موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ١٨٣ : لا يشترط الطهارة عن الحدث الأصغر والأكبر في صحّة الإحرام ، فيصحّ الإحرام من المحدث بالأصغر أو الأكبر كالمجنب والحائض والنّفساء وغيرهم (١).

______________________________________________________

وأمّا بقيّة الخصوصيّات كوقوف الرّجل من الجانب الأيسر وتلطّخ صفحته بدمه فلم يرد فيها نص بالخصوص ، وإنّما هي مذكورة في كلمات الفقهاء ، ولا ريب أنّه أحوط وتفرغ ذمّته بذلك قطعاً.

وربما يقال بأنّ صحيح معاوية بن عمار تدل على لزوم قيام الرّجل في الجانب الأيسر من البدنة لقوله (عليه السلام) : «البدن تشعر في الجانب الأيمن ، ويقوم الرّجل في الجانب الأيسر ، ثمّ يقلّدها بنعل خَلِق قد صلّى فيها» (١).

ولكن في دلالة الرّواية على ذلك نظر ، لاحتمال رجوع قوله : «ويقوم الرّجل في الجانب الأيسر» لقوله : «ثمّ يقلِّدها بنعل خَلِق» فيكون دالّاً على تقليد الحيوان فيما إذا كان الرّجل قائماً في الجانب الأيسر فيكون ذلك مستحبّاً ، لأنّ أصل التقليد في مورد الإشعار مستحب فضلاً عن خصوصيّاته.

وأمّا التقليد بالنحو المذكور في المتن فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار «يقلّدها بنعل قد صلّى فيها» (٢) ويتحقق التقليد أيضاً بأن يجلله بشي‌ء كالخيط والسير ، ويدلُّ عليه معتبرة الحلبي «عن تجليل الهدي وتقليدها ، فقال : لا تبالي أيّ ذلك فعلت» (٣) وصحيحة زرارة «كان الناس يقلّدون الغنم والبقر وإنّما تركه الناس حديثاً ويقلّدون بخيط وسير» (٤).

(١) بلا خلاف ، لعدم الدليل على الاشتراط وإطلاق الأدلّة ينفيه.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٧٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٤.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٧٨ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ١٧.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٧٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٥.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٧٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٩.

٢٦١

مسألة ١٨٤ : التلبية بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة ، فلا يتحقق الإحرام إلّا بها أو بالإشعار أو التقليد لخصوص القارن ، فلو نوى الإحرام ولبس الثوبين وفعل شيئاً من المحرمات قبل تحقق الإحرام لم يأثم وليس عليه كفارة (١).

مسألة ١٨٥ : الأفضل لمن حجّ عن طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء ولمن حجّ عن طريق آخر تأخيرها إلى أن يمشي قليلاً ، ولمن حجّ من مكّة تأخيرها إلى الرّقطاء ولكن الأحوط التعجيل بها مطلقاً ويؤخّر الجهر بها إلى المواضع المذكورة ، والبيداء بين مكّة والمدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكّة والرّقطاء موضع يسمّى مدعى دون الردم (٢).

______________________________________________________

مضافاً إلى النصوص الواردة في إحرام الحائض والنّفساء (١).

(١) للنصوص الدالّة على أنّه ما لم يلبّ ليس عليه شي‌ء ، ويجوز له ارتكاب المحرمات حتّى الجماع (٢) ، فإنّ المستفاد من هذه النصوص أنّ التلبية توجب عليه الدخول في الحرمة الإلهيّة ، وتحرم عليه المحرمات ، والإشعار والتقليد بمنزلة التلبية كما في النص (٣).

(٢) يدل على أفضليّة تأخير التلبية في الموارد الثلاثة المذكورة في المتن نصوص كثيرة.

منها : صحيحة معاوية بن وهب قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : مسجد الشجرة ، فقد صلّى فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد ترى أُناساً يحرمون فلا تفعل حتّى تنتهي إلى البيداء حيث الميل ، فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول : لبّيك اللهمّ لبّيك» الحديث (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٩٩ / أبواب الإحرام ب ٤٨ ، ١٢ : ٤٠١ / أبواب الإحرام ب ٤٩.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٣٣ / أبواب الإحرام ب ١٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٧٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ١١ ، ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٢٠.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٧٠ / أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٣.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «صل المكتوبة ثمّ أحرم بالحج أو بالمتعة واخرج بغير تلبية حتّى تصعد إلى أوّل البيداء إلى أوّل ميل عن يسارك ، فإذا استوت بك الأرض راكباً كنت أو ماشياً فلبّ» (١).

وفي صحيحة هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إن أحرمت من غمرة ومن بريد البعث صلّيت وقلت كما يقول المحرم في دبر صلاتك ، وإن شئت لبّيت من موضعك ، والفضل أن تمشي قليلاً ثمّ تلبي» (٢).

وفي صحيح الفضلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : «وإن أهللت من المسجد الحرام للحج ، فإن شئت لبّيت خلف المقام ، وأفضل ذلك أن تمضي حتّى تأتي الرّقطاء ، وتلبي قبل أن تصير إلى الأبطح» (٣).

إلّا أنّه يتوجّه هنا إشكال في خصوص تأخير التلبية إلى البيداء لمن حجّ عن طريق المدينة وهو أنّه بعد البناء على أنّ الإحرام يتحقق بالتلبية وهي الّتي توجب الدخول في حرمة لا تهتك ، أو أنّها متمّمة للإحرام ، فكيف يجوز تأخيرها عن مسجد الشجرة ، لرجوع ذلك في الحقيقة إلى جواز تأخير الإحرام عن مسجد الشجرة.

فيقع البحث في موردين :

أحدهما : فيما ذهب إليه صاحب الحدائق (قدس سره) من وجوب تأخير التلبية إلى البيداء ، استناداً إلى ظواهر النصوص الكثيرة الآمرة بالتأخير ، وقال (قدس سره) لا موجب لرفع اليد عن ظهور الرّوايات ، وذكر أنّ هذا الحكم مختص بمسجد الشجرة ، وأمّا في غيره فحكمه التخيير بين إتيان التلبية من نفس الميقات أو التأخير بها عن الميقات بمقدار يسير (٤).

ويردّه : أنّ العلماء (قدس سرهم) أجمعوا وتسالموا على جواز الإحرام والتلبية من

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٧٠ / أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ٦.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٧٢ / أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٩٦ / أبواب الإحرام ب ٤٦ ح ١.

(٤) الحدائق ١٥ : ٤٦.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

نفس مسجد الشجرة ، ولم يلتزموا بوجوب تأخيرها إلى البيداء ، للسيرة القطعيّة الجارية بين المسلمين ، على أنّهم يحرمون من مسجد الشجرة ولا يشك أحد في الاكتفاء بذلك ، وللروايات العامّة الدالّة على توقيت المواقيت والنهي عن التجاوز عنها بغير إحرام ، وللروايات الخاصّة الدالّة على جواز الإتيان بالتلبية من نفس المسجد.

منها : صحيحة عبد الله بن سنان أنّه سأل أبا عبد الله (عليه السلام) «هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحجّ أن يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال : نعم ، إنّما لبّى النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) في البيداء ، لأنّ الناس لم يعرفوا التلبية فأحبّ أن يعلّمهم كيف التلبية» (١) وهي صريحة في جواز الإتيان بالتلبية من نفس مسجد الشجرة والنّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) إنّما آخرها إلى البيداء لتعليم الناس كيفيّة التلبية. فظهر أنّه لا يمكن الالتزام بوجوب التأخير إلى البيداء.

الثّاني : أنّه بعد الفراغ والتسالم على جواز الإتيان بالتلبية من مسجد الشجرة فهل يجوز تأخيرها إلى البيداء أم لا؟

ذهب جماعة إلى جواز التأخير ، بل ذكروا أنّ الأفضل لمن حجّ عن طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء ، واستندوا إلى جملة من النصوص المعتبرة الآمرة بالتأخير إلى البيداء ، منها : صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة (٢) ، ومن ثمّ أشكل عليهم بأنّ هذه الرّوايات تنافي الرّوايات العامّة الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا إحرام والدالّة على توقيت المواقيت ، فكيف يمكن القول بجواز التأخير فضلاً عن أفضليّته ، ولذا حمل بعضهم روايات التأخير على تأخير التلبيات المستحبّة ، وأمّا الواجبة فلا يجوز تأخيرها كما حمل بعض آخر كالسيِّد في العروة هذه الرّوايات على أفضليّة الجهر بها إلى البيداء لا تأخير نفس التلبيات (٣) ، وكلاهما ضعيف :

أمّا الأوّل ، فلأن بعض الرّوايات صريحة في تأخير التلبية الواجبة ، بل قد ورد

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٧٢ / أبواب الإحرام ب ٣٥ ح ٢.

(٢) في ص ٢٦٢.

(٣) العروة الوثقى ٢ : ٣٦٤ / ٣٢٤٩.

٢٦٤

مسألة ١٨٦ : الأحوط [في المناسك الطبعة الثانية عشرة : يجب لمن اعتمر ...] لمن اعتمر عمرة التمتّع قطع التلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكّة القديمة ، وحدّه لمن جاء عن طريق المدينة عقبة المدنيين [قوله : وحدّه لمن جاء ... عقبة المدنيين ، ليست في المناسك الطبعة الثانية عشرة] ، ولمن اعتمر عمرة مفردة قطعها عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم ، وعند مشاهدة الكعبة إن كان قد خرج من مكّة لإحرامها ولمن حجّ بأيّ نوع من أنواع الحجّ قطعها عند الزوال من يوم عرفة (١).

______________________________________________________

النهي في بعضها عن التلبية في المسجد كما في صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة.

وأمّا الثّاني ، فلعدم ذكر تأخير الجهر بها إلى البيداء في شي‌ء من النصوص ، بل في بعض الأخبار صرّح بالجهر بها من المسجد (١) ولا ريب أنّ الظاهر من الرّوايات تأخير التلبية الواجبة الموجبة للإحرام إلى البيداء لا المستحبّة ولا الجهر بها ، فإذن يقع التعارض والتنافي بينها وبين أدلّة المواقيت ، فلا بدّ من دفع التنافي بين الطائفتين من الأخبار.

والصحيح أن يقال : إنّ التنافي يرتفع بالتخصيص ، فنقول :

إنّ أدلّة المواقيت الناهية عن التجاوز عن الميقات بلا إحرام مطلقة من حيث تحقق الإحرام بعده بزمان يسير ومن حيث عدم تحقق الإحرام منه أصلاً ، فتخصّص بالروايات الدالّة على جواز التأخير إلى البيداء ، فتكون النتيجة حرمة التجاوز عن الميقات بلا إحرام لمن لا يريد الإحرام أصلاً ، وجواز التأخير عن الميقات لمن يريد الإحرام بعد قليل ، وحيث إنّ الإحرام من نفس المسجد جائز قطعاً ، فتحمل الأخبار الآمرة بالتأخير على الفضل ، ولكن الأحوط أن يلبّي من نفس المسجد.

(١) يقع الكلام في مسائل أربع :

الاولى : أنّ من اعتمر عمرة التمتّع لا بدّ له من قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكّة

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٦٩ / أبواب الإحرام ب ٣٤ ح ١.

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

القديمة ، فلا عبرة بالبيوت المستحدثة في زمان الأئمّة (عليهم السلام) فضلاً عن المستحدثة في زماننا ، ويدلُّ على ذلك جملة من الأخبار.

منها : صحيح معاوية بن عمار قال : «قال أبو عبد الله (عليه السلام) إذا دخلت مكّة وأنت متمتع فنظرت إلى بيوت مكّة فاقطع التلبية ، وحدّ بيوت مكّة الّتي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين ، فإنّ الناس قد أحدثوا بمكّة ما لم يكن ، فاقطع التلبية» (١).

ومنها : صحيح ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) «أنّه سئل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال : إذا نظر إلى عراش مكّة عقبة ذي طوى ، قلت : بيوت مكّة؟ قال : نعم» (٢).

والتحديد بعقبة ذي طوى في هذه لا ينافي التحديد بعقبة المدنيين في صحيحة معاوية بن عمار ، إذ من المحتمل أنّ عقبة ذي طوى اسم آخر لعقبة المدنيين ، أو أنّها مكان آخر عن طريق آخر ، فيكون الحد لمن جاء عن طريق المدينة عقبة المدنيين ومن جاء عن طريق آخر عقبة ذي طوى.

وفي صحيح زرارة «سألته أين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال : إذا دخل البيوت بيوت مكّة لا بيوت الأبطح» (٣).

وقد يتوهّم أنّ المستفاد منه قطع التلبية بدخول البيوت ، بينما الرّوايات المتقدّمة جعلت العبرة بمشاهدة البيوت.

ويمكن الجواب بأنّ الدخول في البيوت المستحدثة الّتي حدثت في زمان الأئمّة (عليهم السلام) يستلزم مشاهدة البيوت القديمة الّتي يكون النظر إليها سبباً لقطع التلبية.

وفي خبر زيد الشحام جعل العبرة بدخول الحرم (٤) ولكنّه ضعيف السند بأبي جميلة.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٨٨ / أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٨٩ / أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٤.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٩٠ / أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٧.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٩١ / أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٩.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

نعم ، صحيح معاوية بن عمار «وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم» (١) مطلق يشمل عمرة التمتّع أيضاً ، فيقيّد بالأخبار المتقدّمة الدالّة على القطع في المتعة بمشاهدة بيوت مكّة ، وهكذا الحال بالنسبة إلى إطلاق موثق زرارة (٢).

المسألة الثّانية : أن من اعتمر عمرة مفردة إذا جاء من خارج الحرم يقطع التلبية عند دخول الحرم ، ويدل عليه جملة من الأخبار :

منها : صحيح معاوية بن عمار المتقدّمة «وإن كنت معتمراً فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم» ونحوه غيره.

وإطلاق هذه الرّوايات يشمل العمرة المفردة وعمرة التمتّع ، ولكن قد عرفت أنّ عمرة التمتّع خارجة عن هذا الإطلاق بالروايات السابقة ، فيبقى تحت الإطلاق المذكور العمرة المفردة.

نعم ، هنا روايات تدل على قطع التلبية بمشاهدة بيوت مكّة كما هو الحال في عمرة التمتّع.

منها : رواية يونس «عن الرّجل يعتمر عمرة مفردة من أين يقطع التلبية؟ قال : إذا رأيت بيوت مكّة ذي طوى فاقطع التلبية» (٣) وهي ضعيفة بمحسن بن أحمد فإنّه لم يوثق.

ومنها : صحيحة الفضيل بن يسار قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) قلت : دخلت بعمرة فأين أقطع التلبية؟ قال : حيال العقبة عقبة المدنيين ، فقلت : أين عقبة المدنيين؟ قال : بحيال القصارين» (٤) ولكن دلالتها بالإطلاق ، فتختص بعمرة التمتّع بقرينة الرّوايات المتقدّمة الدالّة على القطع بدخول الحرم في العمرة المفردة.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٩٣ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٩٤ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٥.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٩٤ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٣.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٩٥ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١١.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيح البزنطي قال : «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرّجل يعتمر عمرة المحرم من أين يقطع التلبية؟ قال : كان أبو الحسن (عليه السلام) من قوله يقطع التلبية إذا نظر إلى بيوت مكّة» (١) وهي صريحة في العمرة المفردة ، لأنّ العمرة الّتي تقع في شهر المحرم إنّما هي مفردة.

والجواب عن هذه الصحيحة أنّ موردها وإن كان العمرة المفردة ، ولكنّها مطلقة من حيث بدء العمرة والإحرام لها من أدنى الحل أو من قبل الحرم ، ومسألتنا في الاعتمار من خارج الحرم فتحمل صحيحة البزنطي على الإحرام من أوّل الحرم فلا منافاة.

ولكن صحيح عمر بن يزيد الوارد في من اعتمر من أوّل الحرم ، جعل العبرة في القطع بالنظر إلى الكعبة (٢) فيكون منافياً لخبر البزنطي ، إلّا أنّه يمكن في دفع التنافي بالتلازم بين الأمرين ، لأنّ النظر إلى بيوت مكّة يستلزم النظر إلى الكعبة المشرّفة لعلو البيت وارتفاعه ونحو ذلك.

الثّالثة : أن من اعتمر عمرة مفردة من أدنى الحل سواء كان في مكّة وخرج منها للاعتمار ، أو كان خارج مكّة دون الميقات وأراد الاعتمار من أدنى الحل ، يقطع التلبية عند مشاهدة الكعبة ، ويدلُّ عليه صحيح عمر بن يزيد وصحيحة معاوية بن عمار (٣).

المسألة الرّابعة : الحاج بأيّ نوع من أنواعه يقطع التلبية عند الزوال من يوم عرفة بلا خلاف ، وتدل عليه عدّة من الرّوايات المعتبرة (٤).

ثمّ إنّ الظاهر من النصوص أنّ القطع على نحو العزيمة ، للأمر به في الروايات ولا أقل من ارتفاع الأمر السابق وعدم الأمر بالتلبية ، والعبادة توقيفيّة ومشروعيّتها محتاجة إلى الأمر ، بل يظهر من بعض الأخبار أنّ إتيان التلبية في غير موردها

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٩٦ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ١٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٩٥ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٨.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٩٤ / أبواب الإحرام ب ٤٥ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٩١ / أبواب الإحرام ب ٤٤.

٢٦٨

مسألة ١٨٧ : إذا شكّ بعد لبس الثوبين وقبل التجاوز من الميقات في أنّه قد أتى بالتلبية أم لا بنى على عدم الإتيان (١) وإذا شكّ بعد الإتيان بالتلبية أنّه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحّة (٢).

الأمر الثّالث : لبس الثوبين بعد التجرّد عمّا يجب على المحرم اجتنابه ، يتّزر بأحدهما ويرتدي بالآخر (٣).

______________________________________________________

مبغوض عند الله تعالى.

ففي صحيحة أبان قال : «كنت مع أبي جعفر (عليه السلام) في ناحية من المسجد وقوم يلبّون حول الكعبة ، فقال : أترى هؤلاء الّذين يلبّون؟ والله لأصواتهم أبغض إلى الله من أصوات الحمير» (١).

(١) لعدم التجاوز عن المحل ، ومقتضى الأصل عدم الإتيان بها.

(٢) لقاعدة الفراغ.

(٣) لا ريب ولا خلاف بين المسلمين في وجوب لبس الثوبين المسمّى أحدهما بالإزار والآخر بالرّداء ، بعد التجرّد عمّا يجب على المحرم اجتنابه كلبس المخيط ، ويستفاد وجوب ذلك من جملة من الأخبار الشريفة المذكورة في أبواب متفرقة.

فمنها : الأخبار الآمرة بلبس الثوبين ولو على نحو الجملة الخبريّة ، لما ذكرنا في محلِّه من دلالتها على الوجوب ، ولا يضر اقترانها بما يجوز تركه ، لأنّ كل مورد قامت قرينة خارجيّة على عدم الوجوب نرفع اليد عنه ويبقى الباقي على الوجوب ، كما ورد الأمر بأشياء مثل اغتسل للجنابة والجمعة ، ولكن ورد الدليل على استحباب غسل الجمعة فنلتزم بالاستحباب في خصوص غسل الجمعة.

فمن جملة هذه الرّوايات صحيحة معاوية بن وهب قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التهيّؤ للإحرام ، فقال : أطل بالمدينة فإنّه طهور وتجهّز بكلّ ما تريد ، وإن

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٨٩ / أبواب الإحرام ب ٤٣ ح ٣.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

شئت استمتعت بقميصك حتّى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء وتلبس ثوبيك إن شاء الله» (١) وفي صحيحة هشام بن سالم «والبسوا ثيابكم الّتي تحرمون فيها» (٢). وفي صحيحة معاوية بن عمار «واغتسل والبس ثوبيك» (٣) وغير ذلك من الرّوايات.

ويؤكّد ذلك ما ورد في تجريد الصبيان من فخ (٤) ، فإنّ تجريدهم من ثيابهم يكشف عن اعتبار لبس ثوبي الإحرام ، وإلّا فلا موجب لتجريدهم.

ويؤيّد ذلك ما ورد في الإحرام من المسلخ من وادي العقيق ، وأنّه عند التقيّة والخوف يؤخّر لبس ثوبي الإحرام إلى ذات عرق (٥) فيعلم من ذلك أنّ لبس ثوبي الإحرام واجب ، إلى غير ذلك من الأخبار والشواهد القطعيّة ، والظاهر أنّ المسألة ممّا لا إشكال فيها.

وأمّا كيفيّة لبسهما ، فالظاهر أن يلبسهما على الطريق المألوف ، بأن يتّزر بأحدهما ويرتدي بالآخر ، وتدل عليه الأخبار الآمرة بإلقاء الثوب أو العمامة على عاتقه إذا لم يكن له رداء ، ويلبس السراويل إذا لم يكن له إزار ، ويستكشف من ذلك وجوب لبس الإزار والرّداء ، وإن لم يتمكّن منهما ينتقل الأمر إلى البدل.

فمنها : صحيحة عبد الله بن سنان «أمر الناس بنتف الإبط وحلق العانة والغسل والتجرّد في إزار ورداء أو إزار وعمامة ، يضعها على عاتقه لمن لم يكن له رداء» (٦).

وفي صحيحة معاوية بن عمار قال : «لا تلبس ثوباً له أزرار وأنت محرم ، إلّا أن تنكسه ، ولا ثوباً تدرعه ولا سراويل إلّا أن لا يكون لك إزار» (٧).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٢٥ / أبواب الإحرام ب ٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٢٦ / أبواب الإحرام ب ٨ ح ١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٢٣ / أبواب الإحرام ب ٦ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٩٨ / أبواب الإحرام ب ٤٨ ح ١.

(٥) الوسائل ١١ : ٣١٣ / أبواب المواقيت ب ٢ ح ١٠.

(٦) الوسائل ١١ : ٢٢٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٥.

(٧) الوسائل ١٢ : ٤٧٣ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٥ ح ١.

٢٧٠

ويستثنى من ذلك الصبيان فيجوز تأخير تجريدهم إلى فخ كما تقدّم (١).

مسألة ١٨٨ : لبس الثوبين للمحرم واجب تعبّدي وليس شرطاً في تحقق الإحرام على الأظهر (٢).

______________________________________________________

وفي صحيحة عمر بن يزيد «وإن لم يكن له رداء طرح قميصه على عنقه أو قباءه بعد أن ينكسه» (١).

(١) في المسألة السّابعة ، وذكرنا هناك بأنّ الولي يحرم بالصبي بأن يأمره بالتلبية أو يلقّنه إيّاها أو يلبّي عنه من الميقات ، ويجوز له أن يؤخّر تجريده عن الثياب إلى فخ فإذا وصل إلى فخ لبس الثوبين ، ويدل على ذلك صحيحة أيّوب «من أين يجرّد الصبيان؟ فقال : كان أبي يجرِّدهم من فخ» (٢).

(٢) وقع الكلام في أنّ لبس الثوبين للمحرم واجب تعبّدي مستقل بحيث لو تركه انعقد إحرامه وإن عصى بترك اللّبس ، أو أنّه واجب شرطي في تحقق الإحرام بحيث لا ينعقد الإحرام إلّا به.

والاشتراط المذكور يتصوّر على نحوين :

الأوّل : أن يكون لبس الثوبين متمماً للإحرام ، فلو لبّى وهو عار اللّباس أو كان لابساً للمخيط ولم يلبس الثوبين فلم يتحقق منه الإحرام الكامل ، ولكن ما أتى به من التلبية قبل لبس الثوبين صحيح ولا حاجة إلى إعادة التلبية.

فإن أراد القائل بالشرطيّة هذا المعنى فيردّه : أنّه لا دليل عليه ، مضافاً إلى أنّه ينفيه قوله (عليه السلام) : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية ، والإشعار ، والتقليد» (٣).

الثّاني : أن يكون لبس الثوبين شرطاً لصحّة الإحرام والتلبية بحيث لو لبّى وهو غير لابس للثوبين عليه إعادتها.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٨٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٤ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٩٨ / أبواب الإحرام ب ٤٧ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٢٠.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

ويردّه : أنّه لا دليل عليه أيضاً ، وينافيه صحيح معاوية بن عمار «في رجل أحرم وعليه قميصه ، فقال : ينزعه ولا يشقّه ، وإن كان لبسه بعد ما أحرم شقّه وأخرجه ممّا يلي رجليه» (١) فإنّه يدل على صحّة إحرامه وعدم لزوم الإعادة ولو كان لبس الثوبين شرطاً في صحّة الإحرام ، لأمره بالإحرام ثانياً وإعادة التلبية.

والحاصل أنّه لا ريب أنّ المستفاد من الرّوايات وجوب لبس الثوبين وجوباً مستقلا تعبّدياً.

نعم ، قد يتوهّم أنّ صحيحة معاوية بن عمار تدل على بطلان التلبية بدون لبس الثوبين ، فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال : «إن لبست ثوباً في إحرامك لا يصلح لك لبسه ، فلبّ وأعد غسلك ، وإن لبست قميصاً فشقّه وأخرجه من تحت قدميك» (٢) فإنّ الأمر بالإعادة ظاهر في بطلان الإحرام الأوّل.

والجواب : أنّ الصحيحة غير ناظرة إلى شرطيّة اللبس في تحقق الإحرام ، وإنّما هي ناظرة إلى لبس ما لا يجوز لبسه عند الإحرام سواء كان لابساً لثوبي الإحرام أم لا بل المفروض فيها تحقق الإحرام منه لقوله : «إن لبست ثوباً في إحرامك» وأمره (عليه السلام) بشقّ القميص وإخراجه من تحت قدميه ، ولا ريب أنّ شقّ القميص وإخراجه من تحت قدميه يلزمان بعد الإحرام ، إذ لا موجب لذلك قبل تحقق الإحرام منه.

وحال هذه الصحيحة حال بقيّة الرّوايات الآمرة بشقّ القميص وإخراجه من الرّجلين ، وأنّ القميص يمتاز عن القباء ، فإنّ إخراج القباء ونحوها لا يحتاج إلى أن يكون ذلك من تحت قدميه ، لعدم ستر الرأس بإخراج القباء ، بخلاف القميص فإنّ إخراجه من رأسه يلزم ستر رأسه غالباً ، ولذا علّمه الإمام (عليه السلام) بأن يشقّه ويخرجه من تحت قدميه.

والحاصل : كلّ من لبس شيئاً لا يصح لبسه للمحرم يستحب له إعادة التلبية والغسل فليس في الرّواية ما يدل على بطلان التلبية إذا وقعت في القميص ونحوه.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٨٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٨٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ٥.

٢٧٢

والأحوط أن يكون لبسهما على الطريق المألوف (١).

مسألة ١٨٩ : يعتبر في الإزار أن يكون ساتراً من السرّة إلى الرّكبة ، كما يعتبر في الرّداء أن يكون ساتراً للمنكبين (٢). والأحوط كون اللّبس قبل النيّة والتلبية فلو قدّمهما عليه أعادهما بعده (٣).

مسألة ١٩٠ : لو أحرم في قميص جاهلاً أو ناسياً نزعه وصحّ إحرامه ، بل الأظهر صحّة إحرامه حتّى فيما إذا أحرم فيه عالماً عامداً ، وأمّا إذا لبسه بعد الإحرام فلا إشكال في صحّة إحرامه ، ولكن يلزم عليه شقّه وإخراجه من تحت (٤).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّ المستفاد من الرّوايات أن يجعل أحد الثوبين إزاراً والآخر رداءً ولا يعتبر في لبسهما كيفيّة مخصوصة بل العبرة بالصدق العرفي ، ولكن الأحوط أن يلبسهما على الطريق المألوف المتعارف فإنّه القدر المتيقن من منصرف الرّوايات.

(٢) أمّا حدّ الثوبين من حيث الكبر والصغر والطول والقصر فالعبرة بالصدق العرفي ، ويكفي فيهما المسمّى وصدق الاتزار والارتداء ، إلّا أنّ المتعارف في الإزار ستر السرة إلى الركبة ، كما أنّ المعتبر في الرّداء ستر المنكبين وشي‌ء من الظهر أيضاً ، وإلّا فمجرّد ستر المنكبين من دون أن يستر الظهر أصلاً فلا يجزئ ، لعدم صدق الرّداء عليه كما إذا ألقى منديلاً قليل العرض على منكبيه.

(٣) لاحتمال اشتراط اللّبس في الإحرام ، فالاحتياط في محلِّه وإن كان استحبابيّاً لما عرفت من أنّ اللبس واجب تعبّدي مستقل.

(٤) لعدم دخل لبس الثوبين في حقيقة الإحرام ، وعدم منافاة لبس المخيط ونحوه للإحرام ، لأنّ التروك أحكام تكليفيّة مترتبة على الإحرام وغير دخيلة في حقيقتها وتحققها كما عرفت (١).

__________________

(١) في ص ٢٥٤.

٢٧٣

مسألة ١٩١ : لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام وبعده للتحفظ من البرد أو الحر أو لغير ذلك (١).

مسألة ١٩٢ : يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلّي ، فيلزم أن لا يكونا من الحرير الخالص ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ولا من المذهّب ويلزم طهارتهما كذلك ، نعم لا بأس بتنجسهما بنجاسة معفو عنها في الصلاة (٢).

مسألة ١٩٣ : يلزم في الإزار أن يكون ساتراً للبشرة غير حاك عنها ، والأحوط اعتبار ذلك في الرّداء أيضاً (٣).

______________________________________________________

وأمّا لو لبسه بعد الإحرام فيصح إحرامه بلا إشكال ، ولكن يشقّه ويخرجه من رجليه لئلّا يستر رأسه كما في صحاح معاوية بن عمار (١) المتقدّمة (٢).

(١) لصحيح الحلبي قال «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المحرم يتردى بالثوبين؟ قال : نعم ، والثّلاثة إن شاء يتقي بها البرد والحر» (٣).

(٢) يدل على ذلك كلّه صحيح حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «كل ثوب تصلّي فيه فلا بأس أن تحرم فيه» (٤) مضافاً إلى المنع عن الإحرام في الثوب النجس كما في صحيحتين لمعاوية بن عمار (٥) وغيرهما من الأدلّة الخاصّة المانعة عن الإحرام في الحرير الخالص (٦).

(٣) أمّا الإزار فالأمر واضح ، لأنّه لو كان حاكياً لا تجوز الصلاة فيه فلا يجوز الإحرام فيه لصحيح حريز المتقدّم ، وأمّا الرّداء بوصف كونه رداءً فتجوز الصلاة في الحاكي منه ، فالمنع عنه مبني على الاحتياط.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٨٨ / أبواب تروك الإحرام ب ٤٥ ح ١ ، ٢ ، ٥.

(٢) في ص ٢٧٢.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٦٢ / أبواب الإحرام ب ٣٠ ح ١.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٥٩ / أبواب الإحرام ب ٢٧ ح ١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٤٧٦ / أبواب تروك الإحرام ب ٣٧ ح ١ ، ٢.

(٦) الوسائل ١٢ : ٣٦١ / أبواب الإحرام ب ٢٩.

٢٧٤

مسألة ١٩٤ : الأحوط في الثوبين أن يكونا من المنسوج ولا يكونا من قبيل الجلد والملبد (١).

مسألة ١٩٥ : يختص وجوب لبس الإزار والرّداء بالرّجال دون النِّساء ، فيجوز لهنّ أن يحرمن في ألبستهنّ العادية على أن تكون واجدة للشرائط المتقدّمة (٢).

مسألة ١٩٦ : إنّ حرمة لبس الحرير وإن كانت تختص بالرّجال ولا يحرم لبسه على النِّساء إلّا أنّه لا يجوز للمرأة أن يكون ثوباها من الحرير ، والأحوط أن لا تلبس شيئاً من الحرير الخالص في جميع أحوال الإحرام (٣).

______________________________________________________

(١) لاحتمال عدم صدق الثوب على الجلد عرفاً كعدم صدقة على الملبد.

(٢) الّذي لا ينبغي الرّيب فيه أنّ المرأة لا يجوز لها الإحرام عارية وإن أمنت من النظر ، بل الواجب عليها الإحرام في الثياب ، لما يستفاد من الرّوايات المتفرّقة وجوب أصل اللبس عليها وعدم جواز إحرامها عارية كالرّوايات الواردة في لبس المرأة الحرير الممزوج أو الخالص والمخيط (١) والرّوايات الواردة في إحرام الحائض (٢).

وأمّا وجوب لبس خصوص ثوبي الإحرام الإزار والرّداء فلم يثبت في حقّها لأنّ مستند وجوب اللبس أحد أمرين :

إمّا قاعدة الاشتراك وإمّا النصوص الواردة في باب إحرام الحائض ، وشي‌ء منهما لا يدل على الوجوب ، أمّا القاعدة فلا تجري في أمثال المقام الّذي نحتمل اختصاص الحكم بالرّجال.

وأمّا النصوص الواردة في باب إحرام الحائض فمقتضاها وجوب لبس أصل الثياب عليها وعدم جواز إحرامها عارية ، لا وجوب لبس ثوبي الإحرام المعهودين.

(٣) لجملة من النصوص المتظافرة ، منها : صحيحة العيص قال : «قال أبو عبد الله

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٦٦ / أبواب الإحرام ب ٣٣.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٩٩ / أبواب الإحرام ب ٤٨.

٢٧٥

مسألة ١٩٧ : إذا تنجّس أحد الثوبين أو كلاهما بعد التلبّس بالإحرام ، فالأحوط المبادرة إلى التبديل أو التطهير (١).

مسألة ١٩٨ : لا تجب الاستدامة في لباس الإحرام ، فلا بأس بإلقائه عن متنه لضرورة أو غير ضرورة ، كما لا بأس بتبديله على أن يكون البدل واجداً للشرائط (٢).

______________________________________________________

(عليه السلام) : المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير والقفازين» (١) وبها نخرج عن إطلاق صحيح حريز المتقدِّم (٢) ، بل الأحوط لهنّ اجتنابه مطلقاً ولو في غير ثوبي الإحرام ، لإطلاق النصوص المانعة.

نعم ، لا بأس لهن بلبسه في الحر أو البرد لموثق سماعة «لا ينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة ، فأمّا في الحر والبرد فلا بأس» (٣) وإن كان الأحوط الترك لإطلاق النصوص.

(١) قد عرفت اعتبار الطهارة في ثوبي الإحرام لصحيح حريز المتقدّم ولبعض النصوص الخاصّة كخبري معاوية بن عمار (٤) ، لكن الظاهر منها اعتبار طهارتهما حدوثاً أي لا يجوز عقد الإحرام في الثوب النجس لا استدامة ، فلو تنجّس بعد الإحرام فلا يلزم تبديلهما أو تطهيرهما ، إلّا أن يقال بعدم الفرق بين الحدوث والاستدامة.

(٢) لأنّ وجوب لبس الثوبين يعتبر حدوثاً لا استمراراً فيجوز له نزعهما بعد عقد الإحرام ، لكن لا يلبس المخيط وإلّا فالتجرّد منهما في نفسه لا مانع منه ، كما إذا تجرّد في الظلمة ونحو ذلك ممّا يأمن من النظر.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٦٨ / أبواب الإحرام ب ٣٣ ح ٩.

(٢) في ص ٢٧٤.

(٣) الوسائل ٤ : ٣٨٠ / أبواب لباس المصلّي ب ١٦ ح ٤.

(٤) تقدّم مصدرهما في ص ٢٧٤ الرقم ٥.

٢٧٦

تروك الإحرام

قلنا فيما سبق إنّ الإحرام يتحقق بالتلبية أو الإشعار أو التقليد ، ولا ينعقد الإحرام بدونها وإن حصلت منه نيّة الإحرام ،

فإذا أحرم المكلّف حرمت عليه أُمور وهي خمسة وعشرون كما يلي :

(١) الصّيد البرّي (٢) مجامعة النِّساء (٣) تقبيل النِّساء (٤) لمس المرأة (٥) النظر إلى المرأة (٦) الاستمناء (٧) عقد النِّكاح (٨) استعمال الطيب (٩) لبس المخيط للرِّجال (١٠) التكحّل (١١) النظر في المرآة (١٢) لبس الخفّ والجورب للرِّجال (١٣) الكذب والسب (١٤) المجادلة (١٥) قتل القمل ونحوه من الحشرات الّتي تكون على جسد الإنسان (١٦) التزيين (١٧) الادهان (١٨) إزالة الشعر من البدن (١٩) ستر الرأس للرِّجال ، وهكذا الارتماس في الماء حتّى على النِّساء (٢٠) ستر الوجه للنِّساء (٢١) التظليل للرِّجال (٢٢) إخراج الدم من البدن (٢٣) التقليم (٢٤) قلع السن (٢٥) حمل السلاح.

١ ـ الصّيد البرّي

مسألة ١٩٩ : لا يجوز للمحرم سواء كان في الحل أو الحرم صيد الحيوان البرّي أو قتله ، سواء كان محلل الأكل أم لم يكن ، كما لا يجوز له قتل الحيوان البرّي وإن تأهّل بعد صيده ، ولا يجوز صيد الحرم مطلقاً وإن كان الصائد محلّاً (١).

______________________________________________________

(١) بعد تحقق الإحرام من الحاج يحرم عليه صيد الحيوان البرّي وإن لم يقتله وكذا يحرم عليه قتله وذبحه وإن كان الصائد غيره.

وقد ذكر تحريم أصل الصّيد وقتله في الكتاب العزيز ، قال الله تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) (١) وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا

__________________

(١) المائدة ٥ : ٩٦.

٢٧٧

مسألة ٢٠٠ : كما يحرم على المحرم صيد الحيوان البرّي تحرم عليه الإعانة على صيده‌و لو بالإشارة ، ولا فرق في حرمة الإعانة بين أن يكون الصائد محرماً أو محلّاً (١).

مسألة ٢٠١ : لا يجوز للمحرم إمساك الصّيد البرّي والاحتفاظ به وإن كان اصطياده له قبل إحرامه ، ولا يجوز له أكل لحم الصّيد وإن كان الصائد محلّاً (٢).

______________________________________________________

الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) (١) والرّوايات كثيرة اشتملت على الحكمين.

فمن جملة الرّوايات الدالّة على الحكم الأوّل ، صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا تستحلن شيئاً من الصّيد وأنت حرام ، ولا أنت حلال في الحرم» (٢) فإنّها تدل على حرمة الصّيد في حال الإحرام وإن كانت في الحل الّذي هو مورد كلامنا ، وكذا تدل على حرمة الصّيد في الحرم وإن كان محلّاً ، وهذا حكم آخر نتعرّض إليه في محلِّه (٣) وهو أيضاً أمر متسالم عليه ، فإنّ الحاج قد يكون محرماً خارج الحرم وقد يكون محلّاً وهو في الحرم ، وقد يجتمعان.

وأمّا حرمة القتل فتدل عليها جملة من النصوص ، منها : معتبرة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : «ثمّ اتق قتل الدواب كلّها إلّا الأفعى والعقرب» (٤).

(١) هذه المسألة يظهر وجهها ممّا سيأتي.

(٢) تدل على ذلك كلّه عدّة من النصوص المعتبرة :

منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا تستحلنّ شيئاً من

__________________

(١) المائدة ٥ : ٩٥.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤١٥ / أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ١.

(٣) أشار إليه في ص ٥١٤ بعد المسألة ٢٨٠ وقال : تعرّضنا في أوّل تروك الإحرام للنصوص الدالّة على حرمة صيد الحرم على المحل والمحرم.

(٤) الوسائل ١٢ : ٥٤٥ / أبواب تروك الإحرام ب ٨١ ح ٢.

٢٧٨

ويحرم الصّيد الّذي ذبحه المحرم على المحل أيضاً ، وكذلك ما ذبحه المحل في الحرم (١).

______________________________________________________

الصّيد وأنت حرام ، ولا أنت حلال في الحرم ، ولا تدلنّ عليه محلّاً ولا محرماً فيصطاده ، ولا تشر إليه فيستحل من أجلك فإنّ فيه فداء لمن تعمّده» (١).

وفي صحيحة معاوية بن عمار «لا تأكل من الصّيد وأنت حرام وإن كان أصابه محل» (٢).

وهذه الأحكام ممّا لا ريب فيه ولا إشكال ، كما لا خلاف في شي‌ء من ذلك بيننا.

(١) قد وقع الخلاف فيما لو ذبح المحرم الصّيد ، فهل يحرم أكله حرمة مطلقة حتّى على المحل فيكون كالميتة ، أو تختص الحرمة بالمحرم ويجوز للمحل أكله؟

المشهور شهرة عظيمة بل لعلّه من المتسالم عليه عندهم هو الأوّل ، وأنّ الذابح إذا كان محرماً حرم على المحل والمحرم فيكون من جملة شرائط التذكية كون الذابح محلّاً وإلّا كان ميتة يحرم على كل أحد أكله.

ونسب إلى جماعة من القدماء كالصدوق (٣) والمفيد (٤) والسيِّد المرتضى (٥) وابن الجنيد (٦) اختصاص الحرمة بالمحرم وجواز أكل المحل ما ذبحه المحرم ، غاية الأمر على المحرم فداؤه ، واختار هذا القول أو مال إليه من المتأخّرين السيِّد في المدارك (٧).

واستدلّ على التحريم المطلق بعدّة من الرّوايات :

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤١٥ / أبواب تروك الإحرام ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤١٩ / أبواب تروك الإحرام ب ٢ ح ٣.

(٣) الفقيه ٢ : ٢٣٥.

(٤) المقنعة : ٤٣٨.

(٥) جمل العلم والعمل ٣ : ٧٢.

(٦) حكاه عنه في المختلف ٤ : ١٥٣.

(٧) المدارك ٧ : ٣٠٨.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

منها : مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «قلت له : المحرم يصيب الصّيد فيفديه أيطعمه أو يطرحه؟ قال : إذن يكون عليه فداء آخر ، قلت : فما يصنع به؟ قال : يدفنه» (١) فإن أمره بالدفن كاشف عن حرمته المطلقة وعدم الاستفادة منه بشي‌ء كالميتة.

وفيه : أنّها في مقام وجوب الفداء الآخر على المحرم لو أطعمه للمحل ، ولا تدل على الحرمة المطلقة ، وأمّا أمره بالدفن لأجل الفرار عن الفداء. مضافاً إلى ضعفها سنداً بالإرسال.

ودعوى أنّ مراسيل ابن أبي عمير حجّة ، مدفوعة بما ذكرنا غير مرّة بأنّ مراسيله كسائر المراسيل ، إذ لم يثبت عدم روايته إلّا عن الثقة ، وقد عثرنا على جملة من الموارد روايته عن الضعفاء ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في معجم الرّجال (٢).

ومنها : خبر وهب «إذا ذبح المحرم الصّيد لم يأكله الحلال والحرام وهو كالميتة» (٣) ودلالته على الحرمة المطلقة واضحة ولكنّه ضعيف سنداً جدّاً ، لأنّ وهب بن وهب غير موثق وقيل في حقّه إنّه من أكذب البرية.

ومنها : معتبرة إسحاق عن جعفر (عليه السلام) «أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : «إذا ذبح المحرم الصّيد في غير الحرم فهو ميتة لا يأكله محل ولا محرم» (٤) وهي صريحة في الحرمة المطلقة ، إلّا أنّ السيِّد في المدارك ناقش في التحريم المطلق للطعن في سند الخبرين (٥) ، أمّا خبر وهب فواضح ، وأمّا خبر إسحاق بن عمار فلأنه اعتبر كون الرّاوي عدلاً إماميّاً صحيح العقيدة ، وإسحاق فاسد العقيدة لكونه فطحي المذهب ولذا ذكر صاحب الجواهر أنّ الخبرين منجبران بالشهرة أو بالإجماعات المحكية (٦).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٤٣٢ / أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٣.

(٢) معجم الرّجال ١ : ٦١.

(٣) الوسائل ١٢ : ٤٣٢ / أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٤.

(٤) الوسائل ١٢ : ٤٣٢ / أبواب تروك الإحرام ب ١٠ ح ٥.

(٥) المدارك ٧ : ٣٠٦.

(٦) الجواهر ١٨ : ٢٨٩.

٢٨٠