موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

واستدلّ للقول الثاني بروايات ثلاث :

الأُولى : صحيحة منصور بن حازم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) اهدي لنا طير مذبوح بمكّة فأكله أهلنا ، فقال : لا يرى به أهل مكّة بأساً ، قلت : فأيّ شي‌ء تقول أنت؟ قال : عليهم ثمنه» (١).

ولكنّها أجنبية عن المسألة رأساً ، لأنّها واردة في أهل مكّة ، والظاهر أنّهم مُحلّين وكلامنا في المحرم ، ولو كانت مطلقة من هذه الجهة تحمل على المحِلّ بقرينة سائر الروايات.

الثانية : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا اجتمع قوم على صيد وهم محرمون في صيده أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته» (٢).

الثالثة : صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار في حديث قال : «وأيّ قوم اجتمعوا على صيد فأكلوا منه فان على كل إنسان منهم قيمته ، فان اجتمعوا في صيد فعليهم مثل ذلك» (٣).

ولا يتم الاستدلال بهما ، لأنّهما دلّتا على أن كفّارة القتل وكفّارة الأكل هي القيمة وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به ، إذ لا إشكال في أن كفّارة القتل ليست هي القيمة قطعاً بل هي أُمور معيّنة مذكورة في النصوص كالبدنة فإنّها كفّارة لقتل النعامة والشاة كفّارة لقتل الظبي والبقرة لقتل بقر الوحش ، واحتمال أنّ الاشتراك في قتل الصيد يوجب كون الكفّارة هي القيمة ، ينافي الروايات الكثيرة الدالّة على أنّ الاشتراك في حكم الاستقلال ، وأنّه يجب على كل واحد من المشتركين ما يجب عليه عند الاستقلال.

مضافاً إلى أنّ التسالم بين الأصحاب على ثبوت الكفّارات الخاصّة على كل واحد منهم في مورد الاشتراك كما هي الثابت في مورد الاستقلال.

وبالجملة : لا يمكن الالتزام بمضمون الصحيحتين ، فلا بدّ من حملهما على أنّ المراد

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٥ / أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٤ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٤ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٣.

٣٤١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالقيمة هو الفداء المعيّن للصيد لا الثمن كما صنعه في الجواهر (١) أو بحملهما على الموارد الّتي تكون القيمة فداؤه كما في بعض موارد الصيد غير المنصوص عليها ، فان كثيراً من الحيوانات تصاد ولا نص فيها ، وكفارتها قيمتها كالإبل والوعل واليحمور (٢) فإنّها تصاد ولا نص فيها بالنسبة إلى نوع الكفّارة فيرجع إلى القيمة ، فيكون الصحيحان خارجين عن محل الكلام ، لأنّ الكلام في الحيوان الّذي له فداء مخصوص وأكل منه المحرم ، وأمّا الّذي ليس له فداء مخصوص فعلى الآكل قيمته ، ولعل هذا الحمل أقرب ممّا حمله في الجواهر.

ومن الغريب ما عن الحدائق من احتمال حمل الفداء على القيمة (٣) عكس ما حمله في الجواهر.

وترده الروايات الكثيرة الدالّة على لزوم الفداء لا القيمة في مورد الاجتماع.

ويدل على كلام المشهور وأن فداء الأكل كفداء الصيد نفسه صحيح علي بن جعفر «عن قوم اشتروا ظبياً فأكلوا منه جميعاً وهم حرم ما عليهم؟ قال : على كل من أكل منهم فداء صيد ، كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملاً» (٤).

ويدل عليه أيضاً النصوص الكثيرة الواردة في باب الاضطرار إلى أكل الميتة وأكل الصيد ، فإنّهم (عليهم السلام) حكموا بأكل الصيد ولكن يفدي ، فإنّ الظاهر من قوله «يفدي» أن كفّارة الأكل هي كفّارة الصيد (٥).

الثالث : في بيان عدّة من الروايات الّتي دلّت على أن كفّارة الأكل من الحيوان المصيد هي الشاة ، سواء كان الحيوان المأكول ممّا فيه شاة أم لا ، فإذا كان الصائد قد أكل منه أيضاً يجب عليه كفارتان كفّارة الأخذ والصيد وكفّارة الأكل وهي شاة ،

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ٢٥٨.

(٢) أصناف من التيس الجبلي أي المعز.

(٣) الحدائق ١٥ : ٢٧٨.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٤ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٢.

(٥) الوسائل ١٣ : ٨٤ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٣.

٣٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فليس عليه قيمة الحيوان ولا مثل الصيد.

منها : موثقة الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سئل عن رجل أكل من بيض حمام الحرم وهو محرم؟ قال : عليه لكل بيضة دم وعليه ثمنها سدس أو ربع درهم ، الوهم من صالح الواقع في السند ثمّ قال : إنّ الدماء لزمته لأكله وهو محرم ، وإنّ الجزاء لزمه لأخذه بيض حمام الحرم» (١).

والرواية على مسلك المشهور ضعيفة سنداً ، لأن صالح بن عقبة الواقع في السند لم يوثق في كتب الرجال ، ولكنّه موثق عندنا لوروده في أسانيد كامل الزيارات وتفسير القمي ، ولذا لا مانع من العمل بالرواية في خصوص موردها وهو أكل المحرم بيض حمام الحرم ، ونلتزم بوجوب الشاة وقيمة البيض عليه ولا نتعدى عن موردها.

ومنها : صحيحة زرارة قال : «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : من نتف إبطه وقلّم ظفره إلى أن قال أو أكل طعاماً لا ينبغي له أكله وهو محرم ... ومن فعله متعمداً فعليه دم شاة» (٢).

وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن من أكل شيئاً من المحرمات والصيد عليه شاة من دون خصوصية بحمام الحرم. ورواه الكليني أيضاً نحوه (٣).

ومنها : معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن قوم محرمين اشتروا صيداً فاشتركوا فيه ، فقالت رفيقة لهم : اجعلوا لي فيه بدرهم ، فجعلوا لها ، فقال : على كل إنسان منهم شاة» (٤) بعد حملها على الأكل ، لأن مجرد الشراء لا كفّارة فيه. ورواه الكليني بسند ضعيف نحوه إلّا أنّه قال : «على كل إنسان منهم فداء» (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٦ / أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٥٧ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ٨ ح ٨.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٥٩ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٠ ح ١ ، الكافي ٤ : ٣٦١ / ٨.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٥ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٥.

(٥) الكافي ٤ : ٣٩٢ / ٤.

٣٤٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : معتبرة يوسف الطاطري قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : صيد أكله قوم محرمون ، قال : عليهم شاة وليس على الّذي ذبحه إلّا شاة» كذا في نسخة الوسائل (١) وفي الفقيه والتهذيب قال : «عليهم شاة» (٢) بتكرر لفظ الشاة ، وكذا في الوافي (٣) ، وأمّا يوسف الطاطري وإن لم يوثق في الرجال بل عدّه المفيد من المجهولين (٤) ، ولكن الشيخ ذكر في العدّة أنّ الأصحاب عملوا بأخبار الطاطريين فيما إذا لم يكن له معارض من طرق أصحابنا ، وذكر أنّ الوجه في ذلك إنّما هو الوثاقة والتحرز عن الكذب وإن لم يكن الراوي صحيح الاعتقاد (٥).

هذه هي الروايات الّتي دلّت على أن كفّارة الأكل هي الشاة مطلقاً ، ولكن جمعاً بينها وبين صحيح علي بن جعفر المتقدِّم الدال على أن كفّارة الأكل هو الفداء ، تحمل هذه الروايات على أنّ المأكول ممّا فيه شاة كالحمام والظبي ونحوهما مما تعارف أكله ويدلُّ على ما ذكرناه أيضاً صحيحة أبان المتقدِّم المفروض فيه أكل الفراخ للنعامة وأنّ الواجب فيه بدنة ، فهي معاضدة لصحيح ابن جعفر.

فتحصل : أن مقتضى الجمع بين الروايات ثبوت الشاة للأكل إذا كان المأكول ممّا فيه الشاة كالظبي والحمام ، وما فيه البدنة ففيه بدنة وما فيه القيمة ففيه القيمة ، نعم خصوص أكل بيض حمام الحرم يوجب الشاة وإن لم يكن في البيض شاة في نفسه للنص المتقدِّم (٦).

الأمر الرابع : ويتضمّن حكم الاشتراك في الأكل والاشتراك في الصيد والرمي فقد تسالم الأصحاب على أن حكم الاشتراك في الأكل والاشتراك في الصيد حكم

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٧ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٨.

(٢) الفقيه ٢ : ٢٣٥ / ١١٢٢ ، التهذيب ٥ : ٣٥٢ / ١٢٢٥.

(٣) الوافي ١٣ : ٧٣٦.

(٤) الاختصاص : ١٩٦.

(٥) عدّة الأُصول ١ : ٥٦.

(٦) في ص ٣٣١.

٣٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الانفراد ، فيجب على كل واحد منهم أو منهما ما وجب عليه عند الانفراد والاستقلال.

أمّا بالنسبة إلى الأكل فالأمر واضح ولا حاجة إلى دليل خاص ، بل يكفي في ثبوت الكفّارة على كل واحد من المشتركين نفس ما دلّ على الكفّارة في الأكل ، وذلك لصدور الأكل من كل واحد منهم مستقلا وإن اجتمعوا عليه ، وهو غير قابل لاستناده إلى المتعدد ، غاية الأمر يضم بعض أفراد الأكل الصادر من شخص إلى الأكل الصادر من شخص آخر ، وليس من الأفعال الّتي يمكن استناده إلى شخصين وصدوره منهما ، فكل من الشخصين أو الأشخاص موضوع مستقلا لما دلّ على ثبوت الكفّارة للأكل.

هذا مضافاً إلى الأدلّة الخاصّة ، منها : صحيح ابن رئاب المتقدِّم (١) الدال على ثبوت الكفّارة لكل من أكل كالمنفرد ، وفي صحيح ابن جعفر قال : «على كل من أكل منهم فداء صيد ، كل إنسان منهم على حدته فداء صيد كاملاً» (٢) وكذا في صحيحة معاوية ابن عمار وموثقته (٣).

نعم ، القتل فعل يمكن صدوره من المتعدد ، فلو لم يكن دليل على ثبوت الكفّارة على كل واحد من المشتركين مستقلا لأشكل ثبوت الكفّارة على كل واحد منهم على نحو الاستقلال ، لعدم صدور القتل الواحد منهم على حدة ، بل القتل صدر من المجموع واستند إليهم على نحو الاشتراك لا الاستقلال ، ولذا سألوا عن الأئمة (عليهم السلام) عن ثبوت الكفّارة عليهم والسؤال في محلِّه ، حيث إنّهم اشتركوا في الفعل الواحد ، فطبعاً تكون الكفّارة الثابتة فيه موزعة عليهم ، لعدم تعدد القتل الصادر منهم ، وإنّما القتل استند إليهم جميعاً ، فلا موجب في نفسه لتعدد الكفّارة ، إلّا أنّ الدليل الخاص دلّ على تعدد الكفّارة وثبوتها على كل واحد منهم مستقلا كصحيح معاوية بن عمار «إذا اجتمع قوم على صيد وهم محرمون في صيده أو أكلوا منه فعلى كل واحد منهم قيمته» (٤)

__________________

(١) في ص ٣٣٩ وهي صحيحة أبان.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٤ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٤ / أبواب كفارات الصيد ب ١٩ ح ١ ، ٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٤ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ١.

٣٤٥

مسألة ٢١٦ : من كان معه صيد ودخل الحرم يجب عليه إرساله ، فان لم يرسله حتّى مات لزمه الفداء ، بل الحكم كذلك بعد إحرامه وإن لم يدخل الحرم على الأحوط (١).

______________________________________________________

ونحوه موثقة معاوية بن عمار المتقدِّمة (١) ، ونحوهما ما ورد فيما إذا أوقد جماعة محرمون ناراً بقصد الصيد فوقع فيها طائر فمات ، لزم كل واحد منهم فداءً بدم شاة كما في صحيحة أبي ولاد الحناط (٢).

وفي صحيح زرارة : «في محرمين أصابا صيداً ، فقال : على كل واحد منهما الفداء» (٣).

(١) يقع الكلام في موردين :

أحدهما : ما إذا كان معه صيد ودخل الحرم.

ثانيهما : ما إذا أخذ الصيد معه بعد الإحرام وإن لم يدخل الحرم.

أمّا الأوّل : فقد تسالموا على أنّ الحيوان الّذي يدخل الحرم كالظبي والطير يكون آمناً لا يجوز لأحد أخذه وإمساكه ، لقوله تعالى (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (٤) لشموله للحيوانات أيضاً حسب الروايات المفسرة له ، وعدم قصر ذلك على الإنسان.

وأمّا إذا أدخل الصيد في الحرم يجب على من أدخله إطلاقه وإرساله ، لأنّ الحرم مأمن له ، فإن أرسله فمات فليس على الّذي أدخله أو صاده شي‌ء ، وإن مات عنده قبل الإرسال ولو لآفة سماوية يكون ضامناً ، ويدلُّ عليه بعد التسالم معتبرة بكير بن أعين قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل أصاب ظبياً فأدخله الحرم فمات الظبي في الحرم ، فقال : إن كان حين أدخله خلى سبيله فلا شي‌ء عليه ، وإن كان

__________________

(١) في الصفحة السابقة.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٨٠ / أبواب كفارات الصيد ب ١٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٨ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٧.

(٤) آل عمران ٣ : ٩٧.

٣٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

أمسكه حتّى مات فعليه الفداء» (١).

ويؤيده ما رواه الكليني في الضعيف بسهل بن زياد في من أصاب طيراً (٢) ، ولا ريب أنّ الحكم لا يختص بالظبي إذ لا نحتمل كون الحرم مأمناً لخصوص الظبي ، فلا فرق بين الظبي والطير ونحوهما.

وأمّا السند فلا ريب في اعتباره ، فان بكير بن أعين وإن لم يرد فيه توثيق بالصراحة في كتب الرجال ، ولكنّه مدح مدحاً بليغاً فوق حد الوثاقة في روايات معتبرة فلا حاجة إلى التوثيق ، فقد روي في حقّه أنّه لما بلغ الصادق (عليه السلام) موت بكير بن أعين قال : أما والله ، لقد أنزله الله بين رسوله وأمير المؤمنين (صلوات الله عليهما) (٣) فلا مجال للتشكيك في السند.

ثمّ إن هذا الحكم لا يختص بالمحرم ، بل لو أدخل المحل الصيد في الحرم ولو كان طيراً أهلياً يجب عليه إرساله وإطلاقه ، لأنّ الحرم مأمن ، والرواية لم ترد في خصوص المحرم ، بل موردها أعم من المحل والمحرم ، لأن موردها السؤال عن رجل وهو مطلق.

واستدلّ صاحب الجواهر بذيل خبر أبي سعيد المكاري (٤) أيضاً «فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه ، فان لم يفعل حتّى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء» (٥).

وفيه : أنّه ضعيف سنداً. على أن في هذا الذيل كلام لم يعلم أنّه من الرواية ، بل الظاهر أنّه من كلام الشيخ ، فانّ الشيخ يضيف إلى عبارة المقنعة عبارات من نفسه ثمّ يشرحها بالروايات كما اقتصر في الوسائل إلى قوله : «حتّى يخرجه عن ملكه» ولم يذكر الذيل ، وكذا في الوافي (٦) مع أنّه ملتزم بذكر الرواية بتمامها وملتزم بعدم التقطيع

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٧٥ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٧٦ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ، الكافي ٤ : ٢٣٤ / ١١.

(٣) الفقيه ٤ (المشيخة) : ٣٣.

(٤) الجواهر ٢٠ : ٣٣١.

(٥) الوسائل ١٣ : ٧٤ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٤ ح ٣.

(٦) الوافي ١٣ : ٧٢٠.

٣٤٧

.................................................................................................

______________________________________________________

راجع التهذيب (١) ، وفي الحدائق ذكر قطعة من الذيل بعد قوله : «حتّى يخرجه من ملكه» «فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه» ولم يذكر فان لم يفعل حتّى إلى آخره (٢) والمدارك ذكر الذيل بعنوان الرواية (٣).

المورد الثاني : وهو ما إذا كان محرماً ولم يدخل الحرم ، فلا ريب في وجوب إرسال الصيد عليه وحرمة الإمساك عليه ، لما تقدّم (٤) من حرمة الإمساك ووجوب الإرسال على المحرم وإن لم يدخل الحرم للنصوص.

إنّما الكلام فيما إذا لم يرسله ومات عنده حتف أنفه فهل يجب عليه الفداء أيضاً أم لا؟

المعروف والمشهور وجوب الفداء ، وعدم الفرق بين ما إذا كان في الحرم أو في خارجه في حال الإحرام ، فكان ذلك من آثار الإحرام ، بل ادعي عليه الإجماع ، ولذا احتاط شيخنا الأُستاذ في مناسكه في لزوم الفداء بل قواه (٥).

والظاهر أنّه (قدس سره) اعتمد على الإجماع المدعى في المقام ، وإلّا فلا نص في هذا المورد يستفاد منه الإطلاق والتعميم.

واستدلّ صاحب الجواهر مضافاً إلى الإجماع باليد فإنّه بعد ما وجب عليه الإرسال وبعد الحكم بخروج الصيد عن ملكه ، يكون وضع اليد على الصيد حراماً ، فتكون يده يداً عدوانيا كاليد الغاصبة ، فإذا تلف قبل الإرسال ولو بحتف أنفه يكون ضامناً (٦).

وفيه أوّلاً : أنّه قد عرفت في محلِّه أنّه لا دليل على خروج الصيد عن ملكه ، بل يستفاد من بعض الروايات أنّه ماله وباق على ملكه ، كالروايات الواردة في الاضطرار

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٧.

(٢) الحدائق ١٥ : ١٧١.

(٣) لاحظ المدارك ٨ : ٣٨٤.

(٤) في شرح العروة ٢٨ : ٢٧٨.

(٥) دليل الناسك : ١٩٤.

(٦) الجواهر ٥ : ٢٧٤.

٣٤٨

مسألة ٢١٧ : لا فرق في وجوب الكفّارة في قتل الصيد وأكله بين العمد والسهو والجهل (١).

______________________________________________________

إلى أكل الميتة أو أكل الصيد ، حيث أمروا (عليهم السلام) بتقديم الأكل من الصيد معللين بأنّه ماله.

وثانياً : أنّه لو سلّمنا خروج الصيد عن ملك المحرم وحرمة وضع يده عليه ، إلّا أنّ الضمان في اليد العادية إنّما يتحقق فيما إذا كان المأخوذ ملكاً لأحد ، وفي المقام ليس الصيد ملكاً لأحد وإنّما هو من المباحات الأصلية ، غاية الأمر لا يجوز للمحرم التصرف فيه ويجب عليه إرساله وإخراجه عن الملك ، ويحرم عليه إمساكه.

وبعبارة اخرى : الضمان إنّما يثبت في الأموال المغصوبة ، لا في كل مورد تكون اليد يداً عداونيا غير مشروعة ، فليس في البين إلّا الإجماع وهو غير حاصل ، لعدم تعرض كثير من الأصحاب لهذه المسألة ، وإنّما هو حكاية إجماع من العلّامة في المنتهي (١).

بل عبارة المقنعة المتقدِّمة يظهر منها عدم الفداء قبل الدخول في الحرم ، واختصاص لزوم الفداء بما إذا دخل الحرم لقوله : «فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخليه ، فان لم يفعل حتّى يدخل الحرم ومات لزمه الفداء» فالحكم مبني على الاحتياط.

(١) لا يخفى أن ثبوت الكفّارة حتّى في صورة الجهل والنسيان مختص بالصيد ، وإلّا فبقية التروك والمحرّمات لا توجب الكفّارة في صورة الجهل والخطأ والنسيان ، للأدلّة العامّة والخاصّة (٢).

وأمّا الصيد فيترتب عليه الفداء حتّى في صورة الخطأ فحاله حال القتل الخطأي في ترتب الكفّارة والفداء والنصوص في ذلك مستفيضة.

__________________

(١) المنتهي ٢ : ٨٣٠ السطر ١٧.

(٢) منها الروايات الواردة في الجماع المرويّة في الوسائل ١٣ : ١٠٨ / أبواب كفّارات الاستمتاع ب ٢.

٣٤٩

مسألة ٢١٨ : تتكرر الكفّارة بتكرر الصيد جهلاً أو نسياناً أو خطأ ، وكذلك في العمد إذا كان الصيد من المحل في الحرم ، أو من المحرم مع تعدد الإحرام ، وأمّا إذا تكرّر الصيد عمداً من المحرم في إحرام واحد لم تتعدّد الكفّارة (١).

______________________________________________________

ففي صحيحة معاوية بن عمار «لا تأكل من الصيد وأنت حرام وإن كان أصابه محل وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلّا الصيد ، فان عليك فيه الفداء بجهل كان أو بعمد» (١).

وفي معتبرة أُخرى : «عن المحرم يصيب الصيد بجهالة ، قال : عليه كفّارة ، قلت : فإن أصابه خطأ؟ قال : وأيّ شي‌ء الخطأ عندك؟ قلت : ترمي هذه النخلة فتصيب نخلة أُخرى ، فقال : نعم ، هذا الخطأ وعليه الكفّارة (٢).

وفي صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار «واعلم أنّه ليس عليك فداء شي‌ء أتيته وأنت محرم جاهلاً به إذا كنت محرماً في حجك أو عمرتك ، إلّا الصيد فان عليك الفداء بجهالة كان أو عمد» (٣) وغير ذلك من النصوص ، فالمتعمد عليه الإثم والكفّارة والخاطئ عليه الكفّارة دون الإثم ، فليس هما على حد سواء.

(١) لو تكرّر الصيد عمداً ذهب الأكثر إلى وجوب الكفّارة بالصيد الأوّل فقط وعدم تكرّرها ، وذهب قليل من الأصحاب إلى تكرر الكفّارة بتكرّر الصيد ، والصحيح هو الأوّل بيان ذلك : أنّ الروايات الواردة في المقام على طوائف :

الأُولى : ما دلّ على ثبوت الكفّارة على الإطلاق كصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في المحرم يصيب الصيد ، قال : عليه الكفّارة في كل ما أصاب» (٤) و «ما» في قوله «كل ما أصاب» مصدرية أي : كلّ ما تحقق الإصابة ففيه الكفّارة. وبعبارة اخرى : تدل الصحيحة على ثبوت الكفّارة في كل إصابة.

واحتمل بعضهم أن «ما» موصولة ، أي كل فرد من أفراد الصيد الّذي لا كلام في

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٦٩ / أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٦٩ / أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٧٠ / أبواب كفارات الصيد ب ٣١ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٣ : ٩٢ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٧ ح ١.

٣٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ثبوت الكفّارة فيه ، فلا دلالة له على ثبوت الكفّارة في الوجود الثاني وفي تكرر الإصابة ، ولكنّه ضعيف جدّاً وخلاف للظاهر.

وفي صحيحة أُخرى له «محرم أصاب صيداً ، قال : عليه الكفّارة ، قلت : فان هو عاد؟ قال : عليه كلّ ما عاد كفّارة» (١).

والمستفاد من هذه الطائفة وجوب الكفّارة مطلقاً ، سواء كانت الإصابة خطأ أو عمداً ، وسواء كانت متعددة أم لا.

الطائفة الثانية : ما دلّ على عدم تكرر الكفّارة في الإصابة الثانية مطلقاً ، سواء كان الصيد الأوّل وقع عمداً أم خطأ كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «المحرم إذا قتل الصيد فعليه جزاؤه ويتصدّق بالصيد على مسكين ، فان عاد فقتل صيداً آخر لم يكن عليه جزاؤه وينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة» (٢) والمراد من المسكين الّذي يتصدق عليه هو المحل ، وأمّا المحرم فلا يجوز له أكله.

وفي صحيح ابن سنان عن حفص الأعور عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إذا أصاب المحرم الصيد فقولوا له : هل أصبت صيداً قبل هذا وأنت محرم؟ فان قال : نعم فقولوا له : إن الله منتقم منك فاحذر النقمة ، فإن قال : لا ، فاحكموا عليه جزاء ذلك الصيد» (٣).

وفي صحيحة أُخرى للحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «في محرم أصاب صيداً قال : عليه الكفّارة ، قلت : فإن أصاب آخر؟ قال : إذا أصاب آخر فليس عليه كفّارة وهو ممّن قال الله عزّ وجلّ (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ)» (٤).

الطائفة الثالثة : مراسيل ابن أبي عمير الدالّة على الفرق بين العمد والخطأ ، فتكون وجه جمع بين الطائفتين ، وشاهدة جمع بينهما ، ففي إحدى مراسيله قال : «إذا

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٩٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٩٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٩٤ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٣ : ٩٤ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ٤.

٣٥١

.................................................................................................

______________________________________________________

أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه أبداً في كل ما أصاب الكفّارة» (١).

وفي مرسلة أخرى له : «إذا أصاب المحرم الصيد خطأً فعليه كفّارة ، فإن أصابه ثانية خطأً فعليه الكفّارة أبداً إذا كان خطأً ، فإن أصابه متعمِّداً كان عليه الكفّارة ، فإن أصابه ثانية متعمِّداً فهو ممّن ينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة ، ولم يكن عليه الكفّارة» (٢).

ولا يخفى إن قلنا بحجية مراسيل ابن أبي عمير فالأمر سهل ، لأنّ المراسيل تكون وجه جمع بين أخبار المسألة بها ، ويرتفع التعارض ويثبت قول المشهور ، ولكن حيث لا نرى حجية مراسيل ابن أبي عمير فالتعارض باق على حاله ، فالعبرة بالطائفتين المتقدمتين فلا بدّ من علاج آخر لرفع التعارض بينهما فنقول :

إن رواية معاوية بن عمار الدالّة على تعدد الكفّارة وتكررها بتكرر الصيد مطلقة من حيث العمد والخطأ ، وما دلّ على عدم التعدد كصحيحتي الحلبي خاص بالعمد ، لأن مورده الانتقام والانتقام لا يكون إلّا في العمد ، وأمّا في مورد الخطأ والنسيان فلا موجب للانتقام ، فمورد الصحيحتين الدالّتين على عدم تعدد الكفّارة إنّما هو خصوص الصيد العمدي.

هذا بالنسبة إلى الصيد الثاني الصادر منه ، وأمّا بالنسبة إلى الوجود الأوّل والصيد الصادر منه أوّلاً فالرواية مطلقة من حيث العمد والخطأ لقوله (عليه السلام) : «في محرم أصاب صيداً».

وبعبارة اخرى : صدر صحيحتي الحلبي مطلق من حيث العمد والخطأ ، فالاصابة الاولى بمقتضى إطلاق الصدر توجب الكفّارة ، سواء كانت عن عمد أو خطأ ، وأمّا الإصابة الثانية تحمل على خصوص العمد بقرينة الانتقام منه ، فانّ الانتقام لا يحسن إلّا إذا كان الفعل صادراً عن عمد كما تقدّم.

وبتقريب آخر : مقتضى إطلاق صدر صحيحتي الحلبي عدم تكرر الكفّارة حتّى إذا كانت الإصابة الاولى خطيئة والإصابة الثانية عمدية وأنّه لا تجب إلّا كفّارة واحدة

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٩٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٧ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٩٤ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٨ ح ٢.

٣٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

حتّى في هذه الصورة وهي ما لو سبقها صيد ، مع أنّ المشهور لم يلتزموا بذلك ، لأنّهم استثنوا من ثبوت الكفّارة لكل إصابة ما إذا كان الأوّل والثاني كلاهما عمدياً ، وأمّا إذا كان الأوّل خطأ ، والثاني عمدياً فلا يقولون بعدم التكرر ، وإطلاق الصحيحتين يقتضي عدم التكرّر حتّى في هذه الصورة.

ومع ذلك لا بدّ لنا من حملهما على العمد في الإصابة الاولى والثانية ، لأن هذه الروايات تفسير للآية الشريفة وهي قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً) إلى قوله تعالى (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (١) وناظرة إليها ، والظاهر من الآية الكريمة أنّها في مقام بيان حكم العامد ، فالروايات صدراً وذيلاً تبيّن حكم العمد ، فهي منطبقة على مذهب المشهور.

ويمكن أن يقال : إن كلمة «عاد» المذكورة في الصحيح تدل على أن كلّا من الفعلين عمدي ، لأنّ العود والإعادة إيجاد للوجود الثاني على سنخ الوجود الأوّل وإلّا لم يصدق العود ، فلا بدّ من أن يكون الفعل الأوّل عمدياً أيضاً حتّى يصدق على الفعل الثاني أنّه إعادة للأوّل.

ولو أغمضنا عن ذلك فنقول : إن مقتضى إطلاق صحيحتي الحلبي عدم ثبوت الكفّارة للوجود الثاني حتّى إذا كان الأوّل خطأ ، ومقتضى إطلاق صحيح معاوية بن عمار الّتي ذكرناها في الطائفة الأُولى ثبوت الكفّارة حتّى في الفعل الثاني ، ولكن صحيحتي الحلبي ناظرتان إلى الآية المباركة ، فالعمد مفروض في الفعل الأوّل والثاني ، وتخرج هذه الصورة من إطلاق صحيح معاوية بن عمار ، فتنقلب النسبة من العام والخاص إلى العموم من وجه ، وذلك لأن كلّا من الفعلين إذا كان عمدياً خرج من صحيح معاوية بن عمار ، وإذا كان كل منهما خطأ يخرج من صحيح الحلبي ، فيبقى ما إذا كان الأوّل خطأ والثاني عمداً وهو مورد الاجتماع ، لأن مقتضى رواية معاوية بن عمار ثبوت الكفّارة ومقتضى صحيح الحلبي عدم الكفّارة فيسقطان معاً ، والمرجع حينئذ عموم ما دلّ على ثبوت الكفّارة مطلقاً كما تقتضيه القاعدة من تعدد المسبب

__________________

(١) المائدة ٥ : ٩٥.

٣٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بتعدّد السبب ، وإلّا فأصالة البراءة عن الزائد ، لأنّ المقام من دوران الأمر بين الأقل والأكثر.

ومع قطع النظر عن ذلك أيضاً يمكن أن يقال : إن ذكر العمد في صدر الآية توطئة لقوله تعالى (وَمَنْ عادَ) وإلّا لكان ذكر العمد لغواً ، ولم يظهر وجه للتقييد بالعمد بعد ثبوت الكفّارة لكل صيد على إطلاقه ، فالآية تدل على نفي الكفّارة في الثاني فيما إذا كان الأوّل عمدياً أيضاً ، ولا ينافي ذلك ثبوت الكفّارة للوجود الثاني أيضاً إذا كان الأوّل خطأ والثاني عمدياً ، فإذن تكون النتيجة صحّة ما ذهب إليه المشهور.

والمتحصل ممّا ذكرنا : أنّ الصيد كل ما تكرر تكررت الكفّارة ، سواء كان عن عمد أو خطأ ، لمقتضى القاعدة ، لتعدد المسبب بتعدد السبب ، ولصحيحتي معاوية بن عمار ، وخرجنا من ذلك في خصوص ما إذا كان الصيد الأوّل والثاني كلاهما عمدياً للآية والروايات ، وأنّ الجزاء في الثاني في الآخرة فلا تثبت إلّا كفّارة واحدة في صورة إصابة كلا الصيدين عن عمد ، وأمّا في مورد عدم القصد إلى المصيد كالجهل بأنّ المرمي حيوان ، كما إذا رأى شبحاً وزعم أنّه حجر أو نخلة فرماه ثمّ تبين أنّه حيوان ، أو الخطأ بأن قصد رمي هذه النخلة فأصاب نخلة أُخرى عليها طير فأصابه ، أو كان قاصداً للصيد وكان ناسياً لإحرامه فلا يجري عليه حكم العمد ، لأنّه لم يكن قاصداً للصيد بوصف أنّه محرم ، مع أنّ الظاهر من الآية كون القصد إلى الصيد بوصف كونه محرماً هو موضوع للحكم بعدم تعدد الكفّارة ، فالعمد المأخوذ العمد بوصف كونه محرماً ، كل ذلك ممّا لا إشكال فيه.

نبقى نحن وما ذكره صاحب الجواهر من إلحاق الجاهل بالحكم بالخاطئ في لزوم تعدد الكفّارة ، وعدم إجراء حكم العامد عليه (١).

ولا يخفى ما فيه من الضعف ، لصدق العامد على الجاهل بالحكم ، فانّ العمد إنّما يتحقق بالقصد إلى عنوان الفعل ، والجهل والعلم غير دخيلين في تحقق عنوان القصد

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ٣٢٢.

٣٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى الفعل ، كمن قطع المسافة وسافر ولكن كان جاهلاً بأنّ الحكم الشرعي هو القصر فلا ريب أن حكمه هو القصر. وهكذا لو كان صائماً وكان ملتفتاً إلى ذلك ، ولكن شرب الماء جاهلاً بأنّه مفطر شرعاً ، يصدق عليه أنّه أفطر.

وبالجملة : العمد ليس إلّا اختيار الفعل بعنوانه والقصد إليه ، وهذا يتحقق في صورة الجهل بالحكم أيضاً ، فإلحاق الجاهل بالحكم بالخاطئ ممّا لا نعرف له وجهاً. ودعوى انصراف الآية إلى غير الجاهل غير مسموعة.

نعم ، إذا كان الجهل عن قصور اجتهاداً أو تقليداً كما إذا أدى نظره إلى حلية صيد محرم الأكل ، أو قلّد من يقول بذلك ، يتم ما ذكره الجواهر ، لأنّ الظاهر من الآية المباركة وقوع الفعل الثاني حراماً ومبغوضاً ، لقوله تعالى (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) فإذا كان الصيد الثاني حلالاً على الفرض حسب اجتهاده أو تقليده فلا موضوع للانتقام.

فالصحيح هو التفصيل بين الجاهل القاصر المعذور وغيره ، والجاهل المقصّر حكمه حكم العامد.

ثمّ إن ما ذكرنا كلّه إنّما هو بالنسبة إلى المحرم ، وأمّا إذا كان محلا وصاد في الحرم وتكرر منه الصيد عمداً فهل تثبت الكفّارة لكل صيد أو لا تتكرر؟

الظاهر هو الأوّل ، لأنّ السقوط خلاف القاعدة وخلاف ما يقتضيه إطلاق معتبرتي معاوية بن عمار المتقدِّمتين (١) ، وإنّما خرجنا عن ذلك بالنسبة إلى المحرم ، وأمّا صيد المحل عمداً في الحرم فلا دليل على خروجه من القاعدة وإطلاق المعتبرتين ، فالواجب عليه تكرر الكفّارة بتكرر الصيد.

ثمّ إنّه لا خلاف في تكرر الكفّارة منه إذا وقع منه الصيد في عامين ولا يدخل بذلك تحت الآية ، لأن ما أتى به في كل عام عمل مستقل يختلف عن الآخر ، فكل حج وإحرام له حكمه الخاص ، ولا يصدق التكرر بحصوله في عامين مختلفين ، فتجب

__________________

(١) في ص ٣٥٠.

٣٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الكفّارة في الصيد الأوّل والثاني وإن كان كل منهما عمدياً ، وكذا تتكرر الكفّارة مع تعدد الإحرام.

وخالف بعضهم فيما إذا كان الزمان قريباً ، كما إذا أحرم للعمرة المفردة في آخر شهر رجب وأحرم إحراماً آخر في شعبان ، لأن لكل شهر عمرة ، فالتزم بسقوط الكفّارة عن الثاني ، فإنّ الصيد وإن وقع في إحرامين ولكن لقربهما زماناً يصدق عنوان التكرر العمدي.

وذهب بعضهم إلى أنّ الإحرامين إذا كان بينهما ارتباط كإحرام عمرة التمتّع وإحرام حج التمتّع يصدق عنوان التكرار ، لأنّهما عمل واحد ويصدق أنّه تكرر الصيد منه في عمل واحد وإن كان في إحرامين ، فتشمله الآية النافية للكفارة للصيد الثاني.

وفيه : أنّ الظاهر من الآية أنّ العود عود في الشخص لا في الجنس ، ومعنى قوله (وَمَنْ عادَ) عود الصيد في شخص هذا الإحرام لا نوع الإحرام كما يقال : الصائم إذا أكل أو شرب فعليه كذا وإذا عاد فلا شي‌ء عليه إلّا الجماع ، فالمعنى أنّه إذا أكل في هذا الصوم مرّة ثانية لا يترتب عليه الكفّارة وإن كان أكله في كل مرّة حراماً ، إلّا أنّ الكفّارة تجب عليه بالأكل الأوّل ، فالعود إنّما يتحقق بعود الصيد في شخص هذا الإحرام ولا يتحقق العود بالإحرام الثاني بعد التحلل من الإحرام الأوّل ، ولو أنكرنا الظهور فيما ذكرناه لا ظهور له في الجنس أيضاً ، فتكون الآية مجملة فتدخل المسألة في الكبرى الكلية إذا كان المخصص مجملاً ودائراً بين الأقل والأكثر يرجع إلى عموم العام وهو صحيح معاوية بن عمار الدال على ثبوت الكفّارة لكل صيد ، ويقتصر في الخروج منه بالمتيقن وهو تكرر الصيد الواقع في الإحرام الواحد.

تنبيهان :

التنبيه الأوّل : قد عرفت سابقاً أنّ المحرّم على المحرم إنّما هو صيد الحيوان الوحشي ، وأمّا الأهلي كالبقر والغنم والإبل والدجاج حتّى الدجاج الحبشي فلا بأس بذبحها ، وذكرنا أنّ الطير الّذي لا يجوز صيده وذبحه هو ما يصفّ والدجاج لا يصفّ

٣٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كما في النصوص (١) وذكرنا أيضاً أنّ الوحشي لو صار أهلياً لا ينقلب حكمه وكذا العكس والمتبع هو الحكم الأوّل.

وأمّا إذا توالد الوحشي في مكّة الّذي صار أهلياً فيجوز ذبح المولود للمحل في الحرم ، لأنّ المحرّم عليه أمران : الأوّل الصيد وهذا غير صادق على المولود. الثاني : الحيوان الّذي دخل الحرم ولجأ إليه ، وهذا غير منطبق على المولود من الوحشي ، لأنّ المفروض انّه ولد في مكّة ، فلا مانع للمحل ذبحه ، وكل ما جاز ذبحه للمحل في الحرم يجوز ذبحه للمحرم ، لكن هذا كلّه في غير الطير الأهلي كالظبي والدجاج ونحوهما ، وأمّا الطير الأهلي فاللّازم استثناؤه ممّا ذكرنا ، للنصوص الدالّة على ثبوت الكفّارة لنفس الطير الأهلي ولفرخه (٢).

التنبيه الثاني : قد تقدّم سابقاً أن حرمة الصيد لا تختص بالحيوان المحلل الأكل ، بل تشمل الحيوانات المحرم الأكل لعموم قوله : «ثمّ اتق قتل الدواب كلّها» (٣).

واستدلّ القائلون بالاختصاص بأنّه لا كفّارة في قتل المحرّم الأكل إلّا فيما ورد النص الخاص فيه كالأرنب واليربوع والقنفذ ، وعدم الكفّارة يكشف عن عدم الحرمة.

ولكن يرد عليه بأنّه لا ملازمة بين عدم الكفّارة وعدم الحرمة ، بل يمكن الحكم بالحرمة ومع ذلك لا كفّارة فيه كالصيد العمدي الثاني فإنّه محرم قطعاً ولا كفّارة فيه ، فالصحيح عدم الفرق بين المحرم الأكل والمحلل الأكل.

بقي شي‌ء : وهو أن غير المأكول هل في صيده الكفّارة أو لا؟ والفقهاء لم يتعرضوا للكفارة في غير المأكول ، وإنّما اقتصروا على موارد خاصّة.

والّذي ينبغي أن يقال : إنّ الحيوان المحرّم قد لا يكون له قيمة عند العقلاء

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٨٠ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٠.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٢ / أبواب كفارات الصيد ب ٩.

(٣) الوسائل ١٢ : ٨١ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

٣٥٧

٢ ـ مجامعة النساء

مسألة ٢١٩ : يحرم على المحرم الجماع أثناء عمرة التمتّع وأثناء العمرة المفردة وأثناء الحجّ ، وبعده قبل الإتيان بصلاة طواف النِّساء (١).

______________________________________________________

كالخنفساء ، بل كثير من السباع كالهرة والذئب ، فمقتضى القاعدة عدم ثبوت الكفّارة فيه ، لعدم القيمة له ولم يرد نص خاص في تعيين الكفّارة.

وأمّا إذا كان المحرّم ممّا له قيمة كالصقر والباز ، ولعل القردة من هذا القبيل لحصول الخدمة منه ، فالظاهر ثبوت الكفّارة فيه وهي قيمته فان قوله (عليه السلام) : «وفيما سوى ذلك قيمته» (١) يشمل المحرم الأكل ، فكل حيوان غير منصوص عليه بكفارة خاصّة مشمول لهذا العنوان أي «وفيما سوى ذلك قيمته».

ويؤيد ما ذكرنا ثبوت الكفّارة في النصوص في الحيوانات المحرمة كالقنفذ واليربوع والضب والزنبور.

(١) هذا الحكم مقطوع به عند الأصحاب والأصل فيه قوله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) (٢) من دون فرق بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع والحجّ ، وقد فسّر الرفث في روايات صحيحة بالجماع (٣).

ولكن الاستدلال بالآية لا يتم في العمرة المفردة ، لأن أشهر الحجّ وهي الأشهر الثلاثة ، شوال وذو القعدة وذو الحجة ، تختص بالحج وبعمرة التمتّع ، وأمّا المفردة فيصح الإتيان بها في طول السنة ولا تختص بأشهر الحجّ.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥ / أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٢.

(٢) البقرة ٢ : ١٩٧.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٦٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٢ ح ١ وغيره.

٣٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وقد يستدل لعدم الاختصاص بأن هذا الحكم من أحكام الإحرام ، للنصوص الدالّة على حرمة الجماع على المحرم ، فيستفاد منها أنّ الإحرام له خصوصية ، سواء كان بالعمرة المفردة أو بالحج أو بعمرة التمتّع.

وكيف كان لا ينبغي الريب في أصل الحكم على إطلاقه ولا خلاف فيه أبداً.

ويمكن أن يستدل لذلك بعدة من الروايات الآتية الواردة في جماع المحرم وثبوت الكفّارة فيه حيث يبعد حليته مع ثبوت الكفّارة فيه ، وكذلك لا ريب ولا خلاف في فساد العمرة المفردة بالجماع ، ويجب عليه الإتمام لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (١) ، فعدم شمول قوله تعالى (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ) للعمرة المفردة غير ضائر ، لأن حرمة الإفساد بالجماع تثبت بدليل آخر.

وأمّا حرمة الجماع بعد أعمال الحجّ وقبل طواف النِّساء فمما قطع به الأصحاب أيضاً ، فإن طواف النِّساء وإن لم يكن جزءاً للحج وإنّما هو عمل مستقل وواجب آخر يؤتى به بعد الحجّ ، والحجّ إنّما يتم بالطواف والسعي ، ولكن النصوص الكثيرة جدّاً دلّت على الحرمة قبل طواف النِّساء :

منها : ما دلّ على أن تشريع طواف النِّساء منة على الناس ليتمكنوا من الجماع (٢) ومنه يظهر أنّه قبل الطّواف لا يمكنه الجماع.

ومنها : النصوص الآمرة بالرجوع لتدارك طواف النِّساء لمن نسي طواف النِّساء (٣).

ومنها : الأخبار الدالّة على ثبوت الكفّارة لمن عليه طواف النِّساء (٤) وغير ذلك من الروايات (٥).

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٩٩ / أبواب الطواف ب ٢ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٠٥ / أبواب الطّواف ب ٥٨.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٢٣ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٠.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢٣٢ / أبواب الحلق والتقصير ب ١٣.

٣٥٩

مسألة ٢٢٠ : إذا جامع المتمتع أثناء عمرته قبلاً أو دبراً عالماً عامداً ، فان كان بعد الفراغ من السعي لم تفسد عمرته ، ووجبت عليه الكفّارة ، وهي على الأحوط جزور ، ومع العجز عنه بقرة ، ومع العجز عنها شاة (١) وإن كان قبل الفراغ من السعي فكفارته كما تقدّم ، ولا تفسد عمرته أيضاً على الأظهر ، والأحوط إعادتها قبل الحجّ مع الإمكان وإلّا أعاد حجّه في العام القابل.

______________________________________________________

وبالجملة : حرمة الجماع لا تختص بمن كان في أثناء الحجّ.

(١) إذا جامع أثناء عمرة المتعة عالماً بالحكم عامداً ، فقد يقع بعد الفراغ من السعي وقبل التقصير ، وقد يقع قبل الفراغ من السعي :

أمّا الأوّل : فلا ريب في عدم فساد عمرته بل لا قائل بالفساد ، وإنّما تجب الكفّارة على النحو الآتي ، وكلا الحكمين أي عدم الفساد وثبوت الكفّارة ممّا لا إشكال فيه عندهم.

أمّا عدم الفساد فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار «عن متمتع وقع على امرأته قبل أن يقصر ، قال ينحر جزوراً وقد خشيت أن يكون قد ثلم حجّه» (١) فان خشية الفساد غير الفساد ، ولعلّ المراد من خشية الفساد عدم قبول حجّه.

وأمّا ثبوت الكفّارة ففي بعض الروايات ينحر جزوراً كالصحيحة المتقدِّمة ، وفي بعضها بقرة وفي ثالثة شاة ، والمشهور حملوا الروايات على الترتيب بين الموسر ومتوسط الحال والفقير ، ولم يظهر لنا وجهه سوى الاستيناس ممّا ورد في من نظر إلى غير أهله فأمنى (٢) وفي من واقع أهله قبل طواف النِّساء (٣) ولا مجال للتعدِّي منهما إلى المقام.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٣٠ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٣ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٣٣ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٢٣ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٠ ح ١.

٣٦٠