موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

ويستثنى من ذلك موارد :

١ ما إذا نسي الطّواف في الحجّ وواقع أهله ، أو نسي شيئاً من السعي في عمرة التمتّع وجامع أهله ، أو قلم أظفاره بزعم انّه محل فأحل لاعتقاده الفراغ من السعي ، وما إذا أتى أهله بعد السعي وقبل التقصير جاهلاً بالحكم.

٢ من أمر يده على رأسه أو لحيته عبثاً فسقطت شعرة أو شعرتان.

٣ ما إذا دهن عن جهل ، ويأتي جميع ذلك في محالها.

______________________________________________________

الإتيان بالمنافي ، ولذا لم يستشكل أحد في أنّه لو اضطر أحد إلى التكلم في صلاته تبطل ، وإن كان لا يحرم عليه التكلم لحديث الرفع ، فصحّة العمل لا تثبت بالحديث.

والجواب : أن ما ذكر وإن كان وجيهاً في نفسه من حيث الكبرى ، ولكن لا مانع من إثبات الصحّة في المقام بخصوصه ، والوجه في ذلك : أنّ المستفاد من الروايات كون وجوب البدنة لفساد العمرة ، وإذا فرضنا ارتفاع الوجوب بحديث الرفع فالفساد يرتفع أيضاً ، لارتفاع اللّازم بارتفاع الملزوم. وبعبارة اخرى : الفساد المرتفع ليس هو الفساد المطلق ، بل المرتفع الفساد الّذي يوجب الكفّارة.

وبالجملة : محرمات الإحرام سواء كانت جماعاً أو غيره إنّما يترتب عليها شي‌ء في صورة العلم والعمد ، وأمّا في صورة الجهل بالحكم أو النسيان أو الخطأ فلا شي‌ء على المحرم للروايات العامة والخاصّة.

نعم ، يستثني من ذلك موارد سيأتي جميع ذلك في محالها إن شاء الله تعالى.

٣٨١

٣ ـ تقبيل النساء

مسألة ٢٢٦ : لا يجوز للمحرم تقبيل زوجته عن شهوة ، فلو قبّلها وخرج منه المني فعليه كفّارة بدنة أو جزور ، وكذلك إذا لم يخرج منه المني على الأحوط ، وأمّا إذا لم يكن التقبيل عن شهوة فكفارته شاة (١).

______________________________________________________

(١) يستفاد حرمة تقبيل الزوجة عن شهوة من الروايات الواردة في كيفية الإحرام كقوله (عليه السلام) في صحيحة معاوية بن عمار في حديث «أحرم لك شعري ولحمي ودمي وعظامي ومخي وعصبي من النِّساء والثياب والطيب» (١) فانّ المستفاد من هذه الكلمات حرمة مطلق الاستمتاع بجميع أعضائه وعدم اختصاصها بالعضو الخاص ، فجميع ما يستمتع به حرام لا خصوص الجماع المختص ببعض الأعضاء ، بل الإحرام يجري بالنسبة إلى جميع الأعضاء.

وكذا يستفاد التحريم من روايات الإحلال وأنّ المحرم إذا حلق يحل له كل شي‌ء إلّا النِّساء والطيب ، وما ورد أنّه تحرم عليه النِّساء ما لم يطف طواف النِّساء (٢) فان المستفاد من هذه النصوص أنّ الممنوع مطلق الاستمتاع بالنِّساء حتّى التقبيل ، وإنّما يحل له كل ذلك بعد الحلق وطواف النِّساء.

ويؤيّد ذلك ما ورد في النظر إلى المرأة عن شهوة على ما سيأتي ، فيعلم أن جميع أنواع الاستمتاع محرمة ، فانّ النظر أقل أفراد الاستمتاع ، فإذا حرم حرم غيره بالأولوية القطعية. ويؤكد ذلك أيضاً منع الرجل إنزال امرأته من المحمل وضمها بشهوة كما في صحيح سعيد الأعرج (٣).

وبالجملة : لا خلاف في كون المحرم ممنوعاً من جميع أنواع الاستمتاعات بالنِّساء ،

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٠٤ / أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٣٢ و ٢٣٦ / أبواب الحلق والتقصير ب ١٣ ، ١٤.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٣٦ / أبواب تروك الإحرام ب ١٣ ح ٢.

٣٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا من حيث الحكم التكليفي.

وأمّا من حيث الحكم الوضعي ووجوب الكفّارة ففي بعض الروايات أنّها بدنة كصحيحة الحلبي «قلت : فان قبّل ، قال : هذا أشد ينحر بدنة» (١) وفي بعض آخر «ومن قبّل امرأته على شهوة فأمنى فعليه جزور». كصحيحة مسمع (٢) ومن ثمّ أطلق بعضهم ولم يقيده بالامناء كالمحقق في الشرائع (٣) ، وبعض قيّد وجوب البدنة بالامناء حملاً للمطلق على المقيد ، واحتطنا احتياطاً وجوبياً في المتن في وجوب البدنة وإن لم يخرج منه المني ، وهو في محلِّه إن لم يكن أقوى ، والوجه في ذلك : أن حمل المطلق وهو رواية الحلبي على المقيّد وهو خبر مسمع وإن كان ممّا يقتضيه القاعدة ومقتضاه وجوب الجزور فيما إذا أمنى بعد التقبيل ، والبدنة والجزور شي‌ء واحد ، وإنّما سمي الجزور بدنة لسمنه وكبر جثته ، ولكن التقييد في المقام بعيد جدّاً لأمرين :

أحدهما : أن ترتب الامناء على مجرد التقبيل عن شهوة نادر جدّاً فحمل الرواية على هذه الصورة حمل على الفرد النادر.

ثانيهما : لو قيّدنا التقبيل في صحيح الحلبي بالامناء ينافي صدر الرواية ، لأن مقتضى الصدر ثبوت الكفّارة على المس بشهوة ، فقال : فيه دم شاة ثمّ سأله عن القبلة فقال : هذا أشد ينحر بدنة ومقتضاه أنّ التقبيل في نفسه أشد ، ولو حملناه على صورة الامناء فلازمه أشديته لأجل الامناء ، لا لأشدية نفس القبلة ، مع أنّ الظاهر أنّ التقبيل بنفسه أشد ، فلو كان في التقبيل وحده بدون الامناء شاة لكان حكمه متحداً مع الصدر ، مع أنّ الظاهر أنّ حكمه يختلف عن الصدر لكونه أشد في نفسه عن المس ، فالحكم بالبدنة أو جزور إن لم يكن أقوى فلا ريب في كونه أحوط.

وأمّا التقبيل بلا شهوة فعليه دم شاة كما ورد في صحيح مسمع.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣٨ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٣٨ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٣.

(٣) الشرائع ١ : ٣٤١.

٣٨٣

مسألة ٢٢٧ : إذا قبّل الرجل بعد طواف النِّساء امرأته المحرمة فالأحوط أن يكفّر بدم شاة (١).

______________________________________________________

(١) يدل على ذلك روايتان :

الاولى : ما رواه الشيخ عن زرارة في حديث «أنّه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قبّل امرأته وقد طاف طواف النِّساء ولم تطف هي ، قال : عليه دم يهريقه من عنده» (١).

الثانية : ما رواه الكليني في الصحيح عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٢) ومضمونها لا يختلف عن الاولى ، ولكن الأُولى ضعيفة بعلي بن السندي الواقع في السند ، وأمّا الثانية فهي صحيحة سنداً ولا مانع من العمل بها والإفتاء بمضمونها ، فيكون المقام نظير الرجل المحل إذا جامع زوجته المحرمة من ثبوت الكفّارة عليها ، ولكن على الرجل أن يغرمها ، وكذا المولى المحل إذا جامع أمته المحرمة إلّا أنّه مع ذلك احتطنا في المتن ولم نفت بمضمونها ، وذلك لشذوذ الرواية وإعراض الأصحاب بأجمعهم عنها ، ونحن وإن لم نر الاعراض مسقطاً للحجية ولكن ذلك في إعراض المشهور لا في الاعراض المطبق وإعراض الجميع بحيث لم يفت أحد من الأصحاب بمضمونها أصلاً فإن ذلك يوجب سقوط الرواية عن الحجية.

على أنّه لا موجب للكفارة في المقام أصلاً ، ولا يقاس بجماع المحل زوجته المحرمة ، وذلك لأنّ الجماع محرم عليهما فإذا أحل الزوج فالحرمة باقية بالنسبة إلى المرأة المحرمة ، وهذا بخلاف التقبيل فإنّ الحرمة ثابتة على الرجل المحرم فقط ، وأمّا تقبيل المرأة المحرمة زوجها فليس فيه شي‌ء ، لاختصاص النصوص المانعة بتقبيل الرجل المحرم زوجته ، والكفّارة تترتب على تقبيل الرجل المحرم ولا تثبت في تقبيل المرأة المحرمة زوجها ، فإذا خرج الرجل من الإحرام وأحل من كل شي‌ء فلا مانع له من

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٤٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٧.

(٢) الكافي ٤ : ٣٧٨ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ١٣٩ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٨ ح ٢.

٣٨٤

٤ ـ مسّ النِّساء

مسألة ٢٢٨ : لا يجوز للمحرم أن يمس زوجته عن شهوة ، فإن فعل ذلك لزمته كفّارة ، فإذا لم يكن المس عن شهوة فلا شي‌ء عليه (١).

______________________________________________________

التقبيل ، فلا بدّ من رد علم هذه الرواية إلى أهلها ، وقد عرفت أنّه لم يفت أحد فيما نعلم بمضمونها.

(١) يدل على حرمة مسّ الزوج زوجته عن شهوة ما تقدّم من الروايات الدالّة على حرمة مطلق الاستمتاع بالنِّساء وطياً وتقبيلاً ، ولمساً ونظراً بشهوة (١) ويستفاد ذلك أيضاً من عدّة روايات :

منها : صحيحة الحلبي «المحرم يضع يده على امرأته ، قال : لا بأس قلت : فينزلها من المحمل ويضمها إليه ، قال : لا بأس ، قلت : فإنّه أراد أن ينزلها من المحمل ، فلما ضمّها إليه أدركته الشهوة ، قال : ليس عليه شي‌ء إلّا أن يكون طلب ذلك» (٢).

ومنها : صحيح سعيد الأعرج «أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينزل المرأة من المحمل فيضمها إليه وهو محرم ، فقال : لا بأس إلّا أن يتعمد ، وهو أحق أن ينزلها من غيره» (٣) والضم ونحوه من مصاديق المس.

وأمّا إذا كان المس عن غير شهوة فلا يحرم ولا كفّارة عليه ، فالعبرة بالمس عن شهوة ، فإن كان عن شهوة فلا يجوز وعليه الكفّارة وإن لم يكن عن شهوة فيجوز وليس عليه الكفّارة ، ويدلُّ على كلا الحكمين صحيح مسمع أبي سيار قال : «قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : يا أبا سيار إن حال المحرم ضيقة إلى أن قال ـ : ومن مسّ

__________________

(١) تقدّمت في ص ٣٨٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٣٧ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٥.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٣٦ / أبواب تروك الإحرام ب ١٣ ح ٢.

٣٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

امرأته بيده وهو محرم على شهوة فعليه دم شاة ، ... ومن مسّ امرأته أو لازمها عن غير شهوة فلا شي‌ء عليه» (١) ومقتضى إطلاقه عدم الفرق في الفرضين بين الامناء وعدمه ، فان قوله : «ومن مسّ امرأته إلخ» يشمل ما لو تعقب ذلك الامناء أم لا.

وأمّا ما في بعض الروايات من تقييد المس بالامناء كما في صحيح معاوية بن عمار «وإن حملها أو مسّها بشهوة فأمنى أو أمذى فعليه دم» (٢) فإنّه بالمفهوم يدل على عدم ثبوت الكفّارة في صورة عدم الامناء ، فيقيد إطلاق صحيح مسمع المتقدِّم.

ففيه : ما عرفت في باب التقبيل ، من أن تقييد المس بصورة الانزال يستلزم الحمل على الفرد النادر ، فان قل ما يتفق الانزال بعد التقبيل أو مجرد المس عن شهوة فلا بدّ من رفع اليد من التقييد.

ويؤيّد ما ذكرنا ذكر الإمذاء في صحيح معاوية بن عمار ، مع أنّه لا يترتب عليه أي أثر شرعي ، فقوله (عليه السلام) : «فأمنى أو أمذى» في حكم ما إذا قال أمنى أو لم يمن ، فيكون مطابقاً لمدلول صحيح مسمع.

بل قد صرّح بالإطلاق وعدم الفرق بين الامناء وعدمه في صحيح محمّد بن مسلم قال : «إن كان حملها أو مسّها بشي‌ء من الشهوة فأمنى أو لم يمن ، أمذى أو لم يمذ فعليه دم يهريقه» (٣) فقد جعل فيه موضوع الحكم مجرد المس عن شهوة ، فالعبرة بالمس عن شهوة سواء أمنى أو لم يمن ، فلا كلام في دلالة الرواية على هذا الحكم.

وأمّا من حيث السند فقد رويت بطرق ثلاثة :

الأوّل : ما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم عن علي بن أبي حمزة عن حماد عن حريز عن محمّد بن مسلم (٤) ، وهذا الاسناد ضعيف جدّاً ، لوجود علي بن أبي حمزة البطائني فيه ، وهو الكذّاب المشهور.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٣٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٣٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١١٨.

٣٨٦

٥ ـ النظر إلى المرأة وملاعبتها

مسألة ٢٢٩ : إذا لاعب المحرم امرأته حتّى يمني لزمته كفّارة بدنة (١) ،

______________________________________________________

الثاني : ما رواه الصدوق عن محمّد بن مسلم (١) وهو أيضاً ضعيف ، لوجود علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه في الطريق ، وهما لم يوثقا.

الثالث : ما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم عن عبد الرّحمن عن علاء عن محمّد ابن مسلم (٢) ، وهذا الطريق صحيح ورجاله ثقات ، وأمّا عبد الرّحمن فهو مردّد بين عبد الرّحمن بن سيابة وعبد الرّحمن بن أبي نجران ، والظاهر أنّه عبد الرّحمن بن أبي نجران لرواية موسى بن القاسم عنه ورواية عبد الرّحمن عن علاء ، وأمّا عبد الرّحمن بن سيابة وإن يروي عنه موسى بن القاسم ، ولكن هو لا يروي عن علاء.

فتحصل : أنّ العبرة بالمس عن شهوة أمنى أو لم يمن.

وأمّا إذا كان المس من غير شهوة فلا شي‌ء عليه وإن أمنى ، ويدلُّ على ذلك صحيح معاوية بن عمار المتقدِّم «وإن حملها من غير شهوة فأمنى أو أمذى وهو محرم فلا شي‌ء عليه» (٣) وصحيح محمّد بن مسلم المتقدِّم «فان حملها أو مسّها لغير شهوة فأمنى أو أمذى فليس عليه شي‌ء» (٤).

(١) من لاعب امرأته وأمنى يجب عليه مثل ما على المجامع من الكفّارة ، لصحيح ابن الحجاج قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتّى يمني من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال : عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما على الّذي يجامع» (٥) وقد تقدّم أن كفّارة الجماع بدنة مع اليسر

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢١٤ / ٩٧٢.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٢٦ / ١١٢٠.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٣٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ١.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٣٧ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٦.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٣١ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٤ ح ١.

٣٨٧

وإذا نظر إلى امرأة أجنبية عن شهوة أو غير شهوة فأمنى وجبت عليه الكفّارة وهي بدنة أو جزور على الموسر ، وبقرة على المتوسط ، وشاة على الفقير ، وأمّا إذا نظر إليها ولو عن شهوة ولم يمن ، فهو وإن كان مرتكباً لمحرم إلّا أنّه لا كفّارة عليه (١).

______________________________________________________

ومع العجز عنها شاة كما في صحيح ابن جعفر (١) ولكن لم نتعرض لهذا التفصيل في المتن ، لأن غرضنا كان إثبات كفّارة بدنة عليه في الجملة ولم نذكر فرض العجز عنها ، كما أنّ الفقهاء أيضاً صنعوا كذلك ، ومنهم المحقق في الشرائع فإنّه (قدس سره) ذكر : وكذا أي يجب عليه الجزور لو أمنى عن ملاعبة (٢) ، ولم يتعرض لفرض العجز عن البدنة.

(١) النظر قد يكون إلى الأجنبية وقد يكون إلى الزوجة ، والنظر إلى الأجنبية قد يترتب عليه الامناء وقد لا يترتب عليه ، وقد يكون النظر إلى كل منهما عن شهوة أو عن غير شهوة.

أمّا النظر إلى الأجنبية فالعبرة بالنظر الّذي يكون سبباً للإمناء ، فإذن لا فرق بين ما إذا كان عن شهوة أو غير شهوة ، والكفّارة مخيرة بين جزور وبقرة ، فان لم يجد فشاة كما هو الظاهر من صحيح زرارة «عن رجل محرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : عليه جزور أو بقرة ، فان لم يجد فشاة» (٣) ولكن في معتبرة أبي بصير ورد فيها الترتيب ، قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل محرم نظر إلى ساق امرأة فأمنى ، فقال : إن كان موسراً فعليه بدنة ، وإن كان وسطاً فعليه بقرة ، وإن كان فقيراً فعليه شاة ، ثمّ قال : أمّا إنّي لم أجعل عليه هذا لأنّه أمنى ، إنّما جعلته عليه لأنّه نظر إلى ما لا يحلّ له» (٤) فتكون مقيّدة بصحيحة زرارة المتقدِّمة ، ونرفع اليد عن ظهور صحيحة

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٦.

(٢) الشرائع ١ : ٣٤١.

(٣) ٤) الوسائل ١٣ : ١٣٣ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٦ ح ١ و ٢.

٣٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

زرارة في التخيير بصراحة هذه في الترتيب.

وأيضاً ورد في حسنة معاوية بن عمار «في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : عليه دم لأنّه نظر إلى غير ما يحل له» (١) فإن إطلاق الأمر بالدم يقيد بما في معتبرة أبي بصير ، فالنتيجة هي الترتيب كما في المتن استناداً إلى رواية أبي بصير ، وأمّا تشخيص كون المحرم موسراً أو وسط الحال أو كونه فقيراً فهو موكول إلى العرف.

ثمّ إنّ المذكور في الرواية المتقدِّمة إنّما جعل الكفّارة عليه للنظر المحرّم لا للإمناء والظاهر أن مرادهم (عليهم السلام) أنّ الحكم بالكفّارة لم يجعل لمجرد الامناء بل للإمناء المترتب على النظر المحرم ، فموضوع الحكم بوجوب الكفّارة النظر المنتهى إلى الامناء ، لا الامناء فقط ولو كان خالياً عن النظر المحرم ولا النظر المحرم وحده.

وبالجملة : ليس معنى الرواية أن مجرد ارتكاب الحرام يوجب الكفّارة ، بل معناها : أنّ النظر المحرم المترتب عليه الامناء يوجب الكفّارة ، ويدلُّ على ما ذكرنا صحيحة معاوية بن عمار «في محرم نظر إلى غير أهله فأنزل ، قال : عليه دم ، لأنّه نظر إلى غير ما يحل له ، وإن لم يكن أنزل فليتق الله ولا يعد ، وليس عليه شي‌ء» (٢) فإنّها تدل صريحاً على أنّ النظر المحرم المجرّد عن الامناء لا يوجب عليه شيئاً أي كفّارة وإن ارتكب أمراً محرماً لقوله (عليه السلام) «فليتق الله ولا يعد».

ثمّ إنّه ربّما يقال بأن هذه الرواية لم تكن عن الامام (عليه السلام) بل ولا هي مضمرة ، وإنّما هي رواية عن نفس معاوية بن عمار فلا تصلح للحجية.

وفيه ما لا يخفى : فانّ المطمأن به أن هذه الرواية من تتمات رواية معاوية بن عمار الأُخرى الّتي ذكر فيها حكم النظر إلى الزوجة ، فإنّهما بسند واحد وهو من التعليق على السند الأوّل ، والتقطيع إنّما صدر من الكليني وذكرهما في باب واحد (٣) ، وقد

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٣٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٦ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٥ / ١ ، ٣٧٧ / ٨ ، الوسائل ١٣ : ١٣٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ١.

٣٨٩

مسألة ٢٣٠ : إذا نظر المحرم إلى زوجته عن شهوة فأمنى وجبت عليه الكفّارة وهي بدنة أو جزور ، وأمّا إذا نظر إليها بشهوة ولم يمن ، أو نظر إليها بغير شهوة فأمنى فلا كفّارة عليه (١).

______________________________________________________

التزم الكليني في خطبة الكتاب أن لا يروي في الأحكام والسنن إلّا عن الصادقين (عليهم السلام) فكيف يروي عن معاوية بن عمار رأيه وقوله مع التزامه في الكتاب أن لا يروي إلّا عن الأئمة (عليهم السلام).

(١) النظر إلى الزوجة إذا لم يكن عن شهوة ولم يكن موجباً لخروج المني فلا إشكال فيه أصلاً ، وقد دلّت عليه النصوص الدالّة على جواز ضمّها وإنزالها من المحمل ونحو ذلك (١) ، وكذا يدل عليه صحيح الحلبي (٢).

وأمّا إذا كان عن شهوة فأمنى فلا ريب في الحرمة وثبوت الكفّارة عليه ، ويدلُّ على الحرمة ما دلّ من النصوص على حرمة جميع الاستمتاعات بالنِّساء كقوله (عليه السلام) : «أحرم لك شعري وبشري ولحمي ودمي من النِّساء والثياب ... (٣) إلى آخر الدُّعاء» فانّ المستفاد من هذه العبارة حرمة مطلق الاستمتاع بالزوجة. ويدلُّ عليها أيضاً ملازمة ثبوت الكفّارة للحرام في خصوص المقام ، فإنّه وإن لم نقل بالملازمة بين الأمرين في غير هذا المقام ولكن لا بدّ من الالتزام بها في خصوص المقام ، وذلك لأنّ الكفّارة في المقام ثابتة وهي جزور كما في صحيحة مسمع (٤) وبدنة كما في صحيحة معاوية بن عمار (٥) وهما شي‌ء واحد على ما عرفت ، والمستفاد من صحيحة أبي بصير المتقدِّمة (٦) أنّ الحكم بالكفّارة إنّما جعل لأجل ارتكاب الحرام وهو النظر إلى ما لا

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٣ ، ٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٣٦ / أبواب تروك الإحرام ب ١٣ ح ١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٠٩ / أبواب الإحرام ب ٥٢ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٣٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٣.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٣٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ١.

(٦) في ص ٣٨٨.

٣٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

يحل له ، فيستكشف من ذلك أنّ النظر عن شهوة مع الامناء محرم شرعاً.

وأمّا إذا نظر إليها بشهوة ولم يمن فمحرّم شرعاً أيضاً ، لما دلّ على حرمة مطلق الاستمتاع بالنِّساء ، ولكن لا كفّارة عليه لمفهوم قوله : في صحيحة أبي سيار «ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى ، عليه جزور» (١) ومفهومه من نظر إليها بشهوة ولم يمن فليس عليه جزور ، وكذلك يدل على ذلك مفهوم ذيل صحيح معاوية بن عمار «في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتّى ينزل ، قال : عليه بدنة» (٢) فانّ المفهوم من ذلك إن لم ينزل ليس عليه شي‌ء.

وأمّا عدم ثبوت الكفّارة في مورد النظر عن غير شهوة فيدل عليه صدر صحيح معاوية بن عمار «عن محرم نظر إلى امرأته فأمنى أو أمذى وهو محرم ، قال : لا شي‌ء عليه ولكن ليغتسل ويستغفر ربّه» وقد حمله الشيخ على صورة عدم الشهوة (٣) وهو الصحيح وإلّا لكان منافياً للذيل «في المحرم ينظر إلى امرأته أو ينزلها بشهوة حتّى ينزل ، قال : عليه بدنة» فمدلول صدر الصحيحة أن من نظر إلى امرأته بلا شهوة ليس عليه شي‌ء وإن سبقه المني بلا اختيار ، ومدلول الذيل أن من نظر إليها بشهوة عليه بدنة ، فالذيل قرينة قطعية على أنّ المراد بالصدر النظر إلى الزوجة بلا شهوة ، ويستفاد عدم ثبوت الكفّارة للنظر بلا شهوة من مفهوم قوله : «ومن نظر إلى امرأته نظر شهوة فأمنى فعليه جزور» كما في صحيحة أبي سيار.

فتحصل : أنّ النظر إذا كان عن شهوة واستعقب المني فمحرم شرعاً وعليه الكفّارة ، وإن كان النظر عن شهوة بلا أمناء فمحرم شرعاً ولا كفّارة عليه ، وإن لم يكن عن شهوة وأمنى بلا اختيار فجائز ولا كفّارة عليه أيضاً.

وربّما يقال بأن قوله : «ويستغفر ربّه» كما في صحيح معاوية بن عمار يدل على

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٣٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٥.

٣٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

حرمة النظر وإن لم يكن عن شهوة ، لأنّ الاستغفار ظاهر في ارتكاب المعصية وإلّا فلا مورد للاستغفار.

وفيه : ما يظهر من استعمال الاستغفار في القرآن والروايات والأدعية المأثورة عن الأئمة (عليهم السلام) عدم اعتبار ارتكاب الذنب في الاستغفار ، بل يصح الاستغفار في كل مورد فيه حزازة ومرجوحية وإن لم تبلغ مرتبة الذنب والمعصية ولو بالإضافة إلى صدور ذلك من الأنبياء والأئمة ، فإنّهم ربّما يرون الاشتغال بالمباحات والأُمور الدنيوية منقصة ويعدونه خطيئة ، وقد ورد الاستغفار في كثير من الآيات الكريمة في موارد لا يمكن فيها ارتكاب المعصية ، كقوله تعالى مخاطباً لنبيّه (صلّى الله عليه وآله» (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) (١) وقوله تعالى (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) (٢) وقول نوح (رَبِّ اغْفِرْ لِي) (٣) وكذلك قول سليمان (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً) (٤).

وبالجملة : المستفاد من الاستغفار الوارد في الكتاب العزيز والروايات الشريفة والأدعية المأثورة عدم لزوم ارتكاب الذنب في مورد الاستغفار ، بل قد يتعلق بالذنب وقد يتعلق بغيره ممّا فيه حزازة ومرجوحية بل قد ورد الأمر بالاستغفار في مورد النسيان الّذي لا يكون ذنباً كصحيح زرارة المروي في باب ٤ من أبواب بقية كفارات الإحرام ح ١ (٥).

ثمّ إن صاحب الوسائل ذكر في عنوان الباب السابع عشر من كفارات الاستمتاع ثبوت الكفّارة في النظر بشهوة إلى زوجته فأمنى أو لم يمن (٦) ، وقد عرفت أنّه لا دليل

__________________

(١) النصر ١١٠ : ٣.

(٢) ص ٣٨ : ٢٤.

(٣) نوح ٧١ : ٣٨.

(٤) ص ٣٨ : ٣٥.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٥٠ / أبواب بقية الكفّارات ب ٤ ح ١.

(٦) الوسائل ١٣ : ١٣٥ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٧.

٣٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

على ثبوت الكفّارة في صورة النظر بشهوة ولا أمناء ، وإنّما تترتب الكفّارة على المس بشهوة أمنى أو لم يمن ، فإلحاق النظر بالمس ممّا لا وجه له أصلاً.

فتلخص : أن مقتضى صحيح معاوية بن عمار وصحيح أبي سيار ثبوت الكفّارة وهي بدنة أو جزور على من نظر إلى زوجته بشهوة فأمنى ، وبإزائهما موثق إسحاق ابن عمار الدال على أنّه ليس عليه شي‌ء «في محرم نظر إلى امرأته بشهوة فأمنى ، قال : ليس عليه شي‌ء» (١) وقد حمله الشيخ على السهو ونسيان الإحرام دون العمد (٢) ولكنّه بعيد ، لأنّ الظاهر أنّ السؤال عن المحرم بما هو محرم وملتفت إلى إحرامه لا ذات المحرم وشخصه.

وذكر في الجواهر أنّ الموثق لا يقاوم ما دلّ على ثبوت الكفّارة من وجوه (٣) ، ولم نعرف الوجوه الّتي كانت في نظره الشريف.

والصحيح أن يقال : إنّ الموثقة مهجورة ومتروكة عند جميع الأصحاب ، وقد تسالموا على عدم العمل بها ، ولا ريب أن ذلك يسقط الرواية عن الحجية وإن لم نلتزم ذلك في إعراض المشهور.

والّذي أطمئن به شخصياً صدور هذه الموثقة تقية ، ولم أر من تنبه لذلك ، والوجه في ذلك أنّه يظهر من ابن قدامة في المغني عند تعرّضه لهذه المسألة شهرة القول بعدم الكفّارة عند فقهاء العامة ، حيث ينسب القول بثبوت الكفّارة إلى ابن عباس فقط ونسب القول بالعدم إلى الأحناف والشافعية (٤) ، ولم يتعرض لآراء بقيّة الفقهاء فيكشف ذلك شهرة القول بالعدم عند العامة ، فالرواية صادرة تقية ، ولا أقل من أن هذا القول يشبه فتاواهم فتسقط الرواية عن الحجية.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣٨ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٧ ح ٧.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٢٧.

(٣) الجواهر ٢٠ : ٣٨٨.

(٤) المغني ٣ : ٣٢٩ ٣٣٠.

٣٩٣

مسألة ٢٣١ : يجوز استمتاع المحرم من زوجته في غير ما ذكر على الأظهر ، إلّا أنّ الأحوط ترك الاستمتاع منها مطلقاً (١).

٦ ـ الاستمناء

مسألة ٢٣٢ : إذا عبث المحرم بذكره فأمنى فحكمه حكم الجماع ، وعليه فلو وقع ذلك في إحرام الحجّ قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت الكفّارة ، ولزم إتمامه وإعادته في العام القادم ، كما أنّه لو فعل ذلك في عمرته المفردة قبل الفراغ من السعي بطلت عمرته ولزمه الإتمام والإعادة على ما تقدّم ، وكفّارة الاستمناء كفّارة الجماع ، ولو استمنى بغير ذلك كالنظر والخيال وما شاكل ذلك فأمنى لزمته الكفّارة ، ولا تجب إعادة حجه ولا تفسد عمرته على الأظهر ، وإن كان الاولى رعاية الاحتياط (٢).

______________________________________________________

(١) إنّ المذكور في الروايات المانعة عن الاستمتاع بالزوجة النظر بشهوة والملاعبة والمسّ والتقبيل ، وفي بعضها وجبت الكفّارة ولو كان عن غير أمناء ، وفي بعضها الكفّارة إذا كان مع الامناء كالنظر فالمحرّم شرعاً هذه الاستمتاعات ، وأمّا غير ذلك من الاستمتاعات كالاستلذاذ بصوتها أو من مجالستها والتكلم معها فالظاهر عدم الحرمة ، فإنّه وإن قلنا بحرمة الاستمتاع من النِّساء على الإطلاق إلّا أنّه منصرف إلى المذكور في الروايات ، والاستمتاع بالصوت ونحوه خارج عن تلك الأدلّة.

ويؤكد ما ذكرنا : أن بقية الاستمتاعات كانت أمراً متعارفاً عند الناس ، ومع ذلك لم يسألوا عنها الإمام (عليه السلام) ومن الواضح أن حرمة الاستمتاع بالصوت لم تكن أمراً واضحاً بحيث لا يحتاج إلى السؤال ولم يكن أوضح من التقبيل والنظر.

وبالجملة : عدم السؤال عن حكم بقية الاستمتاعات المتعارفة يكشف عن جوازها وإلّا لوقع السؤال عنها كما سألوا عن المذكورات في النصوص.

(٢) لا ريب في أنّ الاستمناء يوجب الكفّارة حتّى لو قلنا بأنّ الاستمناء جائز في

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

نفسه ، وكفّارة الاستمناء كفّارة الجماع.

يدل عليه صحيح عبد الرّحمن المتقدِّم (١) «عن الرجل يعبث بأهله وهو محرم حتّى يمني من غير جماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان ماذا عليهما؟ قال : عليهما جميعاً الكفّارة مثل ما على الّذي يجامع» (٢).

فانّ المستفاد منه أنّ الإمناء الاختياري موجب للكفارة ، وأن كفارته مثل ما على المجامع في باب الحجّ والصوم ، لا لخصوصية الملاعبة ، وإنّما ذكر خصوص الملاعبة من باب المثال وأنّها من أسباب خروج المني ، فإنّ الظاهر أنّ السؤال والجواب ناظران إلى جهة الامناء لا إلى نفس الملاعبة ، كما هو الحال في الصحيحة الواردة في كتاب الصوم «عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتّى يمني ، قال : عليه من الكفّارة مثل ما على الّذي يجامع» (٣). فانّ المستفاد منه أنّ الاستمناء مفطر وموجب للكفارة ولا خصوصية للعبث بأهله ، ولذا ذهب الفقهاء إلى أنّ الاستمناء في نفسه مفطر وممّا يوجب الكفّارة.

وبالجملة : المستفاد من الصحيحين أنّ الإمناء مما يترتب عليه الحكم بالكفّارة في باب الصوم والحجّ ولا خصوصية للملاعبة الموجبة للإمناء ، ونظير ذلك ما ذكرناه (٤) في ميراث المتوارثين إذا ماتا ولم يعلم السابق واللّاحق ، فانّ النصوص وإن وردت في الغرقى والمهدوم عليه (٥) ولكن الحكم بالتوارث بينهما لا يختص بالغرقى والمهدوم عليه ، بل يجري في كل مورد لم يعلم السابق واللّاحق منهما ولو ماتا بسبب غير الغرق والهدم كالقتل في معركة القتال واصطدام السيارة وسقوط الطائرة ونحو ذلك ، لعموم التعليل الوارد في النصوص وأنّ الميزان عدم العلم بسبق موت أحدهما على الآخر

__________________

(١) في ص ٣٨٧.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٣١ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٤ ح ١.

(٣) الوسائل ١٠ : ٣٩ / أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٤ ح ١.

(٤) في منهاج الصالحين ٢ : ٣٨١.

(٥) الوسائل ٢٦ : ٣٠٧ / أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم ، ب ١.

٣٩٥

٧ ـ عقد النِّكاح

مسألة ٢٣٣ : يحرم على المحرم التزويج لنفسه أو لغيره ، سواء أكان ذلك الغير محرماً أم كان محلّا ، وسواء كان التزويج تزويج دوام أم كان تزويج انقطاع ويفسد العقد في جميع هذه الصور (١).

______________________________________________________

فانّ الظاهر أنّ السؤال ناظر إلى هذه الجهة ولا خصوصية للغرق والهدم.

فالمتفاهم من النص أنّ الميزان في الحكم بالكفّارة هو طلب الإمناء بأيّ نحو ومن أيّ سبب كان ولو بالنظر والتفكر والخيال وما شاكل ذلك ، نعم لو طلب الامناء بالعبث بيده عليه كفّارة المجامع والحجّ من قابل كما في النص (١).

(١) لا خلاف بين الأصحاب في حرمة تزويج المحرم لنفسه أو لغيره محلا كان الغير أو محرماً ، كما لا خلاف في فساده ، ويدلُّ عليه النصوص ، أظهرها صحيح ابن سنان «ليس للمحرم أن يتزوج ولا يزوج ، وإن تزوج أو زوج محلا فتزويجه باطل» (٢) من دون فرق بين التزويج الدائم أو المنقطع ، لصدق التزويج على كليهما ، كما لا فرق في الحكم بالبطلان بين العلم والجهل ، كما إذا جهل بطلان العقد حال الإحرام أو نسي إحرامه ، لإطلاق النص.

ثمّ إنّ الصحيحة المتقدِّمة الّتي ذكرناها إنّما هي على طبق ما نقله في الوسائل من العطف بالواو في قوله : «وإن تزوج ...» فحينئذ يحتمل أن يكون تأكيداً لما قبله فتكون الرواية صدراً وذيلاً دالّة على الحكم الوضعي أي الفساد ، فلا دلالة في الصحيحة على تحريم التزويج ، إلّا أن نسخة الوسائل غلط جزماً ، فإنّ الجملة الثانية معطوفة على الجملة الأُولى بالفاء قال : «فان تزوج» كما في التهذيب في الطبعة القديمة والجديدة (٣)

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٣٦ / أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٢٨ / ١١٢٨.

٣٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي الفقيه (١) وفي الاستبصار (٢) فتكون دلالة الصحيحة على التحريم أظهر من العطف بالواو ، لأنّ العطف بالواو وإن يحتمل فيه التأكيد ، وأمّا العطف بالفاء كما في الكتب الثلاثة فلا يمكن فيه التأكيد ، لأنّ الظاهر من الفاء هو التفريع ولا معنى للتفريع على نفسه ، فإذا أُريد من الجملة الأُولى أي قوله : «ليس للمحرم» البطلان فلا معنى لقوله ثانياً «وإن زوج فتزويجه باطل». بل الصحيح أنّ المراد بقوله : «ليس للمحرم» هو التحريم ثمّ فرّع عليه «فان تزوج فباطل» نظير تفريع بطلان النكاح بالمحرمات على حرمة النكاح بهنّ.

وإذا وكّل أحداً في التزويج فزوّجه الوكيل حال الإحرام بطل ، لأن فعل الوكيل فعل الموكّل نفسه ، نعم لو زوّجه بعد الخروج من الإحرام فلا إشكال فيه ، لأنّ الممنوع التزويج حال الإحرام لا التوكيل في حال الإحرام ، ولو انعكس الأمر بأن وكّله في حال الحلال وزوّجه في حال الإحرام بطل ، لأن فعل الوكيل فعل نفس الموكّل فكأنّ الموكّل بنفسه تزوج في حال الإحرام.

ولو عقد له فضولي وأجاز الزوج حال الإحرام بطل ، لأنّ التزويج يستند إليه بالإجازة حال الإحرام ، ولو أجاز بعد الإحرام فلا مانع من صحّة التزويج ، أمّا على النقل فالأمر واضح ، لأنّ الزوجية تحصل بعد الإحرام ، ومجرد الإنشاء الصادر من الفضولي حال إحرام المعقود له غير ضائر ، لعدم شمول أدلّة المنع له ، لعدم صدق التزويج عليه ، بل إنشاء للتزويج ، وكذا على الكشف المختار ، لأنّ التقدم للمتعلق وإلّا فنفس الزوجية حاصلة حال الإجازة وبعد الإحرام فإنّه من الآن يتزوج وإن كانت الزوجية تحصل من السابق ، ولو انعكس الأمر بأن عقد له الفضولي حال إحلال المعقود له ولكنّه أجازه بعد الدخول في الإحرام يفسد على كل تقدير ، أمّا على النقل فواضح ، وأمّا على الكشف فكذلك ، لأنّ الحكم بالتزويج وحصول الزوجية من زمان الإجازة الواقعة في حال الإحرام وإن كان المتعلق سابقاً.

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٣٠ / ١٠٩٦.

(٢) الاستبصار ٢ : ١٩٣ / ٦٤٧.

٣٩٧

مسألة ٢٣٤ : لو عقد المحرم أو عقد المحل للمحرم امرأة ودخل الزوج بها وكان العاقد والزوج عالمين بتحريم العقد في هذا الحال فعلى كل منهما كفّارة بدنة ، وكذلك على المرأة إن كانت عالمة بالحال (١).

مسألة ٢٣٥ : المشهور حرمة حضور المحرم مجلس العقد والشهادة عليه ، وهو الأحوط ، وذهب بعضهم إلى حرمة أداء الشهادة على العقد السابق أيضاً ، ولكن دليله غير ظاهر (٢).

______________________________________________________

وأمّا حصول الحرمة الأبدية فقد تعرضنا له مفصّلاً في كتاب النكاح في فصل المحرّمات الأبدية (١).

(١) ولو كانت محلة ، ويدل على جميع ما ذكر في المتن معتبرة سماعة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا ينبغي للرجل الحلال أن يزوّج محرماً وهو يعلم أنّه لا يحل له ، قلت : فان فعل فدخل بها المحرم ، فقال : إن كانا عالمين فان على كل واحد منهما بدنة ، وعلى المرأة إن كانت محرمة بدنة ، وإن لم تكن محرمة فلا شي‌ء عليها ، إلّا أن تكون هي قد علمت أنّ الّذي تزوّجها محرم ، فان كانت علمت ثمّ تزوّجت فعليها بدنة» (٢) وموردها وإن كان عقد المحل للمحرم ، ولكن لا نحتمل اختصاص الحكم بالمحل ، بل ذكره من باب ذكر أخفى الأفراد ، فمعنى الرواية أن تزويج المحرم محرّم شرعاً حتّى إذا كان العاقد محلا.

(٢) الشهادة قد يراد بها الشهادة في مقام التحمل الّتي دلّ عليه قوله تعالى (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) (٣) وقد يراد بها الشهادة في مقام الأداء كما أُشير إليها في قول الله عزّ وجلّ (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (٤) ثمّ إنّ العرف السائد في ذلك

__________________

(١) شرح العروة الوثقى ٣٢ : ٢٤٤.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٣٨ / أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ١٠.

(٣) البقرة ٢ : ٢٨٢.

(٤) البقرة ٢ : ٢٨٣.

٣٩٨

مسألة ٢٣٦ : الأحوط أن لا يتعرّض المحرم لِخطبة النِّساء ، نعم لا بأس بالرجوع إلى المطلّقة الرجعية ، وبشراء الإماء ، وإن كان شراؤها بقصد الاستمتاع ، والأحوط أن لا يقصد بشرائه الاستمتاع حال الإحرام ، والأظهر جواز تحليل أمته وكذا قبوله التحليل (١).

______________________________________________________

الوقت كان على إقامة الشهادة عند التزويج ، بل العامّة يرون اعتبارها ، وقد ورد في مرسلتين المنع عن حضور المحرم مجلس العقد وعدم تحمله له ، ففي إحدى المرسلتين قال «المحرم لا ينكح ولا ينكح ولا يشهد» (١) وفي مرسلة أُخرى «في المحرم يشهد على نكاح محلين ، قال : لا يشهد» (٢).

وبما أنّهما مرسلتان لا يمكن الاستناد إليهما وإن ادعي الاتفاق على هذا الحكم ، ولذا كان المنع عن حضور المحرم مجلس العقد وتحمله له مبنياً على الاحتياط.

وأمّا أداء الشهادة في حال الإحرام على العقد السابق فلم يرد دليل على المنع ، بل قد يجب لاحقاق الحق ودفع الظلم ، وأداء الشهادة غير داخل في المرسلتين المتقدمتين ، فتحمّل الشهادة أي الحضور في مجلس العقد ممنوع احتياطاً للمرسلتين وأمّا أداء الشهادة فلا تشمله المرسلتان.

(١) حرمة الخِطبة لا دليل عليها إلّا المرسل المتقدِّم على نسخة الكافي فإنّه زاد : «ولا يخطب» (٣) وأمّا الرجوع إلى المطلقة الرجعية فلا بأس به ، لعدم صدق التزويج عليه ، وإنّما هو رجوع إلى الزوجية السابقة سواء كان الرجوع لرجوع الزوجة إلى ما بذلت في الطلاق الخلعي أو كان الرجوع ثابتاً في نفسه ، بل ذكرنا مراراً أنّ المطلّقة الرجعية زوجة حقيقة ولم تحصل البينونة إلّا بعد انقضاء العدّة ، وإنّما إنشاء الطلاق يؤثر في البينونة بعد انقضاء العدّة.

وأمّا شراء الإماء ولو بقصد الاستمتاع فلا دليل على المنع ، مضافاً إلى الروايات

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٣٨ / أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ٧.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٣٨ / أبواب تروك الإحرام ب ١٤ ح ٥.

(٣) الكافي ٤ : ٣٧٢ / ١.

٣٩٩

٨ ـ استعمال الطِّيب

مسألة ٢٣٧ : يحرم على المحرم استعمال الزعفران والعود والمسك والورس والعنبر بالشم والدلك والأكل ، وكذلك لبس ما يكون عليه أثر منها ، والأحوط الاجتناب عن كل طيب (١).

______________________________________________________

الدالّة على الجواز (١) والأحوط أن لا يقصد بشرائه الاستمتاع حال الإحرام ، بل يشتريها بقصد الخدمة أو التجارة ونحو ذلك.

وكذا لا دليل على حرمة تحليل أمته ولا قبوله التحليل ، لعدم صدق التزويج على كل ذلك.

(١) لا إشكال ولا خلاف بين المسلمين في حرمة استعمال الطيب في الجملة ، والنصوص متظافرة بل متواترة ، إنّما الكلام في أمرين :

الأوّل : في جنس الطيب ، وأنّ المنع هل يختص ببعض أفراد الطيب أو يعم كل ما صدق عليه الطيب وهو كل جسم عدّ للانتفاع برائحته الطيّبة سواء بشمِّه أو الأكل أو وضعه على الثوب والجسد ونحو ذلك؟

لا ريب أن مقتضى إطلاق جملة من الروايات هو المنع عن استعمال مطلق ما صدق عليه الطيب ، فيشمل المنع حتّى العطور الدارجة في هذه الأزمنة.

وبإزائها ما خصّ المنع بأُمور أربعة أو خمسة ، كصحيح معاوية بن عمار ، فإنّه قد صرّح في ذيله بأنّ الممنوع إنّما هو أربعة أشياء ، وأمّا بقية أفراد الطيب فغير محرّم وإنّما هو مكروه ، قال (عليه السلام) «وإنّما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء : المسك والعنبر والورس (٢) والزعفران ، غير أنّه يكره للمحرم الأدهان الطيّبة إلّا المضطر ...» (٣).

وفي معتبرة عبد الغفار قال «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : الطيب : المسك

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٤١ / أبواب تروك الإحرام ب ١٦.

(٢) الورس نبات كالسمسم ليس إلّا باليمن يشبه سحيق الزعفران. القاموس المحيط ٢ : ٢٥٧.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٤٤ / أبواب تروك الإحرام ب ١٨ ح ٨.

٤٠٠