موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

بوضوح أن صيام ثلاثة أيّام يقوم مقام عشرة مساكين ، فعدل عشرة مساكين صيام ثلاثة أيّام فتكون عدل ستّين مسكين ثمانية عشرة يوماً.

لا يقال : إن عدل إطعام الستّين هو صيام شهرين كما في كفّارة الظهار.

فإنّه يقال : لا تقاس كفّارة الظهار بالمقام ، لأنّ الواجب أوّلاً في كفّارة الظهار صيام شهرين فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً ، بخلاف المقام فإنّ الواجب أوّلاً الإطعام ثمّ الصيام.

الثاني : هل يجب التتابع في الصوم أم لا؟.

المشهور عدم وجوب التتابع لعدم الدليل ، والمنقول عن المفيد (١) والمرتضى (٢) وسلّار (٣) وجوب التتابع.

والصحيح ما ذهب إليه المشهور ، لعدم الدليل على التتابع بل يظهر من بعض الروايات المعتبرة عدم وجوب التتابع واختصاصه ببعض أقسام الصوم كصحيحة سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال : «إنّما الصيام الّذي لا يفرق كفّارة الظهار وكفّارة الدم وكفّارة اليمين» (٤) ولو ثبت التتابع في بعض الموارد غير الموارد الثلاثة يرفع اليد عن الحصر بالنسبة إليه خاصّة.

الثالث : اختلف الأصحاب في أن هذه الكفّارة مخيرة أو مرتبة ، ذهب الأكثر ومنهم المحقق في الشرائع إلى أنّها مرتبة (٥) كما في الروايات ، وذهب العلّامة إلى أنّها مخيّرة (٦) ، ونقله عن الشيخ وابن إدريس ، وقواه صاحب الحدائق (٧) ، فيحمل الترتيب

__________________

(١) المقنعة : ٤٣٥.

(٢) جمل العلم والعمل : ٧١.

(٣) المراسم : ١١٩.

(٤) الوسائل ١٠ : ٣٨٣ / أبواب بقية الصوم الواجب ب ١٠ ح ٢.

(٥) الشرائع ١ : ٣٢٧.

(٦) المنتهي ٢ : ٨٢٠ س ٣٥.

(٧) الحدائق ١٥ : ١٩١.

٣٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

على الأفضلية.

واستدلّوا أوّلاً بقوله تعالى (أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ ، أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) (١) ويؤيده ما ورد في رواية حريز إن كل ما ورد في القرآن حرف أو يدل على التخيير ، قال (عليه السلام) «وكل شي‌ء في القرآن أو فصاحبه بالخيار يختار ما شاء» (٢).

والظاهر أن ما ذهب إليه المشهور هو الصحيح.

وأمّا الآية الشريفة فدلالتها على التخيير بالإطلاق ويقيّد بالروايات الدالّة على الترتيب ، فلا منافاة بين الآية والروايات ، فإنّه لو فرضنا انضمام النصوص إلى الآية فيكون ذلك قرينة متّصلة على إرادة الترتيب ولا نرى منافاة بينهما ، ومع الانفصال تكون القرينة منفصلة فيرفع اليد عن الإطلاق ، غاية الأمر في الأوّل تكون القرينة رافعة للظهور وفي الثاني تكون القرينة رافعة للحجية.

وأمّا صحيح حريز فدلالته بالعموم ويخصص بمدلول هذه الروايات الدالّة على الترتيب.

بقي شي‌ء لا بدّ من التنبيه عليه : وهو أنّ المشهور بين الفقهاء كفاية مطلق البدنة لمطلق النعامة ، ولم يلاحظوا الصغر والكبر والذكورة والأُنوثة في المماثلة المأمور بها في الكتاب العزيز ، وكذلك بين بقرة الوحش والبقر والشاة والظبي ، وذكر بعضهم أن ملاحظة الذكورة والأُنوثة أحوط ، ولكن العلّامة اعتبر المماثلة بين الصيد وفدائه بالنسبة إلى الكبر والصغر والذكورة والأُنوثة (٣) وفي الجواهر ولم نقف له على دليل سوى دعوى كونه المراد من المماثلة في الآية وهو كالاجتهاد في مقابلة النص لإطلاق الروايات المتقدِّمة (٤).

__________________

(١) المائدة ٥ : ٩٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٦٥ / أبواب بقية كفارات الإحرام ب ١٤ ح ١.

(٣) التذكرة ٧ : ٤٢٥.

(٤) الجواهر ٢٠ : ١٩٣.

٣٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والّذي يمكن أن يقال : إنّ المذكور في الآية الشريفة المماثلة ، لقوله تعالى (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (١) وحينئذ فان كانت المماثلة تتحقق بمجرّد صدق البدنة على الجزاء مثلاً كما ذهب إليه المشهور فلا حاجة إلى حكم العدلين في مثلية الجزاء ، فان ذلك أمر واضح لكل أحد ، ولذا ذكروا أنّ القراءة «ذو عدل» مكان «ذوا عدل» والمراد بقوله تعالى (ذَوا عَدْلٍ) النبيّ والإمام (عليهما السلام) ورسم الألف في «ذوا عدل» من أخطاء الكتّاب ، ودلّت على ذلك عدّة من الروايات بعضها معتبرة (٢) فالمراد بقوله تعالى (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ) أن يحكم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) بوجوب البدنة مثلاً للنعامة ، فإذا حكم به النبيّ أو الإمام فحسبك ولا يعتبر أزيد من ذلك ، فلا حاجة إلى حكم العدلين في مثلية الجزاء بلحاظ الصغر والكبر والأُنثى والذكر.

ولا يخفى ما فيه من الوهن والضعف :

أمّا أوّلاً : فلأن ما ذكروه مستلزم للتحريف وهو باطل جزماً ، ولا يمكن الالتزام به أبداً ، قال الله تعالى (إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٣) وقال تعالى (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) (٤) وقد بينا تفصيل ذلك في كتابنا البيان (٥).

وثانياً : أنّ التعبير عن النبيّ والإمام (عليهما السلام) بـ «ذو عدل منكم» لا يناسب كلام الله تعالى ولا مقام النبيّ والإمام (عليه السلام) فان «منكم» ظاهر في أنّ العدلين من الأشخاص العاديين ، وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به ولا يناسب هذا التعبير شأن النبيّ والإمام (عليه السلام).

__________________

(١) المائدة ٥ : ٩٥.

(٢) تفسير البرهان ١ : ٥٠٣.

(٣) الحجر ١٥ : ٩.

(٤) فصّلت ٤١ : ٤٢.

(٥) البيان : ٢٠٧.

٣٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وثالثاً : لو سلمنا خطأ الكتّاب والغلط في الكتابة في رسم الألف في «ذوا عدل» فلما ذا حصل الغلط في القراءة فإن الغلط في الكتابة لا يستلزم الغلط في القراءة ، وقد كثر الغلط في الكتابة في القرآن العزيز حتّى أنّ النيشابوري في مقدمة تفسيره عدّ الأغلاط إلى خمسمائة (١) ، ولكن القرّاء اهتمّوا بالقراءة الصحيحة ولم يقرءوا على نحو الكتابة بل قرؤوا بالقراءة الصحيحة وعلى النحو الّذي نزل به الكتاب ، ومن جملة الأغلاط في الكتابة (يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ) (٢) بانفصال اللام عن كلمة هذا ، مع أنّ اللام لام وصل تكتب متصلة بما دخلت عليه ، ونحو ذلك (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ) (٣) وهكذا قوله تعالى (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْ‌ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) (٤) بتقديم الألف على الياء وغير ذلك من خطإ الكتابة ، ولكن القرّاء على كثرتهم واهتمامهم بشأن القرآن قرؤوا على ما نزل ولم يتبعوا الكتابة ، وقد قتل من القرّاء سبعون رجلاً في بئر معونة ، وأربعمائة نفر منهم في حرب اليمامة ولم يسمع من أحد منهم القراءة بإسقاط الألف ، فما ذكره العلّامة قريب لإطلاق الآية واعتبار المثلية في الجزاء ولا ينافيه إطلاق الروايات ، لأنّها ناظرة إلى مجرد المماثلة في الجنس لا إلى جميع الجهات.

فلا بدّ من رد علم تلك الروايات المشتملة على التحريف وخطأ الكتاب إلى أهلها.

ويرد أيضاً على ما ذكروه : أن كلمة الحكم لم يعهد استعمالها في بيان الحكم الشرعي ، بل المعهود استعمال كلمة (بيّن) أو (ذكر) أو (يقول) ونحو ذلك من التعابير ، وانّما الحكم يستعمل في تشخيص الصغرى كقولنا حكم الحاكم بأنّ الدار الفلاني لزيد ، وكذا يستعمل في بيان مورد الاختلاف ويستعمل في مقام القضاء وباب الخصومات قال تعالى (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْ‌ءٍ) إلى أن قال تعالى ـ (فَاللهُ

__________________

(١) تفسير غرائب القرآن ١ : ٣٥.

(٢) الكهف ١٨ : ٤٩.

(٣) الفرقان ٢٥ : ٧.

(٤) الكهف ١٨ : ٢٣.

٣٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١).

وقال تعالى (إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا) (٢) (فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) (٣) وغير ذلك من الموارد.

وبالجملة : استعمال كلمة الحكم في قوله تعالى (يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) في مجرّد بيان الحكم الشرعي الكلي الصادر من النبيّ أو الإمام (عليهما السلام) بعيد جدّاً ، بل المراد به حكم العدلين الخبيرين بالمماثلة بين الصيد وفدائه من حيث الكبر والصغر والذكورة والأُنوثة ، فان ذلك أمر قد يخفى على كثير من الناس ولذا نحتاج إلى حكم العدلين.

ثمّ إن ما ذكرناه في العجز عن البدنة وانتقال الجزاء إلى الإطعام ثمّ إلى الصيام يجري في كل مورد كان الجزاء البقرة والشاة ، لصحيح معاوية بن عمار «ومن كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة ، فان لم يجد فليطعم ثلاثين مسكيناً ...» (٤) وأمّا صحيح علي بن جعفر وصحيح أبي بصير (٥) فخاص بموردهما وهو من قتل البقرة ، ولا يشملان من كان عليه بقرة سواء قتل البقرة أم غيرها.

وبعبارة اخرى : مورد كلامنا بيان حكم من كان عليه من الجزاء بقرة أو شاة ، سواء كان المقتول والمجني عليه بقرة أو غيرهما ، وهذا الحكم الكلي العام يستفاد من صحيح معاوية بن عمار ، وأمّا صحيح علي بن جعفر وأبي بصير يختصان بمن قتل البقرة ولا يعمان من وجب عليه الفداء بالبقرة وإن قتل غير البقرة ، فلا يصح الاستدلال بهما للمقام.

__________________

(١) البقرة ٢ : ١١٣.

(٢) ص ٣٨ : ٢٢.

(٣) النِّساء ٤ : ٣٥.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٠ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٦ ، ١٠.

٣٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، يعارض صحيح معاوية بن عمار بصحيح أبي عبيدة (١) من جهة أُخرى ، وهي أنّ الصحيحة الثانية ظاهرة في تقويم الجزاء وصرف قيمتها في إطعام المساكين ، ومقتضى إطلاقها صرف القيمة على المساكين وإن زاد عددهم على الستّين ، أو على الثلاثين.

ولكن قد عرفت أنّها محمولة على الأفضلية فيما إذا زادت القيمة على إطعام الستّين أو الثلاثين ، لأن صحيحة معاوية بن عمار نص في عدم وجوب الأزيد فيرفع اليد عن ظهور صحيحة أبي عبيدة.

مضافاً إلى أن صحيحة معاوية بن عمار في مقام التحديد بحد خاص ، بخلاف صحيحة أبي عبيدة الّتي ليست في مقام التحديد ، فلا بدّ من حملها على الأفضلية ونحو ذلك.

وأمّا الاجتزاء بالأقل فيما إذا لم تف القيمة لإطعام الستّين أو الثلاثين فقد عرفت أن هذا ممّا لا يمكن تحققه عادة ، فإن قيمة البدنة أو البقرة تفي لإطعام الستّين قطعاً.

وبالجملة : يتعيّن العمل بصحيحة معاوية بن عمار ولا يمكن الالتزام بالاجتزاء بالأقل ولا الحكم بوجوب الأكثر ، لأن ذلك خلاف التحديد الوارد في الصحيحة.

ولا يخفى أن ما ذكرناه في جزاء النعامة من التخيير بين أفراد الجزاء والتتابع في الصوم يجري في جزاء البقرة والظبي لوحدة الملاك.

يبقى شي‌ء : وهو أن صحيح معاوية بن عمار الّذي دلّ على الجزاء بالبدنة وبالبقرة وبالشاة وببدلها إذا عجز عنها ، إنّما هو فيما إذا كان الجزاء متعيناً بالبدنة أو بالبقرة أو بالشاة ، وأمّا إذا كان الجزاء مخيراً بين البدنة والبقرة فلم يتعرض إليه النص ، فهل البدل بعد العجز عنهما إطعام الستّين أو إطعام الثلاثين؟ وبعبارة اخرى : هل يلاحظ في البدلية البدنة أو البقرة؟

لا ريب أنّ الفداء لو كان مخيراً بين البدنة والبقرة كما في حمار الوحش للجمع بين

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.

٣٢٦

كفارة قتل الحمامة

مسألة ٢٠٩ : إذا قتل المحرم حمامة ونحوها في خارج الحرم فعليه شاة ، وفي فرخها حَمَل أو جدي ، وفي كسر بيضها درهم على الأحوط (١).

______________________________________________________

النصين (١) بعد القطع بعدم وجوب كليهما فالواجب عليه بعد العجز عنهما لا ينقص عن الثلاثين ، ولا يزيد على الستّين فالجزاء إمّا خصوص الستّين أو الثلاثين ، فالمورد من دوران الأمر بين الأقل والأكثر ، ويكون الواجب هو الأقل ، وينفى الزائد بالأصل.

هذا مضافاً إلى النص ، وهو صحيح أبي بصير الدال على أن جزاء قتل الحمار الوحشي بعد العجز عن البقرة إطعام الثلاثين (٢).

نعم ، هو مطلق من حيث العجز عن البدنة وعدمه ، ولكنّه يقيد بما إذا عجز عن البدنة أيضاً ، لأنّ البدنة أحد عدلي الواجب التخييري ، ومقتضى القاعدة أنّ الأمر لا ينتقل إلى البدل إلّا إذا عجز عن كلا العدلين للواجب.

(١) لا خلاف في أنّ الواجب على المحرم شاة إذا قتل الحمامة في خارج الحرم ، وتدل عليه روايات عديدة :

منها : صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «المحرم إذا أصاب حمامة ففيها شاة» (٣).

ومنها : صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : «في محرم ذبح طيراً أن عليه دم شاة يهريقه» (٤).

ومقتضى إطلاقهما عدم الفرق بين الطير الأهلي وغيره ، بل في بعض الروايات وقع

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥ / أبواب كفارات الصيد ب ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٢ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ٢٢ / أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ١.

(٤) الوسائل ١٣ : ٢٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٦.

٣٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

التصريح بالأهلي كما في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سمعته يقول في حمام مكّة الطير الأهلي من غير حمام الحرم ، من ذبح طيراً منه وهو غير محرم فعليه أن يتصدق بصدقة أفضل من ثمنه ، فان كان محرماً فشاة عن كل طير» (١) فإذا لم يجز للمحل في الحرم لا يجوز للمحرم في الحل ، فان ما جاز للمحل في الحرم يجوز للمحرم سواء كان في الحل أو الحرم ، وأمّا ما لا يجوز للمحل في الحرم لا يجوز للمحرم ولو كان في الحل.

وبالجملة : لا فرق بين كون الحمام أهلياً مملوكاً أو غير مملوك كحمام الحرم.

وفي قتل فراخها حَمَل أو جدي (٢) كما في صحيحة حريز المتقدِّمة (٣) «وإن قتل فراخها ففيه حمل» وفي صحيحة ابن سنان «فان كان فرخاً فجدي أو حمل صغير من الضأن» (٤).

وفي صحيح الحلبي قال «حرك الغلام مكتلاً فكسر بيضتين في الحرم فسألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقال : جديين أو حملين» (٥) ومورده كسر البيض ولكن الكسر أعم ممّا فيه الفرخ أم لا ، فيحمل على ما فيه الفرخ ، فيستفاد منه التخيير بين الحمل والجدي ، وأمّا إذا لم يكن فيه الفرخ بل كسر البيض المجرّد ففيه درهم.

وبالجملة : المستفاد من النصوص أنّ الفرخ سواء كان خارجاً من البيضة أو داخلاً في البيض فيه الجدي أو الحمل ، ولا ريب في صدق الفرخ على الخارج من البيضة وعلى الداخل في البيض إذا كان له استقرار وحياة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ٥.

(٢) الحمل بفتحتين ولد الضأن في السنة الأُولى ، أو الخروف إذا بلغ ستّة أشهر [مجمع البحرين ٥ : ٣٥٧] والجدي من أولاد المعز ما بلغ ستة أشهر [مجمع البحرين ١ : ٨١].

(٣) في الصفحة السابقة.

(٤) المتقدِّمة في الصفحة السابقة.

(٥) الوسائل ١٣ : ٥٩ / أبواب كفارات الصيد ب ٢٦ ح ١ ، ٢ ، مسائل علي بن جعفر : ١٥١ / ١٩٨ ، التهذيب ٥ : ٣٥٨ / ١٢٤٤.

٣٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، هنا شي‌ء وهو أنّ المذكور في كتاب علي بن جعفر وفيما رواه الشيخ عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر وجوب الشاة في قتل الفراخ الموجود في البيض (١) فلا بدّ من الالتزام بأحد أمرين : إمّا التخيير بين الشاة وبين الحمل والجدي وإمّا حمل الشاة على الحمل بدعوى إرادة الجنس من الشاة ، للقطع بعدم زيادة الفرخ الموجود في البيض على الفرخ الخارج عن البيض.

وأمّا كسر البيض ففيه درهم لصحيح حريز المتقدِّم «وإن وطئ البيض فعليه درهم» ولكن في رواية الشيخ عن ابن جعفر «تصدق بقيمته ورقاً يشتري به علفاً يطرحه لحمام الحرم» (٢) والموجود في كتاب علي بن جعفر «يتصدّق بثمنه درهماً أو شبهه ، أو يشتري به علفاً لحمام الحرم» (٣) إلّا أنّه لا منافاة بينهما ، لأنّ الشيخ روى أحد عدلي الواجب والجمع يقتضي التخيير بين مضمون رواية الشيخ ومضمون كتاب علي بن جعفر.

وفي صحيحة سليمان بن خالد «ولكل فرخ حملاً وإن لم يكن تحرك فدرهم ، وللبيض نصف درهم» (٤) ومقتضى الجمع بينها وبين ما تقدّم من الروايات أنّ البيض الّذي فيه نصف درهم هو البيض المجرد الّذي ليس فيه فرخ أصلاً ، ولم يتعرض الفقهاء لذلك ، ولذا ذكرنا في المناسك أنّ الحكم بوجوب الدرهم على الأحوط.

ثمّ إن هنا رواية تدل على كفاية نصف درهم للبيض إذا كسره المحرم ، وهي ما رواه الشيخ في التهذيب عن موسى عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «وإن كان أغلق عليها بعد ما أحرم إلى أن قال وللبيض نصف درهم» (٥)

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥٩ / أبواب كفارات الصيد ب ٢٦ ح ١ ، ٢ ، مسائل علي بن جعفر : ١٥١ / ١٩٨ ، التهذيب ٥ : ٣٥٨ / ١٢٤٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥٩ / أبواب كفارات الصيد ب ٢٦ ح ١ ، التهذيب ٥ : ٣٥٨ / ١٢٤٤.

(٣) الوسائل العنوان المتقدِّم أعلاه.

(٤) الوسائل ١٣ : ٢٥ / أبواب كفارات الصيد ب ٩ ح ١١.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٢ / أبواب كفارات الصيد ب ١٦ ح ٣ ، التهذيب ٥ : ٣٥٠ / ١٢١٦.

٣٢٩

وإذا قتلها المحل في الحرم فعليه درهم ، وفي فرخها نصف درهم ، وفي بيضها ربعه. وإذا قتلها المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفارتين ، وكذلك في قتل الفرخ وكسر البيض ، وحكم البيض إذا تحرك فيه الفرخ حكم الفرخ (١).

______________________________________________________

والدلالة واضحة ولكن الكلام في السند ، فان موسى الّذي توسط بين موسى بن القاسم ويونس بن يعقوب لم يعلم من هو ، فان موسى بن القاسم يروي عن يونس ابن يعقوب كثيراً بلا واسطة ، وإن كان ربما يروي عنه مع الواسطة ولكن موسى الّذي توسط بينهما رجل مجهول ، وليس في هذه الطبقة رجل يسمّى بموسى يروي عن يونس بن يعقوب ، ويروي عنه موسى بن القاسم ، ولذا احتمل بعضهم أنّه محسن بدل موسى ، كما جاء في بعض الروايات (١) فلم يبق في البين إلّا احتمال كونه موسى بن محمّد العجلي لأنّه من طبقة يونس بن يعقوب ، ولكنّه بعيد أيضاً ، لأن موسى العجلي وإن كان يروي عن يونس ، ولكن لا يروي عنه موسى بن القاسم إلّا أن من المطمأن به أنّه محسن كما ضبطه في الوافي (٢) ، وبقرينة سائر الروايات ، لأن موسى بن القاسم يروي عن محسن كثيراً.

وكيف كان فإثبات موسى إمّا سهو من قلمه الشريف ، أو أنّه تحريف في الكتابة ، فصحّة السند غير ثابتة ، والعمدة ما تقدّم كما عرفت.

(١) إذا قتل المحل في الحل الحمامة فلا إشكال أصلاً ، وأمّا إذا قتلها في الحرم فعليه الفداء ، وتدل على ذلك عدّة من الروايات ، منها : رواية موسى بن القاسم المتقدِّمة (٣) الدالّة على التفصيل بين قتلها قبل الإحرام في الحرم وبعد الإحرام ، ولكن قد عرفت أنّها ضعيفة السند فلا بأس باعتبارها مؤيدة.

أمّا الروايات المعتبرة في قتل الحمامة فكثيرة دلّت على أنّ الفداء قيمتها وهي

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٨ / أبواب كفارات الصيد ب ١٤ ح ٤.

(٢) الوافي ١٢ : ١١٤.

(٣) في ص ٣٢٩.

٣٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

درهم ، منها : صحيحة صفوان وغيرها من النصوص الّتي بينت المراد من القيمة وعينتها بدرهم (١).

وأمّا فداء الفراخ فنصف درهم على المشهور ، ويدلُّ عليه صحيح عبد الرّحمن بن الحجاج «في فرخين مسرولين ذبحهما بمكّة وهو محل ، فقال : تصدق بثمنهما ، فقلت : فكم ثمنهما فقال : درهم خير من ثمنهما» (٢) فإذا ثبت الدرهم في فرخين ففي كل فرخ نصفه.

وأمّا بيضها فلم نجد فيه رواية صريحة تدل على أنّ الفداء ربع درهم ، ويكفينا صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «في الحمام درهم وفي الفرخ نصف درهم وفي البيضة ربع درهم» (٣) وبمضمونه رواية عبد الرّحمن بن الحجاج (٤) ولا بدّ من حملهما على المحل ، لما عرفت من أنّ المحرم عليه شاة إذا قتل الحمامة وفي الفرخ عليه حمل أو جدي ، فموردهما المحل جزماً وإن لم يصرح بالمحل فيهما.

ولو كان محرماً وقتل شيئاً من ذلك في الحرم اجتمع عليه الفداءان وفاقاً للمشهور ، لأنّه هتك حرمة الحرم والإحرام وخالف الأمرين ، فقاعدة تعدد المسبب بتعدد السبب تقتضي الجمع بين الكفارتين.

مضافاً إلى ما في الروايات المصرحة بالجمع بين الفداءين (٥) وهكذا الحال في قتل الفرخ لعين ما تقدّم ، نعم ما دلّ عليه من النص (٦) ضعيف بالبطائني.

وممّا ذكرنا تعرف الحال في كسر البيض ، مضافاً إلى ما ورد في بعض الروايات المعتبرة من الجمع بين الجزاءين للمحرم إذا أكل من بيض حمام الحرم من جهة أكله وأخذه قال (عليه السلام) «عليه لكل بيضة دم ، وعليه ثمنها سدس أو ربع درهم»

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٥ / أبواب كفارات الصيد ب ١٠.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٧ / أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٧.

(٣) الوسائل ١٣ : ٢٦ / أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٥.

(٤) الوسائل ١٣ : ٢٦ / أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ١.

(٥) الوسائل ١٣ : ٢٨ / أبواب كفارات الصيد ب ١١.

(٦) الوسائل ١٣ : ٣٠ / أبواب كفارات الصيد ب ١١ ح ٥.

٣٣١

مسألة ٢١٠ : في قتل القطاة والحجل والدراج ونظيرها حَمَل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر ، وفي العصفور والقبرة والصعوة مد من الطعام على المشهور ، والأحوط فيها حمل فطيم (١).

______________________________________________________

والوهم من صالح أي صالح بن عقبة الّذي روى هذه الرواية (١) فيستفاد من هذه الرواية المعتبرة تكرر الكفّارة بتكرر السبب.

(١) لا خلاف بين الأصحاب في ثبوت الحمل في قتل كل واحد من القطاة والحجل والدراج ، وفي خصوص القطاة دلّ عليه صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «وجدنا في كتاب علي (عليه السلام) في القطاة إذا أصابها المحرم حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر» (٢).

واستدلّ صاحب الجواهر (٣) على ثبوت الحكم في جميع المذكورات بصحيح سليمان ابن خالد بعد عدم القول بالفصل بين القطاة وبين البقية ، وأيده بخبر المفضل بن صالح (٤) ولكنّه ضعيف جدّاً بمفضل بن صالح ابن أبي جميلة (٥).

واستدلّ أيضاً بخبر آخر لسليمان بن خالد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «في كتاب أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من أصاب قطاة أو حجلة أو دراجة أو نظيرهنّ فعليه دم» (٦).

وهذه الرواية تدل بالصراحة على عدم اختصاص الفداء بالقطاة ولا بأس بالاستدلال بها.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٦ / أبواب كفارات الصيد ب ١٠ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٥ ح ١.

(٣) الجواهر ٢٠ : ٢٤٢.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٩ / أبواب كفارات الصيد ب ٥ ح ٣.

(٥) والصحيح أبو جميلة لا ابن أبي جميلة.

(٦) الوسائل ١٣ : ١٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٥ ح ٢.

٣٣٢

وفي قتل جرادة واحدة تمرة وفي أكثر من واحدة كف من الطعام ، وفي الكثير شاة (١).

______________________________________________________

هذا مع قطع النظر عن التسالم ، ورجال الرواية كلهم ثقات ولكن وقع الكلام في محمّد بن عبد الحميد فإنّه لم يوثق في الرجال والتوثيق الوارد عن النجاشي (١) راجع إلى أبيه عبد الحميد لا إلى محمّد نفسه ولكنّه ثقة ، لأنّه من رجال كامل الزيارات.

وفي كل واحد من العصفور والقبّرة والصعوة مدّ من الطعام على المشهور ، لعدّة روايات عن صفوان (٢) كلّها ضعيفة بالإرسال ، ولكن في الجواهر أنّها منجبرة بالشهرة ، بل ذكر اعتبار نفسها فلا حاجة إلى الانجبار ، لأن مراسيل صفوان وابن أبي عمير والبزنطي وأمثالهم معتبرة كالمسانيد ، لأنّهم من أصحاب الإجماع وأنّهم لا يروون إلّا عن الثقات (٣).

وقد ذكرنا غير مرّة أنّ الانجبار لم يثبت ولا أثر لعمل المشهور ، وأمّا حجية مراسيلهم فغير ثابتة عندنا ، فإنّهم يروون عن الضعفاء أيضاً ، حتّى أنّ الشيخ لم يعمل بروايات ابن أبي عمير وصرح بأنّها مرسلة.

وقد نسب إلى الصدوقين وجوب الفداء بشاة (٤) ، وهو الأحوط بعد إرادة الحمل من الدم ، فان كلمة «ونظيرهن» الواردة في صحيح سليمان بن خالد المتقدِّم يشمل الأصغر حجماً قطعاً كالعصفور والقبرة ، ولا نحتمل زيادة العصفور على الدراج ونحوه فلا بدّ من الالتزام بأن عليه حمل فطيم ، فالمراد بأن عليه دم هو الحمل.

(١) في قتل الجرادة ثلاثة أقوال : قول بأنّ الجزاء تمرة واحدة. وقول بأنّه كف من طعام كما عن المحقق (٥) وغيره. وذهب ثالث إلى التخيير بينهما.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٣٩.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٠ / أبواب كفارات الصيد ب ٧ ح ١ ، ٢.

(٣) الجواهر ٢٠ : ٢٤٤.

(٤) المختلف ٤ : ١٢٦ ، المقنع : ٢٥٠.

(٥) الشرائع ١ : ٣٣٢.

٣٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الروايات الواردة في المقام فهي على طوائف :

منها : ما دلّ على أنّ الجزاء تمرة واحدة ، كصحيح معاوية بن عمار في حديث قال «قلت : ما تقول في رجل قتل جرادة وهو محرم؟ قال : تمرة خير من جرادة» (١) وفي صحيح زرارة «في محرم قتل جرادة قال : يطعم تمرة ، وتمرة خير من جرادة» (٢) وكذا في مرسل حريز (٣).

ومنها : ما دلّ على أنّه كف من طعام كما في رواية الكليني عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن محرم قتل جرادة ، قال : كف من طعام» (٤) ولكنّها ضعيفة سنداً لوجود سهل بن زياد فيه ، فتوصيفها بالصحّة كما في الحدائق (٥) سهو.

ومنها : أن عليه الدم كما في رواية عروة الحناط «في رجل أصاب جرادة فأكلها ، قال : عليه دم» (٦) وهي مخدوشة سنداً بعروة الحناط وبصالح بن عقبة على مسلك المشهور لتضعيفهم له تبعاً للغضائري ، ولكنّه عندنا ثقة إذ لا عبرة بالكتاب المنسوب إلى الغضائري فيكفينا في الحكم بوثاقته أنّه من رجال كامل الزيارات وتفسير القمي. ودلالة لأن موردها القتل والأكل جميعاً ، فما ذهب إليه المحقق (٧) لا مستند له. ومع الإغماض عن السند كان القول بالتخيير جمعاً بين هذه الرواية وصحيحة زرارة هو المتعين ، لا تعيين الكف من الطعام.

فتحصل : أن في قتل جرادة واحدة تمرة واحدة كما في صحيح زرارة ومعاوية بن

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٧٦ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٧٧ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٧٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٧.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٣ / ٣ ، الوسائل ١٣ : ٧٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٦.

(٥) الحدائق ١٥ : ٢٤٥.

(٦) الوسائل ١٣ : ٧٧ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٥.

(٧) تقدّم في الصفحة السابقة.

٣٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عمار المتقدمين.

وأمّا لو قتل الأكثر من واحدة فعليه كف واحد من الطعام ، لما رواه الشيخ بسند صحيح في التهذيب عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن محرم قتل جراداً كثيراً ، قال : كف من طعام ، وإن كان أكثر فعليه شاة» (١) ورواها في الاستبصار قال : «سألته عن محرم قتل جراداً ، قال : كف من طعام وإن كان أكثر فعليه دم شاة» (٢).

فرواية التهذيب مشتملة على كلمة «كثير» في الجملة الأُولى وكلمة «أكثر» في الجملة الثانية ، وأمّا الاستبصار فاقتصر على كلمة «أكثر» في الجملة الثانية.

وأمّا صاحب الوسائل فقد ذكر الرواية أوّلاً كما في التهذيب ثمّ ذكر وبهذا الاسناد مثله إلّا أنّه قال : قتل جراداً كثيراً (٣) ، فيعلم من ذلك أن كلمة «كثيراً» لم تكن موجودة في الأوّل ، إذ لو كانت ثابتة في الإسناد الأوّل لما كان هناك سبب لذكر الاسناد مرّة أُخرى إذ لا اختلاف على هذا ، فمن ذكره الاسناد الثاني يعلم أن كلمة «كثيراً» لم تكن موجودة في الأوّل فهو سهو من الناسخ أو من الطبع.

فالغرض من ذكر السندين أن صاحب الوسائل يريد أن يبين أنّ الرواية رويت على نحوين رواها الشيخ تارة مع كلمة «كثيراً» وأُخرى بدونها.

وفي المختلف رواها على نحو ما في الاستبصار بالاقتصار على ذكر الكلمة في الجملة الثانية ، ولكن اختلف بإبدال كلمة «أكثر» إلى «كثيراً» وقال : «وإن كان كثيراً فعليه دم شاة» (٤).

والصحيح ما في الاستبصار وكلمة «كثيراً» في الجملة الأُولى كما في التهذيب غلط

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٤ / ١٢٦٧.

(٢) الاستبصار ٢ : ٢٠٨ / ٧٠٨.

(٣) الوسائل ١٣ : ٧٧ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٧ ح ٣.

(٤) المختلف ٤ : ١٢٨.

٣٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

كما جزم به في الحدائق ، وذكر أن قوله : «جراداً كثيراً» في الخبر وقع سهواً من قلم الشيخ ، وإنّما السؤال عن جرادة واحدة وكم له (رضوان الله تعالى عليه) مثل ذلك في الأسانيد والمتون ، وإلّا فلو كانت كلمة «كثيراً» ثابتة فالخبر المذكور لا يخلو من تناف ، انتهى (١).

وبالجملة فالصحيح ما في الاستبصار لا ما في التهذيب ، والوجه في ذلك : أنّ الكثرة والقلّة والأكثر قد تكون ملحوظة بالنسبة إلى الموجود الخارجي المحدّد كالدراهم فيقال : هذه الدراهم بالإضافة إلى دراهم أُخر أكثر وذاك كثير بالإضافة إلى هذا وهذا قليل بالنسبة إلى ذاك وهكذا ، فالأكثر بإزائه الكثير فهو أزيد عدداً وأفراداً من الكثير ، وأمّا الكثير إذا أُطلق ولم يكن في قبال الأكثر فبإزائه القليل النادر فيكون الكثير أوسع شمولاً من قولنا الأكثر ، فإذا قيل هذا كثير وذاك أكثر ينطبق عنوان الأكثر على كل واحد من الأعداد الكثيرة ، لأنّها أزيد ممّا قبله فلا ينضبط ، فإذا قلنا إن قتل جراداً كثيراً ففيه طعام وإن قتل أكثر ففيه شاة ، قد ينطبق عنوان الأكثر على الأزيد من عشرين مثلاً وعلى الأزيد من ثلاثين وعلى الأزيد من عشرة وهكذا ، ولذا ذكر في الحدائق أن معنى الخبر على نسخة التهذيب لا يخلو من تناف ، فلنفرض أنّه قتل ثلاثين ففيه طعام وإذا قتل أكثر من ثلاثين ففيه شاة ، وكذا لو قتل عشرين ففيه طعام لصدق الكثير على عشرين ، وإذا قتل أكثر من عشرين ولو بواحدة ففيه شاة فالشاة قد ثبتت في قتل الأزيد من عشرين وثبتت في قتل الأزيد من ثلاثين ، وهذا ممّا لا معنى له.

وقد يكون الملحوظ هو الجنس أي جنس الجرادة فلا معنى للأكثر ، إذ لا شي‌ء من الأعداد فرض هنا ليقال إن هذا أكثر منه ، فما في التهذيب غلط ، بل الصحيح ما في الاستبصار ، ومعنى الخبر المذكور في الاستبصار أنّه لو قتل جراداً ففيه طعام ، وهذا مطلق من حيث إنّه قتل واحدة أو أكثر من الواحدة ، ويقيد بما دلّ على أن في قتل

__________________

(١) الحدائق ١٥ : ٢٤٦.

٣٣٦

مسألة ٢١١ : في قتل اليربوع والقنفذ والضب وما أشبهها جدي. وفي قتل العظاية كف من الطعام (١).

مسألة ٢١٢ : في قتل الزنبور متعمداً إطعام شي‌ء من الطعام ، وإذا كان القتل دفعاً لايذائه فلا شي‌ء عليه (٢).

______________________________________________________

جرادة واحدة تمرة واحدة فيبقى الأكثر من واحدة تحت إطلاق ما دلّ على كف من طعام ، وأمّا إذا قتل كثيراً وأزيد من الاثنين أو الثلاثة فعليه شاة ، فالطعام ثابت لغير الواحدة لإطلاق الصدر ، والتمرة الواحدة للجرادة الواحدة لتقييد الصدر برواية أُخرى دلّت على أنّ التمرة الواحدة للجرادة الواحدة ، وأمّا إذا قتل جراداً كثيراً ففيه شاة فالأكثر يحمل على الكثير ، ولذا ذكرنا أن ما في المختلف من إسقاط كلمة «أكثر» بالمرّة وضبط كلمة «كثيراً» هو الأولى والأصح ، فمن جميع ما ذكرنا ظهر صحّة ما في المتن.

(١) ثبوت الجدي في قتل كل من اليربوع والقنفذ والضب هو المشهور بين الأصحاب ، ويدلُّ عليه صحيح مسمع عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «في اليربوع والقنفذ والضب إذا أصابه المحرم فعليه جدي والجدي خير منه ، وإنّما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد» (١) والتعليل بقوله : «وإنّما جعل هذا لكي ينكل عن فعل غيره من الصيد» كصيد النعامة والظبي ، يكشف عن أنّ الحكم لا يختص بالمذكورات بل يعم أشباهها من الحيوانات.

وفي قتل العظاية كف من الطعام ، يدل عليه صحيح معاوية بن عمار قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : محرم قتل عظاية ، قال : كف من طعام» (٢).

(٢) يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته عن محرم قتل زنبوراً ، قال : إن كان خطأ فليس عليه شي‌ء ، قلت : لا بل متعمداً

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٩ / أبواب كفارات الصيد ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٠ / أبواب كفارات الصيد ب ٧ ح ٣.

٣٣٧

مسألة ٢١٣ : يجب على المحرم أن ينحرف عن الجادة إذا كان فيها الجراد ، فان لم يتمكّن فلا بأس بقتلها (١).

مسألة ٢١٤ : لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد فعلى كل واحد منهم كفّارة مستقلّة (٢).

مسألة ٢١٥ : كفّارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه ، فلو صاده المحرم وأكله فعليه كفّارتان (٣).

______________________________________________________

قال : يطعم شيئاً من طعام ، قلت إنّه أرادني قال : إن أرادك فاقتله» (١) فليس الزنبور نحو النعامة وسائر أنواع الصيد الّتي تثبت الكفّارة حتّى في حال الخطأ ، بل في الزنبور تثبت الكفّارة في خصوص العمد لا الخطأ.

(١) كما في صحيح حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «على المحرم أن يتنكب الجراد إذا كان على طريقه ، فان لم يجد بداً فقتل فلا بأس (فلا شي‌ء عليه)» (٢).

(٢) للنصوص (٣) وسيأتي التفصيل (٤).

(٣) أمّا الأكل من الصيد فلا ينبغي الإشكال في حرمته كما عرفت فيما تقدّم من المسائل من تحريم الصيد للنصوص المعتبرة الخاصّة (٥).

مضافاً إلى أنّه يستفاد الحكم بحرمته من نفس الآية الشريفة لقوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (٦) فإنّ المراد به بقرينة ما سبق من حلية صيد البحر وأكله وأن طعامه متاعاً حرمة ما كان حلالاً ، وأن ما كان ثابتاً في صيد

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢١ / أبواب كفارات الصيد ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٧٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٨ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٤ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨.

(٤) في ص ٣٤٥.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤١٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٢.

(٦) المائدة ٥ : ٩٦.

٣٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

البحر من جواز نفس الاصطياد وحلية أكله غير ثابت في صيد البر ، فنفس ما حل في صدر الآية بالإضافة إلى صيد البحر حرم في الذيل بالنسبة إلى صيد البر.

وأيضاً يستفاد من النصوص الدالّة على جواز الأكل من الصيد عند الاضطرار ، ودوران الأمر بين الأكل من الصيد والأكل من الميتة ، إذ لو كان الأكل جائزاً لم يكن وجه لتجويز الأكل في خصوص حال الاضطرار ، وإن كانت الروايات (١) مختلفة من حيث تقديم الميتة على الصيد أو العكس ، وقد رجحنا سابقاً (٢) ما دلّ على تقديم الأكل على الصيد.

وكذا لا إشكال في ثبوت الكفّارة على الأكل ، فلو فرضنا أنّ الصائد محل أو محرم وأكله المحرم فالفداء على الآكل.

فيقع البحث في أُمور :

الأوّل : فيما إذا أكل الصائد المحرم صيده فهل تتعدد الكفّارة أو تتداخل؟.

مقتضى القاعدة تعدّد الكفّارة ، واحدة للقتل وأُخرى للأكل ، لتعدد المسبب بتعدد السبب ، ولا موجب للتداخل والاكتفاء بكفارة واحدة إلّا إذا قام دليل خاص على التداخل.

إلّا أنّ المحقق الأردبيلي وتلميذه سيِّد المدارك (٣) ذهبا إلى وحدة الكفّارة وتداخلها إن لم يكن إجماع على الخلاف ، واستدلّا بصحيحة أبان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قوم حجاج محرمين أصابوا فراخ نعام فذبحوها وأكلوها ، فقال : عليهم مكان كل فرخ أصابوه وأكلوه بدنة يشتركون فيهنّ ، فيشترون على عدد الفراخ وعدد الرجال» (٤) والرواية بهذا النص واضحة الدلالة على الاكتفاء بالبدنة لمن ذبحها وأكلها. ويقع الكلام في الرواية من حيث السند والدلالة.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٨٤ / أبواب كفارات الصيد ب ٤٣.

(٢) في ص ٢٨٢.

(٣) مجمع الفائدة والبرهان ٦ : ٣٩٤ ، المدارك ٨ : ٣٥٦.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٥ / أبواب كفارات الصيد ب ١٨ ح ٤.

٣٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا السند فالظاهر أنّه ممّا لا بأس به ورجاله ثقات ، واللؤلؤي الواقع في السند هو الحسن بن الحسين اللؤلؤي بقرينة رواية موسى بن القاسم عنه كثيراً وروايته عن الحسن بن محبوب ، فقد وثقه النجاشي (١) ، ولكنّه معارض بتضعيف ابن الوليد له ، وتبعه تلميذه الصدوق وأبو العباس بن نوح (٢) ، فالرواية بهذا الاسناد ضعيفة ، والعبرة بطريق الصدوق (٣) إلى علي بن رئاب الّذي روى عن أبان ، فإن طريقه إليه صحيح وليس فيه اللؤلؤي فالرواية تكون صحيحة.

إلّا أنّ الدلالة مخدوشة ، إذ لو كانت الرواية مثل ما ذكره الشيخ في التهذيب (٤) ونقل عنه في الوسائل فالاستدلال بها له وجه ، وإن كان مخدوشاً أيضاً على ما سنبين إن شاء الله تعالى قريباً ، ولكن الصدوق في الفقيه ذكرها بدون كلمة «فذبحوها» بل على النحو الآتي «في قوم حجاج محرمين أصابوا أفراخ نعام فأكلوا جميعاً ، قال : عليهم مكان كل فرخ» إلى آخر الحديث ، فيسقط الاستدلال بها لوحدة الكفّارة إذا تعددت أسبابها ، لعدم ذكر الموجب الآخر وهو الذبح في الرواية ، فالفداء بالبدنة كفّارة للأكل فقط ، لا للذبح وللأكل جميعاً ، فلا دليل على الاكتفاء بكفارة واحدة.

الثاني : كفّارة أكل الصيد ككفارة نفس الحيوان المصيد ، فالمحرم إذا أكل من النعامة كفارته بدنة ، أو أنّ الكفّارة قيمة الحيوان المصيد؟ وربما زادت القيمة على الفداء أو ساوت أو نقصت ، قولان :

نسب الأوّل إلى الشيخ (٥) وإلى جمع من الأصحاب ، والثاني : قول الشيخ في الخلاف (٦) والمحقق (٧) والعلّامة (٨) في بعض كتبه.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٣.

(٢) رجال النجاشي : ٣٤٨.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٣.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٥٣ / ١١.

(٥) المبسوط ١ : ٣٤٢.

(٦) الخلاف ٢ : ٤٠٥.

(٧) الشرائع ١ : ٣٣٣.

(٨) القواعد ١ : ٤٦٢.

٣٤٠