موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ٢٠٣ : فراخ هذه الأقسام الثّلاثة من الحيوانات البرّية والبحرية والأهلية وبيضها ، تابعة للأُصول في حكمها (١).

______________________________________________________

العصير فجعله خمراً ليس إلّا من باب التنزيل ، وأمّا في المقام فلا موجب للالتزام بذلك ولا قرينة عليه ، ولا مانع من حكم الشارع عليه بالميتة ، وليس في شي‌ء من الرّوايات أنّه كالميتة بل ورد أنّه ميتة ، وأيّ مانع من الالتزام بكونه ميتة حسب حكم الشارع كالمذبوح إلى غير القبلة أو بغير الحديد ، ولذا ذكرنا في محلِّه (١) أنّ المراد من الميتة أعم ممّا مات حتف أنفه ، أو ذبح على غير الوجه الشرعي فيثبت جميع آثار الميتة.

ومن الغريب ما استدلّ به بعضهم على عدم جريان آثار الميتة عليه بل يحكم عليه بالطهارة ، وهو صحيح ابن مهزيار قال : «سألت الرّجل (عليه السلام) عن المحرم يشرب الماء من قربة أو سقاء اتّخذ من جلود الصّيد هل يجوز ذلك أم لا؟ ، فقال : يشرب من جلودها» (٢) فإنّ جواز الشرب يكشف عن الطّهارة.

ولا يخفى ما فيه : فإنّ كلامنا في مذبوح المحرم ، ومورد الرّواية هو الصّيد ، وربّما يصيد المحرم في الحل ولا يموت فيذبحه المحل ، فمورد الرّواية أجنبيّة عن المقام.

(١) لا ريب في حلية بيض السمك ، وكذا بيض الطير الأهلي فإن حليتهما تستلزم حلية بيضهما ، وأمّا الحيوان البرّي الّذي يحرم صيده فهل يحرم بيضه وفرخه تبعاً للأصل أم لا؟.

المعروف بل المتسالم عندهم هو الحرمة كالأصل أكلاً وإتلافاً مباشرة ودلالة وإعانة.

ولكن وقع الكلام في دليله ، والظاهر أنّه لا دليل عليه إلّا بالأولويّة حيث ثبتت الكفّارة في كسر البيض وقتل الفرخ ، بل ورد ثبوت الكفّارة على الواسطة الّذي

__________________

(١) في شرح العروة ٢ : ٤٤٧ المسألة [١٦٩].

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٣٠ / أبواب تروك الإحرام ب ٩ ح ١.

٣٠١

مسألة ٢٠٤ : لا يجوز للمحرم قتل السباع إلّا فيما إذا خيف منها على النفس وكذلك إذا آذت حمام الحرم. ولا كفّارة في قتل السباع حتّى الأسد على الأظهر بلا فرق بين ما جاز قتلها وما لم يجز (١).

______________________________________________________

يشتري البيض للمحرم (١) ، فإنّ ذلك يكشف عن عظمة الأمر وشدّة الحرمة ولا سيما ذكر الفراخ والبيض في عداد نفس الحيوان ، فإن جعلهما في عداد الحيوان يكشف عن ثبوت الحرمة لهما أيضاً (٢).

ولو فرضنا قصور الكفّارة عن ثبوت الحرمة بالأولويّة المذكورة ، إلّا أنّ كثرة الابتلاء بكسر البيض وقتل الفراخ بواسطة وطء البعير ونحوه أو وطء نفس المحرم للحجاج في الأسفار السابقة الّتي كانت الدواب مع التسالم على الحرمة ، توجب القطع بأخذ الحكم من المعصومين (عليهم السلام) ولو كان جائزاً لظهر وبان.

(١) لا خلاف في حرمة قتل السباع إلّا إذا خيف منها ، وهل هنا كفارة أم لا؟ الظاهر أنّه لا كفارة في قتل السباع ماشية كانت أو طائرة إلّا الأسد ، بل ادّعي الإجماع على عدم الكفّارة في مطلق محرم الأكل وإن لم يكن من السباع.

فيقع الكلام في مقامين : أحدهما : في الحكم التكليفي. ثانيهما : في الحكم الوضعي.

أمّا الأوّل : فالّذي يدل على حرمة قتل السباع صحيح معاوية بن عمار الّتي تقدمت غير مرّة «اتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى ...» (٣).

هذا إذا لم يخف منها على نفسه وإلّا فيجوز قتلها ، واستدلّ لذلك بخبر حريز قال : «كلّ ما يخاف المحرم على نفسه من السباع والحيات وغيرها فليقتله ، وإن لم يردك فلا ترده» (٤). فإنّه صريح في جواز القتل فيما إذا يخاف المحرم على نفسه ، وعلى عدم الجواز

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥٦ / أبواب كفارات الصّيد ب ٢٤ ح ٥.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٥ / أبواب كفارات الصّيد ب ١٠.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٤٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٤٤ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١.

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فيما إذا لم يخف منها على نفسه ولم ترده السباع والحيات ، إنّما الكلام في سنده والظاهر أنّه مرسل ، لأنّ الكليني يرويه عن حريز عمّن أخبره (١) ، والشيخ يرويه عن حريز عن الصادق (٢) (عليه السلام) وقد ذكرنا غير مرّة أنّه من البعيد جدّاً أنّ حريزاً يروي لحماد تارة مسنداً إلى الإمام وأُخرى مرسلاً ، فالرواية مترددة بين كونها مرسلة أو مسندة ، ولا ريب أنّ الكليني أضبط من الشيخ ، فالتعبير عنه بالصحيح كما في الجواهر (٣) والحدائق (٤) في غير محلِّه.

فالصحيح أن يستدل بصحيح عبد الرّحمن العرزمي ، عن أبي عبد الله عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال : «يقتل المحرم كلّما خشيه على نفسه» (٥).

وأمّا الثّاني : وهو الحكم الوضعي وأنّه هل تثبت الكفّارة في قتل السباع أم لا؟ ادّعي الإجماع على أنّه لا كفارة في قتل السباع سواء قيل بجواز القتل أم لا ، كما إذا قتل النمر الّذي لم يخف منه ولم يرده ، لعدم الدليل على الكفّارة ، وأمّا قوله تعالى (... وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ... (٦) فخاص بالحيوانات الّتي لها مماثل كالنعامة ، ومثلها البدنة والظبي ، ومثلها المعز والشاة وبقر الوحش ، ومثلها البقرة الأهليّة وسيأتي بيان ذلك في محلِّه.

هذا كلّه في غير الأسد ، وأمّا الأسد ففيه خلاف ، فذهب بعضهم إلى ثبوت الكفّارة فيه واستدلّ بما رواه الكليني عن داود بن أبي يزيد العطّار ، عن أبي سعيد المكاري قال : «قلت : لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل قتل أسداً في الحرم قال : عليه كبش يذبحه» (٧).

__________________

(١) الكافي ٤ : ٣٦٣ / ١.

(٢) التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٢.

(٣) الجواهر ٢٠ : ١٧٩.

(٤) الحدائق ١٥ : ١٥٤.

(٥) الوسائل ١٢ : ٥٤٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٧.

(٦) المائدة ٥ : ٩٥.

(٧) الوسائل ١٣ : ٧٩ / أبواب كفارات الصّيد ب ٣٩ ح ١ ، الكافي ٤ : ٢٣٧ / ٢٦.

٣٠٣

مسألة ٢٠٥ : يجوز للمحرم أن يقتل الأفعى والأسود الغدر وكلّ حيّة سوء والعقرب والفارة ، ولا كفارة في قتل شي‌ء من ذلك (١).

______________________________________________________

ولا يخفى أنّ الاستدلال به متوقف على ثبوت الملازمة بين ثبوت الكفّارة للقتل في الحرم وبين القتل حال الإحرام ، وموضوع الرّواية هو القتل في الحرم ، ومورد كلامنا القتل حال الإحرام وإن لم يكن في الحرم ، فالرواية أجنبيّة عن محل الكلام.

هذا ، مضافاً إلى ضعف السند بالعطار والمكاري كما صرّح به المحقق في الشرائع (١) والمشهور أيضاً لم يلتزموا بثبوت الكفّارة حتّى يدّعى الانجبار ، فحال الأسد حال سائر السباع في عدم ثبوت الكفّارة في قتله سواء جاز قتله أم لا.

وكذلك يجوز قتل سباع الطير المؤذي لحمام الحرم ولا كفارة في قتله ، لصحيح معاوية بن عمار «أنّه اتي أبو عبد الله (عليه السلام) فقيل له : إنّ سبعاً من سباع الطير على الكعبة ليس يمر به شي‌ء من حمام الحرم إلّا ضربه فقال : فانصبوا له واقتلوه فإنّه قد ألحد» (٢).

(١) لا كلام في جواز قتل هذه الحيوانات ، إنّما الكلام في أنّ الحكم بالجواز هل يختص بما إذا أرادته وخاف منها أم لا؟

المعروف بينهم جواز القتل مطلقاً ، ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : «ثمّ اتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى والعقرب والفارة ، فأمّا الفأرة فإنّها توهي السقاء ، وتضرم على أهل البيت ، وأمّا العقرب فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) مدّ يده إلى الحجر فلسعته ، فقال : لعنك الله لا برّاً تدعينه ولا فاجراً ، والحيّة إن أرادتك فاقتلها ، وإن لم تردك فلا تردها ، والأسود الغدر فاقتله على كل حال ، وارم الغراب والحدأة رمياً على ظهر بعيرك» (٣).

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٢٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ٨٣ / أبواب كفارات الصّيد ب ٤٢ ح ١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٤٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو كان جواز القتل مختصّاً بما أراده لم يكن وجه لذكر المذكورات بالخصوص بل كان حالها حال جميع السباع ، مضافاً إلى أنّ الفأرة لا تريد الشخص بل تهرب من الإنسان ، ولعل العقرب كذلك.

على أنّ اختصاص الحيّة بما إذا أرادت يدل على أنّ المذكورات غير مختصّة بصورة الإرادة وأنّ الحكم مطلق.

وأمّا قوله : «والأسود الغدر فاقتله على كل حال» فلا يوهم اختصاص القتل المطلق به ، بل هذا استثناء من الحيّة الّتي لا تقتل على كل حال ، وأنّ هذا القسم من الحيّة يقتل مطلقاً ، فإطلاق الصدر على حاله.

ويدل عليه أيضاً إطلاق صحيح الحلبي قال «يقتل في الحرم والإحرام الأفعى والأسود الغدر وكل حيّة سوء ، والعقرب والفارة هي الفويسقة» (١).

وأمّا صحيح حسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قال لي : يقتل المحرم الأسود الغدر والأفعى والعقرب والفارة ، فإنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سمّاها الفاسقة والفويسقة ، ويقذف الغراب ، وقال : اقتل كل واحد منهنّ يريدك» (٢) فربّما يوهم الاختصاص بصورة الإرادة ، ولكن قد عرفت أنّ الرّواية مشتملة على ما لا يريد كالفأرة فلا تتحقق الإرادة في موردها ، بل الظاهر أنّ قوله (عليه السلام) : «اقتل كل واحد منهنّ يريدك» حكم آخر وجوبي يختص بصورة الإرادة فإنّه يجب القتل حينئذ دفعاً للخطر والضرر العظيم ، فلا يوجب تقييد الحكم بالجواز في الصدر بذلك.

عود على بدء : سبق لنا أن ذكرنا الرّوايات المجوّزة لذبح المحرم الحيوانات الأهليّة (٣) ، فقد روى الشيخ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «يذبح

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٤٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٤٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٥.

(٣) راجع ص ٢٩٨.

٣٠٥

مسألة ٢٠٦ : لا بأس للمحرم أن يرمي الغراب والحدأة ولا كفارة لو أصابهما الرّمي وقتلهما (١).

______________________________________________________

في الحرم الإبل والبقر والغنم والدجاج» (١).

وفي النسخة القديمة المطبوعة بالطبع الحجري : «في الحل» بدل قوله «في الحرم» والفرق بينهما واضح ، ولا ريب أنّ النسخة المطبوعة بالحجري فيها تحريف وغلط لإطباق بعض النسخ الخطية والطبعة الجديدة على قوله : «في الحرم» كما في الوسائل (٢) ، وكذلك نقلها في الوافي (٣) ، وفي الوسائل أسقط كلمة «والغنم» مع أنّها مذكورة في التهذيب ، وذلك إمّا اشتباه من الوسائل أو من غلط النساخ.

وكيف كان : الجملة المذكورة في التهذيب جملة إيجابيّة إلّا أنّ الصدوق روى في الفقيه بنفس السند بالجملة السلبية وأنّه قال (عليه السلام) : «لا يذبح في الحرم إلّا الإبل والبقر والغنم والدجاج» (٤) وقد ذكرنا آنفاً (٥) أنّه لا يمكن الاعتماد على رواية الصدوق ، فإنّه مضافاً إلى ما تقدّم يرد عليه : أنّ دلالة رواية الصدوق على عدم جواز غير الأنعام وغير الدجاج بالإطلاق ، ويرفع اليد عنه بالكلية المذكورة الصريحة الدالّة على جواز ذبح المحرم كلّما جاز للمحل ذبحه ، ولا ريب في جواز ذبح هذه الحيوانات للمحل في الحرم فيجوز ذبحه للمحرم أيضاً ، فإنّ المحرّم على أهل الحرم إنّما هو صيد الحرم ومن دخل الحرم مستجيراً به ، وشي‌ء منهما غير صادق على الحيوانات الأهليّة.

(١) لا كلام في جواز قتل الغراب والحدأة للنصوص المتعدّدة.

وإنّما يقع الكلام في أُمور :

__________________

(١) التهذيب ٥ : ٣٦٧.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٤٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ١.

(٣) الوافي ١٢ : ١٢٥ / ١١٦٧٥.

(٤) الفقيه ٢ : ١٧٢.

(٥) في ص ٢٩٨.

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : هل يختص جواز القتل بما إذا كان المحرم على ظهر بعيره ، كما جاء ذلك في الرّواية المتقدّمة ، فلا يجوز إذا كان راجلاً أو راكباً غير البعير ، أو يعم جميع الحالات؟.

الثّاني : أنّ جواز القتل هل يختص بالغراب الأبقع أو يشمل غيره؟.

الثّالث : هل يختص الحكم المذكور بالرّمي أو يعم مطلق القتل وإن لم يكن بسبب الرّمي؟.

أمّا الأوّل : فلا يخفى أنّ الرّوايات على قسمين :

أحدهما : مطلق الرجم والقتل وإن لم يكن على ظهر البعير كصحيح الحلبي «ويرجم الغراب والحدأة رجماً» (١).

ثانيهما : خصّ الجواز بما إذا كان على ظهر بعيره كما في صحيحة معاوية بن عمار «وارم الغراب والحدأة رمياً على ظهر بعيرك» (٢).

ولكن الظاهر أنّه لا موجب للتقييد ، فإنّه محمول على الغالب ، والقيد وإن كان له مفهوم عندنا في الجملة لكن فيما إذا لم يحمل على الغالب.

وممّا يدل على أنّ القيد إنّما ذكر لأجل الغلبة وأنّه غير دخيل في الحكم المذكور قوله : «على ظهر بعيرك» إذ لا نحتمل دخل ملكيّة البعير في الحكم بعدم الجواز.

هذا كلّه مضافاً إلى القطع بعدم الفرق بين الراجل والراكب ، وبعدم الفرق بين المراكب.

وأمّا الثّاني : فالظاهر أن ذكر الأبقع في بعض النصوص كمعتبرة حنان بن سدير «والغراب الأبقع ترميه» (٣) لا دلالة فيها على الاختصاص ، إذ لعلّ التقييد به فيها لأجل كثرة الابتلاء بخصوص هذا الحيوان وأنّه حيوان خبيث ، ويشهد لذلك قوله :

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٤٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٤٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٤٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ١١.

٣٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

«فإن أصبته فأبعده الله» فإنّ ذلك يكشف عن خصوصيّة في الأبقع وخيانته.

وأمّا الثّالث : هل يجوز قتله بأيّ سبب من أسباب القتل ولو بغير الرّمي كالسيف والعصا ونحو ذلك؟.

ذكر بعضهم الاختصاص بالرّمي والرّجم ، ومنهم من جوّز القتل بأيّ سبب كان كشيخنا النائيني (قدس سره) (١).

والظاهر هو الاختصاص ، لأنّ التفصيل في الرّوايات بينه وبين بقيّة المذكورات فيها قاطع للشركة ، فإنّه بالنسبة إلى بقيّة الحيوانات أُطلق القتل فيها ، وأمّا في خصوص الغراب قيّد القتل بالرّمي ، فيعلم أنّ للغراب حكم خاص.

هذا مضافاً إلى عدم جواز قتل الدواب على الإطلاق ، وقد خرجنا منه في قتل الغراب بسبب الرّمي أو الرّجم ، وأمّا بقيّة أقسام القتل فيشملها عموم المنع.

انتهى الجزء الثّالث بحوله تعالى

ويليه الجزء الرّابع وأوّله كفارات الصّيد

__________________

(١) لاحظ دليل الناسك (المتن) : ١٨٠.

٣٠٨

كفّارات الصّيد

مسألة ٢٠٧ : في قتل النعامة بدنة ، وفي قتل بقرة الوحش بقرة ، وفي قتل حمار الوحش بدنة أو بقرة وفي قتل الظبي والأرنب شاة ، وكذلك في الثعلب على الأحوط (١).

______________________________________________________

(١) لا كلام ولا خلاف بين أصحابنا في وجوب البدنة على من قتل النعامة ، وكذا في قتل بقرة الوحش تجب البقرة الأهلية ، وفي قتل الظبي شاة ، وقد صرحت النصوص المعتبرة بذلك (١).

وأمّا الحمار الوحشي ففي بعض الروايات المعتبرة البقرة (٢) ، وفي بعض آخر معتبر أيضاً بدنة (٣) ومقتضى الجمع بين الروايتين بعد القطع بعدم وجوب كليهما هو التخيير ورفع اليد عن ظهور الوجوب في التعيين ، وهذا الكلام مبني على أساس أُصولي ذكرنا في محلِّه (٤) ، وهو أنّه لو دار الأمر بين الوجوب التعييني والتخييري يحمل الواجب على التعييني ، لأنّ التخيير يحتاج إلى دليل خاص ومئونة زائدة كحمل الواو على أو ونحو ذلك ، ولكن بعد القطع بعدم وجوب كليهما يدور الأمر بين رفع اليد عن وجوب أحدهما بالمرة أو رفع اليد عن إطلاق كل منهما ، ولا ريب في أنّه يتعين رفع اليد عن الإطلاق ، فالنتيجة وجوب كل منهما على التخيير.

وأمّا الأرنب ، ففي روايات معتبرة «إن في قتله شاة» (٥).

وأمّا الثعلب ، فالمشهور بل ادعي عليه الإجماع أن في قتله شاة كالأرنب ، فان تمّ

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٥ / أبواب كفارات الصيد ب ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٥ / أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ١.

(٣) الوسائل ١٣ : ٦ / أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٢.

(٤) مصباح الأُصول ٢ : ٤٤٨ وما بعدها.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٧ / أبواب كفارات الصيد ب ٤.

٣٠٩

مسألة ٢٠٨ : من أصاب شيئاً من الصيد فان كان فداؤه بدنة ولم يجدها فعليه إطعام ستّين مسكيناً لكل مسكين مد ، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً ، وإن كان فداؤه بقرة ولم يجدها فليطعم ثلاثين مسكيناً ، فان لم يقدر صام تسعة أيّام وإن كان فداؤه شاة ولم يجدها فليطعم عشرة مساكين ، فان لم يقدر صام ثلاثة أيّام (١).

______________________________________________________

الإجماع فهو وإلّا فإثباته بدليل غير ممكن ومقتضى الأصل عدم الوجوب ، بل يستشعر من بعض الروايات عدم الوجوب ، لأنّ السائل يسأل عن قتل المحرم الأرنب والثعلب فيجيب (عليه السلام) عن الأرنب ويسكت عن الثعلب (١) فاقتصاره (عليه السلام) في الجواب على الأرنب مشعر بعدم وجوب شي‌ء في الثعلب.

نعم ، ورد في رواية واحدة ثبوت الدم على من قتل ثعلباً كالأرنب (٢) ولكن الرواية ضعيفة سنداً بطريقيها ، أحدهما بسهل وعلي بن أبي حمزة البطائني ، والآخر بالبطائني فإنّه كذاب بل اختلق عدّة روايات في الأموال ونسبها إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) إلّا أنّ الظاهر تسالم الأصحاب على ثبوت الشاة في قتله ، فالحكم مبني على الاحتياط.

(١) البحث في هذه المسألة لبيان أبدال الكفّارة المتقدِّمة إذا عجز عنها ، سواء كانت بدنة أو بقرة أو شاة.

والبدل على قسمين : إمّا الإطعام أو الصوم.

أمّا الأوّل : فيقع الكلام في جهات :

الاولى : إذا كان الواجب بدنة كما إذا قتل النعامة وعجز عنها فما هو الواجب عليه؟

ورد في جملة من الروايات أنّه يجب عليه صرف قيمة البدنة على إطعام ستّين

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٧ / أبواب كفارات الصيد ب ٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٧ / أبواب كفارات الصيد ب ٤ ح ٤.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

مسكيناً ، فان كانت قيمة البدنة أكثر من إطعام ستّين مسكيناً لا تجب عليه الزيادة على إطعام ستّين مسكيناً ويكون الباقي له ، وإن كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستّين مسكيناً لم يكن عليه إلّا قيمة البدنة ولا يجب عليه إطعام الستّين (١) وفي جملة منها اقتصر على إطعام ستّين مسكيناً ابتداءً من دون ذكر قيمة البدنة (٢) وعلى طبق هذه الروايات أفتى جملة من الفقهاء كابن بابويه (٣) وابن أبي عقيل (٤) والمفيد (٥) والسيِّد (٦) والسلّار (٧) ، وهذا هو الصحيح.

بيان ذلك : أن روايات التقويم دلّت على تقييد الإطعام على ستّين مسكيناً بما إذا كانت قيمة البدنة وافية لذلك ، وإلّا فيقتصر على ما تمكن ، ولكن صحيح علي بن جعفر (٨) يدل على الإطعام على ستّين مسكيناً على الإطلاق ابتداءً من دون نظر إلى القيمة ، والمتعين هو الأخذ بإطلاق هذه الصحيحة ونحوها ، ولا موجب لتقييدها بالروايات السابقة.

والوجه في ذلك : أن مثل هذا الفرض ، وهو أن نعتبر قيمة البعير أقل من تكاليف الإطعام بستّين مسكيناً مع فرض كفاية مد واحد لكل مسكين ، بعيد جدّاً ، نعم قد يحتمل وإن كان من الفرض البعيد عدم وفاء قيمة البعير في زمان صدور الروايات فالمتعيّن هو العمل بالروايات المطلقة ولا موجب للتقييد لعدم موضوع له.

الثانية : هل يعتبر في البدنة أن تكون أُنثى ، أم يجزي الأعم منها ومن الذكر؟ قولان :

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٩ ، ٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٢ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٣ و ٦ و ١٢.

(٣) المختلف ٤ : ١١٥.

(٤) المختلف ٤ : ١١٥.

(٥) المقنعة : ٤٣٥.

(٦) جمل العلم والعمل : ٧١.

(٧) المراسم : ١١٩.

(٨) الوسائل ١٣ : ١٠ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٦.

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

في مجمع البحرين أنّها تقع على الجمل والناقة والبقرة عند جمهور أهل اللّغة وبعض الفقهاء ، وعن بعض الأفاضل أن إطلاقها على البقرة مناف لما ذكره أئمة اللّغة من أنّها من الإبل خاصّة (١). انتهى.

واستشهد الحدائق على التعميم للذكر والأُنثى برواية أبي الصباح الكناني ، لاشتمالها على كلمة جزور في قوله (عليه السلام) «وفي النعامة جزور» (٢) والجزور أعم من الذكر والأُنثى (٣).

ثمّ إن في التهذيب المطبوع بالطبعة الجديدة رواها عن أبي الفضيل عن أبي الصباح (٤) ، وهو سهو جزماً لعدم وجود رجل يكنى بأبي الفضيل يروي عن أبي الصباح ، بل الراوي عنه كما في النسخ الصحيحة ابن الفضيل وهو محمّد بن الفضيل وهو مشترك بين الثقة وهو محمّد بن القاسم بن فضيل وبين غيره وهو محمّد بن الفضيل ، وقد حاول الأردبيلي في جامع الرواة الاتحاد بين محمّد بن الفضيل ومحمّد بن القاسم الفضيل ، فانّ الشخص قد ينسب إلى جدّه كثيراً واستشهد بأُمور أطال فيها (٥) ، ولكن لا يوجب إلّا الظن بالاتحاد لا الجزم ، فالرواية ساقطة سنداً.

إذن إن ثبت ما عن المجمع من أنّ البدنة تشمل الذكر والأُنثى فالحكم ثابت للجامع ، وإلّا فالمقام من موارد الشك وينتهي الأمر إلى الأصل العملي ، ويختلف باختلاف المباني والمسالك بالنسبة إلى جريان الأصل في الشك بين الأقل والأكثر الارتباطيين وأنّه هل يجري أصل البراءة مطلقاً أو يجري الاشتغال مطلقاً أو يفصّل بين الأجزاء والشرائط.

فان قلنا بالاشتغال مطلقاً ، أو بالاشتغال في الشك في الشرط كما في المقام فلا بدّ

__________________

(١) مجمع البحرين ٦ : ٢١٢.

(٢) الوسائل ١٣ : ٦ / أبواب كفارات الصيد ب ١ ح ٣.

(٣) الحدائق ١٥ : ١٧٦.

(٤) التهذيب ٥ : ٣٤١ / ١١٨٠.

(٥) جامع الرواة ٢ : ١٨٣.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

من الاقتصار على الناقة ، وإن قلنا بالبراءة مطلقاً فيجزئ الأعم ، فإن التكليف بالجامع وبالطبيعة المهملة معلوم ولكن لا يعلم أن الواجب مطلق أو مقيّد بالأُنثى وحيث إنّ الإطلاق واسع فلا معنى لجريان البراءة فيه فتجري في التقييد إذ فيه الكلفة والضيق.

الثالثة : قد عرفت أنّه إذا عجز عن البدنة يتعين عليه إطعام ستّين مسكيناً للنصوص ، وعمدتها صحيح علي بن جعفر (١) ومعاوية بن عمار (٢) وبإزائهما خبر داود الرقي قال : «إذا لم يجد بدنة فسبع شياه فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً» (٣) ولكن لم ينسب القول بمضمونه إلى أحد من فقهائنا في مقام كفّارة الصيد.

نعم ، ذهب إليه بعضهم في مقام آخر غير الصيد ممّا يجب عليه البدنة ، فالرواية شاذة مخالفة للروايات المستفيضة فلا يمكن الحمل على التخيير ، لأنّ المفروض في كل من صحيح علي بن جعفر وخبر داود الرقي صيام ثمانية عشر يوماً إذا عجز عن إطعام ستّين مسكيناً أو عجز عن سبع شياه ، ولو كان وجوب سبع شياه عدلاً لإطعام ستّين مسكيناً كان اللّازم انتقال الأمر إلى أحدهما عند العجز عن الآخر لا الانتقال إلى الصيام رأساً ، فالروايتان صريحتان في الواجب التعييني ولا مجال لحملهما على التخييري ، فهما متنافيتان والترجيح للروايات المتقدِّمة كصحيح علي بن جعفر ، لشهرتها رواية وعملاً وشذوذ رواية داود الرقي.

على أنّ الروايات السابقة موافقة للكتاب ، ورواية داود الرقي مخالفة له ، إذ لم يذكر سبع شياه في الآية الكريمة (٤) والمذكور فيها وجوب الحيوان المشابه المماثل لما قتل من النعم أو إطعام ستّين مسكيناً أو صيام ثمانية عشر يوماً (٥) على التخيير ، غاية الأمر

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٠ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ١٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

(٣) الوسائل ١٣ : ٩ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٤.

(٤) المائدة ٥ : ٩٥.

(٥) المذكور في القرآن هو الإطعام والصوم دون الستين وثمانية عشر.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الآية لا تدل على الترتيب ولكن الروايات المفسرة للآية الشريفة دلّت على الترتيب فهذه الكفّارة مرتّبة لا مخيّرة ببركة النصوص ، هذا كلّه مضافاً إلى ضعف رواية داود الرقي سنداً ، لأنّه لم تثبت وثاقته ، وقد ضعّفه النجاشي (١) ، فلا عبرة بتوثيق غيره له.

الرابعة : وقع الكلام في جنس الطعام وكمه ، أمّا من حيث الجنس ، ففي الشرائع عبّر بالبر (٢) ومقتضاه عدم إجزاء غيره ، إلّا أنّ العلّامة صرح باجزاء كل طعام (٣) كما في الآية الكريمة والروايات ، ولا يعرف انصراف الطعام إلى خصوص البر أو التبادر إليه.

نعم ، ورد كلمة البر في الفقه المنسوب إلى الرضا (عليه السلام) (٤) وفي خبر الزهري (٥) الضعيف جدّاً ، فلا عبرة بهما.

وأمّا الكم ومقدار الصدقة ، فقد ذهب جماعة إلى لزوم التصدق بمدّين كما هو أحد الأقوال في كفّارة الإفطار العمدي. وذهب آخرون إلى الاكتفاء بمدّ واحد ، ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار ، ففي صحيح معاوية بن عمار صرح بالمد (٦) ، وفي صحيح أبي عبيدة صرح بنصف الصاع (٧) وهو مقدار مدين إلّا أن ما دل على المدّين ظاهر في الوجوب ، وما دلّ على المدّ صريح في الاكتفاء به ، ويرفع اليد عن ظهور ذلك بصراحة الآخر وبحمل ما دلّ على المدّين على الاستحباب.

ولو وصل الأمر إلى الأصل العملي فالواجب أيضاً مدّ واحد ، لأنّه واجب قطعاً ونشك في الزائد ، والأصل عدمه.

__________________

(١) رجال النجاشي : ١٥٦.

(٢) الشرائع ١ : ٣٢٦.

(٣) لم نعثر عليه في كتبه بل هو صرح بالبر ، وأمّا في التذكرة ففي موضعٍ لم يتعرّض لخصوصية ٧ : ٤٦٢ وفي موضع آخر عبّر بالبر ٧ : ٤٠١.

(٤) فقه الرضا : ٢٠١.

(٥) الوسائل ١٠ : ٣٦٧ / أبواب بقيّة الصوم الواجب ب ١ ح ١.

(٦) الوسائل ١٣ : ١٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

(٧) الوسائل ١٣ : ٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

عود على بدء :

قد عرفت أن مقتضى إطلاق جملة من الروايات وكلمات الفقهاء (قدس سرهم) وجوب الإطعام على ستّين مسكيناً ، سواء وفت قيمة البدنة لذلك أم لا ، ومقتضى إطلاق جملة أُخرى وجوب صرف قيمة البدنة في الإطعام على ستّين مسكيناً إذا وفت القيمة وإلّا فيكتفى بالأقل ، وحيث إن قيمة البدنة تفي بالإطعام على الستّين قطعاً ودائماً ، لذا لم يتعرضوا للأقل واكتفوا بذكر الإطعام على ستّين مسكيناً ، ولكن بعض الروايات صريحة في الاعتبار بالقيمة والاجتزاء بالأقل من الستّين إذا كانت قيمة البدنة أقل من إطعام ستّين مسكيناً ، وعدم وجوب الزائد ، وهي رواية جميل (١) على ما رواه الصدوق عنه.

والرواية صحيحة عندنا ، فان طريق الصدوق إلى جميل بن دراج وجميل بن صالح وإن كان لم يذكر في المشيخة إلّا أنّه يظهر صحّة طريقه إليهما من طريق الشيخ إلى جميل بن دراج وإلى جميل بن صالح ومحمّد بن الحسن بن الوليد (٢).

فعليه لو فرضنا قيمة البدنة أقل من إطعام ستّين مسكيناً فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاق روايات الإطعام على ستّين مسكيناً.

تكملة لما تقدّم من أحكام الصيد : وقع الكلام في مسألتين :

الاولى : في أنّ المحرم إذا صاد صيداً فهل يملكه أم لا؟.

الثانية : أنّ الإحرام هل يوجب خروج ما ملكه المحرم بالصيد قبل الإحرام فيما إذا كان صاده وصحبه في سفره؟ وأمّا إذا صاده في بلده وتركه عند أهله فهو خارج عن محل البحث ، ولا ريب في بقائه على ملكه قطعاً.

نسب إلى المشهور بل ادعي عليه الإجماع أنّه لا يملك ، بل يخرج عن ملكه بمجرّد

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١١ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٩. الفقيه ٢ : ٢٣٢ / ١١١٠.

(٢) الفهرست : ٤٤.

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الإحرام ، وأنّه غير قابل للملك حدوثاً وبقاءً ، فالحكم المترتب على الصيد ليس مجرّد حكم تكليفي ، بل يترتب عليه حكم وضعي أيضاً.

وتظهر الثمرة كما في الجواهر (١) فيما إذا أخذ شخص آخر هذا الصيد ، فعلى القول بعدم الملكية لا ضمان عليه ، وعلى القول بالملكية يضمن.

واستدلّ على عدم الملكية بقوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (٢) بتقريب أنّ المراد بالصيد هو المصيد ، أي الحيوان الّذي يصاد ، وحرمة الذات تستدعي حرمة جميع ما يترتب عليه من الأكل والملكية.

وفيه أوّلاً : أنّك قد عرفت قريباً أنّ المراد بالصيد معناه المصدري وهو الاصطياد بقرينة قوله تعالى (وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) (٣) لأنّ الصيد المذكور في جملة التحريم نفس الصيد المذكور في جملة التحليل ، فلو كان المراد بالصيد المصيد فلا فائدة لذكر قوله تعالى (وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) للزوم التكرار بلا وجه ، فقوله تعالى (وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) حكم آخر مترتب على المصيد البحري ، والتحليل حكم آخر مترتب على نفس الصيد بالمعنى المصدري ، فكذلك صيد البر حكم ثابت على نفس الاصطياد.

وثانياً : لو سلمنا أنّ المراد بالصيد هو المصيد ولكن ظاهر التحريم تحريم الآثار الظاهرة ، والأثر الظاهر من تحريم الصيد تحريم أكله ، كما في تحريم الأُمهات فإنّ الأثر الظاهر نكاحها ونحو ذلك ، فان تحريم كل ذات باعتبار الأثر الظاهر منه.

وثالثاً : ما ذكرناه في البحث عن أنّ النهي في المعاملات لا يدل على الفساد من أنّه لا ملازمة بين الحرمة والخروج عن الملك أو عدم الدخول في الملك ، فلنفرض أنّ المصيد بجميع خصوصياته محرم ولكن لا مانع من ملكيته كملكية الشي‌ء وقت النداء.

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ٢٧٥.

(٢) المائدة ٥ : ٩٦.

(٣) المائدة ٥ : ٩٦.

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ما دلّ على الإرسال وحرمة الإمساك كما في النصوص (١) فلا يدل على زوال الملكية ، فإنّه يجوز البقاء على ملكه وإن وجب عليه إرساله وتخليته ، وحرم عليه إمساكه.

واستدلّ للمشهور أيضاً بخبر أبي سعيد المكاري عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا يحرم أحد ومعه شي‌ء من الصيد حتّى يخرجه عن ملكه ، فإن أدخله الحرم وجب عليه أن يخلّيه» (٢).

وفيه : أنّ الخبر ضعيف سنداً بأبي سعيد المكاري فإنّه لم يوثق ، ودلالة لعدم دلالة الخبر على الخروج عن الملك بمجرد الإحرام الّذي هو محل الكلام ، وإنّما أمر بالإخراج عن الملك قبل الإحرام ليكون حال الإحرام ومن أوّل زمانه غير مسلط على الصيد ، وهذا من جهة حرمة الإمساك ووجوب الإرسال ، فإنّه من أوّل زمان الإحرام يحرم عليه الإمساك ، ولا يمكن التحرز عن هذا الحرام إلّا بإخراجه عن ملكه قبل الإحرام فموضوع حرمة الإمساك هو الإحرام ، وقد ذكرنا في المباحث الأُصولية أن تقدّم الموضوع على الحكم تقدّم رتبي ولكن بحسب الزمان فهما في زمان واحد ، ولذا يجب إرسال الصيد قبل الإحرام حتّى يكون أوّل زمان الإحرام غير ممسك للصيد ، فلا يكون الإحرام بنفسه أحد أسباب خروج الصيد عن الملك.

بل الخبر على الملكية أدل ، لأنّه لو فرضنا خروج الصيد عن الملك بمجرد الإحرام فلا حاجة إلى إخراجه عن الملك قبل إحرامه ، فالخبر يدل على الملكية ولكن يجب عليه الإرسال ، هذا كلّه بالنسبة إلى صيد المحرم.

وأمّا الصيد في الحرم ، فالمعروف بينهم أنّه لا يدخل في ملك المحل ولا المحرم واستدلّ على ذلك بالنصوص المانعة عن مسّ الطير أو الظبي إذا دخل الحرم

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٧٥ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٦.

(٢) الوسائل ١٣ : ٧٤ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٤ ح ٣ رواه إلى قوله : عن ملكه ، وروى ذيله في التهذيب ٥ : ٣٦٢ / ١٢٥٧.

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

كصحيحة معاوية بن عمار «عن طير أهلي أقبل فدخل الحرم ، فقال : لا يمس لأنّ الله عزّ وجلّ يقول (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) (١) ونحوها صحيحة محمّد بن مسلم الواردة في الظبي (٢).

ويرد ذلك بأنّ المس كناية عن إمساكه وأخذه وحبسه ونحو ذلك من أنحاء الاستيلاء عليه ، وأمّا مجرد الملكية فليس من أفعاله حتّى يمنع عنه.

تنبيه :

قد ذكرنا سابقاً أنّه لا كفّارة في قتل الثعلب لعدم الدليل عليه ، إلّا أن صاحب الوسائل روى عن الاحتجاج قصّة الإمام الجواد (عليه السلام) (٣) مع يحيى بن أكثم واحتجاجه (عليه السلام) عليه في مجلس المأمون في مسألة قتل المحرم الصيد ، ولم يذكر في رواية الاحتجاج الثعلب ولا الأرنب ، ثمّ ذكر : ورواه في تحف العقول مرسلاً والمذكور فيه قتل الثعلب والأرنب ، ثمّ ذكر صاحب الوسائل : ورواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن محمّد بن الحسن عن محمّد بن عون النصيبي عن أبي جعفر (عليه السلام) نحوه.

ولكن بعد ما راجعنا التفسير لم نجد فيه ذكر الثعلب بل اقتصر على الأرنب (٤) فلا بدّ إمّا من اشتمال نسخة التفسير الموجودة عند صاحب الوسائل على ذكر الثعلب أو أن يكون المراد من قوله نحوه أي مثله في معظم الأشياء لا في جميع الخصوصيات المذكورة في الرواية ، على أنّه لو فرضنا ذكر الثعلب في رواية التفسير فالرواية ضعيفة بمحمّد بن الحسن (الحسين) بن سعيد الصائغ الّذي ضعفه النجاشي جدّاً (٥) ، فلا ينفع توثيق علي بن إبراهيم له ، هذا تمام الكلام في البدل الأوّل وهو الإطعام.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٧٥ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٧٥ / أبواب كفارات الصيد ب ٣٦ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٤ / أبواب كفارات الصيد ب ٣ ح ١ و ٢ ، الاحتجاج ٢ : ٤٧٢.

(٤) تفسير القمي ١ : ١٨٣.

(٥) رجال النجاشي : ٣٣٧.

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا البدل الثاني وهو الصوم فتنقيح البحث فيه يتم برسم أُمور :

الأوّل : لو عجز عن إطعام الستّين فهل يجب عليه صيام شهرين أو ثمانية عشر يوماً؟

الروايات في المقام مختلفة ، ففي بعض الصحاح ورد صيام شهرين كصحيحة أبي عبيدة لقوله : «صام لكل نصف صاع يوماً» (١) بناءً على إعطاء كل مسكين مدين ، وفي صحيحة ابن مسلم «فليصم بقدر ما بلغ لكل طعام مسكين يوماً» (٢) والمفروض إطعام الستّين. وفي صحيح ابن جعفر صيام ثمانية عشر يوماً (٣) ، وكذلك في صحيح معاوية بن عمار (٤) وصحيحة أبي بصير على طريق الصدوق (٥).

المشهور بينهم أنّ الاختلاف في الروايات من جهة اختلاف مراتب التمكّن ، بمعنى أنّ الواجب أوّلاً صيام شهرين إن تمكن ، ولو عجز عن صوم الستّين صام ثمانية عشر يوماً ، كما في الشرائع (٦) وغيره.

ولم يظهر الوجه في ذلك ، وتقييد الأوّل بالمتمكن والثاني بالعاجز تقييد تبرعي.

وذكر في الجواهر أنّ التقييد المزبور هو المتعين ، لأن حمل الشهرين على الفضل مجاز ، والتقييد أولى (٧).

وفيه : ما ذكرناه في محلِّه من أنّ الوجوب والاستحباب خارجان عن المدلول اللفظي ، وإنّما يفهم الوجوب والاستحباب من الخارج من اقتران التكليف بالترخيص وعدمه (٨).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٨ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ١١ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٠.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٠ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٦.

(٤) الوسائل ١٣ : ١٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

(٥) الوسائل ١٣ : ١٢ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ٣ ، الفقيه ٢ : ٢٣٣ / ١١١٢.

(٦) الشرائع ١ : ٣٢٧.

(٧) الجواهر ٢٠ : ٢٠٢.

(٨) محاضرات في أُصول الفقه ٢ : ١٣١.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وما ذكره المحقق القمي وغيره من تقديم التقييد على المجاز فيما لو دار الأمر بينهما (١) ، وكذا في غير هذا المورد ممّا يدور الأمر بين شيئين فما لا أساس له أصلاً ، بل المتبع هو الظهور.

ولو وصل الأمر إلى رفع اليد عن الظهور لا وجه للتقييد بالتمكن والعجز ، فليكن التقييد بأمر آخر كصغر النعامة وكبرها وبقتل الصيد في النهار أو في اللّيل ، لأنّ القتل في اللّيل أعظم.

فالصحيح ما ذهب إليه جماعة أُخرى من وجوب صيام ثمانية عشر يوماً ، لأن ما دلّ على صيام ثمانية عشر يوماً نص في الاجتزاء بذلك فيحمل ما دلّ على الأكثر على الفضل ، لأنّه ظاهر في وجوب ذلك ويرفع اليد عن ظهوره بصراحة الآخر كما هو الحال في جميع الموارد الدائرة بين الأقل والأكثر.

ولو فرضنا التعارض بين الطائفتين ، فالترجيح مع الطائفة الدالّة على الاجتزاء بثمانية عشر يوماً لموافقتها للكتاب ، بيان ذلك : أنّ المستفاد من الكتاب العزيز أنّ الواجب أوّلاً البدنة أو إطعام الستّين مسكيناً على ما شرحه وبينه في النصوص ، أو عدل ذلك صياماً أي عديل الإطعام وقرينه ، وقد علمنا أن عديل إطعام عشرة مساكين صيام ثلاثة أيّام كما في كفّارة اليمين المذكورة في الآية السابقة (٢) فإذا كان عديل العشرة صيام ثلاثة أيّام فعديل الستّين ثمانية عشر يوماً ، وقد صرح بذلك في صحيحة معاوية بن عمار «فان لم يجد ما يشتري بدنة فأراد أن يتصدق فعليه أن يطعم ستّين مسكيناً كل مسكين مداً ، فان لم يقدر على ذلك صام مكان ذلك ثمانية عشر يوماً ، مكان كل عشرة مساكين ثلاثة أيّام ، ومن كان عليه شي‌ء من الصيد فداؤه بقرة فان لم يجد فليطعم ثلاثين مسكيناً ، فان لم يجد فليصم تسعة أيّام ، ومن كان عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام» (٣) فإنّه يظهر منها

__________________

(١) القوانين ١ : ٣٥ السطر ١٠.

(٢) المائدة ٥ : ٨٩.

(٣) الوسائل ١٣ : ١٣ / أبواب كفارات الصيد ب ٢ ح ١٣.

٣٢٠