موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

مسألة ١٠٥ : لا بأس بنيابة المملوك عن الحر إذا كان بإذن مولاه (١).

مسألة ١٠٦ : لا بأس بالنيابة عن الصبي (٢) كما لا بأس بالنيابة عن المجنون ، بل يجب الاستئجار عنه إذا استقرّ عليه الحجّ في حال إفاقته ومات مجنوناً (٣).

مسألة ١٠٧ : لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه ، فتصح نيابة الرّجل عن المرأة وبالعكس (٤).

______________________________________________________

المنوب عنه وصحّة استئجاره واستنابته ، الوثوق بصدور العمل الصحيح من النائب وتكفي في إحراز الصحّة أصالة الصحّة بعد إحراز عمل الأجير.

(١) لا دليل على اعتبار الحرّيّة في النائب ، فيجوز للعبد أن ينوب عن غيره حرّا كان أو عبداً ، لأنّه مؤمن عارف بالحق فلا محذور في نيابته وتشمله إطلاقات الأدلّة.

نعم ، بما أنّ تصرّفاته مملوكة لمولاه فلا بدّ من إذنه لصحّة النيابة.

(٢) لعدم قصور أدلّة النيابة ، فإنّ إطلاقها يشمل النيابة عنه ولا ينافي ذلك عدم شمول التكليف له.

(٣) أمّا إذا استقرّ عليه الحجّ حال إفاقته ثمّ مات فيجب الاستئجار عنه ، لأنّه دين عليه والجنون غير مسقط لدينه ، وإنّما تسقط مباشرته بنفسه بالأداء.

وأمّا النيابة عنه في غير فرض الاستقرار فلا تخلو من إشكال ، لأنّه كالبهائم من هذه الجهة ولا معنى للاستنابة عنه ، ولذا قيّدنا الصبي بكونه مميّزاً وإلّا فحاله كالحيوانات. نعم ، لا بأس بالاستنابة عن المجنون رجاءً.

(٤) لا خلاف في الجملة بين الفقهاء في أنّه لا تشترط المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والأُنوثة ، فتصح نيابة الرّجل عن المرأة وبالعكس ، وإنّما اختلفوا في نيابة الصرورة في بعض الموارد ، وسيأتي حكمها في المسألة الآتية.

ويدلُّ على عدم اعتبار المماثلة بين النائب والمنوب عنه الأخبار :

منها : صحيح حكم بن حكيم «يحجّ الرّجل عن المرأة والمرأة عن الرّجل والمرأة

١٢١

مسألة ١٠٨ : لا بأس باستنابة الصرورة عن الصرورة وغير الصرورة ، سواء كان النائب أو المنوب عنه رجلاً أو امرأة (١).

______________________________________________________

عن المرأة» (١).

ومنها : صحيح معاوية بن عمار «الرّجل يحجّ عن المرأة ، والمرأة تحج عن الرّجل؟ قال : لا بأس» (٢).

وبإزائهما ما دلّ على أنّ المرأة لا تنوب عن الرّجل الصرورة ، وهو موثق عبيد بن زرارة قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : الرّجل الصرورة يوصي أن يحجّ عنه هل تجزئ عنه امرأة؟ قال : كيف تجزي امرأة وشهادته شهادتان ، قال : إنّما ينبغي أن تحج المرأة عن المرأة والرّجل عن الرّجل ، وقال : لا بأس أن يحجّ الرّجل عن المرأة» (٣) فإن صدر الرّواية ظاهر في عدم جواز نيابة المرأة عن الرّجل الصرورة ولكن مقتضى ذيلها جواز الاختلاف مطلقاً واستحباب المماثلة. وأمّا السند فطريق الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال وإن كان ضعيفاً بعلي بن محمّد بن الزُّبير ولكن قد ذكرنا في محلِّه أنّ طريق الشيخ متحد مع طريق النجاشي وطريقه إليه صحيح والتفصيل يطلب في محلِّه (٤).

(١) لإطلاق أدلّة النيابة ولإطلاق بعض الرّوايات المتقدّمة قريباً الدالّة على إلغاء المماثلة بين النائب والمنوب عنه في الذكورة والأُنوثة ، فإنّها كافية لإلغاء اعتبار المماثلة من جهة الصرورة وغيرها.

وهنا قولان آخران :

أحدهما : ما حكي عن الشيخ في النهاية والمبسوط والتهذيب (٥) من عدم جواز

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٧ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٦ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٨ ح ٢.

(٣) الوسائل ١١ : ١٧٩ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٢٩ ح ٢.

(٤) راجع شرح العروة ٧ : ٧٠.

(٥) النهاية : ٢٨٠ ، المبسوط ١ : ٣٢٦ ، التهذيب ٥ : ٤١٣.

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

حجّ المرأة الصرورة عن غيرها ، لا عن الرّجال ولا عن النِّساء.

ثانيهما : ما اختاره الشيخ في الاستبصار من أنّ المرأة الصرورة لا تنوب عن الرّجال فقط (١).

واستدلّ للقول الأوّل بخبر علي بن أحمد بن أشيم عن سليمان بن جعفر قال : «سألت الرضا (عليه السلام) عن امرأة صرورة حجّت عن امرأة صرورة ، قال : لا ينبغي» (٢) بناءً على أنّ المراد بقوله : «لا ينبغي» هو المنع كما هو الشائع في الكتاب والسنّة من هذا التعبير ، فإذا كانت نيابتها عن المرأة الصرورة غير جائزة فعدم جواز نيابتها عن الرّجل الصرورة أولى.

ولكن الخبر ضعيف بابن أشيم ، مضافاً إلى أنّ الخبر خصّ المنع بما إذا كان المنوب عنه صرورة أيضاً ، وأمّا إذا لم يكن صرورة فلا دليل على المنع ، فما استدلّ به الشيخ أخصّ من مدّعاه.

واستدلّ للقول الثّاني بعدّة من الرّوايات كلّها ضعيفة.

منها : خبر مصادف «أ تحج المرأة عن الرّجل؟ فقال : نعم ، إذا كانت فقيهة مسلمة وكانت قد حجّت ، ربّ امرأة خير من رجل» (٣) قال الشيخ بعد ذكر هذا الحديث فشرط في جواز حجّتها مجموع الشرطين : الفقه بمناسك الحجّ ، وأن تكون قد حجّت فيجب اعتبارهما معاً.

ولكن الخبر ضعيف بمصادف وباللؤلؤي.

ومنها : خبر آخر لمصادف «في المرأة تحج عن الرّجل الصرورة؟ فقال : إن كانت قد حجّت وكانت مسلمة فقيهة ، فربّ امرأة أفقه من رجل» (٤) فإنّه بالمفهوم يدل على المنع عن نيابتها إذا كانت صرورة. وهو ضعيف بسهل بن زياد وبمصادف.

__________________

(١) الإستبصار ٢ : ٣٢٢.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٩ / أبواب نيابة الحجّ ب ٩ ح ٣.

(٣) الوسائل ١١ : ١٧٧ / أبواب نيابة الحجّ ب ٨ ح ٧.

(٤) الوسائل ١١ : ١٧٧ / أبواب نيابة الحجّ ب ٩ ح ٣.

١٢٣

نعم ، يكره استنابة الصرورة على إشكال [في المناسك الطبعة الثانية عشرة : نعم المشهور أنه يكره استنابة الصرورة ولا سيما ...]، ولا سيما إذا كان النائب امرأة والمنوب عنه رجلاً (١).

______________________________________________________

ومنها : خبر زيد الشحام «يحجّ الرّجل الصرورة عن الرّجل الصرورة ولا تحج المرأة الصرورة عن الرّجل الصرورة» (١) وهو ضعيف بمفضل الواقع في السند.

فتحصل : أنّه لا دليل على عدم جواز نيابة المرأة الصرورة عن الرّجل الصرورة أو المرأة الصرورة ، فالمرجع إطلاق أدلّة النيابة ومقتضاه جواز نيابة المرأة مطلقاً عن الرّجال والنِّساء.

(١) أمّا خصوصيّة نيابة المرأة الصرورة عن الرّجل فلذكرها بالخصوص في الرّوايات المتقدّمة الّتي استدلّ بها الشيخ ، وقد عرفت ضعفها.

وأمّا كراهة نيابة مطلق الصرورة ولو كان رجلاً عن رجل فلم يستبعدها السيِّد في العروة (٢) واستظهرها صاحب الجواهر (٣) من بعض النصوص وقد استدلّ بروايتين :

الاولى : مكاتبة بكر بن صالح المعتبرة ، قال : «كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) أنّ ابني معي وقد أمرته أن يحجّ عن أُمّي أيجزئ عنها حجّة الإسلام؟ فكتب : لا وكان ابنه صرورة ، وكانت أُمّه صرورة» (٤) والرواية معتبرة سنداً ، وبكر بن صالح وإن لم يوثق في كتب الرّجال ولكنّه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي وهم ثقات.

ولكن دلالتها على الكراهة مخدوشة ، لأنّ الرّواية ناظرة إلى الإجزاء وعدمه بعد الفراغ عن وقوع الفعل في الخارج ، ولا نظر لها إلى كراهة النيابة وعدمها الّتي هي موضوع البحث.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٨ / أبواب نيابة الحجّ ب ٩ ح ١.

(٢) العروة الوثقى ٢ : ٢٩٥ / ٣١٤٧.

(٣) الجواهر ١٧ : ٣٦٥.

(٤) الوسائل ١١ : ١٧٤ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٦ ح ٤.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا ما يظهر من الرّواية من الحكم بعدم الإجزاء عن المنوب عنه فمحمول على كون المنوب عنه حيّاً ولم يكن الحجّ الصادر من النائب بتسبيب من المنوب عنه والحجّ عن الحي إنّما يجزئ عنه إذا كان الحجّ بأمر وتسبيب منه ، لظهور قوله في روايات النيابة عن الحي «فليجهّز رجلاً» أو «ليبعث» (١) في التسبيب ، ولا يكتفى بالتبرّع عنه.

الرّواية الثّانية : مكاتبة إبراهيم بن عقبة المعتبرة قال : «كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحجّ قط ، حجّ عن صرورة لم يحجّ قط أيجزئ كلّ واحد منهما تلك الحجّة عن حجّة الإسلام أو لا؟ بيّن لي ذلك يا سيِّدي إن شاء الله ، فكتب (عليه السلام) : لا يجزئ ذلك» (٢). والسند معتبر ، فإنّ إبراهيم وإن لم يوثق في كتب الرّجال ولكنّه من رجال كامل الزيارات.

والجواب عن ذلك : ما تقدّم من أنّ الرّواية ليست ناظرة إلى حكم الاستنابة جوازاً أو منعاً ، وإنّما هي ناظرة إلى الإجزاء وعدمه بعد فرض وقوع العمل خارجاً وقد حكم في الرّواية بعدم الإجزاء عن النائب والمنوب عنه.

أمّا عدم الإجزاء عن المنوب عنه ، فلأنه لم يكن الحجّ بتسبيبه ، وقد تقدّم أنّ ظاهر الرّوايات الدالّة على الإجزاء في الحجّ عن الحي إنّما هو في فرض صدور الحجّ بأمر من الحي لظهور قوله : «فليجهز» في التسبيب ، ولم يفرض في الرّواية كون الحجّ الصادر بتسبيب من المنوب عنه ، وقول السائل «حج عن صرورة لم يحجّ» ظاهر في أنّ المنوب عنه حي وإلّا لقال حج عن ميّت. ولو فرض إطلاقها وشمولها للحي والميّت فتحمل على صورة الحي ، فتكون النتيجة الإجزاء عن الميّت بالتبرّع كما في الحجّ المندوب ، وعدم الإجزاء في الحجّ الواجب عن الحي.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤.

(٢) الوسائل ١١ : ١٧٣ / أبواب نيابة الحجّ ب ٦ ح ٣.

١٢٥

ويستثنى من ذلك ما إذا كان المنوب عنه رجلاً حيّاً ، ولم يتمكّن من حجّة الإسلام ، فإنّ الأحوط فيه لزوماً استنابة الرّجل الصرورة (١).

______________________________________________________

وأمّا عدم الإجزاء عن النائب فواضح ، لعدم المقتضي لأنّ النائب لم يقصد الحجّ عن نفسه فلا معنى للإجزاء عن نفسه.

(١) للأمر بذلك في جملة من الرّوايات المعتبرة ، منها : صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «إنّ عليّاً (عليه السلام) رأى شيخاً لم يحجّ قط ولم يطق الحجّ من كبره ، فأمره أن يجهّز رجلاً فيحج عنه» (١) فإنّها تدل على أن يكون النائب رجلاً.

ومنها : صحيحة الحلبي قال : «وإن كان موسراً وحال بينه وبين الحجّ مرض أو حصر أو أمر يعذره الله فيه ، فإنّ عليه أن يحجّ عنه من ماله صرورة لا مال له» (٢) فإنّها دالّة على أن يكون النائب صرورة. وظاهر النص هو الوجوب ولا موجب لرفع اليد عنه.

ودعوى أنّ ذكر الرّجل من باب المثال لا شاهد لها. بل يمكن القول بوجوب استنابة الرّجل الصرورة حتّى إذا كان المنوب عنه ميّتاً ، لصحيحة معاوية بن عمار «في رجل صرورة مات ولم يحجّ حجّة الإسلام وله مال ، قال : يحجّ عنه صرورة لا مال له» (٣).

ولكن بإزائها صحيحة أبي أيّوب «امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجّة وقد حجّت المرأة ، فقالت : إن كان يصلح حججت أنا عن أخي وكنت أنا أحق بها من غيري؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : لا بأس بأن تحج عن أخيها وإن كان لها مال فلتحج من مالها فإنّه أعظم لأجرها» (٤). ومقتضى الجمع العرفي بينهما هو الالتزام

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ١.

(٢) الوسائل ١١ : ٦٣ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٤ ح ٢.

(٣) الكافي ٤ : ٣٠٦ / ٣ وروى مضمونه في الوسائل ١١ : ٧١ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٨ ح ١.

(٤) الوسائل ١١ : ١٧٦ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٨ ح ١.

١٢٦

مسألة ١٠٩ : يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر ، فلو مات الكافر مستطيعاً وكان الوارث مسلماً لم يجب عليه استئجار الحجّ عنه (١).

______________________________________________________

باستحباب نيابة الصرورة عن الميّت.

وممّا يدل على جواز نيابة غير الصرورة عن الميّت ، صحيح حكم بن حكيم «إنسان هلك ولم يحجّ ولم يوص بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلاً أو امرأة إلى أن قال فقال : إن كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعاً وأجزأ الّذي أحجه» (١) وهو صريح في الإجزاء مع كون النائب غير صرورة ، ومعنى الإجزاء عنهما ترتب الثواب على عمل النائب وتفريغ ذمّة المنوب عنه.

فتحصل من جميع ما ذكرنا : أنّ كراهة استنابة الصرورة لا دليل عليها ، وما استدلّ به ضعيف سنداً أو دلالة كما عرفت ، بل أمر استنابة الصرورة يدور بين الاستحباب والوجوب.

(١) يقع البحث في موضعين :

أحدهما : في النيابة عن المشرك.

ثانيهما : في النيابة عن أهل الكتاب.

أمّا الأوّل : فلا ريب في عدم صحّة النيابة عن المشرك ومن هو أسوأ منه كالملحد مطلقاً سواء في الواجبات والمندوبات ، وذلك لعدم قابليتهما للتقرّب إلى الله تعالى لعدم الاعتراف بالوحدانيّة أو عدم الاعتراف به تعالى أصلاً ، وقد قال الله تعالى (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) ... (٢) فهم غير قابلين للغفران وأنّهم كالأنعام بل هم أضل ، فكما لا تجوز النيابة عن الحيوانات لا يجوز عنهم.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٦ / أبواب نيابة الحجّ ب ٨ ح ٣.

(٢) التّوبة ٩ : ١١٣.

١٢٧

والناصب كالكافر (١)

______________________________________________________

وأمّا الثّاني : كاليهود والنّصارى ، والمجوس بناءً على أنّهم من أهل الكتاب ، فيقع البحث في مقامين.

أحدهما : في لزوم النيابة عنه في الحجّ الواجب إذا كان الوارث مسلماً.

ثانيهما : في النيابة عنه في الحجّ المندوب سواء كان حيّاً أو ميّتاً.

أمّا الأوّل : فإن قلنا بعدم تكليف الكافر بالفروع كما هو المختار فالأمر واضح لعدم وجوب الحجّ عليه فلا موضوع للاستنابة عنه ، فلا موجب لإخراج الحجّ من تركته.

وإن قلنا بأنّهم مكلّفون بالفروع كما هو المشهور فأدلّة النيابة منصرفة عن الكافر ، لأنّ الظاهر من روايات النيابة ومن الأسئلة الّتي وردت فيها ، وقوع السؤال عمّن يتوقع منه الحجّ ولم يحجّ كالمسلم ، فإنّ الظاهر من قوله : «رجل مات ولم يحجّ ولم يوص» ونحو ذلك هو الّذي يتوقّع منه الحجّ ، فلا يشمل الكافر الّذي لا يتوقع منه الحجّ.

هذا مضافاً إلى جريان السيرة على عدم الاستئجار للكافر.

وأمّا الثّاني : وهو النيابة عنه في المندوبات سواء كان حيّاً أو ميّتاً فيشكل الحكم بعدم جواز النيابة عنهم ، لأنّ الكتابي قابل للتقرّب إلى الله تعالى وقابل للإحسان إليه بالحج وبغيره من العبادات ، كما لا مانع بالإحسان إليهم من أنواع الخيرات ممّا ينتفع به الكافر ولو بالتخفيف في عقابه.

(١) بل هذا أخبث وأشد بعداً من الله تعالى ، وقد ورد المنع عن النيابة عنه في النص وهو صحيح وهب بن عبد ربّه قال : «قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أيحجّ الرّجل عن الناصب؟ فقال : لا ، قلت : فإن كان أبي ، قال : إن كان أباك فنعم» (١).

ولا يعارضه موثقة إسحاق بن عمار «قلت وإن كان ناصباً ينفعه ذلك؟ قال : نعم

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٩٢ / أبواب نيابة الحجّ ب ٢٠ ح ١.

١٢٨

إلّا أنّه يجوز لولده المؤمن أن ينوب عنه في الحجّ (١).

مسألة ١١٠ : لا بأس بالنيابة عن الحي في الحجّ المندوب تبرّعاً كان أو بإجارة (٢) وكذلك في الحجّ الواجب إذا كان معذوراً عن الإتيان بالعمل مباشرة على ما تقدّم ولا تجوز النيابة عن الحي في غير ذلك [في المناسك الطبعة الثانية عشرة زيادة قوله : وأمّا النيابة عن الميت فهي جائزة مطلقاً ، سواء كانت بإجارة أو تبرّع وسواء كان الحج واجباً أو مندوباً](٣).

مسألة ١١١ : يعتبر في صحّة النيابة تعيين المنوب عنه بوجه من وجوه التعيين (٤)

______________________________________________________

يخفف عنه» (١) لإطلاقها فتحمل على كون الناصب أباً للنائب.

(١) لما عرفته في هذه الصحيحة : من قوله «إن كان أباك فنعم».

(٢) هذا ممّا لا ريب فيه ولا إشكال ، وقد دلّت على ذلك روايات كثيرة وقد عقد في الوسائل الباب ٢٥ من أبواب النيابة لاستحباب التطوّع بالحج والعمرة عن المؤمنين أحياءً وأمواتاً (٢) ، وعليه السيرة وعمل الأصحاب. وقال الشهيد في الدروس : وقد أُحصي في عام واحد خمسمائة وخمسون رجلاً يحجّون عن علي بن يقطين صاحب الكاظم (عليه السلام) وأقلّهم بسبعمائة دينار وأكثرهم عشرة آلاف دينار (٣).

(٣) لا ريب في أنّ مقتضى القاعدة عدم سقوط الواجب عن ذمّة المكلّف بفعل شخص آخر ، ولذا لا تجوز النيابة عن الحي في الواجبات أصلاً ، ولكن ورد النص في خصوص الحجّ الواجب أنّه يجب على المستطيع العاجز عن المباشرة لهرم أو مرض أن يرسل شخصاً ليحج عنه على ما تقدّم تفصيله في المسألة ٦٣.

(٤) ولو بالإجمال ، لقابليّة وقوع الفعل عن متعدِّد لا يتشخّص لأحدهم إلّا بتعيينه.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٩٧ / أبواب نيابة الحجّ ب ٢٥ ح ٥.

(٢) الوسائل ١١ : ١٩٦.

(٣) الدروس ١ : ٣١٩.

١٢٩

ولا يشترط ذكر اسمه (١) كما يعتبر فيها قصد النيابة (٢).

مسألة ١١٢ : كما تصحّ النيابة بالتبرّع وبالإجارة تصحّ بالجعالة وبالشرط في ضمن العقد ونحو ذلك (٣).

مسألة ١١٣ : من كان معذوراً في ترك بعض الأعمال ، أو في عدم الإتيان به على الوجه الكامل لا يجوز استئجاره ، بل لو تبرّع المعذور وناب عن غيره يشكل الاكتفاء بعمله (٤).

______________________________________________________

(١) يدل عليه صحيح البزنطي أنّه قال : «سأل رجل أبا الحسن الأوّل (عليه السلام) عن الرّجل يحجّ عن الرّجل يسمّيه باسمه؟ قال : إن الله لا يخفى عليه خافية» (١).

نعم ، في صحيحة محمّد بن مسلم أنّه يسمّيه قال «قلت له : ما يجب على الّذي يحجّ عن الرّجل؟ قال : يسمّيه في المواطن والمواقف» (٢) إلّا أنّ الجمع العرفي بينهما يقتضي حمل ما دلّ على التسمية على الاستحباب.

(٢) فإنّ العمل الصادر عن شخص لا يقع عن غيره إلّا إذا قصد النائب بعمله النيابة عن الغير ، فإنّ النيابة عنوان قصدي لا يتحقق إلّا بالقصد ، فإنّ النائب وإن كان يمتثل الأمر المتوجّه إلى نفسه بسبب النيابة ولا يقصد امتثال الأمر المتوجّه إلى المنوب عنه ، ولكن متعلّق أمر النائب العمل للغير فلا بدّ وأن يقصد بعمله نيابته عن الغير.

(٣) لإطلاق أدلّة الجعالة ونفوذ الشرط.

(٤) قد ذكرنا في بحث قضاء الصلاة (٣) ، أنّ من كان مكلّفاً بإتيان واجب من الواجبات يجب عليه أن يأتي به تام الأجزاء والشرائط ، ولا ينتقل الأمر إلى البدل الفاقد لبعض الأجزاء والشرائط إلّا بعد العذر عن إتيان الواجد ، ومقام الاستنابة

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٨٨ / أبواب نيابة الحجّ ب ١٦ ح ٥.

(٢) الوسائل ١١ : ١٨٧ / أبواب نيابة الحجّ ب ١٦ ح ١.

(٣) في المسألة [١٨٢٤].

١٣٠

نعم ، إذا كان معذوراً في ارتكاب ما يحرم على المحرم كمن اضطرّ إلى التظليل فلا بأس باستئجاره واستنابته (١). ولا بأس لمن دخل مكّة بعمرة مفردة أن ينوب عن غيره لحج التمتّع ، مع العلم أنّه لا يستطيع الإحرام إلّا من أدنى الحل (٢) كما لا بأس بنيابة النِّساء أو غيرهنّ ممّن تجوز لهم الإفاضة من المزدلفة قبل طلوع الفجر والرّمي ليلاً للحج عن الرّجل أو المرأة.

______________________________________________________

كذلك ، فإنّ الواجب على الوصي مثلاً استنابة طبيعي النائب ولا يختص بشخص خاص ، فإذا فرضنا أنّه يتمكّن من استنابة القادر على إتيان الواجب بأجزائه وشرائطه لا وجه للاكتفاء بنيابة العاجز عن أدائه كاملاً ، لعدم الدليل على ذلك في فرض التمكّن من استنابة القادر ، إلّا إذا فرض أن يصير جميع من يقبل النيابة عاجزاً وهذا فرض نادر جدّاً.

وبما ذكرنا ظهر أنّ التبرّع بالناقص لا يوجب فراغ ذمّة المنوب عنه ، لأنّ الواجب عليه هو العمل الكامل ومع التمكّن من الإتيان به ولو بالتسبيب والاستئجار لا دليل على الاكتفاء بما يأتي به المتبرّع ناقصاً.

(١) لعدم نقص في أجزاء المأمور به وشرائطه ، وإنّما ارتكب أمراً خارجاً عن أعمال الحجّ وأجزائه وشرائطه كان محرماً على المحرم في حال الاختيار ، والمفروض أنّ النائب معذور في ارتكابه ، فلا يكون الحجّ الصادر منه عملاً ناقصاً وبدلاً اضطراريّاً حتّى يقال بأنّه لا يجوز استئجاره مع التمكّن من استئجار من يتمكّن من إتيان المأمور به التام الكامل ، بل يمكن أن يقال بجواز استئجار من يأتي بالتروك عمداً ، لأنّها خارجة وأجنبيّة عن أعمال الحجّ ، ولا يوجب ارتكابها نقصاً في أجزاء الحجّ.

(٢) لأنّ جواز الإحرام له من أدنى الحل حينئذ حكم ترخيصي في نفسه ثابت له وليس بدلاً اضطراريّاً حتّى لا تجوز نيابته ، وكذلك بالنسبة إلى النِّساء وغيرهنّ ممّن تجوز لهم الإفاضة من المزدلفة ليلاً والرّمي في اللّيل ، فإنّ ذلك جائز لهم في نفسه وقد

١٣١

مسألة ١١٤ : إذا مات النائب قبل أن يحرم لم تبرأ ذمّة المنوب عنه ، فتجب الاستنابة عنه ثانية فيما تجب الاستنابة فيه (١). وإن مات بعد الإحرام أجزأ عنه وإن كان موته قبل دخول الحرم على الأظهر (٢).

______________________________________________________

رخص رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) لهم ذلك كما في النصوص (١) ، فليس الحكم الثابت لهم حكماً عذريّاً حتّى يقال بعدم جواز استنابتهم مع التمكّن من غيرهم.

(١) لما تقدّم من كون الأصل عدم فراغ ذمّة المنوب عنه بمجرّد الاستئجار وعدم صدور العمل المستأجر عليه من النائب ، وإن مات في الطريق وقبل أن يشرع في الأعمال ، وذلك لأنّ موضوع الإجزاء حسب ما يستفاد من النص ، هو الشروع في الأعمال ولو بالدخول في الإحرام ، وأمّا إذا سافر ومات في الطريق قبل أن يحرم فلا يصدق عليه أنّه شرع في الأعمال ، فإنّ الخروج من البيت والسفر ونحو ذلك ممّا يتوقف عليه الحجّ من مقدّمات الحجّ للوصول إلى إعماله ، وليس من أعمال نفس الحجّ وأفعاله ، فما دلّ على الإجزاء بالشروع في بعض الأعمال لا يشمل ما إذا خرج من البيت قاصداً للحج ومات قبل أن يحرم ، خصوصاً إذا مات النائب في بيته ومنزله قبل أن يشرع في السفر.

(٢) لصدق عنوان أنّه مات في الطريق بعد الشروع في الأعمال وقبل الانتهاء من مناسكه ، كما في موثق إسحاق بن عمار قال : «سألته عن الرّجل يموت فيوصي بحجّة فيعطى رجل دراهم يحجّ بها عنه فيموت قبل أن يحجّ ، ثمّ أعطى الدراهم غيره ، فقال : إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزئ عن الأوّل» (٢) فإنّ الظاهر منه هو الحكم بالإجزاء إذا تحقق الموت قبل أن ينتهي من مناسكه وبعد الشروع فيها ولو بالدخول في الإحرام.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٨ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ١٧.

(٢) الوسائل ١١ : ١٨٥ / أبواب نيابة الحجّ ب ١٥ ح ١.

١٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا يعارضه موثق عمار الساباطي «في رجل حج عن آخر ومات في الطريق ، قال : وقد وقع أجره على الله ، ولكن يوصي ، فإنّ قدر على رجل يركب في رحله ويأكل زاده فعل» (١) لأنّه مطلق من حيث الإحرام وعدمه ، فالنسبة بينه وبين موثق إسحاق نسبة العموم والخصوص المطلق ، ومقتضى الجمع العرفي بينهما هو الإجزاء بعد الإحرام وعدمه قبل الإحرام.

فالنتيجة : أنّ النائب إذا مات بعد الإحرام وإن لم يدخل الحرم تبرأ ذمّة المنوب عنه وأجزأ عنه.

وأمّا إذا مات بعد الإحرام وبعد الحرم فلا ينبغي الرّيب في الإجزاء ، لا لكون الحكم كذلك في الحاج عن نفسه لعدم التلازم بين حكم النائب والمنوب عنه ، بل لأنّ الإجزاء في هذه الصورة هو القدر المتيقن من موثق إسحاق بن عمار المتقدّم.

فتحصل ممّا تقدّم أنّ صور المسألة أربع :

الأُولى : إذا مات النائب في بيته ومنزله قبل أن يشرع في السفر ، فلا ريب في عدم الإجزاء ، لما عرفت أنّ مجرّد الاستنابة لا يوجب براءة ذمّة المنوب عنه ، خلافاً لصاحب الحدائق مستشهداً بعدّة من الرّوايات الضعيفة سنداً ودلالة (٢).

الثّانية : إذا مات بعد الإحرام ودخول الحرم فلا إشكال في الإجزاء ، لأنّه القدر المتيقن من موثقة إسحاق بن عمار.

الثّالثة : ما إذا مات النائب بعد الإحرام وقبل الدخول في الحرم ، فالأقوى هو الإجزاء لموثق إسحاق بن عمار.

الرّابعة : ما إذا مات بعد الشروع في السفر وفي الطريق ولكن مات قبل الإحرام فالظاهر عدم الإجزاء للأصل وعدم شمول النص لهذه الصورة.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٨٦ / أبواب نيابة الحجّ ب ١٥ ح ٥.

(٢) لاحظ الحدائق ١٤ : ٢٥٧.

١٣٣

ولا فرق في ذلك بين حجّة الإسلام وغيرها ، ولا بين أن تكون النيابة بأُجرة أو تبرّع (١).

مسألة ١١٥ : إذا مات الأجير بعد الإحرام استحق تمام الأُجرة ، إذا كان أجيراً على تفريغ ذمّة الميّت ، وأمّا إذا كان أجيراً على الإتيان بالأعمال استحقّ الأُجرة بنسبة ما أتى به (٢). وإن مات قبل الإحرام لم يستحق شيئاً (٣). نعم ، إذا كانت المقدّمات داخلة في الإجارة استحقّ من الأُجرة بقدر ما أتى به منها (٤).

______________________________________________________

(١) لإطلاق الأدلّة في الجميع.

(٢) قد عرفت أنّ الأجير إذا مات بعد الإحرام أو بعد الإحرام وبعد الدخول في الحرم تبرأ ذمّة المنوب عنه ، ولكن وقع الكلام في أنّه هل يستحق الأجير تمام الأُجرة أم فيه تفصيل؟.

والظاهر هو التفصيل ، وهو أنّه إذا كان أجيراً على تفريغ ذمّة الميّت يستحق تمام الأُجرة لفراغ ذمّة الميّت بالعمل الصادر من النائب. والتفريغ وإن لم يكن مقدوراً للأجير ولكنّه مقدور له بالواسطة ، كالإجارة على التطهير فإنّه مقدور له بالواسطة وإن لم يكن بنفسه غير مقدور له ، ولا يعتبر في صحّة الإجارة تعلّقها بما هو مقدور بنفسه ، بل تصح ولو تعلّقت بالمقدور بالواسطة.

وأمّا إذا كان أجيراً على نفس الأعمال والأفعال المخصوصة فيستحق الأُجرة بالنسبة إلى ما أتى به من الأعمال.

(٣) كما لو مات في البصرة مثلاً وهو في طريقه إلى الحجّ فإنّه لا يستحق من الأُجرة شيئاً على كل تقدير ، لأنّه لو كان أجيراً على تفريغ الذمّة فهو غير حاصل لأنّ المفروض أنّه مات قبل الإحرام ولا دليل على الإجزاء في هذه الصورة ، ولو كان أجيراً على الإتيان بالأعمال المخصوصة فالمفروض أنّه لم يأت بشي‌ء منها فلا موجب لاستحقاق الأُجرة.

(٤) أمّا لو كان أجيراً على الأعمال وإتيان المقدّمات معاً كما هو المتعارف في الحجّ

١٣٤

مسألة ١١٦ : إذا استأجر للحج البلدي ولم يعيّن الطريق كان الأجير مخيراً في ذلك (١) وإذا عيّن طريقاً لم يجز العدول منه إلى غيره (٢) فإن عدل وأتى بالأعمال فإن كان اعتبار الطريق في الإجارة على نحو الشرطيّة دون الجزئيّة استحقّ الأجير تمام الأُجرة (٣) وكان للمستأجر خيار الفسخ ، فإن فسخ يرجع إلى أُجرة المثل. وإن كان اعتباره على نحو الجزئيّة كان للمستأجر الفسخ أيضاً (٤)

______________________________________________________

البلدي فتوزع الأُجرة عليهما بالنسبة.

وربما يقال بأنّه وإن لم يستحق اجرة المسمّى ولكنّه يستحق اجرة المثل لما أتى به من المقدّمات كالسفر إلى المدينة المنوّرة مقدّمة للحج لاحترام عمل المسلم نظير استحقاق اجرة المثل في الإجارة الفاسدة.

والجواب : أنّه لا يقاس المقام بباب الإجارة الفاسدة ، لأن إتيان العمل المستأجر عليه في الإجارة الفاسدة مستند إلى أمر المستأجر وذلك موجب للضمان ، فإنّ العمل الصادر من الأجير يوجب ضمان المسمّى لو كانت الإجارة صحيحة ويوجب ضمان المثل إذا كانت الإجارة فاسدة ، لأنّ العمل وقع بأمر المستأجر وذلك موجب للضمان عند العقلاء ، وهذا بخلاف المقام فإنّ إتيان المقدّمات لم يكن بأمر من المستأجر وإنّما يأتي الأجير بها اختياراً لغرض وصوله إلى ما استؤجر عليه ، نظير ما لو استأجر للصلاة فتوضأ أو اغتسل الأجير ثمّ عجز عن أداء الصلاة أو مات ، فإنّه لا يستحق اجرة المثل لوضوئه أو غسله.

(١) إذ لا موجب للتعيين.

(٢) بمقتضى عقد الإجارة.

(٣) لإتيانه بمتعلّق الإجارة ، والشرط لا يوجب تقسيط الثمن بالنسبة إليه ، وإنّما يوجب الخيار عند التخلّف للمستأجر ، فإن فسخ يرجع الأجير إلى أُجرة المثل ، وأمّا اجرة المسمّى فلا يستحقها الأجير لانفساخ الإجارة ، وأمّا اجرة المثل فيستحقها على المستأجر لأنّ العمل صدر بأمره.

(٤) لأنّ المفروض أنّ الأجير لم يسلّم العمل الّذي صار ملكاً للمستأجر فيثبت له

١٣٥

فإن لم يفسخ استحقّ من الأُجرة المسماة بمقدار عمله ويسقط بمقدار مخالفته.

مسألة ١١٧ : إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معيّنة لم تصح إجارته عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضاً (١) وتصحّ الإجارتان مع اختلاف السنتين ، أو مع عدم تقيّد إحدى الإجارتين أو كلتيهما بالمباشرة.

مسألة ١١٨ : إذا آجر نفسه للحج في سنة معيّنة لم يجز له التأخير ولا التقديم (٢)

______________________________________________________

الخيار ، فإن أعمل المستأجر خياره وفسخ فله استرجاع الأُجرة المسمّاة من الأجير لأنّ اجرة المسمّاة إنّما يستحقها الأجير إذا كان عقد الإجارة باقياً ، وأمّا إذا انهدم وانفسخ فلا موجب للاستحقاق ، كما أنّه لا موجب لاستحقاق الأجير الأُجرة على الطريق الآخر الّذي عدل إليه الأجير ، لأنّه لم يقع عليه عقد الإجارة ولم يصدر بأمر من المستأجر.

وإن لم يفسخ استحقّ من الأُجرة المسمّاة بمقدار عمله ويسقط بمقدار مخالفته لتقسيط الأُجرة على ذلك ، لأنّ المفروض أخذ الطريق على نحو الجزئيّة.

(١) لأنّه بعد أن وجب عليه العمل بالإجارة الاولى لا يتمكّن من تسليم متعلّق الإجارة الثّانية فتبطل الإجارة الثّانية ، إذ المعتبر في صحّة الإجارة أن يكون متعلّقها مقدور التسليم ولذا لا تصح إجارة العبد الآبق ونحو ذلك.

وبعبارة اخرى : لا ريب أنّ المستأجر الأوّل ملك العمل على الأجير في السنة الأُولى بمقتضى اشتراط المباشرة ، فهو غير قادر على تسليم العمل للمستأجر الآخر فإجارته الثّانية باطلة لأنّها تقع على أمر لا يقدر على تسليمه.

هذا إذا كانت الإجارتان واقعتين في سنة واحدة وكان كلّ منهما مقيّداً بالمباشرة وأمّا إذا كان أحدهما مطلقاً من حيث المباشرة أو كان كلتاهما غير مقيّدة بها صحّت الإجارتان لحصول القدرة على التسليم.

(٢) للزوم العمل على طبق عقد الإجارة.

١٣٦

ولكنّه لو قدّم أو أخّر برئت ذمّة المنوب عنه (١) ولا يستحق الأُجرة إذا كان التقديم أو التأخير بغير رضي المستأجر (٢).

مسألة ١١٩ : إذا صُدّ الأجير ، أو أُحصر فلم يتمكّن من الإتيان بالأعمال كان حكمه حكم الحاج عن نفسه (٣) ويأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى ، وانفسخت الإجارة إذا كانت مقيّدة بتلك السنة (٤) ويبقى الحجّ في ذمّته إذا لم تكن مقيّدة بها (٥).

مسألة ١٢٠ : إذا أتى النائب بما يوجب الكفّارة فهي من ماله سواء كانت النيابة بإجارة أو بتبرّع (٦).

مسألة ١٢١ : إذا استأجره للحج بأُجرة معيّنة فقصرت الأُجرة عن مصارفه لم يجب على المستأجر تتميمها ، كما أنّها إذا زادت عنها لم يكن له استرداد الزائد (٧).

______________________________________________________

(١) لأنّ المفروض أنّ العمل المستأجر عليه واجد لجميع الأجزاء والشرائط وقد أتى به عن المنوب عنه فلا مانع من الاجتزاء به ، والتقديم أو التأخير لا أثر له بالنسبة إلى وقوع العمل صحيحاً أو فاسداً ، وإنّما يؤثر في استحقاق الأُجرة وعدمه.

(٢) لعدم الإتيان بمورد الإجارة فلا مقتضي للاستحقاق.

(٣) لإطلاق روايات الصد والإحصار ، فإنّ مقتضاه عدم الفرق بين كون الحجّ عن نفسه أو عن غيره.

(٤) لعدم القدرة على التسليم.

(٥) لعدم انفساخ الإجارة فتكون ذمّته مشغولة بالحج ويأتي به في السنة اللّاحقة.

(٦) لأنّ النائب هو المباشر فالتكليف متوجّه إليه بنفسه ولا مقتضي لضمان المنوب عنه.

(٧) لأنّه بعد ما رضي الأجير بأُجرة معيّنة وتمّ عقد الإيجار على ذلك فلا مقتضي لوجوب التتميم على المستأجر ، كما أنّها إذا زادت عنها لم يكن للمستأجر استرداد الزائد ، لأنّ الأجير ملك الأُجرة بعقد الإجارة فلا موجب لردّ الزائد.

١٣٧

مسألة ١٢٢ : إذا استأجره للحج الواجب أو المندوب فأفسد الأجير حجّة بالجماع قبل المشعر وجب عليه إتمامه (١) وأجزأ المنوب عنه (٢) وعليه الحجّ من قابل وكفّارة بدنة. والظاهر أنّه يستحق الأُجرة ، وإن لم يحجّ من قابل لعذر أو غير عذر (٣)

______________________________________________________

(١) لعدم الفرق بين الأجير والحاج عن نفسه بالنسبة إلى هذا الحكم ، فإنّ الظاهر من الأدلّة أنّ ذلك من أحكام الحجّ من دون دخل لكون الحجّ عن نفسه أو عن غيره.

(٢) لأن ما أتى به الأجير أوّلاً هو الواجب الأصلي ، والحجّ الّذي يأتي به من قابل كفارة وعقوبة على نفس الأجير. وتدل على ذلك صحيحتان لإسحاق بن عمار :

الاولى : قال «سألته عن الرّجل يموت فيوصي بحجّة ، فيعطي رجل دراهم يحجّ بها عنه فيموت قبل أن يحجّ ، ثمّ أعطى الدراهم غيره ، فقال : إن مات في الطريق أو بمكّة قبل أن يقضي مناسكه فإنّه يجزئ عن الأوّل ، قلت : فإن ابتلى بشي‌ء يفسد عليه حجّه حتّى يصير عليه الحجّ من قابل أيجزئ عن الأوّل؟ قال : نعم ، قلت : لأنّ الأجير ضامن للحج؟ قال : نعم» (١).

الثّانية : «في الرّجل يحجّ عن آخر فاجترح في حجّه شيئاً يلزمه فيه الحجّ من قابل أو كفارة؟ قال : هي للأوّل تامّة ، وعلى هذا ما اجترح» (٢).

(٣) لأنّ المفروض أنّه أتى بالواجب الأصلي الّذي استؤجر عليه وسلم الأجير العمل بكماله وتمامه إلى المستأجر فلا وجه لعدم استحقاق الأُجرة ، وعدم الإتيان بالحج الثّاني في السنة القادمة لا يؤثر في فراغ ذمّة المنوب عنه وفي إتيان العمل المستأجر عليه ، لأنّ إتيان الحجّ من قابل من الوظائف المقررة لنفس الأجير وذمّته مشغولة به ، وهو أجنبي عن العمل المستأجر عليه.

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٨٥ / أبواب نيابة الحجّ ب ١٥ ح ١ ، ٢.

(٢) الوسائل ١١ : ١٨٥ / أبواب نيابة الحجّ ب ١٥ ح ١ ، ٢.

١٣٨

وتجري الأحكام المذكورة في المتبرّع أيضاً غير أنّه لا يستحق الأُجرة (١).

مسألة ١٢٣ : الأجير وإن كان يملك الأُجرة بالعقد ولكن لا يجب تسليمها إليه إلّا بعد العمل إذا لم يشترط التعجيل (٢). ولكن الظاهر جواز مطالبة الأجير للحج الأُجرة قبل العمل ، وذلك من جهة القرينة على اشتراط ذلك ، فإنّ الغالب أنّ الأجير لا يتمكّن من الذهاب إلى الحجّ أو الإتيان بالأعمال قبل أخذ الأُجرة.

مسألة ١٢٤ : إذا آجر نفسه للحج فليس له أن يستأجر غيره إلّا مع إذن المستأجر (٣).

______________________________________________________

(١) لما عرفت من أنّ هذه الأحكام أحكام الحجّ من دون دخل لكون الحجّ عن نفسه أو عن غيره بإجارة أو بتبرّع ، وإذا كان متبرّعاً بالحج فلا يستحق الأُجرة لا على الحجّ الأوّل ولا على الثّاني ، أمّا على الأوّل فلعدم المقتضي ، وأمّا على الثّاني فلأنه عقوبة وكفارة على نفس المباشر للعمل.

(٢) لأنّ الأجير ما لم يسلّم العمل إلى المستأجر ليس له أن يطالب بأُجرة عمله لبناء المعاملات والمعاوضات على التسليم والتسلم ، إلّا إذا كان هناك قرينة على لزوم إعطاء الأُجرة قبل العمل ، كما إذا اشترط التعجيل أو كان في البين انصراف إلى التعجيل ، ومن جملة موارد قيام القرينة على لزوم إعطاء الأُجرة قبل العمل ما ذكره (دام ظله) بقوله : ولكن الظاهر إلخ.

(٣) لا ريب في أنّ مقتضى إطلاق عقد الإجارة هو مباشرة الأجير ، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلّا مع الإذن صريحاً أو ظاهراً ، لأنّ رضي المستأجر قد تعلّق بالمباشرة ولم يعلم تعلّقه بالتسبيب واستئجار الغير ، فالتبديل يحتاج إلى رضى جديد من المستأجر.

نعم ، ربّما يستدل لجواز التسبيب بما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى قال «قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) : ما تقول في الرّجل يعطي الحجّة فيدفعها إلى

١٣٩

مسألة ١٢٥ : إذا استأجر شخصاً لحج التمتّع مع سعة الوقت ، واتّفق أنّ الوقت قد ضاق فعدل الأجير عن عمرة التمتّع إلى حجّ الإفراد وأتى بعمرة مفردة بعده برئت ذمّة المنوب عنه ، لكن الأجير لا يستحق الأُجرة إذا كانت الإجارة على نفس الأعمال. نعم ، إذا كانت الإجارة على تفريغ ذمّة الميّت استحقها (١).

______________________________________________________

غيره؟ قال : لا بأس» (١) ولكن السيِّد في العروة حملها على صورة العلم بالرّضا من المستأجر (٢) إلّا أنّه لا قرينة على هذا الحمل.

والصحيح أن يقال : إنّ الرّواية ضعيفة سنداً ودلالة.

أمّا ضعف السند ، فبالأحول أو جعفر الأحول المذكورين في موضعين من التهذيب (٣) ولم يعلم أنّ المراد به أبو جعفر الأحول المعروف الثقة. والوسائل وإن رواها عن أبي جعفر الأحول ، ولكن لا يمكن الاعتماد على نسخة الوسائل ، لمخالفتها للتهذيب الّذي هو مصدر الرّواية. وبأبي سعيد الواقع في السند ، فإنّ المراد به سهل بن زياد فإنّه مكنى بهذه الكنية أيضاً ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في كتابنا معتمد العروة (٤).

وأمّا ضعف الدلالة ، فلأنها لم ترد في مورد الإجارة ، وإنّما ذكر فيها إعطاء الحجّة وهو أعم من الاستئجار ، فلعله أعطى له الحجّة على نحو المساعدة لا على نحو الاستئجار والاستنابة ، فحينئذ يجوز له إعطاء الحجّة إلى غيره ، فتكون الرّواية أجنبية عن المقام.

(١) لا يجوز لمن عليه حجّ التمتّع استئجار من ضاق وقته عن أداء حجّ التمتّع ، لعدم قدرة الأجير على تسليم العمل المستأجر عليه فتقع الإجارة باطلة.

وأمّا لو استأجر شخصاً يتمكّن من حجّ التمتّع لسعة الوقت ، ولكن اتّفق أنّ الوقت

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٨٤ / أبواب النيابة في الحجّ ب ١٤ ح ١.

(٢) العروة الوثقى ٢ : ٣٠٦ / ٣١٦٤.

(٣) التهذيب ٥ : ٤١٧ / ١٤٤٩ ، ٤٦٢ / ١٦٠٩.

(٤) راجع شرح العروة ٢٧ : ٧٢.

١٤٠