موسوعة الإمام الخوئي

السيّد محمّد رضا الموسوي الخلخالي

نعم ، إذا لم يف تمام حصّته بمصرف الحجّ لم يجب عليه الاستئجار بتتميمه من ماله الشخصي (١).

مسألة ٨٢ : من مات وعليه حجّة الإسلام وتبرّع متبرّع عنه بالحج لم يجب على الورثة الاستئجار عنه ، بل يرجع بدل الاستئجار إلى الورثة (٢).

______________________________________________________

ويكون شريكاً مع المنكر في النصف الّذي أخذه المنكر ، فإن كان المنكر جاحداً يجوز للمعترف أن يأخذ بقيّة حصّته منه مقاصة ، وإن كان جاهلاً يقيم عليه الدعوى عند الحاكم ، هذا ما تقتضيه القاعدة.

مضافاً إلى ما دلّ عليه موثقة إسحاق بن عمّار «في رجل مات فأقرّ بعض ورثته لرجل بدين ، قال : يلزم ذلك في حصّته» (١) وظاهرها ثبوت الدّين بتمامه في حصّة المقر.

وربّما يتوهّم معارضته بخبر أبي البختري قال : «قضى علي (عليه السلام) في رجل مات وترك ورثة فأقرّ أحد الورثة بدين على أبيه ، أنّه يلزم ذلك في حصّته بقدر ما ورث ولا يكون ذلك في ماله كلّه إلى أن قال وكذلك إن أقرّ بعض الورثة بأخ أو أُخت إنّما يلزمه في حصّته» (٢) بدعوى أنّ المستفاد منه توزيع الدّين.

ولكن الرّواية ضعيفة سنداً بأبي البختري الّذي قيل في حقّه إنّه من أكذب البريّة. ودلالة ، لاحتمال أن يكون المراد من العبارة عدم التتميم من ماله الشخصي ، وأنّه يلزم على المعترف دفع الدّين من حصّته ولا يلزم عليه دفعه من سائر أمواله الشخصيّة الّتي لم يرثها من المورث.

(١) إذ لا موجب ولا دليل على تتميم مال الإجارة من ماله الشخصي فيسقط وجوب الاستئجار حينئذ.

(٢) لفراغ ذمّة الميّت بالتبرّع عنه فلا مجال للاستئجار عنه ، ويدلُّ على صحّة

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ٣٢٤ / أبواب الوصايا ب ٢٦ ح ٣.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٢٥ / أبواب الوصايا ب ٢٦ ح ٥.

١٠١

نعم ، إذا أوصى الميّت بإخراج حجّة الإسلام من ثلثه لم يرجع بدله إلى الورثة ، بل يصرف في وجوه الخير أو يتصدّق به عنه (١).

______________________________________________________

التبرّع عنه صحيح معاوية بن عمار «عن رجل مات ولم يكن له مال ولم يحجّ حجّة الإسلام فأحج (فحج) عنه بعض إخوانه هل يجزئ ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال : بل هي حجّة تامّة» (١).

وأمّا رجوع بدل الاستئجار إلى الورثة فلارتفاع المانع وهو الحجّ.

(١) لأنّ الوصيّة كما عرفت مانعة من انتقال المال إلى الورثة ، فيكون المال باقياً على ملك الميّت فلا بدّ من صرفه في شؤونه وجهاته ، فإن أمكن صرف المال الموصى به في الجهة المعيّنة من قبله فهو ، وإلّا فيصرف في جهات أُخر من وجوه البر الأقرب فالأقرب إلى غرضه ، لأنّ غرض الميّت من الوصيّة إيصال الثواب إلى نفسه ، فإن عيّن مصرفاً خاصّاً لذلك وأمكن الصرف فيه فهو المتعيّن ، وإلّا فينتقل الأمر إلى كيفيّة أُخرى من إيصال الثواب إليه.

وبعبارة اخرى : الوصيّة بالحج أو بغيره من أعمال الخير تنحل في الحقيقة إلى أمرين ، وتكون الوصيّة من باب تعدد المطلوب حسب القرينة العامّة والمتفاهم العرفي ، فإنّ الغرض الأوّل للميّت من الوصيّة بصرف المال في الحجّ أو في غيره من وجوه البر هو إيصال الثواب إلى نفسه ، والغرض الثّاني هو صرف المال في جهة خاص وإيصال الثواب إليه على نحو ما عيّنه ، فإن تعذّر الثّاني يتعيّن الأوّل ، فيصرف المال في وجوه الخير من التصدّق وغيره مع ملاحظة الأقرب فالأقرب.

ثمّ إنّ في المقام رواية تدل على صرف المال الموصى به إذا لم يمكن صرفه في الحجّ في التصدّق عنه ، وهي رواية علي بن مزيد (فرقد) (٢) ولكنّها ضعيفة سنداً

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٧٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣١ ح ١.

(٢) الوسائل ١٩ : ٣٤٩ / أبواب الوصايا ب ٣٧ ح ٢.

١٠٢

مسألة ٨٣ : من مات وعليه حجّة الإسلام وأوصى بالاستئجار من البلد وجب ذلك (١). ولكن الزائد على اجرة الميقات يخرج من الثلث (٢). ولو أوصى بالحج ولم يعيّن شيئاً اكتفى بالاستئجار من الميقات (٣) إلّا إذا كانت هناك قرينة على إرادة الاستئجار من البلد ، كما إذا عيّن مقداراً يناسب الحجّ البلدي (٤).

مسألة ٨٤ : إذا أوصى بالحج البلدي ولكن الوصي أو الوارث استأجر من الميقات بطلت الإجارة ، إن كانت الإجارة من مال الميّت (٥) ولكن ذمّة الميت تفرغ من الحجّ بعمل الأجير (٦).

______________________________________________________

ولا حاجة إليها بعد ما كانت القاعدة تقتضي جواز صرف المال في مطلق وجوه الخير من التصدّق وغيره بعد تعذّر صرفه في الجهة المعيّنة.

(١) لوجوب تنفيذ الوصيّة.

(٢) لأنّ الّذي يجب إخراجه من الأصل إنّما هو بدل الحجّ الواجب عليه وهو الحجّ الميقاتي ، وأمّا الزائد على ذلك فغير واجب عليه ، فيدخل في باب تنفيذ الوصيّة بمقدار الثلث ، فإن كان بمقداره نفذت الوصيّة ، وإن كان أكثر فلا ، لأنّ الزائد على الثلث قد انتقل إلى الورثة.

(٣) لما عرفت من أنّ الواجب الاستئجار عن الميّت من الميقات.

(٤) فإنّ المتّبع حينئذ هو القرينة أخذاً بظهور الكلام.

(٥) لأنّ التصرّف في مال الميّت حينئذ تصرّف غير مشروع ، ولكن الوصي أو الوارث يضمن اجرة المثل للأجير.

(٦) لأنّه فرد للواجب وهو حج صحيح ولا توجب المخالفة فساده ، وبطلان الإجارة لا ينافي صحّة العمل الصادر من الأجير.

١٠٣

مسألة ٨٥ : إذا أوصى بالحج البلدي من غير بلده ، كما إذا أوصى أن يستأجر من النجف مثلاً ، وجب العمل بها ويخرج الزائد عن اجرة الميقاتيّة من الثلث (١).

مسألة ٨٦ : إذا أوصى بالاستئجار عنه لحجّة الإسلام وعيّن الأُجرة لزم العمل بها ، وتخرج من الأصل إن لم تزد على اجرة المثل ، وإلّا كان الزائد من الثلث (٢).

مسألة ٨٧ : إذا أوصى بالحج بمال معيّن وعلم الوصي أنّ المال الموصى به فيه الخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجه أوّلاً وصرف الباقي في سبيل الحجّ (٣)

______________________________________________________

(١) إنّما يتمّ ذلك بناءً على عدم وجوب الحجّ من البلد كما هو المختار فحينئذ يتعيّن العمل بالوصيّة لوجوب تنفيذها. وأمّا بناءً على القول الآخر من وجوب الاستئجار عن الميّت من البلد فلا أثر لهذه الوصيّة ، لأنّها على خلاف السنة المقررة من قبل الشرع ، بل لا بدّ من الحجّ عنه من البلد الّذي مات فيه أو بلد الاستيطان على الخلاف.

(٢) إذا فرضنا أنّ الميّت عيّن الأُجرة لزم العمل بذلك لوجوب العمل على طبق الوصيّة ، وتخرج من الأصل فيما إذا لم تزد على اجرة المثل ، وإلّا كان الزائد من الثلث إذ لا موجب لخروجه من أصل المال ، لأن الثابت في أصل المال إنّما هو مصرف الحجّ على النحو المتعارف ، والزائد عليه يحسب من الثلث ، لأنّ الميّت له الحق في التصرّف بتركته بمقدار الثلث.

(٣) لأنّ المال الموصى به قد تعلّق به حقّ الغير فيجب على الوصي إيصاله إلى أهله ، وإخراج الحجّ من الباقي إذا كان وافياً به ، وإن لم يف الباقي بمصارف الحجّ لزم تتميمه من أصل التركة إذا كان الموصى به حجّة الإسلام ، لكونها تخرج من أصل المال ، وإن لم يكن الموصى به حجّة الإسلام ولم يكن المال وافياً به لا يجب عليه تتميمه من الأصل ، لأن الخارج منه إنّما هو خصوص حجّة الإسلام لا جميع أقسام الحجّ.

١٠٤

فإن لم يف الباقي بمصارفه لزم تتميمه من أصل التركة إن كان الموصى به حجّة الإسلام ، وإلّا صرف الباقي في وجوه البر (١).

مسألة ٨٨ : إذا وجب الاستئجار للحج عن الميّت بوصيّة أو بغير وصيّة وأهمل من يجب عليه الاستئجار فتلف المال ضمنه ، ويجب عليه الاستئجار من ماله (٢).

مسألة ٨٩ : إذا علم استقرار الحجّ على الميّت وشكّ في أدائه وجب القضاء عنه ، ويخرج من أصل المال (٣).

______________________________________________________

(١) لما عرفت من انحلال الوصيّة في الحقيقة إلى أمرين وغرضين فإذا تعذّر أحدهما يتعيّن الآخر ، إذ لا موجب لسقوطه.

(٢) لأنّ المال كان عنده أمانة شرعيّة ، فإذا أهمل وفرّط فيما تحت يده ولم يصرفه في مصرفه صارت يده حينئذ يد خيانة وعادية فيحكم عليه بالضمان ، ويجب عليه الاستئجار عملاً بالوصيّة.

(٣) إذا علم استقرار الحجّ عليه ولم يعلم أنّه أتى به أم لا ، فالظاهر وجوب القضاء عنه ، لأنّ موضوعه وجوب الحجّ عليه وعدم الإتيان به ، أمّا الوجوب فلأنه محرز وجداناً على الفرض ، وأمّا عدم الأداء فلأصالة عدم الإتيان به ، ولا عبرة بظاهر حال المسلم خصوصاً إذا كان غير صالح وغير ملتزم بأداء الواجبات ، فإنّه لا يوجب إلّا الظن بالأداء وهو لا يغني من الحق شيئاً.

وربما يقال بأنّ الحجّ بمنزلة الدّين الواجب كما في النص (١) وقد ثبت في محلِّه (٢) أنّ الدّين لا يثبت على الميّت باستصحاب عدم الإتيان به إلّا بضمّ اليمين إليه.

والجواب : أنّ ما دلّ على لزوم اعتبار ضمّ اليمين في إثبات الدّين على الميّت إنّما هو

__________________

(١) الوسائل ١١ : ٦٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٥ ح ٥.

(٢) مباني تكملة المنهاج ١ : ١٨.

١٠٥

مسألة ٩٠ : لا تبرأ ذمّة الميّت بمجرّد الاستئجار ، فلو علم أنّ الأجير لم يحجّ لعذر أو بدونه وجب الاستئجار ثانياً ، ويخرج من الأصل (١). وإن أمكن استرداد الأُجرة من الأجير تعيّن ذلك ، إذا كانت الأُجرة من مال الميّت (٢).

مسألة ٩١ : إذا تعدّد الاجراء فالأحوط استئجار أقلّهم أُجره ، إذا كانت الإجارة بمال الميّت (٣). وإن كان الأظهر جواز استئجار المناسب لحال الميّت من حيث الفضل والشرف ، فيجوز استئجاره بالأزيد (٤).

______________________________________________________

مكاتبة الصفار المعتبرة «وكتب : أو تقبل شهادة الوصي على الميّت مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : نعم ، من بعد يمين» (١) فإنّ المستفاد من هذه العبارة عدم ثبوت الدّين على الميّت بشهادة العدلين وقيام البيّنة فقط ، وإنّما يثبت بعد ضمّ اليمين إلى البيّنة فحجية البيّنة ورد عليها التخصيص ، وأمّا الاستصحاب فلا يستفاد من الرّواية إلغاء حجّيته في باب الدّين ، ولا نظر للرواية إلى الاستصحاب أصلاً ، فلا تخصيص لأدلّة الاستصحاب.

(١) لا ريب في أنّ الّذي يوجب فراغ ذمّة الميّت إنّما هو أداء العمل ، ومجرّد الاستئجار لا يكفي في براءة ذمّة الميّت ولا ذمّة الوارث أو الوصي عن الحجّ عنه ، لأنّ الواجب عليهما تفريغ ذمّة الميّت والحجّ عنه ، ومجرّد الاستئجار بلا أداء العمل لا يحقق التفريغ ، فلو علم أنّ الأجير لم يؤدّ لعذر أو غيره وجب الاستئجار ثانياً ويخرج من الأصل ، وقد عرفت أنّ الحجّ كالدين في إخراجه من أصل المال.

(٢) وإلّا لكان تضييعاً لمال الميّت.

(٣) إذ لا موجب لاستئجار الأكثر أُجرة بعد إمكان استئجار الأقل أُجرة ، فيكون التصرّف في الزائد تصرّفاً غير مشروع.

(٤) لأنّ الرّوايات الآمرة بالحج منصرفة إلى المتعارف ممّا يناسب مقام الميّت وشأنه ووجاهته.

__________________

(١) الوسائل ٢٧ : ٣٧١ / أبواب الشهادات ب ٢٨ ح ١.

١٠٦

مسألة ٩٢ : العبرة في وجوب الاستئجار من البلد أو الميقات بتقليد الوارث أو اجتهاده لا بتقليد الميّت أو اجتهاده ، فلو كان الميّت يعتقد وجوب الحجّ البلدي والوارث يعتقد جواز الاستئجار من الميقات لم يلزم على الوارث الاستئجار من البلد (١).

مسألة ٩٣ : إذا كانت على الميّت حجّة الإسلام ولم تكن له تركة لم يجب الاستئجار عنه على الوارث (٢). نعم ، يستحب ذلك على الولي (٣).

______________________________________________________

(١) إذا اختلف تقليد الميّت والوارث أو اجتهادهما في اعتبار البلديّة أو الميقاتيّة فالمدار على تقليد الوارث أو اجتهاده لا الميّت ، فإنّ الوارث إذا رأى وجوب الحجّ البلدي فالمال بمقداره حسب رأيه باق على ملك الميّت ولم ينتقل إليه ، فلا يجوز له التصرّف فيه إلّا في الحجّ عنه من البلد ، ولا عبرة بعدم اعتقاد الميّت الوجوب من البلد ، فحال الحجّ البلدي حال ثبوت الدّين على الميّت ، فإنّ الوارث إذا اعتقد أنّ مورّثه مدين يجب عليه أداؤه ولا يجوز له التصرّف في ذلك المال لعدم انتقاله إليه وإن اعتقد الميّت عدمه أو غفل عنه ، ولو انعكس الأمر بأن اعتقد الوارث كفاية الحجّ الميقاتي فالمتبع أيضاً نظر الوارث ، لأنّ المال الزائد عن الميقاتي قد انتقل إليه حسب اعتقاده فالمال ماله ويجوز له التصرّف فيه ، ولا أثر لاعتقاد الميّت.

(٢) لأنّ النصوص الآمرة بالإحجاج عنه من صلب ماله ، أو من جميع المال ونحو ذلك واضحة الدلالة على أنّ الحجّ يخرج من تركته ، فإن لم تكن له تركة فلا موضوع للحكم المذكور.

(٣) لا ريب في استحباب التطوّع بالصّلاة والصّوم والحجّ وجميع العبادات عن الميّت ، والأخبار في ذلك متكاثرة جدّاً (١) وقد ورد في الحجّ : أنّ رجلاً مات ولم يكن له مال ولم يحجّ حجّة الإسلام فحجّ عنه بعض إخوانه وأنّه يجزئ ذلك عنه (٢) ولكن

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢.

(٢) الوسائل ١١ : ٧٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٣١ ح ١.

١٠٧

مسألة ٩٤ : إذا أوصى بالحج ، فإن علم أنّ الموصى به هو حجّة الإسلام أُخرج من أصل التركة ، إلّا فيما إذا عيّن إخراجه من الثلث (١). وأمّا إذا علم أنّ الموصى به غير حجّة الإسلام ، أو شكّ في ذلك فهو يخرج من الثلث (٢).

______________________________________________________

لا اختصاص بالولي بل يستحب ذلك من كلّ أحد.

نعم ، ورد في رواية معتبرة أنّ الولد يبر والديه حيّين وميّتين ، يصلِّي عنهما ويتصدّق عنهما ويحجّ عنهما ويصوم عنهما (١) ونحوها صحيحة معاوية بن عمار (٢) وبمضمونها وردت روايات كثيرة ، فلا ينبغي الرّيب في استحباب ذلك على الولي أيضاً ، لشمول النصوص له ، ولأنه إحسان منه إلى الميّت ، وأمّا استحباب ذلك على الولي بعنوانه فلا دليل عليه.

وأمّا ما ورد في صحيح ضريس من قضاء الولي حجّة الإسلام (٣) فمورده ما إذا كان للميّت مال وكان مستطيعاً وخرج حاجّاً حجّة الإسلام فمات في الطريق ، فلا يشمل من مات مفلساً لا مال له ولم يحجّ حجّة الإسلام.

(١) تقدّم حكم هذه المسألة في المسألة الثّالثة والسبعين.

(٢) إذا كان الموصى به غير حجّة الإسلام فلا دليل على إخراجه من أصل التركة وما وجب إخراجه من الأصل إنّما هو خصوص حجّة الإسلام لأنّها بمنزلة الدّين وأمّا بقيّة أقسام الحجّ من الحجّ النذري أو الإفسادي وغيرهما فلم يدل دليل على خروجها من الأصل ، وقد ذكرنا سابقاً (٤) أنّه لا دليل على خروج كل واجب مالي من الأصل ، وأنّ الّذي ثبت خروجه من الأصل إنّما هو الدّين ، والحجّ لأنّه بمنزلته كما صرّح به في الرّوايات (٥).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٢٧٦ / أبواب قضاء الصلوات ب ١٢ ح ١.

(٢) الوسائل ٢ : ٤٤٥ / أبواب الاحتضار ب ٢٨ ح ٦.

(٣) الوسائل ١١ : ٦٨ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٦ ح ١.

(٤) في المسألة [١٨١٥].

(٥) الوسائل ١١ : ٦٧ / أبواب وجوب الحجّ ب ٢٥.

١٠٨

مسألة ٩٥ : إذا أوصى بالحج وعيّن شخصاً معيّناً لزم العمل بالوصيّة (١) فإن لم يقبل إلّا بأزيد من اجرة المثل أُخرج الزائد من الثلث ، فإن لم يمكن ذلك أيضاً استؤجر غيره بأُجرة المثل.

مسألة ٩٦ : إذا أوصى بالحجّ وعيّن اجرة لا يرغب فيها أحد ، فإن كان الموصى به حجّة الإسلام لزم تتميمها من أصل التركة (٢) وإن كان الموصى به غيرها بطلت الوصيّة (٣) وتصرف الأُجرة في وجوه البر (٤).

______________________________________________________

ومنه يعلم أنّه لو شكّ في أنّ الموصى به حجّة الإسلام أو غيرها فلا يخرج من الأصل ، إذ لم يحرز موضوع وجوب الخروج من الأصل ، والأصل عدم تعلّق الوصيّة بحجّ الإسلام.

(١) وتعيّن استئجاره بأُجرة المثل ، لأنّ الّذي يجب إخراجه من أصل المال إنّما هو بدل الحجّ المتعارف وهو اجرة المثل ، وأمّا الزائد فلا موجب لخروجه من الأصل ، بل يخرج الزائد من الثلث إن وفى به ، وإلّا تبطل الوصيّة باستئجار هذا الشخص المعيّن واستؤجر غيره بأُجرة المثل.

(٢) لما عرفت من خروجها من أصل المال ، أوصى بها أو لم يوص.

(٣) لتعذّر العمل بالوصيّة بالنسبة إلى استئجار الحجّ ، ولا يلزم تتميم الأُجرة من الأصل ، لما عرفت من أنّ الخارج من الأصل إنّما هو حجّة الإسلام ، وأمّا غيرها من أقسام الحجّ فلا يخرج من الأصل.

(٤) بمقدار الثلث ، لما تقدّم من أنّ الوصيّة في الحقيقة تنحل إلى أمرين حسب المتفاهم العرفي : إيصال الثواب إليه بنحو خاص ومطلق عمل الخير ، فإذا تعذّر الأوّل لا موجب لسقوط الثّاني ، فإنّ المال بمقدار الثلث باق على ملك الميّت فلا بدّ من صرفه إلى جهات الميّت وشؤونه ، ولا مقتضي لرجوع المال إلى الورثة.

١٠٩

مسألة ٩٧ : إذا باع داره بمبلغ مثلاً ، واشترط على المشتري أن يصرفه في الحجّ عنه بعد موته كان الثمن من التركة ، فإن كان الحجّ حجّة الإسلام لزم الشرط (١) ووجب صرفه في اجرة الحجّ إن لم يزد على اجرة المثل ، وإلّا فالزائد يخرج من الثلث (٢) وإن كان الحجّ غير حجّة الإسلام لزم الشرط أيضاً ، ويخرج تمامه من الثلث ، وإن لم يف الثلث لم يلزم الشرط في المقدار الزائد (٣).

مسألة ٩٨ : إذا صالحه داره مثلاً على أن يحجّ عنه بعد موته ، صحّ ولزم وخرجت الدار عن ملك المصالح الشارط ولا تحسب من التركة وإن كان الحجّ ندبيّاً ولا يشملها حكم الوصيّة ، وكذلك الحال إذا ملّكه داره بشرط أن يبيعها ويصرف ثمنها في الحجّ عنه بعد موته ، فجميع ذلك صحيح لازم وإن كان العمل المشروط عليه ندبيّاً ، ولا يكون للوارث حينئذ حق في الدار (٤).

______________________________________________________

(١) لأنّه شرط جائز في نفسه فلا مانع من لزومه.

(٢) لما عرفت من أنّ الّذي يجب إخراجه من أصل المال إنّما هو اجرة المثل ، وأمّا الزائد عنها فيخرج من الثلث ، إذ لا مقتضي لإخراج الزائد من أصل المال.

(٣) لعين ما تقدّم ، وقد عرفت أنّ غير حجّة الإسلام من أقسام الحجّ يخرج من الثلث ، والمال الزائد عن مقدار الثلث ينتقل إلى الورثة فلا موجب للزوم الشرط بالنسبة إلى أموالهم.

(٤) لأنّ المفروض خروج الدار من ملك الشارط بالصلح أو التمليك في حال حياته إلى المشروط عليه ، فليست الدار ممّا تركه الميّت فلا موضوع للانتقال إلى الوارث وليس له أيّ حق في الدار ، وإنّما الشرط يوجب الوفاء به على المشروط عليه وإن كان العمل المشروط ندبيّاً ، وليس للوارث معارضته بل هو أجنبي عن ذلك ، فلا يجري على الدار المصالح به حكم الوصيّة ، وجميع ما ذكرناه واضح لا خفاء فيه.

ولكن عن المحقق القمي (قدس سره) إجراء حكم الوصيّة في نظير المقام بدعوى أنّ المصالح الشارط ملك الحجّ على المشروط عليه وهو عمل ذات اجرة ويعد ممّا

١١٠

ولو تخلّف المشروط عليه عن العمل بالشرط لم ينتقل الخيار إلى الوارث وليس له إسقاط هذا الخيار الّذي هو حق الميّت ، وإنّما يثبت الخيار للحاكم الشرعي وبعد فسخه يصرف المال فيما شرط على المفسوخ عليه ، فإن زاد شي‌ء صرف في وجوه الخير (١).

______________________________________________________

تركه الشارط الميّت ويعامل معه معاملة الأموال المتروكة من احتساب مقدار اجرة المثل لهذا العمل من الأصل والزائد عنها من الثلث (١).

والجواب عنه : أنّ الحجّ المشروط ليس مالاً وملكاً للميّت لينتقل إلى الوارث ، فإنّ الاشتراط لا يوجب كون الشرط ملكاً للشارط ، وإنّما يوجب لزوم العمل بالشرط على المشروط عليه بمقتضى وجوب الوفاء بالشرط ، فليس الحجّ المشروط به ممّا تركه الميّت حتّى يتنازع في خروجه من الثلث أو من الأصل.

(١) لو لم يعمل المشروط وترك الحجّ فلا ريب في ثبوت الخيار لتخلّف الشرط ولكن وقع الكلام في أنّه هل يثبت الخيار للوارث أو أنّه أجنبي عنه؟ وجهان :

ذهب السيِّد في العروة إلى الأوّل ، وذكر أنّ حق الشرط ينتقل إلى الوارث فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث فسخ المعاملة (٢).

والصحيح هو الثّاني ، وذلك فإنّ العمل المشروط كالحج في المقام كما لا ينتقل إلى الوارث على ما عرفت ، لعدم كونه مالاً وملكاً للميّت كذلك حق الخيار لا ينتقل إلى الوارث ، لأنّ حق الخيار وإن كان في نفسه قابلاً للإرث والنقل والانتقال كسائر الحقوق القابلة للانتقال ، ولكن ذلك فيما إذا رجع نفعه إلى الوارث ، فيكون الخيار حينئذ داخلاً فيما تركه الميّت فينتقل إلى الوارث ، فله إسقاطه كما أنّ له إثباته وإمضاءه وأمّا الحق الّذي لا ينتفع به الوارث أصلاً فلا يصدق على الخيار المترتب على تخلفه أنّه ممّا تركه الميّت ، إذ الانتفاع به مختص بالميّت فيكون الخيار مختصّاً به أيضاً ويكون

__________________

(١) جامع الشتات ٣ : ١٣٢.

(٢) العروة الوثقى ٢ : ٣١٤ / ٣١٧٨.

١١١

مسألة ٩٩ : لو مات الوصي ولم يعلم أنّه استأجر للحج قبل موته وجب الاستئجار من التركة ، فيما إذا كان الموصى به حجّة الإسلام ، ومن الثلث إذا كان غيرها (١).

______________________________________________________

الوارث أجنبيّا عنه بالمرّة ، ولذا ليس له إسقاط هذا الخيار ، وحيث إنّ الميّت بنفسه لا يتمكّن من إعمال الخيار فللحاكم الشرعي فسخ المعاملة إن امتنع المشروط عليه من الإتيان بالشرط ، ويصرف الحاكم المال في الحجّ باستئجار شخص آخر ، فإن زاد المال يصرف الزائد في وجوه البر ولا ينتقل إلى الورثة ، لما عرفت أنّ الوصيّة تنحل إلى أمرين : الأمر الخيري الخاص ، والأمر الخيري المطلق.

(١) لأصالة عدم وقوع الاستئجار منه ، وما لم يحرز الاستئجار لا موجب لسقوط الحجّ الموصى به ، فيجب الاستئجار عنه من الأصل إن كان الحجّ الموصى به حجّة الإسلام ومن الثلث إذا كان غيرها ، وهذا من دون فرق بين مضي مدّة يمكن الاستئجار فيها ، وبين عدم مضي مدّة يمكن الاستئجار فيها ، ومن دون فرق بين كون الواجب فوريّاً أو موسعاً ، وسواء كان مال الإجارة موجوداً عند الوصي أم لا.

خلافاً لما ذهب إليه السيِّد في العروة من الحكم بالاستئجار في فرض ما إذا مضت مدّة يمكن الاستئجار فيها ، وكان الواجب فوريّاً ولم يكن مال الإجارة موجوداً لحمل فعل الوصي وأمره على الصحّة (١).

ويضعف بأنّه لا مجال لإجراء أصالة الصحّة في أمثال المقام ، لأنّ أصالة الصحّة إنّما تجري فيما إذا شكّ في صحّة العمل وفساده بعد الفراغ عن أصل وقوعه في الخارج وأمّا إذا كان أصل العمل مشكوكاً فيه فلا نحكم بوقوعه بأصالة الصحّة ، لأنّ أصالة الصحّة لا تتكفل ثبوت أصل العمل وإنّما تتكفل صحّة العمل الواقع من المسلم ، وذلك لأنّ أصالة الصحّة ثبتت بالسيرة الشرعيّة ، وهي جارية فيما إذا كان العمل صادراً من

__________________

(١) العروة الوثقى ٢ : ٣١٦ / ٣١٨١.

١١٢

وإذا كان المال قد قبضه الوصي وكان موجوداً أُخذ ، وإن احتمل أنّ الوصي قد استأجر من مال نفسه وتملك ذلك بدلاً عمّا أعطاه (١). وإن لم يكن المال موجوداً فلا ضمان على الوصي لاحتمال تلفه عنده بلا تفريط (٢).

مسألة ١٠٠ : إذا تلف المال في يد الوصي بلا تفريط لم يضمنه (٣) ووجب الاستئجار من بقيّة التركة إذا كان الموصى به حجّة الإسلام ، ومن بقيّة الثلث إن كان غيرها (٤) فإن كانت البقيّة موزعة على الورثة استرجع منهم بدل الإيجار بالنسبة (٥). وكذلك الحال إن استؤجر أحد للحج ومات قبل الإتيان بالعمل ولم يكن له تركة ، أو لم يمكن الأخذ من تركته (٦).

______________________________________________________

أحد وشكّ في صحّته وفساده ، وأنّه هل وقع على الوجه الصحيح أم وقع على وجه غير صحيح ، وأمّا إذا لم يعلم بوقوع الفعل وتحققه في الخارج وشكّ في أصل وقوعه فأصالة الصحّة لا تثبت وقوعه ، بل المرجع حينئذ أصالة عدم وقوع الفعل في الخارج.

(١) إذ لا عبرة بهذا الاحتمال ما لم يحرز تحقق الاستئجار من الوصي ، فمقتضى القاعدة أخذ المال منه بعينه أو ببدله لبقائه على ملك الميّت.

(٢) لأنّ يده ليست بيد عادية فلا موجب للضمان.

(٣) لأنّه أمين ولا ضمان عليه.

(٤) إذ لا موجب لسقوطه فلا بدّ من إخراجه من الأصل إذا كان الموصى به حجّ الإسلام ، ومن الثلث إذا كان غيره.

(٥) لانكشاف بطلان القسمة من الأوّل ، لأنّ القسمة إنّما تصح بعد أداء الدّين وقد ذكرنا غير مرّة أنّ ثبوت الدّين في التركة كالكلّي في المعيّن والوفاء به متقدّم على الإرث.

(٦) فإن مجرّد الاستئجار ما لم يأت الأجير بالعمل لا يوجب سقوطه عمّن اشتغلت

١١٣

مسألة ١٠١ : إذا تلف المال في يد الوصي قبل الاستئجار ، ولم يعلم أنّ التلف كان عن تفريط ، لم يجز تغريم الوصي (١).

مسألة ١٠٢ : إذا أوصى بمقدار من المال لغير حجّة الإسلام واحتمل أنّه زائد على ثلثه لم يجز صرف جميعه (٢).

______________________________________________________

ذمّته به ، فحينئذ لا بدّ من استئجار شخص آخر وإخراج مال الإجارة من الأصل أو من الثلث.

(١) لأنّ التلف الّذي يوجب الضمان ما إذا كان مستنداً إلى تفريطه وتفويته ، فلو شكّ في استناد التلف إلى تفويته فالأصل عدمه. وإن شئت فقل : نشك في الضمان وعدمه والأصل هو البراءة.

(٢) للشك في صحّة الوصيّة وبطلانها بالنسبة إلى هذا المقدار من المال ، لأنّه لو كان المال بمقدار الثلث فتصح الوصيّة ، ولو كان زائداً عليه تبطل ، فمع الشك في نفوذ الوصيّة وصحّتها لا مجال لجواز التصرّف في جميع المال.

وربّما يتوهّم نفوذ الوصيّة ، لترددها بين كونها صحيحة أو باطلة وأصالة الصحّة تقتضي صحّتها.

والجواب ما تقدّم غير مرّة بأنّ أصالة الصحّة ليس مستندها دليلاً لفظيّاً ، وإنّما مستندها السيرة وموردها ما إذا شكّ في صحّة العمل وفساده من أجل الاختلال ببعض شروطه وأجزائه بعد الفراغ عن ثبوت الولاية للعاقد ، وأمّا إذا شكّ في أصل ثبوت الولاية له فلا يمكن إثبات الصحّة بالأصل ، ولذا لو تصدّى أحد لبيع دار شخص آخر وشكّ في ولايته عليه لا نحكم بصحّة البيع ، وإنّما نحكم بصحّة البيع فيما إذا علمنا ولايته له ونشك في صحّة المعاملة وفسادها لأجل وجدانها لما يعتبر فيه من الشرائط والأجزاء.

١١٤

فصل في النّيابة

مسألة ١٠٣ : يعتبر في النائب أُمور :

الأوّل : البلوغ ، فلا يجزئ حجّ الصبي من غيره في حجّة الإسلام وغيرها من الحجّ الواجب ، وإن كان الصبي مميزاً (١).

______________________________________________________

(١) يقع الكلام تارة في الصبي غير المميز وأُخرى في المميز.

أمّا نيابة غير المميز فلا إشكال في عدم صحّتها وعدم إجزائها ، لعدم تحقق القصد منه في أفعاله وأعماله ، ومن الواضح لزوم القصد في الأعمال.

وأمّا الصبي المميز فالمشهور عدم صحّة نيابته ، وعمدة ما استدلّ به على ذلك أمران :

الأوّل : أنّ عبادات الصبي تمرينيّة لا شرعيّة ، ففي الحقيقة ليست عباداته عبادة لتقع عبادة عن الغير.

وفيه : أنّه قد ذكرنا في بحث الصلاة أنّ المستفاد من الرّوايات مشروعيّة عبادات الصبي ولا فرق بينها وبين عبادة البالغين إلّا من ناحية الوجوب والاستحباب.

الثّاني : عدم الوثوق بصحّة عمله لرفع القلم عنه فلا رادع له حتّى يأتي بالعمل الصحيح ليقع عن الغير.

وفيه : أنّ الدليل أخص من المدّعى ، فإنّ بين الوثوق والبلوغ عموماً من وجه ، إذ يمكن الوثوق بعمله كما إذا كان الصبي مراقباً في عباداته من قبل الولي أو غيره فلا فرق بينه وبين البالغين من هذه الجهة.

ولكن مقتضى التحقيق عدم صحّة نيابته بمعنى عدم سقوط العمل الواجب عن ذمّة المكلّف المنوب عنه بإتيان العمل من الصبي ، لأنّ سقوط الواجب عن ذمّة المنوب عنه بفعل الصبي غير ثابت ويحتاج إلى الدليل ، بل مقتضى القاعدة اشتغال ذمّة المنوب عنه

١١٥

نعم ، لا يبعد صحّة نيابته في الحجّ المندوب بإذن الولي (١).

______________________________________________________

بالواجب وعدم سقوطه بفعل الصبي.

ولا ملازمة بين شرعيّة عبادات الصبي وصحّتها وسقوط الواجب عن المنوب عنه ، نظير ما ذكرنا في صلاة الصبي على الميّت فإنّها لا توجب سقوط الصلاة على الميّت عن المكلّفين وإن كانت صلاة الصبي صحيحة ، فلا بدّ من النظر إلى أدلّة النيابة وهل تشمل نيابة الصبي أم لا؟

أمّا أدلّة النيابة عن الحي ، فالوارد فيها كلمة «الرّجل» وهو غير شامل للصبي ولأجل الجمود على كلمة الرّجل استشكلنا في نيابة المرأة عن الحي.

ودعوى أنّ كلمة «الرّجل» من باب المثال ولا خصوصيّة له ، عهدتها على مدعيها. فإذن لا دليل على نيابة الصبي عن الحي.

وأمّا النيابة عن الأموات ، فقد ذكر في صحيحة حكم بن حكيم نيابة المرأة عن المرأة والرّجل عن المرأة وبالعكس (١) ، ولم يذكر نيابة الرّجل عن الرّجل لوضوحها فيظهر من هذه الرواية عدم صحّة نيابة الصبي ، لأنّه (عليه السلام) في مقام بيان موارد النيابة واستقصائها ، ولم يذكر نيابة الصبي ، فيعلم أنّ نيابته غير مجزئة وإلّا لذكرها.

فتحصل : أنّ النيابة على خلاف القاعدة ، لأنّ سقوط الواجب عن ذمّة المكلّف بفعل الغير خلاف الأصل ، فلا بدّ من الاقتصار على مقدار ما دلّ الدليل عليه ، ولا دليل على الاكتفاء بفعل الصبي عن فعل المنوب عنه.

(١) لأنّ أدلّة المستحبّات في نفسها شاملة للصبي ، ومشروعيّتها له لا تحتاج إلى دليل بالخصوص ، ومن ذلك باب النيابات فإنّها مستحبّة في نفسها وتشمل الصبيان كبقيّة المستحبّات ، ولا نحتاج إلى دليل خاص ، مضافاً إلى أنّه قد ورد النص في

__________________

(١) الوسائل ١١ : ١٧٧ / أبواب النيابة في الحجّ ب ٨ ح ٦.

١١٦

الثّاني : العقل ، فلا تجزئ استنابة المجنون (١) سواء في ذلك ما إذا كان جنونه مطبقاً أم كان أدواريّاً ، إذا كان العمل في دور جنونه ، وأمّا السّفيه فلا بأس باستنابته (٢).

______________________________________________________

خصوص نيابة الحجّ وغيره من العبادات عن الميّت ما يشمل بإطلاقه نيابة الصبي عن الميّت كصحيحة معاوية بن عمار «ما يلحق الرّجل بعد موته؟ فقال : والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما ، ويحجّ ويتصدّق ويعتق عنهما ويصلّي ويصوم عنهما» (١) فإنّها مطلقة تشمل عموم الولد كبيراً وصغيراً ، ولا نحتمل اختصاص صحّة نيابته بالوالدين.

وكذا ورد النص في النيابة عن الحي ما يشمل بإطلاقه الصبي كما في معتبرة يحيى الأزرق «من حجّ عن إنسان اشتركا» (٢) فإنّ إطلاق قوله «من حجّ» يشمل الصبي والظاهر من التعبير «عن إنسان» هو الحي. وأمّا السند فلا بأس به ، لأنّ يحيى الأزرق وإن كان مشتركاً بين الثقة وغيره ، ولكن الظاهر انصرافه إلى يحيى بن عبد الرّحمن الثقة ، لأنّه من مشاهير الرواة وممّن له كتاب.

وأمّا الاشتراط بإذن الولي ، فإن كانت النيابة بالإجارة كما هو الغالب فلتوقف صحّة معاملاته على إذن الولي ، وإن كانت بالتبرّع فلأجل أنّ استيفاء منافع الصبي بدون إذن الولي غير جائز كما هو واضح.

(١) لانتفاء القصد منه ، فلا يقع عمله عبادة والأمر في ذلك واضح.

(٢) لإطلاق الأدلّة وتحقق القصد منه ، ومجرد الحجر على أمواله لا يمنع من نيابته لعدم المنافاة بين الأمرين.

__________________

(١) الوسائل ٢ : ٤٤٥ / أبواب الاحتضار ب ٢٨ ح ٦.

(٢) الوسائل ١١ : ١٦٥ / أبواب النيابة في الحجّ ب ١ ح ٧.

١١٧

الثّالث : الإيمان ، فلا عبرة بنيابة غير المؤمن وإن أتى بالعمل على طبق مذهبنا (١).

الرّابع : أن لا يكون النائب مشغول الذمّة بحج واجب عليه في عام النيابة إذا تنجز الوجوب عليه (٢).

______________________________________________________

(١) إذا كان عمل المخالف فاقداً لما يعتبر فيه من الأجزاء والشرائط عندنا كما هو الغالب فلا ريب في عدم صحّة نيابته وعدم الاجتزاء بعمله ، لأنّ النيابة إنّما تصح فيما إذا كان العمل في نفسه صحيحاً وواجداً لما يعتبر فيه واقعاً ، وأمّا إذا كان العمل باطلاً لفقد جزء أو شرط أو وجود مانع فلا تصح نيابته ، لأنّ مورد النيابة هو العمل الصحيح.

وهكذا الحال فيما لو فرضنا أنّه أتى بالعمل صحيحاً على طبق مذهبنا وتمشى منه قصد القربة فلا تصح نيابته أيضاً ، للأخبار الكثيرة الدالّة على اعتبار الإيمان في صحّة الأعمال وقبولها وعدم صحّتها بدون الولاية (١).

ودعوى : أنّ ذلك في العمل لنفسه دون عمل غيره ، ممنوعة بأنّ النائب يتقرّب بالأمر المتوجّه إلى نفسه ، والعمل الصحيح الصادر منه المتقرّب به يوجب فراغ ذمّة المنوب عنه ، فإذا فرضنا أنّ العمل الصادر منه غير مقبول ولم يكن قربيّاً حقيقة ، فلا يوجب سقوط الواجب عن المنوب عنه.

(٢) لا يخفى أنّ هذا الشرط كما صرّح به في ذيل المسألة شرط في صحّة الإجارة لا في صحّة حجّ النائب.

فيقع الكلام في موردين :

أحدهما : في حكم الحجّ النيابي الصادر من النائب الّذي اشتغلت ذمّته بحج آخر في عام النيابة ، والظاهر هو الحكم بصحّة الحجّ ، لأنّ المورد من صغريات باب

__________________

(١) الوسائل ١ : ١١٨ / أبواب مقدّمة العبادات ب ٢٩.

١١٨

ولا بأس باستنابته فيما إذا كان جاهلاً بالوجوب أو غافلاً عنه (١). وهذا الشرط شرط في صحّة الإجارة لا في صحّة حجّ النائب ، فلو حجّ والحال هذه برئت ذمّة المنوب عنه (٢) ولكنّه لا يستحق الأُجرة المسماة بل يستحق اجرة المثل (٣).

______________________________________________________

التزاحم للتضاد بين الحجّتين ، وحيث إنّ المكلّف لا يتمكّن من الجمع بينهما في سنة واحدة فلا يؤمر بهما معاً في عرض واحد ، ولكن يمكن أن يؤمر بهما على نحو الترتب فيؤمر أوّلاً بالحج عن نفسه ، وعلى تقدير العصيان والترك يؤمر ثانياً بالحج عن الغير ، فيحكم بصحّة الحجّ الصادر منه على وجه النيابة بالأمر الترتبي ، وتبرأ ذمّة المنوب عنه.

ثانيهما : في بيان حكم الإجارة ، والظاهر بطلانها ، لأنّ متعلق الإجارة إن كان الحجّ مطلقاً فالحكم بصحّتها يؤدّي إلى الأمر بالضدّين ، لأنّ وجوب الحجّ عن نفسه مطلق ومتحقق بالفعل ، فإذا كان الأمر الإجاري مطلقاً أيضاً فيستلزم ذلك الأمر بالضدّين.

وإن كان متعلق الإجارة مقيّداً ومعلقاً على تقدير ترك الحجّ فيبطل عقد الإجارة أيضاً للتعليق المجمع على بطلانه ، وأمّا إمضاؤه معلّقاً على ترك الحجّ عن نفسه فهو وإن كان ممكناً في نفسه إلّا أنّه لم ينشأ ، فما أنشأه غير قابل للإمضاء ، وما هو قابل له لم ينشأ ، فلا يستحق الأجير الأُجرة المسمّاة ، وإنّما يستحق اجرة المثل ، لأنّ المقام من صغريات كلّ شي‌ء يضمن بصحيحه يضمن بفاسده.

(١) لأنّ الأمر الواقعي لا يكون منجزاً في فرض الجهل والغفلة ، والأمر بالضدّين عرضا إنّما يستحيل فيما إذا كان الأمران منجزين ، وأمّا إذا كان أحدهما غير منجز فلا مانع من الأمر بالضدّ الآخر.

(٢) لصحّة الحجّ الصادر من النائب بالأمر الترتبي كما عرفت.

(٣) لبطلان الإجارة فيدخل المقام في كبرى كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ، فالقاعدة تقتضي ضمان اجرة المثل.

١١٩

مسألة ١٠٤ : يعتبر في فراغ ذمّة المنوب عنه إحراز عمل النائب والإتيان به صحيحاً ، فلا بدّ من معرفته بأعمال الحجّ وأحكامه ، وإن كان ذلك بإرشاد غيره عند كلّ عمل (١). كما لا بدّ من الوثوق به وإن لم يكن عادلاً (٢) ،

______________________________________________________

(١) لأنّ ذمّة المنوب عنه لا تبرأ بمجرّد الاستئجار ، وإنّما تبرأ فيما إذا أتى النائب بالعمل ، فلا بدّ من إحراز صدور العمل الصحيح من النائب ولو بأصالة الصحّة فاللّازم معرفته بأعمال الحجّ وأحكامه ، وإلّا لو كان جاهلاً بها فلا يمكن إحراز صدور العمل الصحيح منه.

نعم ، لا يعتبر معرفته بالأحكام قبل العمل ، بل تكفي معرفته بها أثناء العمل بإرشاد غيره عند كلّ عمل ، كما أنّه في الأصيل كذلك ، فإنّ العبرة في الصحّة بإتيان العمل واجداً لجميع ما يعتبر فيه ، ولو بالتعرّف عليه في الأثناء بوسيلة مرشد ، أو لمراجعته للكتب المؤلفة لبيان أحكام الحجّ (المناسك) سواء كان العمل لنفسه أو لغيره ، هذا من ناحية عمل النائب نفسه.

وأمّا من ناحية الاستئجار على العمل ، فالظاهر بطلان الإجارة للجهل بالعمل المستأجر عليه فتكون الإجارة غرريّة.

نعم ، لا حاجة لمعرفة الأجزاء والشرائط على وجه التفصيل ، بل يكفي مقدار ما يرتفع به الغرر ولو إجمالاً.

(٢) لا إشكال في أنّ هذا الشرط إنّما يعتبر في جواز الاستنابة والاستئجار لا في صحّة عمله ، لأنّ النائب إذا أتى بالعمل الصحيح يكتفى به وتبرأ ذمّة المنوب عنه ولو كان النائب فاسقاً.

وبتعبير آخر : لا يعتبر الوثوق بالرّجل نفسه عند استئجاره واستنابته ، وإنّما يعتبر الوثوق بصدور العمل منه ، ولو شكّ في صحّة عمله وفساده يحكم بالصحّة لأصالة الصحّة ، ولا يلزم إحرازها بأمارة أُخرى.

ومن هنا يعلم أنّه لا موجب لاعتبار العدالة في النائب ، لأنّ الميزان في براءة ذمّة

١٢٠