موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

.................................................................................................

______________________________________________________

ودعوى انصراف هذه الأخبار عمّن يريد الحجّ من مكّة واختصاصها بمن يريد الحجّ من خارج مكّة ، لصدق المرور على الميقات على من كان خارجاً من مكّة وأراد الحجّ ، وأمّا من كان مجاوراً في مكّة فلا يصدق عليه المرور على الميقات فلا بدّ له أن يحرم من ميقات بلده.

فاسدة ، إذ لا موجب لدعوى الانصراف ، وذلك لصدق المرور على الميقات على من يقصد الحجّ من مكّة أيضاً ، بأن يخرج المقيم في مكّة إلى أحد المواقيت فيحرم منه فإنّه يصدق عليه حينئذ أنّه مرّ على الميقات واجتازه. فالظاهر شمول هذه الرّوايات لمن جاور مكّة أيضاً.

وبالجملة لو كنّا نحن وهذه الرّوايات ولم تكن رواية خاصّة واردة في حكم المقيم لالتزمنا بجواز الإحرام من أيّ ميقات شاء على سبيل التخيير ، هذا كلّه بالنظر إلى ما تقتضيه القاعدة المستفادة من الرّوايات العامّة.

وأمّا بالنظر إلى الروايات الخاصّة الواردة في المقام ، فالمستفاد من بعضها كموثقة سماعة «عن المجاور إله أن يتمتع بالعمرة إلى الحجّ؟ قال : نعم ، يخرج إلى مهل أرضه فيلبي إن شاء» (١) لزوم الخروج إلى ميقات بلده ومهل أرضه ، ولو تمّت هذه الطائفة لكانت مخصّصة لما دلّ على كفاية الإحرام من أيّ ميقات شاء ، باعتبار إطلاق تلك الأدلّة من حيث حجّ المقيم وحجّ الخارج ، واختصاص هذه الموثقة بالمجاور.

ولكن دلالة الموثقة على وجوب الخروج إلى ميقات بلده مخدوشة ، لتعليق الوجوب على مشيئته وذلك ظاهر في عدم الوجوب ، وإلّا فلا معنى لتعليق الحكم الوجوبي بمشيئته.

وعلى فرض دلالتها على الوجوب فمعارضة بروايات أُخر تدل على عدم تعيين ميقات خاص كموثقة أُخرى لسماعة «فإن هو أحبّ أن يتمتع في أشهر الحجّ بالعمرة إلى الحجّ فليخرج منها حتّى يجاوز ذات عرق ، أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعاً

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٦٤ / أبواب أقسام الحجّ ب ٨ ح ١.

١٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

بالعمرة إلى الحجّ ، فإنّ هو أحب أن يفرد الحجّ فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها» (١) والمستفاد منها جواز الإحرام من الخارج من أيّ ميقات شاء ، إذ لا تحتمل خصوصيّة لذات عرق أو عسفان. فيظهر بذلك ضعف مستند القول الأوّل.

ثمّ إنّ الجهل بموضع ذات عرق أو عسفان وأنّه قبل الميقات أو بعده غير ضائر في استفادة التخيير منها ، لأنّ المتفاهم منها عدم تعيين ميقات خاص له وجواز الإحرام من أيّ ميقات شاء.

وبما ذكرنا ظهر صحّة القول الثّاني وهو جواز الإحرام من المواقيت على سبيل التخيير.

وأمّا الإحرام من أدنى الحل فتدل عليه جملة من النصوص.

منها : صحيح الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) لأهل مكّة أن يتمتعوا؟ قال : لا ، قلت : فالقاطنين بها ، قال : إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكّة ، فإذا أقاموا شهراً فإنّ لهم أن يتمتعوا ، قلت : من أين؟ قال : يخرجون من الحرم ، قلت : من أين يهلون بالحج؟ فقال : من مكّة نحواً ممّن يقول الناس» (٢).

ومنها : موثقة سماعة الواردة في المجاور بمكّة في حديث «من دخلها بعمرة في غير أشهر الحجّ ثمّ أراد أن يحرم فليخرج إلى الجعرانة فيحرم منها» (٣) فإنّها واضحة الدلالة في الخروج إلى أدنى الحل والإحرام منه ، وهذه الطائفة من الرّوايات مستند القول الثّالث ، وهو الإحرام من أدنى الحل.

فيقع الكلام في الجمع بين هذه الطائفة والرّوايات السابقة الّتي استفدنا منها التخيير.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٧٠ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٠ ح ٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٦٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ٩ ح ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٦٤ / أبواب أقسام الحجّ ب ٨ ح ٢.

١٨٢

حجّ التمتّع

مسألة ١٤٧ : يتألّف هذا الحجّ من عبادتين تسمّى أُولاهما بالعمرة والثّانية بالحج (١) ،

______________________________________________________

فنقول : إن التزمنا بأنّ إعراض المشهور عن الرّواية موجب لسقوطها عن الحجيّة فهذه الطائفة ساقطة ، لأنّ المشهور لم يلتزموا بمضمونها ، وإن لم نقل بذلك كما هو الصحيح عندنا مضافاً إلى أنّه قد عمل بها جماعة من المتأخرين فمقتضى الجمع بين جميع الرّوايات هو جواز الإحرام من جميع المواقيت ومن أدنى الحل على سبيل التخيير.

بيان ذلك : أنّ موثق سماعة الدال على الخروج إلى ميقات بلده ظاهر في الوجوب ولكنّه يحمل على الاستحباب بقرينة صحيحة الحلبي الدالّة على جواز الإحرام من أدنى الحل ، وكذلك الحال بالنسبة إلى موثق سماعة الدالّ على جواز الإحرام من الجعرانة.

فالنتيجة : هي جواز الإحرام من جميع هذه الموارد ولو من أدنى الحل ، ولكن الأفضل أن يخرج إلى أحد المواقيت ، وأفضل منه الخروج إلى ميقات أهل بلده.

(١) هذا ممّا لا إشكال ولا ريب فيه أصلاً ، ويستفاد ذلك من قوله تعالى (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ) (١).

ومن جملة من النصوص الكثيرة المذكورة في أبواب متفرّقة :

منها : الرّوايات المبيّنة لكيفيّة حجّ التمتّع (٢).

__________________

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢.

١٨٣

وقد يطلق حجّ التمتّع على الجزء الثّاني منهما ، ويجب الإتيان بالعمرة فيه قبل الحجّ (١).

مسألة ١٤٨ : تجب في عمرة التمتّع خمسة أُمور :

الأمر الأوّل : الإحرام من أحد المواقيت وستعرف تفصيلها.

الأمر الثّاني : الطّواف حول البيت.

الأمر الثّالث : صلاة الطّواف.

الأمر الرّابع : السعي بين الصفا والمروة.

الأمر الخامس : التقصير ، وهو أخذ شي‌ء من الشعر أو الأظفار ، فإذا أتى

______________________________________________________

ومنها : الرّوايات الدالّة على وجوب حجّ التمتّع على البعيد (١).

ومنها : الرّوايات الدالّة على ارتباط العمرة بالحج ، وأنّ العمرة دخلت في الحجّ إلى يوم القيامة وغير ذلك من الرّوايات (٢).

(١) يستفاد ذلك من الرّوايات الواردة في كيفيّة حجّ التمتّع وغيرها الّتي أشرنا إليها وهي كثيرة جدّاً.

منها : صحيحة زرارة قال : «قلت لأبي جعفر (عليه السلام) كيف أتمتع؟ فقال : تأتي الوقت فتلبي بالحج ، فإذا أتى مكّة طاف وسعى وأُحل من كل شي‌ء وهو محتبس ليس له أن يخرج من مكّة حتّى يحجّ» (٣).

ومنها : صحيحة أُخرى له «كيف أتمتع؟ قال : تأتي الوقت فتلبي بالحج ، فإذا دخلت مكّة طفت بالبيت وصلّيت ركعتين خلف المقام وسعيت بين الصفا والمروة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٣٩ / أبواب أقسام الحجّ ب ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٤٠ / أبواب أقسام الحجّ ب ٣ ح ٢ ، ١٤ : ٣٠٦ / أبواب العمرة ب ٥ ح ٧ وب ٧ ح ٣ ، ١١ : ٢٥٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٤ ح ٢ ، ١١ : ٣٠١ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٠٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٥.

١٨٤

المكلّف بهذه الأعمال الخمسة خرج من إحرامه وحلّت له الأُمور الّتي كانت قد حرمت عليه بسبب الإحرام (١).

مسألة ١٤٩ : يجب على المكلّف أن يتهيّأ لأداء وظائف الحجّ فيما إذا قرب منه اليوم التاسع من ذي الحجّة الحرام (٢).

وواجبات الحجّ ثلاثة عشر وهي كما يلي.

(١) الإحرام من مكّة على تفصيل يأتي.

(٢) الوقوف في عرفات بعد مضي ساعة من ظهر اليوم التاسع أو من نفس الظهر من ذي الحجّة الحرام إلى المغرب ، وتقع عرفات على بعد أربعة فراسخ من مكّة.

(٣) الوقوف في المزدلفة يوم العيد الأضحى من الفجر إلى طلوع الشمس وتقع المزدلفة بين عرفات ومكّة.

(٤) رمي جمرة العقبة في منى يوم العيد. ومنى على بُعد فرسخ واحد من مكّة تقريباً.

(٥) النحر أو الذبح في منى يوم العيد.

(٦) الحلق أو أخذ شي‌ء من الشعر أو الظفر في منى ، وبذلك يحل له ما حرم عليه من جهة الإحرام ما عدا النِّساء والطيب ، بل الصيد على الأحوط.

(٧) طواف الزيارة بعد الرّجوع إلى مكّة.

______________________________________________________

وقصّرت وأحللت من كلّ شي‌ء ، وليس لك أن تخرج من مكّة حتّى تحج» (١) على أنّ ذلك أمر متسالم عليه عند الأصحاب.

(١) سيأتي شرح هذه الأُمور في مواضعها إن شاء الله تعالى.

(٢) وجوباً عقليّاً مقدّميّاً.

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥٢ / أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٣.

١٨٥

(٨) صلاة الطّواف.

(٩) السعي بين الصفا والمروة ، وبذلك يحل الطيب أيضاً.

(١٠) طواف النِّساء.

(١١) صلاة طواف النِّساء ، وبذلك تحل النِّساء أيضاً.

(١٢) المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثّاني عشر ، بل ليلة الثّالث عشر في بعض الصور كما سيأتي.

(١٣) رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر والثّاني عشر ، بل في اليوم الثّالث عشر أيضاً فيما إذا بات المكلّف هناك على الأحوط (١).

مسألة ١٥٠ : يشترط في حجّ التمتّع أُمور :

(١) النيّة ، بأن يقصد الإتيان بحجّ التمتّع بعنوانه ، فلو نوى غيره أو تردد في نيّته لم يصحّ حجّه (٢).

(٢) أن يكون مجموع العمرة والحجّ في أشهر الحجّ ، فلو أتى بجزء من العمرة قبل دخول شوال لم تصح العمرة (٣).

______________________________________________________

(١) سنذكر تفصيل ذلك كلّه في موارده إن شاء الله تعالى.

(٢) لأن أنواع الحجّ حقائق مختلفة لا تتعيّن إلّا بالنيّة والقصد إلى نوع خاص ، كما أنّه يعتبر فيه قصد القربة أيضاً ، لأنّه عبادي لا يحصل الامتثال إلّا بذلك.

هذا مضافاً إلى دلالة النص على اعتبار النيّة كصحيحة البزنطي «عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال : ينوي العمرة ويحرم بالحج» (١) وفي صحيحة أُخرى له «كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال : لبّ بالحج وانو المتعة» (٢).

(٣) للنصوص منها : صحيحة عمر بن يزيد «ليس تكون متعة إلّا في أشهر الحجّ» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٢ : ٣٥١ / أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ١.

(٢) الوسائل ١٢ : ٣٥١ / أبواب الإحرام ب ٢٢ ح ٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٨٤ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٥ ح ١.

١٨٦

(٣) أن يكون الحجّ والعمرة في سنة واحدة ، فلو أتى بالعمرة وأخّر الحجّ إلى السنة القادمة لم يصحّ التمتّع (١). ولا فرق في ذلك بين أن يقيم في مكّة إلى السنة القادمة وأن يرجع إلى أهله ثمّ يعود إليها ، كما لا فرق بين أن يحل من إحرامه بالتقصير وأن يبقى محرماً إلى السنة القادمة (٢).

(٤) أن يكون إحرام حجّه من نفس مكّة مع الاختيار (٣). وأفضل مواضعه المقام أو الحجر (٤).

______________________________________________________

(١) تقدّم البحث عن ذلك في مسألة ١٣٩ في بيان المائز بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع.

(٢) لإطلاق الأدلّة القاضية بالإتيان بهما في سنة واحدة ، ولا يظهر منها الفرق المذكور.

(٣) للإجماع والأخبار.

منها : صحيح الحلبي «قلت : من أين يهلون بالحج؟ فقال : من مكّة نحواً ممّن يقول الناس» (١).

ومنها : صحيح عمرو بن حريث الصيرفي قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : وهو بمكّة من أين أهل بالحج؟ فقال : إن

شئت من رحلك وإن شئت من المسجد وإن شئت من الطريق» (٢). وحيث إنّ السؤال والجواب كانا في مكّة فيعلم أنّ المراد بالرحل رحله الملقى في مكّة ، كما أنّ المراد من الطريق أزقة مكّة وشوارعها وطرقها وسيأتي إن شاء الله أنّ الأحوط لزوماً الإحرام من بلدة مكّة القديمة.

(٤) كما في صحيحة معاوية بن عمار قال : «إذا كان يوم التروية إن شاء الله فاغتسل ثمّ البس ثوبيك وادخل المسجد حافياً ، وعليك السكينة والوقار ثمّ صلّ ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أو في الحجر فأحرم بالحج» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٦٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ٩ ح ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٣٩ / أبواب المواقيت ب ٢١ ح ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٣٩ / أبواب المواقيت ب ٢١ ح ١.

١٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ثمّ إنّ هنا رواية معتبرة ربما يستفاد منها جواز الإحرام بالحج من خارج مكّة وهي صحيحة إسحاق بن عمار قال «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن ، قال : يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الّذي تمتع فيه ، لأنّ لكل شهر عمرة وهو مرتهن بالحج ، قلت : فإنّه دخل في الشهر الّذي خرج فيه ، قال : كان أبي مجاوراً هاهنا فحرج يتلقى (ملتقياً) بعض هؤلاء ، فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج ودخل وهو محرم بالحج» (١). ومحل الاستشهاد قوله «أحرم من ذات عرق بالحج».

والجواب عن ذلك : أنّ الرّواية مضطربة المتن لا يمكن الاعتماد عليها لعدم ارتباط الجواب بالسؤال ، لأنّ السائل سأل أوّلاً عن المتمتع إذا خرج من مكّة إلى المدينة أو إلى ذات عرق ، فأجاب (عليه السلام) بأنّه يرجع إلى مكّة بعمرة إذا دخل في غير الشهر الّذي تمتع فيه ، فالسؤال والجواب ناظران إلى الفصل بين العمرتين ، وأنّ المعتبر لزوم العمرة ثانياً إذا كان الفصل بشهر ، ثمّ سأل السائل ثانياً بأنّه دخل في نفس الشهر الّذي خرج فيه ، فهل تلزمه العمرة مرّة ثانية؟ فأجاب (عليه السلام) كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج متلقياً وأحرم من ذات عرق بالحج ، فإنّ هذا الجواب لا يرتبط بالسؤال ، لأنّ السؤال كان عن العمرة ثانياً والجواب بأنّ أباه (عليه السلام) دخل من ذات عرق محرماً بالحج لا يناسب السؤال.

وممّا يوجب اضطراب المتن وتشويشه ، أنّ أباه (عليه السلام) إذا كان متمتعاً بالحج فكيف خرج قبل الحجّ ، وحمله على الاضطرار والحاجة لا شاهد عليه.

ثمّ إنّ الصادق (عليه السلام) متى كان مجاوراً في مكّة وهل جاور مدّة سنتين أو أقل أو أكثر.

مضافاً إلى ذلك كلّه أنّ الرّواية مخالفة للمتسالم عليه بين الأصحاب ، فلا بدّ من ردّ

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٨.

١٨٨

وإذا لم يمكنه الإحرام من نفس مكّة أحرم من أيّ موضع تمكّن منه (١).

(٥) أن يؤدّي مجموع عمرته وحجّه شخص واحد عن شخص واحد ، فلو استؤجر اثنان لحج التمتّع عن ميّت أو حي أحدهما لعمرته والآخر لحجّة لم يصحّ ذلك ، وكذلك لو حجّ شخص وجعل عمرته عن واحد وحجّه عن آخر لم يصح (٢).

______________________________________________________

علمها إلى أهلها.

(١) هذا الحكم بخصوصه لم يرد فيه نص خاص ، ولكن يمكن الاستدلال له مضافاً إلى التسالم بين الأصحاب ، بالرّوايات الدالّة على أن من ترك الإحرام من الميقات نسياناً أو جهلاً يلزمه العود إلى الميقات والإحرام منه ، فإن تعذّر فإلى أدنى الحل فإن تعذّر فمن مكانه (١) وموردها وإن كان إحرام العمرة إلّا أنّه يتعدّى إلى إحرام الحجّ باعتبار التعليل بخوف فوت الحجّ ، فإنّ المتفاهم من ذلك أنّ الإحرام من الميقات مشروط بالتمكّن من درك الموقف وعدم فوت الحجّ منه ، وأمّا إذا خاف الفوت أحرم من مكانه.

كما أنّه يمكن استفادة الحكم المذكور من صحيحتي علي بن جعفر الواردتين في من أتى الموقف ولم يحرم ناسياً أو جاهلاً ، ففي الصحيحة الأُولى «سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر وهو بعرفات فما حاله؟ قال : يقول : اللهمّ على كتابك وسنّة نبيّك ، فقد تمّ إحرامه» (٢) وفي الصحيحة الثّانية «سألته عن رجل كان متمتعاً خرج إلى عرفات وجهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتّى رجع إلى بلده قال : إذا قضى المناسك كلّها فقد تمّ حجّه» (٣) ويظهر منهما أنّ شرطيّة الإحرام من مكّة للحج إنّما هي في حال التمكّن ، وموردهما وإن كان خصوص الناسي والجاهل ولكن المتفاهم منهما مطلق العذر.

(٢) يقع البحث في موردين :

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٢٨ / أبواب المواقيت ب ١٤.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٣.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٣٨ / أبواب المواقيت ب ٢٠ ح ٢.

١٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : استئجار شخصين لحج التمتّع أحدهما لإتيان عمرة التمتّع والآخر لإتيان حجّ التمتّع.

ثانيهما : أن يحجّ شخص واحد ولكن يجعل عمرة التمتّع لواحد وحج التمتّع عن آخر.

أمّا الأوّل : وهو انقسام العمل الواحد بين شخصين ، بأن يقوم أحدهما ببعض الأعمال ويقوم الآخر بالبعض الباقي ، فلا ريب في عدم صحّته ، لأنّ كلّ واحد من العمرة والحجّ المتمتع بهما مشروع لمن أتى بالآخر ومن لم يأت بأحدهما لا يشرع له الآخر ، فإنّ الإحرام لحج التمتّع من مكّة إنّما يشرع لمن أتى قبله بالعمرة ، كما أنّ عمرة التمتّع مشروعة لمن يحرم للحج من مكّة ، كلّ ذلك يدعو إلى عدم التفكيك بينهما.

وإن شئت فقل : إنّ حجّ التمتّع عمل واحد ذو جزئين أحدهما العمرة والآخر الحجّ ولا يصح تقسيم العمل الواحد بين شخصين ، نظير تقسيم صلاة واحدة بين شخصين.

وأمّا الثّاني : وهو ما لو حجّ شخص واحد وجعل عمرته عن شخص وحجّه عن آخر ، فقد استظهر السيِّد صاحب العروة جوازه (١) كما يظهر ذلك من صاحب الوسائل حيث قال (قدس سره) : باب جواز نيّة الإنسان عمرة التمتّع عن نفسه وحجّ التمتّع عن أبيه (٢) واستندا إلى صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل يحجّ عن أبيه أيتمتع؟ قال : نعم ، المتعة له والحجّ عن أبيه» (٣).

ولكن الظاهر عدم جواز ذلك أيضاً ، لأنّ المستفاد من النصوص (٤) انّ حجّ التمتّع عمل واحد وإن كان مركباً من العمرة والحجّ ، ولكن دخلت العمرة في الحجّ فكلّ واحد منهما جزء لواجب واحد وليس لكلّ واحد منهما أمر مستقل ، وليس كلّ واحد منهما عمل واجب مستقل حتّى يصح جعل أحدهما عن شخص وجعل الجزء الآخر

__________________

(١) العروة الوثقى ٢ : ٣٣٣ / ٣٢٠٨.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٠١ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٧.

(٣) الوسائل ١١ : ٢٠١ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٧ ح ١.

(٤) المتقدّمة في ص ١٨٣.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

عن شخص آخر ، ومن الواضح أنّ العمل الواحد غير قابل للتقسيم والتبعيض نظير عدم جواز التبعيض في صلاة واحدة بأن يجعل الركعة الأُولى عن زيد والركعة الثّانية عن عمرو ، فتقع عمرة التمتّع عمّن يقع عنه الحجّ وكذلك العكس ، ولا يمكن التفريق بينهما.

وأمّا صحيح محمّد بن مسلم المتقدّم الّذي استظهر منه الجواز ، ففيه : أنّ الاستدلال به مبني على أن يكون المراد من قوله : «أ يتمتع» ومن قوله : «المتعة له» معناه الاصطلاحي الشرعي وهو عمرة التمتّع؟ ولكن الظاهر أنّ المراد بذلك معناه اللّغوي العرفي وهو الالتذاذ ، توضيحه :

أنّ الرّاوي كأنه زعم أنّ حجّ التمتّع لا يقع عن الميّت ، لأنّه غير قابل للتمتع والالتذاذ بالنِّساء والطيب في الفصل بين العمرة والحجّ ، ولذا سأل الإمام (عليه السلام) عن أنّ النائب الّذي يحجّ عن أبيه هل يحجّ عنه حجّ التمتّع ، مع أنّ المنوب عنه ميّت كما هو ظاهر السؤال والميّت غير قابل للالتذاذ والتمتّع ، فأجاب (عليه السلام) بجواز ذلك وأنّ الحجّ يقع عن الميّت والالتذاذ والمتعة للنائب ، ولا يلزم تحقق الالتذاذ لمن يقع عنه الحجّ.

ومع قطع النظر عمّا ذكرنا فلا أقل من إجمال الرّواية ولا تكون ظاهرة فيما استظهره السيِّد في العروة فلا يمكن الاستدلال بها على جواز التفريق.

ثمّ إنّ الّذي استظهرناه من صحيح محمّد بن مسلم يظهر من الصدوق أيضاً لقوله : في عنوان الباب : باب المتمتع عن أبيه (١).

وصرّح بهذا المعنى أيضاً المجلسي الأوّل في كتاب روضة المتقين فقد قال (رحمه الله) عند شرحه لصحيح محمّد بن مسلم ـ : مع أنّه لا فائدة للأب في التمتّع ، لأنّه لا يمكن له التمتّع بالنِّساء والطيب والثياب الّذي هو فائدة حجّ التمتّع ، فقال الإمام (عليه السلام) نعم ، المتعة له والتمتّع بالأشياء المذكورة له والحجّ عن أبيه (٢).

__________________

(١) الفقيه ٢ : ٢٧٣.

(٢) روضة المتقين ٥ : ٦٥.

١٩١

مسألة ١٥١ : إذا فرغ المكلّف من أعمال عمرة التمتّع وجب عليه الإتيان بأعمال الحجّ ولا يجوز له الخروج من مكّة لغير الحجّ ، إلّا أن يكون خروجه لحاجة ولم يخف فوات أعمال الحجّ ، فيجب والحالة هذه أن يحرم للحج من مكّة ويخرج لحاجته ، ثمّ يلزمه أن يرجع إلى مكّة بذلك الإحرام ويذهب منها إلى عرفات ، وإذا لم يتمكّن من الرّجوع إلى مكّة ذهب إلى عرفات من مكانه (١).

______________________________________________________

نعم ، قد استدلّ على جواز التفريق وجعل العمرة عن شخص والحجّ عن شخص آخر ، بخبر الحارث بن المغيرة عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في رجل تمتع عن امّه وأهلّ بحجه عن أبيه ، قال : إن ذبح فهو خير له وإن لم يذبح فليس عليه شي‌ء ، لأنّه إنّما تمتع عن امّه وأهلّ بحجه عن أبيه» (١) وهو صريح في جواز التفريق.

والخبر معتبر وليس في السند من يغمز فيه إلّا صالح بن عقبة لعدم توثيقه في كتب الرِّجال ، ولكن الرّجل ثقة عندنا لأنّه من رجال كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم ، فلا ريب في جواز الأخذ به.

وحيث إنّ الخبر مخالف لما تقتضيه القاعدة فلا بدّ من الاقتصار على مورده وعدم التعدِّي عنه ، وهو الاقتصار على جواز التفريق في خصوص حجّ التمتّع عن أبيه وأُمّه بأن يجعل عمرة التمتّع عن امّه والحجّ عن أبيه ، ولا نلتزم بجواز التفريق مطلقاً ولو عن غير امّه وأبيه.

(١) الأشهر بل المشهور بين العلماء عدم جواز الخروج من مكّة للمتمتع بعد الإحلال من عمرة التمتّع قبل أن يأتي بالحج ، إلّا إذا كان خروجه لضرورة أو لحاجة فيجب عليه أن يحرم للحج فيخرج محرماً به ويلزمه الرّجوع إلى مكّة ثمّ يتوجّه إلى عرفات ، فإن رجع إلى مكّة في الشهر الّذي خرج فيه فيذهب إلى الحجّ من دون إحرام جديد ، وإن رجع في غير شهره يحرم من جديد لعمرته.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٨٠ / أبواب الذبح ب ١ ح ٥. وفي بعض النسخ «بحجة» بدل بحجه.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ونقل عن ابن إدريس (قدس سره) أنّه لا يحرم ذلك بل يكره (١) ، بل ذكر السيِّد في العروة أنّه لا كراهة فيما إذا علم بعدم فوت الحجّ منه (٢).

ويدلُّ على ما ذهب إليه المشهور أخبار كثيرة.

منها : صحيحة حماد بن عيسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «من دخل مكّة متمتعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتّى يقضي الحجّ ، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان أو إلى الطائف أو إلى ذات عرق خرج محرماً ودخل ملبياً بالحج فلا يزال على إحرامه ، فإن رجع إلى مكّة رجع محرماً ولم يقرب البيت حتّى يخرج مع الناس إلى منى على إحرامه» (٣).

ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال «قلت له : كيف أتمتع؟ قال : تأتي الوقت فتلبي إلى أن قال وليس لك أن تخرج من مكّة حتّى تحج» (٤).

ومنها : صحيحة أُخرى له نحوها (٥) وغير ذلك من الرّوايات ، وهي صحيحة السند وواضحة الدلالة على الحكم المذكور.

ولكن السيِّد صاحب العروة اختار جواز الخروج محلا تبعاً لابن إدريس والعلّامة في المنتهي (٦) واستدلّ على ذلك بوجوه بها رفع اليد عن ظهور الرّوايات في المنع.

الأوّل : أنّ التعبير بقوله «لا أُحب» في صحيح الحلبي «وما أُحب أن يخرج منها إلّا محرماً» (٧) ظاهر في الجواز مع الكراهة ، وبذلك رفع اليد عن ظهور بقيّة الرّوايات في الحرمة.

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٨١ وفيه (ولا ينبغي للمتمتع بالعمرة إلى الحجّ أن يخرج من مكّة ...).

(٢) العروة الوثقى ٢ : ٣٣٤.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٦.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٠١ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ١.

(٥) الوسائل ١١ : ٣٠٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٥.

(٦) المنتهي ٢ : ٧١١ السطر ٢٤.

(٧) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٧.

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ويردّ : بأنّ كلمة «لا أُحب» غير ظاهرة في الجواز مع الكراهة ، بل المراد بها مطلق المبغوضيّة وذلك يجتمع مع الحرمة ، وقد استعملت كلمة «لا أُحب» في الموارد المبغوضة في القرآن المجيد كقوله تعالى (... وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ) (١) (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) ... (٢) وغير ذلك من الآيات.

الثّاني : مرسلة الصدوق «إذا أراد المتمتع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك ، لأنّه مرتبط بالحج حتّى يقضيه ، إلّا أن يعلم أنّه لا يفوته الحجّ» (٣) فإنّ المتفاهم من ذلك أن المنع عن الخروج لاحتمال فوت الحجّ ، فلو علم بعدم الفوت فلا موجب لحرمة الخروج.

وفيه : أنّ الرّواية مرسلة لا يمكن الاعتماد عليها.

ومنها : خبر أبان «فيخرج محرماً ولا يجاوز إلّا على قدر ما لا تفوته عرفة» (٤) فإنّه يدل على أنّ جواز الخروج وعدمه يدوران مدار فوت الحجّ وعدمه ، ولذا استفاد (قدس سره) من النصوص عدم الكراهة مع علمه بعدم فوت الحجّ منه ، لأنّ الظاهر من جميع الأخبار المانعة أنّ المنع للتحفظ عن عدم إدراك الحجّ وفوته ، لكون الخروج في معرض ذلك.

والجواب عن ذلك : أنّ خبر أبان مورده الخروج محرماً للحاجة فهو أجنبي عن جواز الخروج محلا لا لغير الحاجة الّذي هو محل الكلام.

مضافاً إلى ضعف السند بالإرسال من وجهين ، لأنّ معلى بن محمّد يرويه عمّن ذكره وأبان بن عثمان عمّن أخبره.

والحاصل : لا يمكن رفع اليد عن تلك الرّوايات المعتبرة المصرّحة بعدم جواز الخروج على الإطلاق بهذه الوجوه الضعيفة.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٠٥.

(٢) النِّساء ٤ : ١٤٨.

(٣) الوسائل ١١ : ٣٠٤ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ١٠ ، الفقيه ٢ : ٢٣٨ / ١١٣٩.

(٤) الوسائل ١١ : ٣٠٤ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٩.

١٩٤

وكذلك لا يجوز لمن أتى بعمرة التمتّع أن يترك الحجّ اختياراً ولو كان الحجّ استحبابيّاً (١). نعم ، إذا لم يتمكّن من الحجّ فالأحوط أن يجعلها عمرة مفردة ويأتي بطواف النِّساء (٢).

______________________________________________________

فالصحيح ما ذهب إليه المشهور من عدم جواز الخروج من مكّة بعد عمرة التمتّع إلّا أن يكون خروجه لحاجة ، فيجب أن يحرم من مكّة للحج فيخرج ثمّ يلزمه أن يرجع إلى مكّة بذلك الإحرام ويذهب منها إلى عرفات ، وإذا لم يتمكّن من الرّجوع إلى مكّة ذهب إلى عرفات من مكانه كما في النصوص.

(١) لإطلاق الرّوايات المتقدّمة الدالّة على أنّه لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة بعد الإتيان بعمرة التمتّع ، وأنّه مرتهن ومحتبس بالحج. ونص على ذلك الشيخ (١) وجملة من الأصحاب.

(٢) لا ريب في أنّ مقتضى القاعدة سقوط الحجّ عنه ، لفرض عدم التمكّن منه ، وأمّا ما دلّ من النصوص الكثيرة على تبدل حجّه إلى عمرة مفردة (٢) فلا تشمل المقام لأنّ مورد جميعها من أحرم للحج ولم يدرك الموقف وفاته الحجّ ، وأمّا من لم يحرم للحج وعجز عن إتيانه فغير مشمول لهذه النصوص ، ولكن مع ذلك الأحوط أن يجعل عمرته عمرة مفردة ويأتي بطواف النِّساء ، وعليه الحجّ من قابل إن بقيت استطاعته أو كان الحجّ مستقرّاً عليه ، لاحتمال إطلاق أدلّة من فاته الموقفان وشموله للمقام.

__________________

(١) المبسوط ١ : ٣٦٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٦ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٢٢ ح ٢ ، وكذا في ب ٢٣ ح ١ ، ٣ ، ٤ ، ٥ وكذا ب ٢٧ ح ١ ، ٤ ، ٦.

١٩٥

مسألة ١٥٢ : كما لا يجوز للمتمتع الخروج من مكّة بعد تمام عمرته كذلك لا يجوز له الخروج منها في أثناء العمرة ، فلو علم المكلّف قبل دخول مكّة باحتياجه إلى الخروج منها كما هو شأن الحملدارية فله أن يحرم أوّلاً بالعمرة المفردة لدخول مكّة فيقضي أعمالها ثمّ يخرج لقضاء حوائجه ، ويحرم ثانياً لعمرة التمتّع ، ولا يعتبر في صحّته مضي شهر من عمرته الاولى كما مرّ (١).

______________________________________________________

(١) لا يخفى أنّ أكثر النصوص الناهية عن الخروج من مكّة موردها بعد الانتهاء من أعمال عمرة التمتّع ، وأمّا من كان مشغولاً بالعمرة فلا يكون مشمولاً لهذه النصوص.

ولكن الظاهر عدم الفرق في الحرمة بين الخروج بعد الفراغ من أعمال عمرته وبين الخروج في أثنائها ، لإطلاق جملة أُخرى من النصوص المانعة كصحيحة الحلبي وصحيحة حماد ، فإنّ موضوع المنع فيهما هو الدخول إلى مكّة ولم يفرض فيهما الفراغ من العمرة.

ففي صحيح الحلبي «عن الرّجل يتمتع بالعمرة إلى الحجّ يريد الخروج إلى الطائف قال : يهل بالحج من مكّة وما أُحب أن يخرج منها إلّا محرماً» (١).

وفي صحيح حماد «من دخل مكّة متمتعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتّى يقضي الحجّ ، فإن عرضت له حاجة إلى عسفان إلى أن قال ـ : خرج محرماً ودخل ملبياً بالحج» (٢).

بل يمكن أن يقال : إنّ موضوع المنع فيهما هو الخروج أثناء العمرة ، نظراً إلى قوله : «دخل مكّة متمتعاً» أو قوله : «الرّجل يتمتع بالعمرة إلى الحجّ» فإنّ هذا التعبير ظاهر في الاشتغال بأعمال عمرة التمتّع وعدم الفراغ منها ، خصوصاً قوله «يتمتع» فإنّه فعل استقبالي يدلّ على الاشتغال بالعمل في الحال ، بخلاف الفعل الماضي فإنّه يدل على

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٧.

(٢) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٦.

١٩٦

مسألة ١٥٣ : المحرّم من الخروج عن مكّة بعد الفراغ من أعمال العمرة أو أثنائها إنّما هو الخروج عنها إلى محل آخر ، ولا بأس بالخروج إلى أطرافها وتوابعها ، وعليه فلا بأس للحاج أن يكون منزله خارج البلد ، فيرجع إلى منزله أثناء العمرة أو بعد الفراغ منها (١).

______________________________________________________

الفراغ من الفعل كما هو كذلك في سائر موارد الاستعمالات ، فإذا قيل رجل يصلِّي وهو كذا يراد به الاشتغال بالصلاة.

وبالجملة : لا فرق في عدم جواز الخروج بين الخروج بعد الإحلال من عمرة التمتّع أو قبل الإحلال منها في أثناء العمرة ، ولذا لو علم الحاج قبل دخوله مكّة باحتياجه إلى الخروج منها كما هو شأن الحملدارية فطريق تخلصه من حرمة الخروج ما ذكره في المتن ، وقد عرفت في مسألة ١٣٧ عدم اعتبار الفصل بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع.

(١) اختلف الأصحاب في القدر الممنوع عنه من الخروج من مكّة بعد العمرة وقبل الحجّ.

ذهب السيِّد في العروة إلى اختصاص المنع بالخروج إلى المواضع البعيدة فلا بأس بالخروج إلى فرسخ أو فرسخين (١).

ونسب إلى جماعة تحديد مقدار المنع بما زاد عن الحرم ، وأمّا الخروج إلى ما دون الحرم فلا بأس به.

والمحقق النائيني ذكر في حاشيته على العروة وفي مناسكه (٢) أنّ العبرة بالمسافة الشرعيّة فالخروج بمقدارها ممنوع وأمّا دون ذلك فلا بأس به ، وادّعى أنّ التحديد بمقدار الحرم غير صحيح ، لأنّ مقدار الحرم مختلف من جهات مكّة فلا يصح التقدير به.

والظاهر أنّ شيئاً ممّا ذكر غير تام ، لأنّ موضوع المنع في الرّوايات المانعة عن

__________________

(١) العروة الوثقى ٢ : ٣٣٦ / ٣٢٠٩.

(٢) دليل الناسك : ١٢١.

١٩٧

مسألة ١٥٤ : إذا خرج من مكّة بعد الفراغ من أعمال العمرة من دون إحرام وتجاوز الميقات ففيه صورتان :

الاولى : أن يكون رجوعه قبل مضي شهر عمرته ففي هذه الصورة يلزمه الرّجوع إلى مكّة بدون إحرام ، فيحرم منها للحج ويخرج إلى عرفات.

الثّانية : أن يكون رجوعه بعد مضي شهر عمرته ففي هذه الصورة تلزمه إعادة العمرة (١).

______________________________________________________

الخروج هو الخروج من مكّة ، فما صدق عليه مكّة لا يجوز الخروج منه ، سواء خرج من الحرم أم لا وسواء بلغ حدّ المسافة أم لا.

نعم ، لا يبعد جواز الخروج إلى ضواحي مكّة وتوابعها ، لعدم صدق الخروج من مكّة بهذا المقدار.

على أنّ التحديد بالمسافة الّذي ذكره المحقق النائيني أيضاً يختلف فلا يصح التقدير بها ، وذلك لأنّ المسافر إذا كان عازماً على العود يكفي الذهاب بمقدار أربعة فراسخ في الحكم بالقصر ، لأنّ مجموع سيره ذهاباً وإياباً يبلغ حدّ المسافة الشرعيّة ، وأمّا إذا لم يكن عازماً على العود فلا يكفي السير أربعة فراسخ ، فاختلف الحكم حسب اختلاف الخارجين.

(١) ما حكم به في هاتين الصورتين ممّا دلّت عليه صحيحة حماد صريحاً قال (عليه السلام) «من دخل مكّة متمتعاً في أشهر الحجّ لم يكن له أن يخرج حتّى يقضي الحجّ إلى أن قال ـ : قلت : فإن جهل فخرج إلى المدينة أو إلى نحوها بغير إحرام ثمّ رجع في إبان الحجّ في أشهر الحجّ يريد الحجّ فيدخلها محرماً أو بغير إحرام؟ قال : إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرماً» (١).

ويدلُّ عليه أيضاً معتبرة إسحاق بن عمار قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام)

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٧.

١٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ثمّ تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة وإلى ذات عرق أو إلى بعض المعادن قال : يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الّذي تمتع فيه لأنّ لكلّ شهر عمرة وهو مرتهن بالحج ، قلت : فإن دخل في الشهر الّذي خرج فيه قال : كان أبي مجاوراً هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلمّا رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج وهو محرم بالحج» (١) فإنّ المستفاد منها أنّ العمرتين لا تصحّان في شهر واحد ، فإن كان رجوعه في نفس الشهر الّذي وقعت فيه العمرة الاولى فلا حاجة إلى الثانية ، وإن كان رجوعه في شهر آخر فلا بدّ من عمرة ثانية ، ولا يضر بما استفدناه قوله (عليه السلام) : «كان أبي مجاوراً هاهنا» حيث يظهر منه عدم ارتباطه بالسؤال.

وأمّا دعوى السيِّد صاحب العروة ظهور المعتبرة في الاستحباب بقرينة قوله : «لأنّ لكلّ شهر عمرة» لأنّ العمرة الّتي هي وظيفة كل شهر ليست واجبة بل هي مستحبّة.

فيردّه أوّلاً : كما تقدّم أنّ المعتبرة غير ناظرة إلى الاستحباب أصلاً ، وإنّما هي ناظرة إلى اعتبار الفصل بين العمرتين ، وأنّه لو دخل في [غير] الشهر الّذي تمتع فيه دخل بعمرة أُخرى ، بخلاف ما لو دخل في نفس الشهر.

وثانياً : أنّ العمرة المعادة في مفروض الرّواية هي عمرة التمتّع على ما يظهر من قوله : «لأنّ لكلّ شهر عمرة وهو مرتهن بالحج» فإنّ الارتهان بالحج يكشف عن كون العمرة عمرة التمتّع وإلّا فالمفردة لا توجب الارتهان بالحج.

ويؤيّد الحكم المذكور مرسل أبان بن عثمان «في الرّجل يخرج في الحاجة من الحرم ، قال : إن رجع في الشهر الّذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، فإن دخل في غيره دخل بإحرام» (٢).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢ ح ٨.

(٢) الوسائل ١٢ : ٤٠٧ / أبواب الإحرام ب ٥١ ح ٤.

١٩٩

مسألة ١٥٥ : من كانت وظيفته حجّ التمتّع لم يجز له العدول إلى غيره من إفراد أو قران (١). ويستثنى من ذلك من دخل في عمرة التمتّع ثمّ ضاق وقته فلم يتمكّن من إتمامها وإدراك الحجّ ، فإنّه ينقل نيّته إلى حجّ الإفراد ويأتي بالعمرة المفردة بعد الحجّ (٢). وحدّ الضيق المسوّغ لذلك خوف فوات الرّكن من الوقوف الاختياري في عرفات (٣).

______________________________________________________

(١) لأنّ العدول من واجب إلى واجب آخر على خلاف القاعدة ويحتاج إلى دليل خاص.

مضافاً إلى أن من كانت وظيفته التمتّع لا يشرع في حقّه الإفراد أو القِران ، لا من الأوّل ولا في الأثناء.

(٢) بلا إشكال ولا خلاف ، والنصوص في ذلك متضافرة (١).

منها صحيح الحلبي قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جميعاً ثمّ قدم مكّة والنّاس بعرفات فخشي إن هو طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يفوته الموقف ، قال : يدع العمرة فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه» (٢).

(٣) وقع الكلام في حدّ الضيق المسوّغ للعدول ، واختلفوا فيه على أقوال :

الأوّل : خوف فوات الرّكن من الوقوف الاختياري لعرفات وهو المسمّى منه. وهذا القول هو الصحيح ، ويتّضح ذلك بعرض الرّوايات الواردة في المقام كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الثّاني : خوف فوت الاختياري من وقوف عرفة ، وهو من الزوال إلى الغروب.

الثّالث : فوت الاختياري والاضطراري من عرفة.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢١.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٩٧ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢١ ح ٦.

٢٠٠