نشأة الشيعة الامامية

نبيلة عبد المنعم داود

نشأة الشيعة الامامية

المؤلف:

نبيلة عبد المنعم داود


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠

فلما توفي علي بن موسى الرضا سنة ٢٠٣ هـ (١). افترقت الشيعة بعد وفاته فصارت فرقاً منهم من قال أن الإمامة انتقلت إلى أحمد بن موسى بن جعفر أوصى إليه وإلى الرضا وأجازوها في أخوين ، وأن أبوه جعله الوصي بعد علي بن موسى ومالوا إلى رأي شبيه برأي الفطحية (٢).

وظهرت فرقة ثانية يسميهم سعد القمي المؤلفة من الشيعة ويقول : « قد كانوا نصروا الحق قطعوا على إمامة علي بن موسى بعد وقوفهم على موسى وإنكار موته فصدقوا موته وقالوا بإمامة الرضا فلما توفي رجعوا إلى القول على موسى بن جعفر » (٣).

وفرقة ثالثة يسميهم النوبختي المحدثة ويقول : « وكانوا من أهل الأرجاء وأصحاب الحديث فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر وبعده بعلي بن موسى وصاروا شيعة رغبة في الدنيا وتصنعاً ، فلما توفي علي بن موسى رجعوا إلى ما كانوا عليه » (٤).

ويعلل سعد القمي سبب إختلاف الفرقتين اللتين قالت إحداهما بإمامة أحمد بن موسى والاُخرى بالوقف على الرضا ، لأن الرضا توفي وابنه محمد ( الجواد ) ابن سبع سنين فستصغروه وقالوا : « لا يجوز أن يكون الإمام إلا بالغاً ولو جاز أن يكلف غير بالغ فكذلك لا يعقل أن يفهم القضاء بين دقيقة وجليلة وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي وما يحتاج إليه جميع الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ ... » (٥) ولما تولى علي بن موسى الرضا العهد للمأمون يقول النوبختي « وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء منهم والبصراء فدخلوا في إمامة علي بن موسى عندما أظهر المأمون فضله وعقد بيعته تصنعاً للدنيا واستكانوا الناس بذلك دهراً فلما توفي علي بن موسى رجعوا إلى قومهم الزيدية » (٦).

__________________

(١) ابن طولون : الأئمة الإثني عشر ص ٩٨.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٢.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٤.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٢.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٥.

(٦) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٣.

٢٦١

د ـ إمامة محمد بن علي الجواد :

أما الشيعة أصحاب الرضا فقالت « الإمام بعد علي بن موسى ابنه محمد بن علي ولم يكن إلى غيره ... واتبعوا الوصية والمنهاج الأول من لدن النبي » (١) ويبدو أن المنهاج الأول يقصد به القول بإمامة علي والحسن والحسين وأولاد الحسين كما نص النبي عليهم ، أي الطريق الذي سارت عليه الشيعة الإمامية.

ولكن يبدو كما تذكر كتب الفرق أن الشيعة التي قالت بإمامة محمد ابن علي بن موسى ( الجواد ) لم تكن جماعة واحدة وقد بين سعد القمي سبب اختلافهم فقال : « ثم إن الذين قالوا بإمامة أبي جعفر محمد بن علي ( الجواد ) اختلفوا في كيفية علمه وكيف وجه ذلك لحداثة سنه ضرباً من الاختلاف فقال بعضهم لبعض : الإمام لا يكون إلا عالماً وأبو جعفر غير بالغ وأبوه قد توفي كيف علم ومن أين علم » (٢).

وجماعة قالت : « إنه أخذ العلم عن أبيه وهو الذي علمه ومنه تعلم ولا يجوز غير ذلك » (٣).

ولم توافق أكثرية الشيعة على ذلك فأنكروه وقالوا : « لم يكن ذلك من قبل أبيه وتعليمه أياه لأن أباه حمل إلى خراسان وأبو جعفر ابن أربع سنين وأشهر ومن كان في هذا السن فليس في حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق علوم الدين ولكن الله علمه ذلك عنه البلوغ بضروب مما تدل جهات علم الإمام مثل الإلهام والنكت في القلب والنقر في الأذن والرؤيا في النوم والملك المحدث له ووجود رفع النار له والعمود والمصباح وعرض الأعمال عليه لأن ذلك كله قد صح بالأخبار الصحيحة أنها من علامات علوم الإمام وجهاتها ، فأما قبل البلوغ فهو إمام على معنى أن الأمر له دون غيره وأنه لا يصلح في ذلك الوقت لموضع الإمامة غيره إذ قد أوصى أبوه

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٣.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٦.

(٣) ن. م ص ٩٧.

٢٦٢

إليه وقلدنا إمامته إذ لا ولد لأبيه غيره » (١).

فهنا نلاحظ التأكيد على علم الإمام لأن عصر الإمام محمد الجواد كان استمراراً لعصر أبيه الرضا قد حفل بمختلف التيارات الثقافية ، كما يلاحظ إن فكرة الإمامة بدأت تتضح في بعض خطواتها الأساسية كصفات الإمام فهذه الصفات لم تظهر إلا في هذه الفترة.

ويقول النوبختي أن هناك جماعة من الشيعة قالت : « الإمام يكون غير بالغ ولو قلت سنه لأنه حجة لله فقد يجوز أن يعلم وإن كان صبياً ويجوز عليه الأسباب التي ذكرت مثل الإلهام والنكت والرؤيا .. كل ذلك جائز عليه ... واعتلوا في ذلك بيحيى بن زكريا وأن الله أتاه الحكم صبياً وبأسباب عيسى بن مريم .. وبعلم سليمان بن داود حكماً من غير تعليم » (٢).

وقالت جماعة من الشيعة بمقالة الجماعة السابقة إلا أنهم قالوا إن محمد الجواد لم يتعلم من أبيه « ولكن انه علم ذلك عند البلوغ من كتب أبيه وما ورثه من الأصول والفروع وبعض هذه الفرقة يجوز له القياس في الأحكام ويزعم أن القياس جائز للرسول والأنبياء والأئمة ، وكان يونس بن عبد الرحمن (٣) يقول : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يستخرج ويستنبط بوقوع ما أنزل عليه ... فزعموا أن ذلك جائز للإمام أن يقيس على الأصول التي في يده لأنه معصوم من الخطأ والزلل والعمد فلا يجوز أن يخطئ في القياس » (٤).

ونلاحظ هنا ظهور فكرة عصمة الإمام وعدم جواز الخطأ عليه في هذه الفترة وقد صارت العصمة فيما بعد من المبادئ الأساسية للشيعة الإمامية.

__________________

(١) سعد القمي : المقالات. والفرق ص ٩٧.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٦.

(٣) يونس بن عبد الرحمن ، اشتهر بالعلم والفتيا روى عن موسى بن جعفر وابنه الرضا وكان ٤ وكيلاً للرضا يرجع إليه أصحابه في أخذ الفتيا. انظر النجاشي : الرجال ص ٣٤٨.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٦.

٢٦٣

ويعلل النوبختي قول هذه الفرقة بجواز القياس للأئمة فيقول : « وإنما صاروا إلى هذه المقالة لضيق الأمر عليهم في علم الإمام وكيفية تعليمه إذ ليس هو ببالغ عندهم » (١).

أما الشيعة التي قالت بإمامة إبي جعفر محمد بن علي ( الجواد ) فقد استدلت على إمامته بالأدلة التالية.

فيذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن يحيى بن حبيب الزيات قال « أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا جالساً فلما نهضوا قال له : ألقوا أبا جعفر فسلموا عليه وأحدثوا به عهداً فلما نهض القوم التفت إلي فقال : يرحم الله المفضل إنه كان ليقنع بدون هذا » (٢).

يبدو لنا من كلام الرضا أن الشيعة كانت في شك من أمر الإمامة لمحمد الجواد فحاول تأكيدها.

ويبدوا أن لصغر سن محمد الجواد سبباً دعا الشيعة إلى الشك بإمامته فيروي الكليني عن محمد بن يحيى ... عن معمر بن خلاد قال « سمعت الرضا وذكر شيئاً فقال : ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني ، وقال : إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة » (٣).

ويورد الكليني أيضاً عن أحمد بن مهران ... عن ابن قياماً الواسطي قال « دخلت على علي بن موسى فقلت له أيكون إمامان؟ قال لا إلا واحدهما صامت فقلت له : هو ذا أنت ليس لك صامت ولم يكن ولد له أبو جعفر ( الجواد ) بعد فقال لي : والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله ، ويحق به الباطل وأهله ، فولد له بعد سنة أبو جعفر وكان ابن قياماً واقفياً » (٤).

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٦.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٠.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٢١.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٢١.

٢٦٤

وعن محمد بن يحيى ... عن صفوان بن يحيى قال « قلت للرضا : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاماً فقد وهبه الله لك ، فأقر عيوننا ، فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين ، فقال : وما يضره من ذلك فقد قام عيسى بالحجة وهو ابن ثلاث سنين » (١).

وروى عن الحسين بن محمد ... عن معمر بن خلاد قال « سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا : ان ابني في لسانه ثقل ، فأنا أبعث به إليك غداً فتمسح على رأسه وتدعو له فإنه مولاك ، فقال : هو مولى أبي جعفر فابعث به غداً إليه » (٢). وعن الحسين بن محمد عن الخيراني عن أبيه قال « كنت واقفاً بين يدي أبا الحسن بخراسان فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من؟ قال : إلى أبي جعفر ابني ، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر فقال أبو الحسن : إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً ، صاحب شريعة مبتدئة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر » (٣).

ويذكر المسعودي في إمامة محمد الجواد رواية عن الحميري ... عن حنان بن سدير قال « قلت للرضا يكون امام ليس له عقب فقال لي : أما أنه لا يولد لي إلا واحد ولكن الله ينشئ منه ذرية كثيرة ولم يزل أبو جعفر محمد بن علي مع حداثته وصباه يدير أمر الرضا بالمدينة ويأمر الموالي وينهاهم ولا يخالف عليه أحد منهم (٤).

كما يذكر المسعودي أن الناس بعد وفاة الرضا احتاروا فيمن يقصدون للسؤال بعده فاجتمعوا إليه وسألوه عدة أسئلة فأجابهم بإجابات والده فاعترفوا له بالإمامة (٥). كما يذكر مناقشة دارت بين محمد الجواد

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢١.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣٢١.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٢٢.

(٤) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٧٩.

(٥) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٨٠ ـ ١٨١.

٢٦٥

ويحيى بن أكثم تغلب فيها محمد الجواد وأقر له يحيى بالفضل العلم (١).

ويبدوا من هذا أن علم الإمام أصبح ذا أهمية في إثبات إمامته وكون معرفة الإمام بالعلوم شرطاً لإمامته.

أما الصدوق فيذكر عدة روايات في الدلالة على إمامة محمد الجواد فذكر عن أبي الحسين بن محمد بن أبي عباد وكان يكتب للرضا ضمه إليه الفضل بن سهل قال « ما كان يذكر محمداً ابنه إلا بكنيه يقول : كتب إلي أبو جعفر وكنت أكتب إلى أبي جعفر وهو وصيي بالمدينة فيخاطبه بالتعظيم وترد كتب أبي جعفر في نهاية البلاغة والحسن فسمعته يقول : أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي » (٢).

وعن جعفر بن محمد النوافلي قال أتيت الرضا وهو بقنطرة أربق فسلمت عليه ، ثم جلست وقلت ... إن أناساً يزعمون أن أباك حي ، فقال : كذبوا لعنهم الله ولو كان حياً ما قسم ميراثه ولا نكح نساؤه ، ولكنه والله ذاقه الموت كما ذاقة علي بن أبي طالب قال فقلت له ما تأمرني؟ قال عليك بابني محمد من بعدي ، وأما أنا فإني ذاهب في وجه الأرض لا أرجع منه ... » (٣).

ويقول المفيد في إمامة محمد بن علي الجواد « وكان الإمام بعد الرضا علي بن موسى ابنه محمد بن علي الرضا بالنص عليه الإشارة من أبيه إليه وتكامل الفضل فيه » (٤).

كما يذكر من روى النص عن أبي الحسن الرضا على ابنه أبي جعفر بالإمامة فيعدد قسماً منهم مثل علي بن جعفر بن محمد الصادق ، صفوان ابن يحيى ، معمر بن خلاد ، الحسين بن بشار ، ابن قياماً الواسطي ، الحسن ابن الجهم ... (٥).

__________________

(١) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٨٣.

(٢) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ٢٤٠.

(٣) ن. م ج ٢ ص ٢١٦.

(٤) المفيد : الإرشاد ص ٣١٦.

(٥) المفيد : الإرشاد ص ٣١٧ ، كما ذكر المفيد نصوص إمامة محمد الجواد كما ذكرها الكليني مع إختلاف في الأسانيد ص ٣١٧ ـ ٣١٩.

٢٦٦

فالإمام بعد أبي الحسن الرضا ابنه أبو جعفر محمد الجوادج « لنص أبيه عليه وإشارته إليه » (١).

أما ابن شهر آشوب فيقول : « والدليل على إمامته القطع على العصمة ووجوب كونه أعلم الخلق بالشريعة واعتبار القول بإمامة الاثني عشر وتواتر الشيعة » (٢) فابن شهر آشوب هنا يعطي صفات الامام وأهم هذه الصفات العصمة من الأخطاء والعلم بالشريعة وقد أصبحت هذه فيما بعد من شروط الإمامة عند الشيعة الإمامية.

هـ. إمامة علي بن محمد الهادي :

ولما توفي محمد الجواد سنة ٢٢٠ هـ (٣). قالت الشيعة أصحاب محمد الجواد الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بإمامة ابنه ووصية علي بن محمد ( الهادي ) « فلم يزالوا على ذلك إلا نفر منهم يسير عدلوا عنه إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد (٤) ، ثم لم يثبتوا على ذلك قليلاً حتى رجعوا إلى إمامة علي بن محمد ورفضوا إمامة موسى لأن موسى كذبهم وتبرأ منهم وما ادعى إمامة لنفسه ... » (٥).

أما الشيعة الذين قالوا بإمامة علي بن محمد ( الهادي ) فقد استدلوا على إمامته بوصية أبيه محمد الجواد وبأدلة اُخرى.

فيذكر الكليني عن محمد بن جعفر الكوفي ... عن محمد بن الحسين الواسطي أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر ( محمد الجواد ) « إن أبا جعفر محمد بن علي ( الجواد ) أوصى إلى علي ( الهادي )

__________________

(١) النيسابوري : روضة الواعظين ج ١ ص ٢٨٢ ، كما يذكر قسماً من الأدلة التي ذكرها الكليني في النص على إمامة الجواد ج ١ ص ٢٨٢.

(٢) ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٣٨٠ وانظر أيضاً عن إمامة الجواد ما ذكره الطبرسي في أعلام الورى فقد أورد النصوص التي ذكرها الكليني ص ٣٣٠ ، وكذا فعل الأربلي فقد أخذ عن الكليني والمفيد ، انظر كشف الغمة ج ٣ ص ١٤٢ ـ ١٤٤.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧١.

(٤) موسى بن محمد الجواد ويلقب بالمبرقع له عقب بقم يقال لهم الرضويون ، انظر ابن شدقم : زهرة المقول ص ٦١.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٩.

٢٦٧

ابنه بنفسه وإخوته وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه وجعل عبد الله المساور قائماً على تركته من الضياع والأموال والنفقات إلى أن يبلغ علي بن محمد » (١).

كما ذكر عن الحسين بن محمد ، إن محمد الجواد قال « إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي وله عليكم ما كان لي عليكم » (٢).

أما المسعودي فيذكر عن الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه : « إن أبا جعفر لما أراد الشخوص من المدينة إلى العراق أجلس أبا الحسن في حجره وقال له : ما الذي تحب أن يهدى إليك من طرائف العراق فقال : سيفا كأنه شعلة ثم التفت إلى موسى ابنه فقال : ما تحب أنت من طرائف العراق فقال له : فرش بيت ، فقال أبو جعفر : أشبهني أبو الحسن ( الهادي ) وأشبه هذا أمه » (٣).

ويقول المفيد « وكان الإمام بعد أبي جعفر ابنه أبا الحسن علي بن محمد ( الهادي ) لإجتماع خصال الإمامة فيه وتكامل فضله وأنه لا وارث لمقام أبيه سواه وثبوت النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة » (٤).

ويستدل ابن شهر آشوب على إمامته بإجماع الإمامية على ذلك ، وطريق النص ، والعصمة ، ونص النبي على إمامة الأئمة الاثني عشر ، والنص من آبائه على إمامته » (٥).

ويقول الطبرسي : « إن إجماع الشيعة على إمامته وعدم من يدعي فيه إمامته غيره غناء عن إيراد الأخبار في ذلك ، هذا وضرورة أئمتنا في هذه الأزمنة في خوفهم من أعدائهم وتقيتهم منهم أحوجت شيعتهم في معرفة

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٥.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣٢٤.

(٣) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٨٧.

(٤) المفيد الإرشاد ص ٣٢٧ ، ثم يعتمد في ذكر بقية الأدلة على الكليني ص ٣٢٧ ـ ٣٢٩.

(٥) ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٤٠٢.

٢٦٨

نصوصهم على من بعدهم » (١).

ويبدو من هذا أن فكرة الإمامة بدأت بالوضوح إلا أن الشيعة حاولت معرفة الإمام لشدة السلطة لا سيما وأن علي الهادي عاش أيام المتوكل وقد لاحظنا مما مر كيف عامل المتوكل الشيعة.

وقد ظهرت في أيام محمد بن علي ( الهادي ) النميرية وهذه الفرقة خرجت عن إمامة علي الهادي فيذكر النوبختي أنهم قالوا « بنبوة رجل يقال له محمد بن نصير النميري وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإباحة للمحارم » (٢).

ويذكر النوبختي أيضاً « وكان يقوي أسباب هذا النميري محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات فلما توفي قيل له في علته وقد كان اعتقل لسانه : لمن هذا الأمر من بعدك؟ فقال : لأحمد فلم يدروا من هو فافترقوا ثلاث فرق ، فرقة قالت أنه ابنه أحمد وفرقة قالت هو أحمد بن موسى بن الحسن بن الفرات ، وفرقة قالت أحمد بن أبي الحسين محمد بن محمد بن بشر بن زيد فتفرقوا فلا يرجعون إلى شيء » (٣).

فلما توفي علي بن محمد ظهرت فرقة من الشيعة قال « بإمامة ابنه محمد وكان قد توفي في حياة أبيه بسر من رأى وزعموا أنه حي لم يمت واعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه وأعلمهم أنه الإمام بعده والإمام لا يجوز عليه الكذب ولا يجوز البداء فيه ، وإن كانت وفاته في حياة أبيه فإنه لم يمت في الحقيقة ولكن أباه خاف عليه فغيبه ، وهو المهدي القائم وقالوا فيه بمثل مقالة أصحاب إسماعيل بن جعفر » (٤).

وظهرت فرقة ثانية قالت بإمامة جعفر بن علي وقالوا : « أوصى إليه

__________________

(١) الطبرسي : أعلام الورى بأعلام الهدى ص ٣٤١.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٨.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٨.

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠١.

٢٦٩

أبوه بعد مضي ابنه محمد وأوجب إمامته وأظهر أمره وأنكروا إمامة أخيه محمد وقالوا : إنما فعل ذلك أبوه اتقاء عليه ودفاعاً عنه وكان الإمام في الحقيقة جعفر بن علي وهؤلاء هم الجعفرية الخلص » (١).

ونلاحظ أن الإختلافات وظهور الفرق المتعددة بدأت تنحصر في فرقة أو فرقتين وهذا يدل على وضوح فكرة الإمامة وفكرة تسلسل الائمة.

و ـ إمامة الحسن بن علي العسكري :

أما الشيعة أصحاب علي بن محمد الهادي فقالوا بإمامة ابنه الحسن ابن علي العسكري ، وثبتوا له الإمامة بوصية أبيه إليه (٢).

واستدلت الجماعة التي قالت بإمامته كما استدلوا على إمامة من سبقه ، بالنص عليه من أبيه. فقد ذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن يحيى بن يسار القنبري قال « أوصى أبو الحسن ( الهادي ) إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي » (٣).

وعن علي بن عمر النوافلي قال « كنت مع أبي الحسن في صحن داره فمر بنا ابنه محمداً فقلت له : جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك؟ فقال : لا صاحبكم بعدي الحسن » (٤).

وروي عن عبد الله بن محمد الأصفهاني قال « قال أبو الحسن : صاحبكم بعدي الذي يصلي علي قال ولم نعرف أبا محمد ( العسكري ) قبل ذلك ، قال : فخرج أبو محمد فصلى عليه » (٥).

ولما كان الحسن العسكري أكبر أولاد أبيه فقد عهد إليه بالإمامة يؤيد هذا ما رواه الكليني عن علي بن مهزيار : قال : « قلت لأبي الحسن : إن كان كون وأعوذ بالله فإلى من؟ قال عهدي إلى الأكبر من ولدي » (٦).

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠١.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠١.

(٣) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٥.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٢٥.

(٥) ن. م ج ١ ص ٣٢٦.

٢٧٠

وكذلك روي عن علي بن عمرو العطار قال « دخلت على أبي الحسن العسكري وأبو جعفر ابنه في الأحياء وأنا أظن أنه هو ، فقلت له : جعلت فداك من أخص من ولدك؟ فقال : لا تخصوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري قال فكتبت إليه بعد فيمن يكون هذا الأمر؟ قال فكتب إلي : في الكبير من ولدي قال وكان أبو محمد أكبر من أبي جعفر » (١).

ويروي الكليني عن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم حضروا يوم وفاة محمد إلى ابي الحسن علي يعزونه قالوا : « قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن بعد ساعة فقال : يا بني أحدث الله عزّ وجلّ شكراً فقد أحدث فيه أمراً فبكى الفتى وحمد الله واسترجع ، وقال : الحمد لله رب العالمين وأنا أسأل الله تمام نعمته لنا فيك وإنا لله وإنا إليه لراجعون ، فسألنا عنه فقيل هذا الحسن ابنه وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجع فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة أقامه مقامه » (٢).

ويؤكد المفيد إمامة الحسن العسكري ويقول : « وكان الإمام بعد أبي الحسن علي بن محمد ابنه أبا محمد الحسن بن علي لاجتماع خلال الفضل فيه وتقدمه على كافة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة ويقتضي له الرياسة » (٣).

أما ما هي الشروط التي توجب الإمامة فهي : العلم ، والزهد ، كمال العقل ، والعصمة ، والشجاعة ، والكرم ، وكثرة الأعمال المقربة إلى الله عزّ وجلّ ثم النص (٤).

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٦.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٢٦.

(٣) المفيد : الإرشاد ص ٣٣٤ ، ثم يذكر نفس روايات الكليني في الدلالة على إمامة الحسن العسكري ص ٣٣٥ ـ ٣٣٨؟

(٤) المفيد : الإرشاد ص ٣٣٤.

٢٧١

ويبدو من هذا أن فكرة الإمامة قد وضحت وأن هناك شروطاً يجب توفرها لتعقد الإمامة.

ويقول ابن شهر آشوب في إمامة الحسن العسكري « ويستدل على إمامته بطريق العصمة والنصوص ، وبما استدل على أمير المؤمنين علي بعد النبي بلا فصل وكل من قطع على ذلك قطع على أن الإمام بعد علي بن محمد التقي ( علي الهادي ) الحسن العسكري لأنه لم يحدث فرقة أخرى بعد الرضا وقد صحت إمامته وطريق النص من آبائه من الموالف والمخالف » (١).

وتوفي الحسن بن علي العسكري سنة ٢٦٠ هـ ولم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر (٢) وأمه وهي أم ولد ، ثم افترق أصحابه من بعده خمس عشرة فرقة (٣). ويجعلها النوبختي أربع عشرة فرقة (٤).

الفرقة الأولى قالت : إن الحسن بن علي ( العسكري ) حي لم يمت وإنما غاب وهو القائم ولا يجوز أن يموت الإمام ولا ولد له ولا خلف معروف ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام ... والحسن بن علي قد ثبتت وصيته بالإمامة وأشار أبوه إليه بالإمامة (٥).

فنلاحظ هنا أهمية الإمامة بالنسبة الشيعة لذلك يجب أن لا تخلو الأرض من إمام كما يلاحظ أنه بعد وفاة كل امام تظهر جماعة تقول بالوقف عليه وقد قالت هذه الفرقة بمقالة شبيهة بمقالة الواقفة على موسى

__________________

(١) ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ج ٤ ص ٤٦٢.

(٢) جعفر بن علي أخو الحسن العسكري ويلقب زق الخمر لأنه كان يشرب الخمر ظاهراً ونادم المتوكل العباسي وكان المتوكل يريد بمنادمته الغض من أخيه الحسن العسكري ، ويلقب عنه الإمامية الكذاب لأنه ادعى ميراث أخيه الحسن. ابن شدقم : زهرة المقول ص ٦١.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٢.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٩.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٦.

٢٧٢

ابن جعفر ، إلا أنهم خطأوا من وقف على موسى لأنه توفي عن بضع عشر ذكرا وقالوا : « إنما يجوز الوقف على من ظهرت وفاته ولا خلف له بين ظاهر فيجب الوقوف عليه ، لأنه لا يجوز موت إمام بلا خلف عدل ظاهر من ولد لصلبه ، ولو جاز أن يقف على موسى وله أولاد ذكور معروفون مشهورون لكانت الواقفة على أمير المؤمنين علي ومن بعده ولد »(١).

وعللت هذه الفرقة قولها بالوقف فقالوا : « فلما وجدنا فقد إمام قد ثبتت إمامته عن أبيه ولم نجد له خلفاً أشار إليه مشهوراً معروفاً ، صح أن الحسن بن علي غاب وأنه حي لم يمت » (٢).

أما الفرقة الثانية قالت : « إن الحسن بن علي ( العسكري ) مات وعاد بعد موته وهو القائم واعتلوا برواية اعتلت بها فرقة من واقفة موسى بن جعفر رووها عن أبيه أنه قال « سمي القائم قائماً لأنه يقوم بعدما يموت ، فالحسن بن علي قد مات ولا شك في موته ولا خلف له ، ولا وصي موجود فلا شك أنه القائم وأنه حي بعد الموت لأن الأرض لا تخلو من حجة ظاهر ، فهو غائب مستتر وسيظهر ويملأ الأرض عدلاً » (٣).

يتضح من هذا التأكيد على الإمامة ووجوبها فلا يمكن أن تخلو الأرض من إمام ظاهر وإلا فهو غائب مستتر.

وقالت الفرقة الثالثة : إن الحسن بن علي قد صحت وفاته كما صحت وفاة آبائه بتواطئ الأخبار التي لا يجوز تكذيب مثلها ... وصح أنه لا خلف له ، فلما صح عندنا الوجهان ثبت أنه لا إمام بعد الحسن بن علي ، وإن الإمامة انقطعت .. كما جاز أن تنقطع النبوة بعد محمد ، واعتلوا في ذلك بخبر يروي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، وأنه سئل عن الأرض اتخلوا من حجة فقال لا إلا أن يغضب الله على أهل الأرض بمعاصيهم فيرفع عنهم الحجة ... وهذه الفرقة لا توجب قيام القائم ولا

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٧.

(٢) ن. م ص ١٠٧.

(٣) ن. م ص ١٠٧ وانظر :

.Montgomery watt : The Reappraisal Abbasid Sh\'ism

٢٧٣

خروج مهدي وتذهب في ذلك إلى بعض معاني البداء » (١).

والفرقة الرابعة قالت : إن الحسن بن علي قد مات وصح موته وأن الإمامة انقطعت حتى يبعث الله قائماً من آل محمد ، إن شاء بعث الحسن وإن شاء بعث غيره من آباءه ، ولا بد من ذلك لأن قيام القائم وخروج المهدي حتم من الله ، كما أن النبوة انقطعت وأنه لا نبي بعد محمد ولكن يكون فترة كما كانت بين محمد وبين عيسى بن مريم لم يكن فيها رسول ولا نبي ولا إمام فكذلك الأمر يكون في هذه الحال ، لأن وفاة الحسن بن علي قد صحت وصح أنه لا خلف له فقد انقطعت الإمامة ولا عقب له وإذ لا يجوز إلا أن يكون في الأعقاب ولا يجوز أن ينصرف إلى عم ولا ابن عم ولا أخ بعد حسن وحسين فهي منقطعة إلى القائم منهم » (٢).

ويلاحظ هنا التأكيد على أن الإمامة لا تكون إلا في الأعقاب بعد الحسن والحسين ووضوح هذه الفكرة.

أما الفرقة الخامسة فقالت : « إن الحسن وجعفر ابنا علي الهادي لم يكونا إمامين ، فإن الإمام كان محمد الميت في أيام إبيه الهادي كما أن علي الهادي لم يوصِ إليهما بالإمامة ولا أشار إليهما وإنما ادعياً ما لم يكن لهما بحق ، لذلك أن الحسن العسكري توفي ولا ولد له كما أن جعفر لا يصلح للإمامة لأنه « ظاهر المجانة والفسق » (٣).

ولما كانت شروط الإمام كما مر بنا أن يكون معصوماً من الزلل طاهراً من الآفات عفيفاً لذلك رجعوا إلى « إمامة محمد بن علي إذ لم يظهر منه إلا العفاف والصلاح وإذ قد ثبتت إشارة أبيه إليه بالإمامة والإمام لا يشير إلى غير إمام (٤).

كما ذكر بعضهم أن الحسن بن علي العسكري حي لم يمت وأن أباه

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٧ ـ ١٠٨.

(٢) ن. م ص ١٠٨.

(٣) ن. م ص ١٠٩ وانظر :

.Montgomery wett : The Reappaisal of Abbasid shiism

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٩.

٢٧٤

غيبه وستره خوفاً عليه (١).

أما الفرقة السادسة فقالت : إن الحسن ( العسكري ) توفي ولا عقب له والإمام بعده جعفر بن علي أخوه وإليه أوصى أبوه ومنه قبل جعفر الوصية وعنه صارت إليه الإمامة (٢).

وهؤلاء شابهوا مذهب الفطحية في عبد الله وموسى ابني جعفر ( الصادق ) وزعموا أن هذا من طريق البداء كما بدا لله في إسماعيل بن جعفر فأماته وجعل الإمامة في عبد الله وموسى ، فكذلك جعلها في الحسن ثم بدا له أن يكون في عقبه فجعلها في أخيه جعفر جعفر الإمام من بعد الحسن بن علي ( العسكري ) (٣).

وقالت الفرقة السابعة : إن جعفر بن علي هو الإمام وأن إمامته كانت من قبل أبيه علي بن محمد ( الهادي ) وأن القول بإمامة أخيه الحسن خطأ وجب الرجوع عنه إلى إمامة جعفر لأن الإمامة لا يجوز أن تكون فيمن لا خلف له والحسن ( العسكري ) قد توفي ولا عقب له وقالوا : « وإن الإمام بإجماعنا جميعاً لا يموت إلا عن خلف ظاهر معروف يوصي إليه ويقيمه مقامه بالإمامة ، فالإمامة لا ترجع في أخوين بعد حسن وحسين ، فالإمام لا محالة جعفر بوصية أبيه إليه » (٤).

الفرقة الثامنة : قالت بمثل مقالة الفطحية « إن الحسن بن علي توفي وهو إمام بوصية أبيه إليه ، وإن الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الإمام ممن بقي منهم بعد أبيه ، لا ممن مات في حياة أبيه ولا في ولده ولا أشار أبوه إليه لأن من ثبتت إمامته لا يموت أبداً وخلف له من صلبه والإمام لا يوصي إلى ابن ابن ولا يجوز ذلك فالإمام بعد الحسن بن علي جعفر أخوه ولا يجوز غيره إذ لا ولد للحسن معروف ولا أخ إلا جعفر في وصية أبيه كما أوصى جعفر بن محمد إلى عبد الله لمكان الأكبر » (٥).

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٩.

(٢) ن. م ص ١١٠.

(٣) ن. م ص ١١٠.

(٤) ن. م ص ١١٠ ـ ١١١.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١١.

٢٧٥

أما الفرقة التاسعة فقالت : إن الإمام محمد بن علي بإشارة أبيه إليه ونصبه له إماماً ونصه على اسمه وعينه ، ولا يجوز أن يشير الإمام بالإمامة والوصية إلى غير إمام فلا ثبتت إمامته على أبيه ، ثم بدا لله في قبضه في حياة أبيه أوصى محمد إلى جعفر أخيه بأمر أبيه ووصاه ودفع إليه الوصية والعلوم والسلاح إلى غلام يقال له نفيس كان في خدمة أبي الحسن ( الهادي ) وكان ثقة أميناً ... وهكذا فالإمامة صارت لجعفر بن علي بوصية أخيه محمد وهذه الفرقة تسمى النفيسية » (١).

وقد ظهرت فرقة من النفيسية قالت : « إن الإمامة لجعفر بوصية نفيس إليه عن محمد أخيه ، وأنكروا وصية الحسن بن علي ( العسكري ) وقالوا : لم يوصِ إليه أبوه ولا غير وصيته إلى محمد ابنه » (٢).

ويقول النوبختي وهذه الفرقة « تتقول على أبي محمد الحسن بن علي ( العسكري ) تقولاً شديداً وتكفره وتكفر من قال بإمامته وتغلو في القول في جعفر وتدعي أنه القائم وتفضله على ابن أبي طالب وتعتقد في ذلك بأن القاسم أفضل الخلق بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٣).

ويسمي سعد القمي هذه الفرقة النفيسية الخالصة (٤).

وتقول الفرقة العاشرة : إن الحسن بن علي قد توفي وهو الإمام وخلف ابناً بالغاً يقال له محمد وهو الإمام من بعده وأن الحسن العسكري أشار إليه ودل عليه وأمره بالإستتار في حياته خوفاً عليه ، فهو مستتر خائف تقية من عمه جعفر وأنه قد عرف في حياة أبيه ولا ولد للحسن بن علي ( العسكري ) غيره ، فهو الإمام وهو القائم لا محالة ، واعتلوا في ذلك بخبر يروي عن الصادق أنه قال « القائم من يخفي ولادته على الناس ويخمل ذكره ولا يعرفه الناس » (٥).

____________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٢.

(٢) ن. م ص ١١٣.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٨٩.

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٤.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٤.

٢٧٦

أما الفرقة الحادية عشرة : فقد قالت أيضاً بموت الحسن بن علي ( العسكري ) وأن لا خلفاً ذكراً يقال له علي ، وكذبوا القائلين بمحمد وزعموا أنه لا ولد للحسن غير علي وأنه قد عرفه خاصة أبيه وشاهدوه وهي فرقة قليلة بناحية سواد الكوفة (١).

وقالت الفرقة الثانية عشرة : « إن للحسن بن علي ولداً ولد بعده بثمانية أشهر وأنه مستتر لا يعرف اسمه ولا مكانه ، واعتلوا في تجويز ذلك بحديث يروي عن ابي الحسن الرضا أنه قال إنكم ستبتلون بالجنين في بطن أمه والرضيع » (٢).

الفرقة الثالثة عشرة ، قالت : « لا ولد للحسن بن علي أصلاً ... ولو جاز أن يقول في مثل الحسن بن علي ( العسكري ) وقد توفي ولا ولد له ظاهر معروف وأن له ولداً مستوراً لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف ولجاز مثل ذلك في النبي أن يقال خلف ابنا رسولاً » (٣).

أما الفرقة الرابعة عشرة : فقد اختلف عليها الأمر فقالت « إلا انا نقول أن الحسن بن علي ( العسكري ) كان إماماً مفترض الطاعة ثابت الإمامة وقد توفي وصحت وفاته والأرض لا تخلو من حجة فنحن نتوقف ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعده إذ لم يصح عندنا أن له خلفاً وخفي علينا أمره حتى يصح لنا الأمر ويتبين ونتمسك بالأول كما أمرنا ، أنه إذا هلك الإمام ولم يعرف الذي بعده فتمسكوا بالأول حتى يتبين لكم الآخر ، فنحن نأخذ بهذا ونلزمه ولا ننكر إمامة أبي محمد ( الحسن العسكري ) ولا موته ولا نقول إنه رجع بعد موته ولا نقطع على إمامة أحد من ولده » (٤).

نلاحظ أنه بعد أن وضحت فكرة الإمامة عند الشيعة وعرفوا منزلة الإمامة وصفاته كما علموا بوجوب الإمامة وعدم خلو الأرض منها ، وأن الإمامة محصورة في أولاد الحسين وأنها لا يمكن أن تكون إلا في

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٤.

(٢) ن. م ص ١١٤.

(٣) ن. م ص ١١٥.

(٤) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١١٥.

٢٧٧

الأعقاب وأعقاب الأعقاب ، لكن الشيعة واجهت في هذه الفترة أي بعد وفاة الحسن العسكري سنة ٢٦٠ هـ مشكلة هي اخفاء شخص الإمام وعدم معرفته وقد عللت الإمامية هذا الأختفاء تقية من السلطة الحاكمة وشدة طلبها للأئمة.

وقد سبب اختفاء الإمام ظهور الانقسامات والإختلافات الواسعة بين فرق الشيعة فظهرت فرق متعددة ذات دعوات متعددة (١).

ز ـ إمامة محمد بن الحسن المهدي ( صاحب الزمان ) :

أما الفرقة الخامسة عشرة فهي الإمامية (٢). ونلاحظ هنا ترد لفظة الإمامية لأول مرة عند سعد القمي والنوبختي أي بعد أن كملت السلسلة ووضح أمر الإمامة.

فالشيعة الإمامية قالت : « إن لله في أرضه بعد مضي الحسن بن علي ( العسكري ) حجة على عباده وخليفة في بلاده قائم بأمره من ولد الحسن ابن علي بن محمد بن علي الرضا ، مبلغ عن آبائه مودع عن أسلافه ما استودعوه من علوم الله وكتبه وأحكامه وفرائضه وسننه » (٣).

فنلاحظ أن الشيعة الإمامية تؤكد وجوب الإمامة وكونها في أولاد الحسن العسكري كما أن الإمام حافظ للعلوم والأحكام والفرائض.

ولما كانت الشيعة الإمامية ترى أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين ، « لذلك لا يجوز إلا أن يكون في عقب الحسن بن علي ابن محمد إلى فناء الخلق » (٤).

__________________

(١) وقد اعتمدت على المصادر الإمامية في بيان الانقسامات في فرق الشيعة ولو ان كتب الفرق الاُخرى كالفرق بين الفرق للبغدادي ، والملل والنحل للشهرستاني تتناول الإمامية وفرقهم إلا أن التطورات التي تذكرها المصادر الإمامية أوسع لتوضيح فكرة الإمامة عند الشيعة مما تذكره المصادر الاُخرى. وأحسن هذه المصادر هو كتاب فرق الشيعة للنوبختي وكتاب المقالات والفرق لسعد القمي لأن بقية المصادر تنقل عنهما.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٢ وانظر النوبختي ص ٩٠.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٢.

(٤) ن. م ص ١٠٢. وانظر :

.Monthomery Watt : The Reppaisal of Abbasid shi\'ism

٢٧٨

لذلك تمسكت الشيعة الإمامية بإمامة الحسن العسكري وأقرت بوفاته كما آمنت أن له خلفاً من صلبه وأنه الإمام بعد أبيه الحسن العسكري لكنه مستتر خائف مغمور ومأمور بذلك حتى يأذن الله عزّ وجلّ له فيظهر ويعلن أمره (١).

ومن هنا بدأت فكرة غيبة الإمام التي تطورت فيما بعد وأصبحت من عقائد الإمامية الأساسية المتعلقة بالإمامة.

وقد عللت الإمامية اختفاء الإمام تقية كما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حال نبوته بترك إظهار أمره والسكوت والإختفاء من أعدائه والإستتار وترك إظهار النبوة التي هي أجل وأعظم من الإمامة ومثلوا لذلك بالهجرة إلى الحبشة واختفاء النبي في الغار (٢).

كما احتجوا بحديث عن علي بن أبي طالب قال « إن الله لا يخلي الأرض من حجة له على خلقه ظاهراً معروفاً أو خافياً مغموراً لكي لا تبطل حجته وبيناته (٣)».

وقالوا : « هو غائب خائف مغمور مستور بستر الله متبع لأمره عزّ وجلّ ولأمر أبائه ، بل البحث عن أمره وطلب مكانه والسؤال عن حاله وأمره محرم لا يحل ولا يسع لأن في طلب ذلك وإظهار ما ستره الله عنا وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية لله والعون على سفك دمه ودماء شيعته وانتهاك حرمته » (٤).

وقالوا أيضاً في اختفائه : « والإمام أعلم بأمور نفسه وزمانه وحوادث أمور الله منا وقد قال أبو عبد الله جعفر بن محمد ( الصادق ) : وهو ظاهر الأمر معروف المكان مشهور الولادة والذكر لا ينكر نسبه ، شائع اسمه وذكره في الخاص والعام من سماني بإسمي فعليه لعنة الله وقد كان الرجل

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٣.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٣.

(٣) ن. م ص ١٠٤.

(٤) ن. م ص ١٠٤.

٢٧٩

من أوليائه وشيعته يلقاه في الطريق فيحيد عنه ولا يسلم عليه تقية ، فإذا لقيه أبو عبد الله شكره على فعله» (١).

وأوجبوا التقية في هذا الزمان « لشدة الطلب وضيق الأمر وجور السلطان عليهم وقلة رعايته لحقوق أمثالهم ، ومع ما لقي أبو الحسن من المتوكل وما حل بأبي محمد ( العسكري ) من صالح بن وصيف وما نالت الشعية من الأذى والتعنت » (٢).

كما تؤكد الشيعة الإمامية بأن إمامته قد صحت بشهادة الشهود « لأن الإشارة بالوصية من إمام إلى إمام بعده لا تصح ولا تثبت إلا بشهود عدول من خاصة الأولياء أقل ذلك شاهدان فما فوقهما » (٣).

وهكذا فالشيعة الإمامية تقول : « إن الإمامة في عقب الحسن بن محمد ما اتصلت أمور الله ولا ترجع إلى أخ ولا عم ولا ولد ، ولد ومات أبوه في حياة جده ولا يزول عن ولد الصلب ولا يكون أن يموت إمام إلا ولد له لصلبه وله ولد ولد » (٤).

فيلاحظ هنا التأكيد على إمامة الولد بعد الوالد.

ويذكر سعد القمي « فهذه سبيل الإمامة وهذا المنهاج الواضح والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية » (٥).

ويقول المفيد : « ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي » (٦).

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٥.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ١٠٥.

(٣) ن. م ص ١٠٦.

(٤) ن. م ص ١٠٦.

(٥) ن. م ص ١٠٦.

(٦) المفيد : أوائل المقالات ص ٧.

٢٨٠