موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

نعم ، إذا لم يكن المسافر قاصداً لما ذكر ، لكن لمّا وصل حدود الحرم أراد أن يأتي بعمرة مفردة جاز له الإحرام من أدنى الحل (١).

مسألة ١٦٨ : إذا ترك المكلّف الإحرام من الميقات عن علم وعمد حتّى تجاوزه ففي المسألة صور :

الاولى : أن يتمكّن من الرّجوع إلى الميقات ، ففي هذه الصورة يجب عليه الرّجوع والإحرام منه ، سواء أكان رجوعه من داخل الحرم أم كان من خارجه فإن أتى بذلك صحّ عمله من دون إشكال (٢).

______________________________________________________

وتفريغ ذمّته. هذا مضافاً إلى دلالة الأخبار على ذلك :

منها : معتبرة إبراهيم بن عبد الحميد الدالّة على أن من دخل المدينة فليس له أن يحرم إلّا من المدينة (١) أي ميقات المدينة ، وهو مسجد الشجرة.

ومنها : صحيح الحلبي «عن رجل ترك الإحرام حتّى دحل الحرم ، فقال : يرجع إلى ميقات أهل بلاده الّذين يحرمون منه ، فيحرم» (٢).

(١) ولا يجب عليه الرّجوع إلى الميقات ، فإن أدنى الحل ميقات لكل عمرة مفردة لغير النائي الخارج من مكّة ، فإنّا قد ذكرنا أنّ الشخص البعيد إذا سافر وخرج من بلده لا للحج ولا للعمرة بل لغرض من الأغراض ووصل إلى حدود الحرم فبدا له أن يعتمر يجوز له ذلك ولا يجب عليه الرّجوع إلى الميقات ، بل يحرم من أدنى الحل كما صنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حيث أحرم (صلّى الله عليه وآله وسلم) من الجعرانة عند رجوعه من غزوة حنين (٣).

(٢) لما عرفت أنّ مقتضى توقيت المواقيت أنّ الإحرام من الميقات وظيفة كل مكلّف مريد للنسك ، ولا يجوز له التجاوز عنه إلّا محرماً ، والمفروض أنّه متمكّن من

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣١٨ / أبواب المواقيت ب ٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٣٠ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٧.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٤١ / أبواب المواقيت ب ٢٢ ح ٢.

٢٤١

الثّانية : أن يكون المكلّف في الحرم ، ولم يمكنه الرّجوع إلى الميقات ، لكن أمكنه الرّجوع إلى خارج الحرم ، ففي هذه الصورة يجب عليه الرّجوع إلى خارج الحرم والإحرام من هناك.

الثّالثة : أن يكون في الحرم ولم يمكنه الرّجوع إلى الميقات أو إلى خارج الحرم ولو من جهة خوفه فوات الحجّ ، وفي هذه الصورة يلزمه الإحرام من مكانه.

الرّابعة : أن يكون خارج الحرم ولم يمكنه الرّجوع إلى الميقات ، وفي هذه الصورة يلزمه الإحرام من مكانه أيضاً (١). وقد حكم جمع من الفقهاء بفساد العمرة في الصور الثلاث الأخيرة (٢).

______________________________________________________

الإحرام من الميقات فيجب عليه الرّجوع لذلك ويصح عمله ولا شي‌ء عليه ، إلّا أنّه ارتكب أمراً محرماً بتركه الإحرام من الميقات ، وهذا واضح.

(١) يدل على هذه الأحكام المذكورة للصور الثلاث صحيح الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ترك الإحرام حتّى دخل الحرم فقال : يرجع إلى ميقات أهل بلاده الّذي يحرمون منه فيحرم ، فإن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه ، فإن استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج» (١) فإنّ المستفاد منه وجوب الإحرام من الميقات ومن تجاوز عنه بلا إحرام يجب عليه الرّجوع إليه والإحرام من هناك ، فإن تعذّر عليه الرّجوع إلى الميقات وكان في الحرم يجب عليه الرّجوع إلى خارج الحرم والإحرام من هناك ، وإن لم يمكنه الرّجوع إلى خارج الحرم أحرم من مكانه. وإذا كان في خارج الحرم ولم يمكنه الرّجوع إلى الميقات يجب عليه الإحرام من مكانه ولو كان أمامه ميقات آخر ، لإطلاق النص.

(٢) بل نسب إلى الأكثر المشهور ، بل ربّما يفهم من غير واحد منّا عدم الخلاف فيه كما في الجواهر (٢) خلافاً للمحكي عن جماعة من المتأخّرين. بل قيل إنّه يحتمله

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٠ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٧.

(٢) الجواهر ١٨ : ١٣٢.

٢٤٢

ولكن الصحّة فيها لا تخلو من وجه (١) وإن ارتكب المكلّف محرماً بترك الإحرام من الميقات (٢)

______________________________________________________

إطلاق المبسوط (١) والمصباح ومختصره (٢). واختاره كاشف اللِّثام (٣) وصاحب المستند (٤).

واستدلّ للمشهور بأنّ الحكم بالفساد مؤاخذة له بسوء فعله واختياره ، ولإطلاق ما دلّ على اعتبار التوقيت في صحّة الإحرام ، ولأنه ترك الوظيفة اختياراً فيفسد حجّه لفوات الكل بانتفاء جزئه ، نظير ترك التكبيرة للصلاة ، فيجب عليه الإتيان بالحج في السنة القادمة إذا كان مستطيعاً وإلّا فلا.

(١) لما عرفت من استناد القول بالصحّة إلى صحيح الحلبي المتقدّم ، فإنّه بإطلاقه يشمل العامد وغيره ، وليس فيه ما يظهر اختصاصه بالجاهل بل قوله : «عن رجل ترك الإحرام» ظاهر في الترك العمدي.

ولكن صاحب الجواهر رجّح روايات التوقيت العامّة على صحيح الحلبي وقدّمها عليه ، وادّعى أنّ ذلك أولى من وجوه ، ومقتضى الرّوايات العامّة هو الفساد لفقدان الشرط.

ولا يخفى ما فيه : لأنّ نسبة صحيح الحلبي إلى روايات الميقات نسبة الخاص إلى العام ، لأنّ مورد صحيح الحلبي خشية فوت الحجّ وتلك الرّوايات مطلقة من هذه الجهة ولا ريب في تقدّم الخاص على العام.

(٢) لأن من كان مريداً للنسك لا يجوز له المرور من الميقات إلّا محرماً.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣١٢.

(٢) مصباح المتهجد : ٦١٧ لم نعثر على مختصر المصباح ولكن حكاه النراقي في المستند ١١ : ١٩٩.

(٣) كشف اللّثام ٥ : ٢٣٧.

(٤) المستند ١١ : ١٩٩.

٢٤٣

لكن الأحوط مع ذلك إعادة الحجّ عند التمكّن منها (١). وأمّا إذا لم يأت المكلّف بوظيفته في هذه الصور الثلاث وأتى بالعمرة فلا شك في فساد حجّه (٢).

مسألة ١٦٩ : إذا ترك الإحرام عن نسيان أو إغماء أو ما شاكل ذلك ، أو تركه عن جهل بالحكم أو جهل بالميقات فللمسألة كسابقتها صور أربع :

الصورة الاولى : أن يتمكّن من الرّجوع إلى الميقات فيجب عليه الرّجوع والإحرام من هناك (٣).

______________________________________________________

(١) خروجاً عن شبهة مخالفة المشهور.

(٢) كما هو واضح ، لعدم إتيانه بالعمرة على الوجه المأمور به فيفسد حجّه.

(٣) تدل عليه الأخبار العامّة الدالّة على توقيت المواقيت ، فإن مقتضاها لزوم الإحرام منها ما تمكّن من ذلك.

مضافاً إلى الروايات الخاصّة الواردة بعضها في الجاهل وبعضها في الناسي وبعضها مطلق ففي صحيحة الحلبي «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل نسي أن يحرم حتّى دخل الحرم ، قال : قال أبي : يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحجّ أحرم من مكانه» (١).

وفي صحيح معاوية بن عمار «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت إليهم فسألتهم فقالوا : ما ندري أعليك إحرام أم لا ، وأنت حائض فتركوها حتّى دخلت الحرم فقال (عليه السلام) : إن كان عليها مهلة فترجع إلى الوقت فلتحرم منه ، فإن لم يكن عليها وقت (مهلة) فلترجع إلى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا يفوتها» (٢).

وفي صحيح آخر للحلبي «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل ترك الإحرام

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٢٨ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٢٩ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٤.

٢٤٤

الصورة الثّانية : أن يكون في الحرم ، ولم يمكنه الرّجوع إلى الميقات لكن أمكنه الرّجوع إلى خارج الحرم وعليه حينئذ الرّجوع إلى الخارج والإحرام منه. والأولى في هذه الصورة الابتعاد عن الحرم بالمقدار الممكن ثمّ الإحرام من هناك (١).

الصورة الثّالثة : أن يكون في الحرم ولم يمكنه الرّجوع إلى الخارج ، وعليه في هذه الصورة أن يحرم من مكانه وإن كان قد دخل مكّة (٢).

______________________________________________________

حتّى دخل الحرم ، فقال : يرجع إلى ميقات أهل بلاده الّذي يحرمون منه فيحرم ، فإن خشي أن يفوته الحجّ فليحرم من مكانه ...» (١).

فإنّ المستفاد من هذه الرّوايات أن من ترك الإحرام من المواقيت نسياناً أو جهلاً يجب عليه الرّجوع إلى الميقات والإحرام منه إذا تمكّن من ذلك.

(١) تدل عليه النصوص المتقدّمة ، فإنّ مقتضاها وجوب الخروج إلى خارج الحرم والإحرام من الخارج ، سواء أحرم من أوّل رأس الحد أو ابتعد عنه قليلاً أو كثيراً فإنّ الميزان بالإحرام خارج الحرم في أيّ مكان شاء ، ولا يجب الابتعاد بالمقدار الممكن ، لإطلاق الرّوايات المتقدّمة الدالّة على مجرّد الخروج من الحرم والإحرام منه وتقييد تلك الرّوايات بمن لا يتمكّن من الابتعاد تقييد بالفرد النادر ، فإن كلّ من يتمكّن من الخروج من الحرم يتمكّن من الابتعاد منه بمقدار مائة ذراع أو أقل أو أكثر.

نعم ، ورد الابتعاد بالمقدار الممكن في خصوص الطامث في صحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة (٢) ، والتعدِّي عن موردها إلى غيرها من ذوي الأعذار كالناسي والجاهل قياس لا نلتزم به.

(٢) لإطلاق صحيح الحلبي الثّاني ، لأنّ موضوع الحكم المذكور فيه من ترك الإحرام حتّى دخل الحرم ، وإطلاقه يشمل الجاهل والناسي ، كما أنّ إطلاقه يشمل

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٠ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٧.

(٢) في الصفحة السابقة.

٢٤٥

الصورة الرّابعة : أن يكون خارج الحرم ولم يمكنه الرّجوع إلى الميقات ، وعليه في هذه الصورة أن يحرم من محلِّه (١). وفي جميع هذه الصور الأربع يحكم بصحّة عمل المكلّف إذا قام بما ذكرناه من الوظائف.

______________________________________________________

حتّى من دخل مكّة ولم يمكنه الرّجوع ، فإنّه يحرم من مكانه.

(١) هذه الصورة على نحوين :

أحدهما : ما إذا فرض أنّ أمامه ميقات آخر ، كما إذا تجاوز بلا إحرام عن مسجد الشجرة جهلاً أو نسياناً ثمّ تذكر وعلم ، ولكن لا يتمكّن من الرّجوع إلى مسجد الشجرة وكان أمامه الجحفة ، ففي مثله يجب عليه الإحرام من الجحفة ، لأنّ الرّجوع إلى الميقات الأوّل غير واجب عليه ، لفرض عدم قدرته على الرّجوع إليه ، فيجب الإحرام من الميقات الإمامي ، لعموم ما دلّ على لزوم الإحرام من الميقات وعدم التجاوز عنه بلا إحرام.

ثانيهما : ما إذا لم يكن أمامه ميقات آخر ولا يتمكّن من الرّجوع إلى الميقات الّذي تجاوزه بلا إحرام أو سلك طريقاً لا يمر بميقات أصلاً فذكر غير واحد أنّه يحرم من مكانه ومحلِّه.

ولا ريب أنّ هذا مبني على وجوب الابتعاد بالمقدار الممكن عن محل الذكر ورفع العذر ، كما ورد ذلك بالنسبة إلى الحائض في صحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة (١).

وأمّا بناءً على عدم وجوب الابتعاد بالمقدار الممكن على الإطلاق وإنّما ثبت ذلك في خصوص الحائض فلا يجب الإحرام من مكانه ومحلِّه ، بل هو مخير في الإحرام من أيّ موضع شاء قبل الوصول إلى الحرم ، لأنّ الميزان بوقوع الإحرام في خارج الحرم سواء وقع الإحرام في مكان الذكر أو بعده قبل الوصول إلى الحرم ، فالحكم المذكور في المتن مبني على الاحتياط فإنّه حسن بلا إشكال.

__________________

(١) في ص ٢٤٤.

٢٤٦

وفي حكم تارك الإحرام من أحرم قبل الميقات أو بعده ولو كان عن جهل أو نسيان (١).

مسألة ١٧٠ : إذا تركت الحائض الإحرام من الميقات لجهلها بالحكم إلى أن دخلت الحرم فعليها كغيرها الرّجوع إلى الخارج والإحرام منه إذا لم تتمكّن من الرّجوع إلى الميقات ، بل الأحوط لها في هذه الصورة أن تبتعد عن الحرم بالمقدار الممكن ثمّ تحرم على أن لا يكون ذلك مستلزماً لفوات الحجّ ، وفيما إذا لم يمكنها إنجاز ذلك فهي وغيرها على حد سواء (٢).

مسألة ١٧١ : إذا فسدت العمرة وجبت إعادتها مع التمكّن ، ومع عدم الإعادة ولو من جهة ضيق الوقت يفسد حجّه وعليه الإعادة في سنة أُخرى (٣).

مسألة ١٧٢ : قال جمع من الفقهاء بصحّة العمرة فيما إذا أتى المكلّف بها من دون إحرام لجهل ونسيان ، ولكن هذا القول لا يخلو من إشكال والأحوط في هذه الصورة الإعادة على النحو الّذي ذكرناه فيما إذا تمكّن منها وهذا الاحتياط لا يترك البتة (٤).

______________________________________________________

(١) لأنّ الإحرام قبل الميقات أو بعده في حكم العدم ، لا يترتب عليه أيّ أثر من الآثار.

(٢) يدل على ذلك كلّه صحيح معاوية بن عمار المتقدّمة (١) الواردة في الطامث وقد عرفت أنّ لزوم الابتعاد بالمقدار الممكن خاص بها دون غيرها من ذوي الأعذار.

(٣) لأنّ حجّ التمتّع مركب من العمرة والحجّ ، فإذا فسد أحد الجزأين يفسد الكل طبعاً ، ولا دليل على الاجتزاء بالناقص ولا على تبديل حجّه من التمتّع إلى الإفراد.

(٤) لو نسي الإحرام ولم يذكر حتّى أتى بجميع أعمال العمرة وواجباتها فالمشهور

__________________

(١) في ص ٢٤٤.

٢٤٧

مسألة ١٧٣ : قد تقدّم أنّ النائي يجب عليه الإحرام لعمرته من أحد المواقيت الخمسة الأُولى ، فإن كان طريقه منها فلا إشكال ، وإن كان طريقه لا يمرّ بها كما هو الحال في زماننا هذا ، حيث إنّ الحجاج يردون جدة ابتداءً وهي ليست من المواقيت فلا يجزئ الإحرام منها حتّى إذا كانت محاذية لأحد المواقيت على ما عرفت فضلاً عن أنّ محاذاتها غير ثابتة ، بل المطمأن به عدمها ، فاللّازم على الحاج حينئذ أن يمضي إلى أحد المواقيت مع الإمكان أو ينذر الإحرام من بلده أو

______________________________________________________

شهرة عظيمة كما في الجواهر (١) صحّتها ، وكذا لو تركه جهلاً بوجوبه حتّى أتى بجميع أعمال العمرة ، خلافاً لابن إدريس فقال بلزوم الإعادة إذا كانت العمرة واجبة ، لانتفاء المشروط بانتفاء شرطه ولا دليل على الإجزاء بالفاقد (٢).

وقد استدلّ المشهور بمرسل جميل الوارد في الناسي والجاهل عن بعض أصحابنا عن أحدهما (عليهما السلام) «في رجل نسي أن يحرم أو جهل وقد شهد المناسك كلّها وطاف وسعى ، قال : تجزئه نيّته إذا كان قد نوى ذلك فقد تمّ حجّه وإن لم يهل» (٣). ومورده وإن كان الحجّ ولكن قد أُطلق الحجّ على عمرة التمتّع في غير واحد من الرّوايات.

على أنّ نسيان الإحرام المذكور في صدر الرّواية مطلق من حيث العمرة والحجّ.

والجواب : أنّ الخبر ضعيف بالإرسال ، وما يقال من انجبار الضعف بالشهرة فلا نلتزم به.

وأمّا صحيحا علي بن جعفر الدالان على صحّة الحجّ إذا نسي الإحرام أو جهله (٤) فلا ينبغي الاستدلال بهما للمقام ، لورودهما وصراحتهما في خصوص إحرام الحجّ ولذا نلتزم بمضمونهما في إحرام الحجّ.

__________________

(١) الجواهر ١٨ : ١٣٣.

(٢) السرائر ١ : ٥٢٩.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ١.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢ ، ٣.

٢٤٨

من الطريق قبل الوصول إلى جدة بمقدار معتد به ولو في الطائرة فيحرم من محل نذره ، ويمكن لمن ورد جدة بغير إحرام أن يمضي إلى رابغ الّذي هو في طريق المدينة المنوّرة ويحرم منه بنذر ، باعتبار أنّه قبل الجحفة الّتي هي أحد المواقيت ، وإذا لم يمكن المضي إلى أحد المواقيت ، ولم يحرم قبل ذلك بنذر لزمه الإحرام من جدة بالنذر ، ثمّ يجدد إحرامه خارج الحرم قبل دخوله فيه (١).

______________________________________________________

وبالجملة : لا دليل على الصحّة في مورد العمرة.

(١) بعد ما علم أنّ جده ليست من المواقيت ولا محاذية لها فلا يجوز الإحرام منها بل حتّى ولو فرضنا أنّها محاذية لأحد المواقيت ، لما عرفت من أنّ الاكتفاء بالإحرام من المحاذي لا دليل عليه إلّا بالنسبة إلى مسجد الشجرة في مورد خاص.

فيجوز لمثل هذا الشخص نذر الإحرام قبل الوصول إلى جدة بمقدار معتد به حتّى يحرز بذلك نذر الإحرام قبل الميقات فإنّ المواقيت قبلها ويصح إحرامه للنص الدال على جواز تقديم الإحرام على الميقات بالنذر (١) ، ولا ضير في الاستظلال بعده بسقف الطائرة ونحوها باعتبار الاضطرار إليه ، فقبل الرّكوب في الطائرة يجوز له نذر الإحرام للنص وبعد النذر يضطرّ إلى ركوب الطائرة على الفرض فلا يكون حراماً ، وسنذكر قريباً إن شاء الله أنّ العزم على إتيان المحرمات لا يضر بالإحرام لخروج العزم على الترك عن حقيقة الإحرام ، وقد صرّح السيِّد في العروة بأنّ لبس الثوبين غير دخيل في حقيقة الإحرام ، وإنّما هو واجب تعبّدي (٢) ، ولذا يصح إحرامه إذا أحرم في المخيط نعم تجب عليه كفارة التظليل.

وإذا ورد جدة بلا إحرام ولم يتمكّن من المضي إلى أحد المواقيت كما يتّفق في زماننا هذا كثيراً فيجوز له أن يمضي إلى رابغ الّذي هو قبل الجحفة ويحرم منه ، وإن

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٢٦ / أبواب المواقيت ب ١٣.

(٢) العروة الوثقى ٢ : ٣٦٥ / ٣٢٥٤.

٢٤٩

مسألة ١٧٤ : تقدّم أنّ المتمتع يجب عليه أن يحرم لحجّة من مكّة ، فلو أحرم من غيرها عالماً عامداً لم يصح إحرامه وإن دخل مكّة محرماً ، بل وجب عليه الاستئناف من مكّة مع الإمكان وإلّا بطل حجّه (١).

مسألة ١٧٥ : إذا نسي المتمتع الإحرام للحج بمكّة وجب عليه العود مع الإمكان وإلّا أحرم في مكانه ولو كان في عرفات وصحّ حجّه وكذلك الجاهل بالحكم (٢).

______________________________________________________

لم يمكنه المضي إلى أحد المواقيت ولم يحرم قبل ذلك لزمه الإحرام من جدة بالنذر ثمّ يجدد إحرامه خارج الحرم قبل دخوله فيه ، فإن فعل ذلك يجزئ على جميع التقادير لأنّ ميقات هذا الشخص إن كان أدنى الحل فقد أحرم منه على الفرض ويكون إحرامه من جدة بالنذر من نذر الإحرام قبل الميقات ، وإن كانت جدة من بعد ميقاته فحيث إنّ المفروض عدم تمكّنه من الرّجوع إليه فيحرم من مكانه وهو جدة نظير من تجاوز عن الميقات فلم يحرم منه لجهل أو نسيان أو إغماء ونحوها من الأعذار ولم يمكنه الرّجوع إلى الميقات ، فإنّ عليه أن يحرم من مكانه.

(١) لفوات المشروط بفوات شرطه ، ففي الحقيقة يكون ممّن ترك الوقوف اختياراً فإنّ مجرد وجوده في الموقف بلا إحرام غير صحيح لا يترتب عليه أيّ أثر أصلاً.

(٢) إذا تمكّن من العود من دون أن يفوت عنه الموقف فلا ريب في وجوب العود فإنّ العبرة في وجوب العود وعدمه بخشية فوت الموقف كما دلّ عليه صحيح الحلبي «قال أبي : يخرج إلى ميقات أهل أرضه ، فإن خشي أن يفوته الحجّ أحرم من مكانه» (١).

وإن لم يتمكّن من العود بأن خشي فوت الموقف أحرم من مكانه ولو في عرفات ويدلُّ عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات ما حاله؟ قال يقول : اللهمّ على كتابك وسنّة نبيّك فقد تمّ إحرامه ، فإن جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتّى

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٢٨ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ١.

٢٥٠

مسألة ١٧٦ : لو نسي إحرام الحجّ ولم يذكر حتّى أتى بجميع أعماله صحّ حجّه ، وكذلك الجاهل (١).

كيفيّة الإحرام

وواجبات الإحرام ثلاثة أُمور :

الأمر الأوّل : النيّة ، ومعنى النيّة أن يقصد الإتيان بما يجب عليه في الحجّ أو العمرة متقرّباً به إلى الله تعالى ، وفيما إذا لم يعلم المكلّف به تفصيلاً وجب عليه قصد الإتيان به إجمالاً ، واللّازم عليه حينئذٍ الأخذ بما يجب عليه شيئاً فشيئاً من الرسائل العمليّة أو ممّن يثق به من المعلّمين (٢)

______________________________________________________

رجع إلى بلده إن كان قضى مناسكه كلّها فقد تمّ حجّه» (١).

(١) يدل عليه صحيح علي بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل كان متمتعاً خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتّى رجع إلى بلده ، قال : إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه» (٢) ، فإنّه شامل للناسي والجاهل بناءً على شمول الجهل للأعم منه ومن النسيان ، فإنّ النسيان من أفراد الجهل أيضاً والمستفاد من الأدلّة أنّ العبرة بالعذر سواء كان مستنداً إلى الجهل أو النسيان ، وإلّا فلا خصوصيّة لذكر النسيان أو الجهل.

هذا مضافاً إلى دلالة صحيح علي بن جعفر المتقدّم على الصحّة في مورد الجهل.

(٢) فإنّ القصد بما يجب عليه من الأعمال والأفعال يتوقف على معرفته لذلك تفصيلاً أو إجمالاً ، فيجوز له تعلّم الأعمال والواجبات شيئاً فشيئاً من الرسائل العمليّة أو ممّن يثق به من العلماء والمرشدين ، ولا يجب عليه أن يكون عالماً بجميع الأعمال من الأوّل.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٣٠ / أبواب المواقيت ب ١٤ ح ٨.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.

٢٥١

فلو أحرم من غير قصد بطل إحرامه (١).

ويعتبر في النيّة أُمور :

الأوّل : القربة كغير الإحرام من العبادات (٢).

الثّاني : أن تكون مقارنة للشروع فيه (٣).

الثّالث : تعيين أنّ الإحرام للعمرة أو للحج ، وأنّ الحجّ تمتع أو قران أو إفراد ، وأنّه لنفسه أو لغيره ، وأنّه حجّة الإسلام ، أو الحجّ النذري أو الواجب بالإفساد أو الندبي ، فلو نوى الإحرام من غير تعيين بطل إحرامه (٤).

______________________________________________________

(١) لأنّ العمل الصادر من دون قصد كالعمل الصادر غفلة أو سهواً غير اختياري له ، فلا بدّ له من القصد إليه ليكون صدوره منه اختياريّاً.

(٢) لأنّ الإحرام من العبادات ، ولا يتّصف العمل بالعبادة إلّا بالقربة والخلوص ونفي التشريك ، وأن يكون الداعي والمحرّك إلى العمل هو الأمر الإلهي كما في سائر الأُمور العباديّة.

(٣) فإنّ العمل إذا كان عباديّاً يجب أن يكون العمل من أوّله إلى آخره مقارناً للنيّة ، فلا بدّ من أن يكون الإحرام بتمام أجزائه صادراً عن النيّة والقصد والقربة ، فلو صدر بعض الأجزاء بلا نيّة لا يترتب الأثر على العمل إذ لم يأت بالعمل المأمور به.

هذا لو بنينا على أنّ الإحرام عبارة عن التلبية فالأمر واضح ، فلو سبق لسانه بأوّل جزء من التلبية من دون قصد وأتى ببقيّة الأجزاء مع النيّة لا يجزي ذلك عمّا وجب عليه من التلبية.

نعم ، لو التزمنا بأنّ الإحرام عبارة عن الالتزام النفساني بالتروك وعقد القلب عليه ، فهو أمر بسيط نفساني إمّا موجود أو معدوم ، ولا يتصوّر فيه أوّل أو آخر ، فلا يتصوّر فيه حصول القصد في الأثناء.

(٤) لأنّ الحجّ له أقسام كثيرة مختلفة ، فإذا لم يقصد أمراً معيّناً وقسماً خاصّاً في مقام الامتثال لا يقع ما أتى به عن شي‌ء منها ، فإنّ امتثال كل أمر يتوقف على قصده

٢٥٢

مسألة ١٧٧ : لا يعتبر في صحّة النيّة التلفظ ولا الإخطار بالبال ، بل يكفي الداعي كما في غير الإحرام من العبادات (١).

______________________________________________________

معيّناً ، ولا يتعيّن إلّا بالقصد حين الإتيان بالعمل ، فلو فرضنا أنّه أحرم وقصد أن يعيّنه بعد ذلك بحيث كان العمل حين الإتيان به غير معين ، لا يكفي هذا في مقام الامتثال.

نعم ، يكفي التعيين الإجمالي ، بأن يقصد المتعيّن واقعاً وإن كان لا يدري به فعلاً ، كما لو فرضنا أنّه عيّنه سابقاً وكتبه في دفتره الخاص ولكن نسي ما كتبه وعيّنه ، فيقصد الإحرام على النحو الّذي كتبه ، فإنّ هذا يكون مجزياً في مقام الامتثال ، لأنّ الفرد متعيّن واقعاً ، والمفروض أنّه يقصد الفرد المعيّن الواقعي ولا يضر جهله به بالفعل نظير تعيين البسملة إلى سورة خاصّة ، كما إذا قرأ البسملة وقصد بها السورة الّتي بعد هذه الصفحة وهو لا يعلم السورة بالفعل.

(١) فإنّ النيّة عبارة عن القصد ، وهو يتحقق وإن لم يتلفظ به ، والميزان في صحّة العمل القربي استناد الفعل إلى الله تعالى بحيث يكون أمره سبحانه محرّكاً وداعياً إليه ولا يلزم أزيد من ذلك كما هو الحال في جميع العبادات.

نعم ، يستفاد من جملة من الأخبار استحباب التلفّظ بالنيّة في خصوص باب الحجّ ، للأمر به في النصوص :

منها : صحيح حماد «اللهمّ إنّي أُريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك ، وإن شئت أضمرت الّذي تريد» (١).

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار في حديث «اللهمّ إنّي أُريد التمتّع بالعمرة إلى الحجّ على كتابك وسنّة نبيّك (صلّى الله عليه وآله وسلم)» (٢).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٤٢ / أبواب الإحرام ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٤٠ / أبواب الإحرام ب ١٦ ح ١.

٢٥٣

مسألة ١٧٨ : لا يعتبر في صحّة الإحرام العزم على ترك محرماته حدوثاً وبقاءً إلّا الجماع والاستمناء ، فلو عزم من أوّل الإحرام في الحجّ على أن يجامع زوجته أو يستمني قبل الوقوف بالمزدلفة أو تردد في ذلك ، بطل إحرامه على وجه ، وأمّا لو عزم على الترك من أوّل الأمر ولم يستمر عزمه ، بأن نوى بعد تحقق الإحرام الإتيان بشي‌ء منهما لم يبطل إحرامه (١).

______________________________________________________

ومنها : صحيح ابن سنان «إذا أردت الإحرام والتمتّع فقل : اللهمّ إنّي أُريد ما أمرت به من التمتّع بالعمرة إلى الحجّ» (١).

وفي بعض الرّوايات ما يظهر منه استحباب الإضمار وعدم التلفّظ ففي صحيح منصور بن حازم «أمرنا أبو عبد الله (عليه السلام) أن نلبّي ولا نسمِّي شيئاً ، وقال : أصحاب الإضمار أحب إليّ» (٢) وحملوا هذه الرّوايات على التقيّة جمعاً بين الأخبار كما عن المنتهي (٣) والمدارك (٤).

ويمكن أن يقال : إنّ ما دلّ على استحباب الإضمار يراد به عدم الإظهار بالعمرة أو الحجّ ، لا استحباب إضمار النيّة وعدم التلفظ بها ، فإنّه بذلك يجمع بين التلفظ بالنيّة والتقيّة.

(١) لأنّ الإحرام ليس هو الالتزام وتوطين النفس على ترك المحرمات ، بل الإحرام عبارة عن التلبية الموجبة للإحرام والدخول في الحرمة أو عمّا يترتب على التلبية ، فالإحرام اسم للسبب أو للمسبب ، فهو نظير الأفعال التوليديّة المترتبة على عناوين خاصّة كالطهارة المترتبة على الوضوء أو الغسل ، ولذا قد يؤمر بالغسل وقد يؤمر بالطهارة كقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) وقوله تعالى (... وَلا جُنُباً إِلّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا) ... وهكذا المقام ، فإنّه قد أُمر في الرّوايات تارة

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٤١ / أبواب الإحرام ب ١٦ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٤٤ / أبواب الإحرام ب ١٧ ح ٥.

(٣) المنتهي ٢ : ٦٧٦ ، السطر ٢٤.

(٤) لاحظ المدارك ٧ : ٣٠٠.

٢٥٤

الأمر الثّاني : التلبية ، وصورتها أن يقول : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، والأحوط الأولى إضافة هذه الجملة : إنّ الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك لبّيك. ويجوز إضافة لك إلى الملك بأن يقول : والملك لك لا شريك لك لبّيك (١).

______________________________________________________

بالإحرام ، واخرى بالتلبية ، فهما في الحقيقة شي‌ء واحد.

فالعزم على ترك المحرمات خارج عن حقيقة الإحرام ، وإنّما هي أحكام مترتبة على الإحرام ، لا أنّها نفس الإحرام ، فلا يضرّ الإتيان بها في الخارج في عقد الإحرام فضلاً عن العزم عليها ، فإنّ الإتيان بها خارجاً إذا لم يكن منافياً لعقد الإحرام فالعزم عليها بطريق أولى.

نعم ، لو كان بعض التروك والمحرمات موجباً لبطلان الإحرام كالجماع والاستمناء فالعزم عليهما من الأوّل يوجب بطلان إحرامه ، لا لأجل أنّ الإحرام هو العزم على ترك المحرمات ، بل لمنافاة ذلك لقصد الإحرام الصحيح ، فإنّ المنوي إذا كان منافياً للحج فالعزم عليه يلازم عدم القصد إلى الحجّ حقيقة.

والحاصل : بقيّة المحرمات محرمات تكليفيّة محضة ، وأمّا الجماع والاستمناء فيجتمع فيهما الحكمان التكليفي وهو الحرمة والوضعي وهو الفساد.

نعم ، لو كان عازماً على تركهما من أوّل الأمر ولكنّه لم يستمر على عزمه ونوى الإتيان بشي‌ء منهما بعد تحقق الإحرام منه لم يبطل إحرامه ، لأنّ الإحرام قد تحقق وانعقد صحيحاً ، ولا دليل على بطلانه بمجرّد العزم عليهما بعد وقوع الإحرام صحيحاً.

(١) يدل على وجوب التلبيات الأربع المذكورة في المتن صحيح معاوية بن عمار في حديث قال : «التلبية أن تقول : لبّيك اللهمّ لبّيك ، لبّيك لا شريك لك لبّيك ، إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبّيك ثمّ قال (عليه السلام) واعلم أنّه لا بدّ من التلبيات الأربع الّتي كن في أوّل الكلام ، وهي الفريضة وهي التوحيد» الحديث (١).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٨٢ / أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.

٢٥٥

مسألة ١٧٩ : على المكلّف أن يتعلّم ألفاظ التلبية ويحسن أداءها بصورة صحيحة كتكبيرة الإحرام في الصلاة ، ولو كان ذلك من جهة تلقينه هذه الكلمات من قبل شخص آخر ، فإذا لم يتعلّم تلك الألفاظ ولم يتيسر له التلقين يجب عليه التلفظ بها بالمقدار الميسور ، والأحوط في هذه الصورة الجمع بين الإتيان بالمقدار الّذي يتمكّن منه والإتيان بترجمتها ، والاستنابة لذلك (١).

______________________________________________________

فإنّها صريحة في أنّ الواجب هو التلبيات الأربع الّتي ذكرها في أوّل الحديث ، وأمّا البقيّة فهي مستحبّة ، ولا دليل على وجوب الزيادة على ذلك ولا على غير هذه الكيفيّة.

بل يمكن أن يقال : بأنّ المستفاد من النصوص لزوم الإتيان بالتلبيات الأربع المذكورة في صحيح معاوية بن عمار بأيّ كيفيّة أتى بها ، ولو بالفصل بينها بدعاء أو ذكر أو كلام آدمي ما لم يضر ذلك في صدق عنوان التلبية.

(١) لا شك في أنّ اللّازم على المكلّف الإتيان بالتلبيات على الوجه الصحيح بمراعاة أداء الكلمات على طبق القواعد العربيّة وأداء الحروف من مخارجها ، فلا يجزئ الملحون مع التمكّن من الصحيح ولو بتلقين شخص إيّاه ، وذلك لأنّ المأمور به هو التلبية الصحيحة المذكورة في صحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة ، حيث إنّ الإمام (عليه السلام) قرأ هذه الكلمات على الوجه الصحيح ، فهذا هو الّذي تعلّق به الأمر ولا دليل على الاجتزاء بالملحون ، ولا خلاف في ذلك.

وإنّما وقع الخلاف فيما إذا لم يتمكّن من أداء الصحيح ولو بالطرق العادّية فماذا يجب عليه؟ فهل يكتفي بالملحون أو يستنيب أو يأتي بترجمتها؟

ربما يقال : بأنّ مقتضى الجمع بين قاعدة الميسور وخبر زرارة «إنّ رجلاً قدم حاجّاً لا يحسن أن يلبي فاستفتي له أبو عبد الله (عليه السلام) ، فأمر له أن يلبّى عنه» (١) هو الإتيان بالملحون والاستنابة ، لأنّ مقتضى قاعدة الميسور هو الاجتزاء بالملحون ومقتضى الخبر لزوم الاستنابة.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٨١ / أبواب الإحرام ب ٣٩ ح ٢.

٢٥٦

مسألة ١٨٠ : الأخرس يشير إلى التلبية بإصبعه مع تحريك لسانه ، والأولى أن يجمع بينها وبين الاستنابة (١).

مسألة ١٨١ : الصبي غير المميز يلبى عنه (٢).

______________________________________________________

والجواب عنه : أنّ خبر زرارة لو تمّ سنداً فالمتعيّن الاستنابة ولا حاجة إلى القاعدة ، وإن كان ضعيفاً فلا ملزم للاستنابة ، ولكن الرّواية ضعيفة سنداً بياسين الضرير فإنّه لم يوثق ، وأمّا قاعدة الميسور فقد ذكرنا غير مرّة أنّها غير تامّة في نفسها فلا يصلح أن تكون سنداً لحكم شرعي.

والظاهر هو الاجتزاء بالملحون فيما إذا لم يتمكّن من الصحيح ، لمعتبرة مسعدة بن صدقة ، قال : «سمعت جعفر بن محمّد (عليه السلام) يقول : إنّك قد ترى من المحرم من العجم لا يراد منه ما يراد من العالم الفصيح ، وكذلك الأخرس في القراءة في الصلاة والتشهّد وما أشبه ذلك ، فهذا بمنزلة العجم ، والمحرم لا يراد منه ما يراد من العاقل المتكلم الفصيح» الحديث (١) فإنّها واضحة الدلالة على جواز الاكتفاء بالملحون لكل من لا يتمكّن من القراءة الصحيحة ، سواء في الصلاة أو في التلبية ، فلا حاجة إلى الترجمة والاستنابة ، فمفادها مفاد قاعدة الميسور ، ولذا صرّح سيِّدنا الأُستاذ (دام ظله) في تعليقته على العروة بأنّ الأظهر جواز الاكتفاء بالملحون (٢).

نعم ، لا ريب أنّ الأحوط ضمّ الاستنابة إليه وأحوط منه ضمّ الترجمة إليه أيضاً.

(١) يدل عليه موثق السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «تلبية الأخرس وتشهّده وقراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه وإشارته بإصبعه» (٣).

(٢) يدل عليه صحيح زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «إذا حجّ الرّجل بابنه وهو صغير فإنّه يأمره أن يلبي ويفرض الحجّ ، فإن لم يحسن أن يلبي لبّوا عنه

__________________

(١) الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٥٩ ح ٢.

(٢) العروة الوثقى ٢ : ٣٦١ / ٣٢٤٣ (تعليقة ٢).

(٣) الوسائل ٦ : ١٣٦ / أبواب قراءة الصلاة ب ٥٩ ح ١ ، ١٢ : ٣٨١ / أبواب الإحرام ب ٣٩ ح ١.

٢٥٧

مسألة ١٨٢ : لا ينعقد إحرام حجّ التمتّع وإحرام عمرته وإحرام حجّ الإفراد وإحرام العمرة المفردة إلّا بالتلبية ، وأمّا حجّ القِران فكما يتحقق إحرامه بالتلبية يتحقق بالإشعار أو التقليد (١).

______________________________________________________

ويطاف به ويصلّى عنه» الحديث (١).

(١) لا إشكال في أنّ التلبية ثابتة في جميع أقسام العمرة والحجّ حتّى حجّ القِران وبها يتحقق الإحرام ، وهي الّتي توجب الدخول في حرمة الله تعالى ، وما لم يلب يجوز له ارتكاب المنهيات المعهودة.

ففي صحيح الحلبي قال : «سألته لِمَ جعلت التلبية؟ فقال : إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى إبراهيم أن (أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (٢) فنادى فأُجيب من كل وجه يلبّون» (٣) ويظهر منه أنّ التلبية استجابة لله تعالى ولا تختص بقسم خاص من أقسام الحجّ.

وفي صحيحة معاوية بن وهب «تحرمون كما أنتم في محاملكم تقول : لبّيك ...» إلى آخر الحديث (٤).

وفي صحيحة معاوية بن عمار «واعلم أنّه لا بدّ من التلبيات الأربع الّتي كن في أوّل الكلام ، وهي الفريضة وهي التوحيد وبها لبّى المرسلون» (٥).

وفي صحيحة عبد الرّحمن «في الرّجل يقع على أهله بعد ما يعقد الإحرام ولم يلب قال : ليس عليه شي‌ء» (٦) والمراد بقول السائل : بعد ما يعقد الإحرام ، أي بعد ما عزم على الإحرام.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٨ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٧ ح ٥.

(٢) الحجّ ٢٢ : ٢٧.

(٣) الوسائل ١٢ : ٣٧٤ / أبواب الإحرام ب ٣٦ ح ١.

(٤) الوسائل ١٢ : ٣٨٢ / أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٨٢ / أبواب الإحرام ب ٤٠ ح ٢.

(٦) الوسائل ١٢ : ٣٣٣ / أبواب الإحرام ب ١٤ ح ٢.

٢٥٨

والإشعار مختص بالبدن ، والتقليد مشترك بين البدن وغيرها من أنواع الهدي والأولى الجمع بين الإشعار والتقليد في البدن ، والأحوط التلبية على القارن وإن كان عقد إحرامه بالإشعار أو التقليد (١).

______________________________________________________

ويظهر من هذه الرّوايات أنّ التلبية ثابتة في الحجّ وأنّ الإحرام لا ينعقد إلّا بها هذا كلّه بالنسبة إلى مطلق الحجّ.

وأمّا في خصوص حجّ القِران ، فالمعروف بينهم أنّه لا يتعيّن عليه التلبية ، بل الحاج مخير بين عقد الإحرام بالتلبية أو بالإشعار أو التقليد وتدل عليه النصوص :

منها : صحيحة معاوية بن عمار قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» (١).

وفي صحيحة أُخرى له «والإشعار والتقليد بمنزلة التلبية» (٢).

فما عن السيِّد (٣) وابن إدريس (٤) من عدم انعقاد الإحرام حتّى في حجّ القِران إلّا بالتلبية ضعيف مردود بهذه الرّوايات.

كما أنّ ما نسب إلى الشيخ من أنّ انعقاد الإحرام بالإشعار متوقف على العجز من التلبية (٥) ضعيف بإطلاق الرّوايات المتقدّمة.

(١) أمّا اختصاص البدن بالإشعار وعدم ثبوته في غيره فقد يظهر من صحيح عمر بن يزيد «من أشعر بدنته فقد أحرم» (٦) إذ لو كان الإشعار ثابتاً في غير البدنة لكان ذكر البدنة بخصوصها لغواً ، لأنّ الظاهر من القيد عدم سريان الحكم إلى

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٢٠.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٧٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ١١.

(٣) الإنتصار : ٢٥٣.

(٤) السرائر ١ : ٥٣٢.

(٥) المبسوط ١ : ٣٠٧.

(٦) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٢١.

٢٥٩

ثمّ إنّ الإشعار هو شقّ السنام الأيمن بأن يقوم المحرم من الجانب الأيسر من الهدي ويشق سنامه من الجانب الأيمن ويلطّخ صفحته بدمه. والتقليد هو أن يعلّق في رقبة الهدي نعلاً خَلِقاً قد صلّى فيها (١).

______________________________________________________

الطبيعي ، وإلّا لكان ذكر القيد لغواً ، بل يكفينا في اختصاص الإشعار بالبدن عدم الدليل على ثبوته في غيره.

وأمّا اشتراك التقليد بين جميع أقسام الهدي فيدل عليه جملة من الرّوايات (١).

ثمّ إنّه في البدن مخيّر بين الإشعار والتقليد كما يدل عليه إطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدّمة وغيرها.

ولكن الأولى هو الجمع بين الإشعار والتقليد في البدن ، لصحيح معاوية بن عمار «البدن تشعر في الجانب الأيمن ويقوم الرّجل في الجانب الأيسر ، ثمّ يقلّدها بنعل خلق قد صلّى فيها» (٢).

وأولى من ذلك هو الجمع بين التلبية والإشعار والتقليد وعدم الاكتفاء بالإشعار أو التقليد ، خروجاً عن مخالفة السيِّد المرتضى والحلي.

(١) لا ريب في أنّ المعتبر في كيفيّة الإشعار أن يشق سنامه من الجانب الأيمن ولا يتحقق بسائر أعضائه.

نعم ، يستثني من ذلك صورة واحدة ، وهي ما لو كانت معه بدن كثيرة فيجوز للرجل أن يدخل بين اثنين منهما فيشعر هذه من الجانب الأيمن ويشعر هذه من الجانب الأيسر ، كما يدل عليه صحيح حريز «إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرّجل بين كل بدنتين فيشعرها هذه من الشق الأيمن ويشعر هذه من الشق الأيسر» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٧٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٩ وغيره.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٧٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ١٩.

٢٦٠