لأجل المنزل ، ولعل السيرة قائمة على الظل الثابت دون السائر ، إلّا أنّ النص الدال على جواز الاستظلال في المنزل مطلق يشمل الظل الثابت والسائر المتحرك معاً.

(١) أمّا اختصاص الحكم بالرجال وعدم شموله للنِّساء فلعدة من الروايات المعتبرة (١). مضافاً إلى التسالم بين الأصحاب وعدم الخلاف.

وأمّا الصبيان فقد ورد في رواية معتبرة جواز التظليل لهم وهي صحيحة حريز (٢) مضافاً إلى أنّه متسالم عليه ، ولكن لا حاجة إلى دليل الجواز بالخصوص ، بل لو لم يكن نص في المقام لكان الجواز لهم على القاعدة ، والوجه في ذلك : أن ما أُمر به الصبيان نفس ما أمر به المكلفون ، ولا فرق في نفس الطبيعي المأمور به بالنسبة إلى المكلفين وغيرهم شرطاً وجزءاً ومانعاً إلّا بالوجوب والندب ، فنفس المأمور به المشتمل على جميع الشرائط والأجزاء واجبة على المكلفين ومندوبة للأطفال ، وأمّا غير ذلك من الأحكام التكليفية المستقلّة المحضة الّتي ليست شرطاً ولا جزءاً ولا مانعاً فمرفوعة عن الأطفال لحديث رفع القلم (٣) ، وتروك الإحرام غير الجماع غير دخيلة في صحّة الحجّ شرطاً أو جزءاً أو مانعاً ، ولا يضر ارتكابها بالحج أصلاً سوى ارتكاب المحرم محرّماً شرعياً ، فإذا كان المحرم غير مكلف فلا حرمة عليه ، لأن دليل رفع القلم كاف في رفع هذه الأحكام عنه ، وكما لا يجب عليه هذه الأحكام لا يجب

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥١٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١ ، ٢ ، ٤ ، وب ٦٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥١٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٤ ح ١ ، ٢ ، ٤ ، وب ٦٥ ح ٢.

(٣) الوسائل ١ : ٤٢ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٤.

٥٠٠