موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

ولم يرد هذا التفصيل في شي‌ء من الروايات بالنسبة إلى عمرة المتعة ، بل الوارد فيها الجزور والشاة على الإطلاق ، ففي معتبرة معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصر ، قال : ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه» (١).

وفي معتبرة اخرى عن ابن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قلت : متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصر؟ فقال : عليه دم شاة» (٢) وفي معتبرة اخرى : «إن عليه جزور أو بقرة» (٣).

ومقتضى القاعدة من حيث الجمع بين الأخبار هو التخيير ، ولكن الأحوط ما ذكرناه في المتن تحفظاً على عدم مخالفة المشهور ، وسند الخبرين معتبر ، لأنّ المراد من علي الواقع في السند هو علي بن الحسن الطاطري بقرينة روايته عن محمّد بن أبي حمزة ودرست ، إذ لا يروي عنهما من يسمى بعلي سوى علي بن الحسن الطاطري.

وبالجملة فالترتيب الّذي ذكره المشهور لم يثبت ، فالصحيح هو التخيير.

وأمّا الثاني : فالمشهور والمعروف بين الأصحاب وجوب الكفّارة عليه كما تقدّم ، وفساد عمرته أيضاً وإعادة حجه في العام القابل.

ويظهر من الجواهر التأمل في الفساد كما يظهر منه عدم تحقق الإجماع في المقام (٤).

أمّا وجوب الكفّارة فلا ينبغي الإشكال فيه ، فإنّه لو وجبت بعد الفراغ من السعي فقبله أولى. على أن جملة من الروايات تدل على ثبوت الكفّارة بالإطلاق ، كصحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة (٥) ، فإنّ الموضوع فيها الجماع قبل التقصير وهذا العنوان يشمل ما قبل السعي أيضاً ، فيكون المراد بقبل التقصير قبل الخروج من الإحرام وإلّا فلا خصوصية لقبل التقصير ، فالمدار بالخروج من الإحرام وعدمه ، نظير سؤال السائل عن التكلّم قبل السلام فإنّه يعم جميع حالات الصلاة ، ولا خصوصية لبعد التشهد

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٣٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٣٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٣ ح ٥.

(٤) الجواهر ٢٠ : ٣٨٣ ، ٣٨٠.

(٥) في الصفحة السابقة.

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقبل السلام ، فالغرض وقوع هذا الفعل قبل الفراغ من العمل.

إنّما الكلام في فساد عمرة التمتّع بالجماع كفساد الحجّ به ، نسب إلى المشهور الفساد ولكن لا نص في خصوص عمرة المتعة ، وقد استدلّ في الجواهر بوجوه ناقش في جميعها.

الأوّل : أنّ العمرة المفردة تفسد بالجماع قبل السعي قطعاً ، ويجب عليه البقاء في مكّة إلى الشهر الآتي حتّى يعتمر من جديد (١) فإذا كان الفساد ثابتاً في المفردة يثبت في المتمتع بها أيضاً ، لأن حكم العمرة المتمتع بها حكم العمرة المفردة ، لكونهما طبيعة واحدة وتشترك العمرة المفردة مع عمرة التمتّع في إعمالها ، وإنّما تفترق عنها في أُمور يسيرة ، منها وجوب طواف النِّساء للمفردة ولا يجب ذلك لعمرة التمتّع ، ومنها أن عمرة التمتّع بعدها الحجّ بخلاف المفردة فإنّها عمل مستقل لا يرتبط بالحج.

وفيه : ما لا يخفى ، لأن ذلك قياس ظاهر ولا مجال لإجراء حكم كل منهما إلى الآخر بعد ما كان لكل منهما أحكام مخصوصة.

الثاني : أنّ الجماع بعد الفراغ من السعي وقبل التقصير ممّا يخشى منه الفساد ، كما في صحيحة معاوية بن عمار المتقدِّمة (٢) فإذا كان الجماع بعد السعي موجباً لخشية الفساد كان الفساد ثابتاً بالجماع قبل السعي بالأولوية.

وفيه : أنّ المذكور في الصحيحة خشية الفساد لا نفس الفساد كما تقدّم ، ولو قلنا بالأولوية لكان خشية الفساد قبل السعي أولى لا نفس الفساد.

الثالث : إطلاق الروايات الدالّة على الفساد في الحجّ ، ومن الواضح أن عمرة التمتّع جزء من الحجّ ، لأنّ الحجّ اسم للمجموع من عمرة المتعة والحجّ كما يطلق عليهما حج الإسلام.

وأجاب عنه في الجواهر بعدم انسباق ذلك من هذه الروايات ، بل المنصرف منها نفس الحجّ الّذي يقابل العمرة ، فإنّ الروايات ظاهرة بل صريحة في إرادة الحجّ لا العمرة وحتى على فرض أنّها جزء من الحجّ ، فليس في شي‌ء من النصوص ما يشمل عمرة المتعة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٢٨ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٢.

(٢) في ص ٣٦٠.

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يتخيّل أن بعض الروايات الدالّة على الفساد مطلقة ولا اختصاص لها بالحج كصحيحة زرارة قال : «سألته عن محرم غشي امرأته وهي محرمة ، قال : جاهلين أو عالمين؟ قلت أجنبي عن الوجهين جميعاً ، قال : إن كانا جاهلين إلى آخر الحديث» (١) فادعى أنّه لا ظهور لها في خصوص الحجّ ، بل الموضوع فيها المحرم وهو يشمل المتمتع بالعمرة أيضاً.

والجواب : إن كان المراد بالأمر بالحج من قابل فساد الحجّ الّذي وقع فيه الجماع فساداً حقيقياً كفساد العمرة المفردة ، أو فساد الصلاة بالتكلّم ونحوه من المبطلات وأن ما أتى به لا يحسب من الحجّ وإن وجب عليه إتمامه تعبداً ، ويجب عليه الحجّ من قابل ، فعدم صحّة الاستدلال بالرواية بالنسبة إلى عمرة المتعة واضح جدّاً ، لأن فساد عمرة المتعة لا يوجب الحجّ عليه من قابل ، فان تدارك العمرة أمر سهل يسير غالباً فيخرج إلى خارج الحرم كالتنعيم ونحوه ويحرم ويأتي بالأعمال وهي الطّواف وصلاته والسعي ، ولو فرضنا فرضاً نادراً أنّه لا يتمكّن من العمرة لضيق الوقت ونحوه ، ينقلب حجه إلى الافراد ، ويأتي بالعمرة بعد ذلك ، فذكر الحجّ من قابل قرينة على وقوع الجماع في الحجّ وأنّ الإحرام إحرام الحجّ.

وإن قلنا بأنّ الحجّ الأوّل حجة والثاني عقوبة عليه ، والحكم بالفساد تنزيلي باعتبار لزوم الإتيان بحج آخر في السنة الآتية عقوبة وإلّا ففرضه ما وقع فيه الجماع فهذا يمكن فرضه في عمرة المتعة بأن يجب عليه الحجّ من قابل عقوبة عليه ، ولكن مع ذلك لا يمكن أن يقال بشمول الروايات لعمرة المتعة ، لأنّ المذكور في الروايات أنّه فرّق بينهما من المكان الّذي أحدثا فيه وعليهما بدنة وعليهما الحجّ من قابل ، فإذا بلغا المكان الّذي أحدثا فيه فرّق بينهما حتّى يقضيا نسكهما ، ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا (٢).

وفي بعضها «يفرق بينهما ولا يجتمعان في خباء حتّى يبلغ الهدي محلِّه» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩.

(٢) ٣) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩ ، ٥.

٣٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وهذه قرينة قطعية على وقوع الجماع في الحجّ لا العمرة المتمتّع بها ، إذ لا يتصوّر في عمرة المتعة الرجوع إلى المكان الّذي أحدثا فيه هذا الحدث غالباً ، بخلاف الحاج فإنّه إذا حدث هذا الحدث في مكّة مثلاً فاللازم التفريق بينهما حتّى يرجعا من مناسكهما إلى هذا المكان الّذي أحدثا فيه ، سواء في نفس هذا الحجّ أو الحجّة المعادة ، فإنّ الغالب في الحجاج الرجوع إلى مكّة وهذا المعنى لا يتحقق بالنسبة إلى المتمتع الّذي يحرم من أحد المواقيت ، فإنّه إذا جامع بعد الإحرام في طريقه إلى مكّة لا يتقيّد بالرجوع إلى نفس هذا المكان الّذي أصاب ، بل يمكن أن يرجع من مكان آخر كما لعلّه الغالب.

على أن لزوم الافتراق حتّى يبلغ الهدي محلِّه كما في بعض الروايات شاهد قوي على أنّ المراد بالإحرام الّذي وقع فيه الجماع هو الحجّ.

ولو سلمنا الإطلاق لهذه الروايات وشمولها لعمرة المتعة أيضاً فيعارض بإطلاق صحيحة معاوية بن عمار الدالّة على عدم الفساد بالجماع قبل التقصير ، بناءً على ما عرفت من أن إطلاق «قبل التقصير» يشمل قبل السعي أيضاً ، لأنّ المراد بقبل التقصير عدم الخروج من الإحرام ، ولذا أثبتنا الكفّارة في الجماع قبل السعي بإطلاق هذه الصحيحة ، فيقدم صحيح معاوية بن عمار لأنّه أخص.

ولو فرضنا تكافؤهما وتعارضهما فلا دليل على وجوب الحجّ من قابل في صورة وقوع الجماع قبل السعي فإن ذلك يحتاج إلى دليل.

فالأظهر عدم فساد عمرته أيضاً ، والأحوط إعادتها في هذه السنة قبل الحجّ مع الإمكان ويحجّ بعدها ، ومع عدم إمكان إعادتها يتمّها ويعيد حجّه في العام القابل.

ثمّ إنّه لا فرق في الجماع بين الوطي قبلاً أو دبراً ، لأنّ المذكور في النصوص الجماع والمواقعة والغشيان ونحو ذلك من التعابير الّتي تكون كناية عن مطلق الوطي فإنّ الجماع لم يوضع للوطي قبلاً ، وإنّما هو موضوع للجمع بين الشخصين ، ولكن المراد به المعنى الكنائي كالمس واللمس اللذين يراد بهما المعنى الكنائي وهو الوطي ، وإن كان الغالب هو للوطي قبلاً فلا خصوصية للقبل ، فلا موجب للاختصاص به بدعوى الانصراف لأجل غلبة الوجود.

٣٦٤

مسألة ٢٢١ : إذا جامع المحرم للحج امرأته قبلاً أو دبراً عالماً عامداً قبل الوقوف بالمزدلفة وجبت عليه الكفّارة والإتمام وإعادة الحجّ من قابل ، سواء كان الحجّ فرضاً أو نفلاً ، وكذلك المرأة إذا كانت محرمة وعالمة بالحال ومطاوعة له على الجماع (١).

______________________________________________________

(١) إذا جامع المحرم امرأته في الحجّ عالماً بالتحريم وعامداً ، فقد يقع الجماع قبل الوقوف بالمزدلفة ، وقد يقع بعد المزدلفة.

أمّا الجماع قبل الوقوف فقد ذكرت له أحكام عديدة :

منها : ثبوت الكفّارة عليه كالبدنة في صورة التمكن واليسار بلا إشكال ولا خلاف ، ولعدّة من الروايات.

ومنها : إتمام الحجّ الّذي بيده ، ويدلُّ عليه جملة من الروايات كقوله في صحيح معاوية بن عمار «ويفرّق بينهما حتّى يقضيا المناسك» (١) بل يظهر من صحيح زرارة الدال على أنّ الاولى حجّته والثاني عقوبة (٢) أنّ الاولى لم تفسد وهي حجته ، فلا يجوز له رفع اليد عن الحجّ ويجب عليه إتمامه فكأنه لم يفسد ، وإنّما وجب عليه الحجّ من قابل عقوبة عليه ، فلا موجب لعدم الإتمام.

ومنها : التفريق بينهما وهو المصرّح به في كثير من النصوص.

ومنها : وجوب الحجّ عليه من قابل ، لجملة من الروايات.

كل ذلك من دون فرق بين كون الحجّ فرضاً أو نفلاً ، لأنّ الموضوع في النصوص المحرم سواء كان إحرامه لحج واجب أو ندب ، فمناقشة بعضهم في النفل ممّا لا وجه له.

إنّما الكلام في الكفّارة إذا لم يتمكّن من البدنة ، لعدم وجودها أو لعدم وفاء المال لها ، المعروف بينهم أنّها البقرة والشاة ، ووقع الكلام في أنّه هل هما في عرض واحد أو

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩.

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أنّهما طوليان؟ ذكر الشهيد في اللمعة أنّ الواجب البدنة وإذا عجز عن البدنة تخير بينها وبين بقرة أو شاة ، ولا يخفى ما في العبارة من المسامحة كما أورد عليه الشهيد الثاني في الشرح (١) ، إذ لا وجه للتخيير بين البدنة وغيرها بعد فرض العجز عن البدنة ، ولذا ذكر أنّ الأولى مع العجز عن البدنة تجب بقرة أو شاة كما في الشرائع (٢). وحكي عن الدروس وجوب البدنة مع الإمكان فإن عجز فبقرة فإن عجز فشاة (٣) والنصوص خالية عن هذا التفصيل وليس فيها ما يدل على التخيير المذكور بين البقرة والشاة ، ولا على الترتيب بين الثلاثة كما اعترف بذلك في الجواهر (٤).

وربما يقال باستفادة الترتيب بين الثلاثة ممّا ورد في عمرة المتعة ، لذهاب المشهور إلى الترتيب في العمرة المتمتع بها ، فإذا كان الترتيب ثابتاً في العمرة ففي الحجّ أولى.

وفيه ما لا يخفى ، نعم ورد هذا التفصيل في خبر خالد بيّاع القلانس قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أتى أهله وعليه طواف النِّساء ، قال : عليه بدنة ، ثمّ جاءه آخر فقال : عليك بقرة ، ثمّ جاءه آخر فقال عليك شاة ، فقلت : بعد ما قاموا أصلحك الله كيف قلت عليه بدنة؟ فقال : أنت موسر وعليك بدنة ، وعلى الوسط بقرة ، وعلى الفقير شاة» (٥).

ولكنّه ضعيف سنداً بالنضر بن شعيب الواقع في طريق الصدوق إلى خالد القلانسي (٦) ، ولو كان صحيح السند لا وجه للتخيير ، ولو قيل بالتخيير لكان تخييراً بين البقرة والشاة ، إذ لا معنى للتخيير بين الثلاثة بعد العجز عن البدنة.

والصحيح أن يقال : إنّه لا دليل على كون البقرة بدلاً عن البدنة ، وفي صحيح علي

__________________

(١) الروضة البهية ٢ : ٣٥٥.

(٢) الشرائع ١ : ٣٤٠.

(٣) الدروس ١ : ٣٧٢ وفيه «فان عجز فسبع شياه».

(٤) الجواهر ٢٠ : ٣٧٣.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٢٣ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٠ ح ١.

(٦) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٣٥.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ابن جعفر جعل البدل شاة «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها فإن لم يجد فشاة» (١) ، فان قيل بالجزم باجزاء البقرة عن الشاة لأنّ البقرة لا تقل فائدة عن الشاة بل هي أنفع من الشاة ، ففي كل مورد وجبت فيه الشاة تجزي البقرة لكونها أنفع ، فهي أحوط وإن لم يعلم بذلك كما هو كذلك ، لأنّ الأحكام تعبدية ، فلا يمكن القول بإجزاء البقرة وكونها أحوط ، بل مقتضى النص أنّ الواجب أوّلاً البدنة وإن لم يتمكّن من ذلك فالشاة ، فالبقرة لا تجب لا تعيينا ولا تخييراً ، ثمّ إنّ الأصحاب لم يتعرضوا لذكر بدل البدنة قبل الوقوف بالمشعر كما صرح بذلك صاحب الحدائق (٢) مع أن ثبوت الكفّارة قبل الوقوف بالمشعر وبعده على حد سواء ، وإنّما يقترقان في وجوب الحجّ من قابل ، فان كان الجماع قبل الموقف يجب عليه الحجّ من قابل ، وإذا كان بعد الوقوف بالمشعر فعليه الكفّارة فقط ولا يجب عليه الحجّ في السنة القادمة ، وإنّما خصّوا ذكر وجوب الكفّارة بما بعد الوقوف بالمشعر ، لوضوح الحكم في قبل الوقوف بالمشعر ، إذ لا نحتمل أن قبل المشعر أخف بل هو أشد قطعاً ، فإذا ثبتت الكفّارة بالجماع بعد المشعر فتثبت بالجماع قبل المشعر قطعاً.

ثمّ إن صريح صحيح زرارة كون الحجّ الثاني عقوبة عليه والحجّ الأوّل الّذي وقع فيه الجماع حجته ، وهكذا يدل على ذلك موثقة إسحاق بن عمار الدالّة على إجزاء حج النائب عن الميت إذا أفسده النائب ، وعلى النائب الإعادة من ماله (٣).

فالتعبير بفساد الحجّ كما في صحيح سليمان بن خالد لا بدّ من حمله على الفساد التنزيلي ورفع اليد عن ظهوره في الفساد الحقيقي ، وإنّما عبّر بالفساد لوجوب حج آخر عليه في السنة القادمة كما جاء في صحيح سليمان بن خالد «والرفث فساد الحجّ» (٤) ، كما يرفع اليد عن ظهور الإعادة في الإرشاد إلى الفساد فيما إذا كانت قرينة

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٦.

(٢) الحدائق ١٥ : ٣٨٠.

(٣) الوسائل ١١ : ١٨٥ / أبواب نيابة الحجّ ب ١٥ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٨.

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

على الخلاف.

وتظهر الثمرة في كون الأوّل حجته أو الثاني ، بخروج الثاني من صلب المال أو ثلثه.

ثمّ إنّ المرأة تشترك مع الرجل في جميع الأحكام المذكورة إذا كانت مطاوعة لصحيح زرارة المتقدِّمة (١) ، ويكفينا إطلاق قوله : «الرفث جماع النِّساء» كما في صحيح ابن جعفر (٢) هذا بالنسبة إلى الكفّارة.

وأمّا الفساد ، فلإطلاق قوله في صحيح سليمان بن خالد المتقدِّم : «الرفث فساد الحجّ» هذا كلّه إذا كانت المرأة مطاوعة.

وأمّا إذا كانت مكرهة ، فلا شي‌ء عليها كما في النص (٣) لا الكفّارة ولا الحجّ من قابل ، وإنّما على الزوج كفارتان ، ولا يجب عليه الحجّ عنها لعدم الدليل ، ولا خلاف في شي‌ء من ذلك.

ولو أكرهت الزوجة زوجها فهل تتحمل عنه ، أو أن عليه بدنة أولا هذا ولا ذاك؟ وجوه.

الروايات كلّها واردة في إكراه الزوج ولم ترد في إكراه الزوجة ، ولكن الجواهر لم يفرّق بين الزوجة والزوج لنفس هذه الروايات (٤) وذكر (قدس سره) أن ذكر الرجل للغلبة. وما ذكره (قدس سره) من تعميم الحكم للرجل والمرأة وإن كان صحيحاً ، لكن لا لأجل هذه الروايات لعدم شمولها للمرأة ، ومجرد الغلبة لا يوجب تعميم الحكم ، بل التعميم لأجل حديث الرفع المعتبر عن المكره ، فلا شي‌ء على الزوج إذا كان مكرهاً.

وهل تتحمّل الزوجة البدنة عنه كما كان الزوج يتحمل عنها أم لا؟ الظاهر هو الثاني لعدم الدليل والأصل عدمه ، ومجرد الإكراه لا يوجب تحمل المكره بالكسر ـ

__________________

(١) في ص ٣٦٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ١١٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٦.

(٣) الوسائل ١٣ : ١١٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٤.

(٤) الجواهر ٢٠ : ٣٦٢.

٣٦٨

ولو كانت المرأة مكرهة على الجماع لم يفسد حجها ، وتجب على الزوج المكره كفارتان ولا شي‌ء على المرأة ، وكفّارة الجماع بدنة مع اليسر ، ومع العجز عنها شاة ، ويجب التفريق بين الرجل والمرأة في حجتهما ، وفي المعادة إذا لم يكن معهما ثالث إلى أن يرجعا إلى نفس المحل الّذي وقع فيه الجماع ، وإذا كان الجماع بعد تجاوزه من منى إلى عرفات لزم استمرار الفصل بينهما من ذلك المحل إلى وقت النحر بمنى ، والأحوط استمرار الفصل إلى الفراغ من تمام أعمال الحجّ (١).

______________________________________________________

نظير إكراه الزوج زوجته الصائمة على الجماع ، فإنّه يتحمل عنها الكفّارة ولا دليل على التحمل فيما إذا أكرهت الزوجة زوجها الصائم ، ومن هنا يظهر أنّ المكره بالكسر إذا كان أجنبياً لا يجب عليه شي‌ء وإن كان آثماً.

وبالجملة تحمل الكفّارة حكم تعبدي خاص بمورده وهو إكراه الزوج زوجته ، فلا مجال للتعدِّي إلى سائر الموارد وإن كان الإكراه متحققاً.

(١) قد عرفت أن من جملة الأحكام المترتبة على الجماع الواقع قبل الوقوف بالمزدلفة ، وجوب التفريق بينهما من المكان الّذي وقع فيه الجماع ، والروايات في ذلك متضافرة (١) وإن كان مورد بعضها الحجّ الأوّل وبعضها خاص بالحج الثاني وبعض الروايات تعرّض لكليهما كصحيح زرارة.

وكيف كان ، لا ينبغي الإشكال في وجوب التفريق في الحجّتين وإن نسب إلى بعضهم الخلاف في الحجّة الأُولى وخص التفريق بالحجة الثانية للنصوص المتضافرة وإن كانت مختلفة من حيث التعرض لأحدهما أو لكليهما.

إنّما الكلام في نهاية التفريق ، ففي بعض الروايات جعل ذلك في الحجّ الأوّل الوصول إلى مكّة ، وفي الحجّ الثاني إلى الإحلال (٢) ، ويحتمل أن يكون المراد بالإحلال يوم

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ١١٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٤ ح ٢.

٣٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

النحر لحلية أكثر التروك له في يوم النحر ، ويحتمل أن يكون المراد به الفراغ المطلق من المناسك ، لأنّه بذلك يحل له كل شي‌ء حتّى الطيب ، ولكن هذه الرواية ضعيفة بعلي ابن أبي حمزة. وفي روايتين معتبرتين جعل الغاية بلوغ الهدي محلِّه ، وهما صحيحتا معاوية بن عمار (١).

وفي جملة منها جعل الغاية قضاء المناسك والبلوغ إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا (٢) ولذا وقع الخلاف بينهم في غاية الافتراق ، فعن الرياض (٣) والحدائق (٤) حمل الاختلاف المذكور على اختلاف مراتب الفضل والاستحباب ، فأعلاها الرجوع إلى موضع الخطيئة ثمّ قضاء المناسك ثمّ بلوغ الهدي محلِّه ، فالواجب عليهما التفريق إلى بلوغ الهدي محلِّه ، واستحبابه إلى قضاء المناسك ، وأفضل منه لزوم التفريق إلى موضع الخطيئة الّذي هو أبعد.

وأورد عليه صاحب الجواهر بأنّ القاعدة تقتضي حمل المطلق على المقيّد ، فلا بدّ من الأخذ بالعليا بعد تقييد المفهوم في بعضها بالمنطوق في آخر ، فتكون النتيجة أنّ الغاية هي العليا وهي محل الخطيئة (٥).

وبعبارة اخرى : مقتضى إطلاق مفهوم ما دلّ على أنّه يفترقان إلى بلوغ الهدي محلِّه ، أنّه إذا بلغ الهدي ينتهي الافتراق ويجتمعان ، سواء كان ذلك موضع الخطيئة أم لا ، فيقيد بما إذا كان محلا للخطيئة وإلّا فلا ينتهي التفريق ، فالعبرة بالعليا وهي محل الخطيئة.

أقول : ما ذكره صاحب الحدائق والرياض بعيد ، لأن ظاهر الأوامر المذكورة في الروايات هو الوجوب ، فرفع اليد عنه وحمله على الاستحباب بلا موجب ، كما أن ما

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١١ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٥ ، ١٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩ ، ١٥.

(٣) رياض المسائل ٧ : ٣٧٣.

(٤) الحدائق ١٥ : ٣٧١.

(٥) الجواهر ٢٠ : ٣٥٩.

٣٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ذكره الجواهر أبعد ، لأنّ الظاهر من الروايات أن كل واحد من الأُمور المذكورة عنوان مستقل ، فحمل أحدها على الآخر بلا وجه ، بل يقتضي إلغاء العنوان الآخر بالمرّة ، فإن مقتضى حمل بلوغ الهدي إلى محل الخطيئة ، عدم الاعتداد ببلوغ الهدي أصلاً وأنّ العبرة بمحل الخطيئة.

والصحيح أن يقال : إنّ الروايات المعتبرة الواردة في المقام على طوائف ثلاث :

منها : ما جعل الغاية قضاء المناسك والرجوع إلى المكان الّذي وقع فيه الجماع كصحيحة زرارة وغيرها (١) وهذه الطائفة مطلقة تشمل المكان الّذي هو قبل أرض منى وبعده ، يعني الحاج لما يتوجه من مكّة إلى عرفات يذهب إليها من طريق منى لاستحبابه شرعاً ، فقد يقع منه الجماع قبل الوصول إلى منى وقد يقع منه بعد مني أو يقع منه الجماع بعد الميقات إذا كان الحجّ إفراداً أحرم له من الميقات.

وأمّا الطائفة الثانية : فمقتضى إطلاق صحيحتي معاوية بن عمار (٢) جعل بلوغ الهدي محلِّه غاية الافتراق ، سواء كان الجماع واقعاً قبل الوصول إلى منى أو بعده فالطائفتان متعارضتان بالإطلاق ، لأن كلّا منهما يدل على أن نهاية الافتراق بما ذكر فيه سواء تحقق الآخر أم لا.

وهنا طائفة ثالثة : تدل على أنّ الجماع إذا كان واقعاً قبل الوصول إلى منى فغاية الافتراق يوم النفر وهو اليوم الثاني عشر كما في صحيحة الحلبي «ويفرّق بينهما حتّى ينفر الناس ويرجعا إلى المكان الّذي أصابا فيه ما أصابا» (٣) فانّ الظاهر من هذا الكلام أن مكان الجماع كان قبل الوصول إلى منى ، فهذه الصحيحة تخصص ما دلّ بالإطلاق على أنّ الغاية بلوغ الهدي محلِّه ، فيكون مورد الافتراق إلى بلوغ الهدي محلِّه في غير صورة وقوع الجماع قبل الوصول إلى منى ، وإذن فانّ الجماع إذا وقع قبل الوصول إلى منى فلا بدّ من الافتراق بينهما إلى يوم النفر والرجوع إلى مكان الحادث ،

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩ و ١٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ١١١ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٥ ، ١٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ١١٤ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٤.

٣٧١

مسألة ٢٢٢ : إذا جامع المحرم امرأته عالماً عامداً بعد الوقوف بالمزدلفة ، فإن كان ذلك قبل طواف النِّساء وجبت عليه الكفّارة على النحو المتقدِّم ، ولكن لا تجب عليه الإعادة ، وكذلك إذا كان جماعه قبل الشوط الخامس من طواف النِّساء ، وأمّا إذا كان بعده فلا كفّارة عليه أيضاً (١).

______________________________________________________

وإن كان واقعاً بعد الوصول إلى منى فغاية الافتراق بلوغ الهدي محلِّه أي يوم النحر ، فتكون نسبة الطائفة الثانية بعد تخصيصها بالطائفة الثالثة بالنسبة إلى الطائفة الأُولى عموماً وخصوصاً مطلقاً وترجع نسبة التعارض إلى نسبة العام والخاص بناءً على انقلاب النسبة وأن أحد المطلقين المتعارضين إذا خصص بمخصص يلاحظ بعد التخصيص مع المطلق الآخر فتنقلب النسبة من التباين إلى العام والخاص ، فيكون الحاصل من ذلك أنّ الجماع إذا وقع قبل الوصول إلى منى كما إذا جامع في مكّة أو في طريقه ما بين مكّة ومنى فغاية الافتراق يوم النفر والرجوع إلى نفس المحل الّذي وقع فيه الجماع ، فانّ الحاج إنّما يرجع يوم النفر إلى مكّة والمكان الّذي وقع فيه الجماع قبل منى ، وأمّا إذا كان الجماع واقعاً بعد تجاوزه من منى إلى عرفات فغاية الافتراق بلوغ الهدي محلِّه ، أي وقت النحر بمنى.

ثمّ إنّ الجماع قد يقع قبل الوصول إلى مكّة وبعد الإحرام ، كما إذا فرضنا أنّ الحجّ كان حج إفراد ، فطبعاً يرجع الحاج إلى مكان الحادث بعد تمامية جميع المناسك حتّى طواف الحجّ وسعيه ، وأمّا إذا كان الجماع واقعاً في حج التمتّع بعد الخروج من مكّة فيقضي المناسك من الوقوفين ويرجع إلى ذلك المكان وينتهي الافتراق ، ولا حاجة إلى إتيان بقيّة المناسك من الطّواف والسّعي في حصول الافتراق ، فانّ المنع يرتفع بالوصول إلى ذلك المكان ، فانّ الظاهر من قضاء المناسك والرجوع إلى مكان الحادث قضاء المناسك الّتي يأتي بها قبل الوصول إلى ذلك المكان ، ولكن الأحوط استمرار الفصل إلى الفراغ من تمام أعمال الحجّ كالطواف والسعي.

(١) ما سبق في مسألتنا المتقدِّمة كان لأحكام الجماع قبل الوقوف بالمزدلفة ، وهذه

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

المسألة البحث فيها عن الجماع بعد الوقوف بالمزدلفة ، وتتضمن لبيان حكم الكفّارة على هذا الفعل أوّلاً وفساد الحجّ وعدمه ثانياً.

أمّا وجوب الكفّارة عليه فيدل عليه جملة من النصوص ، منها : إطلاق صحيح ابن جعفر «فمن رفث فعليه بدنة ينحرها ، فان لم يجد فشاة» (١) فإنّه مطلق من حيث وقوع الرفث قبل المزدلفة وبعدها.

ومنها : صحيحة أُخرى لابن جعفر تدل على وجوب البدنة قبل طواف النِّساء «عن رجل واقع امرأته قبل طواف النِّساء متعمداً ما عليه؟ قال : يطوف وعليه بدنة» (٢) ونحوها جملة من الروايات الدالّة على ثبوت الكفّارة قبل طواف النِّساء ، وأنّه إنّما تنقطع الكفّارة بعد طواف النِّساء (٣).

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار «عن رجل محرم وقع على أهله فيما دون الفرج إلى أن قال وإن كانت المرأة تابعته على الجماع فعليها مثل ما عليه» (٤) أي البدنة فإن إطلاقها يشمل الجماع الواقع بعد المزدلفة.

ومنها : صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار «عن متمتع وقع على أهله ولم يزر ، قال : فينحر جزوراً» (٥) فانّ المراد بالمتمتع هو حج التمتّع ، والمراد بعدم زيارته عدم طوافه للزيارة وهو طواف الحجّ كما عبّر عنه في النصوص.

وإذن فلا فرق في ثبوت الكفّارة بين وقوع الجماع قبل المزدلفة أو بعدها ، والكفّارة بدنة فان لم يجد فشاة كما في صحيح ابن جعفر.

وأمّا الفساد فالظاهر عدمه ، ويكفينا أوّلاً الأصل ، مضافاً إلى عدم الخلاف ، سواء كان الفساد بالمعنى الحقيقي أو المجازي ، أي إتيان العمل في السنة القادمة كما ورد في

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٢٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٠ ح ٧.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٢٣ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٠.

(٤) الوسائل ١٣ : ١١٩ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٧ ح ١.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٢١ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ١.

٣٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الجماع قبل الوقوف في المزدلفة ولا دليل على شي‌ء منهما في المقام :

ويدلُّ على عدم الفساد مضافاً إلى ما تقدّم أمران :

أحدهما : مفهوم صحيحة معاوية بن عمار «إذا وقع الرجل بامرأته دون مزدلفة أو قبل أن يأتي مزدلفة فعليه الحجّ من قابل» (١) فان مقتضى مفهوم الشرط إن لم يجامع قبل المزدلفة لم يكن عليه حج من قابل ، ومقتضى إطلاقه وإن جامع بعدها ، وحجية إطلاق المفهوم كحجية المنطوق.

ثانيهما : صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار «عن متمتع وقع على أهله ولم يزر قال ينحر جزوراً ، وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجه إن كان عالماً» (٢) فإنّها تدل على عدم الفساد بالجماع قبل طواف الزيارة أي طواف الحجّ ، والمعنى أنّ الحاج المتمتع جامع قبل أن يطوف طواف الحجّ وبعد الإتيان بمناسك الوقوفين ، فذكر (عليه السلام) أن عليه البدنة ولكن العمل صحيح ، وإنّما خشي الفساد ، وخشية الفساد غير نفس الفساد.

وقد ورد مثل هذا التعبير في عمرة التمتّع بالجماع بعد السعي وقبل التقصير ، فالحكم في الجميع واحد ، وخشية الفساد والثلم تدل على الصحّة في نفسه.

ثمّ إن ما ذكرناه من صحيحة معاوية بن عمار الواردة في باب الحجّ رواية مستقلّة غير ما روي عنه في عمرة المتعة ، بل هما روايتان مستقلّتان ذكر إحداهما في مسألة الحجّ والأُخرى في عمرة المتعة ، وليس أحدهما ذيلاً للآخر أو صدراً له ، وإن كان التعبير الواقع في أحدهما قريباً إلى الآخر.

وبالجملة هما روايتان وردت إحداهما في الحجّ وهي الصحيحة المتقدِّمة قبيل ذلك ، وثانيتهما وردت في عمرة المتعة (٣) فما توهمه المعلّق على الوسائل من وحدة الروايتين سهو واشتباه ، فالصحيح ما صنعه صاحب الوسائل من ذكرهما في بابين

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٢١ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٣٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٣ ح ٤.

٣٧٤

مسألة ٢٢٣ : مَن جامع امرأته عالِماً عامِداً في العمرة المفردة وجبت عليه الكفّارة على النحو المتقدِّم ، ولا تفسد عمرته إذا كان الجماع بعد السعي ، وأمّا إذا كان قبله بطلت عمرته أيضاً ، ووجب عليه أن يقيم بمكّة إلى شهر آخر ثمّ يخرج إلى أحد المواقيت ويحرم منه للعمرة المعادة ، والأحوط إتمام العمرة الفاسدة أيضاً (١).

______________________________________________________

مستقلّين كما أنّ الكافي ذكرهما في بابين (١) مستقلّين.

وكذلك تثبت الكفّارة بعد الإتيان بجميع أعمال الحجّ وقبل طواف النِّساء ، فان طواف النِّساء لم يكن من أعمال الحجّ وأجزائه ، بل هو عمل مستقل في نفسه وله آثار خاصّة وأحكام مخصوصة ، ولذا لو تركه عمداً لا يفسد حجة ، إلّا أنّ الكفّارة تثبت بالجماع قبله ، ويدلُّ عليه روايات كثيرة (٢) منها صحيحة ابن جعفر المتقدِّمة (٣).

ولو جامع أثناء الطّواف مقتضى القاعدة ثبوت الكفّارة ، لعدم الإتيان بطواف النِّساء ، فانّ الطّواف اسم لمجموع الطّواف ، ولكن معتبرة حمران بن أعين فصلت بين ما لو جامع بعد خمسة أشواط فلا شي‌ء عليه لا الكفّارة ولا الإعادة ، بل يكملها بشوطين آخرين ، وبين ما لو جامع بعد ثلاثة أشواط فعليه بدنة (٤).

هذا تمام الكلام في الجماع الواقع في الحجّ والواقع في عمرة المتعة.

(١) قد يقع الجماع في العمرة المفردة قبل السعي وقد يقع بعده :

أمّا الأوّل : فلا خلاف في ثبوت الكفّارة وفساد العمرة ولزوم الإعادة ، وقد دلّت على ذلك عدّة من الروايات. والكفّارة بدنة ، ويجب عليه أن يقيم بمكّة إلى الشهر القادم حتّى يعتمر فيه ، لا خلاف في شي‌ء من ذلك والنصوص متضافرة (٥).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٤٤٠ / ٥ ، ٤ : ٣٧٨ / ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٢٣ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٠.

(٣) في ص ٣٧٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٢٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١١ ح ١.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٢٨ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٢.

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن صاحب الوسائل صرّح في عنوان الباب الثاني عشر من كفارات الاستمتاع باستحباب البقاء إلى الشهر القابل ، وكذا المحقق ذكر أنّ الأفضل هو البقاء إلى الشهر القادم (١) ، ولم نعرف وجهاً لما ذكراه فانّ الظاهر من الروايات وجوب البقاء إلى الشهر القادم ، فكأنّ العمرة الفاسدة حكمها حكم الصحيحة من لزوم الفصل بين العمرتين بشهر واحد ، لأن لكل شهر عمرة ، فحمل كلمة «عليه» على الاستحباب أو الأفضلية بلا وجه أصلاً.

وبالجملة : لا ينبغي الإشكال في لزوم الإتيان بعمرة أُخرى في الشهر القادم ، ولا يجوز تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه عملاً بالروايات.

وهل يجب عليه إتمام العمرة الفاسدة ، أو يرفع اليد عنها؟ لعل الشهرة على عدم وجوب الإتمام ، وذهب بعضهم إلى الوجوب ومال إليه في الجواهر واستدلّ على ذلك بوجوه (٢).

الأوّل : الاستصحاب ، بتقريب أن قبل الإفساد كان الإتمام واجباً ويشك في ارتفاعه بعد الإفساد فيستصحب. وفيه : أنّ الإتمام قبل الإفساد إنّما وجب باعتبار صحّة العمرة وشمول الآية لها ، وأمّا بعد الإفساد تكون العمرة فاسدة فاختلف الموضوع وتعدد ، فلا يمكن استصحاب حكم موضوع لموضوع آخر. على أنّه لا نسلّم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية كما حققناه مفصلاً في المباحث الأُصولية (٣).

الثاني : أنّ الرجل صار محرماً بالإحرام ولا يحل إلّا بالإتيان بمحلل ، فقبل الإتيان بالمحلل فهو باق على إحرامه.

والجواب : أن بقاءه على الإحرام من آثار صحّة الإحرام ، ومع فرض فساد إحرامه وعمرته ينكشف أنّ الإحرام من الأوّل كان فاسداً ، فلا مجال للإتمام لينحل به ، بل ينحل بنفس الجماع.

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٤١.

(٢) الجواهر ٢٠ : ٣٨٤.

(٣) مصباح الأُصول ٣ : ٣٦.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : أن فساد العمرة كفساد الحجّ وإفساد الحجّ لا ينافي وجوب الإتمام فكذا إفساد العمرة ، فما أتى به أوّلاً هو الفرض والثاني عقوبة كما في الحجّ ، فإطلاق اسم الفساد على ضرب من التجوز والتنزيل لا الفساد الحقيقي بالمعنى المصطلح ، بل لعل الأمر بالانتظار إلى الشهر القادم للعمرة قرينة على مراعاة تلك العمرة والحكم بصحّتها حقيقة ، لأنّ الانتظار إلى الشهر القادم من آثار العمرة الصحيحة ، ومن أتى بعمرة صحيحة ليس له أن يأتي بعمرة أُخرى إلّا بعد شهر.

وفيه : أنّه لا دليل ولا قرينة على حمل الفساد على الفساد التنزيلي ، نعم في باب الحجّ قامت القرينة على ذلك وهي صحيحة زرارة المصرحة بأنّ الأُولى حجته والثانية عقوبة عليه (١) ، فالفساد في المقام فساد حقيقي كما هو الظاهر من الروايات فلا دليل على وجوب الإتمام ، ومع ذلك يعتبر الفصل بين العمرة الصحيحة والعمرة الفاسدة بالعرض عملاً بالروايات كالعمرتين الصحيحتين.

وأمّا الثاني : وهو الجماع بعد السعي ، فيقع الكلام تارة في الكفّارة وأُخرى في فساد العمرة.

أمّا الكفّارة ، فلا إشكال في ثبوتها ولا فرق بين قبل السعي وبعده ، كما هو الحال في عمرة المتعة قبل التقصير ، بل بالتقصير تسقط الكفّارة ، وأمّا التقصير في العمرة المفردة فلا أثر له لثبوت طواف النِّساء فيها ولا تحل له النِّساء قبل طواف النِّساء وإن قصّر.

وبالجملة : قد تسالموا على ثبوت الكفّارة ولكن لم يذكروا له دليلاً ، والّذي يمكن أن يستدل له ولم أر من تعرض إليه صحيح علي بن جعفر الدال على وجوب البدنة قبل طواف النِّساء على الرجل إذا واقع امرأته قبل طواف النِّساء (٢) ، ونحوه جميع الروايات الدالّة على ثبوت الكفّارة عليه قبل طواف النِّساء فإنّه لم يرد في هذه الروايات طواف النِّساء للحج ، بل موردها مطلق يشمل كل من عليه طواف النِّساء

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٢٥ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٠ ح ٧.

٣٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

سواء في العمرة المفردة أو في الحجّ ، بل يلتزم بوجوب الكفّارة إذا طاف ثلاثة أشواط ثمّ جامع وبعدمها إذا جامع بعد خمسة أشواط كما في معتبرة حمران بن أعين (١) فإنّ المأخوذ في هذا الحكم مَن كان عليه طواف النِّساء ، وهو مطلق باعتبار الحجّ والعمرة المفردة.

وهل تفسد عمرته بالجماع بعد السعي كما كانت تفسد بالجماع قبل السعي أم لا؟ المعروف عدمه.

واستشكل في المدارك (٢) والحدائق (٣) في الحكم بالصحّة ، بدعوى أنّه لا دليل على الصحّة في خصوص المقام ، وما دلّ على الصحّة إنّما هو في عمرة المتعة إذا جامع بعد السعي ولم يقصّر ولا يشمل العمرة المفردة.

وفيه : أن ما ذكراه من اختصاص الروايات الدالّة على الصحّة بعمرة التمتّع صحيح ، ولكن لا نحتاج في الحكم بالصحّة إلى نص خاص ، بل الفساد يحتاج إلى النص ، لأنّ الحكم بالصحّة مقتضى الأصل ، أي أصالة عدم أخذ ما يحتمل دخله في الصحّة في الواجبات كما هو الحال في سائر الواجبات الّتي يحتمل مانعية شي‌ء لها ، فالاطلاقات كافية.

وبالجملة : أدلّة الصحّة وإن كانت مختصّة بعمرة التمتّع ، ولكن الحكم بالصحّة في العمرة المفردة يكفي فيه عدم الدليل ، فلا نحتاج إلى دليل خاص.

ويمكن أن يكون التقييد بقبل السعي في الروايات وإن كان في كلام السائل فيه إشعار بعدم الفساد بعد السعي ، وإلّا فلا يبقى وجه للتقييد ولا موجب له ، فكأن عدم الفساد بعد السعي كان أمراً مغروساً في أذهانهم ، ولذا كانوا يسألون عن الجماع قبل السعي والطّواف.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٢٦ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١١ ح ١.

(٢) المدارك ٨ : ٤٢٤.

(٣) الحدائق ١٦ : ٣٤٤.

٣٧٨

مسألة ٢٢٤ : من أحل من إحرامه إذا جامع زوجته المحرمة وجبت الكفّارة على زوجته ، وعلى الرجل أن يغرمها والكفّارة بدنة (١).

______________________________________________________

(١) إذا أحلّت المرأة وكان الرجل محرماً فجامعها يجب عليه الكفّارة ، سواء كانت مكرهة أو مطاوعة ، لإطلاق ما دلّ على ثبوت الكفّارة على المحرم إذا جامع ، وليس على المرأة شي‌ء لعدم الموجب.

وإذا أحل الرجل وواقع المحرمة وجبت الكفّارة على زوجته ، وعلى الرجل أن يغرمها كما في صحيحة أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أحل من إحرامه ولم تحل امرأته فوقع عليها ، قال : عليها بدنة يغرمها زوجها» (١). وصاحب الوسائل (قدس سره) أخذ عنوان الإكراه في الباب ، وليس في الرواية ما يدل على ذلك ، فلا مناص إلّا من الأخذ بإطلاق الصحيحة من حيث كون الزوجة مكرهة أو مطاوعة ، ولا مانع من التعبّد بهذه الرواية في خصوص هذا المورد ، ونلتزم بوجوب الكفّارة على الزوجة وغرامة الرجل ، نظير ما إذا واقع المولى المحل أمته المحرمة ، فالزوجة المكرهة عليها البدنة ، غاية الأمر غرامتها على الزوج.

وهل يتعدى إلى كل محل ومحرمة ولو كان محلا من أصله ، أو يختص بمن أحل من إحرامه؟ الظاهر هو الاختصاص ، لأنّ الحكم على خلاف القاعدة فيقتصر على مورد النص ، ولذا لو كانت المرأة محرمة ولم يكن الزوج أحرم بل كان محلا من الأوّل فطاوعت المرأة ، فلا دليل على الغرامة ، بل القاعدة تقتضي ثبوت الكفّارة عليها ، نعم إذا كانت مكرهة ليس عليها شي‌ء لعموم الإكراه.

وثبوت الكفّارة على الزوج المكره يحتاج إلى دليل خاص ، ومجرد الإكراه لا يوجب كون الكفّارة عليه ، وإنّما له موارد خاصّة ثبت بأدلّة خاصّة ، منها ما إذا أكره الزوج الصائم زوجته الصائمة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١٧ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٥ ح ١.

٣٧٩

مسألة ٢٢٥ : إذا جامع المحرم امرأته جهلاً أو نسياناً صحّت عمرته وحجّه ، ولا تجب عليه الكفّارة ، وهذا الحكم يجري في بقية المحرمات الآتية الّتي توجب الكفّارة ، بمعنى أن ارتكاب أيّ عمل على المحرم لا يوجب الكفّارة ، إذا كان صدوره منه ناشئاً عن جهل أو نسيان (١).

______________________________________________________

والحاصل الحكم في المقام مختص بالمورد المذكور ، وهو ما إذا كان الزوج محرماً أوّلاً ثمّ أحل وجامع زوجته المحرمة ، سواء كانت مطاوعة أم مكرهة ، وأمّا إذا كان الرجل غير محرم أصلاً فالحكم على القاعدة كما عرفت.

(١) جميع ما ذكرناه من الأحكام المترتبة على الجماع من الكفّارة وفساد الحجّ والعمرة وإتيان الحجّ أو العمرة في السنة القادمة أو الشهر القادم يختص بصورة العلم والعمد ، وأمّا إذا كان جاهلاً بالتحريم أو كان ناسياً عن إحرامه أو صدر منه خطأ صحّت عمرته وحجّه ولا يجب عليه شي‌ء ، للروايات الكثيرة الواردة في باب الإحرام ، منها صحيحة زرارة المتقدِّمة (١) ولصحيح عبد الصمد الوارد في من كان محرماً وعليه قميصه وكان جاهلاً ، فحكم (عليه السلام) بصحة حجّه وأنّه ليس عليه شي‌ء ثمّ قال (عليه السلام) : أيّ رجل ركب أمراً بجهالة فلا شي‌ء (٢).

وربما يقال بعدم شمول هذه الروايات الجماع قبل السعي في العمرة المفردة ، نظير قواطع الصلاة فإنّها توجب بطلان الصلاة ولو صدرت خطأ أو جهلاً ، وحديث الرفع إنّما يرفع الآثار المترتبة على الفعل المنافي من الكفّارة ونحوها ، ولا يوجب صحّة العمل المأتي به الفاقد للشرط أو الواجد لمانع من الموانع ، ولذا لو ترك جزءاً من أجزاء الواجب ، أو أتى بقاطع من القواطع ولو جهلاً لا يحكم بصحّة عمله وصلاته بحديث الرفع ، ووجوب الإعادة والقضاء من آثار عدم الإتيان بالمأمور به لا من آثار

__________________

(١) في ص ٣٦٣ ، الوسائل ١٣ : ١١٢ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ٣ ح ٩.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٨٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

٣٨٠