موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ١٢٦ : لا بأس بنيابة شخص عن جماعة في الحجّ المندوب (١).

______________________________________________________

قد ضاق وصار عاجزاً عن إتيان حجّ التمتّع ، فهل يتعيّن عليه العدول إلى حج الإفراد أو لا؟ وعلى فرض العدول هل تفرغ ذمّة المنوب عنه أولاً؟ وعلى فرض القول بفراغ ذمّته هل يستحق الأجير الأُجرة المسمّاة أم لا؟ فيقع البحث في موارد ثلاثة.

أمّا الأوّل : ففيه وجهان ، من إطلاق أخبار العدول (١) وعدم اختصاصها بالحج عن نفسه ، ومن انصرافها إلى الحاج عن نفسه.

والظاهر هو إطلاق الأخبار ، لعدم قصور بعض أخبار العدول للمقام ، فدعوى الانصراف في مجموع الرّوايات إلى الحاج عن نفسه ممنوعة.

وأمّا الثّاني : وهو فراغ ذمّة الميّت بما أتى به الأجير فلا ينبغي الرّيب فيه ، لأنّه بعد الالتزام بإطلاق الأخبار وشموله للحج النيابي فما يأتي به النائب بدل عمّا في ذمّة المنوب عنه بحكم الشارع ، فلا وجه لعدم الإجزاء.

وأمّا الثّالث : وهو استحقاق الأجير الأُجرة المسمّاة ، فيجري فيه التفصيل المتقدِّم من أنّه لو كان أجيراً على تفريغ ذمّة الميّت استحقّ الأُجرة المسمّاة لتسليم العمل المستأجر عليه ، وإن كان أجيراً على الأعمال فلا يستحق الأُجرة المسمّاة ، لعدم تسليم تمام العمل المستأجر عليه ، فلا بدّ من تقسيط الأُجرة بالنسبة إلى الأعمال.

(١) للنصوص الكثيرة ، منها : صحيح محمّد بن إسماعيل قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) كم أُشرك في حجّتي ، قال : كم شئت» (٢).

وربما يتوهّم أنّ مورد الأخبار هو الحجّ الصادر عن نفسه لقوله : «وكم أُشرك في حجّتي» أو قوله : «ويشرك في حجّته» وأمّا إذا كان الحجّ الصادر منه حجّا عن الغير نيابة فلا تدل الأخبار على جواز اشراك الغير في هذا الحجّ.

وهذا التوهّم وإن كان في نفسه غير بعيد ، إلّا أنّ التأمّل في الأخبار يقتضي جواز

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٩٦ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢١.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٠٢ / أبواب نيابة الحجّ ب ٢٨ ح ١.

١٤١

وأمّا الحجّ الواجب فلا يجوز فيه نيابة الواحد عن اثنين وما زاد (١). إلّا إذا كان وجوبه عليهما أو عليهم على نحو الشركة ، كما إذا نذر شخصان أن يشترك كلّ منهما مع الآخر في الاستئجار في الحجّ فحينئذ يجوز لهما أن يستأجرا شخصاً واحداً للنيابة عنهما (٢).

مسألة ١٢٧ : لا بأس بنيابة جماعة في عام واحد عن شخص واحد ميّت أو حي ، تبرّعاً أو بالإجارة فيما إذا كان الحجّ مندوباً (٣). وكذلك في الحجّ الواجب فيما إذا كان متعدِّداً ، كما إذا كان على الميّت أو الحي حجّان واجبان بنذر مثلاً أو كان

______________________________________________________

التشريك مطلقاً ولو كان الحجّ عن الغير ، لأنّه بعد الالتزام بمشروعيّة النيابة في نفسها وجواز التشريك ورجحانه لا تحتمل الاختصاص بالحج عن نفسه.

مضافاً إلى أنّ المراد بقوله : «حجّتي» أو «حجّته» هو الحجّ الصادر منه ولو كان عن الغير.

(١) في عام واحد ، لأنّ الحجّ واجب على جميع المكلّفين مستقلا فيلزم أن يكون حجّ النائب مثله على نحو الاستقلال ، فالعمل الواحد لا يقع إلّا عن واحد ، ووقوعه عن اثنين وما زاد يحتاج إلى الدليل وهو مفقود.

وبعبارة اخرى : أنّ النيابة في نفسها على خلاف القاعدة ، لعدم سقوط الواجب عن المكلّف إلّا بقيام المكلّف بنفسه بالواجب ، وأقصى ما تدل عليه أدلّة النيابة وقوع العمل الواحد عن الواحد ، وأمّا وقوعه عن اثنين فلا تقتضيه أدلّة النيابة.

(٢) لأنّ الوجوب إذا كان ثابتاً عليهما على نحو التشريك لا الاستقلال كما هو المفروض ، فلا مانع من نيابة الواحد عن اثنين وما زاد.

(٣) لإطلاق أدلّة النيابة ، ولخصوص بعض الرّوايات (١) الدالّة على أنّ الرضا (عليه السلام) استأجر ثلاثة أشخاص للحج عن نفسه.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٠٨ / أبواب نيابة الحجّ ب ٣٤ ح ١.

١٤٢

أحدهما حجّة الإسلام وكان الآخر واجباً بالنذر ، فيجوز حينئذ استئجار شخصين أحدهما لواجب والآخر لآخر ، وكذلك يجوز استئجار شخصين عن واحد أحدهما للحج الواجب والآخر للمندوب (١) بل لا يبعد استئجار شخصين لواجب واحد كحجّة الإسلام من باب الاحتياط ، لاحتمال نقصان حج أحدهما (٢).

مسألة ١٢٨ : الطّواف مستحب في نفسه فتجوز النيابة فيه عن الميّت (٣).

______________________________________________________

(١) لإطلاق أدلّة النيابة الشاملة لجميع هذه الصور ، ومقتضاه جواز التعدّد في عام واحد ولو كان أحدهما أسبق زماناً من الآخر ، لعدم الدليل على لزوم الترتيب.

(٢) إذ لا مانع من تعدد النائب ، ومقتضى إطلاق أدلّة النيابة جوازه ، كما هو الحال في بقيّة العبادات كالصّلاة والصّيام ، فيستنيب شخصين لأداء الصلاة رجاءً واحتياطاً لاحتمال بطلان أحدهما ، فكل من العملين مشروع يحتمل كونه مأموراً به تجوز الاستنابة فيه.

(٣) أي أنّ الطّواف مستحب نفسي مستقلا من دون أن يكون في ضمن الحجّ أو العمرة ، كالصلاة ونحوها من المستحبّات والعبادات المستقلّة ، فتجوز النيابة في نفس الطّواف مستقلا وإن لم يكن جزءاً للحج أو العمرة.

والّذي يدل على استحبابه النفسي نصوص كثيرة وقد عقد في الوسائل أبواباً تتضمّن ذلك (١).

كما أنّ مقتضى إطلاق جملة منها وخصوص بعضها الآخر جواز النيابة فيه عن الميّت والحي كالنصوص الواردة في الطّواف عن المعصومين (عليهم السلام) أحياءً وأمواتاً (٢).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٠٢ / أبواب الطّواف ب ٤ ، ٩.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٠٠ / أبواب نيابة الحجّ ب ٢٦.

١٤٣

وكذا عن الحي إذا كان غائباً عن مكّة ، أو حاضراً فيها ولم يتمكّن من الطّواف مباشرة (١).

مسألة ١٢٩ : لا بأس للنائب بعد فراغه من أعمال الحجّ النيابي أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه أو عن غيره كما لا بأس أن يطوف عن نفسه أو عن غيره (٢).

______________________________________________________

(١) لا فرق في استحباب النيابة في الطّواف بين كون المنوب عنه غائباً عن مكّة أو حاضراً معذوراً من المباشرة.

أمّا استحبابه عن الغائب فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار قال «قلت له : فأطوف من الرجل والمرأة وهما بالكوفة؟ فقال : نعم» (١).

وأمّا استحبابه عن الحاضر المعذور من الطّواف بنفسه فيدل عليه عدّة من النصوص الواردة في المبطون والمريض والمغمى عليه (٢).

وأمّا الحاضر غير المعذور فلا استحباب للنيابة عنه ، كما دلّ عليه صحيح إسماعيل ابن عبد الخالق قال «كنت إلى جنب أبي عبد الله (عليه السلام) وعنده ابنه عبد الله أو ابنه الّذي يليه ، فقال له رجل : أصلحك الله يطوف الرّجل عن الرّجل وهو مقيم بمكّة ليس به علّة؟ فقال : لا ، لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلاناً فطاف عنِّي سمّى الأصغر وهما يسمعان» (٣).

(٢) لأنّ المفروض استحباب ذلك كلّه في نفسه ، ولا مانع من الإتيان به.

مضافاً إلى ورود النص على جواز طواف النائب عن نفسه وعن غيره بعد الفراغ من الحجّ الّذي استنيب فيه (٤).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٩٠ / أبواب نيابة الحجّ ب ١٨ ح ١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٣٩٣ / أبواب الطّواف ب ٤٩.

(٣) الوسائل ١٣ : ٣٩٧ / أبواب الطّواف ب ٥١ ح ١.

(٤) الوسائل ١١ : ١٩٣ / أبواب نيابة الحجّ ب ٢١ ح ١.

١٤٤

الحجّ المندوب

مسألة ١٣٠ : يستحب لمن يمكنه الحجّ أن يحجّ وإن لم يكن مستطيعاً (١) أو أنّه أتى بحجّة الإسلام (٢)

______________________________________________________

وأمّا الفصل بين العمرتين في المقام فغير لازم ، لأنّ الفصل على ما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى إنّما يعتبر بين عمرتين مفردتين عن نفسه ، وأمّا في غير ذلك ، فلا يعتبر الفصل بينهما.

(١) هذا ممّا لا ينبغي الإشكال فيه ، ويكفي في استحباب الحجّ حينئذ نفس الرّوايات الدالّة على فضيلة الحجّ ، والاستطاعة الشرعيّة المعهودة إنّما تعتبر في حجّة الإسلام ، وأمّا غيرها فلا دليل على اعتبار الاستطاعة فيه ، فالمتبع إطلاق النصوص الكثيرة المشتملة على ترتب الثواب العظيم على الحجّ وفضيلته (١).

مضافاً إلى روايات خاصّة يمكن استفادة استحباب الحجّ لمن لم يكن مستطيعاً كالروايات الدالّة على أن من كان مديناً يحجّ ، أو أنّه إذا كان مديوناً يتداين أيضاً ويحجّ (٢) ، فإنّ المتفاهم من ذلك أنّ عدم التمكّن الشرعي من الحجّ لأجل الدّين لا يمنع من الإتيان بالحج.

(٢) يدل عليه بالخصوص صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال «قال لي إبراهيم بن ميمون : كنت جالساً عند أبي حنيفة فجاء رجل فسأله فقال : ما ترى في رجل قد حجّ حجّة الإسلام ، الحجّ أفضل أم يعتق رقبة؟ قال : بل يعتق رقبة ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) الحجّة أفضل من عتق رقبة ورقبة ورقبة حتّى عدّ عشراً» الحديث (٣).

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٩٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣٨.

(٢) الوسائل ١١ : ١٤٠ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٠.

(٣) الوسائل ١١ : ١١٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٤٣ ح ١.

١٤٥

ويستحب تكراره في كلّ سنة لمن يتمكّن من ذلك (١).

مسألة ١٣١ : يستحب نيّة العود على الحجّ حين الخروج من مكّة (٢).

مسألة ١٣٢ : يستحب إحجاج مَن لا استطاعة له (٣)

______________________________________________________

هذا مضافاً إلى الإطلاقات المرغّبة في الحجّ.

(١) هذا أيضاً من جملة الواضحات ، وتدل عليه روايات كثيرة ذكر صاحب الوسائل كثيراً منها في الباب الخامس والأربعين والسادس والأربعين من أبواب وجوب الحجّ (١) فراجع.

ويدل عليه أيضاً تكرّر الحجّ من النّبيّ (صلّى الله عليه وآله) والأئمّة (عليهم السلام).

(٢) يدل عليه عموم ما دلّ على استحباب نيّة الخير والعزم عليه (٢) ويؤيّده خبر عبد الله بن سنان قال «سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : من رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره» (٣).

وكذا يكره نيّة عدم العود ، ويدلُّ على ذلك موثقة الحسين الأحمسي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «من خرج من مكّة وهو لا يريد العود إليها فقد اقترب أجله ودنا عذابه» (٤).

والحسين الأحمسي وإن لم يوثق في الرّجال ولكنّه من رواة كامل الزيارات (٥).

(٣) لا ريب في أنّ التسبيب إلى الخير لا سيما مثل الحجّ الّذي فيه فضل عظيم أمر مرغوب فيه شرعاً ، ويؤكّد ذلك بصحيحة شهاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) «في

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٢٣ ، ١٣٣.

(٢) الوسائل ١ : ٤٩ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٦.

(٣) الوسائل ١١ : ١٥٠ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٧ ح ١.

(٤) الوسائل ١١ : ١٥١ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٧ ح ٢.

(٥) لاحظ معجم رجال الحديث ٦ : الرقم ٣٢٤٢ ، ٣٥٠٠.

١٤٦

كما يستحب الاستقراض للحج إذا كان واثقاً بالوفاء بعد ذلك (١) ويستحب كثرة الإنفاق في الحجّ (٢).

مسألة ١٣٣ : يستحب إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحجّ ليحج بها (٣).

______________________________________________________

رجل أعتق عشيّة عرفة عبداً له ، قال : يجزئ عن العبد حجّة الإسلام ، ويكتب للسيِّد أجران : ثواب العتق وثواب الحجّ» (١).

ويؤيّده خبر شهاب «أُمّ ولد أحجها مولاها أيجزئ عنها؟ قال : لا ، قلت : إله أجر في حجّها؟ قال : نعم» (٢). كما يؤيّد بخبر الديلمي ، ومرسلة الفقيه «من حجّ بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من الله عزّ وجلّ بالثمن» (٣).

(١) وقد عقد في الوسائل باباً مستقلا لذلك وذكر فيه روايات كثيرة تدلّ على ذلك (٤).

(٢) يدل عليه صحيحة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السلام) «أنّه قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ما من نفقة أحب إلى الله عزّ وجلّ من نفقة قصد ، ويبغض الإسراف إلّا في الحجّ والعمرة ، فرحم الله مؤمناً اكتسب طيباً وأنفق من قصد ، أو قدّم فضلاً» (٥).

(٣) لصحيحة علي بن يقطين «أنّه قال لأبي الحسن الأوّل (عليه السلام) يكون عندي المال من الزّكاة فأُحج به موالي وأقاربي؟ قال : نعم ، لا بأس» (٦) وفي صحيحة علي بن جعفر «سألته عن الصرورة أيحجه الرّجل من الزكاة؟ قال : نعم» (٧) فإذا جاز

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٥٢ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٧ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٥١ / أبواب وجوب الحجّ ب ١٦ ح ٨.

(٣) الوسائل ١١ : ١٠٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣٩ ح ١ ، وكذا ب ٤٥ ح ١٦ ، الفقيه ٢ : ١٣٩ / ٦٠٦.

(٤) الوسائل ١١ : ١٤٠ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٠.

(٥) الوسائل ١١ : ١٤٩ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٥ ح ١.

(٦) الوسائل ٩ : ٢٩٠ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ١.

(٧) الوسائل ٩ : ٢٩١ / أبواب المستحقين للزكاة ب ٤٢ ح ٤.

١٤٧

مسألة ١٣٤ : يشترط في حجّ المرأة إذن الزوج إذا كان الحجّ مندوباً (١) وكذلك المعتدة بالعدّة الرجعيّة (٢) ولا يعتبر ذلك في البائنة وفي عدّة الوفاة (٣).

أقسام العمرة

مسألة ١٣٥ : العمرة كالحج ، فقد تكون واجبة وقد تكون مندوبة ، وقد تكون مفردة وقد تكون متمتعاً بها (٤).

______________________________________________________

كان مستحبّاً لأنّه عبادة.

(١) لأنّ الخروج من بيتها بدون إذن الزوج محرم وعليها الاستئذان ، ويدلُّ على ذلك صحيح علي بن جعفر «عن المرأة إلها أن تخرج بغير إذن زوجها؟ قال : لا» (١). وفي صحيح محمّد بن مسلم «ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه» (٢).

نعم ، إذا كان الحجّ واجباً لا يعتبر إذنه ، لدلالة جملة من النصوص المعتبرة (٣). كما تقدّمت (٤).

(٢) لأنّها محكومة بالزوجيّة ، بل هي زوجة حقيقة والبينونة إنّما تحصل بعد انقضاء العدّة.

(٣) لحصول البينونة فلا موجب لاعتبار الإذن.

(٤) تنقسم العمرة (٥) كالحج إلى واجب أصلي وعرضي كالواجب بنذر وشبهه وإلى مندوب ، وتنقسم أيضاً إلى المفردة كالعمرة المستقلّة الّتي تسمّى أحياناً بالمبتولة

__________________

(١) الوسائل ٢٠ : ١٥٩ / أبواب مقدّمات النّكاح ب ٧٩ ح ٥.

(٢) الوسائل ٢٠ : ١٥٨ / أبواب مقدّمات النّكاح ب ٧٩ ح ١.

(٣) الوسائل ١١ : ١٥٥ / أبواب وجوب الحجّ ب ٥٩.

(٤) في ص ٦٩.

(٥) العمرة لغة هي الزيارة اعتمر المكان قصده وزاره أخذاً من العمارة ، لأنّ الزائر يعمر المكان بزيارته ، وشرعاً اسم لمناسك مخصوصة. المصباح المنير : ٤٢٩.

١٤٨

مسألة ١٣٦ : تجب العمرة كالحج على كلّ مستطيع واجد للشرائط ، ووجوبها كوجوب الحجّ فوري فمن استطاع لها ولو لم يستطع للحج وجبت عليه. نعم الظاهر عدم وجوبها على من كانت وظيفته حجّ التمتّع ولم يكن مستطيعاً ولكنّه استطاع لها (١) ،

______________________________________________________

لقطعها وعدم ربطها بالحج ، وإلى عمرة يتمتع بها وهي العمرة المرتبطة بالحج المسمّى بحج التمتّع.

(١) لا خلاف بين الفقهاء في وجوب العمرة على كلّ مكلّف بشرائط وجوب الحجّ وجوباً مستقلا كالحج في العمر مرّة واحدة ، وقد ادّعى صاحب الجواهر الإجماع بقسميه على ذلك (١).

ويدلُّ على وجوبها من الكتاب قوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ) (٢) وكذا قوله سبحانه (... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) ... (٣). بناءً على أنّ المراد بحجّ البيت زيارة البيت والقصد إليه وذلك يشمل العمرة أيضاً لأنّ فيها زيارة البيت والقصد إليه والطّواف حوله ، خصوصاً مع ملاحظة الصحيحة المفسّرة للآية الشريفة الّتي تدلّ على أنّ المراد بالحج ليس هو خصوص الحجّ بل المراد به الحجّ والعمرة معاً ، ففي صحيحة عمر بن أُذينة قال : «سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ (... وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ... يعني به الحجّ دون العمرة؟ قال : لا ، ولكنّه يعني الحجّ والعمرة جميعاً ، لأنّهما مفروضان» (٤).

وأمّا من السنة فهي كثيرة وفي بعضها أنّها بمنزلة الحجّ كما في صحيحة زرارة عن

__________________

(١) الجواهر ٢٠ : ٤٤١.

(٢) البقرة ٢ : ٩٦.

(٣) آل عمران ٣ : ٩٧.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٩٧ / أبواب العمرة ب ١ ح ٧.

١٤٩

وعليه فلا تجب على الأجير للحج بعد فراغه من عمل النيابة وإن كان مستطيعاً من الإتيان بالعمرة المفردة ، لكن الإتيان بها أحوط (١)

______________________________________________________

أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحجّ» (١) ومثلها صحيحة معاوية بن عمار (٢).

كما لا ريب في أنّ وجوبها فوري على من استطاع إليها ، لأنّها بمنزلة الحجّ فتكون محكومة بحكم الحجّ.

ولا يخفى أنّ مقتضى الآية الكريمة والنصوص أنّ كُلا من الحجّ والعمرة واجب مستقل لا يرتبط أحدهما بالآخر ، فيمكن الإتيان بأحدهما في عام وبالآخر في عام آخر ، فإذا استطاع لها ولم يستطع للحج وجبت عليه. نعم ، في خصوص عمرة التمتّع قد ثبت ارتباطها بالحج.

(١) وقع الكلام بين الأعلام في أنّه هل تجب العمرة المفردة مستقلا على من كانت وظيفته حج التمتّع إذا استطاع للعمرة المفردة ولم يكن مستطيعاً للحج ، فلو استطاع للعمرة في شهر رجب مثلاً وفرضنا أنّه لم يستطع للحج فهل يجب عليه الإتيان بالعمرة أم لا؟.

المشهور عدم الوجوب بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات ، وعليه فلا تجب العمرة المفردة على النائب في سنة النيابة بعد فراغه من عمل النيابة وإن كان مستطعياً للعمرة حينئذ من مكّة.

وما ذهب إليه المشهور هو الصحيح لوجوه ثلاثة :

الوجه الأوّل : أنّ أدلّة وجوب العمرة لا إطلاق لها يشمل المقام ، لأنّ تلك الأدلّة في مقام بيان أصل تشريع العمرة ، وأنّ طبيعي العمرة واجب على جميع المكلّفين كوجوب الحجّ.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٩٥ / أبواب العمرة ب ١ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٩٧ / أبواب العمرة ب ١ ح ٨.

١٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن الأخبار مجملة من حيث بيان الخصوصيّات وأفراد العمرة ، إلّا أنّا قد عرفنا من الخارج أنّ عمرة التمتّع واجبة على من بعد عن مكّة بمقدار معيّن ، والمفردة واجبة على القريب من مكّة الّذي وظيفته حج الإفراد أو القِران ، فلا إطلاق للأدلّة على وجوب العمرة المفردة بخصوصها وبعنوانها على جميع المكلّفين حتّى يتمسّك به ، ومع الشك في الوجوب فالمرجع أصالة البراءة.

الوجه الثّاني : أنّه لو فرضنا إطلاق أدلّة وجوب العمرة وشموله للبعيد والقريب وأغمضنا عمّا ذكرنا ، إلّا أنّه لا بدّ من رفع اليد عن الإطلاق للأخبار الدالّة على أنّ العمرة مرتبطة بالحج إلى يوم القيامة ، ولازم ذلك عدم وجوب العمرة مستقلا على المكلّفين ، وإنّما تجب منضمة ومرتبطة بالحج ، وهذه ليست إلّا عمرة التمتّع.

نعم ، قد خرج عن ذلك القريب من مكّة الّذي وظيفته حج الإفراد والقِران ، فإنّ الواجب عليه العمرة المفردة الّتي لا ترتبط بالحج ، ففي كلّ مورد ثبت وجوب العمرة مستقلا فهو وإلّا فلا تجب إلّا المرتبطة بالحج وهي عمرة التمتّع.

ومن الأخبار الدالّة على ما ذكرنا صحيح الحلبي قال «دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة» ونحوه صحيح آخر له (١).

نعم ، العمرة المستحبّة غير مرتبطة ويستحب الإتيان بها مستقلا من البعيد والقريب في أيّ وقت شاء كما في النصوص (٢).

الوجه الثّالث : استمرار السيرة القطعيّة على عدم إيجاب الإتيان بالعمرة المفردة على البعيد ، بل لم يتعارف إتيانها من المسلمين حتّى من النائب الّذي يتمكّن من ذلك في سنة النيابة ، وأنّه لو كان ذلك واجباً لكان من الواضحات لكثرة الابتلاء بذلك مع أنّه لم يعرف القول بالوجوب بها.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٤٠ / أبواب أقسام الحجّ ب ٣ ح ٢ ، ١٤ : ٣٠٧ / أبواب العمرة ب ٥ ح ٧.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٩٨ / أبواب العمرة ب ٢ ، ٣.

١٥١

وأمّا من أتى بحج التمتّع فلا يجب عليه الإتيان بالعمرة المفردة جزماً (١).

مسألة ١٣٧ : يستحب الإتيان بالعمرة المفردة مكرراً ، والأولى الإتيان بها في كل شهر (٢). والأظهر جواز الإتيان بعمرة في شهر وإن كان في آخره وبعمرة أُخرى في شهر آخر وإن كان في أوّله ، ولا يجوز الإتيان بعمرتين في شهر واحد. فيما إذا كانت العمرتان عن نفس المعتمر أو عن شخص آخر وإن كان لا بأس بالإتيان بالثانية رجاء (٣).

______________________________________________________

(١) بلا خلاف ولا إشكال للنصوص الكثيرة ، وقد عقد في الوسائل باباً لذلك ، ففي صحيحة معاوية بن عمار «فمن تمتع بالعمرة إلى الحجّ أيجزئ عنه ذلك؟ قال : نعم» (١).

(٢) لا ريب في استحباب التطوّع بالعمرة المفردة وتكرارها كالحج للنصوص (٢) كما لا كلام في استحباب الإتيان بها في كلّ شهر للروايات الدالّة على أنّ لكلّ شهر عمرة (٣).

(٣) قد اختلف الفقهاء في مقدار الفصل بين العمرتين على أقوال :

أحدها : اعتبار الفصل بينهما بشهر واحد ، وهو المشهور.

ثانيها : ما ذهب إليه جماعة من اعتبار الفصل بينهما بعشرة أيّام.

ثالثها : ما نسب إلى العماني من اعتبار الفصل بينهما بسنة واحدة (٤).

رابعها : عدم اعتبار الفصل بينهما فيجوز إتيانها في كلّ يوم ، اختاره صاحب الجواهر والسيِّد في العروة (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣٠٥ / أبواب العمرة ب ٥ ح ٢.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٩٨ / أبواب العمرة ب ٢.

(٣) الوسائل ١٤ : ٣٠٧ / أبواب العمرة ب ٦.

(٤) المختلف ٤ : ٣٦٨.

(٥) الجواهر ٢٠ : ٤٦٦ ، العروة الوثقى ٢ : ٣٢٢ / ٣٢٠٣.

١٥٢

ولا يعتبر هذا فيما إذا كانت إحدى العمرتين عن نفسه والأُخرى عن غيره ، أو كانت كلتاهما عن شخصين غيره ، كما لا يعتبر هذا بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع فمن اعتمر عمرة مفردة جاز له الإتيان بعمرة التمتّع بعدها ولو كانت في نفس الشهر

______________________________________________________

ووجه الاختلاف اختلاف الأخبار.

فمنها : ما يستدل به للقول الثّاني وهو اعتبار الفصل بعشرة أيّام كرواية الكليني والشيخ عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال (عليه السلام) «ولكلّ شهر عمرة ، فقلت : يكون أقل فقال : في كلّ عشرة أيّام عمرة» (١).

والرّواية ضعيفة بعلي بن أبي حمزة البطائني ، فلا يمكن المصير إلى هذا القول.

ومنها : ما استدلّ به للقول الثّالث وهو الفصل بسنة واحدة كصحيحة حريز «لا تكون عمرتان في سنة» (٢) وفي صحيحة الحلبي «العمرة في كل سنة مرّة» (٣).

وهذا القول ممّا لا يمكن الالتزام به للسيرة القطعيّة على إتيان العمرة مكررة في كل سنة بل على إتيانها في كل شهر ، فلا بدّ من طرح هذه الرّوايات ، أو حملها على عمرة التمتّع كما حملها الشيخ.

ومنها : ما يستدل به للقول الأوّل ، وهو اعتبار الفصل بشهر واحد ، وهي روايات كثيرة (٤) ، وقد حمل بعضهم الرّوايات المختلفة على اختلاف مراتب الفضل ، ولذا اختار السيِّد في العروة عدم اعتبار الفصل بين العمرتين.

والصحيح من الأقوال هو اعتبار الفصل بينهما بشهر واحد للنصوص الدالّة على ذلك ، منها صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «كان علي

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣٠٨ / أبواب العمرة ب ٦ ح ٣. الكافي ٤ : ٥٣٤ / ٣ ، التهذيب ٥ : ٤٣٤ / ١٥٠٨.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٠٨ / أبواب العمرة ب ٦ ح ٧.

(٣) الوسائل ١٤ : ٣٠٨ / أبواب العمرة ب ٦ ح ٦

(٤) الوسائل ١٤ : ٣٠٩ / أبواب العمرة ب ٦.

١٥٣

وكذلك الحال في الإتيان بالعمرة المفردة بعد الفراغ من أعمال الحجّ (١). ولا يجوز الإتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتّع والحجّ (٢).

مسألة ١٣٨ : كما تجب العمرة المفردة بالاستطاعة كذلك تجب بالنذر أو الحلف ، أو العهد أو غير ذلك (٣).

______________________________________________________

(عليه السلام) يقول : لكل شهر عمرة» (١) فإنّ المستفاد من هذه النصوص اختصاص كل شهر بعمرة ، فلا تقع عمرتان مفردتان في شهر واحد عن شخص واحد.

ثمّ إنّ المراد بالشهر هو ما بين الهلالين لا مضي مقدار ثلاثين يوماً ، ومن ثمّ يجوز الإتيان بعمرة في آخر الشهر وبعمرة أُخرى في أوّل الشهر اللّاحق ، فيكون الفصل بينهما بيوم واحد.

ويدل على أنّ المراد بالشهر ما ذكرناه موثقة إسحاق «السنة اثني عشر شهراً يعتمر لكل شهر عمرة» (٢) فإنّ المستفاد من ذلك أنّ كل شهر هلالي قابل لوقوع العمرة فيه لا اعتبار الفصل بينهما بثلاثين يوماً.

(١) لأنّ الرّوايات الدالّة على أن لكل شهر عمرة ناظرة إلى عدم تكرارها من نفسه أو عن عدم وقوع العمرتين عن شخص واحد ، لأنّ الحكم بعدم جواز الإتيان بها متكرراً في شهر انحلالي ، نظراً إلى أنّ كل شخص مكلّف بعمرة واحدة في شهر واحد ، ونتيجة ذلك جواز الإتيان بعمرة أُخرى عن شخص آخر ، وكذا يجوز الإتيان بعمرتين عن شخصين أو أكثر ، كما لا مانع من عدم الفصل بين العمرة المفردة وعمرة التمتّع ، فإنّ الرّوايات المانعة عن إتيان العمرتين في شهر واحد منصرفة إلى العمرة المفردة ، فإنّ الظاهر من قوله : «لكل شهر عمرة» هو العمرة المفردة ولا يشمل عمرة التمتّع ، لأنّ عمرة التمتّع لا تشرع إلّا في أشهر الحجّ وفي السنة مرّة واحدة.

(٢) سيأتي تفصيل ذلك في المسألة ٣٥٨ إن شاء الله تعالى.

(٣) كالشرط في ضمن العقد أو الإجارة ، وقد تجب العمرة ثانياً بإفساد العمرة

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣٠٨ / أبواب العمرة ب ٦ ح ٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٠٩ / أبواب العمرة ب ٦ ح ٨.

١٥٤

مسألة ١٣٩ : تشترك العمرة المفردة مع عمرة التمتّع في أعمالها وسيأتي بيان ذلك ، وتفترق عنها في أُمور :

(١) أنّ العمرة المفردة يجب لها طواف النِّساء ولا يجب ذلك لعمرة التمتّع (١).

______________________________________________________

الاولى ، ويدل عليه صحيح بريد العجلي قال : «سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل اعتمر عمرة مفردة فغشي أهله قبل أن يفرغ من طوافه وسعيه ، قال : عليه بدنة لفساد عمرته ، وعليه أن يقيم إلى الشهر الآخر فيخرج إلى بعض المواقيت فيحرم بعمرة» (١) وفيه كلام سيأتي في محلِّه إن شاء الله تعالى.

(١) لا خلاف بين الأصحاب في وجوب طواف النِّساء في العمرة المفردة المسمّاة بالمبتولة أيضاً (٢) بل ادّعي عليه الإجماع ، وتدل عليه عدّة من النصوص.

منها : معتبرة محمّد بن عيسى على ما في الكافي قال : «كتب أبو القاسم مخلد بن الرازي إلى الرّجل يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النِّساء والعمرة الّتي يتمتع بها إلى الحجّ؟ فكتب : أمّا العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النِّساء ، وأمّا الّتي يتمتع بها إلى الحجّ فليس على صاحبها طواف النِّساء» (٣).

ومنها : صحيحة إبراهيم بن أبي البلاد «أنّه قال لإبراهيم بن عبد الحميد يسأل له أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن العمرة المفردة على صاحبها طواف النِّساء؟ فجاء الجواب أن نعم ، هو واجب لا بدّ منه ، فدخل عليه إسماعيل بن حميد فسأله عنها فقال : نعم ، هو واجب ، فدخل بشير بن إسماعيل بن عمار الصيرفي فسأله عنها فقال : نعم ، هو واجب» (٤). ويؤيّد بخبر إسماعيل بن رباح قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن مفرد العمرة عليه طواف النِّساء ، قال : نعم» (٥).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ١٢٨ / أبواب كفارات الاستمتاع ب ١٢ ح ١.

(٢) إنّما سميت بالمبتولة لقطعها عن الحجّ وعدم ارتباطها به.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٤٢ / أبواب الطّواف ب ٨٢ ح ١ ، الكافي ٤ : ٥٣٨ / ٩.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٤٤ / أبواب الطّواف ب ٨٢ ح ٥.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٤٥ / أبواب الطّواف ب ٨٢ ح ٨.

١٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

خلافاً للمحكي عن الجعفي (١) من عدم وجوبه استناداً إلى بعض الرّوايات الّتي لا تخلو من ضعف السند أو الدلالة.

فمنها : صحيح صفوان قال : «سأله أبو حارث عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحجّ فطاف وسعى وقصّر ، هل عليه طواف النِّساء؟ قال : لا ، إنّما طواف النِّساء بعد الرّجوع من منى» (٢).

والجواب : أنّ الظاهر كون الرّواية في مقام بيان إثبات طواف النِّساء في الحجّ في قبال عدم وجوبه في عمرة التمتّع ، فالحصر إضافي بالنسبة إلى عمرة التمتّع خاصّة.

ومنها : عن يونس رواه قال «ليس طواف النِّساء إلّا على الحاج» (٣).

والجواب أوّلاً : ما تقدّم من إمكان كون الحصر إضافيّاً بالنسبة إلى عمرة التمتّع.

وثانياً : أنّ دلالته بالإطلاق ، ويمكن تخصيصه بما دلّ على وجوب طواف النِّساء في العمرة المفردة.

وثالثاً : أنّ الرّواية ضعيفة السند ، وقد قال الشيخ : إنّ هذه الرّواية موقوفة غير مسندة إلى أحد من الأئمّة (عليهم السلام) (٤).

ومنها : خبر أبي خالد مولى علي بن يقطين قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن مفرد العمرة عليه طواف النِّساء؟ قال : ليس عليه طواف النِّساء» (٥) وهو ضعيف بأبي خالد ، فإذن لا ينبغي الرّيب في وجوب طواف النِّساء في العمرة المفردة.

وأمّا عدم وجوبه في عمرة التمتّع فتدل عليه عدّة من النصوص من جملتها صحيحة محمّد بن عيسى المتقدّمة (٦) ، مضافاً إلى أنّه لم يقل أحد من العلماء بوجوبه فيها وسنذكر تفصيل ذلك في المسألة ٣٥٧ إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) نقله عنه في الدروس ١ : ٣٢٩.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٤٤ / أبواب الطّواف ب ٨٢ ح ٦.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٤٦ / أبواب الطّواف ب ٨٢ ح ١٠.

(٤) التهذيب ٥ : ٢٥٥.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٤٥ / أبواب الطّواف ب ٨٢ ح ٩.

(٦) في ص ١٥٥.

١٥٦

(٢) إنّ عمرة التمتّع لا تقع إلّا في أشهر الحجّ وهي شوال وذو القعدة وذو الحجّة (١)

______________________________________________________

(١) يقع الكلام في موضعين :

أحدهما : لا خلاف ولا ريب بين الأصحاب في وجوب وقوع عمرة التمتّع وحجه في أشهر الحجّ وقام الإجماع بقسميه عليه كما في الجواهر (١) ، فلو أتى بعمرة التمتّع أو بعضها في غير أشهر الحجّ لم يجز له أن يتمتع بها ، ولا يحسب حجّه ولا عمرته تمتعاً وتدل على ذلك نصوص (٢) كثيرة ففي بعضها «ليس تكون متعة إلّا في أشهر الحجّ» (٣).

ثانيهما : وقع الخلاف بين الفقهاء في المراد بأشهر الحجّ ، فعن بعضهم أنّها شوال وذو القعدة وتمام ذي الحجّة.

وعن آخر أنّها الشهران الأوّلان مع العشر الأوّل من ذي الحجّة.

وعن ثالث أنّها الشهران الأوّلان مع ثمانية أيّام من ذي الحجّة.

وعن رابع أنّها الشهران الأوّلان مع تسعة أيّام من ذي الحجّة وليلة يوم النحر إلى طلوع الفجر.

وعن خامس إلى طلوع الشمس من يوم النحر.

والأصح من الأقوال هو القول الأوّل ، وتدل عليه الرّوايات المعتبرة.

منها : صحيحة معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إنّ الله تعالى يقول (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ) ... (٤) وهي شوال وذو القعدة وذو الحجّة» (٥) وغير ذلك من الرّوايات

__________________

(١) الجواهر ١٨ : ١٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٨٤ / أبواب أقسام الحجّ ب ١٥ ، ١٤ : ٣١٠ / أبواب العمرة ب ٧.

(٣) الوسائل ١٤ : ٣١٢ / أبواب العمرة ب ٧ ح ٥.

(٤) البقرة ٢ : ١٩٧.

(٥) الوسائل ١١ : ٢٧١ / أبواب أقسام الحجّ ب ١١ ح ١.

١٥٧

وتصحّ العمرة المفردة في جميع الشهور (١) وأفضلها شهر رجب وبعده شهر رمضان (٢).

(٣) ينحصر الخروج عن الإحرام في عمرة التمتّع بالتقصير فقط ، ولكن الخروج عن الإحرام في العمرة المفردة قد يكون بالتقصير وقد يكون بالحلق (٣).

______________________________________________________

المصرّحة بأنّ أشهر الحجّ هي الثّلاثة.

ويمكن أن يقال : إنّ الخلاف لفظي ، وأنّه لا اختلاف في الحقيقة وأنّ صاحب كل قول يريد شيئاً لا ينافي القول الآخر ، فلا يبعد أن يكون مرادهم من هذه التحديدات هو آخر الأوقات الّتي يمكن بها إدراك الحجّ ، فمن حدده إلى نهاية ذي الحجّة أراد جواز إيقاع بعض أعمال الحجّ وواجباته إلى آخر ذي الحجّة ، ومن حدده إلى عشرة ذي الحجّة أراد إدراك المكلّف الموقف الاختياري من الوقوفين وهكذا ، فإذن لا خلاف حقيقة من حيث المبدأ والمنتهى.

(١) للنصوص المصرّحة بأنّ لكل شهر عمرة (١).

(٢) كما في الرّوايات (٢).

(٣) أمّا تعيين التقصير عليه في إحلال عمرة التمتّع فيأتي بيانه في المسألة ٣٥٠.

وأمّا التخيير بين الحلق والتقصير في العمرة المفردة فيدل عليه صحيح معاوية بن عمار «المعتمر عمرة مفردة إذا فرغ من طواف الفريضة وصلاة الرّكعتين خلف المقام والسعي بين الصفا والمروة حلق أو قصّر» (٣).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣٠٧ / أبواب العمرة ب ٦.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٠٠ / أبواب العمرة ب ٣ ، ٤.

(٣) الوسائل ١٣ : ٥١١ / أبواب التقصير ب ٥ ح ١.

١٥٨

(٤) يجب أن تقع عمرة التمتّع والحجّ في سنة واحدة على ما يأتي ، وليس كذلك في العمرة المفردة فمن وجب عليه حجّ الإفراد والعمرة المفردة جاز له أن يأتي بالحج في سنة والعمرة في سنة أُخرى (١).

______________________________________________________

(١) يقع البحث في مقامين :

الأوّل : في وجوب إيقاع عمرة التمتّع وحجّه في سنة واحدة.

الثّاني : في جواز تفريق العمرة المفردة عن حجّ الإفراد.

أمّا الأوّل : فالظاهر أنّه لا خلاف بين الفقهاء في لزوم إيقاعهما في سنة واحدة وعدم جواز التفكيك بينهما ، ويدلُّ عليه وجوه.

أحدها : الأخبار الدالّة على أنّ عمرة التمتّع مرتبطة بالحج وأنّها دخلت في الحجّ (١) وفي بعض الصحاح أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلم) شبك أصابعه بعضها إلى بعض وقال : دخلت العمرة في الحجّ إلى يوم القيامة (٢) ومعنى الارتباط أنّ مشروعيّة العمرة مرتبطة بمشروعيّة الحجّ ، فإذا أتى بالعمرة لا يجوز له تأخير الحجّ لفوريته وإلّا فقد أفسد عمرته ، ولو قلنا بصحّة عمرته في فرض تأخير الحجّ لكان ذلك منافياً للارتباط المذكور في النصوص.

وبتعبير آخر : ليس للمكلّف أن يأتي بعمرة التمتّع في هذه السنة وبالحج في السنة الآتية فإنّه بذلك يفقد الارتباط بينهما ، فلو فرضنا أنّه أتى بعمرة التمتّع في أشهر الحجّ فإنّها مشروعة له وجاز له حينئذ أن يأتي بعدها بالحج ، فلو لم يأت بالحج فقد أفسد عمله وعمرته.

وأمّا إذا أتى بعمرة التمتّع بعد أيّام الحجّ لم تكن عمرته مشروعة له ، لعدم مشروعيّة الحجّ له حينئذ ، فإذا لم يكن الحجّ مشروعاً لا تكون العمرة مشروعة له أيضاً ، إذ

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٢٠٤ / أبواب أقسام الحجّ ب ٣ ح ٢ ، ١٤ : ٣٠٦ / أبواب العمرة ب ٥ ح ٧ وكذا ب ٧ ح ٣.

(٢) الوسائل ١١ : ٢٥٣ / أبواب أقسام الحجّ ب ٤ ح ٢٤.

١٥٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المفروض أنّهما مرتبطان ، فمشروعيّة كلّ منهما مرتبطة بالآخر.

ثانيها : النصوص الدالّة على أنّ المعتمر بعمرة التمتّع محتبس في مكّة حتّى يحجّ وليس له الخروج من مكّة إلّا محرماً للحج (١) فإنّ عدم جواز الخروج له إلّا محرماً للحج يدل بوضوح على عدم جواز الافتراق بين العمرة والحجّ وعلى لزوم الإتيان بهما في سنة واحدة.

ثالثها : خلو الرّوايات البيانيّة لكيفيّة حجّ التمتّع عن الافتراق بين العمرة والحجّ (٢) ، ولو كان جائزاً لأُشير إليه ولو في رواية واحدة ، وذلك يكشف عن عدم جواز التفكيك بينهما.

رابعها : أنّ النصوص الدالّة على وجوب الحجّ على أهل الجِدة والثروة في كل عام مرّة واحدة (٣) يستفاد منها أن حجّ التمتّع من وظائف السنة الواحدة ، ولو كان الافتراق بين العمرة والحجّ جائزاً وجاز الإتيان بهما في سنتين لكان ذلك منافياً لهذه الرّويات.

وبعبارة اخرى : يظهر من هذه النصوص أنّ كل سنة لها حج واحد ولا بدّ من وقوع الحجّ في سنة واحدة ، ومن المعلوم أنّ حج التمتّع مركب من العمرة والحجّ ، فالأخبار تدل على لزوم إيقاع الحجّ والعمرة في سنة واحدة ، وأنّ الوظيفة في كلّ سنة هي الإتيان بالحج والعمرة معاً ، نظير الصلوات المفروضة فإنّها من وظائف كل يوم وصلاة الجمعة فإنّها من وظائف كل أسبوع ، والعمرة المفردة فإنّها من وظائف كل شهر.

نعم ، لا إشكال في حمل هذه النصوص على الاستحباب بقرينة ما نعلمه أنّ الحجّ لا يجب في العمر إلّا مرّة واحدة ولكن ذلك غير دخيل في الاستفادة المذكورة.

خامسها : ما دلّ من الأخبار على أن من لم يأت بالعمرة إلى زوال يوم التروية ، أو

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٣٠١ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٢١٢ / أبواب أقسام الحجّ ب ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ١٦ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢.

١٦٠