موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

أو لمرض آخر فليحلق رأسه قبل بلوغ الهدي محلِّه ، ولكن يكفّر بأحد الأُمور الثلاثة وهذه الكفّارة الخاصّة المخيرة لم تثبت في غير هذا المورد ، وتعميمه لكل مورد لا ينبغي صدوره من المحرم ، ضعيف جدّاً.

وأمّا ما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمار «في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه» (١) والدلالة واضحة على ثبوت الكفّارة بالتفصيل المذكور.

ولكن الّذي يهوّن الخطب أن مدلول الرواية لم يكن منقولاً عن الإمام (عليه السلام) بل الظاهر أن ذلك فتوى لمعاوية بن عمار ولم ينسبه إلى الإمام (عليه السلام) فتكون الرواية مقطوعة لا مضمرة. ودعوى الجزم بأن معاوية بن عمار لا يفتي إلّا بما سمعه عن الإمام (عليه السلام) ولا يخبر إلّا عنه ، عهدتها على مدعيها ، لاحتمال اجتهاده أو أنّه سمع ممن ينقل عن الإمام (عليه السلام) ولم تثبت وثاقته عندنا ، وعمل المشهور لو قلنا بجبره للخبر الضعيف لا يفيد في المقام ، إذ لم يعلم أنّه رواية حتّى يجبرها عمل المشهور.

تنبيه : أن جملة من الأصحاب قد التزموا بالكفّارة بدم شاة في العامد ، استناداً إلى رواية معاوية بن عمار «وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه» (٢) ولم يلتزموا بالكفّارة بطعام مسكين في صورة الجهل ، إعراضاً عن جملة «وإن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين» لاشتمالها على وجوب الكفّارة على الجاهل مع اتفاق الأصحاب والأخبار على أنّ الجاهل لا كفّارة عليه إلّا في الصيد خاصّة كما تقدّم ، فإنّ الرواية مشتملة على أمرين : الشاة على العامد ، وطعام مسكين على الجاهل ، ولم يقل أحد بالثاني.

ولا يخفى أن موضوع الرواية وموردها هو المعذور ومن يستعمل الدهن للعلاج والتداوي ، فإذن لا فرق بين العلم والجهل ، فانّ الادهان حينئذ جائز جزماً ، سواء قلنا بالكفّارة أم لا ، فليس في البين حكم تشريعي تحريمي حتّى يقال بأنّ المحرم قد

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٥١ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٥ ، التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٨.

(٢) المتقدِّم مصدرها أعلاه.

٤٦١

١٨ ـ إزالة الشعر عن البدن

مسألة ٢٥٩ : لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره المحرم أو المحل (١).

______________________________________________________

يكون عالماً به وقد يكون جاهلاً به ، وعلى العالم كذا وعلى الجاهل بالحكم كذا ، ولكن الظاهر عدم إرادة العالم مقابل الجاهل من قوله : «وإن كان تعمد» وليس المراد بالجملتين العلم والجهل بالحكم ، بل المراد من المتعمد القصد إلى الفعل وكونه ملتفتاً إليه ، والمراد بالجهل ليس الجهل بالحكم ، بل المراد غير القاصد كالناسي والغافل عن إحرامه ، فإن مقابل الجاهل بالحكم العامد لا المتعمد ، فالتعبير بالمتعمد قرينة على أنّ المراد بالجاهل غير القاصد إلى الفعل في قبال القاصد ، فالتقسيم المذكور في الرواية صحيح وليس وجوب الكفّارة على الجاهل بالمعنى الّذي ذكرناه مخالفاً للأخبار والأصحاب ، فلا بأس في الاحتياط الّذي ذكرناه في المتن ، ولم يكن مخالفاً لاتفاق الأصحاب ، ولكن قد عرفت حال الرواية وأنّها مقطوعة غير مستندة إلى المعصوم (عليه السلام).

(١) لا خلاف بين الفقهاء في عدم جواز إزالة الشعر من رأسه ولحيته وسائر بدنه بجميع أنواعها من النتف والحلق والقص قليلاً كان الشعر أو كثيراً ، ويدلُّ عليه بالنسبة إلى حلق الرأس قوله تعالى (وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (١). ويستفاد ذلك أيضاً من الروايات.

وأمّا الحلق لغير الرأس فيدل عليه عدّة من الروايات :

منها : صحيحة الحلبي قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يحتجم؟ قال : لا ، إلّا أن لا يجد بداً فليحتجم ، ولا يحلق مكان المحاجم» (٢).

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥١٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ١٠.

٤٦٢

ويستثنى من ذلك حالات أربع : (١) أن يتكاثر القمل على جسد المحرم ويتأذى بذلك. (٢) أن تدعو ضرورة إلى إزالته كما إذا أوجبت كثرة الشعر صداعاً أو نحو ذلك. (٣) أن يكون الشعر نابتاً في أجفان العين ويتألم المحرم بذلك.

______________________________________________________

ومنها : صحيح حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر» (١).

وأمّا قطع الشعر وإزالته بأيّ نحو كان ، فيدل على حرمته صحيح حريز المتقدِّم ، فانّ القطع تشمل النتف والجز والقص وأمثال ذلك ، وكذا يدل عليه موثق معاوية بن عمار «عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال : بأظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر» (٢).

ويدلُّ عليه أيضاً معتبرة الهيثم قال : «سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو شعرتان ، فقال : ليس بشي‌ء ، (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)» (٣).

فانّ المستفاد منها حرمة قطع الشعر وإزالته في نفسه مع قطع النظر عن الحرج ، وإلّا لو كان جائزاً في نفسه لما احتاج في الحكم بالجواز إلى الاستدلال بنفي الحرج ، وإنّما جوّزه لأنّ الالتزام بعدم سقوط الشعر مع إسباغ الوضوء حرجي غالباً ، خصوصاً إذا كان الشعر ضعيفاً ، كما إذا كان الشخص شيخاً كبيراً.

ويؤكّده أو يؤيّده النصوص الدالّة على ثبوت الكفّارة لإسقاط الشعر ، بناءً على ثبوت الملازمة العرفية بين ثبوت الكفّارة والحرمة ، فانّ الملازمة بينهما وإن لم تكن دائمية ، إذ قد يفرض الجواز مع الكفّارة ، ولكن لا يبعد دعوى الملازمة غالباً بين الأمرين.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥١٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٢ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٣٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٧٢ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٦.

٤٦٣

(٤) أن ينفصل الشعر من الجسد من غير قصد حين الوضوء أو الاغتسال (١).

______________________________________________________

(١) ثلاثة من الموارد المستثناة من أفراد الضرر ، ومورد واحد غير ضرري.

أمّا ما كان غير ضروري فهو كسقوط الشعر عند إسباغ الوضوء ، فان انفصال الشعر من الجسد من لوازم إسباغ الوضوء غالباً ، ولا بأس به إذا لم يكن متعمداً ، ولا يختص الحكم بالوضوء ، بل يعم الحكم للغسل أيضاً للحرج المنفي في الشريعة المقدّسة ، فإنّ الالتزام بعدم سقوط الشعر عند الوضوء أو الاغتسال أو غسل عضو من أعضائه حرجي نوعاً ، وقد عرفت مدلول معتبرة الهيثم فإنّها تدل على جواز إزالة الشعر عند إسباغ الوضوء مستدلّاً بالحرج المنفي.

وأمّا موارد الضرر فعلى ثلاثة أقسام ، لأنّه تارة يتضرر من وجود الشعر ونباته في مكان خاص كنبات الشعر في الأجفان ، فإنّ المحرم يتألم بذلك ، فلا ريب في جواز إزالته للضرر ، ويستفاد من بعض الروايات أيضاً. وأُخرى يتوقف العلاج والتداوي على إزالة الشعر ، وإلّا فوجود الشعر في نفسه غير ضرري ، وإنّما تدعو الضرورة والعلاج إلى إزالته ، كما إذا أوجبت كثرة الشعر صداعاً أو يحتاج إلى تبريد الرأس ونحو ذلك ، فهذا أيضاً جائز للضرر.

وثالثة : ما إذا توقف دفع الضرر على إزالة الشعر ، وإلّا فوجود الشعر في نفسه غير ضرري ولا يتوقف علاج المرض والتداوي على إزالته ، ولكن يتوقف دفع الضرر على إزالته ، كما إذا تكاثر القمّل على رأسه ولحيته ، فيزيل الشعر دفعاً للقمّل الّذي يتأذى منه ، ففي جميع هذه الموارد تجوز إزالة الشعر وحلقه ، للآية الشريفة ولقاعدة نفي الضرر.

وأمّا رواية حريز الحاكية لمرور رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) على كعب ابن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه وهو محرم فقال : أتؤذيك هوامك؟ فقال : نعم ، قال : فأنزلت هذه الآية (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فأمره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)

٤٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بحلق رأسه ، الحديث (١) فمرسلة على طريق الكليني (٢) ، وطريق الشيخ (٣) وإن كان بإسناد صحيح ولكن لا يمكن الاعتماد عليه ، إذ يبعد جدّاً أن حريزاً يروي لحماد تارة مسنداً عن الإمام وأُخرى مرسلاً ، فتكون الرواية مرددة بين الإرسال والإسناد فتسقط الرواية عن الحجية ، وهذا الكلام يجري حتّى مع قطع النظر عن كون الكليني أضبط ، ولا يختص ما ذكرنا بهذه الرواية بل يجري في جملة من الروايات المروية عن حريز ، فإنّ الكليني رواها مرسلاً والشيخ مسنداً ، وكيف كان يكفينا في الحكم بالجواز نفس الآية المباركة وحديث نفي الضرر.

فالمتحصل : أنّه لا تجوز إزالة الشعر عن البدن بأيّ نحو من أنحائها إلّا في موارد الضرر والحرج كإسباغ الوضوء ونحوه.

ثمّ إنّه لا فرق في حرمة إزالة الشعر بين شعره وشعر غيره محلا كان الغير أو محرماً ، أمّا بالنسبة إلى المحل فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار «لا يأخذ المحرم من شعر الحلال» (٤) وأمّا إذا كان الغير محرماً فيستفاد الحكم بالحرمة بالنسبة إليه بالأولوية القطعية ، إذ لا نحتمل كون الحكم في المحرم أخف من المحل.

ويمكن أن يستدل له بوجه آخر ، وهو أنّ الحكم إذا كان عاما شاملاً لأفراد قد يفهم منه عرفاً عدم جواز التسبيب إليه أيضاً ، وعدم اختصاصه بالمباشرة ، نظير ما إذا قال المولى لعبيده وخدمه لا تدخلوا عليّ في هذا اليوم ، فانّ المتفاهم من ذلك عدم جواز إدخالهم للغير أيضاً ، وأن هذا الفعل مبغوض من كل أحد ، ولا يختص بالمباشرة ودخول العبيد أنفسهم ، بل يفهم من هذا الخطاب مبغوضية هذا الفعل من كل أحد.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٦٥ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٨ / ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٣٣ / ١١٤٧.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥١٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٣ ح ١.

٤٦٥

مسألة ٢٦٠ : إذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة فكفارته شاة ، وإذا حلقه لضرورة فكفارته شاة أو صوم ثلاثة أيّام ، أو إطعام ستّة مساكين لكل واحد مدّان من الطعام (١)

______________________________________________________

(١) في ثبوت الكفّارة تفصيل ، فيقع الكلام في موارد :

الأوّل : في حلق الرأس.

المشهور ثبوت الكفّارة المخيّرة بين الأُمور الثلاثة المذكورة في الآية من الصيام والصدقة والنسك أي الشاة (١) وذكر ذلك في صحيح زرارة أيضاً حيث تعرض لبيان المراد من الكفّارة وفسّرها بالصيام ثلاثة أيّام والتصدق على ستّة مساكين أو ذبح شاة (٢) والآية المباركة وإن وردت في مورد العذر ولكن ثبوت الحكم بالكفّارة على المختار بطريق أولى ، فالمحرم إذا حلق رأسه معذوراً أو مختاراً تجب عليه الكفّارة المخيرة المذكورة في الآية ، وأمّا وجوب الشاة أو الدم فيدل عليه صحيحتان لزرارة فقد ذكر في إحداهما الشاة وفي الأُخرى الدم (٣) وإطلاق الدم يقيد بالشاة إن لم يكن الدم في نفسه ظاهراً في الشاة ، ولكن قالوا إنّ الشاة غير متعينة وإنّما الشاة من جملة الأفراد المخيرة المذكورة في الآية والرواية السابقة.

فالمتحصل : أنّهم ذهبوا في حلق الرأس مطلقاً إلى التخيير بين الأُمور الثلاثة ، فإن تمّ إجماع على ما ذكروه فلا كلام ، وإن لم يتم فلا وجه لفتوى المشهور أصلاً ، أمّا الآية فموردها المريض أو المعذور ، وأمّا صحيحة زرارة المفسرة للآية فموردها أيضاً من كان أذى في أرسه ، وأمّا الصحيحان المشتملان على أن عليه الدم أو الشاة فموردهما الحلق على الإطلاق مضطراً كان أو مختاراً ، ومقتضى الجمع بين الروايات أن غير المضطر يتعيّن عليه الشاة ، والمضطر مخيّر بين الأُمور الثلاثة المذكورة في الآية

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٦٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٦٠ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ١ ، ٦.

٤٦٦

وإذا نتف المحرم شعره النابت تحت إبطه فكفارته شاة ، وكذا إذا انتف أحد إبطيه على الأحوط ، وإذا نتف شيئاً من شعر لحيته وغيرها فعليه ان يطعم مسكيناً بكف من الطعام ، ولا كفّارة في حلق المحرم رأس غيره محرماً كان أم محلّا (١).

______________________________________________________

الشريفة ، فاجزاء الصوم أو الطعام في المختار عن الشاة يحتاج إلى دليل ولا دليل.

وبعبارة اخرى : لو لم تكن الآية لقلنا بوجوب الشاة على الإطلاق مضطراً كان المحرم أو مختاراً في الحلق ، ولكن لأجل الآية الكريمة نقول بالتخيير في المضطر خاصّة.

فتحصل : أن مقتضى الجمع بين الروايات هو التفصيل بين ما إذا كان المحرم مضطراً إلى حلق رأسه فيتخير بين الأُمور الثلاثة ، أي الصيام ثلاثة أيّام وإطعام ستّة مساكين والشاة. نعم ، في خبر محمّد بن عمر بن يزيد «والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام» (١) ولكنّه ضعيف سنداً بمحمّد بن عمر بن يزيد ، وبين ما إذا كان مختاراً فيتعين عليه الشاة.

(١) المعروف بينهم أن من نتف أحد إبطيه أطعم ثلاثة مساكين ، ولو نتفهما لزمه شاة.

والّذي يمكن أن يستدل لهم : أنّه ورد في رواية عبد الله بن جبلة «في محرم نتف إبطه ، قال : يطعم ثلاثة مساكين» وورد في صحيح حريز أنّه «إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم» (٢). ويحمل الدم على الشاة بقرينة سائر الروايات ، فقالوا مقتضى خبر حريز وجوب الشاة لنتف الإبطين معاً ، ووجوب إطعام ثلاثة مساكين لخبر عبد الله بن جبلة ، وأمّا الصحيحتان لزرارة اللّتان ذكر فيهما الشاة أو الدم لنتف الإبط فمحمولتان على نتف الإبطين معاً للغلبة الخارجية ، فإنّ الغالب في من نتف إبطه أو حلقه ينتف الإبطين معاً.

إن قلت : مفهوم صحيح حريز هو عدم وجوب الشاة لمن لم ينتف الإبطين ، وهذا

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٦٦ / أبواب بقية الكفّارات ب ١٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٦١ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١١ ح ٢ ، ١.

٤٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

مطلق له فردان عدم نتف الإبطين معاً ونتف إبط واحد ، فيقيّد إطلاق المفهوم بالصحيحتين لزرارة الدالّتين على وجوب الشاة في نتف الإبط ، فالنتيجة عدم وجوب الشاة على من لم ينتف الإبطين أصلاً ، ووجوب الشاة على من نتف الإبط الواحد.

قلت : تقييد إطلاق المفهوم بمنطوق دليل آخر وإن كان صحيحاً في نفسه ، ولكن التقييد في خصوص المقام غير ممكن ، لأنّه يوجب إلغاء نتف الإبطين عن إيجابه للشاة وعدم خصوصية لهما.

وبعبارة اخرى : لو قلنا بوجوب الشاة في نتف إبط واحد فلا موضوع ولا خصوصية لنتف الإبطين. مع أنّ الظاهر أن نتف الإبطين له خصوصية ، فلا بدّ من حمل الإبط المذكور في صحيحتي زرارة على الجنس بقرينة صحيحة حريز ، فلا منافاة في البين.

فتحصل : أن نتف الإبطين معاً يوجب الشاة ونتف إبط واحد يوجب الإطعام على ثلاثة مساكين.

وتفصيل الكلام : أنّ المشهور في نتف الإبطين شاة وفي نتف إبط واحد التصدق على ثلاثة مساكين ، واستندوا في ذلك إلى صحيحة حريز الدالّة على وجوب الشاة في نتف الإبطين ، وقالوا إن مقتضى مفهومها عدم وجوب الشاة في نتف إبط واحد ، فما ورد من وجوب الشاة في نتف إبط واحد كما في صحيحتي زرارة محمول على الجنس ويمكن صدقه على الإبطين ، فلا منافاة في البين.

وما ذكروه غير تام ، لأنّه لو سلمنا دلالة صحيحة حريز على نفي وجوب الشاة لنتف إبط واحد بالمفهوم ، فإنّما ينفي الوجوب التعييني ، وأمّا الوجوب التخييري الجامع بين الشاة وغيرها فلا ينفيه المفهوم ، وبما أن صحيح زرارة يدل على وجوب الشاة في نتف إبط واحد ، وخبر عبد الله بن جبلة يدل على الإطعام على ثلاثة مساكين ، فكل منهما نص في الوجوب وظاهر في التعييني ، فلا بدّ من رفع اليد عن ظهور كل منهما في التعيين ، والالتزام بوجوبهما ، فالنتيجة ثبوت الوجوب التخييري كما

٤٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

هو الحال في غير المقام ، فإنّه إذا دلّ دليل على وجوب شي‌ء ودلّ دليل آخر على وجوب أمر آخر وعلمنا من الخارج بعدم وجوبهما معاً ، يحمل الوجوب في كل منهما على التخييري ، فمقتضى الصناعة والجمع بين خبر عبد الله بن جبلة وخبر زرارة هو وجوب الشاة في نتف إبط واحد وجوباً تخييرياً بينه وبين الإطعام.

هذا كلّه بناءً على ذكر الإبطين بالتثنية في صحيح حريز كما عن الشيخ (١) ، ولكن الصدوق رواه بعين السند عن حريز ، إلّا أنّه قال : «إبطه» بالإفراد (٢) ، فلا يعلم أن حريزاً روى لحماد بالتثنية أو بالأفراد ، فلا يمكن التمسُّك بمفهومه لنفي الشاة بنتف الإبط الواحد ، نعم لا إشكال في ثبوت الشاة لنتف الإبطين معاً ، سواء كان خبر حريز بلفظ التثنية أو الإفراد ، فنفي الشاة عن نتف إبط واحد غير ثابت ، فتبقى صحيحتا زرارة من غير تقييد ومقتضاهما وجوب الشاة لنتف إبط واحد ، لعدم ثبوت ذكر الإبطين بالتثنية في صحيح حريز ، ولعل نسخة الصدوق أصح ، فإنّ المعروف أنّه أضبط من الشيخ ، كما أنّ الشيخ روى في التهذيب عن الصادق (عليه السلام) وفي الاستبصار عن الباقر (٣) (عليه السلام) وهو سهو منه (قدس سره) والصحيح أنّه مروي عن الصادق (عليه السلام) كما في الفقيه ، وعليه فلا موجب لرفع اليد عن إطلاق صحيحتي زرارة ، ومجرّد الغلبة الخارجية لنتف الإبطين إذا نتف الإبط لا يوجب الحمل على الإبطين ، فمقتضى خبري زرارة وجوب الشاة حتّى في نتف إبط واحد ، ولكن يقابلهما خبر عبد الله بن جبلة الدال على الإطعام في نتف إبط واحد ، فلو قلنا بانجبار خبر عبد الله بن جبلة بعمل المشهور ، أو اكتفينا في الوثاقة بوقوع الراوي في تفسير علي بن إبراهيم أو في إسناد كامل الزيارات فالخبر معتبر ، وإلّا فالرواية ساقطة فلا بدّ من الالتزام بوجوب الشاة لنتف الإبط الواحد ، ولكن قد التزمنا بصحّة خبر عبد الله ابن جبلة لوقوعه في إسناد كامل الزيارات ، فيكون معارضاً لخبري

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٤٠ / ١١٧٧.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٢٨ / ١٠٧٩.

(٣) الاستبصار ٢ : ١٩٩ / ٦٧٥.

٤٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

زرارة الدالّين على الشاة في نتف إبط واحد حسب إطلاقهما ، وحيث لا يحتمل وجوب الشاة ووجوب الإطعام معاً فمقتضى القاعدة كما عرفت هو الجمع بينهما بالحمل على الوجوب التخييري بين الشاة والإطعام ، وبما أنّ الأمر دائر بين التعيين والتخيير فمقتضى الاحتياط هو التعيين بوجوب الشاة ، فالاكتفاء عنها بالإطعام مما لا وجه له وخلاف للاحتياط.

وقد يقال : إن صحيحتي زرارة واردتان في المتعمد ، وأمّا معتبرة عبد الله بن جبلة لم يؤخذ فيها المتعمد ، وقانون الإطلاق والتقييد يقتضي حمل خبر عبد الله بن جبلة على غير العامد ، فالنتيجة تعين الشاة على من نتف إبطاً واحداً متعمداً ، والإطعام على الجاهل والناسي.

وفيه : أنّ المتعمد وإن لم يذكر في خبر عبد الله بن جبلة ، ولكن حمله على غير المتعمد مناف للإطلاقات الكثيرة الدالّة على أنّه لا شي‌ء على الجاهل والناسي ، فيقيد خبر عبد الله بن جبلة بغير الجاهل والناسي إذ لا شي‌ء عليهما جزماً ، هذا أوّلاً.

وثانياً : أنّ المتعمد صرّح به في صحيحتي زرارة وكذا الجاهل والناسي ، فكيف يمكن حمل خبر عبد الله بن جبلة على الجاهل والناسي مع وقوع التصريح في الصحيحتين بان لا شي‌ء على الجاهل والناسي ، فيكون خبر عبد الله بن جبلة معارضاً للصحيحين على كل حال.

فالصحيح ما ذكرناه من أنّ القاعدة تقتضي التخيير ، ولكن الشاة في نتف إبط واحد أحوط ، لأنّ الأمر دائر بين التعيين والتخيير والتعيين أحوط ، ولذا ذكرنا في المتن وجوب الشاة في نتف الإبطين على الجزم ووجوبها في نتف إبط واحد على الأحوط ، فتدبّر في المقام.

بقي الكلام في جهات :

الاولى : ثبوت الكفّارة بالشاة يتوقف على صدق عنوان حلق الرأس ونتف الإبط ، فلو حلق بعض رأسه أو نتف شيئاً من شعر إبطه لا تجب الكفّارة بالشاة ، لعدم صدق عنوان حلق الرأس أو نتف الإبط.

٤٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : المذكور في الروايات حلق الرأس ونتف الإبط ، فلو عكس الأمر فهل تشمله الروايات الدالّة على الكفّارة؟ الظاهر أنّه لا خصوصية لذلك ، فإنّ العبرة بإزالة الشعر بأيّ وجه كانت حلقاً كانت أو نتفاً ، وإنّما ذكر الحلق للرأس والنتف للإبط للتعارف الخارجي ، فإنّ الغالب في إزالة شعر الرأس بالحلق.

الثالثة : لو نتف أو حلق الشعر من غير هذين الموضعين كما إذا أخذ الشعر من لحيته أو من سائر أعضائه مما ينبت فيه الشعر ، يجب عليه التصدق على المسكين ، وكذا لو أمرّ يده على رأسه أو لحيته فسقط منه الشعرة أو الشعرتان وكان متعمداً في الإمرار والمس ، وإن لم يكن متعمداً لإسقاط الشعر ، فالواجب عليه في جميع هذه الموارد هو التصدق على المسكين ، ويدلُّ على ذلك عدّة من الروايات ، ففي بعضها أنّه يطعم مسكيناً كما في صحيح الحلبي قال : «إن نتف المحرم من شعر لحيته وغيرها شيئاً فعليه أن يطعم مسكيناً في يده» (١). وفي بعضها «كفّاً من طعام أو كفّين» (٢) ومن المعلوم أنّ التخيير بين الزائد والناقص يقتضي حمل الزائد على الأفضلية ، وفي بعضها «يطعم شيئاً» (٣) وفي بعضها «فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق» (٤) ولا يخفى أنّ السويق قسم من أنواع الطعام فذكره من باب ذكر الخاص بعد العام ، وفي خبر الصدوق «بكف من كعك أو سويق» (٥) ولو صحّ خبر الصدوق فذكر الكعك من باب ذكر الخاص بعد العام : لكون الكعك نوعاً من الطعام ، وفي بعض الروايات يشتري بدرهم تمراً ويتصدق به ، فإن تمرة خير من شعرة (٦). والتمر داخل في عنوان الطعام ومن مصاديقه ، بل لو لم يكن خبر يدل على جواز التصدق به لكان جائزاً أيضاً لأنّه من أنواع الطعام ، وفي مرسلة الصدوق «مدّ من طعام أو كفّين» (٧).

وكيف كان ، من مسّ لحيته أو عضواً آخر من سائر بدنه وسقط منه الشعرة

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٧٣ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٩.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٧٠ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٣) ، (٤) ، (٥) ، (٦) ، (٧) الوسائل ١٣ : ١٧١ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٢ ، ٥ ، ٤ ، ٣. الفقيه ٢ : ٢٢٩ / ١٠٨٩ و ١٠٨٨.

٤٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

والشعرتان عليه الإطعام على مسكين ، وإن لم يكن متعمداً في إسقاط الشعر وإزالته.

وبإزاء هذه الروايات روايتان :

الاولى : ما رواه الشيخ بسنده عن جعفر بن بشير والمفضل بن عمر على نسخة الوسائل والتهذيب قال «دخل الساجبي (الساجي) على أبي عبد الله (عليه السلام) فقال : ما تقول في محرم مسّ لحيته فسقط منها شعرتان؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان عليّ شي‌ء» (١) والرواية بناءً على نسخة الوسائل والتهذيب الجديد صحيحة حتّى على القول بضعف المفضل فإنّ الراوي عن الصادق (عليه السلام) شخصان : أحدهما جعفر بن بشير وهو ثقة بالاتفاق ، ولا يضر ضعف الراوي الآخر ، ولكن في الوافي روى عن جعفر بن بشير عن المفضل بن عمر (٢) ، فتكون الرواية ضعيفة لضعف المفضل عند المشهور ، والظاهر أن ما في الوافي هو الصحيح كما في الاستبصار الجديد ج ٢ ص ١٩٨ (٣) لأن جعفر ابن بشير من أصحاب الرضا (عليه السلام) ومات في سنة ٢٠٨ ، ولم يكن له رواية عن الصادق (عليه السلام) إلّا رواية واحدة ، ولو كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) لم تكن روايته منحصرة بالواحدة ، بل من المطمأن به أن تلك الرواية الواحدة فيها إرسال للفصل الكثير بينه وبين الصادق (عليه السلام) بستّين سنة ، فانّ الصادق (عليه السلام) توفي في سنة ١٤٨ ، وجعفر بن بشير في سنة ٢٠٨.

ويؤيّد ما في الوافي أنّه لو كان الراوي عن الإمام (عليه السلام) جعفر والمفضل معاً لذكر في الرواية «قالا دخل الساجبي» لا «قال» بالإفراد ، ولكن الرواية عندنا موثقة على كل حال ، لأنّ المفضل ثقة على المختار ، بل من الأجلاء ، وإليه ينسب الكتاب المعروف بتوحيد المفضل الّذي عبّر عنه النجاشي بكتاب فكّر (٤) ، وقلنا بأن كلام

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٧٢ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٦ ح ٧. التهذيب ٥ : ٣٣٩ / ١١٧٣.

(٢) الوافي ١٢ : ٦٤٦ / ١٢٨٣٣.

(٣) الإستبصار ٢ : ١٩٨ / ٦٧١.

(٤) رجال النجاشي : ٤١٦ [١١١٢].

٤٧٢

مسألة ٢٦١ : لا بأس بحك المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه وما لم يدمه ، وكذلك البدن ،

______________________________________________________

النجاشي غير ظاهر في تضعيفه من حيث النقل والإخبار ، وحملنا ما ورد في ذمّه على ما ورد في ذم زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية وأمثالهم ، والتفصيل في معجم الرجال (١) فتكون الرواية معتبرة ، ولكن الدلالة مخدوشة ، لإمكان حملها على نفي الكفّارات المتعارفة من الدم والشاة. بل يمكن أن يقال : إنّ الرواية بالعموم تدل على أنّه ليس في سقوط الشعر شي‌ء ، ومقتضى الجمع بينها وبين تلك الروايات المتضافرة أنّه ليس عليه شي‌ء من الكفّارات إلّا التصدق بكف من الطعام ونحو ذلك ، فلا منافاة في البين.

الرواية الثانية : عن المفضل بن صالح عن ليث المرادي قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يتناول لحيته وهو محرم يعبث بها فينتف منها الطاقات يبقين في يده ، خطأ أو عمداً ، فقال : لا يضرّه» (٢).

والجواب : أنّ الرواية ضعيفة بمفضل بن صالح وهو أبو جميلة الأسدي النخاس ، وقد ضعّفه النجاشي صريحاً في ترجمة جابر بن يزيد (٣) على أن قوله : «لا يضره» غير صريح في عدم ثبوت الكفّارة.

وبالجملة : لا ينبغي الريب في ثبوت التصدق بإسقاط الشعر بأيّ وجه كان.

نعم ، يستثني من ذلك خصوص المتوضئ الّذي يسقط منه الشعر حال إسباغ الوضوء ، فقد ورد في حقّه أنّه ليس عليه شي‌ء للحرج المنفي في الشريعة.

ثمّ إنّ الكفّارة الثابتة إنّما تلزم في حلق رأس نفسه أو نتف إبطه مباشرة كان أو

__________________

(١) معجم الرجال ١٩ : ٣١٧.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٧٢ / أبواب بقية كفّارات الإحرام ب ١٦ ح ٨.

(٣) رجال النجاشي : ١٢٨ [٣٣٢].

٤٧٣

وإذا أمرّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرتان فليتصدق بكف من طعام ، وأمّا إذا كان في الوضوء ونحوه فلا شي‌ء عليه (١).

١٩ ـ ستر الرأس للرّجل

مسألة ٢٦٢ : لا يجوز للرّجل المحرم ستر رأسه ، ولو جزء منه بأيّ ساتر كان حتّى مثل الطين ، بل وبحمل شي‌ء على الرأس على الأحوط ، نعم لا بأس بستره بحبل القربة ، وكذلك تعصيبه بمنديل ونحوه من جهة الصداع (٢).

______________________________________________________

تسبيباً كما هو الغالب في حلق الرأس.

وأمّا إذا حلق رأس غيره أو نتف شعر غيره فلا يترتب عليه الكفّارة وإن كان حراماً ، إذ لا دليل على الكفّارة بالنسبة إلى حلق رأس غيره أو أخذ الشعر منه ، ولا يمكن الحكم بوجوب الكفّارة بلا دليل.

(١) قد عرفت الأحكام المذكورة في هذه المسألة من مطاوي ما ذكرناه في المسألة السابقة ، وذكرنا الأخبار الواردة في المقام في تلك المسألة.

(٢) لا خلاف بين العلماء في حرمة تغطية الرجل رأسه وستره ، كما لا خلاف في عدم الفرق في حرمة التغطية بين جميع أفرادها وأنواعها كالثوب والطين والدواء وحمل ما يستر جميع رأسه ونحو ذلك للنصوص المستفيضة :

منها : ما دلّ على أن إحرام المحرمة في وجهها والرجل في رأسه ، كصحيحة عبد الله ابن ميمون (١) وفي معتبرة حريز «عن محرم غطى رأسه ناسياً ، قال : يلقي القناع عن رأسه ويلبِّي ولا شي‌ء عليه» (٢) ، فانّ المستفاد منه أنّ تغطية الرأس مبغوضة شرعاً إذا تذكّر ، وفي صحيحة زرارة «الرجل المحرم يريد أن ينام يغطِّي وجهه من الذّباب؟ قال : نعم ، ولا يخمر رأسه» (٣).

__________________

(١) ٢) ، (٣) الوسائل ١٢ : ٥٠٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٢ ، ٣ ، ٥.

٤٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

بل يستفاد من بعض النصوص عدم جواز ستر بعض الرأس ، وعدم اختصاص الحرمة بتغطية تمام الرأس كما في صحيح عبد الله بن سنان قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول لأبي وشكى إليه حر الشمس وهو محرم وهو يتأذى به ، فقال : ترى أن أستتر بطرف ثوبي؟ قال : لا بأس بذلك ما لم يصبك رأسك» (١) فإن أصابه طرف من الثوب تصدق بتغطية بعض الرأس.

ثمّ إنّ المراد بالرأس في المقام منبت الشعر مقابل وجه المرأة ، فإنّ الوجه وإن كان من الرأس في بعض الإطلاقات والاستعمالات ولكن المراد به هنا منبت الشعر بقرينة مقابلته لوجه المرأة في النصوص.

ولا فرق في تغطية تمام الرأس أو بعضه بين جميع أفرادها من الثوب والطين ونحوهما مما يغطي الرأس ، كما لا يجوز للمرأة ستر وجهها بأيّ نحو كان ، فلا خصوصية لنوع الساتر ، والسؤال في بعض الأخبار وإن كان عن الستر بالثوب ، ولكن العبرة بإطلاق الجواب والمنع عن مطلق الستر فلا خصوصية للثوب.

وهل يعم الحكم ما يحمل على رأسه شيئاً كالطبق والحنطة أو الفراش أو الكتاب ونحو ذلك أم لا؟

المعروف بينهم هو التعميم ، بل لا خلاف بينهم في عدم جواز التغطية بنحو ذلك.

ولكن للمناقشة فيه مجال ، فان حمل الشي‌ء على رأسه إذا كان ساتراً لجميع رأسه وتمامه كحمل الحشيش ونحوه فلا كلام في المنع ، لشمول الإطلاقات المانعة لذلك ، فإنّ الرأس يغطى ولو بحمل شي‌ء على رأسه ، وقد عرفت أنّه لا خصوصية لنوع من أنواع الساتر ، وأمّا إذا كان الحمل موجباً لتغطية بعض الرأس كحمل الطبق والكتاب ونحوهما فلا دليل على المنع ، فانّ الحكم بالمنع وإن كان مشهوراً ولكن لا يبلغ حدّ الإجماع القطعي ، وما دلّ على المنع من إصابة بعض الرأس إنّما يدل فيما إذا كان الستر ولو ببعض الرأس مقصوداً ، وأمّا إذا لم يكن قاصداً لستر الرأس بل كان قاصداً لأمر آخر وذاك يستلزم الستر لم يكن مشمولاً للنص الدال على منع ستر البعض ، نظير

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٢٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٤.

٤٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

النائم المتوسد فان بعض رأسه يستر بالوسادة أو بوضع رأسه على الأرض ولكنّه لا يمنع عن ذلك ، لأنّه لا يريد ستر رأسه وإنّما يريد النوم ، فقهراً يستر بعض رأسه بالوسادة أو بالفراش أو بالأرض ، وكما إذا أراد حك رأسه بالحائط أو بخشبة أو حديدة عريضة ، فإنّه وإن يستر بذلك ولكن لا يصدق عليه عنوان تغطية الرأس الممنوع في الروايات لعدم كونها مقصودة ، فالّذي يستفاد من النص أن يكون الستر مقصوداً في نفسه ، وأمّا المطلقات فالمستفاد منها عدم جواز ستر تمام الرأس كما هو الحال في حلق الرأس ونتف الإبط.

والحاصل : لو كنّا نحن والمطلقات فلا دليل على منع ستر بعض الرأس ، لعدم شمول المطلقات لستر بعض الرأس ، وإنّما منعنا عن ستر بعض الرأس لخصوص صحيح عبد الله بن سنان المانع عن ستر بعض الرأس ، والمستفاد منه أن يكون الستر بنفسه مقصوداً ولا يشمل ستر البعض الّذي لم يكن مقصوداً ، ومع ذلك لا ينبغي ترك الاحتياط لذهاب المشهور إلى المنع عن ستر البعض مطلقا.

ويستثنى من حرمة ستر الرأس موردان :

أحدهما : ستر الرأس من جهة الصداع ، لصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا بأس بأن يعصّب المحرم رأسه من الصداع» (١).

الثاني : ستر الرأس بحبل القربة كما هو المتعارف حتّى في الأزمنة المتأخرة ، واستدلّوا بما رواه الصدوق عن محمّد بن مسلم عن الصادق (عليه السلام) «عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقى؟ فقال : نعم» (٢) ومن الغريب ما في الجواهر (٣) والحدائق (٤) من توصيف الخبر بالصحيح ، خصوصاً من الحدائق مع تدقيقه في أسناد الروايات ، ولعلهما وصفا الخبر بالصحّة لجلالة محمّد بن مسلم ورواية

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٠٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٠٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٧ ح ١ ، الفقيه ٢ : ٢٢١ / ١٠٢٤.

(٣) الجواهر ١٨ : ٣٨٣.

(٤) الحدائق ١٥ : ٤٩٦.

٤٧٦

وكذلك لا يجوز ستر الأُذنين (١).

______________________________________________________

الصدوق عنه ، وغفلا عن أن طريق الصدوق إلى محمّد بن مسلم ضعيف لوجود علي ابن أحمد بن عبد الله البرقي عن أبيه أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي (١) ، وهما مما لم يوثقا.

والّذي ينبغي أن يقال في جواز ستر الرأس بحبل القربة : إن ستر بعض الرأس إذا لم يكن مقصوداً بنفسه لا مانع منه كما عرفت ، وصحيح ابن سنان الّذي منع عن ستر بعض الرأس لا يشمل ذلك ، لاختصاصه بما إذا كان الستر مقصوداً بنفسه ، والإطلاقات غير شاملة لذلك أيضاً ، فالمقتضي للمنع قاصر.

ومع قطع النظر عن ذلك نجزم بجواز ذلك للسيرة القطعية على ذلك ، فان حمل القربة وشدّ حبلها بالرأس أمر متعارف شائع حتّى في زماننا فضلاً عن الأزمنة السابقة ، ولو كان ذلك أمراً محرّماً مع كثرة الابتلاء به لشاع وظهر وبان ، ولم يرد في رواية ولا سمعنا من أحد عدم جواز ذلك ، وذلك كلّه يوجب الاطمئنان بالجواز ، فلا نحتاج في الحكم بالجواز إلى خبر محمّد بن مسلم حتّى يقال إنّه ضعيف.

(١) إن قلنا بأنّ المراد بالرأس فوق الوجه وفي قبال الوجه ، فالاذنان داخلان فيه ، وإن قلنا بأنّ المراد به منابت الشعر ، فالاذنان خارجان منه ولكن مع ذلك لا يجوز سترهما كالرأس ، لصحيح صفوان عن عبد الرّحمن (بن الحجاج) قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المحرم يجد البرد في أُذنيه يغطيهما؟ قال : لا» (٢) وعبد الرّحمن هذا مردد بين أشخاص أربعة : عبد الرّحمن بن أبي عبد الله ، عبد الرّحمن بن الحجاج ، عبد الرّحمن بن أعين ، عبد الرّحمن الحذاء. أمّا عبد الرّحمن بن أبي عبد الله فهو ثقة ، ورواية صفوان عنه قليلة. وأمّا عبد الرّحمن بن أعين فهو قليل الحديث في نفسه سواء كان الراوي عنه صفوان أم غيره ، وقد روى عنه صفوان في موردين. وأمّا

__________________

(١) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٦.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٠٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ١.

٤٧٧

مسألة ٢٦٣ : يجوز ستر الرأس بشي‌ء من البدن كاليد ، والأولى تركه (١).

______________________________________________________

عبد الرّحمن الحذاء فقد روى عنه صفوان في مورد واحد. وأمّا عبد الرّحمن بن الحجاج فقد روى عنه صفوان ما يزيد على مائة حديث ، وهو الشهير المعروف وأُستاذ صفوان كما صرّح بذلك الشيخ في رجاله (١) ، فالمتعين أن عبد الرّحمن هو ابن الحجاج وهو ثقة ثقة.

(١) الظاهر جواز الستر باليد أو الذراع ، لأن دليل حرمة ستر الرأس قاصر الدلالة على ذلك ، لما عرفت أن مورد الأخبار المانعة هو الثوب ، وتعدينا إلى غيره من أنواع التغطية والستر حتّى الستر بالطين والدواء ، وقلنا إنّ المنظور هو الستر ولا نظر إلى خصوصية الثوب ، ولكن التعدي إنّما هو بالنسبة إلى الأجزاء الخارجية ، وأمّا الستر بسائر أعضاء بدنه وبما هو متصل به فلا تشمله الروايات ، ولو سلمنا شمول ذلك فلا ريب في جوازه عند مسح الرأس في وضوئه ، وكذا ما دلّ على جواز حكّ المحرم رأسه (٢) فإنّه يوجب ستر بعض رأسه عند الحك هذا كلّه مضافاً إلى النص المجوّز صريحاً ، وهو صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس ، ولا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» (٣).

وبالجملة : المستفاد من مجموع ما ذكرنا أنّ الممنوع هو الستر بأمر خارجي مطلقاً ، وأمّا الستر بالعضو المتصل ببدنه كيده أو ذراعه فلا مانع منه.

وهل يجوز ستر رأسه عند النوم أم لا؟ وبعبارة اخرى : الحكم بحرمة ستر الرأس هل يختص بحال اليقظة أو يعم عند النوم؟ الظاهر أنّه لا خلاف بينهم في التعميم كما صرّح بذلك في الجواهر.

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٣٦ / ٣٢١٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٣٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٢٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٦٧ ح ٣.

٤٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن خبر زرارة جوّز التغطية عند إرادة النوم «في المحرم ، قال : له أن يغطي رأسه ووجهه إذا أراد أن ينام» (١) وذكر في الجواهر أنّه يطرح أو يحمل على حال التضرر بالتكشف أو على التظليل ، مضافاً إلى عدم حجية الخبر في نفسه وضعفه سنداً (٢).

ولكن الخبر صحيح ، فان رواتها ثقات ورواها أيضاً غير الثقات ، ولا يضر في صحّة الخبر ضمّ الضعيف إلى الثقة إذا كانت الرواة متعددة ، فإنّ الشيخ رواه عن سعد ابن عبد الله وهو ثقة ، وعن موسى بن الحسن وهو ثقة أيضاً ، وفي نسخةٍ موسى بن الحسين وهو مجهول ، ولكن لا يضر ذلك ، لأن سعد يرويه عن موسى والحسن بن علي وهو ابن فضال الثقة ، وهو يرويه عن أحمد بن هلال ومحمّد بن أبي عمير ، ولا يضر ضعف أحمد بن هلال بناءً على ضعفه ، وأمّا بناءً على وثاقته كما هو المختار عندنا فلا كلام ، وكذا لا يضر ضعف أُمية بن علي القيسي ، لأنّ الحسن بن علي بن فضال يروي عن أحمد بن هلال ومحمّد بن أبي عمير وأُمية بن علي القيسي جميعاً ، فيكفي وثاقة ابن أبي عمير ، وهم يروون عن علي بن عطية وهو ثقة ، وهو يروي عن زرارة فالخبر ثبت عن زرارة برواية الثقات عنه وإن انضموا إلى غير الثقة ، فالخبر لا يُرمى بالضعف.

فالصحيح في الجواب أن يقال : إنّه معارض بصحيحتين لزرارة «إنّه لا يخمر رأسه عند النوم إذا أراد أن ينام» (٣) وبعد المعارضة والتساقط يرجع إلى المطلقات المانعة عن ستر الرأس ، والتقييد بحال اليقظة مبتلى بالمعارض.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٠٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٦ ح ٢.

(٢) الجواهر ١٨ : ٣٨٩.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٠٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٥ ح ٥ ، والوسائل ١٢ : ٥١٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٩ ح ١.

٤٧٩

حرمة الارتماس للمحرم

مسألة ٢٦٤ : لا يجوز للمُحرم الارتماس في الماء ، وكذلك في غير الماء على الأحوط والظاهر أنّه لا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة (١).

______________________________________________________

(١) لا خلاف ولا إشكال في عدم جواز الارتماس في الماء ويدلُّ عليه جملة من الأخبار المعتبرة (١).

إنّما وقع الكلام في أنّه موضوع مستقل ومحرّم عليحدة ، أو أنّه من مصاديق التغطية ، قال المحقق في الشرائع بعد أن ذكر تغطية الرأس : وفي معناه الارتماس (٢) ومقتضى كلامه هذا عدم اختصاص الارتماس بالماء لأنّه (قدس سره) جعل الارتماس من فروع التغطية ومصاديقها ، فلا فرق بين الماء وغيره ، ولكن قال في باب الكفّارات : تجب الكفّارة إذا ارتمس في الماء (٣) ، فيظهر منه أنّ الارتماس في غير الماء ليس له هذا الحكم. وصرّح صاحب الجواهر وغيره أن تحريم الارتماس من جهة التغطية وكونه من ستر الرأس ، فلا فرق بين الماء وغيره ، ولا يختص بتمام الرأس بل لا يجوز الارتماس ببعض الرأس ، لعدم جواز ستر بعض الرأس (٤) ، ومقتضى كلامهم اختصاص التحريم بالرجال وجواز الارتماس للمرأة ، لاختصاص حرمة التغطية بالرجل. وبالجملة يجري في الارتماس جميع ما يترتب على التغطية ، لأنّه من مصاديقها وعدم كونه موضوعاً مستقلا.

ولكن الظاهر أنّه موضوع مستقل ، فانّ الارتماس في الماء والستر به لا يصدق عليه التغطية ، ولو كان الارتماس تغطية لما جاز صبّ الماء وإفاضته على رأسه ، لا

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٠٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٨.

(٢) الشرائع ١ : ٢٨٤.

(٣) الشرائع ١ : ٣٤٣.

(٤) الجواهر ١٨ : ٣٨٦ ٣٨٧.

٤٨٠