موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

الرّابع : أنّه إذا زالت الشمس من يوم التروية وخاف فوت الوقوف فله العدول وإن لم يخف الفوت فهو مخير بين العدول والإتمام ، حكاه صاحب الجواهر عن بعض متأخري المتأخرين (١).

الخامس : زوال يوم التروية ، فإن تمكّن من إتمام عمرته قبل زوال يوم التروية فهو ، وإلّا بطلت متعته ويجعلها حجّة مفردة ، حكي ذلك عن والد الصدوق (٢) والمفيد (٣).

السّادس : غروب الشمس من يوم التروية اختاره الصدوق في المقنع (٤) والحلبي (٥).

السّابع : ظهر يوم عرفة عن الشيخ في النهاية (٦).

ومنشأ الاختلاف اختلاف الأخبار الواردة في المقام وهي على طوائف ، فينبغي أن نتكلّم أوّلاً فيما تقتضيه القاعدة ، وثانياً فيما تقتضيه النصوص ، فإن لم يمكن العمل بها لتعارضها واختلافها فالمرجع حينئذ هو القاعدة.

أمّا الأوّل : فلا إشكال في أنّ القاعدة تقتضي عدم جواز العدول عمّا هو وظيفته إلى غيرها ، فمن وجب عليه حجّ التمتّع لا ينتقل فرضه إلى غيره من القسمين الآخرين الإفراد والقِران إلّا بدليل خاص. فلو فرضنا أنّه لم يتمكّن من إتيان حجّ التمتّع ابتداءً أو إتماماً يكشف ذلك عن عدم وجوب حجّ التمتّع عليه من أوّل الأمر ، والانقلاب إلى غيره يحتاج إلى دليل خاص.

وأمّا الثّاني : فاعلم أنّ الرّوايات الّتي دلّت على حدّ الضيق المسوّغ للعدول على أقسام.

__________________

(١) الجواهر ١٨ : ٣٥.

(٢) حكى عنه في المختلف ٤ : ٢٣١.

(٣) حكى عنه في السرائر ١ : ٥٨٢ ، والموجود في المقنعة : ٤٣١ خلافه كما نبّه عليه في المختلف.

(٤) المقنع : ٢٦٥.

(٥) الكافي للحلبي : ١٩٤.

(٦) النهاية ٢٤٧.

٢٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : ما دلّ على أنّ العبرة بخوف فوت الوقوفين كمعتبرة يعقوب بن شعيب الميثمي قال : «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : لا بأس للمتمتع أن يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوت الموقفين» (١). والرّواية كما ذكرنا معتبرة فإنّ إسماعيل بن مرار الواقع في السند ثقة ، لأنّه من رجال تفسير علي بن إبراهيم وقد وثق في مقدّمة التفسير جميع رواته (٢).

ولكن الرّواية أجنبيّة عن المقام ، لأنّها واردة في إنشاء إحرام الحجّ وفي مقام بيان أنّ إحرام الحجّ غير موقت بوقت خاص وأنّه يجوز الإحرام له في أيّ زمان شاء ما لم يخف فوت الموقفين ، وكلامنا في من أحرم لعمرة التمتّع وضاق وقته عن إتمامها.

الثّاني : ما دلّ على الاكتفاء بدرك الموقف في الجملة ، ويستفاد ذلك من نصوص عديدة.

منها : خبر محمّد بن مسرور قال «كتبت إلى أبي الحسن الثّالث (عليه السلام) ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحجّ وافى غداة عرفة وخرج الناس من منى إلى عرفات ، أعمرته قائمة أو ذهبت منه ، إلى أيّ وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعاً بالعمرة إلى الحجّ فلم يواف يوم التروية ولا ليلة التروية ، فكيف يصنع؟ فوقّع (عليه السلام) ساعة يدخل مكّة إن شاء الله يطوف ويصلّى ركعتين ويسعى ويقصّر ، ويحرم بحجّته ويمضي إلى الموقف ويفيض مع الإمام» (٣).

والمستفاد منه جواز الاكتفاء بدرك موقف عرفة ولو آناً ما فإنّ أمره (عليه السلام) بالمضي إلى موقف عرفة ليدرك الإمام هناك ليفيض معه إلى المشعر مستلزم لدرك موقف عرفة بمقدار المسمّى ، فالرواية واضحة الدلالة على الاجتزاء بالوقوف الركني من موقف عرفة ، ولكن الإشكال في السند ، فإنّ المذكور في السند محمّد بن مسرور كما في الوسائل ، ومحمّد بن سرو أو محمّد بن سرد كما في التهذيب (٤) وعلى كل تقدير لم

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٥.

(٢) تفسير القمي ١ : ٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٩٥ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ١٦.

(٤) التهذيب ٥ : ١٧١.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

يثبت فيه توثيق.

وذكر صاحب المنتقى أنّ الرّاوي ليس محمّد بن سرد أو سرو ، بل هو محمّد بن جزك وهو ثقة (١).

ولكن ما ذكره مجرد ظن لا يمكن الاعتماد عليه ، وعبد الله بن جعفر وإن كان يروي عن محمّد بن جزك ولكنّه لا يكون قرينة على أنّ الواقع في السند محمّد بن جزك لاحتمال أنّ عبد الله بن جعفر يروي عمن اسمه محمّد بن سرو أو سرد.

ومن جملة هذه الرّوايات صحيحة الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جميعاً ثمّ قدم مكّة والنّاس بعرفات فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف قال : يدع العمرة فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه» (٢) ومقتضى إطلاقها أنّ العبرة في إتمام عمرة التمتّع بدرك الموقف في الجملة ، فمن يفوت منه الموقف بتمامه يعدل إلى الإفراد ، أمّا من يتمكّن من درك الموقف ولو بمقدار المسمّى فليس له العدول إلى الإفراد ، بل يستمر في عمرته.

وقد يقال : إنّ المتفاهم من الصحيحة دوران العدول وعدمه مدار إمكان درك الموقف وعدمه ، والوقوف الواجب إنّما هو بين الظهر إلى الغروب ، فلا فرق في فوت الموقف بين كون الفائت واجباً ركنيّاً أو غيره.

والجواب : أنّ المفروض في الرّواية أنّ الرّجل دخل مكّة عند ما كان الناس بعرفات ، فلا يمكن له درك الموقف بتمامه من الظهر إلى الغروب ، بل يفوت عنه بعض الموقف قطعاً عدل أم لم يعدل ، لأنّ السير من مكّة إلى عرفات ابتداءً من الظهر يستغرق زمناً كثيراً يفوت به بعض الموقف عنه ، فلا معنى لسؤاله من الإمام (عليه السلام) أنّه يخشى فوت الموقف ، فلا بدّ أن يكون سؤاله ناظراً إلى فوت الوقوف الرّكني ، فتكون العبرة بخشية فوت الوقت الرّكني.

__________________

(١) منتقى الجمان ٣ : ٣٤٠.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٩٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ٦.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيحة جميل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحجّ إلى زوال الشمس من يوم النحر» (١).

فإنّها تدل على جواز إتمام عمرة التمتّع إلى زوال الشمس من يوم عرفة ، ولا ريب أنّ السير من مكّة إلى عرفات ابتداءً من الزوال خصوصاً في الأزمنة السابقة يحتاج إلى زمان لا يقل عن أربع ساعات ، لأنّ المسافة بين مكّة وعرفات أربعة فراسخ تقريباً ، ولذا تقصّر الصلاة في عرفات ، فلا يدرك المتمتع الموقف بتمامه وإنّما يدرك الرّكن منه وهو المسمّى ، فالرواية تدل على استمراره في عمرته ما لم يفت منه الموقف الرّكني ، فيجوز الاكتفاء بالموقف الاختياري الرّكني ، فمدلول هذه الرّواية تطابق القاعدة المقتضية لصحّة الحجّ إذا أدرك الموقف الرّكني ، ولذا حكي عن السيِّد في المدارك أنّ الرّواية نص في المطلوب (٢).

القسم الثّالث : الروايات الدالّة على التحديد بإدراك الناس بمنى ، والمراد به ليلة عرفة لاستحباب المبيت في منى ليلة عرفة وفي صبيحتها يذهب إلى عرفات.

فمنها : صحيحة شعيب العقرقوفي قال : «خرجت أنا وحديد فانتهينا إلى بستان يوم التروية فتقدمت على حمار فقدمت مكّة فطفت وسعيت وأحللت من تمتعي ثمّ أحرمت بالحج ، وقدم حديد من اللّيل فكتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أستفتيه في أمره ، فكتب إليّ مره يطوف ويسعى ويحل من متعته ويحرم بالحج ويلحق الناس بمنى ولا يبيتنّ بمكّة» (٣).

ومنها : صحيحة ابن مسلم قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : إلى متى يكون للحاج عمرة؟ قال : إلى السحر من ليلة عرفة» (٤).

فإنّ تحديد إتيان العمرة بالسحر من ليلة عرفة يقتضي الالتحاق بالناس بمنى في ليلة عرفة.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٥ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ١٥.

(٢) المدارك ٧ : ١٧٧.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٩٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٤.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٩٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٩.

٢٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنها : صحيحة أبي بصير قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : المرأة تجي‌ء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة فقال : إن كانت تعلم أنّها تطهر وتطوف بالبيت وتحل من إحرامها وتلحق الناس بمنى فلتفعل» (١). ورواها أيضاً في أبواب الطّواف عن محمّد بن أبي حمزة عن بعض أصحابه عن أبي بصير وفيها «فيكون طهرها يوم عرفة» (٢). والجواب عن هذه الرّوايات أوّلاً : أنّه لا قائل بمضمونها.

وثانياً : أنّه يمكن حملها على التقيّة.

وثالثاً : أنّ التحديد بإدراك الناس بمنى أي ليلة عرفة باعتبار أنّه إذا لم يلتحق الحاج الناس بمنى فربما يفوته موقف عرفة ، لبعد المسافة بين مكّة وعرفات لا سيما إذا كان الحاج من الضعفاء أو كانت امرأة ، وأمّا إذا ذهب الحاج إلى منى ليلة عرفة يمكنه الوصول إلى عرفة بسهولة.

ورابعاً : أنّ هذه الأخبار معارضة بصحيحتي جميل والحلبي (٣) اللّتين دلّتا على أنّ العبرة بخوف فوت الرّكن من الوقوف ، والترجيح معهما لموافقتهما للكتاب والسنّة باعتبار أن من كانت وظيفته حجّ التمتّع لا يجوز له العدول إلى الإفراد والقِران إلّا بالمقدار المتيقن وهو ما لم يدرك موقف عرفة أصلاً.

القسم الرّابع : ما دلّ على التحديد بيوم التروية كصحيحة علي بن يقطين «وحد المتعة إلى يوم التروية» (٤) وفي بعض الرّوايات حدّد بزوال الشمس من يوم التروية كصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع (٥) وفي بعضها جعل العبرة بغروب الشمس من يوم التروية كما في صحيحة عيص بن القاسم (٦).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٤٩ / أبواب الطّواف ب ٨٤ ح ٤.

(٣) المتقدمتين في ص ٢٠٣ ، ٢٠٤.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٩٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ١١.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٩٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ١٤.

(٦) الوسائل ١١ : ٢٩٤ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ١٠.

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والجواب عن هذه الرّوايات أوّلاً بأنّها معارضة بالروايات المتقدّمة الدالّة على جواز إتيان عمرة التمتّع إلى إدراك الناس بمنى ، أي ليلة عرفة الّتي يستحب المبيت فيها في منى ، بل في بعضها أنّ الإمام (عليه السلام) أتى بأعمال عمرة التمتّع ليلة عرفة (١).

وثانياً : معارضة لصحيحتي الحلبي وجميل الدالّتين على أنّ العبرة بدرك الوقوف الرّكني لعرفة وهو المسمّى منه.

ثمّ إنّ بعضهم ذهب إلى التخيير بين التمتّع والإفراد إذا فات زوال يوم التروية أو تمامه ، وزعم أنّ ذلك مقتضى الجمع بين النصوص.

والجواب عنه : إن كان مراده من التخيير التخيير في المسألة الأُصوليّة نظراً إلى تعارض الأخبار ، فيرد عليه : أنّ التخيير في تعارض الأخبار غير ثابت كما بيّن في علم الأُصول. على أنّ التخيير في المسألة الأُصوليّة وظيفة المجتهد لا العامي ، فإنّ المجتهد يتخيّر في الحجيّة ويفتي على طبق ما اختاره وليس ذلك وظيفة العامي.

وإن كان مراده من التخيير التخيير في الحكم الفرعي ، بمعنى أنّ الجمع العرفي بين الرّوايات يقتضي ذلك نظير التخيير بين القصر والإتمام.

ففيه : أنّه لا يمكن تطبيق ذلك على ما نحن فيه ، لأنّ التخيير إنّما يحكم به فيما إذا كان إطلاق كلّ من الدليلين ظاهراً في الوجوب التعييني ، فنرفع اليد عن ظهور كلّ منهما في التعيين بقرينة الأمر بالآخر ونتيجة ذلك هي التخيير ، ولا يمكن ذلك في المقام ، لأنّ الأخبار في المقام متعارضة نفياً وإثباتاً ، ومعه لا يصح الحمل على التخيير ، فإنّ بعض الرّوايات ينفي المتعة إلى يوم عرفة أو إلى ليلة عرفة ، وبعضها ينفي التمتّع إلى الموقف الرّكني من عرفة على ما عرفت ومعه لا مجال للحمل على التخيير.

فتلخص : أنّ حدّ الضيق المسوّغ للعدول من التمتّع إلى الإفراد أو القِران إنّما هو خوف فوات الرّكن من الوقوف الاختياري لعرفة وهو المسمّى منه ، استناداً إلى صحيحة الحلبي وصحيحة جميل المتقدّمتين (٢) وغيرهما.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩١ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٠ ح ٢.

(٢) في ص ٢٠٣ ، ٢٠٤.

٢٠٦

مسألة ١٥٦ : إذا علم من وظيفته التمتّع ضيق الوقت عن إتمام العمرة ، وإدراك الحجّ قبل أن يدخل في العمرة لم يجز له العدول من الأوّل ، بل وجب عليه تأخير الحجّ إلى السنة القادمة (١).

مسألة ١٥٧ : إذا أحرم لعمرة التمتّع في سعة الوقت وأخّر الطّواف والسعي متعمّداً إلى زمان لا يمكن الإتيان فيه بهما وإدراك الحجّ بطلت عمرته ، ولا يجوز له العدول إلى الإفراد على الأظهر لكن الأحوط أن يعدل إليه ويتمّها بقصد الأعم من حجّ الإفراد والعمرة المفردة (٢).

______________________________________________________

ومن جميع ما ذكرنا يظهر حال بقيّة الرّوايات كما يظهر ضعف بقيّة الأقوال.

(١) لعدم الدليل على جواز العدول في هذه الصورة ، وما دلّ عليه إنّما ورد في من دخل في عمرة التمتّع ثمّ ضاق وقته عن إتمامها.

فمن لم يتمكّن من حجّ التمتّع ومن أداء وظيفته من أوّل الأمر لا يجب عليه الحجّ ، بل يجب عليه تأخيره حتّى يتمكّن من أداء ما هو وظيفته.

(٢) صور المسألة أربع :

الأُولى : جواز العدول إلى الإفراد ، لإطلاق الرّوايات الدالّة على جواز العدول لشمولها للعامد وغيره ، وإنّما يكون العامد آثماً في التأخير كما في نظائر المقام من التأخير العمدي ووصول الأمر إلى البدل الاضطراري كما إذا أخّر الصلاة عمداً حتّى ضاق الوقت عن الغسل أو الوضوء ، فإنّه يجب عليه التيمم حينئذ وتصح صلاته بلا إشكال وإن كان عاصياً في التأخير.

والجواب في ذلك : أنّ مورد الأخبار من كان عاجزاً في نفسه ، ولا إطلاق لها يشمل من كان متمكّناً ولكنّه بالاختيار جعل نفسه عاجزاً ، وحيث إنّ العدول على خلاف القاعدة فاللّازم هو الاقتصار على مورد الأخبار. ونتيجته عدم جواز العدول في التعجيز الاختياري.

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا قياس المقام بباب الصلاة كما في المستمسك (١) ففي غير محلِّه ، لأنّ الصلاة لا تسقط بحال إجماعاً قطعيّاً ، ويستفاد ذلك ممّا ورد في المستحاضة من قوله (عليه السلام) : «لا تدع الصلاة على حال» (٢) إذ لا نحتمل الاختصاص بالمستحاضة أو بالنِّساء ، فالصلاة لا بدّ من إتيانها بأي نحو كان ولو بتعجيز نفسه اختياراً عن القيام بأدائها كاملة.

الثّانية : أنّه يأتي بعمرة التمتّع كاملة ويكتفي بالوقوف الاضطراري لعرفة ، أو يأتي بالوقوف الاختياري للمشعر أو الوقوف الاضطراري له ، لأنّ المفروض عدم شمول أخبار العدول للمقام ، فيتم عمرة التمتّع ويأتي بأحد المواقف الثلاثة ، لإطلاق ما دلّ على أن من أدرك المشعر فقد تمّ حجّه.

وفيه : أنّ ما دلّ على الاكتفاء بالوقوف الاضطراري أو الاجتزاء بالوقوف في المشعر وإن لم يدرك عرفة أصلاً مختص بما إذا كان الاضطرار حاصلاً بطبعه وبنفسه ولا يشمل ما إذا جعل نفسه عاجزاً اختياراً ، فالقاعدة تقتضي فساد الحجّ.

الثّالثة : أن يجعل عمرته مفردة كمن أحرم للحج ولم يدرك المشعر أصلاً ، فإنّ عمرته تبطل ولا يبطل إحرامه ، وهذا أيضاً لا دليل عليه.

الرّابعة : الحكم ببطلان عمرته وإحرامه ، فإنّ الإحرام الصحيح هو الإحرام الّذي يتعقبه الطّواف في عمله هذا ، فإذا لم يتعقبه الطّواف ولو اختياراً انكشف بطلان إحرامه من الأوّل.

ولكن مع ذلك الأحوط العدول بقصد الأعم من إتمامها حج إفراد أو عمرة مفردة ولا يكتفي بذلك إذا كان الحجّ واجباً عليه.

__________________

(١) المستمسك ١١ : ٢٣٤.

(٢) الوسائل ٢ : ٣٧٣ / أبواب الاستحاضة ب ١ ح ٥.

٢٠٨

حجّ الإفراد

مرّ عليك أنّ حج التمتّع يتألّف من جزأين هما : عمرة التمتّع والحجّ ، والجزء الأوّل متصل بالثاني والعمرة تتقدم على الحجّ.

أمّا حجّ الإفراد فهو عمل مستقل في نفسه واجب كما علمت على من يكون الفاصل بين منزله وبين المسجد الحرام أقل من ستّة عشر فرسخاً ، وفيما إذا تمكّن مثل هذا المكلّف من العمرة المفردة وجبت عليه بنحو الاستقلال أيضاً.

وعليه فإذا تمكّن من أحدهما دون الآخر وجب عليه ما يتمكّن منه خاصّة ، وإذا تمكّن من أحدهما في زمان ومن الآخر في زمان آخر وجب عليه القيام بما تقتضيه وظيفته في كل وقت ، وإذا تمكّن منهما في وقت واحد وجب عليه حينئذ الإتيان بهما ، والمشهور بين الفقهاء في هذه الصورة وجوب تقديم الحجّ على العمرة المفردة وهو الأحوط (١).

______________________________________________________

(١) قد ذكرنا في البحث عن العمرة أنّها واجبة على نحو الاستقلال على كلّ من استطاع لها خاصّة ولو لم يستطع للحج (١) ، ولكن الظاهر عدم وجوبها منفردة على من كانت وظيفته حجّ التمتّع ، ولم يكن مستطيعاً له وإن استطاع لها.

وقد عرفت أنّ العمرة والحجّ مرتبطان لا ينفك أحدهما عن الآخر ، ولا يشرع أحدهما إلّا لمن شرع له الآخر إجماعاً ونصّاً ، بخلاف حجّ الإفراد فإنّه يجوز الإتيان بأحد النسكين دون الآخر في التطوّع ، وكذلك في الواجب إذا استطاع لأحدهما دون الآخر ، أو نذر أحدهما أو استؤجر لأحدهما دون الآخر ، فلا يرتبط أحدهما بالآخر. ولو استطاع لهما في سنة واحدة وجب الإتيان بهما.

__________________

(١) في ص ١٤٩ المسألة ١٣٦.

٢٠٩

مسألة ١٥٨ : يشترك حجّ الإفراد مع حجّ التمتّع في جميع أعماله ، ويفترق عنه في أُمور :

أوّلاً : يعتبر اتّصال العمرة بالحج في حجّ التمتّع ووقوعهما في سنة واحدة كما مرّ ولا يعتبر ذلك في حجّ الإفراد (١).

ثانياً : يجب النحر أو الذبح في حجّ التمتّع كما مرّ ولا يعتبر شي‌ء من ذلك في حجّ الإفراد (٢).

______________________________________________________

وقد وقع الخلاف في تقديم أيّ منهما على الآخر ، والمعروف بين الفقهاء لزوم تقديم حجّ الإفراد على العمرة ، وبذلك يمتاز عن حجّ التمتّع بلزوم تقديم العمرة على حجّه وقد ادعي على ذلك الإجماع. وأمّا النصوص فلا يستفاد منها لزوم تأخّر العمرة عن حجّ الإفراد ، ولذا لا ريب أن الأحوط خروجاً عن مخالفة الفقهاء تقديم الحجّ على العمرة المفردة.

(١) تقدّم تفصيل ذلك في المسألة ١٣٩ ففي حجّ الإفراد لا يشترط ذلك إلّا من قبل المكلّف ، كما إذا استطاع لهما في سنة واحدة ، أو نذر الإتيان بهما في سنة واحدة ، أو استؤجر عليهما في سنة واحدة.

وثبوت الفوريّة في الإتيان بالعمرة لا يقتضي التوقيت ولا فساد الحجّ بتأخير العمرة عنه ، وإنّما يأثم بتأخير العمرة إذا كان مستطيعاً لها.

(٢) أمّا وجوب الهدي على المتمتع فأمر مسلّم نطق به الكتاب العزيز ودلّت عليه النصوص على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وأمّا عدم وجوبه على المفرد للحج فللتصريح به في بعض الرّوايات المعتبرة كصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «المفرد للحج عليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النِّساء وليس عليه هدي ولا أُضحية» (١).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٢١ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٣.

٢١٠

ثالثاً : لا يجوز تقديم الطّواف والسعي على الوقوفين في حجّ التمتّع مع الاختيار ، ويجوز ذلك في حجّ الإفراد (١).

رابعاً : أنّ إحرام حجّ التمتّع يكون بمكّة وأمّا الإحرام في حجّ الإفراد فهو من أحد المواقيت الآتية (٢).

خامساً : يجب تقديم عمرة التمتّع على حجّه ، ولا يعتبر ذلك في حجّ الإفراد (٣).

______________________________________________________

(١) أمّا عدم جواز تقديمهما على الوقوفين في حجّ التمتّع فيأتي في المسألة ٤١٢ إن شاء الله تعالى.

وأمّا جواز تقديمهما في حجّ الإفراد فهو قول الأكثر ، وتدل عليه الأخبار الكثيرة المعتبرة ، منها : صحيحة حماد بن عثمان قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن مفرد الحجّ أيعجّل طوافه أو يؤخره؟ قال : هو والله سواء عجّله أو أخّره» (١).

(٢) محل الإحرام لحجّ التمتّع بطن مكّة على ما سيأتي في بحث المواقيت في المسألة ١٦٣ وفي المسألة ٣٦١.

وأمّا المفرد للحج فمحل إحرامه أحد المواقيت الآتية ، لأن من أتى على ميقات لزمه الإحرام منه ، ولا يجوز لمن يريد النسك المرور من الميقات بدون الإحرام منه ، نعم لو كان منزله دون الميقات فمنزله ميقاته ، ولا يجب عليه أن يذهب إلى الميقات ، كما أنّه لو كان من أهل مكّة أحرم منها كالمتمتع.

(٣) أمّا لزوم تقديم العمرة على الحجّ في التمتّع فقد تقدّم وجهه في المسألة ١٤٧.

وأمّا في حجّ الإفراد فقد عرفت أنّ المشهور بين الفقهاء تقديم الحجّ على العمرة المفردة ، وإن كان لا دليل عليه ولكنّه أحوط.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٨٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٤ ح ١.

٢١١

سادساً : لا يجوز بعد إحرام حجّ التمتّع الطّواف المندوب على الأحوط الوجوبي ويجوز ذلك في حجّ الإفراد (١).

مسألة ١٥٩ : إذا أحرم لحج الإفراد ندباً جاز له أن يعدل إلى عمرة التمتّع ، إلّا فيما إذا لبى بعد السعي فليس له العدول حينئذ إلى التمتّع (٢).

______________________________________________________

(١) أمّا حكم الطّواف المندوب بعد إحرام حجّ التمتّع فنذكره في المسألة ٣٦٤.

وأمّا جواز الطّواف المندوب للمفرد إذا دخل مكّة قبل الإتيان بأعمال الحجّ فالظاهر أنّه لا خلاف فيه ، ويدلُّ عليه من الأخبار ما دلّ على رجحان الطّواف في كلّ زمان (١) ولا منع في البين ، فمقتضى الأصل هو الجواز ولا معارض له ، والمنع إنّما يختص بإحرام حجّ التمتّع. واستدلّ على ذلك في الحدائق (٢) بحسنة معاوية بن عمار قال : «سألته عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : نعم ، ما شاء» (٣) فتأمّل.

(٢) لا خلاف بين العلماء في أنّه يجوز لمفرد الحجّ الّذي تجوز له المتعة إذا دخل مكّة أن يعدل إلى التمتّع اختياراً ، وقد ادّعي عليه الإجماع ، وتدل عليه عدّة من النصوص ادّعى صاحب الجواهر (٤) تظافرها أو تواترها.

منها : صحيحة معاوية بن عمار ، قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل لبى بالحج مفرداً ، ثمّ دخل مكّة وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، قال : فليحل وليجعلها متعة ، إلّا أن يكون ساق الهدي فلا يستطيع أن يحل حتّى يبلغ الهدي محلِّه» (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٠٢ / أبواب الطّواف ب ٢.

(٢) الحدائق ١٤ : ٣٧٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٨٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٦ ح ٢.

(٤) الجواهر ١٨ : ٧١.

(٥) الوسائل ١٢ : ٣٥٢ / أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٥.

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

واستدلّ صاحب الجواهر (١) بأخبار حجّة الوداع الّتي أمر النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيها من لم يسق هدياً من أصحابه بذلك حتّى قال (صلّى الله عليه وآله وسلم) : «أنّه لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق هدياً» (٢).

وربما يشكل على هذا الاستدلال بأنّ الظاهر منها أنّ هذا العدول على سبيل الوجوب ، حيث إنّه نزل جبرئيل (عليه السلام) بوجوب التمتّع على أهل الآفاق وكلامنا في من تجوز له المتعة والإفراد.

والجواب : أنّ أمره (صلّى الله عليه وآله وسلم) جميع أصحابه بذلك مع القطع بأنّ منهم من أدّى حجّة الإسلام الّذي يجوز له الأنواع الثلاثة من الحجّ ، أوضح شي‌ء في الدلالة على المطلوب ، ولا ينافيه شموله لمن وجب عليه الحجّ كأكثر الأصحاب الّذين كانوا معه (صلّى الله عليه وآله وسلم).

وعلى كلّ حال لا إشكال ولا خلاف في أصل جواز العدول ، فما عن أبي علي من اشتراط العدول بالجهل بوجوب العمرة (٣) لا شاهد له أصلاً.

نعم ، يشترط العدول بعدم وقوع التلبية بعد طوافه وسعيه لموثق إسحاق بن عمار قال «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل يفرد الحجّ فيطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة ، ثمّ يبدو له أن يجعلها عمرة ، قال : إن كان لبى بعد ما سعى قبل أن يقصّر فلا متعة له» (٤).

والرّواية معتبرة واضحة الدلالة وعمل بها بعضهم ، فلا موجب لرفع اليد عنها أو حملها على غير ظاهرها.

__________________

(١) الجواهر ١٨ : ٧١.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٤ ، ١٤ والظاهر أنّ ما في الكتاب منقول بالمعنى.

(٣) نقله عنه في الدروس ١ : ٣٣٣.

(٤) الوسائل ١١ : ٢٩٠ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٩ ح ١.

٢١٣

مسألة ١٦٠ : إذا أحرم لحج الإفراد ودخل مكّة جاز له أن يطوف بالبيت ندباً ، ولكن يجب عليه التلبية بعد الفراغ من صلاة الطّواف على الأحوط (١).

حجّ القِران

مسألة ١٦١ : يتّحد هذا العمل مع حجّ الإفراد في جميع الجهات غير أنّ المكلّف يصحب معه الهدي وقت الإحرام ، وبذلك يجب الهدي عليه (٢).

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنّ من جملة ما امتاز به حجّ الإفراد عن حجّ التمتّع عدم جواز إتيان الطّواف المندوب بعد إحرام حجّ التمتّع وجوازه بعد الإحرام لحج الإفراد ، ولكن يجب عليه التلبية بعد الفراغ من صلاة الطّواف المندوب ، وتدل عليه حسنة معاوية بن عمار المتقدّمة قال : «سألته عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال : نعم ما شاء ويجدد التلبية بعد الرّكعتين ، والقارن بتلك المنزلة ، يعقدان ما أحلّا من الطّواف بالتلبية» (١).

ولا يخفى أنّها تدل على وجوب التلبية في بعض صور المسألة ، وهو ما لو طاف الطّواف المندوب بعد طواف الفريضة ، وكلامنا في جواز إتيان الطّواف المندوب بعد إحرام حجّ الإفراد وإن لم يطف طواف الفريضة ، ولذا قال صاحب الجواهر لا بأس بالاستدلال بهذه الرّواية وإن كان خاصّاً ببعض صور المدّعى (٢).

على أنّه حكي الإجماع على العدم ، فالاحتياط المذكور في المتن في محلِّه.

(٢) أفعال القِران وشروطه كالإفراد ، غير أنّه يتميّز عنه بسياق الهدي عند إحرامه ، وتدل على ذلك أخبار كثيرة.

منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) : «القارن لا يكون إلّا

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٥٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٦ ح ٢.

(٢) الجواهر ١٨ : ٥٨.

٢١٤

والإحرام في هذا القسم من الحجّ كما يكون بالتلبية يكون بالإشعار أو بالتقليد (١)

______________________________________________________

بسياق الهدي» (١).

ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إنّما نسك الّذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلّا بسياق الهدي» (٢).

قال في الوافي بعد نقل هذا الخبر : «يقرن بين الصفا والمروة» هكذا وجدناه في النسخ الّتي رأيناها ، ويشبه أن يكون وهماً من الرّاوي ، إذ لا معنى للقران بين الصفا والمروة ، ولعل الصواب يقرن بين الحجّ والعمرة كما قاله في آخر الحديث ، «أيّما رجل قرن بين الحجّ والعمرة فلا يصلح إلّا أن يسوق الهدي» (٣).

ومنها : صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «القارن الّذي يسوق الهدي عليه طوافان» الحديث (٤).

(١) يتخيّر القارن في عقد إحرامه بالتلبية والإشعار والتقليد وفاقاً للمحكي عن الأكثر ، للنصوص :

منها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «يوجب الإحرام ثلاثة أشياء : التلبية والإشعار والتقليد ، فإذا فعل شيئاً من هذه الثلاثة فقد أحرم» (٥).

ومنها : صحيح عمر بن يزيد «من أشعر بدنته فقد أحرم وإن لم يتكلم بقليل ولا كثير» (٦).

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار قال : «تقلّدها نعلاً خلقا قد صلّيت فيها والإشعار والتقليد بمنزلة التلبية» (٧).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٢١ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ١٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٢١ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٦.

(٣) الوافي ٨ : ٤٥٨.

(٤) الوسائل ١١ : ٢١٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢ ح ٣.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٢٠.

(٦) الوسائل ١١ : ٢٧٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ٢١.

(٧) الوسائل ١١ : ٢٧٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٢ ح ١١.

٢١٥

وإذا أحرم لحج القِران لم يجز له العدول إلى حجّ التمتّع (١).

______________________________________________________

خلافاً للمحكي عن السيِّد (١) وابن إدريس (٢) فلم يعقدا الإحرام إلّا بالتلبية للإجماع عليها دون غيرها ، وللاحتياط. ويردّهما الرّوايات المذكورة.

وخلافاً للشيخ (٣) وابني البراج (٤) وحمزة (٥) فاشترطوا العقد بهما بالعجز عن التلبية جمعاً بين النصوص. ويردّهم إطلاق الرّوايات المتقدّمة.

(١) للإجماع بقسميه كما في الجواهر (٦) وللنصوص الّتي ادّعى تواترها :

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال : «أيّما رجل قرن بين الحجّ والعمرة فلا يصلح إلّا أن يسوق الهدي قد أشعره وقلّده ، قال : وإن كان لم يسق الهدي فليجعلها متعة» (٧).

وفي صحيحة معاوية بن عمار «عن رجل لبى بالحج مفرداً فقدم مكّة وطاف بالبيت وصلّى ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) وسعى بين الصفا والمروة ، قال : فليحل وليجعلها متعة إلّا أن يكون ساق الهدي» (٨).

__________________

(١) الإنتصار : ٢٥٣.

(٢) السرائر ١ : ٥٣٢.

(٣) المبسوط ١ : ٣٠٨.

(٤) لاحظ المهذّب ١ : ٢١٥ ، ٢١٦.

(٥) الوسيلة : ١٥٨.

(٦) الجواهر ١٨ : ٧٤.

(٧) الوسائل ١١ : ٢٥٤ / أبواب أقسام الحجّ ب ٥ ح ٢.

(٨) الوسائل ١١ : ٢٥٥ / أبواب أقسام الحجّ ب ٥ ح ٤.

٢١٦

مواقيت الإحرام

هناك أماكن خصّصتها الشريعة الإسلاميّة المطهّرة للإحرام منها ، ويجب أن يكون الإحرام من تلك الأماكن ويسمّى كلّ منها ميقاتاً وهي عشرة (١) :

______________________________________________________

(١) المواقيت جمع ميقات ، وعن الجوهري الميقات : الوقت المضروب للفعل والموضع ، يقال : هذا ميقات أهل الشام للموضع الّذي يحرمون منه (١) ونحوه عبارة القاموس (٢). وظاهر هذا الكلام أنّ إطلاقه على الوقت والموضع على نحو الحقيقة ولكن يظهر من المصباح أنّ إطلاق الميقات على الموضع على نحو المجاز ، قال : الوقت مقدار من الزمان والجمع أوقات ، والميقات : الوقت والجمع مواقيت ، وقد أستعير الوقت للمكان ، ومنه مواقيت الحجّ لمواضع الإحرام (٣).

وكيف كان لا ريب أنّ المراد به في المقام المواضع الخاصّة للإحرام الّتي وقّتها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لأهل الآفاق حين لم يكن للإسلام رسم ولا اسم ، لا بمصر ولا الشام ولا العراق ، فكان ذلك من أعلام نبوّته (صلّى الله عليه وآله وسلم).

وأمّا وجوب الإحرام من هذه المواضع الخاصة ، فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار «من تمام الحجّ والعمرة أن تحرم من المواقيت الّتي وقّتها رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا تجاوزها إلّا وأنت محرم» الحديث (٤).

وصحيح الحلبي «الإحرام من مواقيت خمسة وقّتها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لا ينبغي لحاج ولا لمعتمر أن يحرم قبلها ولا بعدها» (٥).

__________________

(١) الصحاح ١ : ٢٦٩.

(٢) القاموس ١ : ١٦٠.

(٣) المصباح المنير : ٦٦٧.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٠٧ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٢.

(٥) الوسائل ١١ : ٣٠٨ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.

٢١٧

الأوّل : مسجد الشجرة ، ويقع قريباً من المدينة المنوّرة وهو ميقات أهل المدينة ، وكل من أراد الحجّ عن طريق المدينة (١)

______________________________________________________

(١) اعلم أنّ مكان عقد الإحرام الّذي يدعى بالميقات يختلف باختلاف الطريق الّتي يسير المكلّف فيها ويمضي إلى مكّة ، فالّذي طريقه من المدينة المنوّرة وإن لم يكن من أهل المدينة ميقاته ذو الحليفة ويسمّى بمسجد الشجرة أيضاً ، والروايات في ذلك كثيرة.

منها : صحيحة أبي أيّوب الخزاز عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث «فقال : إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة» (١).

ومنها : صحيحة معاوية بن عمار «ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة» (٢).

إنّما الكلام في أنّ الميقات هل هو المكان المسمّى بذي الحليفة الّذي فيه مسجد الشجرة أو أنّ الميقات نفس المسجد؟ والأخبار في ذلك مختلفة ، ففي بعضها أنّ الميقات الشجرة (٣) ، وفي بعضها أنّه ذو الحليفة وهو مسجد الشجرة (٤) ، وفي بعضها أنّه ذو الحليفة (٥) ولم يرد في شي‌ء من الرّوايات الأمر بالإحرام من مسجد الشجرة أو أنّه الميقات ، بل الوارد فيها كما ذكرنا أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة وهي الشجرة (٦) ، كما أنّه ورد فيها أنّ ذا الحليفة هو مسجد الشجرة ، ولا يبعد أن يكون المتفاهم من الرّوايات الواردة في المقام أنّ مسجد الشجرة اسم للمكان الّذي فيه المسجد ، وليس اسماً لنفس المسجد ، نظير تسمية بعض البلاد بمسجد سليمان ، فمجموع المضاف والمضاف إليه اسم لهذه المنطقة من الأرض ، فهذه

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٧ / أبواب المواقيت ب ١ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٠٧ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ٣١٠ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٩.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٠٨ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٣.

(٥) الوسائل ١١ : ٣٠٧ / أبواب المواقيت ب ١ ح ١ ، ٦.

(٦) الوسائل ١١ : ٣٠٩ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٧.

٢١٨

ويجوز الإحرام من خارج المسجد محاذياً له من اليسار أو اليمين ، والأحوط الإحرام من نفس المسجد مع الإمكان.

______________________________________________________

البقعة لها اسمان أحدهما : ذو الحليفة ، وثانيهما : مسجد الشجرة ، وعليه فيجوز الإحرام من أيّ موضع من مواضع هذه البقعة الّتي فيها مسجد الشجرة ، ولا يلزم الإحرام من نفس المسجد.

نعم ، ورد في رواية أنّ النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) أحرم من مسجد الشجرة (١) ولكنها لا تدل على أنّه (صلّى الله عليه وآله) عيّنه ميقاتاً ، وإنّما تحكي فعل النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) وإحرامه منه ، ولا إشكال في جواز ذلك. مضافاً إلى ضعف السند فالمطلقات الدالّة على أنّ الميقات ذو الحليفة بحالها وسالمة من التقييد.

نعم ، لا ريب في أنّ الأحوط الإحرام من نفس المسجد ، لأنّه القدر المتيقن من الميقات.

وأمّا كونه ميقاتاً لمن يمرّ عليه وإن لم يكن من أهل المدينة ، فتدل عليه جملة من الرّوايات :

منها : صحيحة صفوان عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : «كتبت إليه أنّ بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق ، وليس بذلك الموضع ماء ولا منزل وعليهم في ذلك مئونة شديدة ويعجّلهم أصحابهم وجمالهم ومن وراء بطن العقيق بخمسة عشر ميلاً منزل فيه ماء وهو منزلهم الّذي ينزلون فيه فترى أن يحرموا من موضع الماء لرفقة بهم وخفته عليهم؟ فكتب إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها» (٢).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣١١ / أبواب المواقيت ب ١ ح ١٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٣١ / أبواب المواقيت ب ١٥ ح ١.

٢١٩

مسألة ١٦٢ : لا يجوز تأخير الإحرام من مسجد الشجرة إلى الجحفة إلّا لضرورة من مرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع (١).

______________________________________________________

(١) المعروف بين الفقهاء عدم جواز تأخير الإحرام من مسجد الشجرة إلى الجحفة للمختار ، ونسب إلى بعض القدماء جواز التأخير اختياراً.

والصحيح ما عليه المشهور ، للروايات العامّة الدالّة على توقيت المواقيت وأنّه لا يجوز لحاج ولا لمعتمر أن يعدل عن تلك المواقيت إلى غيرها ، ففي صحيحة معاوية ابن عمار «لا تجاوزها إلّا وأنت محرم» (١).

وللروايات الخاصّة الّتي يستفاد منها جواز التأخير في خصوص صورتي المرض والضعف ونحوهما من الموانع ، كمعتبرة أبي بكر الحضرمي ، قال «قال أبو عبد الله (عليه السلام) : إنّي خرجت بأهلي ماشياً فلم أهل حتّى أتيت الجحفة ، وقد كنت شاكياً إلى أن قال ـ : وقد رخص رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لمن كان مريضاً أو ضعيفاً أن يحرم من الجحفة» (٢) وأبو بكر الحضرمي على ما يظهر من ترجمته ثقة جليل (٣) ، مضافاً إلى أنّه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي وكامل الزيارات.

واستدلّ القائل بجواز تأخير الإحرام اختياراً إلى الجحفة ببعض المطلقات القابلة للتقييد بصورتي المرض والعجز ، كصحيحة علي بن جعفر «وأهل المدينة من ذي الحليفة والجحفة» (٤) وهي نص في التخيير وجواز الإحرام من الموضعين ، ولكنها لا تزيد على الإطلاق ، فيقيّد بما دلّ على اختصاص الجواز للمريض والمعذور. ونحوها صحيحة معاوية بن عمار (٥).

وأمّا صحيح الحلبي «من أين يحرم الرّجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال : من الجحفة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٧ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٣١٧ / أبواب المواقيت ب ٦ ح ٥.

(٣) راجع معجم الرّجال ١١ : ٣١٧.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٠٩ / أبواب المواقيت ب ١ ح ٥.

(٥) الوسائل ١١ : ٣١٦ / أبواب المواقيت ب ٦ ح ١.

٢٢٠