نشأة الشيعة الامامية

نبيلة عبد المنعم داود

نشأة الشيعة الامامية

المؤلف:

نبيلة عبد المنعم داود


الموضوع : الفرق والمذاهب
الناشر: دار المؤرّخ العربي
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٢٠

وقد انتهي أمر أبي الخطاب فقد قتل مع سبعين شخصاً من أتباعه بالكوفة قتله عيسى بن موسى عامل الكوفة بعد أن بلغه أن أبا الخطاب وأتباعه أظهروا الإباحات (١).

وهكذا كانت الإمامة لا تزال غير مستقرة على خط معين ، إلا أن الشيعة التي قالت بإمامة جعفر الصادق ظلت ثابتة على إمامته حتى أشار إلى إمامة ابنه إسماعيل ، ويبدو أن إسماعيل كان على صلة بأبي الخطاب وأتباعه فقد روى الكشي عن المفضل بن عمر الجعفي وكان خطابياً أن الصادق قال له : يا كافر يا مشرك مالك ولا بني يعني إسماعيل بن جعفر وكان منقطعاً إليه يقول فيه مع الخطابية ، كما أن الصادق قال لإسماعيل : « أيت المفضل وقل له يا كافر يا مشرك ما تريد إلى ابني تريد أن تقتله » (٢).

ويذكر لويس « إن الكنية ( أبو إسماعيل ) التي يضيفها الكشي على أبي الخطاب إنما تشير إلى إسماعيل بن جعفر وأن أبا الخطاب كان المتبني لإسماعيل والأب الروحاني له » (٣).

ويناقش المفيد إمامة إسماعيل ويرى أن الصادق لم ينص على إمامته وإنما اعتقد الناس بها لكونه أكبر أولاد أبيه ولما رأوا من تعظيمه إياه (٤).

ويقول لويس : « ومن هذا كله نستطيع أن نستنتج مؤيدات قوية للفرضية القائلة بأن إسماعيل كان ذا صلة وثيقة بالأوساط المتطرفة والثورية التي أوجدت الفرقة المسماة بإسمه وبأن عزل جعفر له كان لهذه الصلة » (٥).

__________________

وصاموا وحجوا لجعفر بن محمد. وفرقة منهم قالت جعفر بن محمد هو الله وإنما هو نور يدخل في أبدان الأوصياء فيحل فيها مكان ذلك النور في جعفر ثم خرج منه فدخل في أبي الخطاب وصار جعفر من الملائكة. المقالات والفرق ص ٥١ ـ ٥٢.

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦١.

(٢) الكشي : الرجال ص ٢٧٢ ـ ٢٧٤.

(٣) لويس : أصول الإسماعيلية ص ١١٠.

(٤) المفيد : الفصول المختارة ج ٢ ص ٩١.

(٥) لويس : أصول الإسماعيلية ص ١١١.

٢٤١

وهكذا كانت الآراء التي جاء بها أبو الخطاب أصبحت أساساً للمذهب الإسماعيلي فيما بعد.

وقد مات إسماعيل في حياة أبيه فرجع بعض الشيعة عن القول بإمامة جعفر بن محمد الصادق وقالوا « كذبنا ولم يكن إماماً لأن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون .. فمالوا إلى مقالة البترية » (١).

والبترية إحدى فرق الزيدية التي وضح أمرها في هذه الفترة وتبنى آراءها أبناء الحسن ومنهم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (٢).

وهكذا كما يعتقد لويس « أنشأ أبو الخطاب وإسماعيل ـ متعاونين على ما يحتمل ـ نظام عقيدة صارت أساساً للمذهب الإسماعيلي فيما بعد وسعياً كذلك إلى خلق فرقة شيعية ثورية لتجمع كل الفرق الشيعية الضغرى على إمامة إسماعيل وذريته » (٣).

وقد انقسمت الشيعة بعد وفاة أبي عبد الله الصادق بالمدينة سنة ١٤٨ هـ (٤) ، إلى ست فرق (٥).

ففرقة قالت : إن جعفر بن محمد حي لما يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس وهو القائم المهدي وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال : إن رأيتم رأسي يدهده عليكم من جبل فلا تصدقوا فإني أنا صاحبكم وهذه الفرقة تسمى الناووسية نسبة إلى رئيس لهم يقال له « فلان بن فلان الناووس » (٦).

وفرقة « زعمت أن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه ، قالو وكان ذلك يلتبس على الناس لأنه خاف عليه

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٥٥.

(٢) ن. م ص ١٨.

(٣) لويس : أصول الإسماعيلية ص ١١٥.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٤٧٢.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٧٩.

(٦) ن. م ص ٨٠ ويذكر الشهرستاني الناووسية أتباع رجل يقال له ناووس وقيل نسبوا إلى قرية ناوساً. الملل والنحل ج ١ ص ٢٧٣.

٢٤٢

نفسه وزعموا أن إسماعيل لا يموت لا يموت حتى يملك الأرض ويقوم بأمور الناس ، إنه هو القائم لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده وقلدهم ذلك له ، وأخبرهم أنه صاحبهم والإمام لا يقول إلا الحق ... وهذه الفرقة هم الإسماعيلية الخالصة » (١).

ويقول الرازي « إن جعفر أشار إليه « إسماعيل » في حياته ودل الشيعة عليه فكانوا مجتمعين كلهم على أنه الإمام بعد أبيه » (٢).

ثم جعلت طائفة من الشيعة الإمامة لمحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وقالوا : « إن الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل وكان الحق له ، ولا يجوز غير ذلك لأنها لا تنقل من أخ إلى أخ بعد حسن وحسين وهؤلاء هم المباركية سموا كذلك برئيس لهم كان يسمى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر (٣).

وقد انضم إلى هذه الفرقة قسم من الخطابية قالوا : إن روح جعفر بن محمد حلت في أبي الخطاب ثم تحولت بعد غيبة أبي الخطاب في محمد ابن إسماعيل بن جعفر ثم ساقوا الإمامة في ولد محمد بن إسماعيل (٤).

وظهرت من المباركة فرقة أخرى قالت بإمامة محمد بن إسماعيل وتسمى القرامطة وكانوا في الأصل على مقالة المباركية إلا أنهم خالفوها فقالوا : لا يكون بعد محمد النبي إلا سبعة أئمة علي وهو إمام رسول والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ومحمد بن إسماعيل وهو الإمام القائم المهدي وهو رسول وزعموا أن النبي انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي نصب فيه علياً للناس بغدير خم .. وإن النبي بعد ذلك كان مأموماً بعلي محجوجاً به ، لما مضى علي صارت الإمامة في الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٠.

(٢) الرازي : الزينة الورقة ٢٣١.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨١.

(٤) النوبختي فرق الشيعة ص ١٦.

٢٤٣

الباقر ثم الصادق ثم انقطعت عن الصادق في حياته فصارت في إسماعيل كما انقطعت عنه وصارت في ابنه محمد (١).

وترى هذه الجماعة أن محمد بن إسماعيل هو القائم والمهدي وتقول : « جعل لمحمد بن إسماعيل دنة آدم ومعناها عندهم الإباحة للمحارم وجميع ما خلق في الدنيا وهو قول الله عز وجل ( فكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) ، أي موسى بن جعفر وولده من بعده ومن ادعى منهم الإمامة كما زعموا أن محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيين » (٢).

وهكذا كانت الحركة الإسماعيلية التي ظهرت في القرن الثاني للهجرة حركة دينية اجتماعية للشيعة متشبعة النواحي لعبت دوراً مهماً في التاريخ ، نشأت بتمازج عدة فرق من الغلاة ، ولعل بعضها كان من أصل فارسي كما أن أن فيها أصولاً سريانية وغنوصية (٣).

وجاءت بمبادئ وآراء جديدة لا مجال لذكرها هنا لخروجها عن نطاق البحث (٤).

ومن الشيعة من ساق الإمامة في محمد بن جعفر بعد أبيه واستدلوا على ذلك وتأولوا في إمامته خبراً زعموا « أنه رواه بعضهم أن محمد بن جعفر دخل ذات يوم على أبيه وهو صبي صغير فدعاه أبوه فاشتد يعدو نحوه فكباً وعثر بقميصه وسقط لحر وجهه فقام جعفر فعدا نحوه حافياً ، فحمله وقبل وجهه ومسح التراب عنه بثوبه وضمه إلى صدره ، وقال : سمعت أبي محمد بن علي يقول يا جعفر إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي وكنه بكنيتي فهو شبيهي وشبيه رسول الله ، فجعل هؤلاء الإمامة في محمد بن جعفر وفي ولده من بعده ، وهذه الفرقة تسمى السميطية وتنسب

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦١.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦١.

(٣) الدوري : دراسات في العصور العباسية المتأخرة ص ١٢٦.

(٤) انظر عن أصول الإسماعيلية ومبادئهم لويس : الدوري دراسات في العصور العباسية المتأخرة الفصل الخاص بالإسماعيلية والقرامطة.

٢٤٤

إلى رئيس يقال له يحيى بن أبي السميط وقال بعضهم الشميطية لأن رئيسهم كان يقال له يحيى بن أشمط (١).

ثم قالت فرقة اُخرى أي الإمامة انتقلت بعد جعفر إلى ابنه عبد الله لأنه كان أكبر أبناء أبيه سناً وجلس مجلس أبيه وادعى الإمامة ووصية أبيه واعتلوا بذلك بأخبار رويت عن جعفر وعن أبيه قبله قالاً : « الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا نصب ، فمال إلى عبد الله وإمامته جل من قال بإمامة أبيه وأكابر أصحابه إلا نفر يسير عرفوا الحق ، والمتحنوا عبد الله بالمسائل في الحلال والحرام والصلاة والزكاة فلم يجدوا عنده علماً ، وهذه الفرقة هي الفطحية سموا بذلك لأن عبد الله كان أفطح الرأس وقال بعضهم كان أفطح الرجلين (٢).

ويقول الرازي أنهم قالوا بإمامته « لأنه هو الذي تولى غسل أبيه بعد موته والصلاة عليه والإمام لا يصلي عليه إلا الإمام وأخذ خاتمه » (٣).

ويقول الرازي أيضاً « وروي أن جعفراً أودع اليه وديعة وأمره أن يدفعها إلى من يطلبها » (٤).

ولكن هذه الجماعة لم تستمر على إمامته عبد الله لأنه مات ولم يخلف ذكراً فشك القوم في إمامته « فرجع عامة الفطحية من القول بإمامته سوى قليل منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر وقد كان رجع جماعة منهم في حياته ثم رجع عامتهم بعد وفاته » (٥).

ويقول سعد القمي « ارتاب القوم في أمامة عبد الله واضطربوا وأنكروا ذلك للروايات الكثيرة التي رووها عن علي بن الحسين ومحمد بن علي

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٦. النوبختي يسميهم السمطية نسبة إلى يحيى بن أبي السميط ص ٦٥ ، الرازي في الزينة يقول الشمطية نسبة إلى يحيى بن أبي أشمط الورقة ٢٣٠.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٧.

(٣) الرازي : الزينة الورقة ٢٣١.

(٤) ن. م الورقة ٢٣١.

(٥) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٦.

٢٤٥

وجعفر بن محمد أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسنين ولا تكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى انقضاء الدنيا .. فرجعوا عن القول بإمامته » (١).

وحديث الإمامة لا تكون في أخوين لم يرد في المصادر الإمامية إلا عن الصادق ولكن سعد القمي ينفرد بأن الحديث كان عن علي بن الحسين والباقر فقد أورد الكليني عدة أحاديث عن الصادق تفيد بأن الإمامة لا تكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب (٢). ولعله أدق كما يروي سعد القمي أنه في زمن علي بن الحسين لوجود زيد والباقر وكون الإمامة للباقر ثم أن زيداً كان قد تكلم في الإمامة فظهر هذا الحديث ليقطع الطريق على زيد وعلى من ادعى الإمامة لزيد.

ب ـ إمامة موسى بن جعفر الكاظم :

أما الشيعة الذين ساروا في الإمامة على المنهاج الأول أي التسلسل من علي وأولاده فقالوا أن الإمامة بعد جعفر تكون لإبنه موسى بن جعفر وخطأوا إمامة عبد الله وكان فيهم من وجوه أصحاب جعفر بن محمد مثل : « هشام الجواليقي ، عبد الله بن يعفور ، وعمر بن يزيد بن بياع السابري ، ومحمد بن النعمان أبي جعفر الأحوال مؤمن الطاق ، وعبيد بن زرارة وغيرهم ... » (٣).

فموسى بن جعفر هو الإمام بعد أبيه جعفر الصادق وتستدل الشيعة على إمامته بعدة أدلة فقد أورد الكليني عدة روايات في النص على إمامة موسى بن جعفر قال عن أحمد بن مهران .. عن أبي عبد الله ( الصادق ) : « إن الفيض بن المختار (٤) قال لأبي عبد الله : خذ بيدي من النار من لنا بعدك فدخل عليه أبو إبراهيم ( موسى بن جعفر ) وهو يومئذ غلام فقال : هذا صاحبكم فتمسك به » (٥) وعن أحمد بن مهران ... عن معاذ بن كثير

__________________

(١) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٧.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٨٦.

(٣) سعد القمي ـ المقالات والفرق ص ٨٨.

(٤) الفيض بن المختار من أتباع الإمام جعفر الصادق ، الكشي ص ٣٠١.

(٥) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٧.

٢٤٦

عن أبي عبد الله قال « قلت له اسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها ، فقال : قد فعل الله ذلك قال : قلت : من هو جعلت فداك؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال : هذا الراقد وهو غلام » (١).

وعن أحمد بن مهران أيضاً عن المفضل بن عمر قال « كنت عند أبي عبد الله فدخل أبو إبراهيم وهو غلام فقال : استوصِ به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك » (٢).

ويورد عن أبي عبد الله أن منصوراً بن حازم سأله بحضرة عبد الله بن جعفر عمن يتولى الإمامة بعده فأشار إلى موسى بن جعفر وعمره ٥ سنين (٣).

وبهذا تنفي الشيعة إمامة عبد الله بن جعفر. وذكر الكليني عن محمد ابن يحيى عن عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمر بن علي ، عن أبي عبد الله قال « قلت له إن كان كون فبمن أئتم قال : بولده ، قلت : فإن حدث بولده حدث ، وترك أخاً كبيراً أو ابناً صغيراً فبمن أئتم؟ قال : بولده ثم قال : هكذا أبداً ، قلت : فإن لم أعرفه ولا أعرف موضعه؟ قال تقول اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي ، فإن ذلك يجزيك إن شاء الله » (٤).

فهذا تأكيد آخر من الصادق على إمامة ابنه موسى بن جعفر وإن الإمامة بعده في أولاده ونفي إمامة من ادعى الإمامة من غير موسى وأولاده وقد قال الصادق ذلك لكثرة ما ظهر في عصره من اختلافات في الإمامة وكثرة من ادعاها من ولده ومن دعا إليهم من أتباعه.

وأورد الكليني عن فيض بن المختار عن أبي عبد الله : أن فيضاً

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٨ ويقصد بالعبد الصالح موسى بن جعفر.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣٠٨.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣٠٩.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣٠٩.

٢٤٧

حدث الصادق في أمر أبي الحسن موسى بن جعفر حتى قال له أبو عبد الله : « هو صاحبك الذي سألت عنه فقم إليه فأقر له بحقه ، فقمت حتى قبلت رأسه ويده ودعوت الله له ، فقال أبو عبد الله : أما أنه لم يؤذن لنا في أو منك ، قال قلت : جعلت فداك فأخبر به أحداً؟ قال : نعم أهلك وولدك وكان معي أهلي وولدي ورفقائي فلما أخبرتهم حمدوا الله » (١).

ويبدو أن موسى بن جعفر كان أقرب إخوته إلى أبيه وأرفعهم منزلة عنده يدل على ذلك ما رواه الكليني من أن الصادق كان يلوم ابنه عبد الله الأفطح ويعاتبه ويقول : « ما منعك أن تكون مثل أخيك ، فوالله إني لأعرف النور في وجهه؟ فقال عبد الله : لم أليس أبي وأبوه واحداً وأمه وأمي واحدة فقال له أبو عبد الله : انه من نفسي وأنت ابني » (٢).

فهذا دليل آخر أكد به الصادق إمامة ابنه موسى من بين أولاده ، كما أن الصادق كان حذراً حتى في وصيته لموسى أبنه فلم يوص له فقط وإنما أشرك معه آخرين من أولاده ليبهم الأمر على المنصور آنئذ لشدته مع العلويين كما مر سابقاً ، فيروي المسعودي أن الصادق أوصى وصيته الظاهرة خوفاً على ابنه موسى وتقية إلى أربعة المنصور وابنه عبد الله الأفطح وابنته فاطمة وابنه موسى بن جعفر فقام موسى بأمر الإمامة سراً واتبعه المؤمنون (٣).

ويستدل الكليني على إمامة موسى بن جعفر بما رواه عن فيض بن المختار قال « إني لعند أبي عبد الله إذ أقبل أبو الحسن موسى وهو غلام فالتزمته وقبلته فقال أبو عبد الله : أنتم السفينة وهذا ملاحها ، قال : فحججت من قابل ومعي ألفاً دينار فبعثت بألف إلى أبي عبد الله وألف إليه ، فلما دخلت على أبي عبد الله قال يا فيض عدلته بي؟ قلت : إنما فعلت ذلك لقولك ، فقال : أما والله ما أنا فعلت ذلك ، بل الله عز وجل فعله به » (٤).

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣٠٩.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣١٠.

(٣) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٥٩.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١١.

٢٤٨

وهذا تأكيد آخر على إمامة موسى بن جعفر لأن الفيض عدله بأبيه الإمام كما أن إمامته منصوص عليها من الله.

ويذكر المسعودي أن من دلائل إمامة موسى بن جعفر ما رواه علي ابن حمزة الثمالي عن أبي بصير قال سمعت العبد الصالح يعني موسى بن جعفر يقول : لما وقع أبو عبد الله في مرضه الذي مضى فيه قال لي : يا بني لا يلي غسلي غيرك فإني غسلت أبي والأئمة يغسل بعضهم بعضاً » (١).

ويبدوا أن الشيعة في هذه الفترة كانت في شك من أمر الإمامة والظاهر أن الظروف السياسية واضطهاد العباسيين للشيعة دعت إلى التكتم في أمر الإمامة لا سيما في فترة الصادق كما مر سابقاً.

أما الشيخ المفيد فيشير إلى من أكد النص على إمامة موسى بن جعفر ويقول : وممن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد الله على ابنه أبي الحسن موسى بن جعفر من شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين منهم المفضل بن عمر الجعفي ومعاذ بن كثير وعبد بن الحجاج والفيض بن المختار ويعقوب السارج ... وقد روى ذلك من أخويه إسحاق وعلي ابنا جعفر وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان (٢).

ويضيف المفيد إلى الأدلة السابقة دليلاً آخر على إمامة موسى بن جعفر فيذكر رواية عن محمد بن الوليد قال « سمعت علي بن جعفر بن محمد لصادق يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد يقول لجماعة من خاصته وأصحابه : استوصوا بابني موسى خيراً فإنه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة الله تعالى على كافة خلقه من بعدي » (٣).

__________________

(١) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٦١.

(٢) المفيد : الإرشاد ص ٢٨٨ وقد ذكر المفيد أدلة إمامة موسى بن جعفر كما وردت عند الكليني مع إختلاف بسيط في الألفاظ واختلاف في بعض الأسانيد. انظر المفيد : الإرشاد ص ٢٨٩ ـ ٢٩٠.

(٣) المفيد : الإرشاد ص ٢٩٠.

٢٤٩

ويتكلم الطوسي عن إمامة موسى بن جعفر ويفند إمامة ما عداه ويستدل على إمامته بتواتر الشيعة بالنص عليه من أبيه ، وما ورد من القول بإمامة الإثني عشر يبطل إمامة من عداه ، لأن كل من قال ذلك قطع على إمامته بعد أبيه (١).

فموسى بن جعفر هو الإمام بعد أبيه لاجتماع خصال الفضل فيه ولنص أبيه عليه بالإمامة (٢).

ولكن الشيعة اختلفوا في إمامة موسى بن جعفر بعد أن حسبه الرشيد ومات في الحبس سنة ١٨٣ هـ (٣) ، وشكوا في إمامته وافترقوا إلى عدة فرق قالت جميعها بأن موسى بن جعفر حي لا يموت حتى يملك الأرض شرقها وغربها ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وأنه خرج من الحبس واختفى عن السلطان وقالوا : إنه القائم المهدي واعتلوا في ذلك بروايات من أبيه أنه قال « هو القائم المهدي فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنه القائم » (٤).

ومنهم من قال أنه قد مات وأنه القائم « وإن فيه سنة من عيسى بن مريم وكذبوا من قالوا أنه رجع ، ولكنه يرجع في وقت القيامة فيملأ الأرض عدلاً ورووا في ذلك خبراً عن أبيه أنه قال إن ابني هذا فيه سنة من عيسى بن مريم وان ولد العباس يأخذونه فيحسبونه مرتين فيقتل في المرة الثانية فقد قتل » (٥).

ومن الشيعة من أنكر قتل موسى بن جعفر وقالوا : « مات ورفعه الله إليه وأنه يرده عند قيامه فسموا هؤلاء جميعاً الواقفة لوقوفهم على موسى

__________________

(١) الطوسي : تلخيص الشافي. ج ٤ ص ٢٠٣.

(٢) النيسابوري : روضة الواعظين ج ١ ص ٢٥٤ ، ويذكر الطبرسي دلائل امامة موسى بن جعفر ويذكر في هذا الصدد روايات الكليني والمفيد. انظر أعلام الورى ص ٢٨٨ ـ ٢٩١ ، وكذ الأربلي فقد أخذ عن الكليني كما أخذ عن المفيد. انظر كشف الغمة ج ٣ ص ١٠ ـ ١٣.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٧.

(٤) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٧.

(٥) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩٠.

٢٥٠

ابن جعفر وأنه الإمام القائم ولم يأتموا بعده بإمام ولم يتجاوزوه إلى غيره » (١).

وقد ظهرت أيضاً فرقة اُخرى سماها سعد القمي الهمسوية وهؤلاء أتباع محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة ، قالوا : إن موسى بن جعفر غاب ولم يمت ولم يحبس وهو القائم المهدي وقد خلف على الأمة وقت غيبته محمد بن بشير وبعده ابنه سميع بن محمد فهو الإمام (٢).

فهذه الفرقة أخرجت الإمامة حتى من أولاد موسى إلى أناس لا صلة لهم بالشيعة والأئمة.

ويتكلم النوبختي عن الفرقة السابقة ويسميهم البشرية ويذكر أن لهم مبادئ كمبادئ الغلاة (٣).

أما الرازي فحين يتحدث عن الواقفة يقول : « إنما سموا بذلك لأنهم قالوا الإمام موسى بن جعفر بعد أبيه وزعموا أنه حي لا يموت وأنه القائم الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ووقفوا على القول بإمامته وأنكروا إمامة ابنه علي بن موسى بعده » (٤).

والوقف على الأئمة قد ظهر عند السبئيه التي أنكرت قتل علي بن أبي طالب وقالت بعودته بعد الموت ، كما ظهر عند الكيسانية التي قالت برجوع محمد بن الحنفية (٥).

__________________

(١) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٨. ويذكر النوبختي إن الواقفة لقبت عند مخالفيها ممن قال بإمامة علي بن موسى الرضا بالممطورة وغلب عليها هذا الاسم ، وسبب ذلك أن علياً بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظراً بعضهما فقال له علي بن إسماعيل الميثمي وقد اشتد الكلام بينهم ما أنتم إلا كلاب ممطورة ، أراد أنكم أنتن من جيف ... فلزمهم هذا اللقب فإذا قيل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة لأن كل من مضى له واقفة وقفت عليه وهذا اللقب لاصحاب موسى خاصة ص ٦٩.

(٢) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٩١.

(٣) النوبختي : فرق الشيعة ص ٧٠.

(٤) الرازي : الزينة الورقة ٢٣٥.

(٥) النوبختي : فرق الشيعة ص ١٩ ، ٢٠.

٢٥١

ويروي الصدوق أن السبب الذي من أجله قال بعض الشيعة بالوقف على موسى بن جعفر ، أن موسى عاش أيام الرشيد وقد كثر أعداؤه ومن يسعى به عند الرشيد ومن يقول أن لديه الأموال الكثيرة وأنه يدعي الإمامة ويروم الخروج ، فأراد موسى أن ينفي هذه الشائعات ففرق أمواله بين أصحابه ومنهم زياد القندي وكان عنده سبعون ألف دينار وعلي بن أبي حمزة وعنده ثلاثون ألف دينار ، فلما مات موسى بن جعفر وخلفه ابنه علي ابن موسى الرضا امتنعا من دفع المال وأنكرا موت موسى بن جعفر (١).

واستمر الواقفة على قولهم هذا إلا أن جماعة منهم رجعيت عن قولها بعد أن رأت أموراً من الرضا ودلائل فقالت بإمامته (٢).

جـ ـ إمامة علي بن موسى الرضا :

أما الشيعة أتباع موسى بن جعفر فقد قالت بعد وفاته بإمامة ابنه علي ابن موسى الرضا وهذه الفرقة القطعية « لأنها قطعت على وفاة موسى بن جعفر وعلى إمامة ابنه علي بن موسى الرضا ولم يشك في أمرها ولم يرتب وأقرت بموت موسى وأنه أوصى إلى ابنه علي وأشار إلى إمامته قبل حبسه وجرت على المنهاج الأول » (٣).

ويقصد بالمنهاج الأول تسلسل الإمامة في علي والحسن والحسين وأبناء الحسين.

ويقول الرازي : « سميت هذه الفرقة القطعية لقطعهم على موت موسى ابن جعفر والقول بإمامة علي بن موسى من بعده ثم بواحد بعد الآخر ولد علي بن موسى » (٤).

فالإمام بعد موسى بن جعفر أبو الحسن علي بن موسى الرضا بنص

__________________

(١) الصدوق : علل الشرائع ج ١ ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦.

(٢) النوبختي : فرق الشيعة ص ٦٩ وانظر عن الواقفة المفيد : الفصول المختارة من العيون والمحاسن ج ٢ ص ٩٣ ، الطوسي : الغيبة ص ١٩ وما بعدها.

(٣) سعد القمي : المقالات والفرق ص ٨٩.

(٤) الرازي : الزينة الورقة ٢٣٥.

٢٥٢

أبيه عليه واجتماع رؤوس أصحاب أبيه عليه (١).

وتستدل الشيعة على إمامته بوصية أبيه وبروايات تستدل منها على إمامته.

فقد ذكر الكليني عن أحمد بن مهران ... قال : حدثني المخزومي وكانت أمه من ولد جعفر بن أبي طالب قال « بعث إلينا أبو الحسن موسى فجمعنا ثم قال لنا : أتدرون لم دعوتكم؟ فقلنا : لا فقال : أشهدوا أن ابني هذا وصيي والقيم بأمري والخليفة من بعدي ، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن كانت له عندي عدة فلينجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه » (٢).

ويورد الكليني عن محمد بن الحسن ... عن ابن سنان قال دخلت على أبي الحسن موسى قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر إلي فقال : يا محمد أما أنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك ، قال : قلت وما يكون .. قال أصير إلى الطاغية ، أما أنه لا يبدأني منه سوء ومن الذي يكون بعده ، قال قلت : وما يكون قال : يضل الله الظالمين ويفعل ما يشاء قال قلت وما ذاك؟ قال : من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي حقه وجحد إمامته بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قلت : والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن له بإمامته قال : صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر له بإمامته وإمامة من يكون بعده قال : قلت : ومن ذاك قال : محمد ابنه » (٣).

ويروي المسعودي عن العباس بن محمد .. عن صفوان بن يحيى وعلي بن جعفر قالا : « كنا مع عبد بن الرحمن بن الحجاج بالمدينة فدخلناها بعدما حمل موسى فجاءنا إسحاق وعلي ابنا أبي عبد الله فشهدوا عند عبد الرحمن أن علي بن موسى وصي أبيه وخليفته من بعده » (٤).

__________________

(١) النيسابوري : روضة الواعظين ج ١ ص ٢٦٥.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١٢.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣١٩.

(٤) المسعودي : إثبات الوصية ص ١٦٦.

٢٥٣

ويذكر الصدوق وصية موسى بن جعفر لابنه الرضا ، عن حسن بن بشير قال « أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر ابنه علياً كما أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً يوم غدير خم فقال : يا أهل المدينة ، أو قام يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي » (١).

ويورد الصدوق حديثاً آخر في الوصية فيروي عن حيدر بن أيوب قال « كنا بالمدينة في موضع يعرف بالقباء فيه محمد بن زيد بن علي فجاء بعد الوقت الذي كان مجيئنا فيه فقلنا له : ما حبسك قال دعانا أبو إبراهيم ( موسى بن جعفر ) اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمة فاشهدنا لعلي ابنه بالوكالة والوصية في حياته وبعد موته ، وأن أمره جايز عليه وله ثم قال محمد بن زيد : والله يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم وليقولن الشيعة به من بعده قال حيدر قلت : بل يبقيه الله وأي شيء هذا؟ قال يا حيدر إذا أوصى إليه عقد له الإمامة » (٢).

ويذكر الكليني نص وصية موسى بن جعفر لابنه علي بن موسى الرضا ومما جاء فيها : « وإني قد أوصيت إلى علي وبني بعد معه وإن شاء وآنس منهم رشداً وأحب أن يقرهم فذاك له وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وموالي وصبياني الذين خلفت وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأم أحمد وإلى علي أمر نسائي دونهم وثلث صدقة أبي وثلثي يضعه حيث يرى ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله ، فإن أحب أن يبيع أو يهب أو يتصدق بها على من سميت له وعلى غير من سميت فذاك له وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي ... وإن أراد رجل منهم أو يزوج أخته فليس له أن يزوجها إلا بإذنه وأمره .. وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممن ذكرت فهو من الله ومن رسوله بريء والله ورسوله منهم براء وعليه لعنه الله ... » (٣).

__________________

(١) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٨.

(٢) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٨.

(٣) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١٧ ، وذكر الصدوق نص وصية موسى بن جعفر إلى ابنه

٢٥٤

وتستدل الشيعة أيضاً على إمامة علي بن موسى الرضا بعدة أدلة اُخرى وأحاديث ترويها عن أبيه ومن ذلك ما رواء الكليني ، فقد روي عن أحمد بن مهران ... عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة قال « دخلت على أبي إبراهيم وعنده أبو الحسن ( الرضا ) فقال لي : يا زياد هذا ابني فلان ، كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله » (١).

وذكر رواية اُخرى عن أحمد بن مهران عن محمد بن علي ... قال « جئت إلى أبي إبراهيم بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت : أصلحك الله لأي شيء تركته عندي؟ قال إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك فلما جاءنا نعيه بعث إلي أبو الحسن ابنه فسألني ذلك المال فدفعته إليه » (٢).

كما ذكر عن محمد بن يحيى ... عن الحسين بن نعيم الصحاف قال « كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين : كنت عند العبد الصالح ( موسى بن جعفر ) جالساً فدخل عليه ابنه علي فقال لي : يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي أما إني قد نحلته كنيتي ... » (٣).

وروي عن نعيم القابوسي عن ابن الحسن أنه قال « إن ابني علياً أكبر ولدي وابرهم عندي وأحبهم إلي وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي » (٤). وأورد عن الحسين بن محمد ... عن محمد بن اسحاق بن عمار قال « قلت لأبي الحسن الأول ( موسى بن جعفر ) ألا تدلني إلى من أخذ عنه ديني ، فقال : هذا ابني علي إن أبي أخذ بيدي

__________________

الرضا كما ذكرها الكليني مع إختلاف في بعض العبارات والأسناد ، الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٣٣ ـ ٣٦.

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١٢.

(٢) ن. م ج ١ ص ٣١٣.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣١١.

(٤) ن. م ج ١ ص ٣١١ ، والجفر كما يروي الكليني عن أبي عبد الله : « وعاء من أدم فيه علم النبيّين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل » انظر ج ١ ص ٢٣٩.

٢٥٥

فأدخلني إلى قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا بني إن الله عزّ وجلّ قال ( إني جاعل في الأرض خليفة ) (١) وإن الله عزّ وجلّ إذا قال قولاً وفى به » (٢).

وروي أيضاً عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار ... عن داود الرقي قال « قلت لأبي الحسن موسى : إني قد كبرت سني ودق عظمي وإني سألت أباك فأخبرني بك فأخبرني من بعدك فقال : هذا أبو الحسن الرضا » (٣).

فهذه كلها نصوص للتدليل على إمامة الرضا وقد أسهبت المصادر الإمامية في كلامها على إمامة الرضا نتيجة لما ساد تلك الفترة من الإختلافات وظهور الدعوات والفرق المتعددة حول الإمامة كما مر بنا (٤).

فعلي بن موسى الرضا هو الإمام بعد أبيه « لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وورعه وإجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه ومعرفتهم به منه ولنص أبيه على إمامته من بعده وإشارته إليه بذلك (٥).

ويبدو أنه قد أصبح لعلم الإمام أهمية خاصة سيما وأن الرضا عاش أيام المأمون وقد بينا ما حفل به عصر المأمون من التيارات الفكرية المختلفة وتشجيع المأمون للحركة الثقافية.

ويحدثنا الصدوق عن كثرة المناظرات التي كانت تدور بين الرضا والمتكلمين من أهل الفرق المختلفة وأغلب هذه المناظرات كانت حول

____________

(١) سورة البقرة ٢ : ٣٠.

(٢) الكليني : الكافي ج ١ ص ٣١٢.

(٣) ن. م ج ١ ص ٣١٢.

(٤) انظر عن دلائل إمامة الرضا ما أورده الصدوق حيث ذكر ثمانية وعشرين نصاً وقد أخذ عن الكليني مع إختلاف في الأسانيد والألفاظ ، عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢١ ـ ٤٠ وقد أخذ المفيد أيضاً عن الكليني في باب إمامة الرضا وأورد نفس الروايات الإرشاد ص ٣٠٤ وما بعدها ، وكذا فعل الطوسي انظر الغيبة ص ٢٤ وما بعدها وانظر أيضاً الطبرسي أعلام الورى ص ٣٠٣ وما بعدها حيث أخذ عن الكليني أيضاً أما الأربلي في كشف الغمة في معرفة الأئمة فقد أخذ عن المفيد كما أخذ عن الكليني ج ٣ ص ٦٣ ـ ٦٦.

(٥) المفيد : الإرشاد ص ٣٠٤.

٢٥٦

مسألة الإمامة ومنزلة آل البيت من النبي ووراثتهم له.

ويذكر الصدوق : « إن المأمون كان يجلب على الرضا متكلمي الفرق والأهواء المضلة وكل من سمع به حرصاً على انقطاع الرضا عن الحجة مع واحد منهم وذلك حسداً منه له ولمنزلته من العلم فكان لا يكلم أحداً إلا أقر له بالفضل وألزم الحجة له عليه » (١).

فمن جملة المناظرات التي ذكرها الصدوق أن الرضا سئل عن العترة أهم الآل أم غير الآل فقال : « هم الآل فقالت العلماء : فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال : أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه آل محمد أمته فقال أبو الحسن : أخبروني فهل تحرم الصدقة على الآل قالوا : نعم قال : فتحرم على الأمة قالوا : لا قال : هذا فرق بين الآل والأمة ... أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المضطفين المهتدين دون سائرهم قالوا : ومن يا أبا الحسن فقال : من قول الله ( ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهم النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) (٢) فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين ‌» (٣).

كما يذكر الصدوق أن مناظرة جرت في مجلس المأمون بين الرضا وعدد من العلماء بين فيها الرضا فضل آل البيت ومنزلتهم فقد سأل المأمون عن معنى الآية : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) (٤) فقالت العلماء : أراد الله بذلك الأمة كلها فسأل المأمون الرضا عن ذلك فقال : أراد الله العترة الطاهرة لأنه لو أراد الأمة لكانت أجمعها في الجنة بقول الله : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) (٥) ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال : ( جنات عدن

__________________

(١) الصدوق : التوحيد ص ٣٢٩ ـ ٣٣٠.

(٢) سورة الحديد ٥٧ : ٢٦.

(٣) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٣٠ وانظر الطبري : بشارة المصطفى ص ٢٨٢.

(٤) سورة فاطر ٣٥ : ٣٢.

(٥) سورة فاطر ٣٥ : ٣٢.

٢٥٧

يدخلونها ... ) (١) فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم ، فقال المأمون : من العترة الطاهرة فقال الرضا : الذين وصفهم الله في كتابه فقال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ... ) (٢) وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي (٣).

وآية التطهير وحديث الثقلين من أهم الأدلة عند الشيعة الإمامية في حصر الإمامة في علي وأولاده كما مر بنا ، وبهذا احتج الرضا على المأمون وأكد أن الوراثة فيهم لا لغيرهم.

كما أن الرضا بين أنهم أمس برسول الله من غيرهم فيذكر المفيد أن المأمون سأل الرضا قال « يا أبا الحسن ... إني فكرت في أمرنا وأمركم ونسبنا ونسبكم فوجدت الفضلية فيه واحدة ورأيت أختلاف شيعتنا في ذلك محمولاً على الهوى والعصبية ... فقال الرضا : لو أن الله بعث محمداً فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الأكمام فخطب إليك ابنتك أكنت تزوجه إياها فقال : يا سبحان الله وهل أحد يرغب عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال الرضا : افتراه يحل له أن يخطب إلي قال : فسكت المأمون ثم قال : أنتم والله أمس برسول الله رحماً » (٤).

وهكذا استطاع الرضا أن يؤكد حقه بالإمامة لاتصاله برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووراثته إياه.

ونظراً للإختلافات في أمر الإمامة فقد

أوضح الرضا الإمامة ومنزلة الإمام ودلائله ورتبته وصفاته.

ففي وصف الإمامة قال « إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً بإختيارهم ، إن الإمامة خص الله عزّ وجلّ بها

__________________

(١) سورة النمل ١٦ : ٣١.

(٢) سورة الأحزاب ٣٣ : ٣٣.

(٣) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢٢٩.

(٤) المفيد : الفصول المختارة من العيون والمحاسن ج ١ ص ١٥ ـ ١٦.

٢٥٨

إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها جلّ ذكره فقال : ( إني جاعلك للناس إماماً ) (١) ، فقال الخليل سروراً بها ( ومن ذريتي ) (٢) قال الله تبارك وتعالى ( لا ينال عهدي الظالمين ) (٣) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) (٤).

فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض حتى ورثها الله تعالى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال جل وتعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) (٥) فكانت له خاصة فقلدها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً عليه‌السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى : ( وقال الذين اوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ) (٦) فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد » (٧).

يبدو من هذا أن الإمامة عهد من الله وليس بإختيار البشر ولا ينالها الظالمون وأنها في الصفوة من ذرية الأنبياء وقد أورثها الله محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قلدها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علياً ثم إختار الله لها من ذرية علي الأصفياء.

ويقول أيضاً في الإمامة « إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء ان الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومقام أمير المؤمنين ( علي )

__________________

(١) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٢) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٣) سورة البقرة ٢ : ١٢٤.

(٤) سورة الأنبياء ٢١ : ٧٢.

(٥) سورة آل عمران ٣ : ٦٨.

(٦) سورة الروم ٣٠ : ٥٦.

(٧) الكليني : الكافي ج ١ ص ١٩٩.

٢٥٩

وميراث الحسن والحسين » (١).

كما أن وجود الإمام واجب لأن « بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف » (٢).

كما أن من واجبات الإمام أن يحل حلال الله ويحرم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، والحجة البالغة » (٣).

أما صفات الإمام فهي : « الإمام البدر المنير ، السراج الزاهر ، النور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى ... الشمس المضيئة والسماء الظليلة ... الأنيس الرفيق الوالد الشفيق ... أمين الله في خلقه وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله ، والذاب عن حرم الله.

الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ... وهو واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ... » (٤).

ولما كانت هذه الصفات غير متوفرة إلا في آل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك فقد خصهم الله تعالى بالإمامة دون غيرهم.

فهكذا أبان الرضا الإمامة وشروطها وصفات الإمام وقد أصبحت هذه المبادئ فيما بعد من المبادئ الأساسية حيث بنيت عليها نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية كما سنرى.

إلا أن الشيعة اختلفت في أمر إمامة علي بن موسى الرضا كما اختلفت في إمامة من سبقه.

__________________

(١) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٠٠.

(٢) ن. م ج ١ ص ٢٠٠.

(٣) ن. م ج ف ١ ص ٢٠٠.

(٤) الكليني : الكافي ج ١ ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ وانظر أيضاً الصدوق : عيون أخبار الرضا ج ١ ص ٢١٦ ـ ٢٢٢ فقد ذكر ما جاء في الكليني مع بعض الإضافات.

٢٦٠