موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

إلّا أنّ خبر إسحاق معتبر لكفاية كون الرّاوي ثقة وإن كان فاسد العقيدة فلا حاجة إلى دعوى الانجبار. نعم ، على مسلك المدارك يكون الخبر ضعيفاً ، ولكن لا عبرة بمسلكه ، بل الصحيح عندنا كفاية كون الرّاوي ثقة ، ولو كان الرّاوي فاسد العقيدة ، فعليه لو كنّا نحن وهذه الرّوايات لالتزمنا بالحرمة المطلقة.

ولكن هنا روايات تدل على جواز الأكل للمحل :

منها : صحيحة الحلبي قال : «المحرم إذا قتل الصّيد فعليه جزاؤه ويتصدّق بالصيد على مسكين» (١) فإنّ التصدّق به على مسكين وإعطاءه وإطعامه يدل على جواز أكل المحل له ، وإلّا لو كان ميتة فلا معنى للتصدّق به على المسكين ، واحتمال كون الباء في «بالصيد» للسببيّة أي يتصدّق لفعله وذبحه له على مسكين بعيد جدّاً ، ولعلّها أظهر الرّوايات الدالّة على جواز الأكل للمحل.

ومنها : صحيحة منصور بن حازم قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) رجل أصاب صيداً وهو محرم آكل منه وأنا حلال؟ قال : أنا كنت فاعلاً ، قلت له : فرجل أصاب مالاً حراماً؟ فقال : ليس هذا مثل هذا يرحمك الله ، إنّ ذلك عليه» (٢).

ولا يبعد أن يكون المراد بقوله «أصاب صيداً» أنّه قتله وذبحه بعد ما صاده لا أنّه مات بنفس الرّمي والصّيد.

ومنها : صحيحة حريز «عن محرم أصاب صيداً أيأكل منه المحل؟ فقال : ليس على المحل شي‌ء إنّما الفداء على المحرم» (٣)

والظاهر من الإصابة أنّه وصل إليه المحرم وقتله.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أصاب صيداً وهو محرم أيأكل منه الحلال؟ فقال : لا بأس ، إنّما الفداء على المحرم» (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٣٢ / أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٢١ / أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٣.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٢١ / أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٢١ / أبواب تروك الإحرام ب ٣ ح ٥.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

فتعارض هذه الطائفة الطائفة الاولى فلا يؤخذ بإحداهما ، ويرجع إلى عمومات الحل فيكون التحريم مختصّاً بالمحرم ويجوز الأكل للمحل.

ويدلُّ على جواز أكل الصّيد الّذي ذبحه المحرم للمحل مضافاً إلى ما ذكرنا ، النصوص الدالّة على تقديم الصّيد على الميتة للمحرم المضطر إلى الأكل ، معلّلاً في بعضها بأنّه إنّما يأكل ماله (١) ، ومن الواضح أنّ الميتة ليست بمال ، ولو كان الأمر كما ذكره المشهور لكانت ذبيحة المحرم المصطادة ميتة أيضاً ، فلا ترجيح في البين ، بل لا بدّ من تقديم الميتة على الصّيد ، ضرورة عدم الحرمة الصّيديّة في الميتة ، بل حرمة الصّيد آكد لأنّه صيد وميتة ، فتقديم الصّيد على الميتة للمحرم المضطر يكشف عن أنّ الصّيد الّذي ذبحه المحرم ليس محكوماً بالميتة فيجوز للمحل أكله.

نعم ، ورد في بعض الرّوايات تقديم الميتة على الصّيد (٢) ولكنّها محمولة على التقيّة لأنّ ذلك مذهب العامّة (٣).

والّذي ينبغي أن يقال : إنّه إن قلنا بعدم حجية الخبر الموثّق ، واختصاص الحجيّة بالصحاح ، فالأمر كما ذكره سيِّد المدارك ، لسقوط خبر إسحاق بن عمار عن الحجية عنده فتبقى روايات الجواز بلا معارض ، وأمّا إذا قلنا بحجية الموثق كما هو الصحيح فلا معارضة في البين ، والوجه في ذلك :

أنّ المعارضة بين موثق إسحاق والرّوايات المجوزة تكون بالإطلاق والتقييد ، والمقيّد مقدم على المطلق ، فاللّازم حينئذ تعين العمل بموثق إسحاق ، لأنّ روايات الجواز تدل بإطلاقها على حلية صيد المحرم للمحل سواء كان الذابح هو المحرم أو غيره أو مات بنفس الصّيد والرّمي ، وليس فيها ظهور في خصوص استناد الموت إلى ذبح المحرم ، بل رواية القتل (٤) أيضاً مطلقة من حيث استناد القتل إلى ذبح المحرم ، أو

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٨٤ / أبواب كفارات الصّيد ب ٤٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٨٧ / أبواب كفارات الصّيد ب ٤٣ ح ١١ ، ١٢.

(٣) المغني ٣ : ٢٩٦. والبحر الرائق ٣ : ٣٦.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٣٢ / أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٦ ، والمتقدّمة في ص ٢٨١.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى نفس الرّمي والصّيد ، كما لعلّه الغالب وليس فيها أيّ ظهور في خصوص ذبح المحرم إلّا بالإطلاق ، وكذلك روايات تقديم الصّيد على الميتة ليس فيها ما يدلّ على أنّ الموت مستند إلى ذبحه أو إلى موته بالصيد ، والتعليل فيها بأنّه إنّما يأكل ماله ظاهر في أنّ الصائد هو المحرم. وأمّا موثقة إسحاق فصريحة في أنّ المحرم إذا ذبح الصّيد فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم ، فتقيد جميع المطلقات المتقدّمة.

فالنتيجة : أنّ الصّيد إذا ذبحه المحرم كان ميتة حراماً على المحل والمحرم ، وأمّا إذا كان موته مستنداً إلى غير ذبح المحرم بل بنفس الرّمي أو ذبحه غيره فلا يحرم على المحل وإنّما يحرم على المحرم خاصّة.

وبالجملة مورد الخلاف في المذبوح فقط لا في مطلق الصّيد ، وأمّا بالنسبة إلى شرائط التذكية فلم يذكروا من جملة شرائط التذكية كون الذابح محلّاً ، ولذا لو ذبح المحرم الحيوان الأهلي لا إشكال فيه لا له ولا لغيره ، فإنّ الحرام هو الصّيد للمحرم ، لا أنّه يعتبر في التذكية كون الذابح محلّاً.

فالصحيح : ما ذهب إليه المشهور من أنّ المحرم إذا ذبح الصّيد يحرم على المحل أيضاً ، وأمّا لو ذبحه المحل أو مات بنفس الرّمي والصّيد فلا إشكال فيه للمحل.

وممّا ذكرنا تعرف السهو أو غلط الناسخ في مناسك شيخنا الأُستاذ النائيني لقوله «ولو صاده أو ذبحه كان ميتة يحرم على كل أحد أكله» (١) لما عرفت من أنّ الكلام فيما لو ذبح المحرم الصّيد ، وأمّا نفس الصّيد إذا لم يذبحه المحرم فلا يحرم على المحل ، والرّوايات الدالّة على حليته للمحل متضافرة.

ثمّ ذكر شيخنا الأُستاذ (قدس سره) ولا تجوز الصلاة في جلده على الأحوط لأنّه يصير ميتة.

وهذه المسألة تعرّضنا إليها مفصّلاً في بحث لباس المصلّي (٢) ، وذكرنا هناك أنّ

__________________

(١) دليل الناسك (المتن) : ١٤٢.

(٢) في المسألة [١٢٨٨].

٢٨٣

والجراد ملحق بالحيوان البرّي فيحرم صيده وإمساكه وأكله (١).

مسألة ٢٠٢ : الحكم المذكور إنّما يختص بالحيوان البرّي وأمّا صيد البحر كالسمك فلا بأس به (٢) والمراد بصيد البحر ما يعيش فيه فقط ، وأمّا ما يعيش في البر والبحر كليهما فملحق بالبري ، ولا بأس بصيد ما يشك في كونه برِّيّاً على الأظهر.

______________________________________________________

حرمة الأكل هل هي مختصّة بالمحرمات الأوّليّة الأصليّة كالسباع أو تعم المحرمات العرضيّة كالموطوءة أو الجلل؟ واخترنا في محلِّه أنّ الحكم عام ولا يختص بالحيوانات المحرمة الأصليّة ، لأنّ العنوان الممنوع كون الشي‌ء محرم الأكل وهذا صادق على الأصلي والعرضي.

(١) الجراد في حكم الصّيد البرّي ، لأنّه يعيش في البر وإن كان أصله من الماء والعبرة بالحالة الفعليّة لا الأصليّة فتشمله عمومات الكتاب والنصوص ، مضافاً إلى الرّوايات الخاصّة.

منها : صحيحة محمّد بن مسلم «مرّ علي (صلوات الله عليه) على قوم يأكلون جراداً ، فقال : سبحان الله وأنتم محرمون ، فقالوا : إنّما هو من صيد البحر ، فقال لهم : ارمسوه في الماء إذن» (١) أي لو كان بحرياً لعاش فيه.

ثمّ لا يخفى أنّ مورد كلام الفقهاء والنصوص هو الجراد المنتشر في البر ، ولا يشمل ما يعيش في البحر وإن سمي بالجراد مثل روبيان.

(٢) إجماعاً ، والأصل فيه قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ) ... (٢) مضافاً إلى أنّ الآية المانعة عن الصّيد وبعض الرّوايات مختصّة بصيد البر (٣) وجملة منها وإن كانت مطلقة كقوله (عليه السلام) في صحيح الحلبي :

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٢٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٧ ح ١.

(٢) المائدة ٥ : ٩٦.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤١٦ / أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ٥.

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

«لا تستحلّن شيئاً من الصّيد» (١) حيث لم يقيّد الصّيد فيه بالبر أو بالبحر لو سلمنا أنّ الألف واللّام لم تكن للعهد إلى صيد البر الممنوع المعلوم بالآية والرّوايات إلّا أنّها مقيّدة بالحيوان البرّي ، والقيود وإن لم يكن لها مفهوم ، ولكن ذكرنا أنّ التقييد لو وقع في كلام أحد يدل على خصوصيّة الحكم به ، وإلّا لكان لغواً ، فيستفاد من القيد أنّ الحكم غير ثابت للمطلق ، وإنّما هو ثابت لحصّة خاصّة ، فالمطلق غير مراد من الرّوايات.

ويدلُّ على جواز صيد البحر أيضاً ، صحيح محمّد بن مسلم قال : «مرّ علي (صلوات الله عليه) على قوم يأكلون جراداً ، فقال : سبحان الله وأنتم محرمون ، فقالوا : إنّما هو من صيد البحر ، فقال لهم : ارمسوه في الماء إذن» (٢) فإنّ المستفاد منه أنّ جواز صيد البحر كان أمراً متسالماً عند المسلمين ، والإمام (عليه السلام) إنّما ناقش في الصغرى.

واستدلّ برواية حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا بأس بأن يصيد المحرم السمك ، ويأكل مالحه وطريه ويتزوّد قال الله (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) ...» (٣) وموردها وإن كان خصوص السمك ولكن استشهاده (عليه السلام) بالآية الكريمة يدل على اختصاص الحرمة بالحيوان البرّي ، وجواز الحيوان البحري مطلقاً ، فالدلالة تامّة.

إلّا أنّ الكلام في سندها ، فإنّ الكليني والصدوق نقلاها مرسلة إلّا أنّ الكليني رواها عن حريز عمّن أخبره عن أبي عبد الله (عليه السلام) (٤) والصدوق رواها مرسلة عن الصادق (عليه السلام) (٥) ، ولكن الشيخ رواها مسندة عن حريز عن أبي عبد الله (٦)

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١٥ / أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٢٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٢٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ٣.

(٤) الكافي ٤ : ٣٩٣ / ١.

(٥) الفقيه ٢ : ٢٣٦ / ١١٢٦.

(٦) التهذيب ٥ : ٣٦٥ / ١٢٧٠.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) فتكون الرّواية على طريق الشيخ صحيحة ، ولكن لا يمكن الاعتماد على طريقه فإن سماع حريز من الإمام (عليه السلام) مباشرة وبالواسطة وإن كان أمراً ممكناً في نفسه ، إلّا أنّه من المستبعد جدّاً أن ينقل حريز لحماد تارة مرسلة وأُخرى مسندة إلى الإمام (عليه السلام) فلا يعلم أنّ الرّواية مسندة.

على أنّ الصدوق والكليني كلاهما أضبط من الشيخ في النقل ، فلا وثوق بنقله خصوصاً فيما إذا اتّفق الكليني والصدوق على خلافه.

ويمكن الاستدلال بصحيح معاوية بن عمار الدال على تمييز البحري عن البرّي بالفراخ والبيض في البر وفي البحر (١) فإنّه يستفاد منه اختصاص الحرمة بالحيوان البرّي.

وبالجملة : لا إشكال ولا خلاف في هذا الحكم.

ثمّ إنّ بعض الأجناس من الحيوانات له صنفان ، صنف يفرخ ويعيش في الماء والصنف الآخر من ذلك الجنس يعيش ويفرخ في البر ، فيكون حاله حال الجراد وكل صنف يتبع حكمه ، كما يقال إنّ الضفدعة كذلك.

بقي هنا أمران :

أحدهما : أنّ بعض الحيوانات يعيش في الماء ويعيش في البر أيضاً كبعض الطيور الّذي هو ذو حياتين كالبط فهل يلحق بالبري أو بالبحري؟

يظهر من رواية معتبرة أنّه ملحق بالبري ، وأنّ الّذي يجوز صيده ما اختصّ بالبحر ، وأمّا المشترك بين البر والبحر فيلحق بالبري ، وهي معتبرة معاوية بن عمار قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : الجراد من البحر ، وقال : كل شي‌ء أصله في البحر ويكون في البر والبحر فلا ينبغي للمحرم قتله ، فإن قتله فعليه الجزاء كما قال الله عزّ وجلّ» (٢).

ثانيهما : لو اشتبه حيوان بين البرّي والبحري يحكم عليه بالحلية لأصالة البراءة

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٢٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٢٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ٢.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وقيل : بالحرمة كما في الجواهر (١) واحتاط شيخنا النائيني (٢).

أمّا الجواهر : فقد استند في الحكم بالحرمة إلى إطلاق ما دلّ على حرمة الصّيد ، فقد ذكر (قدس سره) أنّ المستفاد من غير الآية وبعض الرّوايات حرمة مطلق الصّيد والخارج منه خصوص صيد البحر ، فما لم يعلم كونه بحرياً أو برياً يحكم عليه بالحرمة للإطلاق.

ولا يخفى أنّ ما ذكره مبني على جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وهو خلاف التحقيق ، وإنّما يتمسّك بالإطلاق أو العام فيما إذا شكّ في أصل وجود القيد وعدمه ، وأمّا إذا ورد القيد وشكّ في فرد أنّه من أفراد الخاص أو من أفراد العام الباقية تحت العام فلا يتمسّك بالعام ، لتسرية حكمه إلى الفرد المشكوك ، لعدم إحراز كونه من أفراد العام ، فيحتاج إلى أصل آخر يحرز به كونه فرداً باقياً تحت العام وتفصيل ذلك موكول إلى محلِّه.

بل يمكن أن يقال : إنّه لا إطلاق في البين ، بل الحكم من الأوّل مقيّد بالحيوان البرّي ، فليس في البين إلّا نوعان : نوع حكم عليه بالحرمة كصيد الحيوان البرِّي ونوع حكم عليه بالحلية كصيد الحيوان البحري ، فيكون الدليل منوّعاً لا مخصّصاً فليس هنا إطلاق وتقييد حتّى يتمسّك بالإطلاق ويقتصر في الخروج منه بالمتيقّن.

ويؤيّد ذلك : صدر الآية الكريمة ، لأنّ مقتضاه حلية البحري للمكلّفين حلالاً كانوا أو محرمين ومقتضى قوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (٣) حرمة صيد الحيوان البرّي للمكلّفين ما داموا محرمين ، فإنّ المراد من «عليكم» نفس ما أُريد من الصدر ، فحينئذ لو شكّ في حيوان أنّه بري أو بحري فهو من الشكّ في الشبهة الموضوعيّة الّتي تجري فيها أصالة البراءة قطعاً حتّى عند الأخباري ، فيكون المقام نظير ما لو شكّ في مائع أنّه خمر أو خل.

__________________

(١) الجواهر ١٨ : ٢٩٥.

(٢) دليل الناسك (المتن) : ١٤٤.

(٣) المائدة ٥ : ٩٦.

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا إذا قلنا بالإطلاق وخروج صيد البحري منه ، فيبقى صيد غير البحري تحت الإطلاق ، فإن قلنا بأصالة العدم الأزلي وكان الخاص أمراً وجوديّاً متّصلاً كان أو منفصلاً ، فالخارج صفة وجوديّة وهي كونه صيد البحري ، والباقي تحت عنوان العام معنون بعنوان عدمي أي عدم سلبي بمعنى كلّ ما ليس بصيد البحر ، فموضوع الحكم بالحرمة غير صيد البحر ، وموضوع الجواز صيد البحر ، وبالأصل العدم الأزلي نحرز الموضوع ونثبت أنّه غير صيد البحر.

هذا كلّه بناءً على ما هو التحقيق من صحّة جريان الأصل في الأعدام الأزليّة تبعاً للمحقق صاحب الكفاية (١).

أمّا لو قيل بعدم الصحّة كما عن شيخنا النائيني (٢) (قدس سره) فالحكم بالحرمة مبني على ما أسس من القاعدة ، والّتي هي أنّ الحكم الإلزامي لو خرج منه حكم ترخيصي معلق على أمر وجودي فلا بدّ من إحرازه حسب الفهم العرفي ، فالإحراز بالفهم العرفي دخيل في الحكم بالجواز ، ولا يترتب الحكم بالجواز ما لم يحرز الموضوع فإذا قال المولى لعبده : لا تدخل عليَّ أحداً إلّا أصدقائي لا يجوز له إدخال أحد على مولاه إلّا إذا أُحرز كونه صديقاً له ، وإلّا فلا يجوز ، ورتّب على ذلك فروعاً كثيرة في أبواب الفقه.

منها : ما لو شكّ في ماء كونه كرّاً أم لا ، فحكم بالنجاسة.

ومنها : لو شكّ في كون اليد يد ضمان أم لا ، فحكم بالضمان.

ومنها : ما لو شكّ في ماء أنّه غسالة الاستنجاء ، أو غسالة سائر النجاسات ، فقد حكم بالنجاسة أيضا.

وقد ذكرنا في محلِّه (٣) أنّه لا أساس لهذه القاعدة ، وإنّما يحرز الموضوع بأصالة العدم الأزلي.

__________________

(١) كفاية الأُصول : ٢٢٣.

(٢) أجود التقريرات ١ : ٤٦٤.

(٣) في المحاضرات في أُصول الفقه ٥ : ٢٠٩ وما بعدها.

٢٨٨

وكذلك لا بأس بذبح الحيوانات الأهليّة ، كالدجاج والغنم والبقر والإبل والدجاج الحبشي (١) وإن توحشت ، كما لا بأس بذبح ما يشك في كونه أهليّاً.

______________________________________________________

ولعلّ احتياطه في المقام من جهة أنّ الخارج عن عموم المنع هو صيد البحر ، أو أنّ الحكم من الأوّل مقيّد بصيد البرّي.

وكيف كان لو كان البرّي قيداً كما هو الظاهر فلا إشكال في الجواز للبراءة الجارية في الشبهة الموضوعيّة ، وإن قلنا بالإطلاق وأنّ الخارج منه صيد البحر فلا بدّ من الحكم بالحرمة لأصالة العدم الأزلي.

(١) لعدم المقتضي ، لأنّ الأدلّة المحرمة مختصّة بالحيوان البرّي وهو العاصي الممتنع بالأصالة كالسباع والأرنب والثعلب ونحو ذلك.

وأمّا الأهلي حتّى الدجاج الحبشي فغير داخل في موضوع المنع ، مضافاً إلى النصوص الكثيرة الواردة في الطيور (١) وعلل في بعضها «أنّ ما كان من الطير لا يصف فلك أن تخرجه من الحرم ، وما صف منها فليس له أن يخرجه» (٢).

وكذلك وردت روايات معتبرة في جواز نحر الإبل وذبح الشاة والدجاج ونحو ذلك (٣).

يبقى الكلام في تمييز الطير البرّي عن الطير البحري بعد الفراغ عن حرمة صيد الأوّل وحلية الثّاني وقد ذكر ذلك في صحيحة معاوية بن عمار على ما نقلها صاحب الوسائل بقوله (عليه السلام) : «كلّ طير يكون في الآجام يبيض في البر ، ويفرخ في البر فهو من صيد البر ، وما كان من الطير يكون في البحر ، ويفرخ في البحر فهو من صيد البحر» (٤) وهكذا صنع المحقق في الشرائع حيث جعل ذلك هو المائز بين

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٨٠ / أبواب كفارات الصّيد ب ٤٠ ، ٤١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٨٢ / أبواب كفارات الصّيد ب ٤١ ح ٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٥٤٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٢.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٢٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ١.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الطيرين (١).

وفي صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار (٢) حيث ميّز بينهما بما كان أصله في البحر فهو بحري ، وما كان مشتركاً بين البر والبحر فهو ملحق بالبري ، فالبحري ما كان مختصّاً بالبحر ، وحيث إنّ الرّواية الاولى في الطير والثّانية في مطلق الحيوان ، فلا معارضة بينهما ، بل هما من قبيل الإطلاق والتقييد ، فالنتيجة أنّ المائز في الطيور بالتفريخ والبيض في البر أو البحر ، وفي غيرها بالعيش في خصوص البحر ، أو في البر والبحر معاً.

ولكن الرّواية الأُولى لمعاوية بن عمار ليس كما نقلها صاحب الوسائل ، والتمييز بالفرخ والبيض في البحر أو البر غير موجود في كتاب التهذيب الّذي هو مصدر الرّواية (٣) ، فالزيادة إمّا اشتباه من صاحب الوسائل أو من النساخ.

نعم ، هي مذكورة في رواية حريز المرسلة (٤) ، فإذن لم يثبت التمييز بالفرخ والبيض في البر أو البحر ، فالعبرة في جميع الحيوانات بالعيش في خصوص البحر أو بالاشتراك بين البحر والبر كما في صحيحة أُخرى لمعاوية بن عمار ، ويؤيّد ما ذكرنا بأنّه لم يثبت أنّ الطير بأقسامه يفرخ ويبيض في الماء كما في الجواهر (٥) فالتمييز منحصر بالعيش في خصوص البحر وبالاشتراك بينه وبين البر ، والحلية تختص بالحيوان الّذي يعيش في البحر خاصّة ، وأمّا المشترك بينهما فهو ملحق بالبري المعلوم حرمته.

هذا كلّه في حكم الشبهة الموضوعيّة للحيوان البرّي والبحري.

بقي الكلام في حكم الشبهة المفهوميّة لهما ، كما لو شكّ في معنى الحيوان البرّي والبحري ، ولم يظهر لنا أنّ البرّي ما يبيض ويفرخ في البرّ والبحري ما يبيض ويفرخ

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٢٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٢٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ٢.

(٣) التهذيب ٥ : ٣٦٤ / ١٢٦٩.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٢٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٦ ح ٣.

(٥) الجواهر ١٨ : ٢٩٧.

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

في الماء ، أو أنّ معنى البرّي والبحري ما يعيش في البرّ أو في الماء.

ربّما يقال بجريان أصالة البراءة في ذلك كما في الشبهة الموضوعيّة.

وفيه : أنّ الشبهة إذا كانت مفهوميّة ففي الحقيقة يرجع الشك إلى صدق عنوان البري أو البحري على الحيوان المشكوك ، للشك في سعة المفهوم وضيقه ، فحينئذ لو قلنا بأنّ الصّيد من الأوّل مقيّد بالبري ، وأنّ الدليل الخاص من قبيل التنويع لا من باب الإطلاق والتقييد فلا مانع من الرّجوع إلى البراءة ، للشكّ في الحليّة والحرمة من جهة الشك في المفهوم والشك في صدق العنوان المحرم على هذا الحيوان حتّى على القول باختصاص البراءة الشرعيّة بالشبهة الموضوعيّة ، إذ يكفينا في المقام البراءة العقليّة.

وأمّا إذا قلنا بإطلاق دليل الصّيد وخروج البحري بالمخصص المنفصل فحيث إنّه مجمل مردد بين الأقل والأكثر فلا يسري إجماله إلى الإطلاق ، وحينئذ لا مانع من التمسّك بالإطلاق ، وعليه فلا مجال للرجوع إلى البراءة مع وجود الإطلاق ، فليس الأمر كما ذكره القائل من الرّجوع إلى البراءة على الإطلاق ، بل لا بدّ من التفصيل كما عرفت.

هذا ما كان راجعاً إلى صيد البر ، وأمّا الحيوانات الأهليّة فقد تقدّم قريباً أنّه لا إشكال في جواز ذبحها للمحرم ، لعدم المقتضي ولوجود النصوص الخاصّة.

مضافاً إلى الكليّة المستفادة من النصوص من أنّ كلّ ما جاز للمحل ذبحه في الحرم جاز ذبحه للمحرم في الحل والحرم ، كما في صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «المحرم يذبح ما حلّ للحلال في الحرم أن يذبحه ، وهو في الحل والحرم جميعاً» (١) ونحوه صحيحة أُخرى له أيضاً (٢).

وأمّا الشبهة الموضوعيّة : وهي ما لو شكّ في طير أو حيوان بري أنّه من الأهلي الّذي يجوز قتله ، أو من الوحشي الّذي يحرم قتله فهل يحكم بالحلية أم لا؟.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٤٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٤٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٣.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

الظاهر هو الجواز ، لأنّ الممنوع هو صيد الوحشي الممتنع بالأصالة ، فلو شكّ في حيوان أنّه من القسم المحرم أو من القسم الحلال الّذي يجوز ذبحه يحكم بالجواز لأصالة البراءة.

وربّما يقال : إنّ مقتضى معتبرة معاوية بن عمار حرمة قتل كل حيوان إلّا بعض الحيوانات الخاصّة كالأفعى والعقرب (١) ونحوهما ، وحيث لم يعلم أنّ هذا الحيوان من المستثنيات الّتي يجوز قتلها ، فبالأصل العدمي نحرز أنّه ليس من جملة العناوين الخارجة من العام ، فيحكم عليه بالحرمة للعموم.

وفيه : أنّه لا مجال للتمسّك بالعموم المذكور في النص ، لا لضعف سنده لصحّة سند بعض طرقه ، بل لأجل الكلية المستفادة من المعتبرة المتقدّمة ، من أن كلّ ما جاز ذبحه للمحل في الحرم جاز ذبحه للمحرم في الحل والحرم ، وهذا الحيوان المشكوك المردد بين الأهلي والوحشي يجوز ذبحه للمحل في الحرم للبراءة ، فيجوز ذبحه للمحرم في الحل والحرم للكليّة المذكورة ، فالخارج من العام الدال على المنع أمران :

أحدهما : الحيوانات الخاصّة المذكورة فيما تقدّم.

وثانيهما : مورد انطباق الكلية المذكورة المستفادة من النص.

بقي في المقام فروع :

الفرع الأوّل : هل تختص حرمة الصّيد بالحيوان المحلّل الأكل كالظبي ، أو تعم محرم الأكل ومحلله.

ذكر النراقي (قدس سره) في مستنده (٢) أقوالاً ثلاثة :

أحدها : اختصاص الحرمة بالمحلل أكله وعدم تحريم صيد محرم الأكل مطلقاً ، وهو المحكي عن مفاتيح الفيض الكاشاني (٣) بل حكي عنه نسبة هذا القول إلى الأكثر.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٤٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٢) مستند الشيعة ١١ : ٣٤٨.

(٣) مفاتيح الشرائع ١ : ٣١٩.

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ثانيها : عدم الفرق في التحريم بين محلل الأكل ومحرمه.

ثالثها : التفصيل في الحيوان المحرم بين ما ثبتت الكفّارة فيه كالأصناف الثمانية وهي الأسد والثعلب والأرنب والضب واليربوع والقنفذ والزنبور. والعظاية (١) فيحرم صيدها ، وبين ما لم تثبت فيه الكفّارة فيحل صيده ، فمحلل الأكل يحرم صيده ، وأمّا محرم الأكل يجوز صيده إلّا الثمانية المذكورة.

أقول : مقتضى إطلاق بعض الأدلّة حرمة الصّيد مطلقاً ، واستدلّ للاختصاص بالمحلل الأكل بوجهين :

أحدهما : قوله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (٢) بدعوى اختصاصه بالمحلل الأكل ، لتقييده بقوله تعالى (ما دُمْتُمْ حُرُماً) فإنّه كالصريح في التحريم في خصوص حال الإحرام ، مع أنّ محرم الأكل لو كان ممّا يحرم صيده أيضاً لم يكن وجه لتقييده بحال الإحرام ، لأن ما لا يؤكل لحمه يحرم أكله مطلقاً في حال الإحرام وعدمه.

وفيه : ما لا يخفى ، لأنّ الصّيد المذكور في الآية أُريد به معناه المصدري وهو اصطياد الحيوان والاستيلاء عليه لا المصيد ، والقرينة على ذلك صدر الآية الشريفة (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ) فإنّ المراد من الصّيد في الصدر معناه المصدري أي الاصطياد ، لقوله تعالى (وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) إذ لو كان المراد من صيد البحر الحيوان المصيد لم يكن مجال لذكر قوله تعالى (وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ) وما حرم في الجملة الثّانية نفس ما حلّل في الجملة الأُولى ، فمعنى الآية والله العالم أنّ الاصطياد من البحر حلال مطلقاً والاصطياد من البر حرام في خصوص حال الإحرام وأمّا في غيره فلا حرمة للاصطياد.

مضافاً إلى ذلك أنّه لو فرضنا أنّه لم تكن قرينة على أنّ المراد بالصيد هو

__________________

(١) العظاية : بتقديم العين المهملة والظاء المعجمة دويبة صغيرة ملساء من فصيل الضب. راجع المنجد مادّة عظي.

(٢) المائدة ٥ : ٩٦.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الاصطياد ، بل فرضنا أنّ المراد به هو الحيوان المصطاد ، غاية الأمر لا تدل الآية على ما يزيد على حرمة صيد محلّل الأكل ، ولا تدل على حلية صيد محرم الأكل ، فالآية ساكتة عن حكم اصطياد محرم الأكل ، فيكفينا حينئذ في حرمة اصطياد محرم الأكل إطلاق الرّوايات ، بل العموم المستفاد من كلمة «كل» في صحيح معاوية بن عمار «اتّق قتل الدواب كلّها» (١) أو من النكرة في سياق النهي في صحيح الحلبي «لا تستحلّن شيئاً من الصّيد» (٢).

ثانيهما : قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) إلى قوله تعالى (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) ... (٣) فإنّ المستفاد منه أنّ حرمة القتل تختص بما كان فيه جزاء وكفارة وأمّا ما لا جزاء فيه فلا يحرم قتله ، والمحرم أكله غير المنصوص عليه لا جزاء ولا كفارة فيه ، فما لا كفارة فيه لا يحرم قتله وما لا يحرم قتله لا يحرم صيده.

وفيه : منع الملازمة بين حرمة القتل وثبوت الكفّارة ، والآية صريحة في حرمة الإعادة والانتقام منه ، ولا كفارة على من أعاد وأصاب صيداً آخر كما في النصوص (٤).

بل غاية ما يستفاد من الآية حرمة قتل محلل الأكل لقوله تعالى (... مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) ... ولكن لا تدل الآية على حرمة القتل مطلقاً حتّى محرم الأكل ، بل الآية ساكتة عن ذلك ، وإنّما يستفاد حرمة قتل ما لا يؤكل لحمه من إطلاق بعض الرّوايات أو عمومها كقوله (عليه السلام) «اتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى ...» خصوصاً مع الاستثناء الدال على العموم نظير قوله تعالى (... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ) ... (٥)

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٤٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤١٥ / أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ١.

(٣) المائدة ٥ : ٩٥.

(٤) الوسائل ١٣ : ٩٣ / أبواب كفارات الصّيد ب ٤٨.

(٥) البقرة ٢ : ٢٢٨.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّه لو كنّا نحن وهذه الآية لقلنا بعدم وجوب العدّة على البائن كالطلاق الخلعي والطلاق الثالث لأنّ قوله تعالى (... وَبُعُولَتُهُنَّ) ... خاص بالرجعي ولا يشمل الخلعي ولا الطلاق الثّالث ، إلّا أنّ الآية لا تدل على لزوم العدّة لا أنّها تدل على العدم ، فلا ينافي وجوب العدّة عليها بالروايات ، فهكذا المقام فإنّ الآية لا تدل على حرمة قتل غير ما لا يؤكل لحمه ، لا أنّها تدل على الجواز ، فلا منافاة بين الآية والرّوايات.

الفرع الثّاني : قد عرفت جواز قتل الأهلي للمحرم حتّى في الحرم ، فهل العبرة بالحالة الأصليّة ، أو بالحالة العارضة ، فينقلب الحكم بانقلاب حالته؟

المعروف بقاء حكم الأصل فلا يتبدّل حكم الأهلي بالتوحش وهكذا العكس.

والصحيح ما ذهب إليه المشهور ، أمّا البرّي المتوحّش كالظبي إذا تأهّل لا يخرج عن حكمه فلا يجوز قتله ، لصدق عنوان الصّيد عليه فلا يجوز للمحرم قتله ، وهكذا لو انعكس وتوحّش الأهلي لا يتغيّر حكمه ، لعدم صدق عنوان الصّيد على الممتنع بالعرض ، ولا أقل من كونه مشتبهاً فيه ومقتضى الأصل هو الجواز ، لأن التحريم خاص بالصيد ولم يعلم صدقه على ذلك ، ولو فرضنا صدق الصّيد عليه إلّا أنّ النصوص المعتبرة دلّت على جواز ذبح الإبل والبقر (١) ، وإطلاقها يقتضي الجواز وإن توحّش الحيوان الأهلي ، لتقدّم إطلاق الخاص على إطلاق العام.

الفرع الثّالث : الصّيد الوحشي إذا تأهّل ثمّ تولّد فالمتولّد لم يكن صيداً قطعاً ، بل إنّما هو وليد الصّيد فهل يحكم عليه بالصيد أم لا؟.

لم أجد من تعرّض لذلك ، ولم يذكروا أنّ المتولّد من الوحشي المتأهّل بالعرض من أوّل تولده أهلي أم لا؟ والظاهر هو الجواز ، لعدم صدق عنوان الصّيد عليه ، وإنّما هو نتيجة الصّيد ووليده.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٤٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٢.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وربما يقال : إنّ العمومات كقوله : «اتّق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى» (١) تدل على حرمة قتل كلّ ما يدب من الحيوانات ، وإنّما وردت الرخصة في موارد خاصّة بعنوان الأنعام والدجاج ، لا بعنوان الأهلي ، فالعمومات على حالها.

وفيه : أنّ هذا العموم قد خصّص بمخصص آخر ، وهو كلّ ما جاز للمحل ذبحه في الحرم يجوز ذبحه للمحرم في الحرم

وغير الحرم كما في النص (٢) وهذا العنوان يصدق على غير الإبل والغنم والبقر والدجاج.

والأهلي في بلادنا وفي منطقة صدور الرّوايات إنّما هو هذه الحيوانات المذكورة ولو كان مورد الخاص مختصّاً بهذه الحيوانات لا يبقى مجال لذكر هذه الكلية في النصوص فلا بدّ من تعميم حكم الخاص لغير هذه الحيوانات المذكورة ، ولا ريب في جواز ذبح هذا الحيوان المتولّد من الوحشي المتأهّل بالعرض للمحل في الحرم ، لأنّ الّذي يحرم عليه إنّما هو الصّيد ، والحيوان الّذي دخل من الحل إلى الحرم ، لقوله تعالى (... وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) ... (٣) لعدم اختصاصه بالإنسان كما في النص (٤) ، وكلا العنوانين غير صادق على المقام ، لأنّ المتولّد في الحرم لا يصدق عليه الصّيد ، ولا ممّا دخل من الحل إلى الحرم ، والمفروض أنّه محلّل الأكل فيجوز له ذبحه ، فإذا جاز له جاز للمحرم أيضاً ، للكلية المتقدّمة فيكون العموم مخصّصاً بأمر آخر غير عنوان الإبل والبقر والغنم ، وإلّا لو كان المخصّص منحصراً بهذه الحيوانات المذكورة فتصبح هذه الكبرى المستفادة من النصوص لغواً.

الفرع الرّابع : هل يجوز له ذبح الحمير والبغال والخيول إذا دعت الحاجة إلى ذبحه والانتفاع بجلده وإن لم يؤكل لحمه ، كما ورد في حديث أنّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) مرّ بشاة ميتة فقال (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «ما كان على أهلها إذا لم ينتفعوا

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٥٤٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٥٤٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٢ ، ٣.

(٣) آل عمران ٣ : ٩٧.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٥٧ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٨ ح ٢ ، ٣.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بلحمها أن ينتفعوا بإهابها؟» (١).

وبعبارة اخرى ، جواز ذبح الأهلي هل يختص بما يطلب أكله أو يعم ما يطلب ظهره؟

مقتضى إطلاق كلمات بعضهم من حلية الأهلي شموله للحمير وأخويه ، ولكن كلام المحقق (٢) حيث استثنى خصوص النعم والدجاج ربّما يوهم الاختصاص بها.

ويمكن القول بأنّ المحقق ليس في مقام ذكر ما يختص بالنعم ، فإنّ المحرّم هو صيد البر أي الحيوان الممتنع ، وما عدا الحيوان الممتنع يشمل مطلق الأهلي ، فذكر النعم والدجاج من باب المثال.

وكيف كان الظاهر هو الجواز وإن كان صحيح معاوية مطلقاً يشمل جميع الحيوانات ، والمخصّص إنّما هو الأنعام والدجاج ، فنحتاج في الخروج عن العموم الوارد في صحيح معاوية بن عمار بالنسبة إلى الخيول وأخويها إلى دليل بالخصوص.

ولكن قد عرفت قريباً أنّ المخصص لا ينحصر بالأنعام ، بل ورد مخصص آخر وهو الكلية المستفادة من النصوص ، وأنّ كلّ ما جاز قتله للمحل في الحرم يجوز ذبحه للمحرم ، ولا ريب في جواز قتل ذلك للمحل في الحرم ، لأنّ الّذي يحرم عليه الحيوان الّذي دخل من الخارج إلى الحرم والتجأ إليه فإنّه آمن لقوله تعالى (... وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) ... (٣) وكذلك الصّيد ، وشي‌ء منهما غير صادق على الخيول والبغال والحمير على الفرض ، فلا مانع للمحل في الحرم من ذبح ذلك ، فإذا جاز له جاز للمحرم.

نعم ، هنا رواية واحدة تدل على اختصاص الجواز بالأنعام والدجاج (٤) فلا يجوز غيرها للمحرم أيضاً ، والمرجع حينئذ إطلاق المعتبرة الناهية عن كل حيوان ، ولكن الرواية ضعيفة سنداً بسهل.

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٥٠٢ / أبواب النجاسات ب ٦١ ح ٢.

(٢) الشرائع ١ : ٣٢٥.

(٣) آل عمران ٣ : ٩٧.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٤٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ٥.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وبالجملة : وقع الكلام بين الفقهاء فيما يجوز للمحرم ذبحه ، فبعضهم خصّ الحكم بالجواز بالدجاج والنعم كالمحقق في الشرائع (١) ، فغير ذلك داخل تحت عموم المنع. وبعضهم عبّر بالأهلي فيشمل مثل الحمير والبغال والخيول ، وذكرنا أنّه بناءً على عدم الاختصاص بالدجاج والنعم يجوز قتل مطلق الأهلي وإن لم يطلب لحمه كالحمير.

وكذلك يجوز قتل المتولّد من الوحشي الأصلي المتأهّل بالعرض ، فما يجوز ذبحه لا ينحصر بالنعم والدجاج.

وأمّا رواية سهل الحاصرة بذلك فضعيفة السند.

نعم ، روى الصدوق بسند صحيح عن ابن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا يذبح في الحرم إلّا الإبل والبقر والغنم والدجاج» (٢).

وروى عنه في الوافي كذلك (٣) ، ومقتضاه الاختصاص بالمذكورات ، ولكن الوسائل روى عن الشيخ بنفس السند أنّه قال : «تذبح في الحرم الإبل والبقر والدجاج» (٤) ثمّ قال : ورواه الصدوق بإسناده عن ابن مسكان مثله ، فيعلم أنّ نسخة الفقيه الّتي كانت عند صاحب الوسائل مطابقة لرواية الشيخ ، فلا يمكن الاعتماد على نسخ الفقيه الموجودة بين أيدينا.

ولو أغمضنا عن ذلك والتزمنا باشتباه صاحب الوسائل والتزمنا بصحّة نسخ الفقيه المطبوعة المتداولة فتكون رواية الصدوق مخالفة لرواية الشيخ فهما متنافيان ولا يحتمل صحّتهما معاً ، ولا وجه لتقدّم رواية الصدوق على رواية الشيخ وإن كان الصدوق أضبط ، لأن كلّا منهما واجد لشرائط الحجية فيتعارضان.

ومع قطع النظر عن ذلك أيضاً ، وفرضنا أنّ الرّواية منحصرة برواية الصدوق أيضاً لا يمكن الأخذ بها ، لمنافاتها للكلية المذكورة المستفادة من النصوص ، وهي

__________________

(١) الشرائع ١ : ٣٢٥.

(٢) الفقيه ٢ : ١٧٢ / ٧٥٥.

(٣) الوافي ١٢ : ١٢٤ / ١١٦٥٣.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٤٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٨٢ ح ١.

٢٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

جواز الذبح للمحرم كلّما يجوز ذبحه للمحل في الحرم ، فإنّ الكلية المذكورة صريحة في شمولها لغير النعم فيبطل الحصر الوارد في رواية الصدوق ، فإذا بطل الحصر نرجع في الحكم بالجواز إلى عموم ما دلّ على جواز ذبح كلّما يجوز ذبحه للمحل في الحرم غير الصّيد وغير المستجير ، للمحرم.

فتحصل : أنّه يجوز ذبح هذه الحيوانات للمحرم للانتفاع بجلدها بل بلحمها عندنا.

الفرع الخامس : قد ذكرنا سابقاً (١) أنّ ما يذبحه المحرم يحرم على المحل والمحرم وكذا ما يذبح في الحرم يحرم على المحل والمحرم فيكون المذبوح ميتة ، وقد ذكرنا أيضاً أنّه لا عبرة بكلام سيِّد المدارك من الأكل للمحل ، لأنّ موثقة إسحاق المتقدّمة (٢) صريحة في حرمة مذبوح المحل والمحرم ، فنقيّد إطلاق ما دلّ على حلية صيد المحرم للمحل ، فمن حيث حرمة الأكل لا كلام.

وإنّما الكلام في ترتيب سائر آثار الميتة كالنجاسة وعدم جواز الصلاة في جلده وسائر أجزائه ، وقد احتاط شيخنا النائيني في الصلاة في جلده ، ولم يعرف وجه الاختصاص بالجلد ، والأولى أن يقال : ويحرم الصلاة في أجزائه ، لأنّ المفروض كونه ميتة.

وكيف كان : يقع الكلام تارة فيما يذبحه المحرم أو المحل في الحرم ، وأُخرى فيما يذبحه المحرم خارج الحرم.

أمّا الأوّل : فالصحيح أنّه محكوم بالميتة من حيث عدم الصلاة فيه ، سواء قلنا بأنّ التنزيل بلحاظ كونه ميتة أو بلحاظ حرمة الأكل ، لعدم جواز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، وإن كان عدم الأكل بالعرض كالجلل والموطوءة ، وأمّا من حيث النجاسة فتتوقف على عموم التنزيل ، فإن قلنا بأنّه ميتة على الإطلاق فهو ، وإلّا فإن

__________________

(١) في ص ٢٨٣.

(٢) في ص ٢٨٠.

٢٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قلنا بأنّ التنزيل بلحاظ أظهر الآثار وأبرزها فالتنزيل يشمل الأثر الظاهر البارز كما في نظائره كقوله (عليه السلام) في العصير : «خمر لا تشربه» (١) والحكم البارز هناك حرمة الشرب ، ولذا لم نقل بنجاسة العصير ، وهكذا المقام ، فإنّ الأثر البارز هو حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة فيه لا النجاسة.

وبالجملة : مذبوح الحرم يعد من محرم الأكل ، لأنّه لو ذبحه المحرم أو المحل يحكم بحرمته على كل تقدير ، فلا يجوز أكله ولا الصلاة فيه.

وأمّا الثّاني : فهو ما يذبحه المحرم في الحل ، فلا يعد الحيوان المذبوح من الحيوان المحرم الأكل في نفسه ، وإنّما يحرم أكله من جهة حرمة ذبحه من المحرم نظير حرمة الحيوان من جهة فقد بعض شرائط التذكية ، كما إذا كان الذابح كافراً أو ذبح بغير الحديد أو إلى غير القبلة ، فالحيوان في نفسه ليس محرم الأكل فإنّه قابل لوقوع التذكية عليه إذا ذبحه المحل نظير ما إذا ذبحه المسلم بالحديد ، فعدم الصلاة فيه والحكم بنجاسته مبنيان على عموم التنزيل ، فيفرق الحال بين ما ذبحه المحرم في الحل وبين ما ذبح في الحرم فإنّ الثّاني محرم الأكل على كل تقدير ويعد من الحيوانات المحرمة الأكل ولو بالعرض ، بخلاف الأوّل فإنّه يحرم أكله لأجل فقد بعض شرائط التذكية ، وهو كون الذابح محلّاً.

وهذا كلّه من باب مسايرة القوم فيما ذهبوا إليه ، ولكن جميع ما ذكر ممّا لا أساس له ، فإنّ ذلك يتوقف على كون إطلاق الميتة من باب التنزيل ، والظاهر أنّه لا موجب للالتزام بذلك ، لأنّ إطلاق الميتة عليه كما في النص (٢) حكم شرعي تعبّدي ، ولا قرينة على تنزيله وتشبيهه بالميتة.

نعم ، قامت القرينة على تنزيل العصير منزلة الخمر ، لأنّ العصير ليس مصداقاً للخمر جزماً ، فإنّ الخمر ما خامر به العقل ونحو ذلك من المعاني الّتي لا تنطبق على

__________________

(١) لم ترد هذه الجملة في العصير وإنّما ورد نحوها في الفقاع ، راجع الوسائل ٢٥ : ٣٦١ / أبواب الأشربة المحرمة ب ٢٧ ح ٨.

(٢) وهو معتبرة إسحاق المتقدّمة في ص ٢٨٠.

٣٠٠