موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ٢٥٢ : لا كفّارة على المجادل فيما إذا كان صادقاً في قوله ولكنّه يستغفر ربّه ، هذا فيما إذا لم يتجاوز حلفه المرّة الثانية ، وإلّا كان عليه كفّارة شاة. وأمّا إذا كان الجدال عن كذب فعليه كفّارة شاة للمرة الاولى ، وشاة اخرى للمرة الثانية وبقرة للمرة الثالثة (١).

______________________________________________________

(١) المشهور بين الأصحاب عدم الكفّارة في الحلف الصادق في المرة الأُولى والثانية ، وثبوتها في المرة الثالثة وهي شاة ، وأمّا في الحلف الكاذب مرّة شاة ومرتين بقرة وثلاثاً بدنة ، ولكن في استفادة ذلك كلّه على هذا الترتيب من النصوص إشكال ، وإنّما هذا الترتيب مذكور في الفقه الرضوي (١) الّذي أفتى على طبقه ابن بابويه (٢) وقد ذكرنا غير مرة أنّ الفقه الرضوي ضعيف جدّاً ، بل لم يعلم أنّه رواية حتّى يقال بالجبر بعمل المشهور ، بل من المحتمل أنّه تأليف أحد العلماء ، وعلى فرض اعتباره يعارض بما دلّ على خلافه.

فالصحيح أن يقال : إنّ الحلف الصادق لا كفّارة فيه في المرة الأُولى والثانية ، لعدم الدليل أوّلاً ، ولمفهوم الصحاح الدالّة على ثبوت الكفّارة في المرة الثالثة ثانياً ، فانّ المستفاد من قوله : «إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم» (٣) عدم ثبوت الدم إذا حلف دون الثلاثة. ويدلُّ على عدم ثبوت الكفّارة في الأقل من الثلاثة أيضاً ما ورد في بعض الروايات من أنّه لا كفّارة على الجدال الصادق مطلقاً (٤) خرجنا عنه في الحلف الصادق المتكرر ثلاثاً ، وأمّا وجوب الشاة في المرّة الثالثة فيدل عليه عدّة من الصحاح (٥).

وأمّا الحلف الكاذب ، ففي المرة الأُولى شاة وفي الثالثة بقرة كما جاء ذلك في روايات معتبرة.

__________________

(١) فقه الرضا : ٢١٧.

(٢) نقله عنه الصدوق في الفقيه ٢ : ٢١٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٤٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٧.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٤٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٨ ، ٦ ، ٧.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٤٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٨ ، ٦ ، ٧.

٤٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا ثبوت الشاة في المرة الأُولى فلصحيح معاوية بن عمار وصحيح أبي بصير «وإذا حلف يميناً واحدة كاذبة فقد جادل وعليه دم يهريقه» (١).

وأمّا ثبوت البقرة في المرة الثالثة فلصحيح محمّد بن مسلم «من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم ، فقيل له : الّذي يجادل وهو صادق؟ قال : عليه شاة والكاذب عليه بقرة» (٢) يعني إذا جادل صادقاً زائداً على مرتين فعليه شاة ، وإذا جادل زائداً على مرّتين فعليه بقرة ، ولصحيح الحلبي «إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه ، وعلى المخطئ بقرة» (٣) فانّ المستفاد منه أنّ الحلف الصادق إذا زاد على مرتين فعليه دم ، والكاذب المعبر عنه بالخطإ إذا زاد على مرتين فعليه بقرة ، هذا حال الكذب الأوّل والثالث.

وأمّا الكذب الثاني ، فلم يذكر في الروايات صريحاً ولكن نلتزم فيه بوجوب الشاة أيضاً ، لصحيحة سليمان بن خالد «في الجدال شاة» (٤) فان مدلوله وجوب الشاة في الجدال سواء كان صادقاً أو كاذباً في المرّة الأُولى أو الثانية ، ولكن نخرج عنه في الحلف الصادق في المرة الأُولى والثانية ، وكذلك نخرج عنه في المرة الثالثة لليمين الكاذبة ، لأن فيها بقرة فتبقى المرة الأُولى والثانية لليمين الكاذبة باقية تحت إطلاق الصحيح.

فالنتيجة أنّ الحلف الكاذب في المرة الأُولى يوجب شاة وفي المرة الثانية شاتين وفي المرة الثالثة بقرة.

بقي شي‌ء : وهو أنّه روى العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال : «من جادل في الحجّ فعليه إطعام ستّة مساكين لكل مسكين نصف صاع إن كان صادقاً أو كاذباً ، فان عاد مرتين فعلى الصادق شاة ، وعلى الكاذب بقرة» (٥) وهذه الرواية تكون معارضة لجميع الروايات المتقدِّمة ، ولكنّها ضعيفة للإرسال فتسقط.

وورد في خبر أبي بصير وجوب الجزور في مطلق الجدال كذباً متعمداً (٦) ولكن

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٤٦ / أبواب بقية كفارات الإحرام ح ٣ ، ٧ ، ٦ ، ٢ ، ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٤٦ / أبواب بقية كفارات الإحرام ح ٣ ، ٧ ، ٦ ، ٢ ، ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٤٦ / أبواب بقية كفارات الإحرام ح ٣ ، ٧ ، ٦ ، ٢ ، ١.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٤٦ / أبواب بقية كفارات الإحرام ح ٣ ، ٧ ، ٦ ، ٢ ، ١.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٤٨ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ١٠.

(٦) الوسائل ١٣ : ١٤٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٩ ، تفسير العياشي ١ : ٩٥.

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الخبر ضعيف ، لضعف إسناد الشيخ إلى العباس بن معروف ، لأن فيه أبا المفضل عن ابن بطة وهما ضعيفان عن أحمد بن أبي عبد الله (١) فالتعبير عنه بالصحيح كما في دليل الناسك (٢) في غير محلِّه.

ومن جميع ما ذكرناه يظهر أنّه لا وجه لما ذكره شيخنا الأُستاذ من الاحتياط في المقام ، حيث إنّه (قدس سره) احتاط أوّلاً في وجوب البقرة في المرة الثانية في الكاذب ثمّ احتاط ثانياً في وجوب البدنة في الكاذب مطلقاً (٣) فإنّه لو تمّ الفقه الرضوي سنداً لا بدّ من الفتوى بوجوب البقرة في المرة الثانية ، وإن لم يتم كما لا يتم فمقتضى إطلاق صحيح سليمان بن خالد وجوب دم شاة ، وإجزاء البقرة عن الشاة يحتاج إلى الدليل ، ومجرد فتوى المشهور والفقه الرضوي لا يوجب رفع اليد عن الشاة ، فما احتاط من وجوب البقرة في المرة الثانية خلاف الاحتياط.

نعم ، الأحوط هو الجمع بين البقرة والشاة ، وأمّا الاحتياط الثاني وهو وجوب البدنة حتّى في المرّة الأُولى والثانية أيضاً على خلاف الاحتياط ، إذ لو تمّ الفقه الرضوي وجب التكفير بالبدنة في المرة الثالثة ، ولا مورد للاحتياط بالبدنة في المورد الأوّل والثاني ، وإن لم يتم تجب الشاة في الحلف الكاذب على الإطلاق ، وإجزاء البدنة يحتاج إلى الدليل ، والظاهر أنّه (قدس سره) استند إلى إطلاق خبر العباس بن معروف ، واحتاط في البدنة في المرة الأُولى والثانية ، وقد عرفت أنّ الخبر ضعيف ، فالمتعين في المرة الأُولى شاة ، وفي المرة الثانية شاتان ، وبقرة للمرة الثالثة ، ولا دليل على إجزاء البدنة عن الشاة أو الجزور.

فرع : هل يعتبر التتابع وإتيان الحلف ولاء في الثلاث في مقام واحد وموضوع واحد كما في بعض الروايات المعتبرة (٤) فلو حلف صادقاً متكرراً من دون ولاء لا

__________________

(١) راجع الفهرست : ١١٨ / ٥١٨.

(٢) دليل الناسك : ٢٢٠.

(٣) دليل الناسك (المتن) : ٢١٩.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٤٦ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٣ ٥.

٤٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يترتب عليه كفّارة ، أو لا يعتبر كما في بعض الروايات المطلقة؟ (١).

المشهور عدم اعتبار التتابع بل التزموا بترتب الكفّارة على الثلاث ، متتابعة كانت أم لا ، في موضوع واحد ومقام واحد أم لا.

ولكن مال بعضهم إلى التقييد ولزوم التتابع حاكياً له عن العماني (٢).

وصاحب الجواهر (قدس سره) اعترف بأنّ القاعدة تقتضي حمل المطلق على المقيد ، ولكن بقرينة خارجية التزم بعدم التقييد ، وهي ذهاب المشهور إلى العدم (٣).

والتحقيق أن يقال : إنّه لا موجب للتقييد في نفسه حتّى مع قطع النظر عن المشهور ، والوجه ما ذكرناه في بحث المفاهيم (٤) وحاصله :

أنّ الشرط قد يكون متعدداً فتدل القضية بالمفهوم على نفي الحكم عند نفي أحدهما ، كما إذا قال : إذا جاء زيد من السفر وكان مجيئه في يوم الجمعة افعل كذا ، فلو فرضنا أنّه جاء في يوم السبت ينتفي الحكم بنفي الشرط ، كما إذا كان الشرط واحداً ، وقد يكون الشرط غير متعدِّد بل كان أحدهما مقيّداً بالآخر ، كما إذا قال : إذا جاء زيد في يوم الجمعة بحيث كان المجي‌ء مقيّداً بيوم الجمعة ويكون الشرط هو المجي‌ء في يوم الجمعة ، فمفهومه عدم المجي‌ء في يوم الجمعة ، وأمّا إذا جاء في غير يوم الجمعة فلا تدل القضية على النفي ، بل القضية ساكتة عن ذلك لعدم كونه مفهوماً للقضية ، ولذا أشكل جماعة في مفهوم آية النبإ وقالوا إن مفهوم الآية عدم مجي‌ء الفاسق بالنبإ ، لا مجي‌ء غير الفاسق بالنبإ ، وروايات المقام من هذا القبيل ، فان مفهوم قوله : إذا حلف ولاءً فعليه كذا ، أنّه إذا لم يحلف ولاءً ليس عليه كذا ، لا ما إذا حلف غير ولاء.

وأمّا التقييد ، فمفهومه عدم ثبوت الحكم للمطلق وإلّا لكان التقييد لغواً ، ولكن إنّما نلتزم بهذا المفهوم فيما لم يكن لذكر القيد فائدة ونكتة اخرى وإلّا فلا مفهوم له ، ولعل

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٤٦ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١ ح ٢ ، ٦ ، ٧.

(٢) حكاه عنه في المدارك ٨ : ٤٤٦.

(٣) الجواهر ٢٠ : ٤٢٣.

(٤) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٩٧ الثالث : إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء.

٤٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وجه التقييد بالولاء في المقام هو أنّ المرتكز في أذهان الناس خصوصاً العوام منهم أنّ المرة الثانية تأكيد للمرة الاولى ولا يرون ذلك تأسيساً ، ويحكمون على ذلك بيمين واحدة ، والروايات نبّهتهم بأنّ المعتبر تعدد الحلف وإن كان ولاءً ، فعلى الحلف المتعدد ثلاثاً وإن كان ولاءً يترتب الكفّارة ، فالتقييد حينئذ لا يوجب تقييد المطلق ، لأن للقيد وجهاً ظاهراً.

تكميل : ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) (١) أنّه بناءً على التفصيل والترتيب المشهور في ثبوت الكفّارة في الحلف الكاذب والصادق ، يظهر منهم من غير خلاف يعرف أنّه إنّما تجب البقرة في المرة الثانية والبدنة في المرة الثالثة إذا لم يكن كفّر عن المرة الاولى في الحلف الكاذب ، وأمّا إذا كفّر عن المرة الأُولى بشاة فلا تجب في الثانية إلّا شاة أُخرى ، وكذلك البدنة في المرة الثالثة ، فإنّه إذا كفّر عن الثانية ببقرة فلا تجب في المرة الثالثة إلّا شاة ، وإنّما تجب البدنة في المرة الثالثة فيما إذا لم يكفّر عن الثانية بالبقرة ، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير ، فإنّه بعد التكفير يشرع في حساب جديد ، فانّ التكفير يوجب رفع الأوّل وزواله ، ويدخل بعد التكفير في حساب جديد ، فإذا كفر أوّلاً بشاة لا تجب في الثانية بقرة بل تجب شاة أيضاً ، لأنّ الكذب الثاني بعد التكفير للأوّل يعتبر من الكذب الأوّل ، وكذلك إذا كفّر للثاني بقرة تجب في الثالث الشاة ، وإنّما تجب عليه البدنة في الثالث إذا لم يكفّر عن الثاني ببقرة.

وكذلك الحال في الحلف الصادق ، فإنّه إذا كفر بعد الثالث بشاة تجب عليه شاة أُخرى بعد ثلاث أُخر ، وأمّا إذا لم يكفر عن الثلاث الأوّل فلا تجب عليه إلّا شاة واحدة حتّى بعد الثلاث الأخيرة.

وبعبارة اخرى : لو حلف يميناً كاذبة وكفر لها بشاة ثمّ حلف ثانياً كاذباً لا تجب عليه إلّا شاة ، وإذا كفّر له بشاة وحلف ثالثاً كاذباً أيضاً لا تجب عليه إلّا شاة وهكذا ، وإنّما تجب البقرة في الثاني إذا لم يكفر عن الأوّل ، وكذلك تجب البدنة في الثالث إذا لم

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ٤٢٤.

٤٤٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يكفر عن الثاني ، والسر ما عرفت من أنّ التكفير يوجب زوال الأوّل ويدخل في حساب جديد بعد التكفير.

وكذلك في الحلف الصادق لو زاد على الثلاث ولم يكفر فشاة واحدة عن الجميع وإنّما تتكرر الكفّارة إذا تخلل التكفير بين كل ثلاث.

إلّا أن صاحب الجواهر (قدس سره) لم يرتض هذا الكلام ، وقال : إنّه إن لم يكن إجماع على ذلك أمكن أن يقال في اليمين الكاذبة : إن كل جدال له حكم مستقل فالجدال الأوّل له شاة والجدال الثاني له بقرة والثالث له بدنة ، سواء كفّر عن السابق أم لا ، فالكفارة الثابتة في المرتبة المتأخرة لا تتوقف على التكفير عن المرتبة السابقة ، فلو كفّر سابقاً في المرة الأُولى بشاة تجب البقرة خاصّة للجدال الثاني ، ولو كفّر عن الثاني ببقرة تجب البدنة في الثالثة ، وكذا لو لم يكفّر عن الجدال الأوّل تجب الشاة والبقرة في الثاني ، وإن لم يكفر عن الثاني وعن الأوّل تجب الشاة والبقرة والبدنة في الثالث ، فكل يمين يكون موضوعاً لوجوب الكفّارة سواء كفر عن السابق أم لا.

وبعبارة اخرى : كل جدال له حكم مستقل لا يسقط بالتكفير السابق.

وكذلك الحال في الصادق لكل ثلاث ثلاث له حكم مستقل ، فتجب الشاة إذا حلف ثلاث مرّات ، وتجب الكفّارة بشاة أيضاً إذا حلف ثلاث مرّات اخرى ، سواء كفّر من الثلاث الأوّل أم لا ، وإن لم تبلغ ثلاث اخرى فلا تجب إلّا الشاة الاولى.

والظاهر أنّه لا يمكن المساعدة على كل من القولين ، بيان ذلك : أنّ المستفاد من الروايات كصحيحة سليمان بن خالد (١) ثبوت الشاة لكل جدال ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الصادق والكاذب وعدم الفرق بين المرات ، خرجنا عنه في الحلف الصادق بالنسبة إلى المرة الأُولى والثانية ، وأمّا إذا زاد على مرتين وجادل فوق اثنتين فتجب الشاة في الثالثة ، ومقتضى الإطلاق وجوب الشاة في المرة الرابعة والخامسة وهكذا ، ولا دليل على احتساب كل ثلاث ثلاث ، بل العبرة بفوق اثنتين وما زاد على

__________________

(١) المتقدِّمة في ص ٤٤٢.

٤٤٦

١٥ ـ قتل هوام الجسد

مسألة ٢٥٣ : لا يجوز للمحرم قتل القمّل ولا إلقاؤه من جسده ، ولا بأس بنقله من مكان إلى مكان آخر ، وإذا قتله فالأحوط التكفير عنه بكف من الطعام للفقير ، أمّا البق والبرغوث وأمثالهما فالأحوط عدم قتلهما إذا لم يكن هناك ضرر يتوجه منهما على المحرم ، وأمّا دفعهما فالأظهر جوازه وإن كان الترك أحوط (١).

______________________________________________________

مرّتين. وكذلك مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين التكفير سابقاً أم لا ، لأن كل جدال موضوع للحكم ولا يتوقف على التكفير السابق وعدمه ، وأمّا الحلف الكاذب ، فالأوّل فيه شاة والثاني فيه شاة أُخرى على المختار عندنا ، ومقتضى الإطلاق عدم الفرق بين التكفير السابق وعدمه ، فتجب الشاة في الثاني سواء كفر عن الأوّل أم لا ، وتجب البقرة في الثالث على المختار عندنا سواء كفر عن الأوّل وعن الثاني أم لا ، وبالنسبة إلى الزائد عن اثنين لا يختص الحكم بالثلاث بل موضوع الحكم ما زاد على الاثنين فتثبت البقرة في الثالث وكذلك في الرابع والخامس وهكذا ولا دليل على احتساب كل ثلاث ، لما عرفت من أن مقتضى إطلاق الدليل وجوب الشاة لكل جدال والمستثنى ما دلّ على عدم الكفّارة في الجدال الأوّل والثاني في الحلف الصادق ، كما أنّ الجدال الأوّل والثاني في الكاذب في كل منهما شاة ، والجدال الثالث والرابع والخامس وهكذا فيه بقرة ، لإطلاق ما دلّ على ثبوت البقرة لما زاد على مرتين ، هذا ما يقتضيه العمل بالروايات ولا إجماع في المقام على الخلاف.

(١) يقع الكلام تارة في القمّل ، وأُخرى في البق والبرغوث وأمثالهما.

أمّا القمّل فلا خلاف في حرمة قتله ، ويدلُّ عليه عدّة من النصوص منها : صحيح زرارة قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل يحك المحرم رأسه ويغتسل بالماء؟ قال : يحك رأسه ، ما لم يتعمد قتل دابة» (١) والقدر المتيقن من الدابة الّتي يمكن قتلها

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٣٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٤.

٤٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

عند حكّ الرأس والاغتسال هو القمّل.

ومنها : صحيح معاوية بن عمار «اتق قتل الدواب كلّها» (١).

ومنها : معتبرة أبي الجارود قال : «سأل رجل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قتل قملة وهو محرم ، قال : بئس ما صنع ، قلت : فما فداؤها قال : لا فداء لها» (٢) فانّ الظاهر من قوله : «بئس ما صنع» هو الحرمة ، وإلّا لو كان جائزاً ولو مع الكراهة لا يعبّر عنه بقوله : «بئس ما صنع» والسند صحيح إلى أبي الجارود ، وأمّا أبو الجارود فهو وإن كان زيدياً فاسد العقيدة ولكن الظاهر أنّه موثق ، لوقوعه في إسناد كامل الزيارات ، ولشهادة الشيخ المفيد في الرسالة العددية بأنّه من الاعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام ، الّذين لا يطعن عليهم ، ولا طريق إلى ذم واحد منهم (٣).

ومنها : النصوص المعتبرة الناهية عن إلقاء القمّلة (٤) فإنّ الإلقاء إذا كان ممنوعاً لكونه في معرض التلف ، فقتله أولى بالمنع ، ولذا يجوز نقله من مكان إلى مكان آخر لا يكون معرضاً للتلف. وأمّا رواية مرة مولى خالد «عن المحرم يلقي القمّلة ، فقال : ألقوها أبعدها الله غير محمودة ولا مفقودة» (٥) فضعيفة بمرّة مولى خالد ، فإنّه مجهول.

وهنا روايتان معتبرتان عن معاوية بن عمار ذكر فيهما أنّه «لا ينبغي أن يتعمد قتلها» (٦) ربما يتوهم منهما جواز قتلها مع المرجوحية للتعبير بقوله : «لا ينبغي» ولكن قد ذكرنا غير مرة أنّ الظاهر من لا ينبغي هو الحرمة ، لأن معنى هذه الجملة لغة عدم

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٤٤ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٩.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٧٠ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٨.

(٣) الرسالة العددية : ٢٥ ، ٣٠. وانظر ترجمته في معجم الرجال ٨ : ٣٣٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٣٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٨.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥٤٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٩ ح ٦.

(٦) الوسائل ١٢ : ٥٣٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٢ ، والوسائل ١٣ : ١٦٩ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٦.

٤٤٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الإمكان وأنّه أمر لا يتيسر وقد شاع استعمالها في الكتاب العزيز والسنة في عدم الإمكان كقوله تعالى (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) (١) (وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٢) وعدم الإمكان في عالم التشريع مساوق للحرمة ، ولو فرضنا عدم دلالة ذلك على الحرمة فلا يدلّ على الجواز ، فلا موجب لرفع اليد عمّا دلّ على الحرمة.

وأمّا البق والبرغوث وأمثالهما ، فذهب جمع إلى جواز قتلهما. وذهب آخرون إلى التحريم ، ولعلّ وجهه أن غير خبر أبي الجارود مطلق يشمل القمّل وغيره كصحيح زرارة «ما لم يتعمّد قتل دابة» (٣) وصحيح معاوية بن عمار «اتق قتل الدواب كلّها» (٤) فمقتضى هاتين الصحيحتين حرمة قتل البق والبرغوث ، ولكن هنا روايات تدل على جواز قتلهما كمرسل زرارة «لا بأس بقتل البرغوث والقمّلة والبقة في الحرم» (٥) ولا يمكن الاعتماد عليه لضعفه بالإرسال ، مضافاً إلى أن موضوع الجواز فيه غير موضوع المنع ، لأن موضوع الجواز هو الحرم وكلامنا في المحرم ، ولذا ذكر في الخبر القمّل مع أن قتل القمّل للمحرم غير جائز.

وفي رواية أُخرى عن زرارة «عن المحرم يقتل البقة والبرغوث إذا رآه؟ قال : نعم» كما في الوسائل (٦) وفي الكافي «إذا أراده» (٧) وهو الصحيح ، ونظيره ما ورد في قتل الحية وبعض السباع ، فيكون الجواز مختصّاً بما إذا أراده البرغوث والبق فلا يدل على الجواز مطلقاً ، مضافاً إلى ضعف السند بسهل بن زياد.

__________________

(١) يس ٣٦ : ٤٠.

(٢) مريم ١٩ : ٩٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٣٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٤٤ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٩.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥٤٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٩ ح ٢.

(٦) الوسائل ١٢ : ٥٤٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٩ ح ٣.

(٧) الكافي ٤ : ٣٦٤ / ٦.

٤٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : رواية جميل «عن المحرم يقتل البقة والبراغيث إذا آذاه ، قال : نعم» (١) وهي أيضاً تدل على الجواز في فرض الإيذاء ، مضافاً إلى ضعف السند ، لأن ابن إدريس رواها في آخر السرائر (٢) عن نوادر أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي وطريقه إلى نوادر البزنطي مجهول ، فالتعبير عنها بالصحيحة كما في دليل الناسك (٣) في غير محلِّه ، بل لو قلنا بصحّة طريق الشيخ إلى نوادر البزنطي لا يمكن الحكم بصحّة هذه الرواية ، إذ لم يعلم اتحاد طريق ابن إدريس مع طريق الشيخ ، ولعل ابن إدريس رواها بطريق آخر وهو مجهول عندنا ، بل طريق الشيخ إلى النوادر ضعيف ، لأن فيه شيخه أحمد بن محمّد بن موسى الأهوازي ، وهو ممن لم يوثق ، وإن قال في حقّه صاحب الوسائل في تذكرة المتبحرين فاضل جليل (٤) ، ولكن لا نعتمد على توثيقات المتأخرين ، فالأحوط وجوباً أو الظاهر عدم جواز قتل البق والبرغوث وأمثالهما من الحيوانات المتكونة في البدن أو اللباس.

وأمّا إلقاء البق أو البرغوث ، فيدل على جوازه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قال : المحرم يلقي عنه الدواب كلّها إلّا القمّلة فإنّها من جسده» (٥).

مضافاً إلى أنّه لا دليل على حرمة الإلقاء ، وما دلّ على حرمة الإلقاء خاص بالقمل ، ولكن نسب إلى جماعة عدم جواز الإلقاء ، فالقول بحرمة الإلقاء حتّى في البق والبرغوث هو الأحوط.

وهل يجب التكفير عنه أم لا؟ في صحيحة معاوية بن عمار ومعتبرة أبي الجارود أنّه لا شي‌ء عليه ولا فداء لها (٦) ، ولكن ورد في عدّة روايات معتبرة التكفير عن إلقاء

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٤٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٧.

(٢) السرائر ٣ : ٥٥٩.

(٣) دليل الناسك : ١٦١.

(٤) تذكرة المتبحرين (أمل الآمل) ٢ : ٢٧ / ٧١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥٤٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٨ ح ٥.

(٦) الوسائل ١٣ : ١٦٩ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٦ ، ٧.

٤٥٠

١٦ ـ التزيّن

مسألة ٢٥٤ : يحرم على المُحرم التختّم بقصد الزينة ولا بأس بذلك بقصد الاستحباب ، بل يحرم عليه التزين مطلقاً ، وكفارته شاة على الأحوط الأولى (١).

______________________________________________________

القمّلة بكف من طعام (١) ومن المعلوم ثبوت الكفّارة في القتل أيضاً ، إذ لا نحتمل أن يكون الإلقاء أشد من القتل ، فمقتضى الجمع بين الروايات ثبوت الكفّارة عليه بكف من الطعام ، ويحمل النفي في صحيح معاوية وأبي الجارود على نفي الكفّارة المصطلحة المعمولة المتعارفة من دم شاة ونحو ذلك ، وبالجملة لا منافاة بين نفي الكفّارة بالمعنى المرتكز المصطلح من شاة ونحوها وبين ثبوت الكفّارة بإطعام الطعام وإعطاء كف من الطعام.

(١) يقع الكلام تارة في التزين بالخاتم ، وأُخرى في مطلق التزين.

أمّا التزين بالخاتم فقد اختلف فيه النصوص على طوائف :

منها : ما دلّ على جواز لبس المحرم الخاتم مطلقاً ، كخبر نجيح عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : «لا بأس بلبس الخاتم للمحرم» (٢) ولكنّه ضعيف فان نجيحاً لم يوثق.

ومنها : ما دلّ على أن موسى بن جعفر والرضا (عليهما السلام) رؤيا وعليهما الخاتم (٣).

ومنها : ما دلّ على جواز لبس المرأة المحرمة الخاتم من ذهب (٤) فلبس الخاتم في الجملة ممّا لا إشكال في جوازه.

وإنّما الكلام فيما دلّ على المنع ، والعمدة رواية مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) «وسألته أيلبس المحرم الخاتم؟ قال : لا يلبسه للزينة» (٥) وقد عمل بها المشهور بل

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٦٨ / أبواب بقيّة كفارات الإحرام ب ١٥ ح ٣ ، ٤.

(٢) ٣) ، (٤) ، (٥) الوسائل ١٢ : ٤٩٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٦ ح ١ ، ٣ ، ٦ ، ٥ ، ٤.

٤٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

قيل : لا خلاف في ذلك ، وإن نسب إلى ابن سعيد الجواز (١) ، وفي سندها صالح بن السندي وهو ممن لم يوثق ، فان قيل بالانجبار بعمل المشهور كما هو المعروف فهو ، وإلّا فلا يمكن التعويل عليه إلّا على المختار من وثاقة صالح بن السندي لوقوعه في أسناد كامل الزيارات.

فالنتيجة جواز لبس الخاتم لغير الزينة كلبسه للسنة أو لغرض من الأغراض ، كالتحفظ عليه من الضياع فيما إذا كان ثميناً أو لإحصاء الطّواف به ونحو ذلك ، والمحرّم إنّما هو خصوص لبسه للزينة ، وفعل الإمام (عليه السلام) يحمل على اللبس لغير الزينة كالسنة ، هذا كلّه لو قلنا باعتبار رواية مسمع ، لأجل الانجبار أو لوقوع صالح ابن السندي في أسناد كامل الزيارات ، وإن لم نقل بالاعتبار فلا دليل على حرمة لبس الخاتم ، وحينئذ يدخل التختم في مطلق التزيّن بالخاتم وغيره ، ويدور الحكم بحرمة التختّم مدار صدق عنوان التزيّن عليه وعدمه ، من دون فرق بين الرجل والمرأة.

فالكلام في حرمة مطلق التزين وعدمها ، والظاهر هو التحريم كما عليه المشهور والدليل عليه النصوص المانعة عن الاكتحال بالسواد (٢) والمانعة عن النظر إلى المرآة (٣) حيث علل فيها بأنّ السواد أو النظر زينة فيعلم من هذه الروايات أنّ الزينة ممنوعة بالأصل ، وإنّما حرم الاكتحال بالسواد لأنّه صغرى من صغريات الزينة ، وورد في بعض الروايات أنّه (عليه السلام) كره الاكتحال بالسواد من أجل أنّه زينة ، فيحرم كلّ ما يتحقق به الزينة. والكراهة بمعنى البغض فيستفاد منه أن مطلق التزين مبغوض ومحرم والكحل بالسواد من مصاديقه ، ونحو هذه النصوص بل أظهر منها روايات النظر في المرآة ، ففي صحيحة حماد وحريز «لا تنظر في المرآة وأنت محرم فإنّه من الزينة» وكذا قوله : «لا تنظر في المرآة وأنت محرم ، لأنّه من الزينة» (٤).

__________________

(١) الجامع للشرائع : ١٨٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٦٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٧٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٧٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٤ ح ١ ، ٣.

٤٥٢

مسألة ٢٥٥ : يحرم على المحرم استعمال الحناء فيما إذا عد زينة خارجاً ، وإن لم يقصد به التزين ، نعم ، لا بأس به إذا لم يكن زينة ، كما إذا كان لعلاج ونحوه (١).

مسألة ٢٥٦ : يحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي للزينة ، ويستثني من ذلك ما كانت تعتاد لبسه قبل إحرامها ولكنّه لا تظهره لزوجها ، ولا لغيره من الرجال (٢).

______________________________________________________

وأمّا الكفّارة فالظاهر عدمها لعدم الدليل ، والحكم بوجوب الكفّارة يحتاج إلى دليل ولا دليل ، ومقتضى الأصل البراءة. نعم ، الأحوط الأولى التكفير بشاة بناءً على نسخة (جرحت) في رواية علي بن جعفر وقد تقدّم تفصيل ذلك (١).

(١) استعمال الحناء إذا كان مصداقاً للزينة وإن لم يكن المستعمل قاصداً للتزين يحكم بحرمته ، لدخوله في عنوان التزين ، فانّ القصد إلى الحناء قصد للتزين إجمالاً ، كما إذا استعملت المرأة الشابة الحناء على طريق خاص أو استعملت الحناء في أناملها ونحو ذلك مما يكون مصداقاً للزينة خارجاً ، ولا يعتبر في صدق عنوان الزينة قصد التزين به.

نعم ، إذا استعمل الحناء لغرض آخر من علاج ونحوه مما لا يصدق عليه عنوان التزين فلا بأس به ، وقد ورد الترخيص به في بعض النصوص المعتبرة كصحيحة عبد الله بن سنان قال : «سألته عن الحناء ، فقال : إنّ المحرم ليمسه ويداوي به بعيره وما هو بطيب ، وما به بأس» (٢).

(٢) قد عرفت أن حرمة التزين تشمل المرأة أيضاً لإطلاق الأدلّة ، ومن مصاديق التزين لبس المرأة الحلي ، وقد وردت في لبس الحلي للمرأة عدّة روايات : منها ما دلّ على التحريم مطلقاً كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : «المحرمة لا تلبس الحلي» (٣).

__________________

(١) في ص ٤٠٧ ٤٠٨.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٥١ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٣ ح ١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٩٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ٢.

٤٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وبإزائه صحيح ابن مسلم «المحرمة تلبس الحلي كلّه إلّا حلياً مشهوراً للزينة» (١) أي ما كان ظاهراً وبارزاً ، فالمحرّم الحلي الظاهر البارز الّذي تحصل به الزينة ، وأمّا المستور كما إذا لبسته تحت ثيابها فلا بأس به ، لعدم صدق عنوان الزينة عليه ، وفي صحيح الكاهلي جواز لبس الحلي على الإطلاق إلّا القرط المشهور والقلادة المشهورة أي الظاهرة البارزة «تلبس المرأة المحرمة الحلي كلّه إلّا القرط المشهور والقلادة المشهورة» (٢) فيقع التعارض بين صحيح ابن مسلم والكاهلي ، لأن مقتضى عقد الاستثناء في رواية ابن مسلم عدم جواز لبس المشهور على الإطلاق قرطاً كان أو قلادة أو غيرهما من أنواع الحلي ، فكل حلي ظاهر بارز محرم لبسه ، ومقتضى عقد المستثنى منه في رواية الكاهلي جواز لبسها الحلي كلّه إلّا القرط والقلادة ، فيقع التعارض في غير القرط وغير القلادة كالسوار والخلخال البارزين ، فان مقتضى رواية الكاهلي جواز لبسهما ومقتضى رواية ابن مسلم عدم جواز لبسهما ، والمرجع بعد التعارض صحيح الحلبي الدال على حرمة لبس الحلي.

فالنتيجة أن غير القرط وغير القلادة إذا كان من الزينة وكان بارزاً يحرم لبسه.

مضافاً إلى إطلاق ما دلّ على حرمة مطلق التزين كاخبار الاكتحال (٣) والنظر إلى المرآة (٤) ، بل يمكن الاستدلال على عدم اختصاص المنع بالقرط والقلادة بصحيح ابن الحجاج (٥) فانّ المستفاد منه أن حرمة لبس أنواع الحلي كان أمراً مفروغاً عنه ، وكان ابن الحجاج يعلم ذلك أيضاً وإنّما سأل عن خصوصية أُخرى ، وهي أنّ المرأة كانت معتادة للبس الحلي ولم تلبسه بعد الإحرام ، بل كانت لابسة للحلي قبل الإحرام فهل يجب عليها نزعها أم لا.

وبعبارة اخرى : نظر ابن الحجاج إلى أن حرمة لبس الحلي خاصّة بما تلبسه بعد

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٩٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٩٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ٦.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٦٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٣.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٧٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٤.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٩٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ١.

٤٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الإحرام أو يعم الحكم حتّى ما إذا كانت لابسة قبل الإحرام فيجب عليها النزع ، فالسؤال عن هذه الجهة ، وأمّا من حيث حرمة مطلق أنواع الحلي فلا يسأل عن ذلك.

وكيف كان ، الظاهر هو التعميم وعدم الاختصاص بالقرط والقلادة ، ولم ينقل الاختصاص من أحد من الأصحاب.

ويستثنى من ذلك ما كانت تعتاد لبسه قبل الإحرام ، ولا يجب عليها النزع ، لصحيح ابن الحجاج المتقدِّم قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المرأة يكون عليها الحلي والخلخال والمسكة والقرطان من الذهب والورق تحرم فيه وهو عليها وقد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها ، أتنزعه إذا أحرمت أو تتركه على حاله؟ قال : تحرم فيه وتلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها ومسيرها» (١).

ولكن بما أنّ المسئول عنه من الحلي الظاهر البارز ، أمر (عليه السلام) بأن لا تظهره للرجال ، ويشمل المنع الزوج والمحارم.

ولكن ربما يدعى انصراف الرجال إلى الأجانب فيجوز لها إظهار الزينة للمحارم أو لخصوص الزوج ، إذ لا مانع في نفسه من إظهار الزينة للزوج والمحارم.

والظاهر أنّه لا موجب لدعوى الانصراف بل الرجال يشمل المحارم والزوج كما فهمه الفقهاء ، والوجه في ذلك : أنّ الإمام (عليه السلام) منع من إظهار الزينة في مركبها ومسيرها ، والغالب أنّ الزوج أو أحد المحارم يركّب المرأة ويحضر عند مركبها ومسيرها ، والأجنبي لا يركّب المرأة الأجنبية غالباً.

ويؤيّد ذلك ما ورد في رواية النضر بن سويد من منع التزين لزوجها (٢) ولكنّها ضعيفة سنداً بسهل بن زياد فلا بأس بجعلها مؤيّدة لما ذكرنا.

فالنتيجة : أنّه يجوز للمرأة إبقاء حليها على جسدها الّتي كانت تلبسها قبل إحرامها ، ولا يجب عليها النزع ، ولكن لا تظهرها للرجال حتّى لزوجها فضلاً عن

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٩٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٩٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ٣.

٤٥٥

١٧ ـ الادهان

مسألة ٢٥٧ : لا يجوز للمحرم الادهان ، ولو كان بما ليست فيه رائحة طيّبة ويستثنى من ذلك ما كان لضرورة أو علاج (١)

______________________________________________________

المحارم وعن الأجانب.

(١) المشهور حرمة الادهان للمحرم ، وعن المفيد (١) وابن أبي عقيل (٢) وأبي الصلاح (٣) وسلّار (٤) الجواز مع الكراهة ، للأصل ولبعض الروايات الّتي نتعرض إليها أثناء الكلام ، والصحيح ما ذهب إليه المشهور ، لعدّة من الروايات المعتبرة الدالّة على المنع :

منها : صحيح الحلبي الّذي جوّز الادهان حين [إرادة] الإحرام وحرّمه بعد الإحرام «وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحل» (٥) فلا مجال للأصل بعد النص.

أمّا الروايات الدالّة على الجواز فهي على طائفتين :

الأُولى : ما دلّ على جواز الادهان قبل الغسل وبعده ومعه ، ففي معتبرة ابن أبي يعفور «ما تقول في دهنة بعد الغسل للإحرام؟ فقال : قبل وبعد ومع ليس به بأس الحديث» (٦).

ولكن هذه الروايات غير ناظرة إلى المحرم ، وإنّما تدل على جواز الادهان قبل الغسل وبعده ومعه ، فموردها أجنبي عن المقام.

__________________

(١) المقنعة : ٤٣٢.

(٢) حكاه في المختلف ٤ : ٩٩.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٠٣.

(٤) المراسم : ١٠٦.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٥٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ح ١.

(٦) الوسائل ١٢ : ٤٦١ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٠ ح ٦.

٤٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية : ما دلّ على جواز الادهان للعلاج والتداوي كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبطّه وليداوه بسمن أو زيت» كما في نسخة التهذيب (١) وفي الكافي «فليربطه وليتداو بزيت أو سمن» (٢) وفي صحيحة ابن مسلم «عن محرم تشققت يداه ، قال فقال : يدهنها بزيت أو سمن أو إهالة» (٣) إهالة : الشحم المذاب.

ولا يخفى أنّ الاستدلال بهذه الروايات ضعيف جدّاً ، لأن موردها العلاج والتداوي والضرورة ولا مانع من الالتزام بذلك ، وكلامنا في مطلق الاستعمال ولو في غير حال العلاج ، فلا مجال لرفع اليد عن الروايات المصرّحة بالمنع كصحيحة الحلبي المتقدِّمة وصحيح معاوية بن عمار وغيرهما من المعتبرات.

إيقاظ : ذهب المحقق في الشرائع في باب المحظور الثاني من كفارات الإحرام إلى وجوب الشاة جزماً على من تطيب ، ثمّ ذكر بعد المحظور السابع أن من استعمل دهناً طيباً في إحرامه ولو في حال الضرورة كان عليه شاة على قول (٤) ، فيظهر منه التردد في المورد الثاني.

أقول : لا ريب في حرمة استعمال الدهن الطيب لما دلّ من النصوص على حرمة الادهان ، وأمّا الكفّارة فغير ثابتة عنده ، فيعلم منه (قدس سره) أنّ الادهان بالدهن الطيب ليس من استعمال الطيب المتعارف المسمى في عرفنا بالعطور ، فانّ الطيب اسم لجسم خاص تكون فائدته الاشتمام والتطيب به ، وليس مجرد وجود رائحة طيبة في جسم موجباً لدخوله في عنوان الطيب والعطور ، وإلّا لكان أكثر الأجسام الّتي لها رائحة طيبة داخلة في العطور كالسفرجل والتفاح والأُترنج ، ونحو ذلك ، وهذا باطل قطعاً.

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٠٤ / ١٠٣٦ ، الوسائل ١٢ : ٤٦٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٣١ ح ١.

(٢) الكافي ٤ : ٣٥٩ / ٦.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٦٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٣١ ح ٢.

(٤) الشرائع ١ : ٣٤١ ، ٣٤٣.

٤٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فإذن يقع الكلام في تقييد الدهن بكونه طيباً في كلام المحقق فنقول :

إنّ الدهن على قسمين : قسم لا يعد للأكل بل يتنفر منه الطبع ، وإنّما يستعمل للإسراج به أو العلاج والتدليك به ونحو ذلك ، كدهن الخِرْوَع والدهون المتخذة من النفط ، وقسم يعد للأكل وله رائحة طيبة لطيفة كدهن الحر ودهن الزيت ، ونحو ذلك من الدهون المعدة للأكل الّتي يقبلها الطبع ، ولكن مع ذلك لا يدخل بذلك في عنوان الطيب والعطور ، فالمراد بالدهن الطيب هو الّذي يستعمل في الأكل ، ويشهد لما ذكرنا قوله (عليه السلام) : في صحيح معاوية بن عمار «إنّه يكره للمحرم الأدهان الطيبة إلّا المضطر إلى الزيت أو شبهه يتداوى به» (١) فانّ الظاهر أنّ الاستثناء متصل ، فيكون الزيت من الدهن الطيب ، فإطلاق الطيب على الزيت وشبهه باعتبار استعداده للأكل ، مع أنّه لم يكن من العطور.

وإن كان المراد من كلامه الدهن الصادق عليه عنوان الطيب ، يعني استعمال الدهن الطيب ، أي الدهن الّذي فيه رائحة طيبة ، فيسأل ما الوجه في تقييد الدهن بذلك ، مع أن خبر معاوية بن عمار ذكر فيه دهن البنفسج (٢) ، وليس من الطيب قطعاً ، بل المعروف عند عامّة الناس أنّ الدهن المستعمل في العلاج كلّ ما فسد وصار عتيقاً كان للعلاج أفيد ، فدهن البنفسج إذا كان جديداً قد تكون فيه رائحة طيبة ، وأمّا إذا صار عتيقاً وفسد يستعمل في التداوي فلا موجب لهذا التقييد ، فان لم نلتزم برواية معاوية ابن عمار المقطوعة فالكفارة غير ثابتة على الإطلاق ، ولو عملنا برواية معاوية بن عمار فمقتضى الاحتياط الالتزام بالكفّارة على الإطلاق ، سواء كان للدهن رائحة طيبة أم لا.

فرع : هل يجوز الادهان قبل الإحرام بحيث يبقى أثره بعد الإحرام ، أو أنّ المحرّم كون البدن مدهناً حال الإحرام ، ولو بالادهان قبله؟.

وبعبارة اخرى : الممنوع المعنى المصدري والإحداث بعد الإحرام ، أو أنّ الممنوع

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٤٤ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٨.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥١ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٥.

٤٥٨

مسألة ٢٥٨ : كفّارة الادهان شاة إذا كان عن علم وعمد ، وإذا كان عن جهل فإطعام فقير على الأحوط في كليهما (١).

______________________________________________________

الاسم المصدري ، وكون البدن مدهناً وإن كان الادهان قبل الإحرام؟ تقدّم (١) في البحث عن الطيب أنّ الممنوع هو كون البدن أو لباسه متطيباً ، فلا يجوز استعمال الطيب قبل الإحرام إذا يبقى أثره بعد الإحرام ، ولذا تجب إزالته عن البدن أو الثوب إذا كان فيه الطيب ، فهل الادهان كذلك لا سيما إذا كان الفصل قليلاً ، أم أنّ الممنوع مجرد إحداث الادهان بعد الإحرام؟

مقتضى إطلاق ما دلّ على جواز الادهان بعد الغسل هو الجواز حتّى فيما إذا يبقى أثره بعد الإحرام ، بل خصوص صحيح الحلبي يدل على الجواز بوضوح لقوله (عليه السلام) : «وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم» (٢) فانّ التدهين حين إرادة الإحرام يلازم بقاء أثره بعد الإحرام غالباً ، ولا يزول أثر الدهن في هذا القدر من الزمان خصوصاً إذا كان الدهن غليظاً ، هذا ولكن في صحيح ابن مسلم «وكان يكره الدهن الخاثر الّذي يبقى» (٣) الخاثر : الثخين الغليظ الّذي استعمله قبل الغسل وبعده ، إلّا أنّه لا بدّ من حمل هذه الكراهة على الكراهة المصطلحة المقابلة للحرمة ، لدلالة صحيح الحلبي المتقدِّم على جواز ذلك صريحاً ، وقد عرفت أنّه لا ينفك أثر الدهن بالتدهين بعد الغسل وحين الإحرام ، بل يبقى الأثر طبعاً بعد الإحرام. وبالجملة : الممنوع هو الاحداث لا الإبقاء.

(١) هل في الادهان كفّارة؟

عن جماعة أنّها دم شاة ، ومقتضى الأصل العدم ، ولا نص عن المعصوم (عليه السلام) في ذلك. وما عن معاوية بن عمار من ثبوت الكفّارة فلم يعلم أنّه رواية عن

__________________

(١) لاحظ فإنّه لم يتقدّم سابقاً.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٥٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٦٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٠ ح ٣.

٤٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الإمام (عليه السلام) (١).

وقد عرفت غير مرّة أن مقتضى خبر علي بن جعفر «لكل شي‌ء خرجت (جرحت) من حجك فعليك دم تهريقه» ثبوت الكفّارة لكل مورد من موارد التروك ، كما قد عرفت ضعف الخبر سنداً ودلالة (٢).

وقد يستدل كما في الجواهر لوجوب الكفّارة بخبر محمّد بن عمر بن يزيد الوارد (٣) في تفسير قوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٤) والنسك دم شاة ، المستفاد منه ثبوت الكفّارة المخيرة بين هذه الأُمور الثلاثة لكل من عرض له أذى أو وجع فتعاطى وصدر منه ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحاً ، وهذا عام يشمل جميع الموارد ، فيدل الخبر على أن كل ما لا يجوز ارتكابه اختياراً إذا اضطرّ إليه جاز له ارتكابه لكن مع الكفّارة (٥).

وفيه أوّلاً : أنّ الخبر ضعيف سنداً بمحمّد بن عمر بن يزيد فإنّه لم يوثق.

وثانياً بالجزم ببطلان مدلول هذه الرواية ، إذ لم ينسب إلى أحد من الفقهاء ثبوت الكفّارة في موارد الخلاف بهذا النحو من الكفّارة المخيرة ، إلّا في مورد حلق الرأس في المورد المذكور في الآية.

وأمّا الآية الشريفة فأجنبية عن المقام بالمرّة فإنّها واردة في المحصور لقوله تعالى (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ، وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فإنّ الآية المباركة في مقام بيان أن من أحصر لا يحلق رأسه حتّى يبلغ الهدي محلِّه ، فان كان مضطرّاً إلى حلق رأسه ولا يتمكّن من الصبر إلى بلوغ الهدي محلِّه لأذى في رأسه

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٥١ / أبواب بقية الكفّارات ب ٤ ح ٥.

(٢) في ص ٤٠٧ ٤٠٨.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٦٦ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ٢.

(٤) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٥) الجواهر ٢٠ : ٤٣٠.

٤٦٠