موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

والعنبر والزعفران والورس» (١).

ورواها أيضاً في الوسائل في آداب الحمام ، ولكن ذكر «العود» بدل «الورس» (٢) فيكون الورس مذكوراً في صحيح معاوية بن عمار فقط ، والنتيجة أيضاً المنع عن خمسة أشياء.

وفي معتبرة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «الطيب : المسك والعنبر والزعفران والعود» (٣).

فتكون هذه الروايات الثلاث المعتبرة مقيّدة للروايات المطلقة ، خصوصاً صحيح معاوية بن عمار الّذي صرّح بالكراهة لبقية أفراد الطيب وعدم الحرمة ، فلا بدّ من رفع اليد عن العمومات واختصاص الحكم بالتحريم بالمذكورات في الروايات الخاصّة وتجويز بقيّة أفراد الطيب ، سواء كان من الطيب المستعمل في تلك الأيّام أو في هذه الأزمنة المسمّى بالعطر كماء الورد وعطر الورد وعطر الرازقي والياس ونحو ذلك.

بقي الكلام في اختلاف الروايات الخاصّة من حيث اشتمال بعضها على الورس دون العود ، واشتمال بعضها الآخر على العود دون الورس وتكون بينها معارضة ، لأن مقتضى صحيحة معاوية بن عمار وصحيحة عبد الغفار اختصاص المنع بالمذكورات فيهما وجواز العود ، ومقتضى صحيحة ابن أبي يعفور جواز استعمال الورس واختصاص المنع بالثلاثة والعود ، ولكن التعارض بالظهور والصراحة ونرفع اليد عن ظهور بعضها بصراحة الآخر ، لظهور صحيحتي معاوية بن عمار وعبد الغفار في جواز استعمال العود لأنّه بالإطلاق ، وصحيح ابن أبي يعفور صريح في المنع عن العود ، كما أنّ الصحيحتين صريحتان في المنع عن الورس وصحيحة ابن أبي يعفور ظاهرة في جواز الورس ، فيرفع اليد عن ظهور البعض في الجواز بصراحة الآخر في المنع والنتيجة هي حرمة الخمسة. نعم ، لا ريب أنّ الأحوط هو الاجتناب عن كل طيب.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٤٦ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٦.

(٢) الوسائل ٢ : ١٥٢ / أبواب آداب الحمام ب ٩٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٤٦ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٥.

٤٠١

مسألة ٢٣٨ : لا بأس بأكل الفواكه الطيّبة الرائحة كالتفاح والسفرجل ، ولكن يمسك عن شمها حين الأكل على الأحوط (١).

______________________________________________________

إيقاظ (١)

لا يخفى أنّ الروايات الخاصّة ليست في مقام حصر الطيب بالأُمور المذكورة فيها ، وليس في مقام تفسير الطيب بالأربعة أو الخمسة ، لأن الطيب لغة وخارجاً غير منحصر بهذه الأُمور ، بل له أفراد شائعة كثيرة غير المذكورات. على أنّه ليس من شأن الأئمة (عليهم السلام) مجرد بيان الأفراد الخارجية وتفسير المفاهيم العرفية ، بل الظاهر منهم (عليهم السلام) أنّهم في مقام بيان الحكم الشرعي ، وأنّ المنع منحصر بهذه الأُمور ، وعليه فمقتضى الإطلاق هو المنع عن جميع الاستعمالات أكلاً وشمّاً ووضعاً على الثوب والبدن ، ولو بقرينة سائر الروايات.

مضافاً إلى أن حذف المتعلق في الروايات الخاصّة يفيد العموم ، فلا يختص التحريم بالشم أو بالدلك ، بل يعم جميع أنواع الاستعمالات المعدة المقصودة لهذه الأُمور حتّى الأكل ، وقد صرّح في بعض الروايات بالمنع من أكل شي‌ء فيه زعفران (٢).

(١) يقع الكلام تارة في جواز أكل الفواكه الطيّبة الرائحة ، وأُخرى في جواز شمها.

أمّا الأوّل : فلا ينبغي الريب في جواز أكل ما فيه رائحة طيّبة من الفواكه والنباتات والخضروات ، ففي بعض الروايات المعتبرة صرّح فيه بجواز أكل الاترج والتفاح والنبق وما طاب ريحه ، وعلل في بعضها بانّ الاترج طعام ليس هو من الطيب (٣) فيعلم أنّ الممنوع ما كان عمدة فائدته والانتفاع به رائحته ، كالأجسام المعدة لذلك مثل العطور لا مثل الأُترج والسفرجل والتفاح والنعناع والريحان والشاي

__________________

(١) هذا هو الأمر الثاني الذي وَعَدنا بالبحث عنه في أن الاستعمال المحرّم هل يختص ببعض أنواع الاستعمال أم يعمّ جميعها.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٤٢ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٥٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ٢.

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الّذي فيه رائحة ونكهة طيّبة ، وما أشبه ذلك ممّا يطلب منه الأكل.

فحرمة الأكل تختص بجنس الطيب كأكل ما فيه الزعفران ونحو ذلك.

وأمّا الثاني : فمقتضى صحيحة محمّد بن مسلم وصحيحة معاوية بن عمار عدم جواز الشم ولزوم الإمساك على الأنف ، قال في الأوّل : «المحرم يمسك على أنفه من الريح الطيّبة» (١) وقال في الثاني : «وأمسك على أنفك من الرائحة الطيّبة» (٢) فان قلنا بأن أصل استعمال الطيب وشمه منحصر بالخمسة فلا ريب في جواز شمّ المأكولات ذات الرائحة الطيّبة ، إذ لا نحتمل أن شم المأكولات المعدة للأكل الّتي يطلب منها الأكل لا الاستشمام أشد حكماً من سائر أفراد الطيب والعطور غير الخمسة.

وبعبارة اخرى : بناءً على حصر المنع بخمسة أشياء من أفراد الطيب وجواز استعمال بقية أفراد الطيب لا نحتمل أن شمّ السفرجل أو التفاح أشد من شمّ عطر الرازقي ، فإذا جاز شمّ تلك العطور الّتي يطلب منها الشم يجوز شمّ السفرجل الّذي يطلب منه الأكل.

وإن لم نقل بالانحصار ، فمقتضى الصحيحين المتقدمين عدم جواز شم رائحة الفاكهة الطيّبة حين الأكل ، ولكن بإزائهما ما دلّ على جواز أكل الأُترج الّذي له رائحة طيّبة كموثق عمار (٣) وقد علّل فيه بأنّ الأُترج طعام ليس هو من الطيب ، ولا ريب أنّ الأكل يلازم الاستشمام لقرب الأنف بالفم ، فالحكم بالمنع عن الشم يختص بالطيب الممنوع ولا يشمل شمّ الأثمار الطيّبة ، وأمّا ما ورد عن ابن أبي عمير من جواز أكل الأثمار الطيّبة كالأُترج والتفاح والنبق ولكن يمسك على أنفه حين الأكل (٤) فهو ممّا أفتى به ولا حجية له ، ومثله رواه عن الصادق (عليه السلام) ولكنّها ضعيفة بالإرسال.

هذا مضافاً إلى أنّ المستفاد من صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة (٥) الحاصرة

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٥٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٥٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٥٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٥٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٦ ح ١ ، ٣.

(٥) في ص ٤٠٠.

٤٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

للمنع بأربعة أشياء ، جواز استشمام غير الطيب الّذي يطلب منه الرائحة الطيبة كالفواكه والأثمار الطيبة المعدّة للأكل ، وذلك لأنّ المذكور في صدر الصحيحة تحريم الطيب ومسّه ثمّ ذكر في ذيل الصحيحة أنّ المحرّم إنّما هو أربعة أشياء ، فهي واضحة الدلالة على أن بقية الأجسام الطيّبة يجوز أكلها وشمّها ، وأن حرمة الشم وغيره من الاستعمالات تختص بالأربعة ، فالمنع أكلا وشمّاً مختص بالأربعة ، وأمّا غيرها ممّا له رائحة طيّبة فلا منع عنه لا أكلا ولا شمّاً.

ويؤكّد ما ذكرنا ما ورد من جواز شم النباتات البرية ممّا له رائحة طيّبة كالنصوص الدالّة على جواز شمّ الإذخر والقيصوم والشيح والخزامي وأشباهه (١) فيظهر منها أنّ الممنوع شمّ الطيب الّذي يطلب منه الرائحة الطيبة لا شمّ النباتات الطيّبة ونحوها ممّا لا يطلب منه مجرد الرائحة الطيّبة كالفواكه والأثمار الطيّبة ، فما ذكرناه في المتن من لزوم الإمساك عن شمّها حين الأكل مبني على الاحتياط.

ثمّ إن صاحب الحدائق (قدس سره) ذكر أنّه لا بدّ من إضافة الريحان إلى الأفراد المذكورة الممنوعة فيكون الممنوع ستّة أشياء (٢) ، وذلك لدلالة صحيحة عبد الله بن سنان وخبر حريز على تحريم الريحان ، ففي صحيح عبد الله بن سنان «لا تمس الريحان وأنت محرم» ونحوه صحيح آخر له (٣) وفي خبر حريز «لا يمس المحرم شيئاً من الطيب ولا الريحان ولا يتلذّذ به» (٤).

وإنّما عبّرنا عنه بالخبر لعدم ثبوت كونه صحيحاً ، فانّ الشيخ وإن رواه بطريق صحيح عن حريز عن الصادق (عليه السلام) (٥) ولكن الكليني رواه عن حريز عمّن أخبره عن الصادق (عليه السلام) (٦) وذكرنا سابقاً أنّه يبعد رواية حريز تارة مرسلاً

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٥٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٥ ح ١ وغيره.

(٢) الحدائق ١٥ : ٤١٩.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٤٥ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٠ ، ١١ ، ٣.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٤٥ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١٠ ، ١١ ، ٣.

(٥) التهذيب ٥ : ٢٩٧ / ١٠٠٧.

(٦) الكافي ٤ : ٣٥٣ / ٢.

٤٠٤

مسألة ٢٣٩ : لا يجب على المحرم أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة حال سعيه بين الصفا والمروة ، إذا كان هناك من يبيع العطور ، ولكن الأحوط لزوماً أن يمسك على أنفه من الرائحة الطيبة في غير هذا الحال ، ولا بأس بشم خلوق الكعبة وهو نوع خاص من العطر (١)

______________________________________________________

وأُخرى مسنداً ، فالرواية مرددة بين كونها مرسلة ومسندة فلا يمكن الاعتماد عليها والاستدلال بها ، فالتعبير عنه بالصحيح في غير محلِّه ، وكون الكليني أضبط لا دخل له في المقام ، فإنّ الرواية في نفسها مرددة بين كونها مرسلة ومسندة سواء كان الكليني أضبط أم لا.

ويرد عليه أوّلاً : أنّه لا نحتمل أنّ الريحان أشد من سائر أفراد الطيب والعطور.

وثانياً : أن قوله (عليه السلام) : «وأشباهه» في صحيحة معاوية بن عمار الدالّة على جواز شمّ الإذخر والقيصوم والخزامي والشيح يشمل الريحان ، لأنّه من جملة النباتات الّتي لها رائحة طيّبة ، فمدلول هذه الصحيحة جواز شمّ الريحان ، فمقتضى الجمع بينها وبين صحيح عبد الله بن سنان هو الحمل على الكراهة.

وثالثاً : أنّ الاستدلال بصحيح ابن سنان للمنع عن الريحان ، مبني على أن يكون الريحان اسماً لنبات خاص مقابل النعناع وبقية الخضروات كما هو الشائع ، ولكن الريحان لغة اسم لكل نبات له رائحة طيّبة (١) ويجمع على رياحين ، وحاله حال الورد ، فالمراد به كل نبت ذي رائحة طيّبة ، فيحمل المنع عنه على الكراهة جمعاً بينه وبين ما دلّ على جواز شمّ الشيح والقيصوم والإذخر ونحوهما من النباتات الطيّبة.

(١) يستثني من حرمة شمّ الطيب أمران :

أحدهما : شمّ الرائحة الطيّبة حال سعيه بين الصفا والمروة ، فإنّه في سالف الزمان كان سوق العطّارين بين الصفا والمروة ، فلا يجب عليه أن يمسك على أنفه حال سعيه

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٢٢٤.

٤٠٥

مسألة ٢٤٠ : إذا استعمل المحرم متعمداً شيئاً من الروائح الطيّبة فعليه كفّارة شاة على المشهور ، وفي ثبوت الكفّارة في غير الأكل إشكال ، وإن كان الأحوط التكفير (١).

______________________________________________________

بين الصفا والمروة ، كما لا يجب عليه الإسراع في المشي والسعي ، ويدلُّ على الجواز صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول : لا بأس بالريح الطيّبة فيما بين الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على أنفه» (١).

ثانيهما : خلوق الكعبة ، وهو نوع خاص من العطر مصنوع من الزعفران يطلى به الكعبة ، ويدلُّ على ذلك الروايات المعتبرة منها : صحيحة عبد الله بن سنان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن خلوق الكعبة يصيب ثوب المحرم ، قال : لا بأس ولا يغسله فإنّه طهور» (٢).

(١) المعروف والمشهور عند الأصحاب أنّ استعمال الطيب أكلاً وشمّاً ودلكاً يوجب كفّارة شاة ، ولكن دليله غير ظاهر ، وإنّما الدليل خاص بالأكل ، وأمّا في غيره من موارد الاستعمالات فلا دليل على ثبوت الكفّارة فيه ، ففي صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «من أكل زعفراناً متعمداً أو طعاماً فيه طيب فعليه دم» (٣).

وفي صحيحة أُخرى له : «أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو محرم ففعل ذلك ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة» (٤) فإن أكل ما لا ينبغي له أكله يشمل أكل الطيب الممنوع له ، ودعوى اختصاصه بأكل الصيد لا وجه لها.

وقد يشكل في ثبوت الكفّارة بشاة حتّى في مورد الأكل لمعارضة ما دلّ على الشاة

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٤٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٠ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٤٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٢١ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٥٠ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ١.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٥٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١.

٤٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بما دلّ على أن من أكل خبيصاً فيه زعفران يتصدق بدرهم ، ففي معتبرة الحسن بن هارون عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قلت له : أكلت خبيصاً فيه زعفران حتّى شبعت وأنا محرم ، قال : إذا فرغت من مناسكك وأردت الخروج من مكّة فاشتر بدرهم تمراً ثمّ تصدق به يكون كفّارة لما أكلت ، ولما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم» (١) والرواية معتبرة على بعض طرقها.

والجواب : أن ذيل الخبر شاهد على أنّه إنّما أكل الخبيص ناسياً لقوله : «يكون كفّارة لما أكلت ، ولما دخل عليك في إحرامك مما لا تعلم» ويتصدق بشي‌ء لأنّه فعل ما لا يعلم وأدخل في إحرامه ما لا يعلم بكونه ممنوعاً له ، ولا بأس بالحمل على الاستحباب في صورة الجهل أو النسيان.

وبالجملة : لا دليل على ثبوت الكفّارة في غير الأكل سوى دعوى الإجماع ولم يثبت.

وربما يستدل لثبوت الكفّارة في غير الأكل أيضاً بروايتين :

الأُولى : صحيحة معاوية بن عمار «في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان تعمد فعليه دم شاة يهريقه» (٢).

وفيه : أنّ الرواية أجنبية عن المقام ، لأنّ البنفسج ليس من الطيب وإنّما السؤال عن التدهين وهو محرم آخر سيأتي البحث عنه (٣).

الثانية : رواية علي بن جعفر المروية في قرب الاسناد عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : «لكل شي‌ء جرحت من حجك فعليه (فعليك) فيه دم يهريقه (تهريقه) حيث شئت» (٤) فإنّها تدل على أن جميع المخالفات وارتكاب تروك الإحرام

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٤٩ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥١ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٥.

(٣) في ص ٤٥٦.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٥٨ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ٥.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

يوجب الشاة ، وعموم ذلك يشمل استعمال الطيب أكلاً وشمّاً ودلكاً وإطلاءً.

والجواب أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة سنداً ، لما ذكرنا غير مرّة أن عبد الله بن الحسن وإن كان شريفاً نسباً ولكنّه لم يوثق في كتب الرجال.

وثانياً : أنّ الاستدلال بها مبني على أن تكون النسخة «جرحت» يعني ارتكاب ما لا ينبغي فعله في الحجّ من إتيان المحرمات ، ولكن النسخة مختلفة ففي بعضها «خرجت» والمعنى إذا خرجت من حجّك وأكملت الأعمال ، وكان عليه دم يجوز لك أن تذبحه وتهريقه في أيّ مكان شئت ، ولا يجب عليك أن تذبحه في مكّة أو منى ، وسيأتي إن شاء الله تعالى (١) أن كفّارة الصيد تذبح في مكّة أو منى ، وأمّا بقية الكفّارات فيذبحها أين شاء ، فالرواية ناظرة إلى مكان ذبح الكفّارة ، بل الرواية ناظرة إلى هذا المعنى حتّى على نسخة «جرحت» بالجيم ، فيكون المعنى أنّه جرحت بشي‌ء فيه دم تهريقه في أيّ مكان شئت ، وقوله : «فيه دم» تتمة للجملة الاولى ، وهي قوله : «لكل شي‌ء جرحت».

والحاصل : لا دليل على ثبوت الكفّارة في غير الأكل ، وإنّما الكفّارة بالشاة ثابتة في مورد الأكل خاصّة.

بقي الكلام فيما ربما يتوهّم من معارضة ما دلّ على وجوب الشاة في مورد الأكل بما دلّ على كفاية التصدق بشي‌ء كما في جملة من الروايات.

والجواب : أن روايات التصدق لم ترد في خصوص الأكل بل وردت في مطلق الاستعمال ، فما دلّ على وجوب الكفّارة بشاة يخصص روايات التصدق ، فالنتيجة لزوم الشاة في الأكل والتصدق بشي‌ء في غير الأكل.

هذا مضافاً إلى أن روايات التصدق غير تامّة سنداً ودلالة على سبيل منع الخلو.

منها : صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة (٢) الحاصرة بالأربعة فإنّ الظاهر من

__________________

(١) في ص ٥٢٤ ، ٥٢٧ المسألة ٢٨٣ ، ٢٨٤.

(٢) في ص ٤٠٠.

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قوله : «فمن ابتلي بشي‌ء من ذلك فليعد غسله ، وليتصدّق بقدر ما صنع» أنّه إنّما ارتكب ذلك نسياناً لا متعمداً ، لأنّ المتحصل من قوله : «ومن ابتلي» هو النسيان ، إذن المتعمد لا يطلق عليه أنّه ابتلي بشي‌ء ، فيحمل الأمر بالتصدق على الاستحباب فانّ الجاهل أو الناسي ليس عليهما شي‌ء ، على أن قوله : «فليعد غسله» مشعر بالاستحباب فان نفس غسل الإحرام مستحب في نفسه ، وكذا إعادته بعد ارتكاب المحرمات.

مضافاً إلى أنّ الترخيص اختياراً لبقية العطور غير الأربعة يلازم عدم وجوب الكفّارة عرفاً.

وبما ذكرنا يظهر الجواب عن خبر حريز الوارد في الريحان ، لظهور قوله : «فمن ابتلي بذلك فليتصدق بقدر ما صنع بقدر شبعه» (١) في صورة الجهل أو النسيان ، فانّ الابتلاء بشي‌ء إنّما يصح إطلاقه في موارد الجهل والنسيان كما ذكرنا ، فيحمل الأمر بالتصدّق على الاستحباب ، لما دلّ بالأدلّة العامة والخاصّة على عدم ثبوت شي‌ء في مورد الجهل ، مضافاً إلى ما عرفت من ضعف السند.

ومنها : معتبرة الحسن بن زياد العطّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قلت له : الأشنان فيه الطيب اغسل به يدي وأنا محرم؟ فقال : إذا أردتم الإحرام فانظروا مزاودكم فاعزلوا الّذي لا تحتاجون إليه ، وقال تصدق بشي‌ء كفّارة للأشنان الّذي غسلت به يديك» (٢) والرواية معتبرة على مسلكنا ورجالها ثقات ، حتّى معلى بن محمّد فإنّه من رجال كامل الزيارات ، والظاهر أنّها واردة في مورد الجهل أو النسيان ، فانّ الجهل أو النسيان وإن لم يصرح به في الرواية لا في السؤال ولا في الجواب ولكن يدل عليه قوله : «فانظروا مزاودكم فاعزلوا الّذي لا تحتاجون إليه» فإنّه ظاهر في مورد الابتلاء بذلك نسياناً ، وإلّا لو كان مع العمد لا فرق بين العزل وعدمه ، فأمره بالعزل لئلّا ينسى ويشتبه عليه الأمر ويستعمل الطيب نسياناً.

ومنها : ما رواه الصدوق عن الحسن بن زياد قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) :

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٤٥ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ١١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥٢ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٨.

٤٠٩

مسألة ٢٤١ : يحرم على المحرم أن يمسك على أنفه من الروائح الكريهة ، نعم لا بأس بالإسراع في المشي للتخلص من ذلك (١).

______________________________________________________

وضأني الغلام ولم أعلم بدستشان فيه طيب ، فغسلت يدي وأنا محرم ، فقال : تصدق بشي‌ء لذلك» (١) ولكن يمكن اتحادها مع الرواية الأُولى لأنّ الحسن بن زياد العطّار هو الراوي في كليهما ، وموردها الجهل وعدم العلم فيحمل التصدق على الاستحباب.

وقيل : إن كلمة «دستشان» مصحف الأشنان ، كما قيل إنّه معرب «دست شو» وكلاهما بعيد ، بل الظاهر أنّ الكلمة الفارسية بمعناها الأصلي ، أي الأيدي ، والمعنى ولم أعلم بأيديهم فيها طيب ، وفد تستعمل الكلمات الفارسية في الروايات كقوله : في روايات المكاسب «بده ودوازده» و «بده يازده» (٢).

وأمّا السند ، ففي بعض النسخ الحسين بن زياد وهو ممّن لم يوثق ، وإن كان الحسن ابن زياد ، فإن أُريد به الحسن بن زياد الصيقل فطريق الصدوق إليه صحيح عندنا ، لوجود علي بن الحسين السعدآبادي فيه وهو غير مصرح بالتوثيق ولكنّه من رجال كامل الزيارات ، إلّا أنّ الصيقل نفسه لم يوثق ، وإن أُريد به الحسن بن زياد العطّار المعروف فطريق الصدوق إليه مجهول لم يذكره في المشيخة ، وما ذكره جامع الرواة أن طريقه إليه كطريقه إلى الحسن بن زياد الصيقل (٣) سهو من قلمه ، فانّ المذكور في المشيخة الحسن بن زياد الصيقل (٤) لا العطّار.

(١) كما يجب عليه الإمساك من مطلق الروائح الطيّبة ، أو عن أُمور معينة ، يحرم عليه الإمساك على أنفه من الروائح الكريهة للنص (٥) نعم ، لا بأس بالإسراع في المشي للتخلّص ، لأنّ الممنوع إمساك الأنف لا الإسراع في المشي.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٥١ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٤ ح ٤. الفقيه ٢ : ٢٢٣ / ١٠٤٧.

(٢) الوسائل ١٨ : ٦٣ / أبواب أحكام العقود ب ١٤ ح ٣ ، ٥.

(٣) لاحظ جامع الرواة ٢ : ٥٣٣.

(٤) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٢٤.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٥٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٢٤.

٤١٠

٩ ـ لبس المخيط للرِّجال

مسألة ٢٤٢ : يحرم على المحرم أن يلبس القميص والقباء والسروال والثوب المزرور مع شد أزراره ، والدرع وهو كل ثوب يمكن أن تدخل فيه اليدان ، والأحوط الاجتناب عن كل ثوب مخيط بل الأحوط الاجتناب عن كل ثوب يكون مشابهاً للمخيط كالملبد الّذي تستعمله الرعاة ، ويستثنى من ذلك الهميان وهو ما يوضع فيه النقود للاحتفاظ بها ويشد على الظهر أو البطن ، فان لبسه جائز وإن كان من المخيط ، وكذلك لا بأس بالتحزم بالحزام المخيط الّذي يستعمله المبتلى بالفتق لمنع نزول الأمعاء في الأنثيين ، ويجوز للمحرم أن يغطي بدنه ما عدا الرأس باللحاف ونحوه من المخيط حالة الاضطجاع للنوم وغيره (١).

______________________________________________________

(١) المعروف بين الأصحاب قديماً وحديثاً حرمة لبس المخيط للرجال. بل عن التذكرة والمنتهى إجماع العلماء كافّة عليه (١) ، بل ظاهر المشهور عدم الفرق بين كون الخياطة قليلة أو كثيرة. وصرّح بعضهم كالشهيد في الدروس بأنّه لا دليل على حرمة لبس المخيط بعنوان أنّه مخيط ، قال : لم أقف إلى الآن على رواية بتحريم عين المخيط ، إنّما نهي عن أثواب خاصّة كالقميص والقباء والسراويل (٢).

والّذي يمكن أن يستدل به لحرمة المخيط بعنوانه أحد أمرين :

أحدهما : دعوى الإجماع ، ولكن الجزم به مشكل ، إذ لا يمكن دعوى الإجماع التعبّدي الكاشف لرأي المعصوم ، وعلى فرض ثبوته يؤخذ بالقدر المتيقن منه وهو الثياب العادية المخيطة كالقباء والسروال والقميص.

ثانيهما : أنّ الثياب الخمسة المذكورة في الروايات إنّما ذكرت من باب المثال ، لأنّ المتعارف خصوصاً في تلك الأزمنة لبس هذه الأُمور ، فالممنوع في الحقيقة هو مطلق

__________________

(١) التذكرة ٧ : ٢٩٥ ، المنتهي ٢ : ٧٨١ السطر ٣١.

(٢) الدروس ١ : ٤٨٥.

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

المخيط ولا خصوصية للمذكورات في النصوص.

والجواب : أن هذا بعيد جدّاً ، لأنّ الظاهر من الروايات انحصار التحريم بهذه الثياب : القميص والقباء والسروال والثوب المزرور والدرع ، بل صرح في بعض الروايات المعتبرة أن المحرم يلبس كل ثوب إلّا ثوباً يتدرعه (١).

والصحيح أن يقال : إنّ الروايات الدالّة على حرمة لبس الثياب على قسمين :

الأوّل : ما دلّ على حرمة لبس مطلق الثياب كالروايات الواردة في كيفية الإحرام الدالّة على الإحرام من النِّساء والثياب والطيب (٢) والروايات الدالّة على تجريد الصبيان من فخ إذا أحرم بهم وليهم ، والآمرة بالتجرد في إزار ورداء (٣).

وكذا يستفاد حرمة لبس مطلق الثياب مما دلّ على تعدد الكفّارة إذا لبس المحرم ضروباً من الثياب «عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها ، قال : عليه لكل صنف منها فداء» (٤) فيعلم من ذلك أن مطلق الثوب ممنوع ولكل صنف منه فداء ولو كنّا نحن وهذه الروايات لقلنا بحرمة لبس مطلق الثياب ويتم ما ذكره المشهور.

ولكن بإزاء هذا ، القسم الثاني : وهو ما دلّ على حرمة لبس ثياب خاصّة كالقميص وأنّه لا بدّ من نزعه ، وأنّه إذا لبسه بعد ما أحرم أخرجه ممّا يلي رجليه ، وإن لبسه قبل أن يلبِّي أخرجه من رأسه (٥) ، والقباء وأنّه إذا اضطر إليه يلبسه مقلوباً (٦) والسروال (٧) ، والثوب المزرور وإذا اضطرّ إلى لبسه يلبسه منكوساً (٨) ، والمدرعة أو

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٧٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٤٠ / أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٣٦ / أبواب المواقيت ب ١٨ ح ١.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٥٩ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٩ ح ١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٨٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٩ ح ٢ ، ٣.

(٦) الوسائل ١٢ : ٤٨٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٤.

(٧) الوسائل ١٢ : ٤٩٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٠.

(٨) الوسائل ١٢ : ٤٧٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٥.

٤١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الدرع وهو كل ثوب يمكن أن تدخل فيه اليدان (١) ومنه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «لقد رقعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها» (٢) والمدرع والمدرعة واحد ، هو ثوب يلبس فوق القميص وفوق الثياب وله كُمّ قد يدخل اللّابس يده فيه ، ولا يبعد صدقه على العباء المتعارف والقابوط والسترة.

وكذا لا يبعد صدق القباء على الجبة ، بل هي نوع من القباء ، بل يمكن صدق المدرعة عليها ، وكذا يلحق بالسروال التبان بالضم ، وهو سراويل صغير يستر من السرة إلى الركبة ، والكلمة فارسية معربة تنبان.

وبالجملة : المستفاد من هذه الروايات حصر المنع بهذه الثياب وبهذه العناوين الخاصّة ، خصوصاً قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة «يلبس كل ثوب إلّا ثوباً يتدرّعه» (٣) فلا بأس بلبس الثوب الّذي لم يصدق عليه هذه العناوين الخاصّة ولو كان مخيطاً ، كما إذا لبس ثوباً خاصّاً تحت ثيابه لأجل جذب العرق ولم يكن مزروراً ولم يكن له كم وإلّا لصدق عليه القميص ، فالممنوع لبس هذه العناوين الخاصّة مخيطة كانت أم لا ، فإذا لم يصدق أحد هذه العناوين على الثوب لا بأس بلبسه وإن كان مخيطاً ، خصوصاً إذا كانت الخياطة قليلة ، فالحكم بحرمة لبس المخيط على إطلاقه مبني على الاحتياط.

وأمّا غير المخيط فان صدق عليه أحد هذه العناوين فلا يجوز لبسه أيضاً كالملبّد ، أو كالمنسوج الّذي لا خياطة فيه ، وأمّا إذا لم يصدق عليه أحد العناوين المذكورة فلا مانع من لبسه ، لعدم صدق القميص أو القباء عليه ، ولعدم كونه مخيطاً على الفرض. فالمدار في التحريم بصدق أحد هذه العناوين وإن لم يكن مخيطاً.

ثمّ إنّ المراد بالثوب المزرور هل هو المزرور الفعلي الّذي شدّ أزراره أو ما كان له

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٧٣ ، ٤٧٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٥ ، ٣٦.

(٢) نهج البلاغة : ٢٢٩ ، الخطبة ١٦٠.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٧٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ٥.

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أزرار وإن لم يشده؟

يظهر ممّا دلّ على جواز لبس الطيلسان أنّ المدار بشدّ الأزرار فان لم يشده لا مانع من لبسه ، ففي صحيح الحلبي «عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور ، فقال : نعم ، وفي كتاب علي (عليه السلام) لا تلبس طيلساناً حتّى ينزع أزراره ، فحدثني أبي أنّه إنّما كره ذلك مخافة أن يزره الجاهل ، فأمّا الفقيه فلا بأس أن يلبسه» (١) والطيلسان ثوب من صوف أو سداه منه ، ملبّد أو منسوج ، وهو خال عن الخياطة والتفصيل يلبسه العلماء والمشايخ ، وهو تعريب تالشان.

والظاهر من النص جواز لبس الطيلسان اختياراً إذا لم يزره ، فلا وجه لما عن بعضهم من جواز لبسه حال الضرورة كما صرّح بالجواز حال الضرورة صاحب الوسائل في عقد الباب ، وحكى عنه التصريح بذلك صاحب الحدائق (٢) ، ولكن في الطبعة الحديثة كلمة الضرورة غير مذكورة (٣) ، والظاهر أنّه غلط مطبعي أو سهو من الناسخ.

وقد يستدل بروايات جواز لبس الطيلسان على جواز لبس الثوب إذا كانت خياطته قليلة ، لاشتمال الطيلسان على الخياطة.

وفيه : أنّ المراد بالثوب المخيط ما خيط بعض الثوب بالبعض الآخر منه في قبال الملبّد والمنسوج ، وأمّا مجرّد التصاق الزر بالثوب ولو بالخيط فلا يوجب صدق عنوان المخيط عليه ، بل جواز لبس هذا النوع من الثوب المشتمل على هذا المقدار من الخياطة ممّا تقتضيه القاعدة ، لعدم المقتضي للمنع لعدم صدق المخيط عليه فلا نحتاج في الحكم بالجواز إلى دعوى وجود المانع عن الحكم بالحرمة وهو جواز لبس الطيلسان.

والحاصل : لو قلنا بأنّ الممنوع هو لبس المخيط ، فلا ريب في جواز لبس الثوب

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٧٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٦ ح ٣.

(٢) الحدائق ١٥ : ٤٣٦.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٧٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٦.

٤١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الّذي خيط أزراره ، لعدم صدق المخيط عليه ، ولا حاجة في الحكم بجواز لبسه إلى روايات الطيلسان.

يبقى الكلام في شدّ العمامة والهميان على الظهر ، أمّا شدّ الهميان فيدل على جوازه عدّة من الروايات ، منها : معتبرة يونس قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) المحرم يشد الهميان في وسطه؟ فقال : نعم ، وما خيره بعد نفقته» (١) ونحوها غيرها والحكم متسالم عليه عند الفقهاء حتّى إذا قلنا بأنّ الممنوع هو لبس المخيط ، وأمّا إذا قلنا بعدم تمامية الإجماع على المنع من المخيط وانحصار المنع بالثياب الخاصّة ، فالجواز طبق القاعدة والرواية مؤكّدة ، وأمّا شد ما يسمى بالفتق بند فكذلك جائز ، لعدم المقتضي للمنع وعدم شمول الإجماع المدعى على منع لبس المخيط له ، فانّ المتيقن منه هو لبس الألبسة المتعارفة ، ولشمول التعليل الوارد في الهميان له بالأولوية ، لأنّه إذا جاز لبس الهميان للتحفّظ على النفقة حتّى يتمكن من أداء الحجّ فلبس الفتق بند أولى بالجواز ، لأنّه بدونه لا يتمكّن من أداء الحجّ.

وأمّا شدّ العمامة على وسطه وبطنه فقد منع عنه في بعض النصوص كما في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم يشد على بطنه العمامة ، قال : لا ، ثمّ قال : كان أبي يشد على بطنه المنطقة الّتي فيها نفقته يستوثق منها ، فإنّها من تمام حجّه» (٢) وجوّزه في بعض آخر كما في صحيح عمران الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «المحرم يشد على بطنه العمامة وإن شاء يعصبها على موضع الإزار ولا يرفعها إلى صدره» (٣) والجمع العرفي يقتضي الحكم بالكراهة.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٩٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٧ ح ٤ ، وفي صحيح يعقوب «عن المحرم يصر الدراهم في ثوبه ، قال : نعم ، ويلبس المنطقة والهميان» وفي الوسائل [٩ : ١٢٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٨ ح ١] «يصير الدراهم» وهو غلط والصحيح ما ذكرناه كما في الكافي ٤ : ٣٤٤ / ٣.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٩١ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٧ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٣٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٢ ح ١.

٤١٥

عقد الإزار

مسألة ٢٤٣ : الأحوط أن لا يعقد الإزار في عنقه بل لا يعقده مطلقاً ، ولو بعضه ببعض ، ولا يغرزه بإبرة ونحوها ، والأحوط أن لا يعقد الرداء أيضاً ، ولا بأس بغرزه بالإبرة وأمثالها (١).

______________________________________________________

وذكر صاحب الحدائق أنّه يمكن حمل البطن في صحيحة أبي بصير على الصدر جمعاً بين الخبرين ، فان ظاهر هذه الصحيحة تحريم الشد على الصدر لقوله : «ولا يرفعها إلى صدره» (١) ويظهر ذلك من صاحب الوسائل أيضاً لقوله (قدس سره) : باب أنّه يجوز للمحرم أن يشد العمامة على بطنه على كراهة ولا يرفعها إلى صدره (٢).

ولكن الظاهر أنّه لا فرق بين الشد على البطن والصدر ، وقوله (عليه السلام) : «ولا يرفعها إلى صدره» ليس جملة مستقلة بل تتمة للجملة الاولى والمعنى : إن شاء يعصبها على موضع الإزار وإن شاء أن لا يرفعها إلى صدره.

ثمّ إنّ الممنوع إنّما هو لبس مطلق المخيط ، أو لبس الثياب الخاصّة ، وأمّا افتراش المخيط والتغطئة به والتلحف به ونحو ذلك فلا بأس بذلك ، لعدم صدق اللباس وعدم صدق لبس الثياب الخاصّة على ذلك بشرط أن لا يغطّي به رأسه.

(١) يقع الكلام تارة في عقد الإزار وأُخرى في عقد الرداء ، أمّا عقد الإزار في عنقه فقد ورد النهي عنه في روايتين :

الأُولى : صحيحة سعيد الأعرج «أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يعقد إزاره في عنقه؟ قال : لا» (٣).

الثانية : صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال :

__________________

(١) الحدائق ١٥ : ٤٤١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٣٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٧٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٠٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٣ ح ١.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

«المحرم لا يصلح له أن يعقد إزاره على رقبته ، ولكن يثنيه على عنقه ولا يعقده» (١).

وقد ذكرنا غير مرّة أن طريق صاحب الوسائل إلى كتاب علي بن جعفر صحيح لأن طريقه يصل إلى طريق الشيخ وطريق الشيخ إلى الكتاب صحيح (٢). وأمّا دلالته على المنع فواضحة ، لأن نفي الصلاح ظاهر في كونه غير قابل وغير صالح للامتثال به ، وكذا رواية سعيد الأعرج ظاهرة في المنع عن عقد الإزار ، لأن سعيد الأعرج لا يسأل عن وجوب عقد الإزار حتّى يكون النفي راجعاً إلى نفي الوجوب ، إذ لا نحتمل أن مثل سعيد الأعرج يسأل عن وجوب العقد ، بل سؤاله عن الجواز فيكون النفي وارداً على الجواز ، فلا ريب أن مقتضى الصحيحتين عدم الجواز ، ولكن المشهور بين الأصحاب هو الجواز ، وقد صرّح العلّامة وغيره بجواز عقده (٣) ، ولذا يكون الحكم بالمنع عن عقد الإزار مبنياً على الاحتياط الوجوبي ، هذا بالنسبة إلى عقد الإزار في العنق كما هو المتعارف فيما إذا كان الإزار كبيراً واسعاً.

وأمّا عقد الرداء في العنق وإن لم يكن أمراً متعارفاً في نفسه فعن العلّامة والشهيد عدم الجواز (٤) والتزما بالجواز في الإزار ، ولعل الوجه في المنع توهم ذكر الرداء بدل الإزار في النص ، ولكنّه ضعيف جدّاً ، لأنّ المذكور في الصحيح هو الإزار وهو المتعارف عقده في العنق ، ويمكن بعيداً إرادة الرداء من الإزار كما هو المراد من إزار الميت ولا يراد منه المئزر ، ولكن الإزار في مقامنا مقابل الرداء والمراد به المئزر المعبر عنه بالفارسي بـ «لنگ».

وبالجملة : ما ذكره العلّامة وغيره من جواز عقد الإزار لا يساعده النص ، كما أن ما ذكروه من عدم جواز عقد الرداء لا دليل عليه.

وأمّا غرز المئزر ، فقد ورد النهي عنه في الاحتجاج (٥) ، والمشهور لم يلتزموا بالمنع ،

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٠٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٣ ح ٥.

(٢) الفهرست : ٨٧.

(٣) المنتهي ٢ : ٧٨٣ السطر ٨ ، التذكرة ٧ : ٣٠١.

(٤) التذكرة ٧ : ٣٠٠ ، الدروس ١ : ٣٤٤.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥٠٢ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٣ ح ٣ ، الاحتجاج ٢ : ٥٧٤.

٤١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والنص ضعيف السند ، فالحكم بالمنع احتياطي.

وأمّا غرز الرداء ، فان لم يكن بنحو الزرّ كالإبرة ونحوها فلا مانع منه ، لعدم الدليل على المنع ولم يقل أحد بالتحريم.

فالمتحصل : أن عقد الإزار في العنق ممنوع ، ولا أقل من كونه احتياطاً وجوبياً.

وأمّا عقده في غير العنق كغرزة بإبرة ونحوها فممنوع على الاحتياط الأولى.

وأمّا الرداء فعقده في العنق ممنوع احتياطاً ، وأمّا عقده في غير العنق وغرزه فلا إشكال فيه أبداً ، كما لا بأس بجعل المخيط غطاءً أو فراشاً ، لعدم صدق اللباس على ذلك.

تنبيه : لا يخفى أنّ الحكم بحرمة لبس المخيط مطلقاً ، أو حرمة لبس الثياب الخاصّة لا يفرق فيه بين اللبس أوّل الإحرام ، أو في أثناء إحرامه ، لأن هذا العمل مبغوض يجب عليه أن لا يفعله ، فلو نسي ولبس المخيط في الأثناء يجب عليه نزعه.

ويدلُّ عليه مضافاً إلى نفس الإطلاقات المانعة عن اللبس ، عدّة من الروايات الواردة في خصوص لبس القميص ، أو لبس ما لا ينبغي له لبسه ، وبعضها يشتمل على التفصيل بين ما إذا لبسه قبل الإحرام فينزعه من رأسه ولا يشقه ، وبين ما إذا لبسه بعد ما أحرم فيشقه وأخرجه ممّا يلي رجليه كصحاح معاوية بن عمار وصحيحة عبد الصمد (١).

ومقتضى إطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين صورة الجهل وعدمه ، يعني سواء كان جاهلاً بالحكم أم لا ، فيجب عليه النزع.

وبعض الروايات وإن وردت في مورد الجهل كصحيح عبد الصمد ولكن الحكم غير مقيّد بالجهل.

نعم ، يظهر من خبر خالد بن محمّد الأصم (٢) اختصاص الحكم بالجهل لقوله بعد ما حكم بالنزع من رأسه «إنّما جهل».

ولكن الخبر ضعيف سنداً ، لأن خالد بن الأصم مجهول ولا رواية له في الكتب

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٨٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ١ ، ٢ ، ٣ ، ٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٨٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٤.

٤١٨

مسألة ٢٤٤ : يجوز للنِّساء لبس المخيط مطلقاً عدا القفازين وهو لباس يلبس لليدين (١).

مسألة ٢٤٥ : إذا لبس المحرم متعمّداً شيئاً ممّا حرم لبسه عليه فكفارته شاة والأحوط لزوم الكفّارة عليه ولو كان لبسه للاضطرار (٢)

______________________________________________________

الأربعة سوى هذه الرواية.

(١) لا ينبغي الإشكال في اختصاص حرمة لبس المخيط أو الثياب الخاصّة بالرجال وأمّا المرأة فيجوز لها لبس الثياب المخيطة.

وتدل على ذلك عدّة من الروايات ، منها : الروايات المانعة عن لبس القفازين لها وأنّها تلبس الثياب كلّها إلّا القفازين (١) وفي بعض الروايات عطف الحرير على القفازين وهذا بحث آخر إذ قد وقع الخلاف في جواز لبس الحرير لها وعدمه ، إلّا أنّ الروايات والأصحاب أطبقوا على جواز لبس أنواع الثياب عدا القفازين.

القفاز كرمان ، شي‌ء يعمل لليدين يحشى بقطن تلبسهما المرأة للبرد (٢) وقيل إن لهما أزرار تزر على الساعدين وقد تلبسهما للزينة (٣) وفي بعض الروايات صرّح بجواز لبس القميص لها (٤) كما صرّح في بعض آخر بجواز لبس السروال لها (٥).

(٢) لو لبس المحرم المخيط أو الثياب الخاصّة الممنوعة كان عليه كفّارة دم شاة وتدل عليه الروايات ، وفي بعضها إذا لبس المحرم القميص ، وفي البعض الآخر إذا لبس ثوباً لا ينبغي له لبسه (٦) والحكم متسالم عليه عند الفقهاء.

إنّما الكلام فيما إذا لبسه اضطراراً كالبرد والمرض ، أو تقية كما إذا ترك الإحرام من

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٦٦ / أبواب الإحرام ب ٣٣.

(٢) مجمع البحرين ٤ : ٣١.

(٣) لاحظ المصباح المنير : ٥١١.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٦٦ / أبواب الإحرام ب ٣٣.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٩٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٥٠ ح ٢.

(٦) الوسائل ١٣ : ١٥٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ١ ، ٢ ، ٣.

٤١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وادي العقيق تقية من العامّة ، فهل عليه الكفّارة أم لا؟.

قد عرفت أنّ الجاهل والناسي ليس عليهما شي‌ء للروايات العامّة والخاصّة ، وأمّا المضطر فالمعروف والمشهور إلحاقه بالعالم ، بل ادعي عليه الإجماع ، فإن تمّ الإجماع فلا كلام ، ولكن الجزم به مشكل ولا يطمأن بكون الإجماع المدعى إجماعاً تعبّدياً يكشف عن قول المعصوم (عليه السلام) بل يظهر من المجمعين أنّهم استندوا إلى الروايات كصحيح ابن مسلم قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب يلبسها ، قال : عليه لكل صنف منها فداء» (١) وقد حملوا الحاجة على الاضطرار ، والفداء كما يظهر من روايات أُخر دم شاة.

وفيه : أنّ الحاجة أعم من الاضطرار ، لصدقها على الحاجة العرفية أي الغاية العقلائية وإن لم تبلغ مرتبة الاضطرار ، فالرواية مطلقة من حيث الاضطرار وعدمه وكذا صحيحة زرارة مطلقة من حيث الضرورة وعدمها لقوله : «ومن فعله متعمداً فعليه دم» (٢).

وأمّا في خصوص مورد الاضطرار فقد دلّ حديث الرفع الوارد فيه الاضطرار على رفع الأثر لو اضطرّ إلى ذلك الشي‌ء ، فمقتضى الصناعة عدم ثبوت الكفّارة في مورد الاضطرار إلى لبس المخيط كالجهل والنسيان ، ولكن حيث إنّ المشهور ذهبوا إلى الوجوب في مورد الاضطرار فيكون الحكم به مبنياً على الاحتياط.

ثمّ إن صاحب الجواهر استدلّ لهم بقوله تعالى (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) (٣) والمراد بقوله تعالى (نُسُكٍ) دم شاة كما في النص (٤) فدلّت الآية على وجوب الدم لمن كان مريضاً وهو من مصاديق الاضطرار (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٥٩ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٩ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥٨ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ٤.

(٣) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٦٥ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤.

(٥) الجواهر ٢٠ : ٤٠٤.

٤٢٠